إحقاق الحقّ وإزهاق الباطل - ج ٢

السيّد نور الله الحسيني المرعشي التستري

__________________

أخبرنا أبو بكر التميمي قال : أخبرنا عبد الله بن محمد بن جعفر ، قال حدثنا الحسين بن محمد ، عن أبي هريرة ، قال حدثنا عبد الله بن عبد الوهاب ، قال حدثنا محمد الأسود عن محمد بن مروان عن محمد بن سائب عن أبي صالح عن ابن عباس ، قال : أقبل عبد الله بن سلام ومعه نفر من قومه قد آمنوا ، فقالوا : يا رسول الله ان منازلنا بعيدة وليس لنا مجلس ولا متحدث وان قومنا لما رأونا آمنا بالله ورسوله وصدقناه رفضونا وآلوا على أنفسهم أن لا يجالسونا ولا يناكحونا ولا يكلمونا ، فشق ذلك علينا ، فقال لهم النبي عليه‌السلام : (إِنَّما وَلِيُّكُمُ اللهُ وَرَسُولُهُ وَالَّذِينَ آمَنُوا) ، الآية ؛ ثم ان النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم خرج الى المسجد والناس بين قائم وراكع ، فنظر سائلا فقال : هل أعطاك أحد شيئا ، قال : نعم خاتم من ذهب ، قال : من أعطاكه؟ قال : ذلك القائم ، وأومأ بيده الى على بن ابى طالب رضى الله عنه ، فقال : على أى حال أعطاك؟ قال : أعطانى وهو راكع فكبر النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم ثم قرأ : (وَمَنْ يَتَوَلَّ اللهَ وَرَسُولَهُ وَالَّذِينَ آمَنُوا فَإِنَّ حِزْبَ اللهِ هُمُ الْغالِبُونَ) انتهى.

ومنهم العلامة الشيخ جلال الدين عبد الرحمن السيوطي في كتاب لباب النقول المتوفى سنة ٩١١ (ص ٩٠ ط الثانية بمطبعة مصطفى الحلبي) قال ما لفظه : أخرج الطبرانيّ في الأوسط عن عمار بن ياسر ، قال : وقف على على بن أبي طالب سائل وهو راكع في تطوع فنزع خاتمه فأعطاه السائل ، فنزلت (إِنَّما وَلِيُّكُمُ اللهُ وَرَسُولُهُ) ، الآية ، وله شاهد ، قال عبد الرزاق : حدثنا عبد الوهاب بن مجاهد عن أبيه عن ابن عباس في قوله تعالى : (إِنَّما وَلِيُّكُمُ اللهُ وَرَسُولُهُ) ، الآية ، قال : نزلت في على بن أبي طالب.

وروى ابن مردويه من وجه آخر عن ابن عباس مثله ، وأخرج أيضا عن على مثله ، وأخرج ابن جرير عن مجاهد وابن أبي حاتم عن سلمة بن كهيل مثله ، فهذه شواهد يقوى بعضها بعضا ، انتهى.

ومنهم العلامة سبط ابن الجوزي في كتاب التذكرة (ص ١٨ ط النجف الأشرف) قال ما لفظه ، ومنها في المائدة قوله تعالى : (إِنَّما وَلِيُّكُمُ اللهُ وَرَسُولُهُ وَالَّذِينَ آمَنُوا) الى قوله

٤٠١

__________________

(وَهُمْ راكِعُونَ) ، ذكر الثعلبي في تفسيره عن السدى وعتبة بن أبي الحكيم وغالب بن عبد الله ، قالوا : نزلت هذه الآية في على بن أبي طالب ، مربه سائل وهو في المسجد راكع فأعطاه خاتمه ، وذكر الثعلبي القصة مسندة الى أبي ذر الغفاري ، الى أن قال : وفي رواية أخرى خرج رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم وعلى قائم يصلى ، وفي المسجد سائل معه خاتم ، فقال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم : هل أعطاك أحد شيئا؟ فقال : نعم ذلك المصلى هذا الخاتم وهو راكع ، فكبر رسول الله (ص) ونزل جبرئيل عليه‌السلام يتلو هذه الآية ،

فقال حسان بن ثابت :

من ذا بخاتمه تصدق راكعا

وأسرها في نفسه اسرارا

من كان بات على فراش محمد

ومحمد أسرى يؤم الغارا

من كان في القرآن سمى مؤمنا

في تسع آيات تلين غزارا

(خ ل جعلن كبارا) أشار الى قول ابن عباس ما أنزل الله آية في القرآن الا (وعلى) أميرها ورأسها الى آخر عبارته.

ومنهم العلامة السيد محمد مؤمن بن الحسن الشبلنجي المصري المتوفى في أوائل القرن الرابع عشر في كتاب نور الأبصار (ص ١٠٥ ط مصر بالمطبعة العثمانية) روى ذلك مسندا الى أبي ذر.

وفي كتاب المباهلة (مخطوط) نقلا عن كتاب كفاية الطالب للگنجى الشافعي في الباب الحادي والستين (ص ١٠٦ طبع النجف الأشرف) أنه روى نزول الآية الكريمة في حق على عليه‌السلام بإسناده عن أنس بن مالك الى أن قال : فانشأ حسان بن ثابت :

أبا حسن تفديك نفسي ومهجتي

وكل بطيء في الهدى ومسارع

أيذهب مدحيك المحبر ضائعا

وما المدح في ذات الإله بضائع

وأنت الذي أعطيت إذ كنت راكعا

زكاة فدتك النفس يا خير راكع

٤٠٢

__________________

بخاتمك الميمون يا خير سيد

ويا خير شار ثم يا خير بايع

فأنزل فيك الله خير ولاية

وبينها في محكمات الشرائع

وروى أيضا في الباب الثاني والستين (ص ١٢٢) نزولها في على عليه‌السلام بإسناده عن ابن عباس ، ثم ذيله بكلمات الى أن قال : هكذا ذكره حافظ العراقين في مناقبه وتابعه الخوارزمي ، ورواه الحافظ محدث الشام بطريقين ، وذكر الخوارزمي عقيب شأن نزول هذه الآية ما لفظه : ولبعضهم في حق على شعر :

وافى الصلاة مع الزكاة فقاما

والله يرحم عبده الصبارا

الى أن قال

من ذا بخاتمه تصدق راكعا

الى آخر ما تقدم نقله من الأبيات

وكذا أفاد البيضاوي في تفسيره أنوار التنزيل (ص ١٢٠ الطبع القديم بمصر)

ومنهم العلامة الطبري في التفسير (ج ٦ ص ١٦٥ ط مصر) بإسناده عن عتبة بن أبي حكيم ومجاهد أنهما قالا نزلت في على بن أبي طالب حين تصدق بخاتمه إلخ.

ومنهم الشيخ علاء الدين الخازن الخطيب البغدادي في تفسيره (ج ١ ص ٤٧٥ طبع مصر) نقل عن السدى أنه مر بعلى سائل وهو راكع في المسجد فأعطاه خاتمه ،

ومنهم العلامة النسفي المطبوع بهامش تفسير الخازن (ج ١ ص ٤٨٤ طبع مصر) ما لفظه : أنها نزلت في على حين سأله سائل وهو راكع في صلاته وطرح خاتمه ، ومنهم العلامة السيد سليمان البلخي القندوزى الحنفي المذهب الرضوى النسب في ينابيع المودة (ج ١ ص ١١٤ طبع بيروت) نقل رواية مفصلة في هذا الباب ، وكذا في (ج ٢ ص ٣٧) من ذلك الطبع فراجع.

ومنهم العلامة جار الله الزمخشرىّ في الكشاف (ج ١ ص ٣٤٧ ط مصر بمطبعة التجارية الكبرى) قال بعد كلام له ما لفظه : وانها نزلت في على كرم الله وجهه حين سأله سائل وهو راكع في صلاته فطرح له خاتمه كأنه كان مزجا في خنصره فلم يتكلف لخلعه كثير عمل تفسد بمثله صلاته (فان قلت) كيف صح أن يكون لعلى رضى الله عنه واللفظ لفظ جماعة

٤٠٣

__________________

(قلت) جيء به على لفظ الجمع وان كان السبب فيه رجلا واحدا ليرغب الناس في مثل فعله فينالوا مثل ثوابه ، ولينبه على أن سجية المؤمنين يجب أن تكون على هذه الغاية من الحرص على البر والإحسان وتفقد الفقراء حتى أن لزمهم أمر لا يقبل التأخير وهم في الصلاة لم يؤخروه الى الفراغ منها (انتهى)

ومنهم الحافظ ابن حجر العسقلاني المتوفى سنة ٨٥٣ في كتاب الكافي الشاف في تخريج أحاديث الكشاف (ص ٥٦ الطبع المذكور) في مقام تخريج الحديث قال ما لفظه : فقد رواه ابن أبي حاتم من طريق سلمة بن كهيل قال : تصدق على بخاتمه وهو راكع فنزلت (إِنَّما وَلِيُّكُمُ اللهُ وَرَسُولُهُ) ولابن مردويه من رواية سفيان الثوري عن ابن سنان عن الضحاك عن ابن عباس قال كان على قائما يصلى ، فمر سائل وهو راكع فأعطاه خاتمه فنزلت. وروى الحاكم في علوم الحديث من رواية عيسى بن عبد الله بن عمر بن على ، حدثنا أبي عن أبيه عن جده عن على بن أبي طالب قال نزلت هذه الآية : (إِنَّما وَلِيُّكُمُ اللهُ وَرَسُولُهُ). الآية فدخل رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم المسجد والناس يصلون بين قائم وراكع وساجد وإذا سائل ، فقال له رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم أعطاك أحد شيئا؟ قال لا ، الا هذا الراكع ، يعنى عليّا أعطانى خاتمه. رواه الطبرانيّ في الأوسط في ترجمة محمد بن على الصائغ ، وعنه ابن مردويه من حديث عمار بن ياسر قال : وقف بعلى سائل وهو واقف في صلاته ، الحديث. وفي اسناده خالد بن يزيد العمرى ، وهو متروك. ورواه الثعلبي من حديث أبي ذر مطولا واسناده ساقط.

ومنهم العلامة فخر الدين الرازي في تفسيره (ج ١٢ ص ٢٦ ط مصر الجديد) قال : روى عطاء عن ابن عباس أنها نزلت في على بن أبي طالب عليه‌السلام. روى أن عبد الله ابن سلام قال : لما نزلت هذه الآية قلت : يا رسول الله أنا رأيت عليّا تصدق بخاتمه على محتاج وهو راكع ، فنحن نتولاه. وروى عن أبي ذر رضى الله عنه أنه قال : صليت مع رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم يوما صلاة الظهر ، فسأل سائل في المسجد فلم يعطه أحد فرفع السائل يده الى السماء وقال : اللهم اشهد انى سألت في مسجد الرسول صلّى الله

٤٠٤

__________________

عليه وسلّم فما أعطانى أحد شيئا ، وعلى عليه‌السلام كان راكعا ، فأومأ اليه بخنصره اليمنى ، وكان فيها خاتم ، فأقبل السائل حتى أخذ الخاتم بمرئى النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم ، فقال : اللهم ان أخى موسى سألك ، فقال : (رَبِّ اشْرَحْ لِي صَدْرِي) الى قوله (وَأَشْرِكْهُ فِي أَمْرِي) فأنزلت قرآنا ناطقا (سَنَشُدُّ عَضُدَكَ بِأَخِيكَ وَنَجْعَلُ لَكُما سُلْطاناً) اللهم وأنا محمد نبيك وصفيك ، فاشرح لي صدري ويسر لي أمرى ، واجعل لي وزيرا من أهلى عليا ، اشدد به ظهري ، قال أبو ذر : فو الله ما أتم رسول الله هذه الكلمة حتى نزل جبريل فقال : يا محمد اقرأ (إِنَّما وَلِيُّكُمُ اللهُ وَرَسُولُهُ) الى آخرها.

ومنهم السيد رشيد رضا المصري الموطن الوهابى المذهب في تفسير «المنار» (ج ٦ ص ٤٤٢ ط مصر) ما لفظه : ورووا من عدة طرق أنها نزلت في أمير المؤمنين على المرتضى كرم الله وجهه إذ مر به سائل وهو في المسجد فأعطاه خاتمه انتهى.

ومنهم المولى نظام الدين النيسابوري الأعرج في تفسيره المطبوع بهامش تفسير الطبري (ج ٦ ص ١٤٥ ط مصر) ما لفظه : رواه عن ابن عباس وعبد الله بن سلام وعبد الله ابن سلام وأبي ذر قال : روى عن أبي ذر أنه قال : صليت مع رسول الله (ص) يوما صلاة الظهر فسأل سائل في المسجد فلم يعطه أحد فرفع السائل يده الى السماء وقال : اللهم اشهد انى سألت في مسجد الرسول فما أعطانى أحد شيئا وعلى كان راكعا ، فأومأ بخنصره اليمنى وكان فيها خاتم ، فأقبل السائل حتى أخذ الخاتم ثم قرء (اشْرَحْ لِي صَدْرِي) الى قوله (أَشْرِكْهُ فِي أَمْرِي) فأنزلت قرآنا ناطقا (سَنَشُدُّ عَضُدَكَ بِأَخِيكَ) الآية قال أبو ذر :فو الله ما أتم رسول الله هذه الكلمة حتى نزل جبرئيل فقال : يا محمد اقرأ (إِنَّما وَلِيُّكُمُ اللهُ) الآية.

ومنهم علامة الجمهور في البلاد العراقية السيد شهاب الدين محمود الرضوى الآلوسى البغدادي في كتابه روح المعاني أورد رواية نزول الآية الشريفة في حق مولانا امير المؤمنين عليه‌السلام بعدة طرق ينتهى بعضها الى ابن عباس وبعضها الى عبد الله بن سلام فراجع الكتاب (ج ٦ ص ١٤٩ الطبع الثاني بالقاهرة)

ومنهم العلامة المحدث المفسر الشيخ اسماعيل بن كثير القرشي الدمشقي المتوفى سنة ٧٧٤

٤٠٥

__________________

في تفسيره الشهير (ج ٢ ص ٧١ طبع مصر) أورد عدة روايات صحيحة دالة على نزول الآية الكريمة في حق امامنا امير المؤمنين عليه‌السلام تنتهي أسانيدها الى عدة كمجاهد ، والضحاك ، وابى صالح ، وميمون بن مهران وكلهم عن ابن عباس.

ومنهم العلامة الشيخ حسن بن الحسين بن على بن محمد بن بطريق الأسدي النسب الحلي المسكن أورد في كتاب العمدة (ص ٥٩ طبع تبريز) عدة روايات دالة على نزول الآية في حق مولانا الأمير عليه‌السلام ينقلها عن الثعلبي بطرقه الى عبد الله بن غالب وابن عباس وعن الشيخ ابى الحسن رزين بن معاوية بن عمار السرقسطي الأندلسي في كتاب الجمع بين الصحاح الستة ، والسند ينتهى الى ابن سلام وعن كتاب المناقب لابن المغازلي بطرقه الى ابن عباس ومحمد بن الحنفية عن أبيه (ع) وعن غيرهم من الصحابة والتابعين والمحدثين.

ومنهم العلامه الشيخ ابو بكر احمد بن على الرازي الحنفي المتوفى سنة ٣٧٠ في كتاب احكام القرآن (ج ٢ ص ٥٤٣ طبع القاهرة بالمطبعة البهية) فانه أورد فيه عدة روايات دالة على نزولها في حق على عليه‌السلام تنتهي أسانيدها الى مجاهد والسدى وابى جعفر وعتبة بن ابى حكيم وغيرهم.

ومنهم العلامة الشيخ ابو عبد الله محمد بن أحمد الأنصاري القرطبي الأندلسي في كتابه الجامع لأحكام القرآن (ج ٦ ص ٢٢١ طبع مصر) حيث نقل عن الامام أبي جعفر باقر العلوم سلام الله عليه نزولها في حق مولانا امير المؤمنين عليه‌السلام وعن مجاهد السدى وقال في آخر كلامه (وَيُؤْتُونَ الزَّكاةَ وَهُمْ راكِعُونَ) يدل على أن صدقة التطوع تسمى زكاة فان عليا تصدق بخاتمه في الركوع انتهى.

ومنهم العلامة الحافظ الشيخ جلال الدين عبد الرحمن بن ابى بكر السيوطي الشافعي في تفسيره الدر المنثور (ج ٢ ص ٢٩٣ الطبعة الاولى بمصر) أورد عدة روايات دالة على نزولها في حق على عليه‌السلام وتنتهي طرقها الى ابن عباس وسلمة بن كهيل وعمار وغيرهم.

٤٠٦

__________________

ومنهم العلامة المحدث القدوة في فنه الشيخ أسعد بن ابراهيم بن الحسين بن على الأردبيلي في كتابه (الأربعين حديثا) والنسخة مخطوطة روى بإسناده عن جابر بن عبد الله الأنصاري ، قال : كنا جلوسا عند النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم إذ ورد أعرابى شعث الحال رث الثياب كأنما خرج من تحت التراب فحيا تحية مسنت مدقع وانشد مشيرا الى النبي (ص) :

أتيتك والعذراء تبكى برنة

وقد ذهبت ام الصبى عن الطفل

واخت وبنتان وام كبيرة

وقد كدت من فقرى أخالط من عقلي

وقد مسنى عرى وفقر وفاقة

وليس لنا مال يمر ولا يحلى

وما المنتهى الا إليك مفرنا

وأين فرار الناس الا الى الرسل

فلما سمع النبي (ص) شعر الأعرابي بكى بكاء شديدا ثم قال لأصحابه : معاشر الناس ان الله ساق إليكم ثوابا وقاد إليكم أجرا والجزاء من الله غرف من الجنة يضاهي غرف ابراهيم الخليل (ع) وكان على بن أبي طالب كرم الله وجهه في ناحية من المسجد يصلى ركعات يتنفل بها تطوعا فأومى الى الأعرابي أن يدنو اليه فدنى منه فدفع اليه خاتمه وهو في الصلاة ولم يصبر الى ان يتم صلاته لسرعة اغتنامه الثواب فنزل الوحى في الحال على النبي (ص) وأنزل «(إِنَّما وَلِيُّكُمُ اللهُ وَرَسُولُهُ وَالَّذِينَ آمَنُوا). الآية فقال النبي (ص) معاشر الناس من فيكم اليوم عمل خيرا ذكره الله من فوق سبع سماواته قالوا : ما منا من عمل اليوم خيرا سوى ابن عمك تصدق بخاتمه على الأعرابي وهو قائم في الصلاة يصلى لم يقطع صلاته فقال النبي (ص) وجبت لابن عمى غرف وأنزل الله فيه مدحا وقرء عليهم الآية فتصدق الناس على الأعرابي بأربعمائة خاتم وهو يقول : وهذا أيضا من بركاتك يا حيدر.

نقلنا كلام الشيخ اسعد بألفاظه من كتاب مناقب امير المؤمنين (ع) للشيخ الأجل الثقة المحدث محمد بن على بن حيدر بن الحسن المقري الكاشي من علماء المائة الحادية عشر ، والكتاب مخطوط نفيس في بابه أورد فيه مؤلفه أربعمائة حديثا في مناقب الأمير (ع) وهو حسن جدا محتو على فوائد لطيفة ، والتزم بنقل الروايات عن كتب مشاهير

٤٠٧

تصدّق بخاتمه على المسكين في الصّلاة بمحضر من الصحابة ، والولي هو المتصرّف وقد أثبت الله الولاية لذاته وشرّك معه الرّسول وأمير المؤمنين عليه الصلاة والسّلام ، وولاية الله تعالى عامّة فكذا النبي والولي (١) انتهى.

قال النّاصب خفضه الله

أقول : جوابه أنّ المراد من الولي في الآية الناصر فانّ الوليّ لفظ مشترك يقال للمتصرف والنّاصر والمحبّ والأولى بالتّصرف كوليّ الصبي والمرأة ، والمشترك إذا تردّد بين معانيه يلزم وجود القرينة للمعنى المطلوب منه ، وهاهنا كذلك ، فلا يكون هذا نصّا على إمامة عليّ عليه‌السلام ، فبطل الاستدلال به ، وأمّا القرائن على أن المراد بالولي النّاصر في الآية لا الأولى والأحقّ بالتّصرف ، لأنّه لو حمل على هذا

__________________

القوم وأجلائهم وترجمة كل حديث بالفارسية بعد نقله ، وكان الفراغ من تأليفه سنة ألف من الهجرة الشريفة.

ومنهم المير محمد صالح الترمذي الحنفي المتخلص بالكشفى في كتاب مناقب المرتضوي (ص ٧ ط الهند) ما لفظه بالفارسية : در اين آيه كريمه اختلاف را راه نيست چرا كه هيچ كس بجز امير المؤمنين در ركوع صدقه نداده وچون الكناية ابلغ من التصريح دأب عرب است بنابر اين حضرت بيچون بكنايه واشاره متكلم شده إلخ.

هذا ما اقتضته الحال ووسعه المجال من ذكر كلمات القوم في الباب وأما أصحابنا الامامية شيعة آل رسول الله فقد اتفقت كلمتهم في كتب الحديث والتفسير والكلام على نزول الآية الشريفة في حقه عليه‌السلام وانه المعنى بها لم يخالف فيه احد بل قد يدعى التواتر في شأن نزولها فإذن لا مسرح ولا مساغ للتشكيك والترديد الا ان يكون الشخص مبغضا ناصبا او سوفسطائيا في البديهيات ، وليعلم أن هاهنا مباحث في دلالة الآية الشريفة وفوائد جمة قد غمضنا عنها رعاية للاختصار واحالة الى محل آخر والله تعالى هو الهادي.

(١) ويكفى في دلالتها ما ذكره العلامة في الفنون فخر الدين الرازي في تفسيره المسمى

٤٠٨

__________________

بمفاتيح الغيب (ج ١٢ ص ٢٦ ط القاهرة سنة ١٣٥٧) وحيث قد أجرى الله سبحانه وتعالى الحق على قلمه وأنطقه بقدرته وافصح ذاهلا عن عصبيته كان الأنسب لنا ان نورد كلامه بعين ألفاظه ليعتبر من أنصف وحكم وجدانه السليم فنقول : قال : نقلا عن جماعة ان هذه الآية دالة على أن الامام بعد رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم هو على بن أبي طالب وتقريره أن نقول : ان الآية دالة على أن المراد بهذه الآية امام ومتى كان الأمر كذلك وجب أن يكون ذلك الامام هو على بن أبي طالب.

بيان المقام الاول أن الولي في اللغة قد جاء بمعنى الناصر والمحب كما في قوله (وَالْمُؤْمِنُونَ وَالْمُؤْمِناتُ بَعْضُهُمْ أَوْلِياءُ بَعْضٍ) وجاء بمعنى المتصرف ، قال عليه الصلاة والسّلام : «أيما امرأة نكحت بغير اذن وليها»

فنقول : هاهنا وجهان : الاول : أن لفظ الولي جاء بهذين المعنيين ولم يعين الله مراده ، ولا منافاة بين المعنيين ، فوجب حمله عليهما ، فوجب دلالة الآية على أن المؤمنين المذكورين في الآية متصرفون في الامة.

الثاني : أن نقول : الولي في هذه الآية لا يجوز أن يكون بمعنى الناصر فوجب ان يكون بمعنى المتصرف وانما قلنا انه لا يجوز أن يكون بمعنى الناصر لان الولاية المذكورة في هذه الآية غير عامة في كل المؤمنين ، بدليل انه تعالى ذكر بكلمة «انما» وكلمة «انما» للحصر ، كقوله (إِنَّمَا اللهُ إِلهٌ واحِدٌ) والولاية بمعنى النصرة عامة لقوله تعالى : (وَالْمُؤْمِنُونَ وَالْمُؤْمِناتُ بَعْضُهُمْ أَوْلِياءُ بَعْضٍ) وهذا يوجب القطع بأن الولاية المذكورة في هذه الآية ليست بمعنى النصرة ، وإذا لم تكن بمعنى النصرة كانت بمعنى التصرف ، لأنه ليس للولي معنى سوى هذين فصار تقدير الآية : انما المتصرف فيكم أيها المؤمنون هو الله ورسوله والمؤمنون الموصوفون بالصفة الفلانية ، وهذا يقتضى أن المؤمنين الموصوفين بالصفات المذكورة في هذه الآية متصرفون في جميع الامة ، ولا معنى للإمام الا الإنسان الذي يكون متصرفا في كل الامة فثبت بما ذكرنا دلالة هذه الآية على أن الشخص المذكور فيها يجب أن يكون امام الامة.

أما بيان المقام الثاني وهو انه لما ثبت ما ذكرنا وجب أن يكون ذلك الإنسان هو على

٤٠٩

لكان غير مناسب لما قبلها وهو قوله : (يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَتَّخِذُوا الْيَهُودَ وَالنَّصارى أَوْلِياءَ بَعْضُهُمْ أَوْلِياءُ بَعْضٍ) ، فانّ الأولياء هاهنا بمعنى الأنصار لا بمعنى الأحقّين بالتصرف ، وغير مناسب لما بعدها وهو قوله (وَمَنْ يَتَوَلَّ اللهَ وَرَسُولَهُ وَالَّذِينَ آمَنُوا فَإِنَّ حِزْبَ اللهِ هُمُ الْغالِبُونَ) ، فانّ التولي هاهنا بمعنى المحبّة

__________________

ابن أبي طالب ، وبيانه من وجوه : الاول : أن كل من اثبت بهذه الآية امامة شخص قال ان ذلك الشخص هو على ، وقد ثبت بما قدمنا دلالة هذه الآية على امامة شخص ، فوجب أن يكون ذلك الشخص هو على ضرورة انه لا قائل بالفرق. الثاني تظاهرت الروايات على أن هذه الآية نزلت في حق على ، ولا يمكن المصير الى قول من يقول : انها نزلت في ابى بكر رضى الله عنه ، لأنها لو نزلت في حقه لدلت على إمامته ، وأجمعت الامة على أن هذه الآية لا تدل على إمامته فبطل هذا القول. والثالث : أن قوله(وَهُمْ راكِعُونَ) لا يجوز جعله عطفا على ما تقدم لان الصلاة قد تقدمت ، والصلاة مشتملة على الركوع فكانت اعادة ذكر الركوع تكرارا فوجب جعله حالا أى يؤتون الزكاة حال كونهم راكعين ، وأجمعوا على أن إيتاء الزكاة حال الركوع لم يكن الا في حق على ، فكانت الآية مخصوصة به ودالة على إمامته من الوجه الذي قررناه ، وهذا حاصل استدلال القوم بهذه الآية على امامة على عليه‌السلام ثم قال : والجواب : اما حمل لفظ الولي على الناصر والمتصرف معا فغير جائز ، لما ثبت في اصول الفقه أنه لا يجوز حمل اللفظ المشترك على مفهوميه معا (انتهى كلامه) قلنا : ان كون على عليه‌السلام متصفا بوصف الناصر لا يقتضى كون وصف الناصر مرادا من كلمة الولي في هذه الآية توضيحه أن اللفظ قد يكون له معنيان ويكون كلاهما صادقين على فرد واحد ولكن القائل يطلق عليه اللفظ ولا يريد منه الا احد معنييه وبالجملة لا ملازمة بين تحقق معنى وبين إرادة ذلك المعنى من اللفظ ، كيف؟ والا لاستحال اطلاق كلمة لها معنيان في حق احد تحقق فيه كلا المعنيين لاستحالة ان يراد منه معنيان في اطلاق واحد كما قال الفخر.

٤١٠

والنصرة فوجب أن يحمل ما بينهما على النصرة أيضا لتتلاءم أجزاء الكلام انتهى.

أقول

فيه نظر من وجوه أما أولا فلأنّ القرينة في أنّ المراد بالوليّ الأولى بالتّصرف دون المعاني الأخر موجودة فانّ حصر الولاية في المؤمنين الموصوفين في الآية بإيتاء الزّكاة حال الرّكوع يدلّ على عدم إرادة معنى النّصرة والّا لزم بمقتضى الحصر أن يكون من شرط الوليّ المؤمن مطلقا (١) إيتاء الزّكاة حال الرّكوع وفساده ظاهر والحاصل أنّه إن أريد بالولي النّاصر وبالذين آمنوا جماعة من المؤمنين الذين يمكن اتّصافهم بالنّصرة فيستقيم الحصر حينئذ لكن لا يستقيم الوصف بإيتاء الزّكاة حالة الرّكوع ، وان أريد به النّاصر وبالذين آمنوا عليّ عليه‌السلام يبطل الحصر وان أريد به الأولى بالتصرّف وبهم عليّ عليه‌السلام يستقيم الحصر والوصف معا لأنّ كون إيتاء الزّكاة حال الرّكوع من شأن الامام الأولى بالتصرّف في أحكام المؤمنين غير مستبعد بل روى (٢) انّه قد وقع هذه الكرامة عن باقي الأئمة المعصومين عليهم‌السلام واما ثانيا فلأنّ الولاية بمعنى الامامة والتصرّف في الأمور أعمّ من الولاية بمعنى النصرة في الجملة فنفى الولاية بمعنى الامامة مفيد لنفى الولاية المنفيّة عن اليهود والنّصارى في الآية الاولى على أتمّ وجه بأنّ نفى العام نفى الخاص مع الزّائد ، فهو أتمّ في النّفي فتكون المناسبة حاصلة ، وكذا الكلام في ما بعد الآية فلا دلالة

__________________

(١) أى سواء كان اولى بالتصرف ام لا.

(٢) وفي كتاب الاصفى للعلامة المحدث الفيض الكاشاني صاحب الوافي (ص ١٥١ ط طهران) ما لفظه : وفي رواية انه ناول السائل الخاتم من إصبعه كما يأتى وهي أشهر وقد روته العامة أيضا ولعله عليه‌السلام تصدق في ركوعه مرة بالحلة وأخرى بالخاتم والآية نزلت بعد الثانية فان (يؤتون) يشعر بالتكرار والتجدد. وقال قبيل ذلك : فكل من بلغ من أولاده مبلغ الامامة يكون بهذه النعمة مثله ، فيتصدقون وهم راكعون.

٤١١

على مقصودهم إلا إذا حمل حزب الله على معنى أنصار الله كما تمحله بعضهم وهو كما ترى وأيضا العطف دالّ على تشريك الثلاثة في اختصاص الولاية (النصرة خ ل) بأىّ معنى كان بهم ولا خفاء في أنّ نصرة الله ورسوله للمؤمنين مشتملة على التصرف في أمرهم على ما ينبغي ، فكذلك نصرة الذين آمنوا ، غاية الأمر أنّ التّصرف في أمرهم مفهوم مشكك يختلف بالأولوية والأشدّيّة ، بل حقّق أنّ جميع المعاني العشرة التي ذكروها للوليّ مرجعها إلى الأولى بالتصرف ، لأنّ مالك الرّق وهو أحد تلك المعاني أولى برقّه والرّقّ أولى به ، وكذا المعتق أولى بمعتقه وبالعكس وكذا الجار بالجار والحليف بالحليف والنّاصر بالمنصور وابن العمّ بالعمّ فانّ كلا من هذه المذكورات وما لم يذكر أولى بصاحبه من الذين ليس له تلك الولاية كما لا يخفى على من تأمّل وأنصف ، واما ثالثا فلأنّ توافق الآيات إنّما يجب إذا لم يمنع عنها مانع وقد بينّا عدم صحّة حمل الولي هاهنا على النّاصر والمحبّ ونحوهما ، وايضا هذه الآيات الثلاث لم تنزل دفعة حتّى تلائم أن يكون الوليّ في جميعها بمعنى واحد بل نزلت تدريجا والصحابة جمعوها بهذا الوجه ، بل نقول : لو سلّم عدم الملائمة على التّقدير المذكور فهذا اعتراض يرد في الحقيقة على خليفتهم عثمان حيث جمع المصاحف على مصحف واحد وحرّف الكلم عن مواضعها (١) ولم يرتّب الآيات كما هو حقّها وكان له في ذلك مآرب شتّى لا يخفى على اولي النّهى.

واما رابعا فلأن تفريع الوجوب في قوله : فيجب أن يحمل إلخ على ما قبله محلّ تأمّل ، وقوله : لتتلاءم أجزاء الكلام لا يدلّ على الوجوب خصوصا إذا دلّ الدّليل على أنّه لا يصح إرادة النّصرة فتأمّل هذا ،

واعترض شارح المقاصد على احتجاج الشّيعة بالآية المذكورة بأنّ الحصر إنّما يكون فيما فيه تردّد ونزاع ، ولا خفاء في أنّ النزاع في الولاية والامامة لم يكن

__________________

(١) اقتباس من قوله تعالى في سورة النساء. الآية ٤٦.

٤١٢

عند نزول الآية ولم تكن في ذلك الزّمان إمامة حتّى يكون نفيا للتردّد ، والجواب عنه من وجوه اما أولا فلما يستفاد من كلامه في شرحه للتّلخيص في مبحث القصر حيث قال : إنّ اعتقاد المخاطب بثبوت ما نفاه المتكلم قطعا أو احتمالا مختصّ بالقصر الغير الحقيقي ، ألا ترى أنّهم اتفقوا على صحّة ما في الدّار إلا زيد قصرا حقيقيّا مع أنّه ليس ردّا على من اعتقد أنّ جميع النّاس في الدّار ، والحاصل أنّه يجوز أن يكون هذا القصر قصر الصّفة على الموصوف قصرا حقيقيا ودفع التردّد والنّزاع وردّ الخطاء إنما يشترط في القصر الاضافي واما ثانيا فلأنه يجوز أن يكون قصرا إضافيا فانه تعالى عالم بجميع الأشياء فلما علم اعتقادهم إمامة غيره في الاستقبال كما يدلّ عليه حديث المشكاة (١) الذي من جملته وإن أمّرتم عليا ولا أراكم فاعلين إلخ قال لهم على أبلغ وجه وآكده (إِنَّما وَلِيُّكُمُ اللهُ) تتميما للحجة ، وأما ثالثا فلأنه يجوز أن يكون الحصر لدفع التردّد الواقع من بعضهم عند نزول الآية بين انحصار الولاية في الله ورسوله واشتراكه بينهما وبين غيرهما على أن يكون القصر لتعيين الاشتراك كما أنّ القصر في قوله تعالى : (وَما أَرْسَلْناكَ إِلَّا كَافَّةً لِلنَّاسِ) (٢) قصر القلب لتحقيق اشتراك الرّسالة وعمومها لجميع الناس وردّ اختصاصها بالعرب كما زعمته اليهود والنصارى ، واما رابعا فلأن حاصل كلام المعترض هو الاعتراض على الله تعالى ونسبة اللّغو إليه ، إذ محصله أنّ النزاع في خلافة الثلاثة وولايتهم إنما وقع بعد النّبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، فالحصر لا يرفعه ، وباعتقادهم لم يكن في حال حياة النّبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم إمام وخليفة وتردّد في خلافة أحد فيكون الحصر لغوا واما خامسا فلأنّ الحصر يدلّ على نفى إمامة من ينازع مطلقا لا أن ينازع في ذلك الوقت ، وإلا لزم أن تكون كلمة التوحيد نافيا لالوهية من ادّعى الالوهية في وقت نزولها

__________________

(١) قد مر نقل الحديث عن الكتاب مع تعيين محله.

(٢) السباء. الآية ٢٨.

٤١٣

لا مطلقا وهو ظاهر الفساد هذا ،

وقد اعترض ايضا بعض المتعصبين (١) على الاحتجاج بهذه الآية وقال إنكم تقولون إنّ عليّا عليه‌السلام في حال صلاته في غاية ما يكون من الخشوع والخضوع واستغراق جميع حواسه وقواه وتوجهها شطر الحقّ حتى أنكم تبالغون وتقولون كان إذا أريد إخراج السهام والنصول من جسمه الواقعة فيه وقت الحرب تركوه إلى وقت صلاته فيخرجونها منه وهو لا يحس بذلك لاستغراق نفسه وتوجهها نحو الحقّ ، فكيف مع ذلك أحس بالسائل حتى أعطاه خاتمه في حال صلاته ، وأجاب (٢) عنه بعض علمائنا فقال : شعر :

يعطي ويمنع لا تلبيه سكرته

عند النديم ولا يلهو من الكاس

أطاعه سكره حتى تمكن من

فعل الصحاة وهذا أفضل الناس

وحاصل الجواب أنه عليه‌السلام في تلك الحالة وإن كان كما ذكر لكنه حصل منه التفات أدرك به السائل وسؤاله ولا يلزم منه التفاته إلى غير الحقّ لأنّه فعل فعلا تعود نهايته إلى الحقّ ، فكان كالشارب الذي فعل حال سكرته فعلا موافقا (٣) لفعل الصحاة ولم يلهه ذلك عن نديمه ولا عن كأسه ولا خرج بذلك عن سكرته فتأمل ،

__________________

(١) هو المولى شمس الدين الهروي الحنفي الناصب من مشاهيرهم. منه «قده».

(٢) ومن الاجوبة أنه عليه‌السلام لما كان بكليته متوجها الى الله تعالى مقبلا اليه معرضا عما سواه متمحضا في العبادة نبهه سبحانه بالإلهام والإلقاء في الروع في هذه العطية الكريمة وذلك لعموم افضاله جل وعز شأنه على عباده فكيف بالمؤمن السائل في بيته أعنى المسجد النبوي (ص) ، فلا غرو أن يلقى في قلب وليه اعانة المسكين المفتاق فالتصدق (ح) طاعة في طاعة ، وهذا الوجه مما يقبله الذوق السليم والفكر المستقيم نبهنا الله وإخواننا من سنة الغفلة آمين آمين.

(٣) لا يخفى عدم حسن هذا التعبير والاولى ما ذكرناه فلا تغفل.

٤١٤

وأقول : في الجواب أيضا أنّ غاية الأمر في ذلك أن يكون في مرتبة ما يحصل للأولياء من الوحدة في الكثرة والخلوة في الجلوة وقد أثبت النقشبندية (١) من متصوّفة أهل السنة هذه المرتبة لأنفسهم واشتهر منهم أنهم يقولون : «خلوت در أنجمن ميداريم» فلا ينبغي أن ينازع مع علي عليه‌السلام في حصول نظير هذه المرتبة له ، اللهم إلا أن يقال : إن النقشبندية قد نسبوا خرقتهم في التصوف إلى أبي بكر ، فجاز أن يحصل لهم من بركات أبي بكر مرتبة لا تحصل لعليّ عليه‌السلام ، فانّ هذا كلام لا دافع له إلّا غضب الله تعالى

قال المصنّف رفع الله درجته

الاية الثانية قوله تعالى : (يا أَيُّهَا الرَّسُولُ بَلِّغْ ما أُنْزِلَ إِلَيْكَ مِنْ رَبِّكَ) (٢) نقل الجمهور (٣) أنها نزلت في بيان فضل عليّ عليه‌السلام يوم الغدير ، فأخذ رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم بيد عليّ عليه‌السلام وقال : أيها الناس ألست أولى منكم بأنفسكم ، قالوا بلى يا رسول الله

__________________

(١) قد مر المراد بهم وانتسابهم وشطر من أحوالهم في حلقاتهم ويعبر عنهم ب (خواجه گان وتارة بالاحرار.)

(٢) المائدة. الآية ٦٧.

(٣) وهم جم غفير من محدثي القوم وفطاحلهم ونقتصر على ذكر قليل من كتبهم «فمنها» أسباب النزول للشيخ أبي الحسن على بن أحمد الواحدي النيسابوري.

حدثنا أبو سعيد محمد بن على الصفار ، قال : أخبرنا أحمد بن الحسن المخلدي ، قال حدثنا على بن عابس عن الأعمش وأبي حجاب عن عطية عن أبي سعيد الخدري (ص ١٥٠ ط مصر بالمطبعة الهندية) «ومنها» مطالب السؤول في مناقب آل الرسول للشيخ محمد بن طلحة كمال الدين الشافعي المتوفى سنة ٦٥٤.

روى عن أبي سالم النصيبي عن أبي سعيد (ص ١٦ ط طهران) «ومنها» تفسير مفاتيح الغيب لفخر الدين محمد بن عمر الرازي

٤١٥

__________________

روى عن ابن عباس والبراء بن عازب ومحمد بن على (ج ١٢ ص ٥٠ ط مصر سنة ١٣٧٥) «ومنها» الفصول المهمة لابن الصباغ المالكي.

روى عن الحافظ أبي الفتوح أسعد بن أبي الفضائل العجلى يرفعه بسنده الى حذيفة بن أسيد الغفاري وعامر بن ليلى بن ضمرة.

وروى عن الواحدي وعن الثعلبي عن أبي سعيد الخدري

وروى عن الشيخ محيي الدين النووي الشافعي (ص ٢٣ و ١٤ ط النجف)

«ومنها» تفسير الثعلبي على ما في ينابيع المودة للعلامة الثقة العارف الشهير السيد سليمان ابن ابراهيم الحنفي البلخي (ص ١٢٠)

روى عن أبي صالح عن ابن عباس

«ومنها» فرائد السمطين للحموينى (على ما في الكتاب المذكور ص ١٢٠)

روى عن أبي هريرة

«ومنها» تفسير الميرزا محمد البدخشانى الحنفي (على ما في العبقات)

روى عن أبي سعيد الخدري

«ومنها» الطرائف للعلامة رضى الدين بن طاوس.

روى عن الحافظ أبي سعيد السجستاني بإسناده عن ابن عباس وجابر بن عبد الله

«ومنها» الدر المنثور في التفسير بالمأثور للعلامة الشيخ جلال الدين عبد الرحمن السيوطي الشافعي (ج ٢ ص ٢٩٨ ط مصر)

أخرج أبو الشيخ عن الحسن عن رسول الله (ص) ، قال : ان الله بعثني برسالة فضقت بها ذرعا وعرفت أن الناس مكذبي فوعدني لأبلغن أو ليعذبني فانزل الآية.

وأخرج عبد بن حميد وابن جرير وابن أبي حاتم وأبو الشيخ عن مجاهد

وأخرج ابن أبي حاتم وابن مردويه وابن عساكر عن أبي سعيد الخدري

«ومنها» كتاب فتح القدير في التفسير (ج ٣ ص ٥٧ ط مصر) (ج ٢٦)

٤١٦

__________________

أخرج عبد بن حميد وابن جرير وابن أبي حاتم وأبو الشيخ عن مجاهد

وأخرج ابن جرير وابن أبي حاتم عن ابن عباس

واخرج ابن أبي حاتم وابن مردويه وابن عساكر عن أبي سعيد الخدري

واخرج ابن مردويه عن ابن مسعود

«ومنها» تفسير المنار (ج ٦ ص ٤٦٣ ط مصر)

روى ابن مردويه والضياء في المختارة عن ابن عباس

وروى أبو الشيخ عن أبي الحسن

وروى عبد بن حميد وابن جرير وابن أبي حاتم وأبو الشيخ عن مجاهد

وروى ابن أبي حاتم وابن مردويه وابن عساكر عن أبي سعيد الخدري

«ومنها» كتاب الدراية لمسعود السجستاني (كما في البحار)

روى بإسناده الى عبد الله بن عباس

«ومنها» كتاب النشر والطى (كما في البحار)

رواه مرسلا

«ومنها» كتاب ما نزل من القرآن في على (ع) للحافظ أبي نعيم

بإسناده يرفعه الى الحجاف عن الأعمش عن عطية

«ومنها» تفسير ابن جريح

روى عن ابن عباس

«ومنها» تفسير عطاء

روى عن ابن عباس

«ومنها» كتاب المناقب للسدى

رواه مرسلا

«ومنها» شرح النهج لابن أبي الحديد

روى عن ابراهيم بن ديزيل في كتاب صفين عن يحيى بن سليمان عن أبي فضيل عن الحسن

٤١٧

__________________

ابن الحكم النخعي عن رياح بن الحرث ثم قال على بن عيسى ناقلا عن ابن مردويه

وروى مرسلا أيضا عن ابن عباس

«ومنها» كتاب ابن جرير

رواه بإسناده عن ابن عباس

ورواه عن ابن مردويه بإسناده عن ابن مسعود

«ومنها» تفسير الثعلبي

روى بإسناده عن أبي محمد عبد الله بن محمد القاضي ، حدثنا أبو الحسين محمد بن عثمان النصيبي ، حدثنا أبو بكر محمد بن الحسين عن حسان عن الكلبي عن أبي صالح عن ابن عباس

«ومنها» كتاب مفتاح النجا (كما في الغدير)

رواه عن الحافظ عز الدين الرسعنى في تفسير عن ابن عباس (كما فيه أيضا)

«ومنها» تفسير السيد عبد الوهاب البخاري (كما فيه أيضا)

في ذيل قوله تعالى (قُلْ لا أَسْئَلُكُمْ)

«ومنها» الأربعين للسيد جلال الدين «كما فيه أيضا»

روى عن ابن عباس

«ومنها» كشف الغمة للاربلى «كما فيه أيضا»

روى عن الرسعنى في تفسير عن ابن عباس (ص ٩٢)

«ومنها» تفسير البخاري «كما فيه أيضا»

روى عن محمد بن محبوب عن أبي سعيد الخدري

«ومنها» كتاب السائر الدائر «كما فيه أيضا»

روى عن نظام الدين القمي النيسابوري عن أبي سعيد الخدري (ج ٦ ص ١٧٠)

«ومنها» شرح الديوان لكمال الدين حسين الميبدى «كما فيه أيضا»

نقل عن الثعلبي

٤١٨

__________________

«ومنها» كتاب الولاية للحافظ أبي جعفر محمد بن جرير الطبري كما فيه ونقلها بتمامها على نحو البسط في تفسير البرهان (ج ١ ص ٤٣٦ طبع طهران)

روى عن زيد بن أرقم

ونحن ننقل متن حديثه في المقام تيمنا قال : لما نزل النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم بغدير خم في رجوعه من حجة الوداع ، وكان في وقت الضحى وحر شديد ، أمر بالدوحات فقمت ، ونادى الصلاة جامعة ، فاجتمعنا فخطب خطبة بالغة ، ثم قال : ان الله تعالى أنزل الى : (بَلِّغْ ما أُنْزِلَ إِلَيْكَ مِنْ رَبِّكَ وَإِنْ لَمْ تَفْعَلْ فَما بَلَّغْتَ رِسالَتَهُ وَاللهُ يَعْصِمُكَ مِنَ النَّاسِ) ، وقد أمرنى جبرئيل عن ربى أن أقوم في هذا المشهد واعلم كل أبيض وأسود ان على بن أبي طالب أخى ووصيّي وخليفتي والامام بعدي ، فسألت جبرئيل أن يستعفى لي ربى لعلمي بقلة المتقين وكثرة الموذين لي واللائمين لكثرة ملازمتى لعلى ، وشدة إقبالي عليه حتى سموني اذنا ، فقال تعالى : (وَمِنْهُمُ الَّذِينَ يُؤْذُونَ النَّبِيَّ وَيَقُولُونَ هُوَ أُذُنٌ قُلْ أُذُنُ خَيْرٍ لَكُمْ) ، ولو شئت أن اسميهم وأدل عليهم لفعلت ، ولكني بسترهم قد تكرمت فلم يرض الله الا بتبليغي فيه ، فاعلموا معاشر الناس ذلك ، فان الله قد نصبه لكم وليا واماما ، وفرض طاعته على كل أحد ، ماض حكمه ، جائز قوله ، ملعون من خالفه ، مرحوم من صدقه ، اسمعوا وأطيعوا ، فان الله موليكم وعلى امامكم ، ثم الامامة في ولدي من صلبه الى القيامة ، لا حلال الا ما أحله الله ورسوله ، ولا حرام الا ما حرم الله ورسوله وهم ، فما من علم الا وقد أحصاه الله في ونقلته اليه فلا تضلوا عنه ولا تستنكفوا منه ، فهو الذي يهدى الى الحق ويعمل به ، لن يتوب الله على أحد أنكره ولن يغفر له ، حتما على الله أن يفعل ذلك أن يعذبه عذابا نكرا أبد الآبدين ، فهو أفضل الناس بعدي ما نزل الرزق وبقي الخلق ، ملعون من خالفه ، قولي عن جبرئيل عن الله فلتنظر نفس ما قدمت لغد افهموا محكم القرآن ولا تتبعوا متشابهه ، ولن يفسر ذلك لكم الا من أنا آخذ بيده وشائل بعضده ومعلمكم : ان من كنت مولاه فهذا على مولاه ، وموالاته من الله عزوجل أنزلها على. ألا وقد أديت ، ألا وقد بلغت ، ألا وقد أسمعت ، ألا وقد أوضحت ، لا تحل

٤١٩

__________________

امرة المؤمنين بعدي لاحد غيره. ثم رفعه الى السماء حتى صارت رجله مع ركبة النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم وقال :

معاشر الناس : هذا أخى ووصيّي وواعي علمي وخليفتي على من آمن بى وعلى تفسير كتاب ربى. وفي رواية : اللهم وال من والاه وعاد من عاداه والعن من أنكره ، واغضب على من جحد حقه ، اللهم انك أنزلت عند تبيين ذلك في على : (الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ). بإمامته ، فمن لم يأتم به وبمن كان من ولدي من صلبه الى القيامة فأولئك حبطت أعمالهم وفي النار هم خالدون ، ان إبليس أخرج آدم عليه‌السلام من الجنة مع كونه صفوة الله بالحسد ، فلا تحسدوا فتحبط أعمالكم وتزل أقدامكم ، في على نزلت سورة : (وَالْعَصْرِ إِنَّ الْإِنْسانَ لَفِي خُسْرٍ) ،

معاشر الناس : (فَآمِنُوا بِاللهِ وَرَسُولِهِ وَالنُّورِ الَّذِي) انزل معه (مِنْ قَبْلِ أَنْ نَطْمِسَ وُجُوهاً فَنَرُدَّها عَلى أَدْبارِها أَوْ نَلْعَنَهُمْ كَما لَعَنَّا أَصْحابَ السَّبْتِ). النور من الله في ثم في على ثم في النسل منه الى القائم المهدى. معاشر الناس سيكون من بعدي أئمة يدعون الى النار ويوم القيامة لا ينصرون ، وان الله وأنا بريئان منهم ، انهم وأنصارهم وأتباعهم في الدرك الأسفل من النار ، وسيجعلونها ملكا اغتصابا ، فعندها يفرغ لكم أيها الثقلان ، (يُرْسَلُ عَلَيْكُما شُواظٌ مِنْ نارٍ وَنُحاسٌ فَلا تَنْتَصِرانِ). الحديث (ضياء العالمين)

ومن رام الوقوف على أكثر مما ذكرنا فعليه بالتتبع في كتب القوم ومن نأى بجانبه عن الاعتساف والعصبية الجاهلية يكفيه ما سردنا من عبائرهم الصريحة في الباب.

هذا ما وقفنا عليها من كلمات اعلام القوم كلها تنادى بأعلى صوتها ان الآية الشريفة نزلت في غدير خم وفي ذلك كفاية لمن اخمد نار العصبية الموقدة ولم يقلد على عمياء ما نسجه سلفه وحاكه الماضون ولنذيل الكلام بأسماء عدة من أعيان الشيعة الذين صرحوا بشأن نزولها.

فمنهم العلامة الزاهد الجليل الشهيد أبو على محمد بن أحمد بن علي الفتال النيسابوري في كتابه روضة الواعظين.

٤٢٠