إحقاق الحقّ وإزهاق الباطل - ج ٢

السيّد نور الله الحسيني المرعشي التستري

محمّد صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم في عصر على أمر ديني أو دنيوي ، وثانيهما أنّ تفسير أمراء العساكر وحصرها في الأنصار يوجب خروج أمير المؤمنين وأبي بكر وعمر وعثمان وأسامة بن زيد الذي كان أميرا على الثلاثة وغيرهم عند وفات النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله سلّم ، فانّ هؤلاء كلّهم أمراء مهاجرون كما لا يخفى ، نعم قال بعض المتكلّفين من أهل السّنّة : إنّه وإن لم يتحقّق الإجماع على خلافة أبي بكر في يوم السقيفة ، لكنّه بعد ذلك إلى ستّة أشهر قد تحقّق اتّفاق الكل على خلافته ورضوا بإمامته فتمّ الإجماع حينئذ ، وفيه أنّ ذلك أيضا ممنوع بعدم بيعة عليّ عليه‌السلام وأصحابه له ولو بعد ستّة أشهر ، ولو سلّم أنّه صفق على يده كما يفعله أهل البيعة فلا ريب في أنّ سعد بن عبادة وأولاده لم يتفقوا على ذلك ولم يبايعوا أبا بكر ولا عمر كما سنبيّنه ، ولو سلّم فنقول : قد اعتبر في تعريف الإجماع اتفاق أهله على أمر واحد في وقت واحد ، إذ لو لم يقع ذلك في وقت واحد احتمل رجوع المتقدّم قبل موافقة المتأخّر ، فلا معنى لحصول الإجماع على خلافة أبي بكر تدريجا وبالجملة إن ادّعوا اتفاق الكلّ في وقت واحد على خلافة أبي بكر فهو خلاف الواقع بالاتفاق ، وإن ادّعوا حصول الاتفاق في أوقات متعدّدة فإثباته أصعب من خرط القتاد كما عرفت ، والظاهر أنّ هذا النّاصب في عدم مبالاته بالكذب وإكثاره من الافتراء على الكتاب والسنّة والتّاريخ قد اعتمد على ظنّ منه أنّ كتابه هذا ممّا لا يمكن أن يصل إلى أيدي علماء الاماميّة ومن ضاهاهم من أهل العلم والبصيرة ولا يبعد ذلك ، لأنّه كتب هذا الكتاب في بلدة قاسان من بلاد ما وراء النّهر عند فراره عن السّلطان الأعظم شاه إسماعيل الحسيني الصّفوي (١) أنار الله برهانه كما قرره

__________________

(١) هو السلطان المؤيد المسدد الغازي المجاهد أبو المظفر شاه إسماعيل بهادر خان الموسوي الصفوي الذي أحيا مذهب الامامية ببلاد العجم ونشر آثار أجداده الطاهرين ولد يوم الثلاثاء ٢٥ رجب سنة ٨٩٣ وتوفى سنة ٩٣٠ المطابق لكلمة (ظل) أعقب أربعة ، السلطان شاه طهماسب ، ألقاص ميرزا ، سام ميرزا الشاعر الجليل صاحب

٣٤١

__________________

«تحفه سامى» ، ابو الفتح ميرزا ، ودفن بجنب قبر جده الشيخ صفى الدين إسحاق الأردبيلي ، وقال بعض الشعراء من أسلافنا في تاريخه :

شاه گردون پناه اسماعيل

آنكه چون مهر در نقاب شده

از جهان رفت و «ظل» شدش تاريخ

ساية تاريخ آفتاب شده

وكان شاعرا بليغا يتخلص في شعره بالخطائى ، وبالجملة جلالة بيته وأصالته وأن أسرته من أغصان الدوحة النبوية ومن أزهار الروضة العلوية وخدماتهم الدينية مما لا ينكر ، وقد أثبتنا في كتابنا (مشجرات آل رسول الله الأكرم) بدلائل قوية وأسانيد متينة شرفهم وانتسابهم الى أهل البيت عليهم‌السلام ، ومن الشواهد ما ذكره صاحب تاريخ القدس عند ترجمة السيد صدر الدين موسى بن الشيخ صفى الدين الأردبيلي المتوفى هناك قريبا من المسجد الأقصى والمؤلف من علماء القوم وزمانه قبل ظهور الدولة الصفوية بسنين متطاولة.

ومنها كتاب السلطان سليم العثماني الى المترجم مع شدة عناده مع الصفوية وقد أورده فريدون بيك العثماني في كتاب مجموعة المنشآت العثمانية (ج ٢ ص ٣٣٨ طبع الآستانة)

ومنها كتاب الكتاب الذي كتبه السلطان يعقوب الى السلطان با يزيد من ملوك آل عثمان يخبر فيه بقتله الشريف الأجل السلطان حيدر والد المترجم والكتاب موجود في ذلك المجلد من تلك المجموعة (ص ٣٠٢) فراجع.

واما شجاعة المترجم فلا تسأل عنه ، وقد حكى المورخون من الفريقين بل وغيرهم من أرباب الملل غرائب في هذا الباب حتى رأيت بعضهم يقول في كتابه أنه قدس‌سره كان يدخل المعركة بنفسه النفيسة ويشتغل بالحرب مع العدو قبل جيشه وبعضهم يعبر كذا : أنه كل من راه في القتال يتذكر شجاعة جده أمير المؤمنين سلام الله عليه الى غير ذلك من التعابير ، وكان قدس الله لطيفه شديد الولاء لأهل البيت النبوي كما تفصح عن ذلك كلمات المورخين ، ومن سعادته انسلاك جماعة من العلماء والفقهاء في سلك أمرائه ووزرائه وقواد جيشه وقضاة عسكره ، ومنهم من قتل في محاربته مع السلطان سليم العثماني في (چالدران في سنة ٩٢٠) كالعلامة السيد محمد آل كمونه الحسيني

٣٤٢

في أوّل الكتاب متحفا لكتابه إلى شاه بيك خان (١) والى تلك البلاد ، وقرّر على

__________________

الأعرجي النجفي ، والعلامة المير عبد الباقي ، والعلامة المير سيد شريف الصدر وغيرهم.

قال المورخ الجليل إسكندر بيك المنشى التركمانى في كتابه النفيس (عالم آرا ج ١ ص ٤٤ الطبع الجديد بطهران) ما محصله انه لما توفى المترجم وكان يتخلص في شعره بالخطائى وكان معاصرا للسلطان سليم العثماني انشد المولى اميدى الشاعر الشهير هذا البيت

قضا در كارگاه كبريائي

فكنده طرح اسليمى خطائى

ومما يجب التنبيه عليه أنه وقفت في مجموعة فريدون بيك العثماني (ج ٢ ص ٣٦٧) على قصيدتين للناصب الشقي فضل بن روزبهان الذي رد القاضي عليه يحرض السلطان سليم العثماني بعد قضية (چالدران) على قتل المترجم والشيعة إحداهما بالفارسية والأخرى بالتركية حيث يقول :

الا اى قاصد فرخنده منظر

نيازم بر سوى شاه مظفر

بگو اى پادشاه جمله عالم

توئى امروز در مردى مسلم

ومن أبيات تلك القصيدة

فكندى تاجش از سراى مظفر

فكن اكنون بمردى از تنش سر

قزل برك است هم چون ما رافعى

سرش را تا نكوبى نيست نفعى

إلخ وبالجملة استيفاء الكلام في سيرة السلطان المؤيد المترجم يحتاج الى بسط المقال وسعة المجال.

(١) هو محمد المشتهر بشيبك خان تارة وشاه بيك خان أخرى ابن بوداغ (بوداق) سلطان ابن أبي الخير خان الاوزبكى المغولى من أحفاد جنكيزخان الشهير ، وكان المترجم رجلا فاتكا سفاكا للدماء هجم على ما وراء النهر وتصرف بلادها ، ثم على خراسان واستولى عليها وأراق دماء المسلمين ونهب الأموال ، وكان ذلك بعد وفاة السلطان المؤيد شاه اسماعيل الصفوي المتقدم ذكره ، فراجع تاريخ عالم آرا (ج ٢ ص ٥٠ وص ٩٠) وتاريخ حبيب السير وغيرهما.

٣٤٣

نفسه أنّ أحدا من علماء الامامية لا يمكن أن يوجد هناك خوفا عن الهلاك ، وكوادن أهل ما وراء النّهر لا معرفة لهم بما عدا فقه أبي حنيفة وأصوله وطرف من ظاهر العربيّة فلا يطلع أحد منهم أيضا على الأكاذيب المودعة في كتابه ، والحق أنّه قد أصاب المخطي في ذلك ، ولهذا قد رأيت في ظهر نسخته الميشومة بخط بعض قضاة ما وراء النّهر سطورا بالغ فيها في مدح هذا الكتاب والثّناء على مؤلّفة قاتلهم الله ، وأما رابعا فلأنّ ما ذكره من أنّ أبا بكر لم يفارق السّقيفة حتّى بايعه جميع الأنصار إلا سعد بن عبادة (١) فكاذب من وجوه كما يدلّ عليه كلام ابن عبد البرّ (٢) في كتاب الاستيعاب في معرفة الأصحاب حيث قال في ترجمة أبي بكر : إنّه بويع له بالخلافة في اليوم الذي قبض (مات خ ل) فيه رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم في سقيفة بني ساعدة ثمّ بويع بيعة العامّة يوم الثلاثاء من غد ذلك اليوم وتخلّف عن بيعته سعد بن عبادة وطائفة من الخزرج وفرقة من قريش إلخ وكذا ما ذكره من أنّ سعد

__________________

(١) هو سعد بن عبادة بن دليم بن حارثة بن أبي حليمة بن ثعلبة بن طريف بن الخزرج ابن ساعدة بن كعب بن الخزرج الأنصاري الساعدي يكنى أبا ثابت ، قال ابن عبد البر في الاستيعاب (ج ٢ ص ٥٤٨ ط حيدرآباد) : انه كان نقيبا شهد العقبة وبدرا وكان سيدا جوادا ، قال أبو عمرو كان سيدا في الأمصار مقدما وجيها ، له رياسة وسيادة يعترف قومه له بها الى آخر ما ذكره.

(٢) هو الحافظ المحدث الرجالي أبو عمرو يوسف بن عبد الله الأندلسي المغربي كان قدوة ببلاد المغرب في الحديث والرجال والتاريخ ، له تصانيف وتآليف منها كتاب الاستيعاب في معرفة الاصحاب ومنها كتاب المختصر الجامع في بيان العلم وفضله وشرائطه وآداب تعلمه ومنها كتاب في الفقه ، ومنها كتاب في الحديث توفى ببلدة شاطبة سنة ٤٦٣.

٣٤٤

ابن عبادة مات بعد سبعة أيام من خلافة أبي بكر كذب صريح يكشف عنه ما ذكره ابن عبد البرّ في كتابه المذكور وابن حجر العسقلاني في كتابه الاصابة في معرفة الصحابة حيث قالا : (١) إنّ سعدا لم يبايع أحدا من أبي بكر وعمر ولم يقدروا على إلزامه كإلزامهم لغيره لكثرة أقوامه من الخزرج ، فاحترزوا عن فتنتهم ولمّا وصل حكومة أهل الإسلام إلى عمر مرّ ذات يوم سعد على سوق المدينة فوقع عليه نظر عمر وقال له ادخل يا سعد في بيعتنا أو اخرج من هذا البلد ، فقال سعد حرام عليّ أن أكون في بلد أنت أميره ، ثمّ خرج من المدينة إلى الشّام وكان له قبيلة كثيرة في نواحي دمشق كان يعيش في كلّ أسبوع عند طائفة منهم ، ففي تلك الأيّام كان يذهب يوما من قرية إلى أخرى فرموه من وراء بستان كان على طريقه بسهم فقتل رضي‌الله‌عنه ، وقال (٢) صاحب روضة الصّفا ما معناه : أنّ سعدا لم يبايع أبا بكر وخرج من المدينة إلى جانب الشّام وقتل بعد مدّة فيها بتحريك بعض العظماء ، وقال البلاذري (٣)

__________________

(١) ذكره في الاستيعاب (ج ١ ص ٣٣٣ ط حيدرآباد الدكن) وفي الاصابة (ج ٢ ص ٢٧ ط مصر) ، وقال فيه بعد كلام طويل ما لفظه : وقصته في تخلفه عن بيعة أبي بكر مشهورة ، وخرج الى الشام فمات بحوران سنة خمسة عشر وقيل ستة عشر.

(٢) هو المورخ الجليل المولى محمد بن برهان الدين محمد خاوند شاه بن السيد كمال الدين محمود البلخي الملقب بمير خان وقيل أمير خان ، كان مؤرخا جليلا توفى سنة ٩٠٣ ، ٩٠٤ ، له كتب منها كتاب روضة الصفا في سير الأنبياء والملوك والخلفاء بالفارسية ، طبع مرات بايران وهند وهو جد صاحب كتاب حبيب السير من قبل امه ، فراجع الريحانة (ج ٤ ص ١١٦ ط طهران) وشذرات الذهب (ص ٢٥٢ ط مصر) ودرر التيجان وغيرها ثم انه ذكر عدم بيعة سعد في كتابه الروضة (ج ٢ ص ٢١٩).

(٣) هو ابو جعفر احمد بن يحيى بن جابر بن داود البلاذري المؤرخ الشهير وكان من ندماء المتوكل والمستعين والمعتز العباسيين له تآليف كثيرة ومنها كتاب انساب الاشراف وقد طبع باروبا أولا ثم بمصر.

٣٤٥

في تاريخه : إنّ عمر بن الخطاب أشار إلى خالد بن الوليد (١) ومحمّد بن مسلمة الأنصاري (٢) بقتل سعد فرماه كل واحد بسهم فقتل ، ثمّ أوقعوا على أوهام النّاس أنّ الجنّ قتلوه لأجل خاطر عمر ووضعوا هذا الشّعر على لسانهم :

قد قتلنا سيّد الخزرج سعد بن عبادة

فرميناه بسهمين فلم يخطئ فؤاده (٣)

__________________

ومنها كتاب البلدان الكبير وكتاب البلدان الصغير وكتاب فتوح البلدان وغيرها توفى سنة ٢٧٩ في مارستان بغداد فراجع الريحانة (ج ١ ص ١٧١ طبع طهران).

(١) هو خالد بن الوليد بن المغيرة بن عبد الله بن عمر بن مخزوم القرشي المخزومي أبو سليمان ، وقيل أبو الوليد امه لبابة الصغرى ، وقيل بل هي لبابة الكبرى والأكثر على أن امه لبابة الصغرى بنت الحارث بن حزن الهلالية ، اختلف في وقت إسلامه وهجرته ، فقيل هاجر خالد بعد الحديبية. وقيل بل كان إسلامه بين الحديبية وخيبر ، مات بحمص وقيل بالمدينة سنة إحدى وعشرين او اثنتين وعشرين في خلافة عمر بن الخطاب ، فراجع الاستيعاب (ج ٢ ص ١٥٣ ط حيدرآباد) والرجل من المتحاملين على مولانا على عليه‌السلام والمبغضين له وتحكى عنه أقاصيص وجنايات وخيانات دالة على سوء حاله ومآله كدخوله بالمعتدة بعدة الوفاة والعجب من إخواننا اهل السنة في تبجيلهم إياه حتى عبروا عنه بسيف الله وسيف رسوله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ولا ارى لتكريمهم وجها سوى بغضه لأمير المؤمنينعليه‌السلام.

(٢) قال في الاستيعاب (ج ٢ ص ٢٣١ ط حيدرآباد) ما لفظه : محمد بن مسلمة الأنصاري الحارثي ، يكنى أبا عبد الرحمن ، وقيل يكنى أبا عبد الله ، وهو محمد بن مسلمة بن سلمة ابن خالد بن عدى بن مجدعة بن حارثة بن الحارث بن الخزرج بن عمرو بن مالك بن الأوس شهد بدرا والمشاهد كلها ومات بالمدينة ، وكانت وفاته بها في صفر سنة ثلاث وأربعين ، وقيل سنة ست وأربعين ، وقيل سنة سبع وأربعين ، وصلّى عليه مروان بن الحكم وهو يومئذ أمير على المدينة.

(٣) وفي هامش نسخة مخطوطة ما لفظه : قال بعض الشعراء :

٣٤٦

وأما خامسا فلأنّ قوله : فلو كان الأنصار سمعوا إلخ غير مسموع ، لأنّهم سمعوا ذلك النّص وتذاكروه فيما بينهم ، لكنّهم لم يجعلوه ذلك اليوم حجّة على أبي بكر لشبهة أوقعها أولياء أبي بكر وغيره في قلوب النّاس من أنّ عليّا عليه‌السلام قد تقاعد عن تصدّي الخلافة والتزم البيت وأمسك عن إحياء هذا (١) الميت ، فانّ المذكور في المعتبر من كتب السّير والتواريخ أنه لمّا توفّى رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم واشتغل عليّ عليه‌السلام مع أصحابه من بني هاشم وغيرهم بتجهيز النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وتعزيته معتقدا أنّ أحدا لا يطمع في هذا الأمر مع وجوده عليه‌السلام أوقع بعض (٢) المنحرفين عن عليّ عليه‌السلام في قلوب الناس أنّه عليه‌السلام قد تقاعد عن تصدّي الخلافة لشدّة ما أصابه من مصيبة النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وسكن قعر بيته مشتغلا بالحزن والتعزية ، فجاء خزيمة بن ثابت الأنصاري (٣) وقال

__________________

يقولون سعد شقت الجن بطنه

الا ربما حققت أمرك بالغدر

وما ذنب سعد انه بال قائما

ونكن سعدا لم يبايع ابا بكر

(١) الميت : مخففة الميت.

(٢) قال في كتاب الاحتجاج : قيل أيضا : ان محمد بن مسلمة الأنصاري تولى ذلك بجعل جعلت له عليه ، وروى انه تولى ذلك المغيرة بن شعبة ، انتهى. منه «قده».

(٣) هو خزيمة بن ثابت بن الفاكه بن الثعلبة الخطمي الأنصاري الأويسي من بنى خطمة صحابى جليل ، يعرف بذي الشهادتين لجعل رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم شهادته مقام شهادة رجلين ، قال ابن عبد البر في الاستيعاب (ج ١ ص ١٥٧ ط حيدرآباد) ما لفظه : نه شهد بدرا وما بعدها من المشاهد ، وكانت راية خطمة بيده يوم الفتح ، وكان مع على رضى الله عنه بصفين ، فلما قتل عمار جرد سيفه فقاتل حتى قتل رضى الله عنه ، وكانت صفين سنة سبع وثلاثين ، روى عن محمد بن عمارة بن خزيمة بن ثابت من وجوه قد ذكرتها في كتاب (الاستظهار) في حديث عمار قال ما زال جدي خزيمة بن ثابت مع على بصفين كافا بسلاحه وكذلك فعل يوم الجمل ، فلما قتل عمار بصفين ، قال خزيمة سمعت رسول الله (ص) يقول تقتل عمارا الفئة الباغية ، ثم سل سيفه فقاتل حتى قتل انتهى. ومن أراد

٣٤٧

لقومه من الأنصار ما سمعه من حال عليّ عليه‌السلام وذكر أنه لا بدّ ممن يلي هذا الأمر وليس سواه قرشي يليق بذلك ، فخاف الأنصار أن تشتد عليهم البلية ويلي هذا الأمر قرشي فظ غليظ ينتقم منهم للثارات الجاهلية والأضغان البدرية ، فتوجهوا إلى سعد بن عبادة سيد الأنصار وحضروا السقيفة ملتمسين منه قبول الخلافة ، فأبى سعد عن ذلك لمكان عليّ عليه‌السلام وأنه المنصوص بالخلافة عن الله تعالى ورسوله عليه‌السلام ، فلما سمع قريش بذلك وكانوا منتهزين للفرصة دلسوا في الأمر وعجّلوا في البيعة لأبي بكر ، فبادروا إلى السقيفة لتسكين نائرة الأنصار والتمسوا بيعة أبي بكر عنهم بالطوع والإجبار فقال لهم الأنصار إذا تركتم نصّ الله تعالى ورسوله عليه الصّلاة والسّلام فليس أحد منّا ومنكم بعد عليّ بن أبي طالب عليه‌السلام أولى من غيره ، فمنّا أمير ومنكم أمير ، فأبى أبو بكر وأصحابه عن ذلك محتجّين في ذلك بأنّ الأئمة من قريش ، وأبي سعد عن قبول إمارتهم متمسّكا بأنّ المنصوص لذلك غيرهم ، فاضطرب الحال إلى أن مال قلب بشير بن سعد بن ثعلبة الأنصاري (١) رغما لابن عمّه سعد بن عبادة إلى ترجيح جانب قريش وموافقتهم ، فقوى أمر قريش وبادر عمر إلى صفق يده على يد أبي بكر وبايعه هو وجماعة من أضرابه فلتة كما أخبر عنه هو بعد ذلك بقوله : كانت بيعة أبي بكر فلتة وقى الله شرّها عن المسلمين ، وفي كتاب المواهب لمحمّد بن جرير الطبري الشافعي عن أبي علقمة ، عن سعد بن عبادة قال أبو علقمة : قلت لابن عبادة وقد مال النّاس إلى بيعة أبي بكر : ألا تدخل فيما دخل فيه المسلمون ، قال : إليك عنّي فو الله لقد سمعت

__________________

الوقوف على ترجمته بأزيد من هذا فليراجع كتب الرجال لأصحابنا والاصابة واسد الغابة والخلاصة للقوم.

(١) هو بشير بن سعد بن ثعلبة بن خلاص بن زيد بن مالك الخزرجي الأنصاري أبو النعمان قال في الاستيعاب (ج ١ ص ٦٢ طبع حيدرآباد) انه قتل هو وخالد بعين التمر في زمن أبي بكر يروى عنه جابر بن عبد الله إلخ.

٣٤٨

رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم يقول : إذا أنا متّ تضل الأهواء ويرجع النّاس على أعقابهم ، فالحق يومئذ مع عليّ وكتاب الله بيده لا تبايع أحدا غيره ، فقلت له هل سمع هذا الخبر أحد غيرك من رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، فقال أناس في قلوبهم أحقاد (١) وضغائن ، قلت بل نازعتك نفسك أن يكون هذا الأمر لك دون الناس كلّهم ، فحلف أنّه لم يهمّ بها ولم يردها وأنّهم لو بايعوا عليّا كان أوّل من بايع سعد (٢) انتهى ، وروى الشّيخ الفاضل أبو السّعادات (٣) الحلّي رحمة الله تعالى عليه في شرح دعاء صنمي قريش أنّه اجتمع أبو بكر وعمر وأبو عبيدة وإخوانهم في سقيفة بني ساعدة يطلبون الحكم والبيعة من غير اكتراث (٤) من أهل البيت وبني هاشم وكلّ واحد من هؤلاء الثلاثة يرجو الأمر والحكم لنفسه ويعطفه على (عن خ ل) (٥) صاحبه فأنكر عليهم الأنصار

__________________

(١) يدل عليه ما رواه صاحب كتاب الاحتجاج عن فاطمة عليها‌السلام في جملة كلام لها في مرض موتها ، وهي قولها : وما الذي نقموا من أبي الحسن نقموا والله منه بكسر سيفه وقلة مبالاته بحتفه وشدة ووطأته ونكال وقعته وتنمره في ذات الله. منه. «قده».

(٢) ويدل على ما ذكره سعد رضى الله عنه : أن أكثر العرب كانوا يتوقعون بيعة على عليه‌السلام بعد وفاة النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وقد نطق بذلك ما ذكره ابن اعثم في الفتوح في باب قصة أهل حضرموت وما جرى بين زياد بن لبيد الأنصاري عامل الصدقات في أول خلافة أبي بكر وبين حارث بن سراقة ، وبعد ذلك بينه وبين بنى زبيد وما جرى بين أبي بكر ومالك بن نويرة الحنفي الى غير ذلك.

(٣) الظاهر أن المراد به العلامة أبو السعادات صاحب كتاب رشح الولاء في شرح هذا الدعاء وعليه فقد مرت ترجمته في (ج ١ ص ٣٣٧) فراجع ولكن الذي يبعده توصيفه بالحلى كما في أكثر نسخ الكتاب وصاحب الرشح اصفهانى فتدبر.

(٤) المبالاة والاعتناء.

(٥) معنى العبارة على تقدير تعدية يعطفه ب (على) أن كل واحد منهم يذكر صاحبه ثم

٣٤٩

وأصرّوا على الدّفاع والامتناع ، واحتجوا عليهم بما قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم في عليّ من التّوكيد في إمامته في مواطن شتّى وأمره إيّاهم بالتّسليم عليه بامرة المؤمنين فقال أبو بكر قد كان ذلك لكن نسخه النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم بقوله : إنا أهل بيت كرمنا الله واصطفانا بالنّبوة ولم يرض لنا بالدّنيا وأنّ الله لا يجمع لنا النبوّة والخلافة فصدّقاه عمر وأبو عبيدة في ذلك وعللا قعود علي في بيته والاشتغال بتجهيز النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم دون تصدّي أمر الخلافة بعلمه بتحويل الأمر عنه ، فقالت الأنصار إذا لا نرضى بأمارة غيرنا علينا منّا أمير ومنكم أمير ، وذكروا عن رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم الأئمة من قريش وشبّهوا الأمر على الأنصار وسائر الامة وقطعوا بذلك حجّتهم وأخذوا بيعتهم ، ولمّا فرغ علي وأصحابه عن تجهيز النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ودفنه وتكلموا في ذلك اعتذروا تارة بأنّ النّاس بايعوا ولم يكن لهم علم بأنّك تنازعهم في الأمر. ونكث البيعة الواقعة يورث مفاسد بين المسلمين وخللّا في أركان الدين ، وتارة بأنّهم ظنوا أنّك بشدة مصيبة النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم طرحت الخلافة والأمارة ، فاتّفق أصحاب النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم على تفويض الأمر إلى أبي بكر إلى غير ذلك من الأعذار التي ستجيء مع أجوبتها في الموضع اللائق بها ، ومما يقلع عرق إنكارهم ويوضح رجوعهم على إدبارهم ما ذكره ابن (١) قتيبة وهو من أكبر شيوخ

__________________

يذكر نفسه بالعطف عليه دفعا للتهمة وعلى تقدير تعديته ، (عن) أن كل واحد منهم يذكر للخلافة نفسه وينفيها عن صاحبه فان كلمة العطف إذا تعدى بعن يفيد معنى الاعراض.

(١) هو أبو محمد عبد الله بن مسلم بن قتيبة المروزي الأصل الكوفي الباهلي القبيلة ، الأديب المؤرخ الكاتب الشاعر ، له كتب منها كتاب أدب الكاتب طبع مرارا ومنها كتاب السياسة والامامة طبع مرارا ، ومن الأسف أنه قد دس وحرف في طبعاته الاخيرة بمصر ، ومن ثم زال الاعتماد عليها ، فكم له من نظير ومنها كتاب دلائل النبوة ، ومنها كتاب طبقات الشعراء ، ومنها كتاب عيون الاخبار ، ومنها كتاب

٣٥٠

أهل السنّة وله عدّة مصنفات في إمامة أبي بكر وغيرها من الكتب ، قال (١) في كتاب السّياسة في باب إمامة أبي بكر وإباء عليّ عن بيعته : ما هذه صورته ، وذكروا أنّ عليّا اتى به أبو بكر وهو يقول أنا عبد الله وأخو رسوله ، فقيل له بايع أبا بكر ، فقال أنا أحقّ بهذا الأمر منكم ، لا أبايعكم ، وأنتم أولى بالبيعة لي ، أخذتم هذا الأمر من الأنصار واحتججتم عليهم بالقرابة من النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وتأخذونه منّا أهل البيت غصبا ، ألستم زعمتم للأنصار أنكم أولى بهذا الأمر لمكان محمّد صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم منكم ، فأعطوكم المقادة (٢) وسلّموا إليكم الأمارة فأنا أحتجّ عليكم بمثل ما احتججتم به على الأنصار ، نحن أولى برسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم حيّا وميتا فأنصفونا إن كنتم تخافون من أنفسكم وإلا تبوّءوا بالظلم وأنتم تعلمون ، فقال له عمر : أنت لست متروكا حتّى تبايع ، فقال له عليّ احلب حلبا لك شطره اشدده له اليوم ليرده عليك غدا ، ثمّ قال : والله يا عمر لا أقبل قولك ولا أبايعه ، فقال له أبو بكر : فان لم تبايعني فلا أكرهك ، فقال عليّ : يا معشر المهاجرين الله الله لا تخرجوا سلطان محمّد صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم في العرب من داره وقعر بيته إلى دوركم وقعور بيوتكم ، وتدفعوا أهله عن مقامه في الناس وحقه ، فو الله يا معشر المهاجرين لنحن أهل البيت أحقّ بهذا الأمر منكم ، ما كان فيه القاري لكتاب الله الفقيه في دين الله العالم بسنن رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، انتهى ما قصدنا إيراده من كلامه ، وفيه كما قال بعض الفضلاء عدّة شواهد على ما تدعيه الشيعة من قوله :

__________________

المعارف ، ومنها كتاب مشكل الحديث ، ومنها كتاب مشكل القرآن ، وغيرها من الآثار التي سردها ابن النديم في الفهرست ، توفى سنة ٢٧٠ ، وقيل ٢٧١ ، وقيل ٢٧٦ فراجع الريحانة (ج ٦ ص ١١٤ ط طهران).

(١) هذه العبارات مذكورة بعينها في كتاب الامامة والسياسة تأليف الامام الفقيه أبي محمد عبد الله بن مسلم (ص ١١ ط مصر).

(٢) المشي امام الشيء آخذا بقياده.

٣٥١

أنا أحق بهذا الأمر منكم ، وقوله : تأخذونه منا أهل البيت غصبا ، وقوله : لنحن أولى برسول الله حيا وميتا ، وقوله : لا تخرجوا سلطان محمّد صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم في العرب من داره وقعر بيته وتدفعوا أهله عن مقامه في الناس وحقه ، فو الله لنحن أهل البيت أحقّ بهذا الأمر منكم (١) ، ونحن معاشر الامامية نقول : صدق عليّ في جميع ذلك ، والنواصب يلزمهم أن يقولوا كذب ، وليت شعري أين محبتهم لأهل البيت وكيف يجعلونه كاذبا في جميع ذلك وهو عندهم إمام؟ أم كيف يجعلونه صادقا فيلزم تكذيب إمامهم الأوّل؟ وكيف يجمع ابن قتيبة بين هذا الحديث وبين قوله بأيهم (٢) اقتديتم اهتديتم ، (يَهْدِي اللهُ لِنُورِهِ مَنْ يَشاءُ وَاللهُ مُتِمُّ نُورِهِ وَلَوْ كَرِهَ الْكافِرُونَ) (٣)، وأما سادسا فلأن ما ذكروه من قوله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : الأئمة من قريش صحيح ويؤيده قوله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم في صحاح الأحاديث (٤): إنّ الإسلام لا يزال عزيزا ما مضى فيهم اثنا عشر خليفة كلّهم

__________________

(١) مع ضم هذه المقدمة أنهم لم ينكروا هذه الجمل حيث سمعوها عنه ع وسكوتهم في المقام من أقوى المؤيدات لإذعانهم بما خاطبهم بها.

(٢) قد مر في الجزء الاول (ص ٢٤) أن هذا الحديث من الموضوعات مع عدم دلالته على فرض الصدور.

(٣) اقتباس من قوله تعالى في سورة الصف. الآية ٨.

(٤) وقد ذكرت عدة منها في جامع الأصول (ج ٤ ص ٤٤٠ ط مصر) فروى عن جابر بن سمرة رضى الله عنه ، قال سمعت النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم يقول : يكون بعدي اثنا عشر أميرا ، فقال : كلمة لم اسمعها ، فقال أبي : انه قال كلهم من قريش.

وفي رواية قال : لا يزال أمر الناس ماضيا ما وليهم اثنا عشر رجلا ، ثم تكلم النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم بكلمة خفيت على ، فسألت أبي : ما ذا قال رسول الله؟ فقال : كلهم من قريش. هذه رواية البخاري ومسلم.

وفي رواية أخرى لمسلم أورده في (ج ص ١٠٨ طبع مصر القديم) انطلقت الى رسول الله صلّى

٣٥٢

__________________

الله عليه وآله وسلّم ومعى أبي فسمعته يقول : لا يزال هذا الدين عزيزا منيعا إلى اثنى عشر خليفة ، فقال كلمة صمنيها الناس فقلت لأبي : ما قال؟ قال : كلهم من قريش.

وفي رواية أخرى له أورده في (ج ٢ ص ١٠٧ طبع مصر) قال : دخلت مع ابى على النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم فسمعته يقول : ان هذا الأمر لا ينقضي حتى يمضى فيه اثنا عشر خليفة ، قال : ثم تكلم بكلام خفى على فقلت لأبي ما قال؟ قال كلهم من قريش.

وفي رواية أخرى لا يزال الإسلام عزيزا الى اثنا عشر خليفة ، ثم ذكر مثله.

وفي رواية الترمذي قال : قال النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم : يكون من بعدي اثنا عشر أميرا. قال : ثم تكلم بشيء لم أفهمه ، فسألت الذي يليني ، فقال : كلهم من قريش.

وفي رواية ابى داود قال : سمعت رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم يقول : لا يزال هذا الدين قائما حتى يكون عليكم اثنا عشر خليفة ، كلهم تجتمع عليه الامامة. فسمعت كلاما من النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم لم أفهمه ، فقلت لأبي : ما تقول؟ قال : كلهم من قريش.

وفي أخرى قال : لا يزال هذا الدين عزيزا الى اثنى عشر خليفة ، قال : فكبر الناس وضجوا : ثم قال كلمة خفيفة ؛ وذكر الحديث.

وفي أخرى بهذا الحديث : وزاد فلما رجع الى منزله أتته قريش ، فقالوا : ثم يكون ما ذا؟ قال : ثم يكون الهرج.

وفي مفتاح المسند نقلا عن المسند انه روى الحديث في (ج ٥ ص ٨٦ طبع مصر القديم) وص ٨٧ وص ٩٢ وص ٩٦ وص ٩٧ وص ٩٨ وثلاثة أسانيد في ص ٩٩ وص ١٠٠ وص ١٠٦ وص ١٠٧ مجموعها اثنا عشر سندا فراجع.

وفي مقتل الحسين لا خطب خطباء خوارزم (ج ١ ص ٩٥ طبع النجف الأشرف) وانهى الرواية الى ابى سلمى راعى ابل رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله.

وفي فرائد السمطين للحموينى في آخر الجزء الثاني وانهى الحديث الى ابى سلمى راعى ابل رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله الى غير ذلك من الروايات المودعة في كتب القوم أضف

٣٥٣

من قريش وكان المراد من الخليفة الأوّل القرشي عليّ عليه‌السلام لكن لمّا أوقعوا في القلوب أنّه عليه‌السلام تقاعد عن تصدّي الخلافة كما ذكرنا سابقا موّهوا ذلك بجواز العدول إلى قرشي آخر ، وأما سابعا فلأنّ قوله : فلم لم يقولوا : الإمامة لعليّ بنصّ من النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم إلخ مدفوع بما مرّ وسيجيء من أنّهم قالوا ذلك ، لكن شبّهوا الأمر على الناس بتقاعد عليّ عليه‌السلام ومع هذا قد أصرّ بعض أهل السقيفة في التّخلّف عن بيعة أبي بكر وقالوا : لا نبايع أحدا غير عليّ بن أبي طالب عليه‌السلام كما مرّ أيضا ، وقد صرّح به سيّد

__________________

على ذلك كلمات فطاحلهم وهي في غاية الكثرة ولنسرد بطريق الفهرست أسماء بعضهم ممن وقفنا حال تحرير هذه التعليقة على كتابه.

(١) الماوردي في كتاب الاحكام السلطانية ص ٤.

(٢) الباقلاني في كتاب التمهيد ص ١٨١.

(٣) البلخي القندوزى في الينابيع في الباب السابع والسبعين.

(٤) ابن بطريق الحلي في كتاب العمدة.

(٥) السيد على العارف الهمداني في كتاب مودة القربى في المودة العاشرة.

(٦) الترمذي في السنن.

(٧) الفراء صاحب المصابيح.

(٨) ابو داود في السنن.

(٩) الثعلبي في الكشف والبيان على نقل الثقاة.

(١٠) البخاري في صحيحه بإسناده الى جابر بن سمرة وعيينة عن ابن عمر.

(١١) مسلم في صحيحه.

(١٢) ابن المغازلي الشافعي في المناقب.

(١٣) أخطب خطباء خوارزم في المناقب.

(١٤) ابن الصباغ المالكي في الفصول المهمة.

٣٥٤

المحدثين (١) في روضة الأحباب ، وبما قررناه يعلم أيضا بطلان ما ذكره النّاصب آخرا من سكوت الأنصار ، واما ثامنا فلأنّ ما ذكره أنّ شيئا ممّا ذكره المصنّف لا يلزم الأشاعرة حقّ وصدق لكن من حيث إنّهم ذهبوا إلى أنّ الله تعالى خالق كلّ شيء فان لزم شيء فهو لازم لله على مذهبهم فافهم هذا فانّه لطيف جدّا. (٢)

قال المصنّف رفع الله درجته

المبحث الرابع في تعيين الامام ذهبت الاماميّة كافة إلى أنّ الامام بعد رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم هو عليّ بن أبي طالب عليه‌السلام وقالت السّنة : إنّه أبو بكر بن أبي قحافة ، ثمّ عمر بن الخطاب ثمّ عثمان بن عفّان ثمّ عليّ بن أبي طالب عليه‌السلام وخالفوا المعقول والمنقول ، مّا المعقول فهي الأدلّة الدّالة على إمامة أمير المؤمنين عليه‌السلام من حيث العقل وهي من وجوه الوجه الاول الامام يجب أن يكون معصوما على ما تقدّم وغير عليّ من الثلاثة لم يكن معصوما بالإجماع ، فتعيّن أن يكون هو الامام ، الثاني شرط الامام أن لا يسبق منه المعصية على ما تقدّم والمشايخ قبل الإسلام كانوا يعبدون الأصنام فلا يكونون

__________________

(١) هو العلامة السيد الأمير عطاء الله جمال الدين بن المير فضل الله الحسيني الدشتكي الشيرازي النيسابوري ، المحدث الفقيه المتكلم الخطيب له تآليف كثيرة ، منها. كتاب روضة الأحباب في سيرة النبي والال والاصحاب ، قد طبع بالهند وترجم بالتركية وطبعت بالاستانة ألفه بأمر الوزير الأمير على شير النوائى ، ومن تآليفه كتاب تحفة الأحباء وكتاب الأربعين حديثا في فضائل أمير المؤمنين على عليه‌السلام وكتاب في أحوال اولاد أمير المؤمنين عليه‌السلام وغيرها ، توفى سنة ٩١٧ ، وقيل سنة ٩٢٦ ، وقيل سنة ١٠٠٠ وله ولد فاضل جليل وهو الأمير نسيم الدين محمد ميرك شاه ، فراجع الريحانة (ج ٢ ص ٤٢٦ ط تهران).

(٢) الى هنا تم ما طبع من الكتاب بمصر سنة ١٣٢٦ تحت اشراف العلامة المرحوم الشيخ حسن دخيل النجفي طاب ثراه.

٣٥٥

أئمة فتعيّن عليّ عليه‌السلام لعدم الفارق (١) ،الثالث الامام يجب أن يكون منصوصا عليه على ما تقدّم وغير علي عليه‌السلام من الثلاثة لم يكن كذلك فتعيّن هو ، الرابع الامام يجب أن يكون أفضل من الرّعيّة وغير عليّ من الثلاثة لم يكن كذلك فتعيّن عليّ عليه‌السلامالخامس الامامة رياسة عامّة وإنّما تستحقّ بأوصاف الزّهد والعلم والعبادة والشجاعة والايمان وسيأتي أنّ عليّا عليه‌السلام هو الجامع لهذه الصفات على الوجه الأكمل الذي لم يلحقه غيره فيكون هو الامام انتهى.

قال النّاصب خفضه الله

أقول : مذهب أهل السنّة والجماعة أنّ الامام بالحقّ بعد رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم أبو بكر الصدّيق وعند الشّيعة عليّ المرتضى عليه‌السلام كرّم الله وجهه ورضي عنه ودليل أهل السنّة وجهان الاول أنّ طريق ثبوت الامامة إمّا النص أو الإجماع بالبيعة ، أما النص فلم يوجد لما ذكرناه ولما سنذكر ونفصل بعد هذا إنشاء الله تعالى ، وأما الإجماع فلم يوجد في غير أبي بكر اتّفاق من الامة الوجه الثاني أنّ الإجماع منعقد على حقيّة إمامة أحد الثلاثة أبي بكر وعلي والعباس ، ثمّ إنهما لم ينازعا أبا بكر ولو لم يكن على الحقّ لنازعاه كما نازع عليّ عليه‌السلام معاوية ، لأنّ العادة تقضي بالمنازعة في مثل ذلك ، ولأنّ ترك المنازعة مع الإمكان مخلّ بالعصمة إذ هو معصية كبيرة توجب انثلام العصمة ، وأنتم توجبونها في الامامة وتجعلونها شرطا لصحة إمامته ، فان قيل لا نسلّم الإمكان أى إمكان منازعتهما أبا بكر ، قلنا : قد ذهبتم وسلّمتم أنّ عليا عليه‌السلام كان أشجع من أبي بكر وأصلب منه في الدّين وأكثر منه قبيلة وأعوانا وأشرف منه نسبا وأتمّ منه حسبا ، والنص الذي تدّعونه لا شك أنّه كان بمرئى من الناس وبمسمع منه ، والأنصار لم يكونوا يرجحون أبا بكر على عليّ عليه‌السلامو النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ذكر في آخر

__________________

(١) أى الاحتمال الثالث وهو كون الغير اماما.

٣٥٦

عمره على المنبر وقال : إنّ الأنصار كرشي وعيبتي (١) وهم كانوا الجند الغالب والعسكر وكان ينبغي أنّ النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم أوصى الأنصار بامداد عليّ عليه‌السلام في أمر الخلافة وأن يحاربوا من يخالف نصه في خلافة عليّ ، ثمّ إنّ فاطمة عليها‌السلام مع علوّ منصبها زوجته والحسن والحسين مع كونهما سبطي رسول الله ولداه والعباس مع علوّ منصبه عمه ، فانه روي أنه قال لعلي عليه‌السلام : امدد يدك أبايعك حتى يقول الناس بايع عمّ رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ابن عمه فلا يختلف فيك اثنان والزّبير مع شجاعته كان معه حتى قيل : إنه سلّ السيف وقال لا أرضى بخلافة أبي بكر ، وقال أبو سفيان : أرضيتم يا بني عبد مناف أن يلي عليكم تيمي والله لأملان الوادي خيلا ورجلا ، وكرهت الأنصار خلافة أبي بكر فقالوا : منا أمير ومنكم أمير كما ذكرنا ، ولو كان على إمامة عليّ نصّ جلي لأظهروه قطعا ولأمكنتهم المنازعة جزما كيف لا وأبو بكر عندهم شيخ ضعيف جبان لا مال له ولا رجال ولا شوكة ، فأنى يتصور امتناع المنازعة معه ، وكلّ هذه الأمور يدلّ على أنّ الإجماع وقعت على خلافة أبي بكر ولم يكن نصّ على خلافة غيره ، وبايعه عليّ عليه‌السلام حيث رآه أهلا للخلافة عاقلا صبورا مداريا شيخا للإسلام ، ولم يكن غرض بين الصحابة لأجل السلطنة والزّعامة ، بل غرضهم كان إقامة الحق وتقويم الشريعة ليدخل الناس كافة في دين الإسلام ، وقد كان يحصل هذا من خلافة أبي بكر فسلموا إليه الأمر وكانوا أعوانا له في إقامة الحقّ ، هذا هو المذهب الصحيح والحقّ الصريح الذي عليه السواد الأعظم من الامة ، وقد قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : عليكم بالسواد الأعظم ، وأما ما استدل به من الوجوه العقلية على خلافة علي عليه‌السلام فالأول وجوب كون الامام معصوما وقد قدّمنا عدم وجوبه لا عقلا ولا شرعا ، وجواب الثاني عدم اشتراط أن لا يسبق منه معصية كما قدّمنا ، وجواب الثالث عدم وجوب النصّ لأنّ الإجماع في هذا كالنصّ ، وجواب الرابع عدم وجوب

__________________

(١) قد مر نقل هذا الحديث وبيان محله في الجزء الاول (ص ٢٤).

٣٥٧

كون الامام أفضل من الرّعية كما ذكر إذا ثبت أفضلية علي كرم الله وجهه ، وجواب الخامس أنّ أوصاف الزّهد والعلم والعبادة والشجاعة والايمان كانت موجودة في المشايخ الثلثة ، وأما الأكملية في هذه الأوصاف فهي غير لازمة إذا كانوا أحفظ للحوزة انتهى.

أقول

مواقع الإيراد في كلامه مما لا يحصى ، أما أولا فلأنّ إنكاره للنصّ باطل بما ذكرناه وسنذكره إن شاء الله تعالى مفصلا ، واما ثانيا فلأنّ انعقاد الإجماع على إمامة أبي بكر ممنوع بل محقّق العدم كما مرّ بيانه مفصلا ونزيد عليه هاهنا ، ونذكر ملخّص ما أفاده بعض أعلام علمائنا قدس‌سرهم من أنّ الإجماع على ما في منهاج البيضاوي (١) ومختصر ابن الحاجب (٢) وشروحه عبارة عن اتفاق جميع أهل الحلّ والعقد يعني المجتهدين وعلماء المسلمين على أمر من الأمور في وقت واحد ، والجمهور أنفسهم قد تكلموا على تحقق الإجماع وشرائطه حسبما ذكر في الشرح العضدي وغيره بأنّ الإجماع أمر ممكن أو محال ، وعلى تقدير إمكانه هل له تحقق أولا ، وعلى التقادير كلّها هل هو حجة ودليل على شيء أم لا؟ وعلى تقدير كونه حجة ودليلا هل هو كذلك ما لم يصل ثبوته إلى حدّ التواتر أولا؟ وفي كلّ ذلك اختلاف بين علمائهم فلا بدّ لهم من إثبات ذلك كلّه حتى يثبت إمامة أبي بكر ، وليت شعري أنّ من لم يقل منهم بذلك كلّه كيف يدعي حقية إمامة أبي بكر ويتصدّي لإثباتها ، ثم بعد ذلك خلاف آخر وهو أنه هل يشترط في حقيقة الإجماع أن لا يتخلّف ولا يخالف أحد من المجمعين

__________________

(١) قد مرت ترجمته في (ج ٢ ص ١٣٦) وكتابه المسمى بالمنهاج في اصول الفقه وقد طبع.

(٢) قد مرت ترجمته في (ج ١ ص ١٧٠) وكتابه المختصر في اصول الفقه وقد طبع.

٣٥٨

إلى أن يموت الكلّ وايضا قد اختلفوا في أنّ الإجماع وحده حجة أوّلا أو لا بدّ له من سند هو الحجة حقيقة ، والسند الذي قد ذكروه في دعوى إجماعهم على خلافة أبي بكر هو قياس فقهي قاسوه فقالوا : إنّ النّبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم في مرضه أمر أبا بكر أن يصلي إماما للجماعة ، وإذا جعله إماما في أمر الدّين ورضي به فيكون أرضى لإمامته في أمر الدّنيا وهو الخلافة فقد قاسوا أمر الخلافة على إمامة الصلاة (١) وزعموه سندا وقد عبروا عن ذلك بعبارات متقاربة مذكورة في شرح التجريد (٢) والمواقف (٣) والطوالع (٤) والكفاية (٥) للصابوني الحنفي والصواعق (٦) المحرقة لابن حجر المتأخر الشافعي

__________________

(١) وفي تحرير اصول الفقه لابن همام الحنفي وشرحه لبعض أهل ما وراء النهر ووقع قياس الامامة الكبرى للصديق على امامة الصلاة منه بإجماع الصحابة عليها فانه عين أبا بكر لامامة الصلاة كما في الصحيحين وغيرهما وقال ابن مسعود : لما قبض النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله قالت الأنصار : ألستم تعلمون أن رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله أمر ابا بكر أن يصلى بالناس حديث حسن أخرجه أحمد والدارقطني عن النزال بن سيرة منه «قده».

(٢) هو للفاضل القوشجي ويعرف بالشرح الجديد وقد مرت ترجمة مصنفه.

(٣) هو للقاضي الإيجي وقد مرت ترجمته في الجزء الاول.

(٤) هو للعلامة القاضي البيضاوي صاحب التفسير وقد مرت ترجمته.

(٥) هو كتاب الكفاية في الكلام للشيخ أبي المحامد وقيل أبي بكر نور الدين أحمد ابن محمود بن أبي بكر الصابوني البخاري الحنفي المتوفى سنة ٥٨٠ فراجع كشف الظنون ج ٢ ص ١٤٩٩ الطبع الجديد الذي انتشر بالاستانه.

(٦) هو كتاب الصواعق المحرقة للشيخ أحمد بن محمد بن على بن حجر الهيتمى المكي السعدي الشافعي الصوفي المحدث ، أخذ عن الشهاب الرملي وشمس الدين اللقاني والشمس السمهودي والشمس المشهدي والطبلاوى والشهاب بن البخار وغيرهم ، له كتب كثيرة :

منها الصواعق المحرقة وفيه الغث والثمين ومواقع للنظر وأرجو منه تعالى

٣٥٩

والرّسالة الفارسية في العقائد لأحمد (١) الجندي الحنفي وغيرها أشهرها ما ذكرناه (٢)

__________________

التوفيق للتعرض بدفع كلماته في خلال المجلدات التالية وقد رد عليه مولانا القاضي الشهيد صاحب الكتاب بكتاب سماه الصوارم المهرقة وهو مطبوع والرجل من المعروفين بترك سلوك مهيع الإنصاف وركوب مراكب الاهوية والميول ، ويستمل غالبا بكتاباته ومقالاته قلوب ملوك آل عثمان وولاتهم كما هو لائح لمن جاس خلال تلك الديار وذلك لأنهم كانوا يحرضون المسلمين على سفك دماء شيعة آل رسول الله حتى لا يتم الأمر للسادة الملوك الصفوية وأمثال المترجم كانوا من المرتزقة منهم على تأييد هذا الصنيع جزاهم الله جزاء من شتت المسلمين وفرق جموعهم ومن تآليف المترجم كتاب تحفة المحتاج في شرح المنهاج ، والزواجر عن اقتراف الكبائر ، والفتاوى الحديثية والامداد في شرح الإرشاد وشرح المشكاة وكف الرعاع عن محرمات اللهو والسماع وغيرها من الكتب والرسائل وقد طبعت جلها ، ثم الهيتمى نسبة الى محلة أبي الهيتم من مديرية الغربية بمصر ويقال النسبة إليها بالثاء المثلثة ، هكذا في المقدمة التي كتبها الأستاذ الشيخ عبد الوهاب بن الشيخ اللطيف للصواعق ، والأشهر بين ارباب التراجم كونه بالتاء المثناة نسبة الى ما ذكر توفى المترجم سنة ٩٧٤ بمكة كما في النور السافر والشذرات وغيرهما ، ثم التوصيف في عبارة الكتاب لئلا يذهب الوهم الى ابن حجر العسقلاني صاحب الاصابة وهو متقدم زمانا والكلام الذي يشير اليه مولانا القاضي الشهيد مذكور في الصواعق.

(١) هو المحقق المولى أحمد الجندي او الجندارى الحنفي من علماء المائة الثامنة ، وله تآليف وتصانيف ، منها الرسالة الاعتقادية التي يحيل إليها مولانا القاضي الشهيد قدس‌سره وفي بعض النسخ وصفه بالجنيدى ولا يبعد كونه جنيدى الطريقة في التصوف والعرفان فلاحظ وتدبر.

(٢) وهو عبارة شرح التجريد ومن وافقه وأما عبارة المواقف وشرحه فهي قوله :الثامن أنه صلى‌الله‌عليه‌وسلم استخلف أبا بكر في الصلاة حال مرضه واقتدى به وما

٣٦٠