تيسير وتكميل شرح ابن عقيل على ألفيّة ابن مالك - ج ١

الدكتور محمّد علي سلطاني

تيسير وتكميل شرح ابن عقيل على ألفيّة ابن مالك - ج ١

المؤلف:

الدكتور محمّد علي سلطاني


الموضوع : اللغة والبلاغة
الناشر: دار العصماء
الطبعة: ١
الصفحات: ٢٨٨

وَالزَّكاةِ ما دُمْتُ حَيًّا» (١) أي : مدة دوامي حيا.

معانى الأفعال الناقصة :

ومعنى «ظلّ» : اتصاف المخبر عنه بالخبر نهارا ، ومعنى «بات» : اتصافه به ليلا ، «وأضحى» : اتصافه به في الضحى ، و «أصبح» : اتصافه به في الصباح ، و «أمسى» : اتصافه به في المساء ، ومعنى «صار» التحوّل من صفة إلى صفة أخرى ، ومعنى «ليس» : النفي ، وهي عند الإطلاق لنفي الحال نحو «ليس زيد قائما» أي الآن ، وعند التقييد بزمن على حسبه نحو : «ليس زيد قائما غدا» ، ومعنى «ما زال وأخواتها» : ملازمة الخبر المخبر عنه على حسب ما يقتضيه الحال نحو : «ما زال زيد ضاحكا ، وما زال عمرو أزرق العينين» ، ومعنى «دام» : بقي واستمرّ.

__________________

(١) قال تعالى : (قالَ : إِنِّي عَبْدُ اللهِ ، آتانِيَ الْكِتابَ وَجَعَلَنِي نَبِيًّا ، وَجَعَلَنِي مُبارَكاً أَيْنَ ما كُنْتُ وَأَوْصانِي بِالصَّلاةِ وَالزَّكاةِ ما دُمْتُ حَيًّا) مريم (٣٠ و ٣١).

ما : مصدر ظرفية ، دمت : دام : فعل ماض ناقص والتاء في محل رفع اسم دام ، حيا : خبر منصوب بالفتحة. وجملة : دمت حيا : صلة للموصول الحرفي لا محل لها من الإعراب ، وما المصدرية مع ما دخلت عليه في تأويل مصدر منصوب على الظرفية الزمانية متعلق بأوصاني ، والتقدير : وأوصاني بالصلاة والزكاة مدة دوامي حيا.

فائدة : ما المصدرية الظرفية هي التي تؤول مع ما بعدها بمصدر مع نيابتها في المعنى عن ظرف الزمان الذي كان مقدرا في الأصل قبلها ، فالتقدير في الأصل : أوصاني بالصلاة والزكاة مدة دوامي حيا ، فمدة : ظرف زمان متعلق بأوصاني ، دوامي : مضاف إليه ، ثم حذف المضاف وناب عنه المضاف إليه كقولنا : زرتك غروب الشمس والأصل : وقت غروب الشمس ولو كانت «ما» هي الدالة على الزمان بنفسها لكانت اسما ولما جاز أن نعربها حرفا.

٢٤١

تصرف الأفعال الناقصة :

وغير ماض مثله قد عملا

إن كان غير الماض منه استعملا (١)

هذه الأفعال على قسمين :

(أ) أحدهما ما يتصرّف (٢) وهو ما عدا : ليس ودام.

(ب) والثاني ما لا يتصرّف وهو : ليس ودام (٣).

فنبّه بهذا البيت على أنّ ما يتصرف من هذه الأفعال يعمل غير الماضي منه عمل الماضي ، وذلك هو : المضارع ، نحو «يكون زيد قائما» ، قال الله تعالى : (وَيَكُونَ الرَّسُولُ عَلَيْكُمْ شَهِيداً)(٤) والأمر نحو : «كُونُوا

__________________

(١) غير : مبتدأ ، ماض : مضاف إليه مجرور بالكسرة المقدرة على الياء المحذوفة لالتقاء الساكنين ، مثله : مثل مفعول به مقدم للفعل (عمل) وجملة : عمل مع الفاعل المستتر في محل رفع خبر للمبتدأ غير. كان : فعل ماض ناقص مبني على الفتح في محل جرم فعل الشرط ، غير : اسمها مرفوع ، استعمل : فعل ماض مبني للمجهول مبني على الفتح ، ونائب الفاعل ضمير مستتر جوازا تقديره هو ، والألف للإطلاق ، والجملة في محل نصب خبر لكان ، وجواب الشرط محذوف دلّ عليه ما قبله والتقدير : إن استعمل غير الماضي عمل عمل الماضي.

(٢) ما يتصرّف يشمل قسمين هما :

(أ) ناقص التصرف وهو : زال ، وبرح ، وفتيء وانفك ، فليس لها أمر ولا مصدر.

(ب) تام التصرف وهو الباقي ما عدا «ليس ، دام» وتمام التصرف هنا نسبي نعني به مجيء الماضي والمضارع والأمر والمصدر واسم الفاعل ، ولم يأت منها اسم مفعول مثلا.

(٣) جمود «ليس» متفق عليه ، أما «دام» فقد جعلها بعضهم من القسم الناقص التصرف.

(٤) من قوله تعالى : (وَكَذلِكَ جَعَلْناكُمْ أُمَّةً وَسَطاً لِتَكُونُوا شُهَداءَ عَلَى النَّاسِ وَيَكُونَ الرَّسُولُ عَلَيْكُمْ شَهِيداً) البقرة (١٤٣).

٢٤٢

قَوَّامِينَ بِالْقِسْطِ» (١) ، قال الله تعالى : (قُلْ : كُونُوا حِجارَةً أَوْ حَدِيداً)(٢) ، واسم الفاعل نحو : «زيد كائن أخاك» قال الشاعر :

٦٤ ـ وما كلّ من يبدي البشاشة كائنا

أخاك إذا لم تلفه لك منجدا (٣)

__________________

(١) من قوله تعالى : (يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُونُوا قَوَّامِينَ بِالْقِسْطِ شُهَداءَ لِلَّهِ وَلَوْ عَلى أَنْفُسِكُمْ أَوِ الْوالِدَيْنِ وَالْأَقْرَبِينَ) الآية (١٣٥) من سورة النساء. كونوا : فعل أمر ناقص مبني على حذف النون لاتصاله بواو الجماعة ، والواو : ضمير متصل في محل رفع اسمها ، قوامين : خبر منصوب بالياء لأنه جمع مذكر سالم.

(٢) قال تعالى : «وَقالُوا : أَإِذا كُنَّا عِظاماً وَرُفاتاً أَإِنَّا لَمَبْعُوثُونَ خَلْقاً جَدِيداً ، قُلْ : كُونُوا حِجارَةً أَوْ حَدِيداً أَوْ خَلْقاً مِمَّا يَكْبُرُ فِي صُدُورِكُمْ ، فَسَيَقُولُونَ : مَنْ يُعِيدُنا؟ قُلِ : الَّذِي فَطَرَكُمْ أَوَّلَ مَرَّةٍ» الإسراء (٤٩ ـ ٥١).

(٣) لم ينسب البيت إلى قائل معيّن. تلفه : تجده.

المعنى : ليس الأخ الحقيقي هو الذي يتظاهر بالبشاشة وإنما هو المنجد عند الضيق والمعين في الملمات.

الإعراب : ما : نافية حجازية تعمل عمل ليس ، كل : اسمها ، من : اسم موصول في محل جر بالإضافة ، يبدي : فعل مضارع مرفوع بالضمة المقدرة للثقل ، والفاعل : هو يعود إلى «من» ، البشاشة : مفعول به منصوب ، كائنا : خبر «ما» منصوب ، وهو اسم فاعل من «كان» الناقصة ، واسمه ضمير مستتر جوازا تقديره هو يعود إلى «من» ، أخاك : خبر كائنا منصوب بالألف لأنه من الأسماء الستة ، والكاف في محل جر بالإضافة ، إذا : ظرف متضمن معنى الشرط في محل نصب على الظرفية الرمانية ، متعلق بجواب الشرط المحذوف لدلالة ما قبله عليه. لم : حرف جازم ، تلفه : تلف : فعل مضارع مجزوم بحذف حرف العلة ، والفاعل : أنت ، والهاء في محل نصب مفعول به أوّل ، لك : جار ومجرور متعلق بمنجدا ، منجدا : مفعول به ثان منصوب. جملة : ما مع معموليها : ابتدائية لا محل لها من الإعراب ، جملة (يبدي البشاشة) صلة الموصول لا محل لها من الإعراب ، جملة : لم تلفه : في محل جر بإضافة الظرف إليها.

الشاهد فيه : قوله : كائنا أخاك فقد أعمل اسم الفاعل (كائنا) عمل الماضي (كان) فرفع به الاسم ونصب الخبر.

٢٤٣

والمصدر كذلك. واختلف الناس في «كان» الناقصة : هل لها مصدر أم لا؟ والصحيح أنّ لها مصدرا (١) ، ومنه قوله :

٦٥ ـ ببذل وحلم ساد في قومه الفتى

وكونك إيّاه عليك يسير (٢)

وما لا يتصرف منها هو : دام وليس.

وما كان النفي أو شبهه شرطا فيه ـ وهو زال وأخواتها ـ لا يستعمل منه أمر ولا مصدر.

أحكام الخبر :

وفي جميعها توسّط الخبر

أجز ، وكلّ سبقة «دام» حظر (٣)

__________________

(١) مصدر كان : الكون والكينونة ومصادر أخواتها : صار ، بات ، ظلّ ، أصبح ، أمسى ، أضحى على الترتيب الصير والصيرورة ، البيات والبيتوتة ، والظلول ، والإصباح ، والإمساء ، والإضحاء.

(٢) لم ينسب البيت إلى قائل معيّن. البذل : العطاء ، الحلم : الصفح.

المعنى : إنما يسود الفتى قومه بجوده وسعة صدره وجميل صفحه ، وسهل عليك أن تتصف بذلك إذا صحّ عزمك.

الإعراب : ببذل : جار ومجرور متعلق بفعل ساد ، الفتى : فاعل ساد مرفوع بالضمة المقدرة على آخره للتعذر ، وكونك : الواو : استئنافية ، كون : مبتدأ مرفوع ، والكاف : ضمير متصل في محل جر بالإضافة من إضافة مصدر الفعل الناقص إلى اسمه ، إياه : إيا : خبر المصدر كون مبني على السكون في محل نصب ، والهاء : حرف دال على الغيبة : عليك : جار ومجرور متعلق بيسير ، يسير : خبر للمبتدأ «كون» مرفوع بالضمة.

الشاهد فيه : قوله : «كونك إيّاه» فقد أعمل مصدر الفعل الناقص عمل الماضي فرفع به الاسم ونصب الخبر.

(٣) في جميع : جار ومجرور متعلق بأجز ، وها : ضمير متصل في محل جر بالإضافة ، توسط : مفعول به مقدم لأجز ، أجز : فعل أمر ، والفاعل أنت ، كل : مبتدأ ،

٢٤٤

مراده أن أخبار هذه الأفعال ـ إن لم يجب تقديمها على الاسم ، ولا تأخيرها عنه ـ يجوز توسّطها بين الفعل ، والاسم ، فمثال وجوب تقديمها على الاسم قولك : «كان في الدار صاحبها» ، فلا يجوز ههنا تقديم الاسم على الخبر لئلا يعود الضمير على متأخر لفظا ورتبة.

ومثال وجوب تأخير الخبر عن الاسم قولك : «كان أخي رفيقي» ، فلا يجوز تقديم «رفيقي» على أنه خبر لأنه لا يعلم ذلك ، لعدم ظهور الإعراب.

ومثال ما توسّط فيه الخبر قولك : «كان قائما زيد» ، قال الله تعالى : (وَكانَ حَقًّا عَلَيْنا نَصْرُ الْمُؤْمِنِينَ)(١) ، وكذلك سائر أفعال هذا الباب ـ من المتصرف وغيره ـ يجوز توسّط أخبارها بالشرط المذكور. ونقل صاحب الإرشاد خلافا في جواز تقديم خبر «ليس» على اسمها ، والصواب جوازه ، قال الشاعر :

٦٦ ـ سلي ـ إن جهلت ـ النّاس عنّا وعنهم

فليس سواء عالم وجهول (٢)

__________________

وخبره جملة : حظر سبقه دام. سبقه : سبق : مفعول به مقدم لحظر ، والهاء : في محل جر بالإضافة من إضافة المصدر إلى فاعله. ودام : مفعول به للمصدر (سبقه) مقصود لفظها.

(١) من قوله تعالى : (وَلَقَدْ أَرْسَلْنا مِنْ قَبْلِكَ رُسُلاً إِلى قَوْمِهِمْ فَجاؤُهُمْ بِالْبَيِّناتِ فَانْتَقَمْنا مِنَ الَّذِينَ أَجْرَمُوا وَكانَ حَقًّا عَلَيْنا نَصْرُ الْمُؤْمِنِينَ) الروم (٤٧) حقا : خبر كان مقدم ، علينا : جار ومجرور متعلق بحقا ، نصر : اسم كان مؤخر ، المؤمنين : مضاف إليه مجرور بالياء لأنه جمع مذكر سالم.

(٢) البيت من قصيدة شهيرة للشاعر اليهودي السموءل بن عادياء.

المعنى : اسألي من يعلم الحقائق عنا وعن هؤلاء الذين تقدمينهم علينا ، فالعالم والجاهل لا يستويان.

الإعراب : سلي : فعل أمر مبني على حذف النون ، والياء : في محل رفع فاعل ، إن : حرف شرط جازم ، جهلت : جهل : فعل ماض مبني على السكون في محل جزم

٢٤٥

وذكر ابن معط أن خبر «دام» لا يتقدم على اسمها ، فلا تقول : «لا أصاحبك ما دام قائما زيد» ، والصواب جوازه ، قال الشاعر :

٦٧ ـ لا طيب للعيش ما دامت منغّصة

لذاته بادّكار الموت والهرم (١)

وأشار بقوله : «وكلّ سبقه دام حظر» إلى أنّ كلّ العرب ـ أو كلّ النحاة ـ منع سبق خبر «دام» عليها ، وهذا إن أراد به أنهم منعوا تقديم خبر دام على «ما» المتصلة بها نحو «لا أصحبك قائما ما دام زيد»

__________________

فعل الشرط ، والتاء : فاعل ، وجواب الشرط محذوف دلّ عليه ما قبله والتقدير : إن جهلت فسلي ، الناس مفعول به لسلي ، عنا : عن حرف جر نا : ضمير متصل في محل جر بعن ، متعلق بسلي ، فليس : الفاء : تعليلية ، ليس : فعل ماض ناقص ، سواء : خبر ليس مقدم منصوب ، عالم : اسم ليس مؤخر ، جهول : معطوف على اسم ليس بالواو.

الشاهد فيه : قوله : «ليس سواء عالم وجهول» فقد قدّم خبر ليس وأخّر اسمها وذلك سائغ جائز خلافا للمانع.

(١) لم نقف على نسبة هذا البيت إلى قائل معيّن. منغصة : مكدرة ، ادكار : تذكّر المعنى : ليس للحياة لذة خالصة محضة ما دامت مشوبة دائما بتذكر الشيخوخة والموت.

الإعراب : لا : نافية للجنس تعمل عمل إنّ ، طيب : اسمها مبنيّ على الفتح في محل نصب للعيش : جار ومجرور متعلق بمحذوف خبر : لا ، ما : مصدرية ظرفية ، دامت : دام : فعل ماض ناقص ، والتاء : للتأنيث ، منغصة : خبر دام مقدّم ، لذات : اسم مؤخر لدام مرفوع ، والهاء : في محل جر بالإضافة ، بادّكار : جار ومجرور متعلق بمنغصة ، الموت : مضاف إليه من إضافة المصدر إلى مفعوله ، الهرم : معطوف على الموت بالواو.

جملة : لا طيب للعيش : ابتدائية لا محل لها من الإعراب ، و «ما» وما دخلت عليه في تأويل مصدر منصوب على الظرفية متعلق بمحذوف حال من العيش والتقدير : لا طيب للعيش دوام ادكار الموت والهرم.

الشاهد فيه : قوله : ما دامت منغصة لذاته ، فقد قدّم خبر ، «ما دام» على اسمها خلافا لمن منع ذلك.

٢٤٦

فمسلّم ، وإن أراد أنهم منعوا تقديمه على «دام» وحدها نحو «لا أصحبك ما قائما دام زيد» (١) ـ وعلى ذلك حمله ولده في شرحه ـ ففيه نظر ، والذي يظهر أنه لا يمتنع تقديم خبر «دام» على «دام» وحدها ، فتقول : «لا أصحبك ما قائما دام زيد» كما تقول : «لا أصحبك ما زيدا كلمت».

* * *

كذاك سبق خبر «ما» النّافية

فجئ بها متلوّة لا تاليه (٢)

يعني أنه لا يجوز أن يتقدّم الخبر على «ما النافية» (٣) ، ويدخل تحت هذا قسمان :

أحدهما : ما كان النفي شرطا في عمله نحو «ما زال» وأخواتها ، فلا تقول : «قائما ما زال زيد» ، وأجاز ذلك ابن كيسان والنحاس (٤).

والثاني : ما لم يكن النفي شرطا في عمله نحو : «ما كان زيد قائما» ، فلا تقول : «قائما ما كان زيد» ، وأجازه بعضهم.

__________________

(١) قائما : خبر دام الناقصة تقدم عليها وحدها دون «ما» المصدرية وإجماعهم على منع التقديم على «ما» نفسها مبني على أنه لا يجوز أن يتقدم شيء من الصلة على الموصول حرفيا كان أو اسميا.

(٢) كذاك : الكاف : حرف جر ، ذا : اسم إشارة في محل جر بالكاف ، متعلق بمحذوف خبر مقدم ، والكاف للخطاب ، سبق : مبتدأ مؤخر ، خبر : مضاف إليه من إضافة المصدر إلى فاعله ، «ما» : مفعول به لسبق ، النافية : نعت لما منصوب. متلوة : حال من «ها» من «بها» ، لا : حرف عطف ، تالية : معطوف على متلوة منصوب بالفتحة.

(٣) هذا الخلاف مبنيّ على خلاف آخر وهو : هل للحرف «ما» الصدارة في جملته ، فذهب فريق إلى أنها واجبة التصدير فلا يتقدمها الخبر : وذهب آخرون إلى عدم استحقاقها التصدير فأجازوا تقديم خبرها عليها.

(٤) إذا تقدمت ما النافية على النواسخ التي يشترط النفي في عملها صارت مثبتة لأن نفي النفي إيجاب ، ومعنى المثال : إثبات القيام لزيد لا نفيه عنه.

٢٤٧

ومفهوم كلامه أنّه إذا كان النفي بغير «ما» يجوز التقديم فتقول : «قائما لم يزل زيد ، ومنطلقا لم يكن عمرو» ومنعهما بعضهم.

ومفهوم كلامه أيضا جواز تقديم الخبر على الفعل وحده إذا كان النفي ب «ما» نحو : «ما قائما زال زيد ، وما قائما كان زيد» ومنعه بعضهم.

ومنع سبق خبر ليس اصطفي

وذو تمام ما برفع يكتفي (١)

وما سواه ناقص ، والنّقص في :

«فتئ ، ليس ، زال» دائما قفي (٢)

اختلف النحويون في جواز تقديم خبر ليس عليها ، فذهب الكوفيون والمبرد والزجاج وابن السراج وأكثر المتأخرين ـ ومنهم المصنف ـ إلى المنع ، وذهب أبو علي الفارسي وابن برهان إلى الجواز ، فتقول : «قائما ليس زيد» ، واختلف النقل عن سيبويه فنسب قوم إليه الجواز ، وقوم المنع. ولم يرد من لسان العرب تقدّم خبرها عليها ، وإنما ورد من لسانهم ما ظاهره تقدّم معمول خبرها عليها كقوله تعالى : «أَلا يَوْمَ يَأْتِيهِمْ لَيْسَ مَصْرُوفاً عَنْهُمْ» (٣) ، وبهذا استدلّ من أجاز تقديم خبرها عليها ، وتقريره أنّ «يوم يأتيهم» معمول الخبر الذي هو «مصروفا» ، وقد تقدم على «ليس» ، قال : ولا يتقدم المعمول إلا حيث يتقدم العامل (٤).

__________________

(١) منع : مبتدأ وخبره جملة (اصطفى) ، ذو : مبتدأ مرفوع بالواو لأنه من الأسماء الستة ، ما : اسم موصول في محل رفع خبر المبتدأ ، وجملة يكتفي مع الفاعل المستتر : صلة الموصول لا محل لها من الإعراب.

(٢) النقص : مبتدأ وخبره جملة : (قفي) مع نائب الفاعل المستتر.

(٣) من قوله تعالى : (وَلَئِنْ أَخَّرْنا عَنْهُمُ الْعَذابَ إِلى أُمَّةٍ مَعْدُودَةٍ لَيَقُولُنَّ ما يَحْبِسُهُ ، أَلا يَوْمَ يَأْتِيهِمْ لَيْسَ مَصْرُوفاً عَنْهُمْ ، وَحاقَ بِهِمْ ما كانُوا بِهِ يَسْتَهْزِؤُنَ) هود (٨).

(٤) الذين منعوا التقديم حملوها على «عسى» التي اتفق على منع تقدم خبرها عليها ، والجامع بينهما الجمود ، والذين أجازوا استندوا إلى الآية الكريمة ، واسم «ليس» فيها ضمير مستتر عائد إلى العذاب ، ومصروفا : خبر ليس ، ويوم : ظرف زمان متعلق بالخبر مصروفا فهو معمول له.

٢٤٨

استعمال هذه الأفعال تامة :

وقوله : «وذو تمام .. إلى آخره» معناه أن هذه الأفعال انقسمت إلى قسمين :

أحدهما : ما يكون تاما وناقصا.

والثاني : ما لا يكون إلا ناقصا.

والمراد بالتّام : ما يكتفى بمرفوعه ، وبالناقص : ما لا يكتفى بمرفوعه بل يحتاج معه إلى منصوب. وكل هذه الأفعال يجوز أن تستعمل تامة إلّا : «فتىء» و «زالّ» التي مضارعها يزال ، لا التي مضارعها يزول فإنها تامّة نحو : «زالت الشمس» ، و «ليس» فإنها لا تستعمل إلا ناقصة. ومثال التام قوله تعالى : (وَإِنْ كانَ ذُو عُسْرَةٍ فَنَظِرَةٌ إِلى مَيْسَرَةٍ)(١) أي : وإن وجد ذو عسرة ، وقوله تعالى : (خالِدِينَ فِيها ما دامَتِ السَّماواتُ وَالْأَرْضُ)(٢) وقوله تعالى : «فَسُبْحانَ اللهِ حِينَ تُمْسُونَ وَحِينَ

__________________

والظاهر أن المنع أولى لأن القاعدة التي تقول : تقدم المعمول مؤذن بجواز تقدم العامل ليست مطّردة فيجوز أن نقول مثلا : زيدا لم أضرب ، فنقدم المعمول ولا يجوز تقديم العامل على حرف النفي ولو صحّت القاعدة لاعتبر الموضع هنا من التوسع في الظرف لأنهم يتوسعون في الظرف والجار والمجرور ما لا يتوسعون في غيرهما.

(١) تمام الآية الكريمة : (وَأَنْ تَصَدَّقُوا خَيْرٌ لَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ تَعْلَمُونَ) البقرة (٢٨٠) كان : فعل ماض تام مبني على الفتح في محل جزم فعل الشرط ، ذو : فاعل كان مرفوع بالواو لأنه من الأسماء الستة ، وجملة : فنظرة إلى ميسرة : في محل جزم جواب الشرط.

(٢) قال تعالى : (فَأَمَّا الَّذِينَ شَقُوا فَفِي النَّارِ لَهُمْ فِيها زَفِيرٌ وَشَهِيقٌ. خالِدِينَ فِيها ما دامَتِ السَّماواتُ وَالْأَرْضُ إِلَّا ما شاءَ رَبُّكَ ، إِنَّ رَبَّكَ فَعَّالٌ لِما يُرِيدُ) هود (١٠٧ و ١٠٨) والشاهد في الآية الكريمة ورود «دام» تامة ، والسموات : فاعلها مرفوع والمعنى : ما بقيت السموات والأرض.

٢٤٩

تُصْبِحُونَ» (١).

أحكام معمول الخبر :

ولا يلي العامل معمول الخبر

إلا إذا ظرفا أتى أو حرف جر (٢)

يعني أنه لا يجوز أن يلي «كان» وأخواتها معمول خبرها الذي ليس بظرف ولا جار ومجرور ، وهذا يشمل حالين :

أحدهما : أن يتقدّم معمول الخبر وحده على الاسم ، ويكون الخبر مؤخرا عن الاسم نحو : «كان طعامك زيد آكلا» ، وهذه ممتنعة عند البصريين (٣) ، وأجازها الكوفيّون.

الثاني : أن يتقدم المعمول والخبر على الاسم ، ويتقدم المعمول على الخبر نحو «كان طعامك آكلا زيد» وهي ممتنعة عند سيبويه ، وأجازها بعض البصريين (٤). ويخرج من كلامه أنه إذا تقدم الخبر والمعمول على الاسم وقدّم الخبر على المعمول جازت المسألة لأنه لم يل «كان» معمول خبرها ، فتقول : «كان آكلا طعامك زيد» ولا يمنعها البصريّون. فإن كان المعمول ظرفا أو جارا ومجرورا جاز

__________________

(١) الروم (١٧) سبحان : مفعول مطلق ، تمسون : فعل مضارع تام مرفوع بثبوت النون ، والواو : في محل رفع فاعل ، والجملة في محل جر بإضافة الظرف إليها ، وكذلك إعراب (تصبحون) والمعنى : حين تدخلون في الصباح وفي المساء.

(٢) لا : نافية ، يلي : فعل مضارع مرفوع بالضمة المقدرة للثقل ، العامل : مفعول به مقدم ، معمول : فاعل مؤخر ، ظرفا : حال من فاعل أتى ، حرف : معطوف على ظرفا بأو.

(٣) لأن فيها الفصل بين العامل (كان) ومعموله (زيدا) بأجنبي عن الاسم وهو معمول الخبر (طعامك : مفعول به للخبر آكلا).

(٤) لأن الخبر جائز التقديم ، ومعموله جزء منه ولهذا أجاز بعض البصريين هذا الوجه.

٢٥٠

إيلاؤه «كان» عند البصريين والكوفيين نحو : «كان عندك زيد مقيما ، وكان فيك زيد راغبا» (١).

* * *

ومضمر الشأن اسما انو إن وقع

موهم ما استبان أنّه امتنع (٢)

يعني أنه إذا ورد من لسان العرب ما ظاهره أنه ولي «كان» وأخواتها معمول خبرها فأوّله على أنّ في «كان» ضميرا مستترا هو ضمير الشأن ، وذلك نحو قوله :

__________________

(١) عندك : ظرف ، وفيك : جار ومجرور ، وكل منهما متعلق بالخبر أي معمول له. وحاصل ما ذكره في مسألة تقديم معمول الخبر هو :

(أ) أجمعوا على جواز التقديم إن كان المعمول ظرفا أو جارا ومجرورا. أما إن كان غير ذلك :

(ب) فالبصريون يمنعون مطلقا.

(ج) والكوفيون يجيزون مطلقا.

(د) وبعض البصريين يجيز بشرط تقدم الخبر معه.

(٢) مضمر : مفعول به مقدم للفعل انو ، الشان مضاف إليه ، اسما : حال من مضمر منصوب ، انو : فعل أمر مبنيّ على حذف حرف العلة ، والفاعل : أنت ، إن : حرف شرط جازم ، وقع : فعل ماض مبني على الفتح في محل جزم فعل الشرط ، موهم : فاعل وقع : ما : اسم موصول في محل جر بالإضافة ، استبان : فعل ماض ، أنه : أن : حرف مشبه بالفعل ، والهاء : اسمها في محل نصب ، امتنع : فعل ماض ، والفاعل هو. وجملة امتنع : في محل رفع خبر لأن ، وأن مع معموليها في تأويل مصدر مرفوع على أنه فاعل لاستبان أي : استبان امتناعه ، وجملة : استبان امتناعه : صلة الموصول (ما) لا محل لها من الإعراب ، وجواب شرط «إن» محذوف دلّ عليه ما قبله والتقدير : إن وقع موهم ... فانو ضمير الشان حال كونه اسما.

٢٥١

٦٨ ـ قنافذ هدّاجون حول بيوتهم

بما كان إيّاهم عطيّة عوّدا (١)

فهذا ظاهره أنه مثل «كان طعامك زيد آكلا» ، ويتخّرج على أنّ في «كان» ضميرا مستترا هو ضمير الشأن ، وهو اسم «كان».

ومما ظاهره أنه مثل : «كان طعامك آكلا زيد» قوله :

__________________

(١) البيت للفرزدق يهجو به جريرا وقومه ، قنافذ : جمع قنفذ ، وهو حيوان شائك ينام نهارا ويصحو ليلا ليلتمس غذاءه ، هداجون جمع هداج وهو من يمشي مشية الشيخ الهرم بتثاقل وارتعاش ، عطيّة : أبو جرير.

المعنى : هؤلاء خونة جبناء أذلاء يدبون حول البيوت في الليل ، غرس ذلك في نفوسهم أبوهم عطية ونشّأهم عليه.

الإعراب : قنافذ : خبر لمبتدأ محذوف ، هدّاجون : نعت مرفوع بالواو لأنه جمع مذكر سالم. حول : ظرف مكان منصوب متعلق بهداجون ، بيوتهم : بيوت : مضاف إليه مجرور ، والهاء : ضمير متصل في محل جر بالإضافة ، والميم للجمع ، بما : الباء : حرف جر ، ما : اسم موصول في محل جر بالباء ، متعلق بهداجون ، كان : فعل ماض ناقص ، إياهم : إيّا : ضمير منفصل في محل نصب مفعول به مقدم لعود ، والهاء : للغائب ، والميم : للجمع ، عطية مبتدأ ، عودا : فعل ماض والفاعل : هو ، والألف للإطلاق ، وجملة عودا ، في محل رفع خبر (عطية) والجملة من المبتدأ والخبر (عطية عودا) في محل نصب خبر (كان) ، وجملة كان ومعموليها : صلة للموصول لا محل لها من الإعراب.

الشاهد فيه : قوله : كان إياهم عطية عودا ، فقد ولي كان معمول خبرها وليس ظرفا ولا جارا ومجرورا مما يجيزه الكوفيّون ، ويخرج البصريون البيت عدة تخريجات :

(أ) هذا التقديم ضرورة شعرية لا يقاس عليها.

(ب) «كان» : زائدة بين الموصول وصلته.

(ج) اسم كان ضمير الشأن المحذوف أو ضمير عائد على «ما» وعطية مبتدأ ، وجملة عودا خبره ، والمبتدأ والخبر لكان فالمتقدم معمول خبر المبتدأ وليس معمول خبر كان ، وتقديم معمول الخبر على المبتدأ جائز إن كان الخبر فعلا.

٢٥٢

٦٩ ـ فأصبحوا والنّوى عالي معرّسهم

وليس كلّ النّوى تلقي المساكين (١)

إذا قريء بالتاء المثناة من فوق. فيخرّج البيتان على إضمار الشأن ، والتقدير في الأول : «بما كان هو» أي : الشأن ، فضمير الشأن اسم

__________________

(١) البيت لحميد الأرقط وكان من البخلاء المشهورين. معرسهم : مكان مبيتهم من عرّس بالمكان إذا بات فيه. ويروى البيت : يلقى ، كما روي برفع «كلّ» ونصبها.

المعنى : يصف الشاعر أضيافا نزلوا به فنكبوه بما عنده من تمر حتى أصبح نواه أعلى من مكان نزولهم على أنهم كانوا يلقون قسما ويبتلعون قسما من النّوى.

الإعراب : أصبحوا : أصبح : فعل ماض تام مبني على الضم لاتصاله بواو الجماعة ، والواو : فاعل ، والنوى : الواو : حالية ، النّوى : مبتدأ مرفوع بالضمة المقدرة للتعذر ، عالي : خبر مرفوع بالضمة المقدرة للثقل ، والجملة في محل نصب حال من فاعل أصبح ، معرسهم : معرس : مضاف إليه ، والهاء : في محل جر بالإضافة ، والميم للجمع ، وليس : الواو : استئنافية ، ليس : فعل ماض ناقص ، واسمها : ضمير الشأن المحذوف ، كل : مفعول به مقدم لتلقي ، النوى : مضاف إليه مجرور بالكسرة المقدرة للتعذر ، تلقي : فعل مضارع مرفوع بالضمة للثقل ، المساكين : فاعل مرفوع بالضمة ، وجملة تلقي المساكين : في محل نصب خبر ، وجملة ليس مع معموليها : استئنافية لا محل لها من الإعراب.

الشاهد فيه قوله : وليس كل النوى تلقى المساكين. استشهد الكوفيّون بهذا البيت على جواز تقديم معمول خبر ليس وأخواتها على اسمها إذا تقدم الخبر معه ، فيعربون : كلّ مفعولا لتلقى ، وفاعل تلقي مستتر ـ وجملة تلقي في محل نصب خبر مقدم لليس. والمساكين : اسم ليس ، ويردّ البصريون هذا الوجه بما بسطناه في الإعراب.

وقد ذكرنا أن البيت روي برفع «كل» وليس في هذه الرواية شاهد : إذ تعرب «كلّ» اسما لليس ، وما بعدها خبر على روايتي : يلقي أو تلقي.

أما رواية «كلّ» بالنصب ، و «يلقي» بالياء لا بالتاء فيتعين فيها إعراب : كل : مفعولا مقدما ، و «المساكين» : فاعل ليلقي ، والجملة خبر ليس ، واسمها ضمير الشأن ، إذ لو كان اسمها : «المساكين» وجملة : «يلقي» خبرها لوجب أن يقال : «يلقون» ليطابقه في الجمعية ، والتاء في رواية «تلقي» تغني عن ذلك لتأويل المساكين بالجماعة.

٢٥٣

كان ، و «عطية» : مبتدأ ، و «عوّد» : خبره ، «إيّاهم» مفعول عوّد ، والجملة من المبتدأ وخبره : خبر كان ، فلم يفصل بين «كان» واسمها معمول الخبر ، لأن اسمها مضمر قبل المعمول. والتقدير في البيت الثاني : «وليس هو» أي : الشأن ، فضمير الشأن : اسم ليس ، و «كلّ النوى» : منصوب بتلقي ، و «تلقي المساكين» : فعل وفاعل ، والمجموع : خبر ليس. هذا بعض ما قيل في البيتين.

زيادة «كان» :

وقد تزاد «كان» في حشو ك : «ما

كان أصحّ علم من تقدّما» (١)

كان على ثلاثة أقسام :

أحدهما : الناقصة.

والثاني : التامة وقد تقدم ذكرهما.

والثالث : الزائدة ، وهي المقصودة بهذا البيت. وقد ذكر ابن عصفور أنها تزاد بين الشيئين المتلازمين : كالمبتدأ وخبره نحو «زيد كان قائم» ، والفعل ومرفوعه نحو : «لم يوجد كان مثلك» ، والصلة والموصول نحو : «جاء الذي كان أكرمته» ، والصفة والموصوف نحو : «مررت برجل كان قائم» ، وهذا يفهم أيضا من إطلاق قول المصنف : «وقد تزاد كان في حشو» ، وإنما تنقاس زيادتها بين

__________________

(١) كان : «قصد لفظها» نائب فاعل لتزاد مرفوع بضمة مقدرة على الآخر منع من ظهورها حركة البناء الأصلي ، ما : تعجبية في محل رفع مبتدأ ، كان : زائدة ، أصح : فعل ماض جامد لإنشاء التعجب ، وفاعله : ضمير مستتر وجوبا تقديره : هو خلافا للأصل ، يعود إلى ما ، علم : مفعول به ، والجملة في محل رفع خبر للمبتدأ «ما» من : اسم موصول في محل جر بالإضافة ، وجملة تقدم مع الفاعل المستتر لا محل لها من الإعراب لأنها صلة الموصول.

٢٥٤

«ما» و «فعل التعجب» نحو : «ما كان أصحّ علم من تقدّما» ولا تزاد في غيره إلا سماعا ، وقد سمعت زيادتها بين الفعل ومرفوعه كقولهم : «ولدت فاطمة بنت الخرشب الأنماريّة (١). الكملة من بني عبس لم يوجد كان أفضل منهم» (٢) ، وقد سمع أيضا زيادتها بين الصفة والموصوف كقوله :

٧٠ ـ فكيف إذا مررت بدار قوم

وجيران لنا كانوا كرام (٣)

__________________

(١) أولادها هم : ربيع الكامل ، وقيس الحافظ ، وعمارة الوهاب ، وأنس الفوارس وأبوهم زياد العبسي وكانوا من نوادر الزمان شجاعة ورفعة شأن.

(٢) كان : زائدة ، أفضل : نائب فاعل ليوجد.

(٣) البيت للفرزدق من قصيدة في المديح.

المعنى : كيف يكون حالك إذا مررت بديار أقوام كانوا جيرانا كراما لنا.

الإعراب : كيف : اسم استفهام في محل رفع خبر لمبتدأ محذوف والتقدير : كيف حالتك ، إذا ظرف متضمن معنى الشرط في محل نصب على الظرفية الزمانية متعلق بجواب الشرط المحذوف لدلالة ما قبله عليه ، مررت : فعل وفاعل والجملة في محل جر بإضافة الظرف إليها ، بدار : جار ومجرور متعلق بمرّ ، قوم : مضاف إليه ، وجيران : الواو : حرف عطف ، جيران : معطوف على قوم مجرور ، لنا : اللام : حرف جر ، نا ضمير متصل في محل جر باللام متعلق بمحذوف صفة لجيران ، كانوا : كان : فعل ماض تام ، والواو : فاعل مبني على السكون في محل رفع والفعل والفاعل زائدان ، كرام : صفة ثانية لجيران.

الشاهد فيه : قوله : «وجيران لنا كانوا كرام» فقد زيدت كان بين الصفة والموصوف ، ولم يرتض بعضهم زيادتها هنا لأنها عاملة في الواو ، والزائدة في رأيهم مجردة لا تعمل بل اعتبروا الواو : اسمها ، ولنا : متعلق بمحذوف خبر ، والجملة في محل جر صفة أولى لجيران. قال الخضري : «والواو فاعل كان بناء على أن الزائدة تامّة ، ولا يمنع عملها من زيادتها كما تسند ظن الملغاة إلى الفاعل» أي إذا توسطت أو تأخرت وفي البيت أقوال كثيرة وجدل طويل.

٢٥٥

وشذّ زيادتها بين حرف الجرّ ومجروره كقوله :

٧١ ـ سراة بني أبي بكر تسامى

على كان المسوّمة العراب (١)

وأكثر ما تزاد بلفظ الماضي ، وقد شذّت زيادتها بلفظ المضارع في قول أم عقيل بن أبي طالب :

٧٢ ـ أنت تكون ماجد نبيل

إذا تهبّ شمأل بليل (٢)

__________________

(١) البيت لا يعلم قائله. سراة : ج سريّ وهو السيد النبيل ، تسامى : أصله تتسامى من السموّ وهو العلوّ ، المسوّمة : التي جعلت لها علامة ثم أطلقت في المرعى ، العراب : العربية.

المعنى : إن السادة من هذه القبيلة ليختالون على الخيل العربية المعلمة.

الإعراب : سراة : مبتدأ ، بني : مضاف إليه مجرور بالياء لأنه ملحق بجمع المذكر السالم ، أبي : مضاف إليه مجرور بالياء لأنه من الأسماء الستة ، بكر : مضاف إليه ، تسامى : فعل مضارع مرفوع بالضمة المقدرة على آخره للتعذر ، والفاعل : يعود إلى سراة والجملة في محل رفع خبر للمبتدأ : سراة ، على : حرف جر متعلق بتسامى ، كان : زائدة ، المسومة : مجرور بعلى ، العراب ، صفة للمسومة مجرورة بالكسرة.

الشاهد فيه : قوله : على كان المسوّمة. فقد زاد كان بين الجار والمجرور وهي زيادة شاذة.

(٢) شمأل : ريح تهب من الشمال ، بليل : نديّة ، أي : إذا هبت الرّيح شمالية باردة ندية كنت أنت السيد الكريم صاحب المجد والنبل وقولها إذا تهبّ ... كناية عن الدوام.

الإعراب : أنت : ضمير منفصل في محل رفع مبتدأ ، تكون : زائدة ، ماجد : خبر المبتدأ ، نبيل : صفة (أو خبر ثان) ، إذا : ظرف متعلق بمحذوف جواب الشرط دلّ عليه ما قبله تهب : فعل مضارع ، شمأل : فاعل مرفوع ، بليل : صفة لشمأل مرفوعة ، والجملة في محل جر بالإضافة.

الشاهد فيه : قولها : أنت تكون ماجد ، حيث زيدت «تكون» بين المبتدأ والخبر وهي بلفظ المضارع وهي زيادة شاذة فقد اشترط لزيادتها أن تكون بلفظ الماضي ، وبين شيئين متلازمين ليسا جارا ومجرورا ، لأن الماضي مبني فأشبه الحرف ، والحرف قد يزاد ، أما المضارع فمعرب فأشبه الاسم فتحصّن بذلك عن أن يزاد.

٢٥٦

أسئلة

١ ـ ما الأفعال الناسخة؟ وما معنى كونها ناسخة وناقصة؟ مثّل لما تقول.

٢ ـ من الأفعال الناسخة ما يعمل بشرط فما هذه الأفعال؟ وما شرط عملها؟ وما الأفعال التي تعمل من غير شرط؟ مثل للجميع.

٣ ـ بعض هذه الأفعال لا يتصرف وبعضها يتصرف تصرفا ناقصا ، وبعضها يتصرف تصرفا تاما. وضح ذلك مع التمثيل ..

٤ ـ تأتي (زال) تامة وناقصة. وضح معناها في الحالتين ومثل لما تقول.

٥ ـ ما المقصود باستعمال هذه الأفعال تامة؟ وما عملها حينئذ؟ وضح المعنى المقصود منها تامة أو ناقصة. ومثّل لما تقول.

٦ ـ ما حكم خبر (ليس ، دام ، برح) من حيث التقدم عليها أو على اسمها أو تأخيره ... اشرح ذلك مع التمثيل.

٧ ـ ما حكم تقدم الخبر على (ما) التي تسبق الفعل الناقص؟ وضح ذلك مع التعليل.

٨ ـ بيّن بالتفصيل أحكام معمول خبر هذه الأفعال.

٩ ـ تأتي (كان) تامة وناقصة وزائدة.

مثل لكل منها بمثال ... ثم تحدث عن مواضع زيادتها قياسا ومثل لما تقول.

٢٥٧

تمرينات

«كانت الجزيرة العربية في مطلع هذا القرن قلقة تسودها الفوضى ، وتتخطّف فيها الأرواح ، وتسلب الأموال ، وأمسى الناس حيارى لا يدرون كيف يعيشون فالحياة ليس فيها أمن ولا استقرار ، وفي يوم تاريخي مبارك أطلّ عليها الملك العظيم عبد العزيز ـ رحمه‌الله ـ وهي تئن من الجراح ـ وتشكو من الخصومات ، فسار في البلاد فاتحا ، فصارت المدن والقرى تسلس قيادها ، وأصبح الباطل زهوقا. وأضحى الناس آمنين مطمئنين ، يحمدون الله على ما أسبغ من فضل ونعمة ، وأقبل الملك العظيم على بلاده ، يعالج جراحها ، ويرأب صدوعها ، فبات الناس يتطلعون إلى المستقبل الباسم ، واثقين بالله ، ثم بالرّبان الماهر الذي قاد سفينتهم إلى شاطيء الأمان ـ وقطعت المملكة في عهد الملك الشهيد فيصل ـ رحمه‌الله ـ شوطا بعيدا في التقدم والازدهار ، ثم تسلم الملك الصالح خالد ابن عبد العزيز الزمام ثم من بعده الملك فهد ـ فمضت المسيرة المباركة في طريق العزة والمجد ولن تخذل أبدا بعون الله ما دام ولاتها مخلصين».

(١) اقرأ النص السابق بإمعان ثم أجب عما يلي :

(أ) استخرج ما في النص من أفعال ناسخة ثم عيّن أسماءها وأخبارها.

(ب) ما أنواع أخبارها الواردة في هذا النص؟ اذكرها بالترتيب (مفردة ، وجملة ، وشبه جملة).

(ج) بيّن المتصرف والجامد من هذه الأفعال.

٢٥٨

(د) أعرب من النص. (ما دام ولاتها مخلصين).

ثم هل يجوز تقدم الخبر على (ما)؟ أو على (دام)؟ أو على الاسم؟

(ه) أعرب ما تحته خط من ألفاظ النص.

(و) خذّ ثلاثة أفعال من الواردة في النص واستعملها تامة في جمل من عندك.

(ز) هات تصرفات (كان) ثم ضعها في جمل من عندك ثم بيّن أسماءها وأخبارها.

(ح) استعمل (كان) في أسلوب من عندك بحيث تكون زائدة.

(٢) مثل لما يأتي في جمل تامة من عندك.

(أ) اسم (كان) واجب التقديم على خبرها .. ، وآخر جائزه.

(ب) خبر (كان) واجب التقديم على اسمها وبيّن السبب.

(ج) معمول خبر يجوز تقدمه وآخر يمتنع.

(د) خبر (ما زال) جملة اسمية.

(٣) قال تعالى :

«أَلا يَوْمَ يَأْتِيهِمْ لَيْسَ (١) مَصْرُوفاً عَنْهُمْ».

علام استدلّ النحاة بتقديم الظرف في هذه الآية؟ اذكر الخلاف في هذا الموضوع وبيّن وجهة نظرك فيه ... ثم أعرب الآية كلها.

(٤) يستشهد النحويون بما يأتي في هذا الباب بيّن وجه الاستشهاد : (فَسُبْحانَ اللهِ حِينَ تُمْسُونَ وَحِينَ تُصْبِحُونَ (٢) ـ أَهؤُلاءِ إِيَّاكُمْ كانُوا

__________________

(١) آية ٨ سورة هود.

(٢) آية ١٧ سورة الروم.

٢٥٩

يَعْبُدُونَ)(١) ـ (إِنَّ اللهَ يُمْسِكُ السَّماواتِ وَالْأَرْضَ أَنْ تَزُولا)(٢).

(بما كان إياهم عطية عوّدا ـ فليس سواء عالم وجهول).

(٥) اشرح البيت الآتي ثم أعربه ـ وهو لحافظ إبراهيم يندد بعهد الاستعمار : ـ

لقد كان فينا الظلم فوضى فهذّبت

حواشيه حتى صار ظلما منظما

__________________

(١) آية ٤٠ سورة سبأ.

(٢) آية ٤١ سورة فاطر.

٢٦٠