تيسير وتكميل شرح ابن عقيل على ألفيّة ابن مالك - ج ١

الدكتور محمّد علي سلطاني

تيسير وتكميل شرح ابن عقيل على ألفيّة ابن مالك - ج ١

المؤلف:

الدكتور محمّد علي سلطاني


الموضوع : اللغة والبلاغة
الناشر: دار العصماء
الطبعة: ١
الصفحات: ٢٨٨

يحذف كل من المبتدأ والخبر إذا دلّ عليه دليل جوازا أو وجوبا ، فذكر في هذين البيتين الحذف جوازا ، فمثال حذف الخبر أن يقال : «من عندكما»؟ فتقول : «زيد» التقدير : «زيد عندنا» ، ومثله في رأي : «خرجت فإذا السّبع» التقدير : «فإذا السبع حاضر» (١). قال الشاعر :

٥٦ ـ نحن بما عندنا ، وأنت بما

عندك راض ، والرأي مختلف (٢)

التقدير : «نحن بما عندنا راضون».

ومثال حذف المبتدأ أن يقال : «كيف زيد»؟ فتقول : «صحيح» أي : «هو صحيح» ، وإن شئت صرّحت بكل واحد منهما فقلت : «زيد

__________________

(١) في رأي من يجعل «إذا» الفجائية حرفا ، ومنهم من جعلها ظرف زمان أو مكان متعلق بالخبر وما بعدها مبتدأ والتقدير في زمن خروجي أو في مكان خروجي السبع.

(٢) البيت لقيس بن الحطيم.

المعنى : تختلف بنا سبل الرأي ولكنّ كلّا منا يرضى بما يعتقده.

الإعراب : نحن : ضمير منفصل في محل رفع مبتدأ ، بما : الباء : حرف جر ، ما : اسم موصول في محل جر بالباء متعلق ب بمحذوف خبر ، والتقدير : نحن راضون بما عندنا ، عندنا : عند : ظرف مكان منصوب متعلق بمحذوف صلة الموصول أي بما استقر عندنا ، ونا : ضمير في محل جر بالإضافة ، الواو : حرف عطف ، أنت : مبتدأ في محل رفع ، بما : جار ومجرور متعلق براض ، عندك : ظرف متعلق بمحذوف صلة والكاف في محل جر بالإضافة ، راض : خبر أنت مرفوع بالضمة المقدرة على الياء المحذوفة لالتقاء الساكنين ، والرأي مختلف : الواو حالية ، وما بعدها مبتدأ وخبر والجملة في محل نصب على الحال والتقدير نحن راضون وأنت راض حال كوننا مختلفي الرأي.

الشاهد فيه : قوله : «نحن بما عندنا» فقد حذف الخبر جوازا ، وسهل ذلك دلالة خبر المبتدأ الثاني عليه.

٢٢١

عندنا ، وهو صحيح». ومثله قوله تعالى : (مَنْ عَمِلَ صالِحاً فَلِنَفْسِهِ وَمَنْ أَساءَ فَعَلَيْها)(١) أي : من عمل صالحا فعمله لنفسه ، ومن أساء فإساءته عليها».

قيل : وقد يحذف الجزءان ـ أعني المبتدأ والخبر ـ للدلالة عليهما كقوله تعالى : (وَاللَّائِي يَئِسْنَ مِنَ الْمَحِيضِ مِنْ نِسائِكُمْ إِنِ ارْتَبْتُمْ فَعِدَّتُهُنَّ ثَلاثَةُ أَشْهُرٍ ، وَاللَّائِي لَمْ يَحِضْنَ)(٢) أى : (فَعِدَّتُهُنَّ ثَلاثَةُ أَشْهُرٍ) ، فحذف المبتدأ والخبر ـ وهو : فعدتهن ثلاثة أشهر ـ لدلالة ما قبله عليه ، وإنما حذفا لوقوعهما موقع مفرد ، والظاهر أنّ المحذوف مفرد ، والتقدير : «واللائي لم يحضن كذلك» ، وقوله (٣) : «وَاللَّائِي لَمْ يَحِضْنَ» : معطوف على «وَاللَّائِي يَئِسْنَ». والأولى أن يمثّل بنحو قولك. نعم في جواب : «أزيد قائم»؟ إذ التقدير : «نعم ، زيد قائم».

__________________

(١) قال تعالى : (مَنْ عَمِلَ صالِحاً فَلِنَفْسِهِ ، وَمَنْ أَساءَ فَعَلَيْها ، وَما رَبُّكَ بِظَلَّامٍ لِلْعَبِيدِ) فصّلت (٤٦) من : اسم شرط جازم في محل رفع مبتدأ ، عمل : فعل ماض مبني على الفتح في محل جزم فعل الشرط ، والفاعل هو ، والجملة في محل رفع خبر للمبتدأ ، فلنفسه : الفاء : رابطة للجواب ، لنفس : جار ومجرور متعلق بمحذوف خبر لمبتدأ محذوف ، والتقدير : فعمله كائن لنفسه ، والهاء : في محل جر بالإضافة ، والجملة في محل جزم جواب الشرط ، والشاهد في الآية : حذف المبتدأ جوازا بعد فاء الجزاء في الموضعين.

(٢) الطلاق (٤) وتتمة الآية : «وَأُولاتُ الْأَحْمالِ أَجَلُهُنَّ أَنْ يَضَعْنَ حَمْلَهُنَّ وَمَنْ يَتَّقِ اللهَ يَجْعَلْ لَهُ مِنْ أَمْرِهِ يُسْراً».

(٣) يأتي هنا برأي ثالث في تخريج الآية وهو أن «اللائي» الثانية معطوفة على الأولى ، وأن «فعدتهن» ... خبر للمبتدأ وما عطف عليه ، فلا يكون في الآية حذف.

٢٢٢

حذف الخبر وجوبا :

وبعد «لو لا» غالبا حذف الخبر

حتم ، وفي نصّ يمين ذا استقر (١)

وبعد واو عيّنت مفهوم «مع»

كمثل : «كلّ صانع وما صنع» (٢)

وقبل حال لا يكون خبرا

عن الّذي خبره قد أضمرا (٣)

__________________

(١) بعد : ظرف متعلق بحتم ، غالبا : منصوب بنزع الخافض ، حذف : مبتدأ ، حتم : خبر ، في نص : جار ومجرور متعلق باستقر ، ذا : اسم إشارة في محل رفع مبتدأ ، استقر : فعل ماض ، والفاعل هو ، والجملة في محل رفع خبر للمبتدأ (ذا) والمعنى : حذف الخبر حتم في الغالب بعد لو لا أو بعد مبتدأ صريح في القسم.

(٢) بعد : ظرف متعلق بحتم ، مع : (قصد لفظه) : مضاف إليه ، وجملة عينت مفهوم مع : في محل جر صفة لواو. كل : مبتدأ ، صانع : مضاف إليه ، وما : الواو : حرف عطف ، ما : اسم موصول في محل رفع معطوف على كل. صنع : فعل ماض ، والفاعل هو ، والجملة صلة الموصول لا محل لها. وخبر المبتدأ محذوف وجوبا تقديره : مقترنان ويمكن اعتبار (ما) موصولا حرفيا تؤول مع صلتها بمصدر مرفوع معطوف على كل والتقدير : (كل صانع وصنعته مقترنان).

(٣) يكون : فعل مضارع ناقص ، واسمه ضمير مستتر جوازا تقديره هو يعود إلى (حال). خبرا : خبر يكون منصوب ، والجملة في محل جر صفة لحال ، عن الذي : عن : حرف جر ، الذي : اسم موصول في محل جر بعن ، متعلق بخبرا. خبره : مبتدأ ، والهاء : في محل جر بالإضافة ، قد : للتحقيق ، جملة قد أضمرا مع نائب الفاعل المستتر في محل رفع خبر عن المبتدأ ، وجملة المبتدأ والخبر صلة الموصول لا محل لها من الإعراب.

٢٢٣

ك : «ضربي العبد مسيئا» و «أتم

تبييني الحقّ منوطا بالحكم» (١)

حاصل ما في هذه الأبيات أن الخبر يجب حذفه في أربعة مواضع : الأول : أن يكون خبرا لمبتدأ بعد «لو لا» نحو «لو لا «زيد لأتيتك» (٢) التقدير : «لو لا زيد موجود لأتيتك». واحترز بقوله : «غالبا» عما ورد ذكره فيه شذوذا كقوله :

٥٧ ـ لو لا أبوك ولو لا قبله عمر

ألقت إليك معدّ بالمقاليد (٣)

__________________

(١) ضربي : ضرب : مبتدأ مرفوع بالضمة المقدرة على ما قبل ياء المتكلم ، والياء في محل جر بالإضافة من إضافة المصدر إلى فاعله ، العبد : مفعول به للمصدر ، مسيئا : حال : سدّ مسدّ الخبر ، والخبر محذوف وجوبا يقدر متعلق إذا إن كان المعنى مستقبلا وإذ إن كان ماضيا وبعده كان التامة ، وصاحب الحال مسيئا هو فاعل كان والتقدير : ضربي العبد إذ أو إذا كان مسيئا. وأتم : الواو : عاطفة ، أتم : مبتدأ تبييني : مضاف إليه ، والياء : في محل جر بالإضافة من إضافة المصدر إلى فاعله الحق : مفعول به للمصدر ، منوطا : حال سدّ مسدّ الخبر ، بالحكم : جار ومجرور متعلق بمنوطا.

(٢) لأتيتك : اللام واقعة في جواب (لو لا) ، أتيتك : فعل وفاعل ومفعول به ، والجملة : جواب شرط غير جازم لا محل لها من الإعراب.

(٣) البيت لأبي عطاء السندي من مخضرمي الدولتين يمدح ابن يزيد بن عمر بن هبيرة ، معد هو معد بن عدنان أبو العرب ، المقاليد : المفاتيح ، وإلقاء المقاليد : كناية عن الامتثال والطاعة المعنى : لو لا ما أصيب به العرب من شدة أبيك وجدك لدانوا لك جميعا بالطاعة.

الإعراب : لو لا : حرف امتناع لوجود لا محل له من الإعراب ، أبوك : أبو : مبتدأ مرفوع بالواو لأنه من الأسماء الستة ، والكاف في محل جر بالإضافة ، وخبره محذوف وجوبا تقديره موجود. ولو لا : الواو : عاطفة ، لو لا : حرف امتناع لوجود ، قبله : قبل : ظرف زمان منصوب متعلق بمحذوف خبر مقدم ، والهاء :

٢٢٤

ف «عمر» مبتدأ ، و «قبله» : خبر.

وهذا الذي ذكره المصنف في هذا الكتاب ـ من أن الحذف بعد «لو لا» واجب إلا قليلا ـ هو طريقة لبعض النحويين.

والطريقة الثانية أنّ الحذف واجب دائما ، وأنّ ما ورد من ذلك بغير حذف في الظاهر مؤول (١).

والطريقة الثالثة : أنّ الخبر إما أن يكون :

(أ) كونا مطلقا. (ب) أو كونا مقيّدا (٢).

فإن كان كونا مطلقا وجب حذفه نحو «لو لا زيد لكان كذا» ، أي : لو لا زيد موجود. وإن كان كونا مقيّدا فإمّا أن يدلّ عليه دليل ، أولا :

__________________

في محل جر بالإضافة ، عمر : مبتدأ مؤخر ، ألقت : ألقى : فعل ماض مبنيّ على فتحة مقدرة على الألف المحذوفة لالتقاء الساكنين ، والتاء للتأنيث ، إليك : جار ومجرور متعلق بألقى ، معد : فاعل ، بالمقاليد : جار ومجرور متعلق بألقى ، والجملة جواب شرط غير جازم لا محل لها من الإعراب.

الشاهد فيه قوله : «ولو لا قبله عمر» فقد ذكر خبر المبتدأ (الظرف) بعد لو لا التي يجب حذف الخبر بعدها في مثل هذا الموضع ، وذكره شاذ لأنه عوّض عنه بجملة الجواب ولا يجمع بين العوض والمعوض عنه ، وللبيت توجيهات أخرى.

(١) يعني أن جمهور النحاة يوجبون كون الخبر بعد لو لا كونا عاما وما ورد خلاف ذلك أوّلوه ، فقولنا : لو لا زيد سالمنا ما سلم ، يوجبون أن نقول فيه : لو لا مسالمة زيد إيانا (أي موجودة) ما سلم ، وقد لحّنوا المعري في بيته الذي سيأتي ، وحكموا على كل ما لا يمكن تأويله بالشذوذ.

(٢) الكون المطلق هو الدال على مطلق الوجود دون صفة زائدة كقولنا : لو لا زيد لأتيت ، أي لو لا وجوده دون أن نقيد هذا الوجود بصفة ما ، أما الكون المقيّد فيدلّ على الوجود مقيدا بصفة زائدة عليه ، أي يدل على امتناع الجواب لمعنى زائد على وجود المبتدأ ، فقولنا : لو لا زيد سالمنا ما سلم ، امتنع فيه هلاك زيد لا لوجوده فحسب وإنما لوجوده مقيدا بالمسالمة ـ فالخبر ـ وهو جملة سالمنا ـ كون مقيّد.

٢٢٥

فإن لم يدلّ عليه دليل وجب ذكره نحو : «لو لا زيد محسن إليّ ما أتيت» (١). وإن دلّ عليه دليل جاز إثباته وحذفه نحو أن يقال : «هل زيد محسن إليك»؟ فتقول : «لو لا زيد لهلكت» ، أي : «لو لا زيد محسن إليّ ...» فإن شئت حذفت الخبر ، وإن شئت أثبتّه ، ومنه قول أبي العلاء المعرّي :

٥٨ ـ يذيب الرّعب منه كلّ عضب

فلو لا الغمد يمسكه لسالا (٢)

وقد اختار المصنف هذه الطريقة في غير هذا الكتاب (٣).

__________________

(١) يعني : محسن : خبر زيد ، ولو حذف لم يدلّ عليه دليل.

(٢) البيت لأبي العلاء المعرّي يصف فيه سيفا ، العضب : السيف القاطع ، الغمد : قراب السيف.

المعنى : يذيب الرعب من هذا السيف كل سيف قاطع ، فلو لا أن أغمادها تمسكها لسالت خوفا وفزعا.

الإعراب : يذيب الرعب : فعل وفاعل ، منه : جار ومجرور متعلق بالرعب ، كل : مفعول به ، عضب : مضاف إليه ، فلو لا : الفاء استئنافية ، لو لا : حرف امتناع لوجود ، الغمد : مبتدأ ، يمسكه : يمسك : فعل مضارع ، والفاعل : ضمير مستتر جوازا تقديره : هو يعود إلى الغمد ، والهاء ، ضمير متصل في محل نصب مفعول به ، والجملة في محل رفع خبر للمبتدأ الغمد ، لسالا : اللام : واقعة في جواب لو لا ، سال : فعل ماض ، والفاعل : هو : والألف للإطلاق : والجملة جواب شرط غير جازم لا محل لها من الإعراب.

التمثيل به : في قوله «لو لا الغمد يمسكه» فقد صرّح بالخبر بعد لو لا لأنه كون خاص ويمكن حذفه لدلالة الكلام عليه ، وقد لحنه الجمهور كما مرّ ، وخرّجه جماعة على وجه يصح على رأي الجمهور وهو أن جملة يمسكه في تأويل مصدر مرفوع على أنه بدل اشتمال من الغمد ، والخبر محذوف والأصل : أن يمسكه ، ثم حذفت أن المصدرية فارتفع الفعل الذي كان منصوبا بها.

(٣) الشراح جميعا حملوا قول ابن مالك على هذا المذهب دون سواه.

٢٢٦

الموضع الثاني : أن يكون المبتدأ نصّا (١) في اليمين نحو : «لعمرك لأفعلنّ» التقدير : «لعمرك قسمي» ، ف «عمرك» : مبتدأ ، و «قسمي» : خبره ، ولا يجوز التصريح به.

قيل : ومثله : «يمين الله لأفعلنّ» (٢) التقدير : «يمين الله قسمي» ، وهذا لا يتعيّن أن يكون المحذوف فيه خبرا لجواز كونه مبتدأ والتقدير : «قسمي يمين الله» بخلاف «لعمرك» فإن المحذوف معه يتعين أن يكون خبرا ، لأنّ لام الابتداء قد دخلت عليه ، وحقّها الدخول على المبتدأ. فإن لم يكن المبتدأ نصّا في اليمين (٣) لم يجب حذف الخبر نحو : «عهد الله لأفعلنّ» التقدير : «عهد الله عليّ» ، ف «عهد الله» : مبتدأ و «عليّ» : خبره ، ولك إثباته وحذفه.

الموضع الثالث : أن يقع بعد المبتدأ واو هي نصّ في المعيّة نحو : «كلّ رجل وضيعته» ، فكلّ : مبتدأ ، وقوله «وضيعته» : معطوف على كل ، والخبر محذوف ، والتقدير : «كل رجل وضيعته مقترنان». ويقدّر الخبر بعد واو المعية ، وقيل : لا يحتاج إلى تقدير الخبر ، لأن معنى «كل رجل وضيعته : كلّ رجل مع ضيعته» ، وهذا الكلام تام لا يحتاج إلى تقدير خبر ، واختار هذا المذهب ابن عصفور في شرح الإيضاح (٤).

فإن لم تكن الواو نصّا في المعية لم يحذف الخبر وجوبا نحو : «زيد وعمرو قائمان».

__________________

(١) أي أنه لا يستعمل إلا في القسم ، ويفهم منه القسم قبل ذكر المقسم عليه.

(٢) لأفعلنّ : اللام : واقعة في جواب القسم ، أفعل : فعل مضارع مبنيّ على الفتح لاتصاله بنون التوكيد ، والفاعل ضمير مستتر وجوبا تقديره : أنا ، ونون التوكيد : حرف لا محل له من الإعراب ، والجملة : جواب القسم لا محل لها من الإعراب.

(٣) بأن كان يستعمل في غير القسم كثيرا فلا يفهم منه القسم حتى يذكر المقسم عليه.

(٤) الإعراب الأول أفضل لأن الواو لا تصلح للإخبار وإن كانت بمعنى مع لأنها حرف وليست ظرفا.

٢٢٧

الموضع الرابع : أن يكون المبتدأ مصدرا ، وبعده حال سدّت مسد الخبر وهي لا تصلح أن تكون خبرا ، فيحذف الخبر وجوبا لسد الحال مسدّه ، وذلك نحو : «ضربي العبد مسيئا» ، ف «ضربي» : مبتدأ ، و «العبد» معمول له ، و «مسيئا» : حال سدّت مسدّ الخبر ، والخبر محذوف وجوبا والتقدير : «ضربي العبد إذا كان مسيئا» إن أردت الاستقبال وإن أردت المضيّ فالتقدير : «ضربي العبد إذ كان مسيئا» ، ف «مسيئا» : حال من الضمير المستتر في «كان» المفسّر ب «العبد» ، و «إذا كان» أو «إذ كان» ظرف زمان نائب عن الخبر (١).

ونبّه المصنف بقوله : «وقبل حال» على أن الخبر المحذوف مقدر قبل الحال التي سدّت مسدّ الخبر كما تقدم تقريره.

واحترز بقوله : «لا يكون خبرا» عن الحال التي تصلح أن تكون خبرا عن المبتدأ المذكور ، نحو ما حكى الأخفش ـ رحمه‌الله ـ من قولهم : «زيد قائما» ، فزيد : مبتدأ ، والخبر محذوف والتقدير : «ثبت قائما» ، وهذه الحال تصلح أن تكون خبرا فتقول : «زيد قائم» ، فلا يكون الخبر واجب الحذف ، بخلاف «ضربي العبد مسيئا» فإن الحال فيه لا تصلح أن تكون خبرا عن المبتدأ الذي قبلها ، فلا تقول «ضربي العبد مسيء» ، لأن الضرب لا يوصف بأنه مسيء.

والمضاف إلى هذا المصدر حكمه كحكم المصدر نحو : «أتمّ تبييني الحقّ منوطا بالحكم» ف «أتمّ» : مبتدأ ، و «تبييني» : مضاف إليه ، و «الحقّ» : مفعول لتبييني ، و «منوطا» : حال سدّت مسدّ خبر «أتمّ» ، والتقدير : «أتمّ تبييني الحقّ إذا كان ، أو إذ كان منوطا بالحكم».

__________________

(١) مرّ إعراب ذلك مفصّلا في ص : (٢٢٤) الحاشية الأولى.

٢٢٨

حذف المبتدأ وجوبا :

ولم يذكر المصنف المواضع التي يحذف فيها المبتدأ وجوبا ، وقد عدّها في غير هذا الكتاب أربعة :

الأول : النعت المقطوع إلى الرفع في مدح نحو : «مررت بزيد الكريم» ، أو ذمّ نحو : «مررت بزيد الخبيث» ، أو ترحّم نحو : «مررت بزيد المسكين» ، فالمبتدأ محذوف في هذه المثل ونحوها وجوبا ، والتقدير : «هو الكريم ، وهو الخبيث ، وهو المسكين» (١).

الموضع الثاني : أن يكون الخبر مخصوص «نعم أو بئس» نحو : «نعم الرجل زيد» و «بئس الرجل عمرو» ف «زيد وعمرو» خبر لمبتدأ محذوف وجوبا ، والتقدير : «هو زيد» أي الممدوح زيد ، و «هو عمرو» أي المذموم عمرو (٢).

الموضع الثالث : ما حكى الفارسيّ من كلامهم «في ذمّتي لأفعلنّ» ، ف «في ذمّتي» خبر لمبتدأ محذوف واجب الحذف ، والتقدير : «في ذمّتي يمين» وكذلك ما أشبهه ، وهو ما كان الخبر فيه صريحا في القسم.

الموضع الرابع : أن يكون الخبر مصدرا نائبا مناب الفعل نحو «صبر جميل» التقدير : «صبري صبر جميل» ف «صبري» : مبتدأ ، و «صبر جميل» : خبره ، ثم حذف المبتدأ الذي هو «صبري» ـ وجوبا (٣).

__________________

(١) وجملة المبتدأ والخبر استئنافية لا محل لها من الإعراب ، ويمكن أن ننصب النعت المقطوع بفعل محذوف تقديره : أمدح أو أذم أو أرحم ، والجملة مستأنفة كذلك.

(٢) ويمكن إعراب : زيد وعمرو مبتدأين والجملة قبلهما خبر عنهما.

(٣) من مواضع حذف المبتدأ أيضا موضعان :

١ ـ بعد لا سيما إن جاء الاسم مرفوعا فهو خبر لمبتدأ محذوف وجوبا.

٢ ـ في مثل قولنا : (تعسا لك أو سقيا لك) ، فالمصدر مفعول مطلق لفعل محذوف. والجار والمجرور متعلق بمحذوف خبر لمبتدأ محذوف وجوبا تقديره : اسق سقيا يا الله : الدعاء لك يا فلان.

٢٢٩

تعدد الخبر :

وأخبروا باثنين أو بأكثرا

عن واحد ك : «هم سراة شعرا» (١)

اختلف النحويون في جواز تعدد خبر المبتدأ الواحد بغير حرف عطف نحو : «زيد قائم ضاحك» ، فذهب قوم ـ منهم المصنف ـ إلى جواز ذلك ، سواء كان الخبران في معنى واحد نحو : «هذا حلو حامض» أي : مزّ ، أم لم يكونا كذلك كالمثال الأوّل ، وذهب بعضهم إلى أنه لا يتعدد الخبر إلا إذا كان الخبران في معنى واحد ، فإن لم يكونا كذلك تعيّن العطف ، فإن جاء من لسان العرب شيء بغير عطف قدّر له مبتدأ آخر (٢) كقوله تعالى : (وَهُوَ الْغَفُورُ الْوَدُودُ ذُو الْعَرْشِ الْمَجِيدُ)(٣). وقول الشاعر :

__________________

(١) اخبروا : فعل ماض مبني على الضم لاتصاله بواو الجماعة ، والواو : في محل رفع فاعل ، باثنين ؛ الباء : حرف جر ، اثنين : مجرور بالباء وعلامة جره الياء لأنه ملحق بالمثنى ، متعلق بأخبروا ، أو : حرف عطف ، بأكثرا : الباء : حرف جر ، أكثر : مجرور بالباء وعلامة جره الفتحة نيابة عن الكسرة لأنه ممنوع من الصرف للوصفية ووزن الفعل ، متعلق بأخبروا ، عن واحد : جار ومجرور متعلق بأخبروا ، هم : ضمير منفصل في محل رفع مبتدأ ، سراة : خبر مرفوع : شعرا وأصلها : شعراء : خبر ثان وقصره لضرورة الشعر.

(٢) يعني أن الخبر المتعدد يأتي على وجهين :

(أ) أن يتعدد الخبر ولكن الخبرين يكونان في معنى واحد فكأن كلا منهما جزء من كلمة ، وقد أجمعوا على جواز تعدده كمثال الشارح : هذا حلو حامض أي مز.

(ب) أن يتعدد الخبر في لفظه ومعناه فيصبح الإخبار بكل لفظ عن المبتدأ كما مثّل الشارح وهذا هو الذي وقع فيه الاختلاف بين النحاة.

(٣) قال تعالى : (وَهُوَ الْغَفُورُ الْوَدُودُ ذُو الْعَرْشِ الْمَجِيدُ فَعَّالٌ لِما يُرِيدُ) البروج (١٤ ـ ١٦) والشاهد تعدد الخبر في الآيات الكريمة دون عطف.

٢٣٠

٥٩ ـ من يك ذا بت فهذا بتي

مقيّظ مصيف مشتّى (١)

وقوله :

٦٠ ـ ينّام بإحدى مقلتيه ويتّقي

بأخرى المنايا ، فهو يقظان نائم (٢)

__________________

(١) نسب بعضهم هذا البيت لرؤبة بن العجاج. بت : نوع من الكساء مقيظ : أي زمن القيظ وهو اشتداد الحرّ.

لمعنى : من كان يرفل بحلله فإن لي هذا الثوب الذي يكفيني دهري كله.

لإعراب : من : اسم شرط جازم في محل رفع مبتدأ ، يك : فعل مضارع ناقص فعل الشرط مجزوم بالسكون على النون المحذوفة تخفيفا ، واسمه ضمير مستتر جوازا تقديره هو يعود إلى من ، «ذا» خبر يك منصوب بالألف لأنه من الأسماء الستة ، بت : مضاف إليه ، والجملة في محل رفع خبر للمبتدأ من ، فهذا : الفاء رابطة لجواب الشرط ، هذا : الهاء : للتنبيه ، ذا : اسم إشارة في محل رفع مبتدأ ، بتي ، مقيظ ، مصيف ، مشتى : أخبار لاسم الإشارة ، والجملة في محل جزم جواب الشرط.

لشاهد فيه : هذا بتى مصيف مقيظ مشتى : فقد جاء الخبر متعددا دون عاطف.

(٢) البيت لحميد بن ثور ، ويروى : فهو يقظان هاجع ، وهو الصحيح لأن القصيدة عينية وقبله قوله :

وبت كنوم الذئب في ذي حفيظة

أكلت طعاما دونه وهو جائع

المعنى : يصف حذر الذئب فهو ـ كما يزعمون ـ ينام بعين واحدة ويحرس نفسه بالأخرى خشية المنية فهو نائم يقظ معا.

الإعراب : ينام : فعل مضارع ، وفاعله : هو يعود إلى الذئب ، بإحدى : جار ومجرور متعلق بينام ، مقلتيه : مقلتي : مضاف إليه مجرور بالياء لأنه مثنى ، وحذفت النون للإضافة ، والهاء في محل جرّ بالإضافة ، ويتقي : الواو : عاطفة ، يتقي : فعل مضارع مرفوع بالضمة المقدرة للثقل ، والفاعل : هو ، بأخرى ، جار ومجرور متعلق بيتقي ، المنايا : مفعول به ليتقي منصوب بالفتحة المقدرة للتعذر ، فهو : الفاء : استئنافية ، هو : ضمير منفصل مبني على الفتح في محل رفع مبتدأ ، يقظان : خبر المبتدأ ، هاجع : خبر ثان مرفوع ، والجملة استئنافية لا محل لها.

الشاهد فيه : قوله : «فهو يقظان هاجع» فقد أخبر عن المبتدأ بخبرين بغير عاطف.

٢٣١

وزعم بعضهم أنه لا يتعدد الخبر إلا إذا كان من جنس واحد ، كأن يكون الخبران مثلا مفردين نحو : «زيد قائم ضاحك» ، أو جملتين نحو : «زيد قام ضحك» ، فأما إذا كان أحدهما مفردا والآخر جملة فلا يجوز ذلك فلا تقول : «زيد قائم ضحك» ، هكذا زعم هذا القائل. ويقع في كلام المعربين للقرآن الكريم وغيره تجويز ذلك كثيرا ، ومنه قوله تعالى : (فَإِذا هِيَ حَيَّةٌ تَسْعى)(١) جوّزوا كون «تسعى» خبرا ثانيا ، ولا يتعين ذلك لجواز كونه حالا (٢).

__________________

(١) قال تعالى : (قالَ : أَلْقِها يا مُوسى ، فَأَلْقاها فَإِذا هِيَ حَيَّةٌ تَسْعى) طه (١٩ ، ٢٠) إذا : فجائية ، هي : ضمير منفصل في محل رفع مبتدأ ، حية : خبر للمبتدأ ، وجملة تسعى مع الفاعل المستتر : في محل رفع خبر ثان.

(٢) الصحيح أن يقول : لجواز كونه صفة ، لأن «حية» نكرة والجمل بعد النكرات صفات.

٢٣٢

أسئلة

١ ـ اشرح متى يجب تأخير الخبر عن المبتدأ؟ معللا وممثلا لما تقول.

٢ ـ ما المسائل التي يجب فيها تقديم الخبر على المبتدأ؟ وما علة ذلك؟

مثل لما تقول.

٣ ـ متى يحذف كلّ من الخبر والمبتدأ جوازا؟ مثل لما تقول.

٤ ـ بيّن مواضع حذف الخبر وجوبا؟ ومثل لكل موضع واستشهد حيث أمكنك.

٥ ـ ما المواضع التي يحذف فيها المبتدأ؟ وما سبب ذلك؟ مثّل.

٦ ـ (يتعدد الخبر بعطف وبغير عطف) بيّن ما في ذلك من خلاف واذكر رأيك مع التمثيل ..

٢٣٣

تمرينات

١ ـ عيّن المبتدأ أو الخبر المحذوف فيما يأتي وبيّن حكم هذا الحذف ، ثم أعرب ما تحته خط :

قال تعالى :

(أ) (وَلا تَقُولُوا لِمَنْ يُقْتَلُ فِي سَبِيلِ اللهِ أَمْواتٌ بَلْ أَحْياءٌ وَلكِنْ لا تَشْعُرُونَ)(١).

(ب) (إِنْ أَحْسَنْتُمْ أَحْسَنْتُمْ لِأَنْفُسِكُمْ (٢) وَإِنْ أَسَأْتُمْ فَلَها).

(ج) (بَلْ سَوَّلَتْ لَكُمْ أَنْفُسُكُمْ أَمْراً فَصَبْرٌ جَمِيلٌ)(٣).

(د) (فَقالُوا : سَلاماً قالَ سَلامٌ (٤) قَوْمٌ مُنْكَرُونَ).

(ه) (لَعَمْرُكَ إِنَّهُمْ لَفِي سَكْرَتِهِمْ يَعْمَهُونَ)(٥).

(و) (وَلَوْ لا دَفْعُ اللهِ النَّاسَ بَعْضَهُمْ بِبَعْضٍ لَهُدِّمَتْ صَوامِعُ (٦) وَبِيَعٌ وَصَلَواتٌ وَمَساجِدُ يُذْكَرُ فِيهَا اسْمُ اللهِ كَثِيراً).

وقال زهير :

(ز) نعم امرأ هرم لم تعر نائبة

إلا وكان لمرتاع بها وزرا

(ح) ذهبت إلى الكلية فإذا عطلة نصف العام.

__________________

(١) آية ١٥٤ سورة البقرة.

(٢) آية ٧ سورة الإسراء.

(٣) آية ٨٣ سورة يوسف.

(٤) آية ٢٥ سورة الذاريات.

(٥) آية ٧٢ سورة الحجر.

(٦) آية ٤٠ سورة الحج.

٢٣٤

٢ ـ كوّن ثلاث جمل يكون الخبر في الأولى محذوفا جوازا وفي الثانية يكون الخبر محذوفا وجوبا وفي الثالثة يكون الخبر واجب التقديم.

٣ ـ هات ثلاث جمل يكون المبتدأ في أولاها واجب التقديم وفي ثانيها ممتنعة وفي ثالثها جائزة.

٤ ـ قال تعالى : «وَهُوَ الْغَفُورُ الْوَدُودُ ذُو الْعَرْشِ (١) الْمَجِيدُ فَعَّالٌ لِما يُرِيدُ».

٥ ـ كيف تعرب ما بعد الضمير من الأوصاف؟ اذكر وجهة الخلاف. في ذلك.

٦ ـ علام يستشهد النحاة بهذه الأبيات؟

عندي اصطبار وأمّا أنّني جزع

يوم النوى فلوجد كاد يبريني

خير اقترابي من المولى حليف رضا

وشرّ بعدى عنه وهو غضبان

أمنجز أنتم وعدا وثقت به

أم اقتفيتم جميعا وعد عرقوب

بنونا بنو أبنائنا وبناتنا

بنوهن أبناء الرجال الأباعد

٧ ـ أعرب البيت الآتي وهو للبارودي :

كيف الوثوق بذمة من صاحب؟

وبكل قلب نقطة سوداء

٨ ـ قال المتنبي :

وما أنا إلا سمهريّ عرضته

فزيّن معروضا وراع مسدّدا

وما الدهر إلا من رواة قصائدي

إذا قلت شعرا أصبح الدهر منشدا

اشرح البيتين وبين حكم تقدم المبتدأ فيها .. ونوع الخبر.

__________________

(١) الآيات : ١٤ ، ١٥ ، ١٦ سورة البروج.

٢٣٥

كان وأخواتها

ترفع «كان» المبتدا اسما والخبر

تنصبه ك : «كان سيّدا عمر» (١)

ككان : ظلّ ، بات ، أضحى ، أصبحا

أمسى ، وصار ، ليس ، زال ، برحا (٢)

فتئ ، وانفكّ ، وهذي الأربعة

لشبه نفي ، أو لنفي متبعه (٣)

__________________

(١) المبتدأ : مفعول به لترفع ، اسما : حال من المبتدأ ، والخبر : الواو : حرف عطف ، الخبر : مفعول به منصوب على الاشتغال بفعل محذوف وجوبا والتقدير وتنصب الخبر والجملة معطوفة على جملة (ترفع كان ..) الابتدائية لا محل لها من الإعراب ، وجملة : تنصبه : تفسيرية لا محل لها من الإعراب ، كان : فعل ماض ناقص ، سيدا : خبر كان مقدم ، عمر : اسمها مؤخر مرفوع وسكن للرويّ.

(٢) ككان : الكاف حرف جر ، كان : (قصد لفظه) مجرور بالكاف وعلامة جره كسرة مقدرة على آخره منع من ظهورها حركة البناء الأصلي ، متعلق بمحذوف خبر مقدّم ، ظل : (قصد لفظه) مبتدأ مؤخر وكذلك ما بعده.

(٣) وهذي : الواو : استئنافية ، الهاء : للتنبيه ، ذي : اسم إشارة في محل رفع مبتدأ ، الأربعة : بدل أو عطف بيان مرفوع ، لشبه : جار ومجرور متعلق بمتبعة : متبعة : خبر للمبتدأ هذي.

٢٣٦

ومثل كان : «دام» مسبوقا ب : «ما»

ك : «أعط ما دمت مصيبا درهما» (١)

لما فرغ من الكلام على المبتدأ والخبر شرع في ذكر نواسخ الابتداء (٢) ، وهي قسمان :

(أ) أفعال (ب) وحروف

فالأفعال : كان وأخواتها ، وأفعال المقاربة ، وظنّ وأخواتها.

والحروف : ما وأخواتها ، ولا التي لنفي الجنس ، وإنّ وأخواتها.

فبدأ المصنف بذكر كان وأخواتها ، وكلها أفعال اتفاقا ، إلا «ليس» فذهب الجمهور إلى أنها فعل (٣). وذهب الفارسي في أحد قوليه ـ وأبو بكر ابن شقير ـ في أحد قوليه ـ إلى أنها حرف (٤).

وهي ترفع المبتدأ وتنصب خبره (٥) ، ويسمى المرفوع بها اسما لها ، والمنصوب بها خبرا لها. وهذه الأفعال قسمان :

__________________

(١) مثل : خبر مقدم ، كان : مضاف إليه ، دام : مبتدأ مؤخر ، مسبوقا حال ، أعط : فعل أمر مبني على حذف حرف العلة ، والفاعل : أنت ، ما : مصدرية ظرفية ، دمت : دام الناقصة والتاء اسمها ، مصيبا : خبرها ، درهما مفعول به ثان (لأعط) والأول محذوف والتقدير (أعط الفقير درهما).

(٢) النواسخ من النسخ وهو الإزالة ، لأنها تزيل حكم المبتدأ والخبر.

(٣) لقبولها تاء المؤنثة المخاطبة وتاء الفاعل وهما من علامات الأفعال (لست ، لست)

(٤) حجة من قال بحرفيتها جمودها وشبهها في ذلك بما النافية ، وعدم دلالتها على المصدر ورد ذلك بأن عدم دلالتها على المصدر لكونها مع أفعال الباب ليست أفعالا حقيقية ، ولم تتصرف لأنها أشبهت «ما» فحملت عليها في الجمود ، كما حملت عليها «ما» في العمل في لغة أهل الحجاز.

(٥) لا تدخل النواسخ بشكل عام على المبتدأ إذا كان :

(أ) له الصدارة في جملته ويستثنى من ذلك ضمير الشأن.

٢٣٧

١ ـ منها ما يعمل هذا العمل بلا شرط وهي : «كان ، وظلّ ، وبات ، وأضحى ، وأصبح ، وأمسى ، وصار ، وليس».

٢ ـ ومنها ما لا يعمل هذا العمل إلا بشرط وهو قسمان :

أحدهما : ما يشترط في عمله أن يسبقه نفي لفظا أو تقديرا ، أو شبه نفي وهو أربعة : «زال ، وبرح ، وفتيء ، وانفك». فمثال النفي لفظا : «ما زال زيد قائما». ومثاله تقديرا قوله تعالى : (قالُوا : تَاللهِ تَفْتَؤُا تَذْكُرُ يُوسُفَ)(١) أي «لا تفتأ» ، ولا يحذف النافي معها قياسا إلا بعد القسم كالآية الكريمة (٢) ، وقد شذّ الحذف بدون القسم كقول الشاعر :

٦١ ـ وأبرح ما أدام الله قومي

بحمد الله منتطقا مجيدا (٣)

__________________

(ب) المبتدأ الواجب الحذف وخبره نعت مقطوع مثل : الحمد لله الحميد (أي هو الحميد).

(ج) كلمات لزمت الابتداء بنفسها مثل : «لله در الخطيب» أو بغيرها كالواقع بعد لو لا أو إذا الفجائية.

(د) المبتدأ المقصور على معنى واحد لا يستعمل في غيره كالدعاء : طوبى للمؤمن ، والقسم : أيمن الله لألتزمنّ الإنصاف.

(١) يوسف (٨٥) وتتمة الآية الكريمة «حَتَّى تَكُونَ حَرَضاً أَوْ تَكُونَ مِنَ الْهالِكِينَ».

(٢) لحذف النفي قياسا ثلاثة شروط : الأول : كون النافي «لا» دون غيره ، والثاني : كون الفعل مضارعا ، والثالث : أن يكون ذلك في القسم كما في الآية ، والحذف في غير ذلك شاذ.

(٣) البيت للشاعر الجاهلي خداش بن زهير العامري. منتطق مجيد : فسره الشارح : صاحب نطاق وجواد ، والنطاق ما يشدّ به الوسط ، وفسره غيره بأن «منتطق مجيد» من النطق والإجادة.

المعنى : إنني لا أبرح رطب اللسان بمدح قومي وإجادة القول فيهم ما أدامهم الله.

الإعراب : أبرح : فعل مضارع ناقص ، يرفع المبتدأ وينصب الخبر ، واسمه ضمير مستتر وجوبا تقديره «أنا» ، ما : مصدرية ظرفية ، أدام ، فعل ماض ، الله : فاعل ، قومي : مفعول به منصوب بالفتحة المقدرة على ما قبل ياء المتكلم ، والياء :

٢٣٨

أي لا أبرح منتطقا مجيدا ، أي : صاحب نطاق وجواد ما أدام الله قومي ، وعني بذلك أنه لا يزال مستغنيا ما بقي له قومه ، وهذا أحسن ما حمل عليه البيت. ومثال شبه النفي ـ والمراد به النهي ـ كقولك : «لا تزل قائما» ومنه قوله :

٦٢ ـ صاح : شمّر ولا تزل ذاكر المو

ت فنسيانه ضلال مبين (١)

__________________

ضمير في محل جر بالإضافة ، بحمد : جار ومجرور متعلق بمنتطقا ، الله : مضاف إليه ، منتطقا : خبر أبرح منصوب ، مجيدا خبر ثان منصوب. جملة أبرح مع معموليها : ابتدائية لا محل لها من الإعراب ، ما المصدرية وما دخلت عليه في تأويل مصدر منصوب على الظرفية متعلق بمنتطقا والتقدير : «لا أبرح منتطقا بحمد الله دوام قومي».

الشاهد فيه : قوله : «أبرح» فقد حذف النفي أو شبه النفي وليس في الكلام قسم وهو حذف شاذ ، وبعضهم قال : أبرح هنا تامة ومعناها أزول ، والمعنى : أستغنى عن أن أكون صاحب نطاق وجواد لأن قومي يكفونني ذلك ، وليس في هذا التخريج شاهد.

(١) لم ينسب البيت إلى قائل معيّن.

المعنى : اجتهد في الطاعات يا صاحبي واجعل الموت نصب عينيك فنسيانه ضلال واضح.

الإعراب : صاح : منادى مرخم على غير القياس (لأنه ليس علما) ، منصوب لأنه مضاف (أصله : يا صاحبي) وعلامة نصبه الفتحة المقدرة على ما قبل ياء المتكلم ، والياء المحذوفة في محل جر بالإضافة. (أو أصله : صاحب : فيكون نكرة مقصودة مبنيا على الضم في محل نصب) : شمر : فعل أمر الفاعل أنت ، ولا : الواو : حرف عطف ، لا : الناهية جازمة ، تزل : فعل مضارع ناقص مجزوم بالسكون ، واسمه ضمير مستتر وجوبا تقديره : أنت ، ذاكر : خبره منصوب بالفتحة ، الموت : مضاف إليه من إضافة اسم الفاعل إلى مفعوله ، فنسيانه : الفاء استئنافية للتعليل ، نسيان : مبتدأ ، والهاء : في محل جر بالإضافة ، ضلال : خبر ، مبين : نعت ضلال مرفوع. جملة : شمر : استئنافية لا محل لها ، جملة : لا تزل ذاكر : معطوفة على الاستئنافية لا محل لها من الإعراب ، فنسيانه ضلال : استئنافية لا محل لها من الإعراب.

٢٣٩

والدعاء كقوله : «لا يزال الله محسنا إليك» وقوله :

٦٣ ـ ألا يا اسلمي يا دارميّ على البلى

ولا زال منهلا بجرعائك القطر (١)

وهذا هو الذي أشار إليه المصنف بقوله : «وهذي الأربعة .. إلى آخر البيت».

القسم الثاني : ما يشترط في عمله أن يسبقه «ما» المصدرية الظرفية وهو «دام» كقولك : «أعط ما دمت مصيبا درهما» ، أي : أعط مدة دوامك مصيبا درهما ، ومنه قوله تعالى : «وَأَوْصانِي بِالصَّلاةِ

__________________

الشاهد فيه قوله : لا تزل ، فقد أعمل تزال مضارع زال يزال عمل كان لتقدم شبه النفي وهو النهي.

(١) البيت لذي الرمّة غيلان بن عقبة الشاعر الأموي الذي اشتهر بحبه لميّ. البلى : الاضمحلال والفناء ، منهلا : منسكبا ، الجرعاء : الأرض الرملية المستوية التي لا تنبت شيئا ، مذكرها : أجرع.

المعنى : رزقك الله السلامة يا ديار الحبيبة. ووقاك أسباب الفناء على ما فيك من قدم ، وأغائك بقطر دائم يجعل أرضك رطبة خصبة.

الإعراب : ألا : أداة استفتاح ، يا : حرف نداء والمنادى محذوف (أو : يا : حرف تنبيه مؤكد لحرف الاستفتاح) ، اسلمي : فعل أمر مبني على حذف النون ، وياء المخاطبة : في محل رفع فاعل ، يا : أداة نداء ، دار : منادى مضاف منصوب ، ميّ : مضاف إليه مجرور بالفتحة نيابة عن الكسرة لأنه ممنوع من الصرف للعلمية والتأنيث ، على البلى : جار ومجرور متعلق باسلمي ، ولا : الواو : حرف عطف ، لا : حرف دعاء ، زال : فعل ماض ناقص ، منهلا : خبر مقدم ، بجرعائك : جار ومجرور متعلق بمنهلا ، والكاف : في محل جر بالإضافة ، القطر اسم زال مؤخر ، جملة : اسلمي : استئنافية لا محل من الإعراب ، جملة ولا زال .. القطر : معطوفة عليها لا محل لها من الإعراب.

الشاهد فيه : قوله : لا زال ، فقد أعمل زال عمل كان الناقصة لتقدم شبه النفي عليها وهو الدعاء.

٢٤٠