تيسير وتكميل شرح ابن عقيل على ألفيّة ابن مالك - ج ١

الدكتور محمّد علي سلطاني

تيسير وتكميل شرح ابن عقيل على ألفيّة ابن مالك - ج ١

المؤلف:

الدكتور محمّد علي سلطاني


الموضوع : اللغة والبلاغة
الناشر: دار العصماء
الطبعة: ١
الصفحات: ٢٨٨

«سبحان ما سخركن لنا» (١) و «سبحان ما يسبح الرعد بحمده» (٢).

و «من» بالعكس فأكثر ما تستعمل في العاقل ، وقد تستعمل في غيره (٣) كقوله تعالى : (وَمِنْهُمْ مَنْ يَمْشِي عَلى أَرْبَعٍ ، يَخْلُقُ اللهُ ما يَشاءُ)(٤) ، ومنه قول الشاعر :

٢٩ ـ بكيت على سرب القطا إذ مررن بي

فقلت ـ ومثلي بالبكاء جدير ـ :

__________________

(١) سبحان : مفعول مطلق منصوب ، ما : اسم موصول في محل جر بالإضافة والجملة بعدها لا محل لها من الإعراب لأنها صلة الموصول.

(٢) تستعمل «ما» للعاقل إذا اختلط بغير العاقل كقوله تعالى : «سَبَّحَ لِلَّهِ ما فِي السَّماواتِ وَما فِي الْأَرْضِ». أو للمبهم أمره كقولنا : «أنظر إلى ما ظهر» أو إذا أريد بها صفات من يعقل كالآية : (فَانْكِحُوا ما طابَ لَكُمْ ...) في ثلاثة مواضع لخصها ابن هشام.

(٣) تستعمل «من» لغير العاقل :

١ ـ إذا نزل منزلته كقوله تعالى : (وَمَنْ أَضَلُّ مِمَّنْ يَدْعُوا مِنْ دُونِ اللهِ مَنْ لا يَسْتَجِيبُ لَهُ) «فدعاء الأصنام أنزلها منزلة العاقل».

٢ ـ أن يختلط العاقل بغيره فيما وقعت عليه «من» كقوله تعالى : «أَلَمْ تَرَ أَنَّ اللهَ يَسْجُدُ لَهُ مَنْ فِي السَّماواتِ وَمَنْ فِي الْأَرْضِ».

٣ ـ أن يختلط العاقل بغيره في عموم فصّل بمن الجارة كالآية التي يستشهد بها الشارح وقد اختلط فيها العاقل بغيره بعموم «كُلَّ دَابَّةٍ».

(٤) النور (٤٥) وتمام الآية : «وَاللهُ خَلَقَ كُلَّ دَابَّةٍ مِنْ ماءٍ ، فَمِنْهُمْ مَنْ يَمْشِي عَلى بَطْنِهِ ، وَمِنْهُمْ مَنْ يَمْشِي عَلى رِجْلَيْنِ ، وَمِنْهُمْ مَنْ يَمْشِي عَلى أَرْبَعٍ ، يَخْلُقُ اللهُ ما يَشاءُ ، إِنَّ اللهَ عَلى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ». فالعاقل اختلط بغيره في قوله : «من يمشي على أربع» لأنه يشمل الآدمي والطائر ، والباقي اشترك في عموم (كل دابة) ثم فصل بمن الجارة.

١٤١

أسرب القطا ، هل من يعير جناحه؟

لعلّي إلى من قد هويت أطير (١)

وأما «الألف واللام» فتكون للعاقل ولغيره نحو : «جاءني القائم والمركوب» واختلف فيها :

ـ فذهب قوم إلى أنّها اسم موصول ، وهو الصحيح (٢).

__________________

(١) نسب البيتان للعباس بن الأحنف ، القطا : نوع من الطير.

المعنى : أضنى الشاعر بعده عن أحبته فبكى حين مرّ به سرب القطا والمحب حقيق بالبكاء ، وناجاهن قائلا : أليس بينكن قطاة شفوق تعيرني جناحها لعلي أطير به فأوافى من أحب.

الإعراب : إذ : ظرف لما مضى من الزمن مبني على السكون في محل نصب ، متعلق ببكيت. مررن. فعل ماض مبني على السكون لاتصاله بنون النسوة ، والنون فاعل والجملة في محل جر بالإضافة ، ومثلي : الواو : حالية ، مثلي : مبتدأ مرفوع بضمة مقدرة على ما قبل ياء المتكلم ، والياء : مضاف إليه ، جدير : خبر : والجملة حالية في محل نصب. أسرب : الهمزة أداة نداء ، سرب : منادى مضاف منصوب ، هل : حرف استفهام ، من : اسم موصول في محل رفع مبتدأ ، جملة يعير جناحه لا محل لها من الإعراب صلة الموصول وخبر «من» محذوف تقديره : هل منكم من يعير جناحه ، لعلي ؛ لعل : حرف مشبه بالفعل ، ينصب المبتدأ ويرفع الخبر ، والياء ضمير متصل في محل نصب اسمها. إلى : حرف جر ، من : اسم موصول في محل جر بإلى ، متعلق بأطير ، قد : للتحقيق ، هويت : فعل وفاعل ، أطير : فعل مضارع وفاعله ضمير مستتر وجوبا تقديره : أنا ، وجملة : هويت : صلة الموصول لا محل لها من الإعراب ، وجملة أطير : خبر لعل في محل رفع ، وجملة لعل مع معموليها : استئنافية للتعليل لا محل لها من الإعراب ، وجملة : أسرب القطا وما بعدها : في محل نصب مقول للقول.

التمثيل به : قوله : هل من يعير ، فقد استعمل (من) للقطا حين أنزلها منزلة العاقل فناداها وطلب منها إعارة الجناح.

(٢) حجتهم أن الضمير يعود عليها في مثل قولنا : جاء الفائز ، ففي اسم الفاعل (فائز) ضمير مستتر تقديره هو يعود إلى (أل) والتقدير : جاء الذي فاز.

١٤٢

ـ وقيل : إنها حرف موصول (١).

ـ وقيل : إنها حرف تعريف وليست من الموصولية في شيء (٢).

وأمّا «من» ، وما» غير المصدرية فاسمان اتفاقا ، وأمّا «ما» المصدرية ـ الموصول الحرفي فالصحيح أنها حرف ، وذهب الأخفش إلى أنها اسم.

ولغة (طّيء) استعمال «ذو» موصولة ، وتكون للعاقل وغيره.

وأشهر لغاتهم فيها أنها تكون بلفظ واحد للمذكر والمؤنث مفردا ومثنى ومجموعا فتقول : «جاءني ذو قام ، وذو قامت ، وذو قاما ، وذو قامتا ، وذو قاموا ، وذو قمن» (٣).

ومنهم من يقول في المفرد المؤنث ، «جاءني ذات قامت» ، وفي جمع المؤنث : «جاءني ذوات قمن» (٤) ، وهو المشار إليه بقوله : «وكالتي أيضا .. البيت» ، ومنهم من يثنيها ويجمعها فيقول : «ذوا ، وذوو» في الرفع ، و «ذوي ، وذوي» (٥) في النصب والجرّ ، و «ذواتا» في

__________________

(١) ردّ بأنها لا تؤول مع صلتها بمصدر.

(٢) حجتهم أن العامل يتخطاها إلى الاسم الذي يتصل بها كما يتخطاها في مثل قولنا رأيت الرجل ، ولو كانت اسما لما تخطاها ولعمل فيها ، وأجيب بأن تخطي العامل لها لأنها جاءت على صورة الحرف. وبهذا تستفيد أنك في الإعراب تعاملها معاملة الحرف فلا تعربها ، إلا إذا جاءت متصلة بالفعل ـ وذلك قليل ـ فتعربها حسب العوامل كقوله : (ما أنت بالحكم الترضى حكومته) : ال : اسم موصول في محل جر صفة للحكم ، وجملة ترضى حكومنه : صلة له لا محل لها.

(٣) والأشهر في إعرابها أنها مبنية على السكون في محل رفع أو نصب أو جر ، وقد تعرب بالحرف حملا على (ذي) بمعنى صاحب.

(٤) ذات وذوات : اسما موصول مبنيان على الضم في محل رفع فاعل.

(٥) ويعربان بالحروف إعراب المثنى أو جمع المذكر السالم أو يجعلان مبنين على الألف أو الواو في محل رفع ، وعلى الياء في محل نصب أو جرّ.

١٤٣

الرفع ، «وذواتي» في الجرّ والنصب ، و «ذوات» في الجمع ، وهي مبنية على الضم ، وحكى الشيخ بهاء الدين بن النحاس أنّ إعرابها كإعراب جمع المؤنث السالم (١).

والأشهر في «ذو» هذه ـ أعني الموصوله ـ أن تكون مبنية ، ومنهم من يعربها بالواو رفعا وبالألف نصبا ، وبالياء جرا فيقول : «جاءني ذو قام ، ورأيت ذا قام ، ومررت بذي قام» ، فتكون مثل «ذي» بمعنى صاحب ، وقد روي قوله :

٣٠ ـ فإمّا كرام موسرون لقيتهم

فحسبي من ذي عندهم ما كفانيا (٢)

__________________

(١) أي. ترفع بالضم مع التنوين ، وتنصب وتجر بالكسرة مع التنوين فنقول : جاءني ذوات نجحت (بالرفع والتنوين) ، ورأيت ذوات نجحن ، ومررت بذوات نجحن (بالكسرة مع التنوين).

(٢) البيت للشاعر الإسلامي منظور بن سحيم الفقعسي وبعده قوله.

وإما كرام معسرون عذرتهم

وإما لئام فادخرت حيائيا

موسرون : أصحاب يسار وثراء وعكسها معسرون.

المعنى : الشاعر عفّ اللسان عن الهجاء لا ينال من أحد بسبب معاملته الضيف فإما أن يقابل كراما ميسورين فيكفيه مما عندهم ما يقوم بمعيشته ، وإما أن ينزل في كرام معسرين فيجد لهم عذرا ، واما أن يحاط بلئام فيصون كرامته ويسمو بلسانه أن ينالهم بقبيح القول.

الإعراب : إما : حرف تفصيل ، كرام : خبر لمبتدأ محذوف تقديره : الناس إما كرام ، موسرون : صفة لكرام مرفوعة بالواو لأنها جمع مذكر سالم ، لقيتهم : لقيت : فعل وفاعل ، والهاء : مفعول به ، والميم للجمع. والجملة في محل رفع صفة ثانية لكرام أو في محل نصب حال ، فحسبي : الفاء : حرف عطف ، حسبى : بمعنى (كافيني) خبر مقدم للمبتدأ «ما» مرفوع بالضمة المقدرة على ما قبل ياء المتكلم ، والياء : مضاف إليه في محل جر ، من : حرف جر ، ذي : اسم مجرور بمن وعلامة جره الياء حملا على «ذي» بمعنى «صاحب» متعلق بكفانيا ، عندهم :

١٤٤

بالياء على الإعراب ، وبالواو على البناء.

وأما «ذات» فالفصيح فيها أن تكون مبنية على الضم رفعا ونصبا وجرا مثل «ذوات» ، ومنهم من يعربها إعراب مسلمات : فيرفعها بالضمة ، وينصبها ويجرها بالكسرة (١).

* * *

ومثل «ما : ذا» بعد «ما» استفهام

أو «من» إذا لم تلغ في الكلام (٢)

__________________

ظرف مكان منصوب متعلق بمحذوف صلة الموصول تقديره : من الذي استقر عندهم ، والهاء : مضاف إليه في محل جر ، والميم للجمع ، ما : اسم موصول في محل رفع مبتدأ مؤخر : كفانيا : كفى : فعل ماض مبنيّ على الفتح المقدر على آخره للتعذر ، والفاعل : ضمير مستتر فيه جوازا تقديره هو يعود إلى «ما» ، وياء المتكلم : ضمير متصل في محل نصب مفعول به ، والألف : للإطلاق. جملة كفانيا : صلة الموصول (ما) لا محل لها من الإعراب ، وجملة : فحسبى ... ما كفانيا : معطوفة على جملة لقيتهم في محل رفع.

الشاهد فيه : قوله (ذي) الموصولة فقد جاءت معربة بالحرف في هذه الرواية حملا على «ذي» بمعنى صاحب من الأسماء الستة ، والرواية الأخرى من البيت (ذو) بالبناء على السكون وهي أشهر.

(١) مع التنوين ، وقد مرّ حكمها ، وكان الأولى هنا أن يقول : ومنهم من يعربها إعراب «مسلمة» لأن الحديث عن «ذات» فترفع بالضمة وتنصب بالفتحة وتجر بالكسرة وكل ذلك مع التنوين ، نقول : جاءني ذات فازت ، ورأيت ذاتا فازت ، ومررت بذات فازت ، لأن قوله : «ومنهم من يعربها إعراب مسلمات» يشعر بأنها لا تنصب بالفتحة وليس الأمر كذلك ، قال ابن هشام : «وحكى إعراب ذات وذوات بمعنى صاحبة وصاحبات».

(٢) مثل : خبر مقدم للمبتدأ : ذا الذي قصد لفظه. بعد : ظرف مكان متعلق بمحذوف حال من «ذا» أو : حرف عطف ، من : معطوف على ما : تلغ : فعل مضارع مبني للمجهول مجزوم بلم وعلامة جزمه حذف حرف العلة ، الفاعل ضمير مستتر جوازا تقديره هي ، والجملة في محل جر بإضافة إذا إليها ، وجواب الشرط محذوف دلّ عليه ما قبله والتقدير : إذا لم تلغ ذا في الكلام فهي مثل ما.

١٤٥

يعني أن «ذا» اختصت من بين سائر أسماء الإشارة بأنها تستعمل موصولة ، وتكون مثل «ما» في أنها تستعمل بلفظ واحد للمذكر والمؤنث مفردا كان أو مثنى أو مجموعا فتقول : «من ذا عندك ، وما ذا عندك؟» سواء كان ما عنده مفردا مذكرا أو غيره.

وشرط استعمالها موصولة أن تكون مسبوقة ب «ما» أو «من» الاستفهاميتين نحو : «من ذا جاءك ، وما ذا فعلت» ، ف : «من» : اسم استفهام وهو مبتدأ ، و «ذا» موصولة بمعنى الذي وهو خبر من ، و ««جاءك» : صلة الموصول ، التقدير : «من الذي جاءك»؟ وكذلك «ما» : مبتدأ ، و «ذا» : موصول بمعنى الذي وهو خبر ما ، و «فعلت» : صلته ، والعائد محذوف تقديره : «ماذا فعلته»؟ أي : ما الذي فعلته.

واحترز بقوله : «إذا لم تلغ في الكلام» من أن تجعل «ما» مع «ذا» ، أو «من» مع «ذا» كلمة واحدة للاستفهام نحو : «ماذا عندك»؟ أي : أيّ شيء عندك ، وكذلك : «من ذا عندك»؟. «فماذا» : مبتدأ و «عندك» : خبره ، وكذلك «من ذا» مبتدأ ، و «عندك» خبره. ف «ذا» في هذين الموضعين ملغاة لأنها جزء كلمة ، لأن المجموع اسم استفهام (١).

__________________

(١) ويشترط في موصوليتها كذلك ألا تكون للإشارة كقولنا : من ذا الرجل؟ وما ذا التواني؟ ، لأن ما بعدها هنا مفرد لا يصلح صلة للموصول فتعيّن كونها للإشارة.

١٤٦

أسئلة

١ ـ عرّف الاسم الموصول ... ثمّ اذكر ما وضع منه للمفرد والمفردة والمثنى والجمع بنوعيهما مع التمثيل لكل ما تذكر ...

٢ ـ ما الموصول الحرفي؟ وبم يوصل؟ افرق بينه وبين الموصول الاسمي ممثلا لما تقول.

٣ ـ افرق بين (من وما) الموصولتين في الاستعمال ومثل لما تقول.

٤ ـ ما الموصولات المشتركة؟ وما معنى كونها مشتركة؟ مثل لما تقول.

٥ ـ فصّل القول في (ال) الموصولة من حيث دلالتها ... ومن حيث الخلاف في اسميتها مرجحا ما تراه وممثلا لما تقول.

٦ ـ استعمل «ذو» الموصولة الطائية في أساليب مختلفة تبيّن فيها دلالتها ... ثم لغاتها ... ثم حكمها بناء أو إعرابا ..

٧ ـ ما شرط موصولية (ذا)؟ وبم تفرّق بينها وبين (ذا) الإشارية؟

٨ ـ ما الأوجه الإعرابية المحتملة في (ماذا ـ ومن ذا) من قولك : «من ذا حضر؟ ـ ماذا فعلت؟».

١٤٧

تمرينات

١ ـ اجعل العبارة الآتية للمفردة ثم للمثنى والجمع بنوعيهما أنت الذي إذا وعد وفى.

٢ ـ اجعل (من) الموصولة مفعولا به في جمل مختلفة يراد بها المثنى بنوعيه والجمع بنوعيه مراعيا معناها في التعبير.

٣ ـ عيّن الموصول الحرفي وصلته والموقع الإعرابي للمصدر المؤول فيما يلي :

(قُلْ أُوحِيَ إِلَيَّ أَنَّهُ اسْتَمَعَ نَفَرٌ مِنَ الْجِنِّ)(١).

(وَأَنْ تَصُومُوا خَيْرٌ لَكُمْ)(٢).

(وَدُّوا لَوْ تُدْهِنُ فَيُدْهِنُونَ) (٣).

(وَدُّوا مَا عَنِتُّمْ) (٤).

٤ ـ كوّن جملتين مفيدتين تستعمل فيها (من) لغير العاقل و (ما) للعاقل مع ذكر السبب.

٥ ـ قال تعالى :

(إِنَّما صَنَعُوا كَيْدُ ساحِرٍ)(٥) ، (أَلَمْ يَأْنِ لِلَّذِينَ آمَنُوا أَنْ تَخْشَعَ قُلُوبُهُمْ لِذِكْرِ اللهِ وَما نَزَلَ مِنَ الْحَقِّ)(٦).

__________________

(١) آية ١ سورة الجن.

(٢) آية ٨٤ سورة البقرة.

(٣) آية ٩ سورة القلم.

(٤) آية ١١٧ سورة آل عمران.

(٥) آية ٦٩ سورة طه.

(٦) آية ١٦ سورة الحديد.

١٤٨

(أ) تحتمل (ما) في الآية الأولى كونها موصولا اسميا أو حرفيا أعربها على الوجهين ثم قدر المعنى.

(ب) في الآية الثانية ثلاثة موصولات من بينها موصول حرفي عيّنها ثم اذكر مواقعها الإعرابية.

٦ ـ قال جرير :

إن الذين غدوا بلبّك غادروا

وشلا (١) بعينك ما يزال معينا

غيّضن من عبراتهن وقلن لي :

ماذا لقيت من الهوى ولقينا؟

(أ) أعرب ما تحته خط من البيتين ..

(ب) اذكر الأوجه المحتملة في إعراب (ماذا لقيت) من البيت الثاني.

__________________

(١) الوشل : بقية الدمع في العين.

١٤٩

صلة الموصول

وكلّها يلزم بعده صله

على ضمير لائق مشتمله (١)

الموصولات كلها ـ حرفية كانت أو اسمية ـ يلزم أن يقع بعدها صلة تبين معناها. ويشترط في صلة الموصول الاسمي أن تشتمل على ضمير لائق بالموصول : إن كان مفردا فمفرد ، وإن كان مذكرا فمذكر ، وإن كان غيرهما فغيرهما ، نحو «جاءني الذي ضربته» (٢) ، وكذلك المثنى والمجموع نحو : «جاءني اللذان ضربتهما ، والذين ضربتهم» ، وكذلك المؤنث تقول : «جاءت التي ضربتها ، واللتان ضربتهما ، واللاتي ضربتهنّ» (٣)

وقد يكون الموصول لفظه مفردا مذكرا ومعناه مثنى أو مجموعا أو غيرهما ، وذلك نحو «من ، وما» إذا قصدت بهما غير المفرد المذكر ، فيجوز حينئذ مراعاة اللفظ ومراعاة المعنى فتقول : «أعجبني من قام ، ومن قامت ، ومن قاما ، ومن قامتا ، ومن قاموا ، ومن قمن» على حسب ما يعنى بهما (٤).

__________________

(١) كلها : كل : مبتدأ ، وها : ضمير متصل في محل جر بالإضافة ، والخبر جملة يلزم بعده صلة ، صلة : فاعل يلزم : مشتملة : صفة لصلة.

(٢) الذي : اسم موصول في محل رفع فاعل ، ضربته : فعل وفاعل ومفعول به ، وهي جملة الصلة لا محل لها من الإعراب والعائد هو «الهاء».

(٣) قد ينوب الاسم الظاهر عن الضمير العائد سماعا كقوله : «وأنت الذي في رحمة الله أطمع» وقوله : «سعاد التي أضناك حب سعادا» يريد : في رحمته ، وأضناك حبها.

(٤) في قوله تعالى : «وَمِنْهُمْ مَنْ يَسْتَمِعُ إِلَيْكَ» راعى اللفظ فأعاد الضمير من يستمع مفردا مذكرا ، وفي قوله تعالى : (وَمِنْهُمْ مَنْ يَسْتَمِعُونَ إِلَيْكَ) راعى المعنى فأعاد الضمير مجموعا مذكرا ، فإذا حصل لبس وجبت المطابقة كقولنا : «أجب من سألتك» إذا كانت السائلة أنثى.

١٥٠

وجملة أو شبهها الذي وصل

به كمن عندي الذي ابنه كفل (١)

صلة الموصول لا تكون إلا :

(أ) جملة. (ب) أو شبه جملة ، ونعني بشبه الجملة الظرف والجار والمجرور ، وهذا في غير صلة الألف واللام ، وسيأتي حكمها.

ويشترط في الجملة الموصول بها ثلاثة شروط :

أحدها : أن تكون خبرية.

الثاني : كونها خالية من معنى التعجب.

الثالث : كونها غير مفتقرة إلى كلام قبلها.

واحترز ب «الخبرية» من غيرها وهي الطلبية والإنشائية ، فلا يجوز : «جاءني الذي اضربه» خلافا للكسائيّ : ولا : «جاءني الذي ليته قائم» خلافا لهشام.

واحترز ب «خالية من معنى. التعجب» من جملة التعجب ، فلا يجوز : «جاءني الذي ما أحسنه» وإن قلنا إنها خبرية.

واحترز ب : «غير مفتقرة إلى كلام قبلها» من نحو : «جاءني الذي لكنه قائم» ، فإن هذه الجملة تستدعي سبق جملة أخرى نحو : «ما قعد زيد لكنه قائم».

__________________

(١) جملة : خبر مقدم ، شبهها : معطوف على جملة ، وها في محل جر بالإضافة ، الذي : اسم موصول في محل رفع مبتدأ مؤخر ، جملة وصل به : صلة الموصول لا محل لها من الإعراب والعائد هو الضمير في (به). كمن : الكاف حرف جر ومجرورها محذوف تقديره : كقولك ، من : اسم موصول في محل رفع مبتدأ ، عندي : ظرف مكان منصوب بالفتحة المقدرة على ما قبل ياء المتكلم متعلق بمحذوف صلة ، والتقدير : من استقرّ عندي ، والياء : في محل جر بالإضافة. الذي : اسم موصول مبنيّ على السكون في محل رفع خبر للمبتدأ «من». ابنه : مبتدأ ، والهاء مضاف إليه في محل جر ، ، كفل : فعل ماض مبني للمجهول ، ونائب الفاعل هو يعود إلى «ابنه» وهو العائد ، وجملة كفل : صلة الموصول لا محل لها من الإعراب.

١٥١

ويشترط في الظرف والجار المجرور أن يكونا تامّين ، والمعنيّ بالتام : أن يكون في الوصل به فائدة نحو : «جاء الذي عندك ، والذي في الدار» ، والعامل فيهما فعل محذوف وجوبا والتقدير : «جاء الذي استقرّ عندك ، أو الذي استقرّ في الدار» ، فإن لم يكونا تامين لم يجز الوصل بهما ، فلا تقول : «جاء الذي بك ولا جاء الذي اليوم».

وصفة صريحة صلة «أل»

وكونها بمعرب الأفعال قل (١)

الألف واللام لا توصل إلا بالصفة الصريحة ، قال المصنف (٢) في بعض كتبه : وأعني بالصفة الصريحة اسم الفاعل نحو «الضارب» ، واسم المفعول نحو «المضروب» ، والصفة المشبهة نحو : «الحسن الوجه».

فخرج نحو : «القرشيّ ، والأفضل» (٣).

وفي كون الألف واللام الداخلتين على الصفة المشبهة موصولة خلاف ، وقد اضطرب اختيار الشيخ أبي الحسن بن عصفور في هذه المسألة ، فمرّة قال إنها موصولة ، ومرة منع ذلك.

وقد شذّ وصل الألف واللام بالفعل المضارع ، وإليه أشار بقوله : «وكونها بمعرب الأفعال قل» ومنه قوله :

__________________

(١) صفة : خبر مقدم ، صريحة : صفة ، صلة : مبتدأ مؤخر ، كونها : كون : مبتدأ مرفوع ، وها : ضمير متصل في محل جر بالإضافة من باب إضافة مصدر الفعل الناقص إلى اسمه ، بمعرب : جار ومجرور متعلق بمحذوف خبر للمصدر الناقص والتقير : كونها متصلة بمعرب .... قل : فعل ماض مبني على فتحة مقدرة على آخره منع من ظهورها سكون الرويّ ، والفاعل : ضمير مستتر جوازا تقديره هو يعود إلى «كون» ، والجملة في محل رفع خبر للمبتدأ «كون» أي : كونها متصلة بمعرب الأفعال قليل.

(٢) المصنف هو ابن مالك.

(٣) «أل» فيهما للتعريف لا موصولة ، وقد وقع خلاف طويل بين النحاة في اتصال (أل) الموصولة بالصفة المشبهة ، وأكثرهم على أنها معرّفة وليست موصولة.

١٥٢

٣١ ـ ما أنت بالحكم التّرضى حكومته

ولا الأصيل ولا ذي الرّأي والجدل (١)

وهذا عند جمهور البصريين مخصوص بالشعر ، وزعم المصنف في غير هذا الكتاب أنّه لا يختص به بل يجوز في الاختيار ، وقد جاء وصلها بالجملة الاسمية وبالظرف شذوذا ، فمن الأول قوله :

٣٢ ـ من القوم الرسول الله منهم

لهم دانت رقاب بني معدّ (٢)

__________________

(١) البيت للفرزدق يهجو به رجلا قدم جريرا عليه. الأصيل : صاحب الحسب.

المعنى : أقصر فلست بالإنسان الذي يفصل بين الناس فيرضى حكمه ، ولا بذي الحسب الباذخ ، والرأي السديد ، والحجة المفحمة في الجدل.

الإعراب : ما : نافية تعمل عمل ليس ، أنت : ضمير منفصل في محل رفع اسمها : بالحكم : الباء زائدة ، الحكم : خبر ما مجرور لفظا منصوب تقديرا ، الترضى : ال : اسم موصول في محل جر نعتا للحكم ، ترضى فعل مضارع مبني للمجهول مرفوع بالضمة المقدرة على آخره للتعذر ، حكومته : نائب فاعل ، والهاء : في محل جر بالإضافة ، ولا : الواو عاطفة ، لا : نافية ، الأصيل : معطوف على الحكم ، ذي : معطوف على الحكم مجرور بالياء لأنه من الأسماء الستة. وجملة ترضى حكومته : صلة الموصول (ال) لا محل لها من الإعراب.

الشاهد فيه : قوله (الترضى) فقد أتى بصلة (ال) جملة فعلية ، وهو خاص بالشعر ، وقيل إنه جائز في النثر ولكنه قليل. و «أل» الموصولة هذه يجوز إدغام لامها في التاء وفكّ الإدغام خلافا للحرفية المعرفة فإدغامها بالتاء واجب.

(٢) لم ينسب البيت لقائل معين ، دانت : خضعت ، بنو معد : قصد بهم قريش.

المعنى : هذا الإنسان : ينتمي إلى الكرام من رهط الرسول عليه‌السلام وهم الذين دانت لهم قريش كلها بالطاعة.

الإعراب : من القوم : جار ومجرور متعلق بخبر محذوف لمبتدأ محذوف والتقدير : هو كائن من القوم ، الرسول : ال : موصولة في محل جر صفة للقوم ، رسول مبتدأ ، الله : مضاف إليه ، منهم : جار ومجرور متعلق بمحذوف خبر للمبتدأ ،

١٥٣

ومن الثاني قوله :

٣٣ ـ من لا يزال شاكرا على المعه

فهو حر بعيشة ذات سعه (١)

أيّ الموصولة :

«أيّ» ك : «ما» وأعربت ما لم تضف

وصدر وصلها ضمير انحذف (٢)

__________________

والجملة صلة الموصول (ال) لا محل لها من الإعراب ، لهم : جار ومجرور متعلق بدانت ، بني : مضاف إليه مجرور بالياء لأنه ملحق بجمع المذكر السالم.

الشاهد فيه : قوله : «الرسول الله منهم» فقد جاءت صلة (ال) جملة اسمية شاذة للضرورة الشعرية.

(١) لم ينسب البيت لقائل معين أيضا. المعه : أي الذي معه ، حر : جدير.

المعنى : من كان رطب اللسان بشكر الله على ما هو فيه من نعمة ، فهو جدير بالحياة الهانئة ورغد العيش انطلاقا من قوله تعالى : «لَئِنْ شَكَرْتُمْ لَأَزِيدَنَّكُمْ».

الإعراب : من : اسم موصول في محل رفع مبتدأ ، لا : نافية ، يزال : فعل مضارع ناقص مرفوع ، واسمه ضمير مستتر جوازا تقديره هو يعود إلى المبتدأ ، شاكرا : خبر يزال منصوب ، على : حرف جر ، المعه : ال : موصول في محل جر بعلى متعلق بشاكرا مع : ظرف مكان متعلق بصلة «ال» المحذوفة والتقدير : على الذي وجد معه ، فهو : الفاء زائدة تشبيها للموصول بالشرط ، هو : ضمير منفصل في محل رفع مبتدأ ، حر : خبر مرفوع بالضمة المقدرة على الياء المحذوفة لالتقاء الساكنين ، بعيشة : جار ومجرور متعلق بحر ، ذات : صفة لعيشه ، سعة : مضاف إليه مجرور ، وجملة : هو حر في محل رفع خبر للمبتدأ «من» في أول البيت.

الشاهد فيه : «المعه» حيث جاء بصلة «ال» ظرفا شذوذا.

(٢) أي : مبتدأ مرفوع ، كما : جار ومجرور متعلق بمحذوف خبر للمبتدأ والأصل : كما الموصول ما ، ما : مصدرية ظرفية ، تضف : فعل مضارع مبني للمجهول مجزوم بلم بالسكون ، ونائب الفاعل ضمير مستتر جوازا تقديره هي يعود إلى «أي» وصدر : الواو : حالية ، صدر : مبتدأ خبره : ضمير ، جملة انحذف : في محل رفع صفة لضمير ، وجملة : وصدر .. ضمير : حالية في محل نصب ، وجملة : لم تضف : صلة للموصول الحرفيّ «ما» ، وما مع صلتها في تأويل مصدر منصوب على الظرفية متعلق بأعربت ، والتقدير : وأعربت مدة عدم إضافتها ... ثم حذف المضاف وناب عنه المضاف إليه.

١٥٤

يعني أن «أيّا» مثل «ما» في أنها تكون بلفظ واحد للمذكر والمؤنث مفردا كان أو مثنى أو مجموعا نحو : «يعجبني أيّهم هو قائم».

ثم إن «أيا» لها أربعة أحوال :

أحدها : أن تضاف ويذكر صدر صلتها نحو : «يعجبني أيّهم هو قائم».

الثاني : أن لا تضاف ولا يذكر صدر صلتها نحو : «يعجبني أيّ قائم».

الثالث : أن لا تضاف ويذكر صدر صلتها نحو : «يعجبني أيّ هو قائم».

وفي هذه الأحوال الثلاثة تكون معربة بالحركات الثلاث نحو : «يعجبني أيّهم هو قائم ، ورأيت أيّهم هو قائم ، ومررت بأيّهم هو قائم» ، وكذلك : «أيّ قائم ، وأيّا قائم ، وأيّ قائم» ، وكذا «أيّ هو قائم ، وأيّا هو قائم ، وأيّ هو قائم» (١).

الرابع : أن تضاف ويحذف صدر الصلة نحو : «يعجبني أيّهم قائم» ، ففي هذه الحالة تبنى على الضم ، فتقول : «يعجبني أيّهم قائم ، ورأيت أيّهم قائم ، ومررت بأيّهم قائم» ، وعليه قوله تعالى : (ثُمَّ لَنَنْزِعَنَّ مِنْ كُلِّ شِيعَةٍ أَيُّهُمْ أَشَدُّ عَلَى الرَّحْمنِ عِتِيًّا)(٢) وقول الشاعر.

__________________

(١) في كل هذه الأمثلة : أي : فاعل مرفوع بالضمة ، أيّا : مفعول به منصوب بالفتحة ، بأي : جار ومجرور بالكسرة الظاهرة.

(٢) قال تعالى : (فَوَ رَبِّكَ لَنَحْشُرَنَّهُمْ وَالشَّياطِينَ ثُمَّ لَنُحْضِرَنَّهُمْ حَوْلَ جَهَنَّمَ جِثِيًّا ، ثُمَّ لَنَنْزِعَنَّ مِنْ كُلِّ شِيعَةٍ أَيُّهُمْ أَشَدُّ عَلَى الرَّحْمنِ عِتِيًّا) مريم (٦٨ و ٦٩). ثم : حرف عطف ، لننزعن : اللام واقعة في جواب القسم (فو ربك). ننزع : فعل مضارع مبني على الفتح لاتصاله بنون التوكيد ، والفاعل : ضمير مستتر وجوبا تقديره نحن ، ونون التوكيد : حرف لا محل له من الإعراب ، من كل : جار ومجرور متعلق بنزع ، أيهم : أيّ اسم موصول مبني على الضم في محل جرّ ، والميم : علامة الجمع ، أشدّ : خبر لمبتدأ محذوف تقديره : هو أشد ، والجملة : صلة الموصول لا محل لها من الإعراب ، عتيا : تمييز منصوب. والشاهد في الآية الكريمة أن «أيّا» استعملت موصولة مضافة وقد حذف صدر صلتها فبنيت على الضم.

١٥٥

٣٤ ـ إذا ما لقيت بني مالك

فسلّم على أيّهم أفضل (١)

وهذا مستفاد من قوله : «وأعربت ما لم تضف ... إلى آخر البيت» ، أي : وأعربت «أيّ» إذا لم تضف في حالة حذف صدر الصلة ، فدخل في هذه الأحوال الثلاثة السابقة وهي :

ـ ما إذا أضيفت وذكر صدر الصلة.

ـ أو لم تضف ولم يذكر صدر الصلة.

ـ أو لم تضف وذكر صدر الصلة.

وخرج الحالة الرابعة وهي : ما إذا أضيفت وحذف صدر الصلة فإنها لا تعرب حينئذ.

حذف العائد :

وبعضهم أعرب مطلقا ، وفي

ذا الحذف «أيّا» غير «أيّ» يقتفي (٢)

__________________

(١) نسب البيت لشاعر مخضرم يسمى غسّان بن وعلة.

المعنى : إذا ما نزلت بنى مالك فتوجه بتحيتك إلى خيرهم (وهو الممدوح).

الإعراب : إذا : ظرف متضمن معنى الشرط في محل نصب على الظرفية الزمانية ، متعلق بالجواب : سلم ، ما : زائدة ، لقيت : فعل وفاعل ، بني : مفعول به منصوب بالياء لأنه ملحق بجمع المذكر السالم ، مالك : مضاف إليه مجرور بالكسرة ، والجملة في محل جر بإضافة الظرف. فسلم : الفاء : رابطة لجواب الشرط ، سلم : فعل أمر مبني على السكون ، والفاعل مستتر وجوبا تقديره : أنت ، على : حرف جر ، أيهم : أي : اسم موصول مبني على الضم في محل جر بعلى ، متعلق بسلم.

أفضل : خبر لمبتدأ محذوف تقديره : هو أفضل ، وجملة المبتدأ والخبر : صلة الموصول (أي) لا محل لها من الإعراب ، وجملة فسلم ... الخ : جواب شرط غير جازم لا محل لها من الإعراب. وهو (إذا).

الشاهد فيه : قوله : على أيهم : فقد بنى «أيّا» الموصولة على الضم حينما جاءت مضافة وقد حذف صدر صلتها.

(٢) في : حرف جر ، ذا : اسم إشارة في محل جر بفي ، متعلق بيقتفي ، أيّا : مفعول به مقدم ليقتفي منصوب بالفتحة ، غير : مبتدأ ، أي : مضاف إليه مجرور

١٥٦

إن يستطل وصل ، وإن لم يستطل

فالحذف نزر ، وأبوا أن يختزل (١)

إن صلح الباقى لوصل مكمل

والحذف عندهم كثير منجلى (٢)

في عائد متّصل إن انتصب

بفعل ، او : وصف ك «من نرجو يهب» (٣)

__________________

بالكسرة الظاهرة ، يقتفي : فعل مضارع مرفوع بضمة مقدرة على آخره للثقل ، والفاعل : ضمير مستتر جوازا تقديره هو يعود إلى «غيره» ، وجملة يقتفي : في محل رفع خبر للمبتدأ : غير. ومعنى البيت : بعض النحاة أعرب أيّا في كلّ أحوالها ، ويجوز في غيرها أن يتبعها في جواز حذف صدر الصلة إن كانت جملة الصلة طويلة.

(١) يستطل : فعل مضارع فعل الشرط مبني للمجهول مجزوم بإن ، وصل : نائب فاعل ، وجواب الشرط محذوف وجوبا لدلالة ما قبله والتقدير : إن يستطل وصل فغير أي يقتفي أيا. فالحذف نزر. الفاء رابطة للجواب ، الحذف نزر : مبتدأ وخبر والجملة في محل جزم جواب لشرط «إن» الثانية. أبوا : فعل ماض مبني على الضم المقدر على الألف المحذوفة لالتقاء الساكنين ، والواو في محل رفع فاعل. جملة : يختزل مع نائب الفاعل المستتر : صلة للموصول الحرفي (أن) لا محل لها من الإعراب ، وأن مع صلتها في تأويل مصدر منصوب مفعول به لأبوا ، والتقدير : أبوا الاختزال (أي حذف صدر الصلة) إن صلح الباقي صلة كاملة.

(٢) إن : حرف شرط جازم ، صلح : فعل الشرط فعل ماض مبني على الفتح في محل جزم ، الباقي : فاعل مرفوع بالضمة المقدرة على الياء للثقل ، وجواب الشرط محذوف وجوبا لدلالة ما قبله عليه أي : إن صلح الباقي لوصل فأبوا أن تختزل.

الحذف : مبتدأ ، كثير : خبر منجل : خبر منجل : خبر ثان مرفوع بالضمة المقدرة على الياء المحذوفة لالتقاء الساكنين ، والياء المذكورة للإشباع ، والجملة : استئنافية لا محل لها من الإعراب.

(٣) في عائد : جار ومجرور متعلق بكثير ، من : اسم موصول في محل رفع مبتدأ ، نرجو : فعل مضارع مرفوع بالضمة المقدرة على آخره للثقل ، والفاعل :

١٥٧

يعني أن بعض العرب أعرب «أيّا» مطلقا ، أي : وإن أضيف وحذف صدر صلتها ، فيقول : «يعجبني أيّهم قائم ، ورأيت أيّهم قائم ، ومررت بأيّهم قائم» (١) ، وقد قرىء : (ثُمَّ لَنَنْزِعَنَّ مِنْ كُلِّ شِيعَةٍ أَيُّهُمْ)(٢) بالنصب ، وروي :

فسلّم على أيّهم أفضل (٣) بالجرّ.

١ ـ وأشار بقوله : «وفي ذا الحذف ... إلى آخره» إلى المواضع التي يحذف فيها العائد على الموصول ، وهو إما أن يكون مرفوعا أو غيره.

فإن كان مرفوعا لم يحذف إلا إذا كان مبتدأ وخبره مفرد نحو : (وَهُوَ الَّذِي فِي السَّماءِ إِلهٌ)(٤) و (أَيُّهُمْ أَشَدُّ)(٥) ، فلا تقول : «جاءني اللذان

__________________

ضميره مستتر وجوبا تقديره : نحن ، والجملة لا محل لها من الإعراب لأنها صلة الموصول ، والعائد محذوف تقديره : نرجوه. يهب : فعل مضارع مرفوع بالضمة الظاهرة وسكن للرويّ ، والفاعل في محل رفع خبر للمبتدأ من.

(١) أي كلها معربة بالحركات الظاهرة.

(٢) ارجع إلى الآية بتمامها (ص : ١٥٥) في الحاشية رقم (٢) ، والشاهد هنا إعراب أي : مفعولا منصوبا بالفتحة.

(٣) مرّ هذا الشاهد برقم (٣٤) في (ص : ١٥٦) ، والشاهد هنا جر الموصول (أي) بعلى بكسرة ظاهرة.

(٤) الآية (٨٤) من سورة الزخرف وتمامها : (وَهُوَ الَّذِي فِي السَّماءِ إِلهٌ وَفِي الْأَرْضِ إِلهٌ وَهُوَ الْحَكِيمُ الْعَلِيمُ) والشاهد حذف العائد وهو مبتدأ خبره مفرد : هو : ضمير في محل رفع مبتدأ ، الذي : اسم موصول خبر ، في السماء : جار ومجرور متعلق بإله على تأويله بمعبود ، إله : خبر لمبتدأ محذوف تقديره : هو إله ، والجملة صلة الموصول لا محل لها من الإعراب.

(٥) الآية (٦٩) من سورة مريم ، وهي مع التي قبلها : «فَوَ رَبِّكَ لَنَحْشُرَنَّهُمْ وَالشَّياطِينَ ثُمَّ لَنُحْضِرَنَّهُمْ حَوْلَ جَهَنَّمَ جِثِيًّا ، ثُمَّ لَنَنْزِعَنَّ مِنْ كُلِّ شِيعَةٍ أَيُّهُمْ أَشَدُّ عَلَى الرَّحْمنِ عِتِيًّا». لننزعن : اللام : واقعة في جواب القسم ، ننزع : فعل مضارع مبني على الفتح لاتصاله بنون التوكيد الثقيلة ، والفاعل : نحن ، ونون التوكيد : حرف

١٥٨

قام» ، ولا : «اللذان ضرب» لرفع الأول بالفاعلية والثاني بالنيابة ، بل يقال : «قاما وضربا».

وأما المبتدأ فيحذف مع «أي» وإن لم تطل الصلة كما تقدم من قولك : «يعجبني أيّهم قائم» ونحوه ، ولا يحذف صدر الصلة مغ غير «أي» إلا إذا طالت الصلة (١) نحو : «جاء الذي هو ضارب زيدا» ، فيجوز حذف «هو» فتقول : «جاء الذي ضارب زيدا» ، ومنه قولهم : «ما أنا بالذي قائل لك سوءا» التقدير : «بالذي هو قائل لك سوءا».

فإن لم تطل الصلة فالحذف قليل ، وأجازه الكوفيون قياسا نحو : «جاء الذي قائم» التقدير : «جاء الذي هو قائم» ، ومنه قوله تعالى : (تَماماً عَلَى الَّذِي أَحْسَنَ)(٢) في قراءة الرفع والتقدير : «هو أحسن».

وقد جوّزوا في «لا سيّما زيد» (٣) إذا رفع زيد : أن تكون «ما»

__________________

لا محل له من الإعراب ، أيهم : أي : اسم موصول مبني على الضم في محل نصب مفعول به ، والهاء : مضاف إليه ، والميم للجمع : أشد : خبر لمبتدأ محذوف تقديره : هو أشد ، والجملة : صلة الموصول لا محل لها من الإعراب. وفي الآية شاهدان :

(أ) حذف العائد المرفوع إن كان مبتدأ وخبره مفرد بعد «أي».

(ب) بناء (أي) الموصولة على الضم إذا أضيفت وحذف صدر صلتها.

(١) تطول الصلة بما يزيد على المبتدأ والخبر من المعمولات كالجار والمجرور والمفعول به

(٢) الأنعام (١٥٤) وتمام الآية : (ثُمَّ آتَيْنا مُوسَى الْكِتابَ تَماماً عَلَى الَّذِي أَحْسَنَ وَتَفْصِيلاً لِكُلِّ شَيْءٍ وَهُدىً وَرَحْمَةً لَعَلَّهُمْ بِلِقاءِ رَبِّهِمْ يُؤْمِنُونَ) والشاهد في الآية حذف صدر الصلة التي لم تطل والموصول غير «أيّ» وهو شاذ عند البصريين ، جائز مقيس عند الكوفيين.

(٣) يجري إعراب الوجه الذي أشار إليه الشارح كما يلي : لا : نافية للجنس تعمل عمل إن ، سيّ (بمعنى مثل) : اسمها منصوب بالفتحة ، ما : اسم موصول في محل جر بالإضافة ، زيد : خبر لمبتدأ محذوف تقديره : لا مثل الذي هو زيد ، وجملة المبتدأ والخبر صلة الموصول لا محل لها من الإعراب. ويعلل النحاة هذا الحذف بأن «سيما» نزلت منزلة إلا الاستثنائية في مخالفة ما بعدها لما قبلها فناسب ألا يصرح بعدها بجملة تامة حملا على «إلا» الاستثنائية.

١٥٩

موصولة و «زيد» : خبر لمبتدأ محذوف ، والتقدير «لاسيّ الذي هو زيد» فحذف العائد الذي هو المبتدأ ـ وهو قولك : هو ـ وجوبا ، فهذا موضع حذف فيه صدر الصلة مع غير «أي» وجوبا ولم تطل الصلة ، وهو مقيس وليس بشاذ.

وأشار بقوله : «وأبو أن يختزل إن صلح الباقي لوصل مكمل» إلى أن شرط حذف صدر الصلة أن لا يكون ما بعده صالحا لأن يكون صلة ، كما إذا وقع بعده جملة نحو : «جاء الذي هو أبوه منطلق» أو «هو ينطلق» أو ظرف أو جار ومجرور تامّان نحو : «جاء الذي هو عندك» أو «هو في الدار» ، فإنه لا يجوز في هذه المواضع حذف صدر الصلة ، فلا تقول : «جاء الذي أبوه منطلق» تعني : «الذي هو أبوه منطلق» ، لأن الكلام يتم دونه فلا يدرى أحذف منه شيء أم لا؟ وكذا بقية الأمثلة المذكورة ، ولا فرق في ذلك بين «أي» وغيرها ، فلا تقول في «يعجبني أيّهم هو يقوم» : يعجبني أيّهم يقوم ، لأنه لا يعلم الحذف. ولا يختص هذا الحكم بالضمير إذا كان مبتدأ ، بل الضابط أنه متى احتمل الكلام الحذف وعدمه لم يجز حذف العائد ، وذلك كما إذا كان في الصلة ضمير غير ذلك الضمير المحذوف صالح لعوده على الموصول نحو : «جاء الذي ضربته في داره» ، فلا يجوز حذف الهاء من «ضربته» ، فلا تقول : «جاء الذي ضربت في داره لأنه لا يعلم المحذوف ، وبهذا يظهر لك ما في كلام المصنف من الإيهام فإنه لم يبيّن أنه متى صلح ما بعد الضمير لأن يكون صلة لا يحذف سواء كان الضمير مرفوعا أو منصوبا أو مجرورا ، وسواء كان الموصول «أيّا» أم غيرها ، بل ربما يشعر ظاهر كلامه بأن الحكم مخصوص بالضمير المرفوع وبغير «أيّ» من الموصولات ، لأن كلامه في ذلك ، والأمر ليس كذلك ، بل لا يحذف مع «أيّ» ولا مع غيرها متى صلح ما بعدها لأن يكون صلة كما تقدم نحو : «جاء الذي هو أبوه منطلق ، ويعجبني أيّهم هو أبوه منطلق» ، وكذلك المنصوب والمجرور نحو : «جاء الذي ضربته في داره (١)

__________________

(١) إذا حذفت الهاء لا يعلم هل جاء المضروب نفسه ، أو آخر ضربته في بيت الذي جاء

١٦٠