تيسير وتكميل شرح ابن عقيل على ألفيّة ابن مالك - ج ١

الدكتور محمّد علي سلطاني

تيسير وتكميل شرح ابن عقيل على ألفيّة ابن مالك - ج ١

المؤلف:

الدكتور محمّد علي سلطاني


الموضوع : اللغة والبلاغة
الناشر: دار العصماء
الطبعة: ١
الصفحات: ٢٨٨

كما مثل أو بالفعل كقولك : «ليس قائم الزيدان» ف «ليس» : فعل ماض ناقص ، و «قائم» : اسمه ، و «الزيدان» فاعل سدّ مسدّ خبر ليس. وتقول : «غير قائم الزيدان». ف «غير» : مبتدأ ، و «قائم» : مخفوض بالإضافة ، و «الزيدان» : فاعل بقائم سدّ مسد خبر غير ، لأن المعنى «ما قائم الزيدان» ، فعومل : «غير قائم» معاملة : «ما قائم» ، ومنه قوله :

٣٩ ـ غير لاه عداك فاطّرح الله

وولا تغترر بعارض سلم (١)

ف : «غير» مبتدأ ، و «لاه» : مخفوض بالإضافة ، و «عداك» : فاعل بلاه سدّ مسدّ خبر غير. ومثله قوله :

٤٠ ـ غير مأسوف على زمن

ينقضي بالهمّ والحزن (٢)

__________________

(١) لم ينسب البيت لقائل معيّن ، اللاهي هنا بمعنى الغافل ، ، اطرح : اترك ، السلم : بفتح السين وكسرها : الموادعة والمهادنة.

المعنى : كن حذرا واترك اللهو جانبا ولا تغتر بسلم عارض فإن أعداءك ليسوا في غفلة بل يتربصون للإيقاع بك.

الإعراب : غير : مبتدأ مرفوع ، لاه : مضاف إليه مجرور بالكسرة المقدرة على الياء المحذوفة لالتقاء الساكنين ، عداك : عدا : فاعل سد مسدّ الخبر مرفوع بالضمة المقدرة على آخره للتعذر ، والكاف : ضمير في محل جر بالإضافة ، فاطرح : الفاء استئنافية ، اطرح : فعل أمر مبني على السكون ، وحرك بالكسر للتخلص من التقاء الساكنين ، والفاعل : ضمير مستتر وجوبا تقديره أنت. جملة غير لاه عداك : ابتدائية لا محل لها من الإعراب ، جملة فاطرح اللهو : استئنافية لا محل لها من الإعراب ، جملة : لا تغترر : معطوفة على الاستئنافية لا محل لها من الإعراب.

الشاهد فيه : قوله : «غير لاه عداك» فقد جاء المرفوع بعد الوصف المعتمد على النفي فاعلا سدّ مسدّ الخبر ، وغير لاه : بمنزلة : مالاه.

(٢) البيت للشاعر العباسي أبي نواس الحسن بن هانىء ، وهو ممن لا يستشهد بكلامه وإنما ورد البيت للتمثيل لا للاستشهاد.

المعنى : ليس هذا الزمان المترع بالهموم الزاخر بالأحزان جديرا بالأسف والأسى.

١٨١

ف : «غير» : مبتدأ ، و «مأسوف» : مخفوض بالإضافة ، و «على زمن» جار ومجرور في موضع رفع بمأسوف لنيابته مناب الفاعل وقد سدّ مسدّ خبر غير.

وقد سأل أبا (١) الفتح بن جنّى ولده عن إعراب هذا البيت فارتبك في إعرابه.

ومذهب البصريين ـ إلا الأخفش ـ أن هذا الوصف لا يكون مبتدأ إلا إذا اعتمد على نفي أو استفهام ، وذهب الأخفش والكوفيون إلى عدم اشتراط ذلك فأجازوا : «قائم الزيدان» ، ف «قائم» مبتدأ ، و «الزيدان» : فاعل سد مسدّ الخبر ؛ وإلى هذا أشار المصنف بقوله : «وقد يجوز نحو : فائز أولو الرّشد» : ، أي : وقد يجوز استعمال هذا الوصف مبتدأ من غير أن يسبقه نفي أو استفهام. وزعم المصنف أنّ سيبويه يجيز ذلك على ضعف ، ومما ورد منه قوله :

٤١ ـ فخير نحن عند الناس منكم

إذا الدّاعي المثوّب قال : يالا (٢)

__________________

الإعراب : جملة (ينقضي) في محل جر صفة لزمن.

التمثيل به : قوله : غير مأسوف على زمن فقد أتى بالجار والمجرور في موضع رفع نائب فاعل لاسم المفعول المعتمد على النفي ، سدّ مسدّ الخبر ، والمضاف والمضاف إليه بمنزلة الشيء الواحد فهما بمنزلة : ما مأسوف ..

(١) قال الخضري في حاشيته : في نسخ بالواو : فيكون هو السائل ليمتحن ولده مثلا فليحرر.

(٢) البيت لزهير بن مسعود الضّبي ، يروى مكان الناس : «البأس» ، الداعي المثوب الذي يصيح مستغيثا مستصرخا ، يالا : أصلها يا لفلان.

المعنى : يفخر الشاعر على خصومه بأنه وقومه خير وأكرم مكانة عند الناس إذا ضربتهم الأمور واستصرخهم الخائفون.

الإعراب : خير : مبتدأ ، نحن : ضمير منفصل مبني على الضم في محل رفع فاعل لخير سدّ مسدّ الخبر عند : ظرف مكان منصوب متعلق بخير ، الناس : مضاف إليه ، إذا : ظرف متضمن معنى الشرط في محل نصب على الظرفية الزمانية ،

١٨٢

ف «خير» : مبتدأ ، و «نحن» : فاعل سدّ مسدّ الخبر ، ولم يسبق «خير» نفي ولا استفهام ، وجعل من هذا قوله :

٤٢ ـ خبير بنو لهب فلا تك ملغيا

مقالة لهبيّ إذا الطّير مرّت (١)

ف «خبير» : مبتدأ ، و «بنو لهب» فاعل سدّ مسدّ الخبر.

__________________

متعلق بجواب الشرط المحذوف لدلالة ما قبله عليه ، الداعي : فاعل لفعل محذوف يفسره المذكور والتقدير : إذا قال الداعي ، والجملة في محل جر بإضافة الظرف إليها ، وجواب الشرط محذوف تقديره : إذا قال الداعي ... فخير نحن ... يالا : يا : أداة نداء واستغاثة ، اللام حرف جر ، والمنادى المستغاث به محذوف تقديره : يا لفلان وهو مجرور باللام ، متعلق بفعل محذوف ، وجملة النداء في محل نصب مقول للقول ، وجملة قال مع الفاعل المستتر : تفسيرية لا محل لها من الإعراب.

الشاهد فيه قوله : خير نحن ، فقد جاء المبتدأ وصفا رافعا لفاعل سدّ مسدّ الخبر دون اعتماد على نفي أو استفهام وذلك مذهب الكوفيين.

(١) البيت لبعض الطائبين ، بنو لهب : حي من الأزد اشتهروا بزجر الطير وعيافته (أي الاعتبار بأسماء الطيور ومساقطها فيتفاءل المرء أو يتشاءم).

المعنى : إذا مرت الطير فاستمع إلى ما يقوله اللهبي في شأنها فإنهم بذلك عالمون ذوو خبرة.

الإعراب : خبير : مبتدأ ، بنو : فاعل سدّ مسدّ الخبر مرفوع بالواو لأنه ملحق بجمع المذكر السالم لهب مضاف إليه. فلا : الفاء : استئنافية ، لا : ناهية جازمة ، تك : فعل مضارع ناقص مجزوم بلا وعلامة جزمه السكون على النون المحذوفة تخفيفا ، واسمه : ضمير مستتر وجوبا تقديره : أنت ، ملغيا : خبر تك منصوب ، مقالة : مفعول به لاسم الفاعل (ملغيا) ، الطير : فاعل لفعل محذوف يفسّره المذكور والتقدير : مرّت الطير ، والجملة في محل جر بالإضافة ، وجملة مر الثاني مع الفاعل المستتر : تفسيرية لا محل لها من الإعراب ، وجواب إذا محذوف دلّ عليه ما قبله والتقدير : إذا مرت الطير فلا تك ملغيا ...

١٨٣

أحوال الوصف مع مرفوعه :

والثّان : مبتدا ، وذا الوصف : خبر

إن في سوى الإفراد طبقا استقر

الوصف مع الفاعل ، إما أن يتطابقا إفرادا أو تثنية أو جمعا ، أو لا يتطابقا وهو قسمان : ممنوع وجائز.

١ ـ فإن تطابقا إفرادا نحو «أقائم زيد» جاز فيه وجهان :

أحدهما : أن يكون الوصف مبتدأ ، وما بعده فاعل سدّ مسدّ الخبر.

والثاني : أن يكون ما بعده مبتدأ مؤخرا ، ويكون الوصف خبرا مقدما ، ومنه قوله تعالى : (أَراغِبٌ أَنْتَ عَنْ آلِهَتِي يا إِبْراهِيمُ)(١) فيجوز أن يكون «أراغب» مبتدأ ، و «أنت» فاعل سدّ مسدّ الخبر. ويحتمل أن يكون «أنت» : مبتدأ مؤخرا ، و «أراغب» خبرا مقدما.

والأوّل ـ في هذه الآية ـ أولى (٢) ، لأن قوله. «عن آلهتي» معمول

__________________

الشاهد فيه : قوله : خبير بنو لهب فقد استشهد به الكوفيون على جواز اكتفاء المبتدأ الوصف بمرفوعه دون اعتماد على نفي أو استفهام ، ويرده البصريون بأن «خبير» خبر مقدم و «بنو» مبتدأ مؤخر ، وجاز الإخبار عن الجمع بالمفرد لأنه على زنة المصدر «فعيل كصهيل» والمصدر يخبر به عن المفرد والمثنى والجمع بلفظ واحد كقوله تعالى : «وَالْمَلائِكَةُ بَعْدَ ذلِكَ ظَهِيرٌ».

(١) مريم (٤٦) والآية بكاملها : «قالَ : أَراغِبٌ أَنْتَ عَنْ آلِهَتِي يا إِبْراهِيمُ ، لَئِنْ لَمْ تَنْتَهِ لَأَرْجُمَنَّكَ وَاهْجُرْنِي مَلِيًّا».

(٢) يجوز الوجهان في أصل المسألة أما في هذه الآية الكريمة فلا يجوز إلا وجه واحد وهو جعل الوصف مبتدأ والضمير فاعلا سدّ مسدّ الخبر للمانع الذي بسطه الشارح والذي يمنع أن يكون الوصف خبرا مقدما والضمير «أنت» مبتدأ مؤخرا فقوله : «أولى» هنا بمعنى «واجب» للسبب الذي فصّله وهو الذي يؤدي إلى الفصل بين العامل (راغب) ومعموله (عن آلهتي) بأجنبي وهو (أنت).

١٨٤

لراغب ، فلا يلزم في الوجه الأول الفصل بين العامل والمعمول بأجنبيّ ، لأن «أنت» على هذا التعبير فاعل ل «راغب» : فليس بأجنبي منه. وأمّا على الوجه الثاني فيلزم فيه الفصل بين العامل والمعمول بأجنبي ، لأن «أنت» أجنبي من «راغب» على هذا التقدير ، لأنه مبتدأ فليس ل «راغب» عمل فيه لأنه خبر ، والخبر لا يعمل في المبتدأ على الصحيح.

٢ ـ وإن تطابقا تثنية نحو «أقائمان الزيدان» ، أو جمعا نحو : «أقائمون الزيدون» ، فما بعد الوصف مبتدأ ، والوصف خبر مقدّم ، وهذا معنى قول المصنف : «والثان مبتدا وذا الوصف خبر .. إلى آخر البيت» ، أي : والثاني ـ وهو ما بعد الوصف ـ مبتدأ ، والوصف خبر عنه مقدم عليه إن تطابقا في غير الإفراد ، وهو التثنية والجمع ، هذا على المشهور من لغة العرب ، ويجوز على لغة «أكلوني البراغيث» (١) أن يكون الوصف مبتدأ ، وما بعده فاعل أغنى عن الخبر.

٣ ـ وإن لم يتطابقا ـ وهو قسمان : ممتنع وجائز كما تقدم ـ فمثال الممتنع : «أقائمان زيد» و «أقائمون زيد» فهذا التركيب غير صحيح ، ومثال الجائز : «أقائم الزيدان» و «أقائم الزيدون» وحينئذ يتعين أن يكون الوصف مبتدأ ، وما بعده فاعل سدّ مسدّ الخبر (٢).

__________________

(١) حكوا هذه اللغة عن طيىء ، وبعضهم حكاها عن أزد شنوءة ، وذهبوا في إعرابها ثلاثة مذاهب :

(أ) البراغيث فاعل أكل ، والواو حرف دال على الجماعة.

(ب) الواو في محل رفع فاعل ، والبراغيث بدل منها.

(ج) الواو : فاعل ، والجملة : في محل رفع خبر مقدم ، والبراغيث : مبتدأ مؤخر وسيأتي بيان ذلك مفصلا في باب الفاعل.

(٢) لو عكسنا لأخبرنا بالمفرد (قائم) عن المثنى أو الجمع (الزيدان أو الزيدون) وهذا ممتنع لأن المطابقة بين المبتدأ والخبر واجبة.

١٨٥

العامل في المبتدأ والخبر :

ورفعوا مبتّدأ بالابتدا

كذاك رفع خبر بالمبتدا

مذهب سيبويه وجمهور البصريين : أن المبتدأ مرفوع بالابتداء ، وأن الخبر مرفوع بالمبتدأ ، فالعامل في المبتدأ معنوي وهو : كون الاسم مجردا عن العوامل اللفظية غير الزائدة وما أشبهها .. واحترز «بغير الزائدة» من مثل : «بحسبك درهم» ، فبحسبك : مبتدأ ، وهو مجرد عن العوامل اللفظية غير الزائدة ، ولم يتجرد عن الزائدة ، فإن الباء الداخلة عليه زائدة. واحترز «بشبهها» من مثل : «ربّ رجل قائم» ، : ف «رجل» : مبتدأ ، و «قائم» : خبره ، ويدلّ على ذلك رفع المعطوف عليه نحو : «ربّ رجل قائم وامرأة». والعامل في الخبر لفظي وهو المبتدأ ، وهذا هو مذهب سيبويه رحمه‌الله. وذهب قوم إلى أن العامل في المبتدأ والخبر الابتداء ، فالعامل فيهما معنويّ وقيل : المبتدأ مرفوع بالابتداء ، والخبر مرفوع بالابتداء والمبتدأ.

وقيل : ترافعا ، ومعناه أن الخبر رفع المبتدأ ، وأن المبتدأ رفع الخبر.

وأعدل هذه المذاهب مذهب سيبويه وهو الأول ، وهذا الخلاف مما لا طائل تحته.

* * *

تعريف الخبر :

والخبر : الجزء المتمّ الفائده

ك : «الله برّ ، والأيادي شاهده»

عرّف المصنف الخبر بأنه الجزء المكمل للفائدة. ويرد عليه الفاعل نحو «قام زيد» ، فإنه يصدق على «زيد» أنه الجزء المتم الفائدة.

وقيل في تعريفه : «إنه الجزء المنتظم منه مع المبتدأ جملة (١)» ، ولا يرد الفاعل على هذا التعريف لأنه لا ينتظم منه مع المبتدأ جملة ، بل ينتظم منه مع الفعل جملة.

__________________

(١) أدقّ من هذا أن يقال : الخبر : «هو الجزء المتمّ الفائدة مع مبتدأ غير الوصف المذكور» ، فيخرج بذلك فاعل الفعل وفاعل الوصف المغني عن الخبر.

١٨٦

وخلاصة هذا أنه عرّف الخبر بما يوجد فيه وفي غيره ، والتعريف ينبغي أن يكون مختصا بالمعرّف دون غيره.

* * *

أنواع الخبر :

ومفردا يأتي ، ويأتي جمله

حاوية معنى الذي سيقت له (١)

وإن تكن إياه معنى اكتفى

بها ، ك : «نطقي : الله حسبي» وكفى (٢)

ينقسم الخبر إلى : مفرد وجملة (٣) ، وسيأتي الكلام على المفرد.

فأما الجملة فإمّا أن تكون هي المبتدأ في المعنى أو لا.

__________________

(١) مفردا : حال من فاعل يأتي الأول ، جملة : حال من فاعل يأتي الثاني ، حاوية : نعت لجملة ، معنى : مفعول به لحاوية منصوب بالفتحة المقدرة على الألف للتعذر ، الذي : اسم موصول في محل جر بالإضافة ، وجملة سيقت له : لا محل لها من الإعراب لأنها صلة الموصول.

(٢) تكن : فعل مضارع ناقص فعل الشرط مجزوم بإن ، واسمه ضمير مستتر جوازا تقديره «هي» يعود إلى الجملة ، إياه : إيا : ضمير منفصل مبني على السكون في محل نصب خبر تكن ، والهاء : حرف دال على الغائب ، معنى : تمييز منصوب بالفتحة المقدرة على آخره للتعذر ، اكتفى : فعل ماض مبني على الفتح المقدر على آخره للتعذر في محل جزم جواب للشرط والفاعل : ضمير مستتر جوازا تقديره : هو ، والجملة لا محل لها من الإعراب لأنها جواب شرط جازم غير مقترنة بالفاء. وقد أعرب الشارح المثال الذي أتى به ابن مالك.

(٣) المفرد : ما ليس جملة ولا شبيها بالجملة فيشمل المثنى والجمع ، والجملة يشترط فيها لتصلح خبرا ثلاثة شروط :

(أ) وجود الرابط الذي يربطها بالمبتدأ.

(ب) ألا تكون ندائية.

(ج) ألا تكون مصدرة (ببل) أو (لكن) أو (حتى) وقد أجمع النحاة على ذلك.

١٨٧

فإن لم تكن هي المبتدأ في المعنى فلا بدّ فيها من رابط يربطها بالمبتدأ ، وهذا معنى قوله : «حاوية معنى الذي سيقت له».

والرابط إمّا :

(أ) ضمير يرجع إلى المبتدأ نحو : : «زيد قام أبوه». وقد يكون مقدّرا نحو : «السّمن منوان بدرهم» ، التقدير : منوان منه بدرهم (١).

(ب) أو إشارة إلى المبتدأ كقوله تعالى : (وَلِباسُ التَّقْوى ذلِكَ خَيْرٌ)(٢) في قراءة من رفع اللباس.

(ج) أو تكرار المبتدأ بلفظه : وأكثر ما يكون في مواضع التفخيم ، كقوله تعالى : (الْحَاقَّةُ مَا الْحَاقَّةُ)(٣) و (الْقارِعَةُ مَا الْقارِعَةُ)(٤) ، وقد يستعمل في غيرها كقولك : «زيد ما زيد».

__________________

(١) منوان مفرده منا كعصا ، وهو مكيال أو وزن ، السمن : مبتدأ أول : منوان : مبتدأ ثان مرفوع بالألف لأنه مثنى ، والنون عوض عن التنوين في الاسم المفرد. وقد قدر جار ومجرور هو (منه) بمحذوف صفة لمنوان والتقدير : منوان كائنان منه ، وهذا الوصف هو الذي سوّغ الابتداء بالنكرة ، بدرهم : جار ومجرور متعلق بمحذوف خبر للمبتدأ الثاني ، والجملة : في محل رفع خبر للمبتدأ الأوّل.

(٢) من قوله تعالى : (يا بَنِي آدَمَ قَدْ أَنْزَلْنا عَلَيْكُمْ لِباساً يُوارِي سَوْآتِكُمْ وَرِيشاً* وَلِباسُ التَّقْوى ذلِكَ خَيْرٌ ذلِكَ مِنْ آياتِ اللهِ لَعَلَّهُمْ يَذَّكَّرُونَ) الأعراف (٥).

والاستشهاد يتم باعتبار لباس : مبتدأ أول ، ذلك : اسم إشارة في محل رفع مبتدأ ثان ، واللام : للبعد ، والكاف : للخطاب ، خير : خبر للمبتدأ الثاني ، والجملة خبر للمبتدأ الأول ، والرابط هو الإشارة إلى المبتدأ ب «ذلك».

(٣) الحاقة (١ ، ٢) ، والحاقة : مبتدأ أول ، ما : اسم استفهام في محل رفع مبتدأ ثان الحاقة : خبره ، والجملة في محل رفع خبر للمبتدأ الأول.

(٤) القارعة (١ ، ٢) إعرابها كالإعراب السابق في : «الحاقة ما الحاقة».

١٨٨

(د) أو عموم يدخل تحته المبتدأ نحو : «زيد نعم الرجل» (١).

وإن كانت الجملة الواقعة خبرا هي المبتدأ في المعنى لم تحتج إلى رابط ، وهذا معنى قوله : «وإن تكن ... إلى آخر البيت» ، أي : وإن تكن الجملة إياه ـ أي المبتدأ ـ في المعنى اكتفى بها عن الرابط ، كقولك : «نطقي الله حسبي». ، ف : «نطقي» : مبتدأ ، والاسم الكريم : مبتدأ ثان ، و «حسبي» خبر عن المبتدأ الثاني ، والمبتدأ الثاني وخبره : خبر عن المبتدأ الأول ، واستغنى عن الرابط لأن قولك : «الله حسبي» هو معنى «نطقي» ، وكذلك «قولي : لا إله إلا الله».

الخبر المفرد :

والمفرد الجامد فارغ ، وإن

يشتقّ فهو ذو ضمير مستكن

تقدم الكلام في الخبر إذا كان جملة ، وأما المفرد فإما أن يكون جامدا أو مشتقا.

فإن كان جامدا فذكر المصنف أنه يكون فارغا من الضمير نحو : «زيد أخوك». وذهب الكسائي والرّمّاني وجماعة إلى أنه يتحمل الضمير ، والتقدير عندهم : «زيد أخوك هو» وأما البصريون فقالوا : إما أن يكون الجامد متضمنا معنى المشتق أولا ، فإن تضمن معناه نحو : «زيد أسد» ـ أي شجاع ـ تحمّل ، وإن لم يتضمن معناه لم يتحمل الضمير كما مثل.

__________________

(١) زيد : مبتدأ ، نعم : فعل ماض جامد لإنشاء المدح ، الرجل : فاعل ، والجملة في محل رفع خبر المبتدأ ، والرابط هو «العموم» ، لأن الأرجح في (ال) التي في الفاعل (الرجل) إفادتها الاستغراق فتشمل زيدا وغيره ، وإذا اعتبرت عهدية فالرابط إعادة المبتدأ بمعناه.

١٨٩

وإن كان مشتقا فذكر المصنف أنه يتحمل الضمير نحو : «زيد قائم» أي : هو ، هذا إذا لم يرفع ظاهرا ، وهذا الحكم إنما هو للمشتق الجاري مجرى الفعل (١) : كاسم الفاعل ، واسم المفعول ، والصفة المشبهة ، واسم التفضيل فأمّا ما ليس جاريا مجرى الفعل من المشتقات فلا يتحمل ضميرا ، وذلك كأسماء الآله نحو : «مفتاح» ، فإنه مشتق من «الفتح» ولا يتحمل ضميرا. فإذا قلت : «هذا مفتاح» لم يكن فيه ضمير ، وكذلك ما كان على صيغة مفعل وقصد به الزمان أو المكان ك : «مرمى» فإنه مشتق من الرمي ولا يتحمل ضميرا ، فإذا قلت : «هذا مرمى زيد» تريد مكان رميه أو زمان رميه كان الخبر مشتقا ولا ضمير فيه.

وإنما يتحمل المشتق الجاري مجرى الفعل الضمير إذا لم يرفع ظاهرا ، فإن رفعه لم يتحمل ضميرا وذلك نحو : «زيد قائم غلاماه» ، ف : «غلاماه» مرفوع بقائم فلا يتحمل ضميرا.

وحاصل ما ذكره المصنف أنّ الجامد يتحمل الضمير مطلقا عند الكوفيين ولا يتحمّل ضميرا عند البصريين إلا إن أوّل بمشتق ، وأن المشتق إنما يتحمل الضمير إذا لم يرفع ظاهرا وكان جاريا مجرى الفعل نحو : «زيد منطلق» أي : هو : فإن لم يكن جاريا مجرى الفعل لم يتحمل شيئا نحو : «هذا مفتاح» و «هذا مرمى زيد».

* * *

وأبرزنه مطلقا حيث تلا

ما ليس معناه له محصّلا (٢)

__________________

(١) أي إذا كان عاملا عمل الفعل ، ومن المعلوم أن اسمي الزمان والمكان واسم الآلة من المشتقات الصرفية التي لا تعمل عمل الفعل فلا يستتر فيها ضمير.

(٢) أبرزنه : أبرز : فعل أمر مبني على الفتح لاتصاله بنون التوكيد الحفيفة ، والفاعل : أنت ، والنون : للتوكيد حرف لا محل له من الإعراب ، والهاء : مفعول به في محل نصب ، مطلقا : حال من الضمير «الها» ، حيث : ظرف مكان مبني على الضم في محل نصب متعلق بأبرز ، تلا : فعل ماض وفاعله هو ، ما : : اسم

١٩٠

إذا جرى الخبر المشتق على من هو له استتر الضمير فيه نحو : «زيد قائم» أي : هو ، فلو أتيت بعد المشتق ب : «هو» ونحوه وأبرزته فقلت : «زيد قائم هو» فقد جوّز سيبويه فيه وجهين :

أحدهما : أن يكون «هو» تأكيدا للضمير المستتر في «قائم».

والثاني : أن يكون فاعلا ب «قائم» هذا إذا جرى علي من هو له.

فإن جرى على غير من هو له ـ وهو المراد بهذا البيت ـ وجب إبراز الضمير : سواء أمن اللبس أو لم يؤمن ، فمثال ما أمن فيه اللّبس : «زيد : هند ضاربها هو» (١) ، ومثال ما لم يؤمن فيه اللبس لو لا الضمير : «زيد : عمرو ضاربه هو» فيجب إبراز الضمير في الموضعين عند البصريين وهذا معنى قوله : «وأبرزنه مطلقا» ، أي : سواء أمن اللبس أو لم يؤمن.

وأمّا الكوفيّون فقالوا : إن أمن اللبس جاز الأمران كالمثال الأوّل وهو : «زيد : هند ضاربها هو» ، فإن شئت أتيت ب «هو» ، وإن شئت لم تأت ، وإن خيف اللبس وجب الإبراز كالمثال التالي ، فإنك لو لم تأت بالضمير فقلت : «زيد عمرو ضاربه» لاحتمل أن يكون فاعل الضرب زيدا ، وأن يكون عمرا ، فلما أتيت بالضمير فقلت : «زيد عمرو ضاربه هو» تعيّن أن يكون زيد هو الفاعل.

__________________

موصول في محل نصب مفعول به ، معناه : اسم ليس مرفوع بالضمة المقدرة للتعذر ، والهاء : في محل جر بالإضافة ، له : : جار ومجرور متعلق بمحصلا ، خبر ليس منصوب. جملة تلا مع فاعله : في محل جر بالإضافة ، جملة ليس مع معموليها : صلة الموصول لا محل لها من الإعراب.

(١) زيد : مبتدأ أوّل ، هند ، مبتدأ ثان ، ضارب : خبر عن هند ، وهو : في محل رفع فاعل لضارب. فالمراد بالوصف : الخبر ، وقد وصف به هنا : «هند» وهي مؤنثة وهو مذكر ولذا وجب إبراز الضمير دليلا على أن الوصف قد جرى على غير من هو له ، فيتبين بذلك أن الموصوف الحقيقي بفعل الضرب هو زيد.

١٩١

واختار المصنف في هذا الكتاب مذهب البصريين ، ولهذا قال : «وأبرزنه مطلقا» ، يعني : سواء خيف اللبس أو لم يخف ، واختار في غير هذا الكتاب مذهب الكوفيين ، وقد ورد السمّاع بمذهبهم ، فمن ذلك قول الشاعر :

٤٣ ـ قومي ذرا المجد بانوها وقد علمت

بكنه ذلك عدنان وقحطان (١)

التقدير : «بانوها هم» فحذف الضمير لأمن اللبس.

الخبر شبه الجملة :

وأخبروا بظرف ، أو بحرف جر

ناوين معنى «كائن» أو «استقر» (٢)

__________________

(١) لم ينسب إلى قائل معين. ذرا : مفردها ذروة وهي من كل شيء أعلاه ، بانون جمع بان وهو اسم فاعل من بنى ، كنه : حقيقة.

المعنى : بنى قومي صروحا للمجد رفيعة ، وقد علم بذلك أبناء عدنان وقحطان من العرب.

الإعراب : قومي : مبتدأ أول مرفوع بالضمة المقدرة على ما قبل ياء المتكلم ، والياء ، ضمير متصل في محل جر بالإضافة ، ذرا : مبتدأ ثان مرفوع بالضمة المقدرة على الألف للتعذر ، بانوها : خبر للمبتدأ الثاني مرفوع بالواو نيابة عن الضمة لأنه جمع مذكر سالم ، وحذفت النون للإضافة ، وها : ضمير متصل في محل جر مضاف إليه والجملة في محل رفع خبرا للمبتدأ الأول (قومي).

الشاهد فيه : قوله : بانوها فقد أجرى الوصف على غير ما هو له (ذرا) ولم يبرز الضمير لأمن اللبس ، لأن الذرا مبنية لا بانية ، ولو أبرز على الفصحى لقال : «بانيهاهم» أو «بانوهاهم» على لغة أكلوني البراغيث ، والإبراز مذهب البصريين ، وعدمه إن أمن اللبس مذهب الكوفيين كما وضّح الشارح.

(٢) أخبروا : فعل ماض مبنيّ على الضم لاتصاله بواو الجماعة ، والواو : فاعل مبني على السكون في محل رفع ، ناوين : حال من الفاعل (الواو) منصوب بالياء لأنه جمع مذكر سالم ، والنون عوض عن التنوين في الاسم المفرد ، معنى : مفعول به لاسم الفاعل (ناوين) منصوب بالفتحة المقدرة على آخره للتعذر.

١٩٢

تقدم أن الخبر يكون مفردا ويكون جملة ، وذكر المصنف في هذا البيت أنه يكون ظرفا أو جارا ومجرورا نحو : «زيد عندك» و «زيد في الدار» (١) ، فكل منهما متعلق بمحذوف واجب الحذف. وأجاز قوم ـ منهم المصنف ـ أن يكون ذلك المحذوف اسما أو فعلا نحو «كائن» أو «استقر» ، فإن قدرت «كائنا» كان من قبيل الخبر بالمفرد ، وإن قدّرت «استقرّ» كان من قبيل الخبر بالجملة.

واختلف النحويون في هذا :

(أ) فذهب الأخفش إلى أنه من قبيل الخبر بالمفرد ، وأن كلا منهما يتعلق بمحذوف ، وذلك المحذوف اسم فاعل ، التقدير : «زيد كائن عندك أو مستقر عندك ، أو في الدار» ، وقد نسب هذا لسيبويه.

(ب) وقيل : إنهما من قبيل الجملة ، وإن كلا منهما متعلق بمحذوف هو فعل ، التقدير : «زيد استقرّ أو يستقرك عندك» ، ونسب هذا إلى جمهور البصريين وإلى سيبويه أيضا.

(ج) وقيل : يجوز أن يجعلا من قبيل المفرد فيكون المقدر «مستقرا» ونحوه ، وأن يجعلا من قبيل الجملة فيكون التقدير : «استقرّ» ونحوه ، وهذا ظاهر قول المصنف : «ناوين معنى كائن أو استقر».

(د) وذهب أبو بكر بن السرّاج. إلى أن كلا من الظرف والمجرور قسم برأسه ، وليس من قبيل المفرد ولا من قبيل الجملة ، نقل عنه هذا المذهب تلميذه أبو عليّ الفارسي في «الشيرازيّات».

__________________

(١) يشترط في الظرف والجار والمجرور ليكونا خبرين أن يكونا تامين ، أي أن يفهم متعلقهما بمجرد ذكرهما كالمثالين ، فلا يجوز أن نقول : «زيد بك» أو «زيد مكانا» لأن المتعلق غير واضح.

١٩٣

والحق خلاف هذا المذهب ، وأنه متعلق بمحذوف ، وذلك المحذوف واجب الحذف ، وقد صرّح به شذوذا كقوله :

٤٤ ـ لك العزّ إن مولاك عزّ ، وإن يهن

فأنت لدى بحبوحة الهون كائن (١)

وكما يجب حذف عامل الظرف والجار والمجرور إذا وقعا خبرا ، كذلك يجب حذفه إذا وقعا صفة نحو : «مررت برجل عندك ، أو في الدار» (٢) ،

__________________

(١) لم ينسب هذا البيت إلى قائل معيّن. مولاك : لها معان كثيرة منها : السيد والعبد والمعين والحليف ، يهن : يروى مبنيا للمعلوم من هان يهون ، ومبنيا للمجهول من أهان يهين الرباعي ، بحبوحة الدار وغيرها : وسطها ، الهون : المذلة.

الإعراب : لك : جار ومجرور متعلق بمحذوف خبر مقدم ، العزّ : مبتدأ مؤخر ، مولاك فاعل لفعل محذوف يفسره المذكور وتقديره : إن عزّ مولاك وهو فعل الشرط ، مولاك : مولى : فاعل مرفوع بضمة مقدرة على الألف للتعذر ، والكاف : في محل جر بالإضافة ، عزّ : فعل ماض ، وفاعله : هو ، والجملة مفسّرة لا محل لها من الإعراب ، وإن : الواو : عاطفة ، إن : حرف شرط جازم ، يهن : فعل مضارع مجزوم على أنه فعل الشرط وعلامة جزمه السكون ، والفاعل : ضمير مستتر جوازا تقديره هو يعود إلى : مولاك ، فأنت : الفاء : رابطة لجواب الشرط ، أنت ، ضمير منفصل مبني على الفتح في محل رفع مبتدأ ، لدى : ظرف مكان منصوب بالفتحة المقدرة على آخره للتعذر ، متعلق بكائن ، بحبوحة : مضاف إليه ، الهون : مضاف إليه ، كائن : خبر المبتدأ أنت ، جملة لك العز : ابتدائية لا محل لها من الإعراب ، جواب شرط إن الأولى محذوف لدلالة ما قبله عليه والنقدير : إن عز مولاك فلك العزّ ، جملة : فأنت .. كائن : في محل جزم جواب لشرط إن الثانية.

الشاهد فيه : قوله «كائن» حيث صرّح بمتعلّق الظرف لدى شذوذا ، لأن المتعلّق إذا كان كونا عاما وجب عند الجمهور حذفه.

(٢) الظرف والجار والمجرور متعلقان بمحذوف صفة لرجل ، أي : برجل كائن عندك في الدار.

١٩٤

أو حالا نحو : «مررت بزيد عندك ، أو في الدار» (١) ، أو صلة نحو : «جاء الذي عندك ، أو في الدار». لكن يجب في الصلة أن يكون المحذوف فعلا ، التقدير : «جاء الذي استقرّ عندك ، أو في الدار» ، وأمّا الصفة والحال فحكمهما حكم الخبر كما تقدم.

* * *

ولا يكون اسم زمان خبرا

عن جثّة ، وإن يفد فأخبرا (٢)

ظرف المكان يقع خبرا عن الجثة نحو : «زيد عندك» ، وعن المعنى نحو : «القتال عندك». وأمّا ظرف الزمان فيقع خبرا عن المعنى منصوبا أو مجرورا بفي نحو : «القتال يوم الجمعة» أو «في يوم الجمعة» ، ولا يقع خبرا عن الجثة (٣) ، قال المصنف ؛ إلا إذا أفاد كقولهم : «الليلة الهلال ، والرّطب شهري ربيع» ، فإن لم يفد لم يقع خبرا عن الجثة نحو : «زيد اليوم» ، وإلى هذا ذهب قوم منهم المصنّف.

وذهب غير هؤلاء إلى المنع مطلقا ، فإن جاء شيء من ذلك يؤوّل نحو

__________________

(١) الظرف والجار والمجرور متعلقان بحال محذوفة من زيد أي : بزيد موجودا عندك أو في الدار.

(٢) فأخبرا : الفاء واقعة في جواب الشرط ، أخبرا : فعل أمر مبني على الفتح لاتصاله بنون التوكيد الخفيفة المنقلبة ألفا للوقف ، والفاعل : ضمير مستتر وجوبا تقديره : أنت ، ونون التوكيد المنقلبة ألفا : حرف لا محل له من الإعراب ، والجملة في محل جزم جواب للشرط.

(٣) أسماء المعاني أفعال وحركات ، ولا بد لها من زمان ، فإن أخبر عنها بأسماء الزمان أفاد هذا الإخبار ، أما أسماء الذات (أي الجثة) فهي لا تنفك عن الزمان ونسبتها إليها واحدة فالإخبار عنها بالزمان لا يفيد كأن نقول : زيد اليوم ، وسعد غدا ، إلا إذا أفاد كما فصل ذلك الشارح.

١٩٥

قولهم : «الليلة الهلال ، والرّطب شهري ربيع» التقدير : طلوع الهلال الليلة ، ووجود الرّطب شهري ربيع. هذا مذهب جمهور البصريين.

وذهب قوم ـ منهم المصنف ـ إلى جواز ذلك من غير شذوذ لكن بشرط أن يفيد (١) كقولك : «نحن في يوم طيب ، وفي شهر كذا» وإلى هذا أشار بقوله : «وإن يفد فأخبرا» ، فإن لم يفد امتنع نحو : «زيد يوم الجمعة».

مسوغات الابتداء بالنكرة :

ولا يجوز الابتدا بالنّكره

ما لم تفد ك : «عند زيد نمره (٢)

وهل فتى فيكم ، فما خلّ لنا

ورجل من الكرام عندنا (٣)

ورغبة في الخير خير ، وعمل

برّ يزين ، وليقس ما لم يقل (٤)

__________________

(١) تحصل الفائدة بالإضافة نحو : نحن في شهر شوّال ، أو بالوصف نحو : نحن في يوم مشرق ، وقد أشعر مثالا الشارح بذلك.

(٢) ما : مصدرية ظرفية ، عند : مفعول فيه ظرف مكان منصوب متعلق بمحذوف خبر مقدم ، زيد مضاف إليه ، نمره : مبتدأ مؤخر مرفوع بالضمة وسكن للرويّ. (والنمرة نوع من الكساء المخطط يلبسه الأعراب).

(٣) فتى : مبتدأ ، فيكم : جار ومجرور متعلق بمحذوف خبر للمبتدأ ، ما : نافية مهملة ، خل : مبتدأ ، لنا : جار ومجرور متعلق بمحذوف خبر ، رجل : مبتدأ ، من الكرام : جار ومجرور متعلق بمحذوف صفة لرجل ، عندنا : ظرف متعلق بمحذوف خبر ، ونا : في محل جر بالإضافة.

(٤) رغبة : مبتدأ ، في الخير : جار ومجرور متعلق برغبة ، خير : خبر المبتدأ ، عمل : مبتدأ وخبره جملة : يزين مع الفاعل المستتر ، ليقس : اللام لام الأمر ، يقس : فعل مضارع مبني للمجهول مجزوم باللام وعلامة جزمه السكون ، ما : اسم موصول في محل رفع نائب فاعل ، لم : حرف جازم ، يقل : فعل مضارع مبني للمجهول مجزوم بالسكون ، ونائب الفاعل ضمير مستتر جوازا تقديره : هو ، والجملة صلة للموصول لا محل لها من الإعراب.

١٩٦

الأصل في المبتدأ أن يكون معرفة ، وقد يكون نكرة لكن بشرط أن تفيد ، وتحصل الفائدة بأحد أمور ذكر المصنف منها ستة :

أحدها : أن يتقدم الخبر عليها وهو ظرف أو جار ومجرور (١) ، نحو : «في الدار رجل» و «عند زيد نمرة» ، فإن تقدم وهو غير ظرف ولا جار ولا مجرور لم يجز نحو : «قائم رجل».

الثاني : أن يتقدم على النكرة استفهام (٢) نحو «هل فتى فيكم»؟.

الثالث : أن يتقدم عليها نفي (٣) «ما خلّ لنا».

الرابع : أن توصف نحو : «رجل من الكرام عندنا» (٤).

الخامس : أن تكون عاملة نحو : «رغبة في الخير خير».

السادس : أن تكون مضافة نحو : «عمل بر يزين».

هذا ما ذكره المصنف في هذا الكتاب ، وقد أنهاها غير المصنّف إلى نيّف وثلاثين موضعا وأكثر من ذلك ، فذكر هذه الستة المذكورة.

__________________

(١) بشرط كونهما مختصين أي أن يكون المجرور أو ما يضاف إليه الظرف مما يجوز الابتداء به ، فلا يجوز أن نقول : في دار رجل أو عند رجل مال لعدم الفائدة.

(٢) لأن النكرة في حيز الاستفهام تفيد العموم ، فالاستفهام سؤال عن غير معين يطلب تعيينه في الجواب فكأن السؤال عم جميع الأفراد فأفاد العموم الحقيقي.

(٣) النكرة في حيز النفي تفيد العموم أيضا ، وإذا عمت شملت أفراد الجنس فأشبهت المعرّف بال الاستغراقية.

(٤) على أن يكون الوصف مفيدا التخصيص فلا يجوز أن نقول : رجل من الناس عندنا ، والوصف قد يكون مفهوما من لفظ النكرة كالمصغر مثل : رجيل في الدار ، وكالنكرة الدالة على التعجب مثل : ما أكرم العرب ، أي شيء عظيم جعل العرب كراما.

١٩٧

والسابع : أن تكون شرطا نحو : «من يقم أقم معه» (١).

الثامن : أن تكون جوابا نحو أن يقال : «من عندك»؟ فتقول : «رجل».

التقدير : «رجل عندي».

التاسع : أن تكون عامة نحو : «كلّ يموت».

العاشر : أن يقصد بها التنويع كقوله :

٤٥ ـ فأقبلت زحفا على الركبتين

فثوب لبست وثوب أجرّ (٢)

فقوله : «ثوب» : مبتدأ ، و «لبست» : خبره ، وكذلك : «ثوب أجر».

__________________

(١) من : اسم شرط جازم في محل رفع مبتدأ ، يقم : فعل الشرط فعل مضارع مجزوم ، والفاعل : ضمير مستتر جوازا تقديره هو يعود إلى من ، والجملة في محل رفع خبر للمبتدأ من ، أقم : فعل مضارع مجزوم بمن على أنه جواب الشرط ، والفاعل ضمير مستتر وجوبا تقديره أنا ، معه : مع : ظرف مكان منصوب بالفتحة ، متعلق بأقم ، والهاء في محل جر بالإضافة.

(٢) البيت لامرىء القيس. وفي رواية : فثوب نسيت.

المعنى : أقبلت أزحف على ركبتيّ لألقى من أحب وقد شغل قلبي الحب فلبست ثوبا ، وسحبت آخر لأخفي آثاري.

الإعراب : أقبلت : فعل وفاعل ، زحفا : مفعول مطلق منصوب بالفتحة (ويمكن أن يعرب حالا من التاء أي : أقبلت زاحفا) ، ثوب : مبتدأ وخبره جملة لبست ، ثوب : مبتدأ وخبره جملة : أجرّ.

الشاهد فيه : قوله «ثوب ... وثوب» فقد وقع المبتدأ نكرة في الموضعين لأنه قصد به التنويع فكأنه قال : أثوابي أنواع فمنها نوع لبسته ، ومنها نوع أجره ... ، وقد تعرب جملتا : لبست وأجرّ في محل رفع صفتين للمبتدأ والخبر محذوف والتقدير : من أثوابي ثوب ملبوس ، وثوب مجرور ، أو الجملتان خبران وهناك نعت محذوف والتقدير : فثوب لي ...

١٩٨

الحادي عشر : أن تكون دعاء نحو : (سَلامٌ عَلى إِلْ ياسِينَ)(١).

الثاني عشر : أن يكون فيها معنى التعجب نحو : «ما أحسن زيدا» (٢).

الثالث عشر : أن تكون خلفا من موصوف نحو : «مؤمن خير من كافر».

الرابع عشر : أن تكون مصغرة نحو : «رجيل عندنا» لأن التصغير فيه فائدة معنى الوصف تقديره : «رجل حقير عندنا».

الخامس عشر : أن تكون في معنى المحصور نحو : «شرّ أهرّ ذاناب (٣) ، وشيء جاء بك» ، التقدير : «ما أهرّ ذاناب إلا شرّ ، وما جاء بك إلا شيء» على أحد القولين ، والقول الثاني أن التقدير : «شر عظيم أهرّ ذاناب ، وشيء عظيم جاء بك» فيكون داخلا في قسم ما جاز الابتداء به لكونه موصوفا ، لأن الوصف ، أعم من أن يكون ظاهرا ومقدرا ، وهو ههنا مقدّر.

السادس عشر : أن يقع قبلها واو الحال كقوله :

٤٦ ـ سرينا ونجم قد أضاء فمذ بدا

محيّاك أخفى ضوؤه كلّ شارق (٤)

__________________

(١) الصافّات (١٣٠).

(٢) ما : نكرة تامة بمعنى شيء في محل رفع مبتدأ ، أحسن : فعل ماض جامد لإنشاء التعجب مبني على الفتح ، والفاعل ضمير مستتر وجوبا تقديره هو خلافا للأصل ، يعود إلى ما ، زيدا : مفعول به منصوب بالفتحة ، وجملة : أحسن زيدا : في محل رفع خبر للمبتدأ «ما».

(٣) هرّ الكلب : صات دون نباح ، وأهرّ الكلبّ : جعله يهرّ ، ومنه المثل : «شر أهرّ ذا ناب» يضرب في ظهور أمارات الشر ، وذا الناب : الكلب. أهرّ : فعل ماض ، وفاعله ، هو يعود إلى شر ، ذا : مفعول به لأهرّ منصوب بالألف لأنه من الأسماء الستة ، ناب : مضاف إليه ، وجملة : أهر : في محل رفع خبر للمبتدأ.

(٤) البيت لا يعلم قائله. سرينا : سرنا ليلا.

المعنى : سرنا في الليل ونور النجوم يتلألأ حتى إذا بدت طلعتك المشرقة طغت بأنوارها على كل كوكب مشرق.

١٩٩

السابع عشر : أن تكون معطوفة على معرفة نحو : «زيد ورجل قائمان».

الثامن عشر : أن تكون معطوفة على وصف نحو : «تميمي ورجل في الدار».

التاسع عشر : أن يعطف عليها موصوف نحو : «رجل وامرأة طويلة في الدار».

العشرون أن تكون مبهمة كقول امرىء القيس.

٤٧ ـ مرسّعة بين أرساغه

به عسم يبتغي أرنبا (١)

__________________

الإعراب : سرينا : فعل وفاعل ، ونجم : الواو : حالية ، نجم : مبتدأ ، جملة قد أضاء : في محل رفع خبر للمبتدأ ، وجملة المبتدأ والخبر في محل نصب على الحال. فمذ : الفاء عاطفة ، مذ : ظرف مبني على السكون في محل نصب متعلق بأخفى ، بدا : فعل ماض مبني على الفتح المقدر على آخره للتعذر ، محياك : فاعل مرفوع بالضمة المقدرة على آخره للتعذر ، والكاف : ضمير متصل في محل جر بالإضافة ، أخفى : فعل ماض مبني على الفتح المقدر للتعذر ، ضوء : فاعل مرفوع ، والهاء : في محل جر بإضافة الظرف إليها.

الشاهد فيه : ونجم : فقد جاء المبتدأ نكرة بعد واو الحال ، والمدار في التسويغ النكرة في صدر الجملة الحالية.

(١) البيت من قصيدة لامرىء القيس ينصح فيها لأخته ألا تنكح شخصا من أولئك الحمقى. مرسعة : تميمة تعلق مخافة العطب ، أرساغ : جمع رسغ وهو طرف الساعد ، عسم : اعوجاج في الرسغ ينتج عن تصلب في المفصل ، وطلبه للأرنب دون غيره لما كان العرب يزعمون من أنّ الجنّ تجتنب الأرنب فمن علّق في رجله كعبها لم يصبه أذى سحر ولم يقربه جن.

المعنى : لا تتزوجي هذا الأحمق الجبان الذي أغرق نفسه بالتمائم في يديه ورجليه. وألح في طلب «الأرانب» يتخذ كعوبها حرزا يصونه.

الإعراب : مرسعة : مبتدأ. بين : ظرف مكان منصوب متعلق بمحذوف خبر للمبتدأ ، به : جار ومجرور متعلق بمحذوف خبر مقدم ، عسم : مبتدأ مؤخر ، الجمل كلها في محل رفع صفة لبوهة في البيت السابق وهو قوله :

أيا هند لا تنكحي بوهة

عليه عقيقته أحسبا

٢٠٠