إحقاق الحقّ وإزهاق الباطل - ج ٢

السيّد نور الله الحسيني المرعشي التستري

أمّا الكبائر فمنعه الجمهور من المحقّقين ، والأكثر على أنّه ممتنع سمعا ، قال القاضي (١) والمحقّقون من الأشاعرة : إنّ العصمة فيما وراء التبليغ غير واجبة عقلا ، إذ لا دلالة للمعجزة عليه ، فامتناع الكبائر منهم عمدا يستفاد من السّمع وإجماع الامّة قبل ظهور المخالفين في ذلك ، واما صدورها سهوا أو على سبيل الخطأ في التأويل ، فالمختار عدم جوازه ، وأما الصّغائر عمدا فجوّزها الجمهور ، اما سهوا فهو جائز اتّفاقا بين أكثر أصحابنا وأكثر المعتزلة إلّا الصّغائر الخسيسة كسرقة حبّة أو لقمة ممّا ينسب فاعله إلى الدّناءة والخسة والرذالة ، وقالت الشيعة : لا يجوز عليهم صغيرة ولا كبيرة لا عمدا ولا سهوا ولا خطأ في التأويل ، وهم مبرّؤن عنها قبل الوحى فكيف بعد الوحى ، ودليل الاشاعرة على وجوب عصمة الأنبياء من الكبائر سهوا وعمدا من وجوه ، ونحن نذكر بعض الأدّلة لا للاحتجاج بها على الخصم ، لأنّه موافق في هذه المسألة ، بل لرفع افترائه على الأشاعرة في تجويز الكبائر على الأنبياء الاول لو صدر عنهم ذنب لحرم اتّباعهم فيما صدر عنهم ، ضرورة أنّه يحرم ارتكاب الذّنب ، واتباعهم واجب للإجماع عليه ، ولقوله تعالى : (إِنْ كُنْتُمْ تُحِبُّونَ اللهَ فَاتَّبِعُونِي يُحْبِبْكُمُ اللهُ) (٢) ، وهذا الدّليل يوجب وجوب عصمتهم عن الصّغائر والكبائر ، ذكره الأشاعرة وفيه موافقة للشيعة ، فعلم أنّ الأشاعرة يوافقونهم في وجوب عصمة الأنبياء من الصّغائر والكبائر ، لكن في الصغائر تجويز عقلي لدليل آخر كما سيأتي في تحقيق العصمة الثاني لو أذنبوا لردّت شهادتهم ، إذ لا شهادة للفاسق بالإجماع ، واللّازم باطل بالإجماع ، لأنّ ما لا يقبل شهادته في القليل الزّائل من متاع الدّنيا كيف تسمع شهادته في الدّين القيّم إلى يوم القيامة ، وهذا

__________________

(١) هو أبو بكر الباقلاني صاحب كتاب التمهيد وقد تقدمت ترجمته (ج ١ ص ٢٤٧) فراجع.

(٢) آل عمران. الآية ٣١.

٢٠١

الدّليل يدلّ على وجوب عصمتهم من الكبائر والإصرار على الصّغائر ، لأنّها توجب الردّ لا نفس صدور الصغيرة ، الثالث إن صدر عنهم ذنب وجب زجرهم وتعنيفهم لعموم وجوب الأمر بالمعروف والنّهى عن المنكر وإيذائهم حرام إجماعا ، وأيضا لو أذنبوا لدخلوا تحت قوله تعالى : (وَمَنْ يَعْصِ اللهَ وَرَسُولَهُ فَإِنَّ لَهُ نارَ جَهَنَّمَ) (١) وتحت قوله تعالى : (أَلا لَعْنَةُ اللهِ عَلَى الظَّالِمِينَ) (٢) ، وتحت قوله تعالى لوما ومذمّة : (لِمَ تَقُولُونَ ما لا تَفْعَلُونَ) وقوله تعالى : (أَتَأْمُرُونَ النَّاسَ بِالْبِرِّ وَتَنْسَوْنَ أَنْفُسَكُمْ) (٣) فيلزم كونهم موعدين بعذاب جهنّم وملعونين ومذمومين ، وكل ذلك باطل إجماعا ، وهذا الدّليل أيضا يدلّ على عصمتهم من كلّ الذّنوب ، وغيرها من الدّلائل التي ذكرها الامام الرّازي (٤) ، والغرض أنّ كلّ ما ذكر هذا الرجل ممّا يترتّب على ذنوب الأنبياء من لزوم إبطال حجّة الله تعالى فمذهب الأشاعرة بريء عنه ، وهم ذكروا هذه الدّلائل ، وأمّا تجويز الصغائر التي لا تدلّ على الخسّة ، فلأنّ الصغيرة النّادرة عمدا معفوّة عن مجتنب الكبائر ، والنّبي بشر ولا يبعد من البشر وقوع هذا ، ثمّ اعلم أنّ تحقيق هذا المبحث يرجع إلى تحقيق معنى العصمة ، وهي عند الأشاعرة على ما يقتضيه أصلهم من استناد الأشياء كلّها إلى الفاعل المختار ابتداء أن لا يخلق الله فيهم ذنبا ، فعلى هذا تكون الأنبياء معصومين من الكفر والكبائر والصّغائر الدّالة على الخسّة والرّذالة ، وأمّا غيرها من الصّغائر فانّهم يقولون : لا تجب عصمتهم عنها لأنّها معفوّ عنها بنصّ الكتاب من تارك الكبيرة : (الَّذِينَ يَجْتَنِبُونَ كَبائِرَ الْإِثْمِ وَالْفَواحِشَ إِلَّا اللَّمَمَ إِنَّ رَبَّكَ واسِعُ الْمَغْفِرَةِ

__________________

(١) الجن. الآية ٢٣.

(٢) هود. الآية ١٨.

(٣) البقرة. الآية ٤٤.

(٤) قد مرت ترجمته في (ج ١ ص ١١٠).

٢٠٢

هُوَ أَعْلَمُ بِكُمْ إِذْ أَنْشَأَكُمْ مِنَ الْأَرْضِ وَإِذْ أَنْتُمْ أَجِنَّةٌ فِي بُطُونِ أُمَّهاتِكُمْ فَلا تُزَكُّوا أَنْفُسَكُمْ هُوَ أَعْلَمُ بِمَنِ اتَّقى) (١) دلّت الآية على أنّ مجتنب الكبيرة والفاحشة معفوّ عنه ما صدر من الصّغائر عنه ، وفي الآية إشارة إلى أنّ الإنسان لما خلق من الأرض ونشأ منها فلا يخلو عن الكدورات الترابيّة التّي تقتضي الذّنب والغفلة فكان بعض الذنوب يصدر بحسب مقتضى الطبع ، ولمّا لم يكن خلاف ملكة العصمة فلا مؤاخذة به ، وأما العصمة عند الحكماء فهي ملكة تمنع الفجور ، وتحصل هذه ابتداء بالعلم بمثالب (٢) المعاصي ومناقب الطاعات وتتأكّد في الأنبياء بتتابع الوحى إليهم بالأوامر الدّاعية إلى ما ينبغي والنّواهي الزّاجرة عمّا لا ينبغي ، ولا اعتراض على ما يصدر عنهم من الصّغائر سهوا أو عمدا عند من يجوّز تعمّدها من ترك الاولى والأفضل ، فانّها لا تمنع العصمة التي هي الملكة (٣) فانّ الصّفات النّفسانيّة تكون في ابتداء حصولها أحوالا (٤) ثمّ تصير ملكات بالتدريج ثمّ إنّ الأنبياء مكلفون بترك الذّنوب مثابون به ، ولو كان الذّنب ممتنعا عنهم لما كان الأمر كذلك إذ لا تكليف بترك الممتنع ولا ثواب عليه ، وأيضا فقوله : (قُلْ إِنَّما أَنَا بَشَرٌ مِثْلُكُمْ يُوحى إِلَيَ) (٥) يدلّ على مماثلتهم لسائر النّاس فيما يرجع إلى البشريّة والامتياز بالوحي لا غير ، فلا يمتنع صدور الذّنب عنهم كما في سائر البشر هذا حقيقة مذهب الأشاعرة ، ومن

__________________

(١) النجم. الآية ٣٢.

(٢) المثالب جمع المثلبة. العيب.

(٣) كيفية نفسانية راسخة حاصلة من كثرة الممارسة بشيء ، ومزيلها المداومة على خلافها ، ولها انقسامات باعتبارات ليس المجال متسعا لذكرها.

(٤) الحال كيفية نفسانية غير راسخة. ولها أيضا انقسامات كما يظهر لمن راجع كتب الفلسفة والكلام.

(٥) الكهف. الآية ١١٠ ،

٢٠٣

تأمّل فيه علم أنّه الحقّ الصريح المطابق للعقل والنقل ، وكلّ ما ذكره هذا الرّجل على سبيل التشنيع فلا يأتي عليهم كما علمته مجملا وستعلمه مفصلا عند أقواله. وما ذكره من قصة سورة النجم وقراءة النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله ما لم يكن من القرآن فهذا أمر لم يذكر في الصحاح بل هو مذكور في بعض التفاسير ، وذكروا أنّ النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله لمّا اشتد عليه اعتراض قومه عن دينه تمنى أن يأتيه من الله تعالى ما يتقرّب إليهم ويستميل قلوبهم ، فأنزل الله عليه سورة النجم ولمّا اشتغل بقراءتها قرأ بعد قوله تعالى (أَفَرَأَيْتُمُ اللَّاتَ وَالْعُزَّى وَمَناةَ الثَّالِثَةَ الْأُخْرى) تلك الغرانيق العلى منها الشفاعة ترتجى ، فلما سمعه قريش فرحوا به وقالوا قد ذكر آلهتنا بأحسن الذّكر فأتاه جبرئيل (١) بعد ما أمسى وقال له تلوت على النّاس ما لم أتله عليك ، فحزن النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله لذلك حزنا شديدا وخاف من الله خوفا عظيما ، فنزل لتسليته : (وَما أَرْسَلْنا مِنْ قَبْلِكَ مِنْ رَسُولٍ) الآية (٢) هذا ما ذكره بعض المفسّرين واستدلّ به من جوّز الكبائر على الأنبياء ، والأشاعرة أجابوا عن هذا بأنّه على تقدير حمل التمني على القراءة هو أنّه من إلقاء الشيطان يعني أنّ الشّيطان قرأ هذه الآية المنقولة وخلط صوته بصوت النّبي حتى ظنّ أنّه عليه‌السلام قرأها ، قالت الأشاعرة : وإن لم يكن من إلقاء الشّيطان بل كان النّبي صلّى الله عليه قاريا لها كان ذلك كفرا صادرا عنه وليس بجائز إجماعا ، وأيضا ربّما كان ما ذكر من العبارة قرآنا وتكون الاشارة بتلك الغرانيق إلى الملائكة فنسخ تلاوتها للايهام (٣)

__________________

(١) فيه لغات كجبرعيل ، وجزقيل ، وجبرعل ، وسمويل ، وجهراعل ، وخزعال ، وطربال ، وجبريل ، وجبريل بفتح الياء ، وجبرييل ، وجبرين ، والجبار بالتخفيف فاللفظة من باب (فالعبوا به) عند أهل الأدب ، أى كيفما تلفظت لم يكن لحنا ولا غلطا.

(٢) الأنبياء. الآية ٢٥.

(٣) الإيهام في الاصطلاح هو أن يطلق لفظ له معنيان قريب وبعيد يراد به البعيد ، وبهذا المعنى يرادف التورية كما نص عليه أرباب البلاغة.

٢٠٤

ومن قرأ سورة النّجم وتأمّل في تتابع آياتها علم أنّ هذه الكلمات لا يلتئم وقوعها بعد ذكر الأصنام ولا في أثنائها ولا يمكن للبليغ أن يتفوّه بها في مدح الأصنام عند ذكر مذمتها ، نعم يلتئم ذكرها عند ذكر الملائكة وهو قوله تعالى : (وَكَمْ مِنْ مَلَكٍ فِي السَّماواتِ لا تُغْنِي شَفاعَتُهُمْ شَيْئاً إِلَّا مِنْ بَعْدِ أَنْ يَأْذَنَ اللهُ لِمَنْ يَشاءُ وَيَرْضى) (١) فهاهنا ما يناسب أن تقرأ تلك الغرانيق العلى وأنّ شفاعتهن لترتجى ، فعلم أنّه لو صحّ هذا لكان في وصف الملائكة ثم نسخ للايهام (٢) أو لغيره والله أعلم. هذه اجوبة الأشاعرة ، فعلم أنّ ما اعترض عليهم هذا الرّجل فهو من باب مفترياته وأما المغاربة (٣). فهم يمنعون صحّة هذا عن أصله ، وذكر الشيخ الامام القاضي أبو الفضل موسى بن عياض اليحصبي المغربي (٤) في كتاب الشّفا (٥) بتعريف حقوق المصطفى صلى‌الله‌عليه‌وآله : إنّ هذا من المفتريات وتعلّق بها الملاحدة (٦) ولا أصل له ، وبالغ في هذا كلّ المبالغة انتهى.

أقول

يتوجّه عليه وجوه من الكلام وضروب من الملام اما أولا فلأنّ قوله : فمنعه

__________________

(١) النجم. الآية ٢٦.

(٢) قد مر معناه المصطلح.

(٣) جمع المغربي أريد بهم محدثو بلاد الأندلس وافريقيا وغيرهما من أقطار المغرب وهم كابن حزم والقضاعي والطفيلي والقرطبي والطليطلى وخلق لا يحصون.

(٤) قد مرت ترجمته في أوائل هذا الجزء وستأتى.

(٥) ذكره في الشفاء (ج ٢ ص ١١٧ المطبوع بالاستانة في المطبعة العثمانية) في فصل عنونه بقوله : وقد توجهت علينا فراجع.

(٦) قد مر المراد بهم في أوائل هذا الجزء.

٢٠٥

الأستاذ أبو إسحاق وكثير من الأئمة الأعلام لا يخلو عن تمويه إذ جوّزه القاضي أبو بكر كما ذكر في المواقف وهو من أعلام الأشاعرة ، واما ثانيا فلأنّ دعواه الإجماع على عصمة الأنبياء من الكفر قبل النبوّة وبعدها كاذبة ، لأنّ ابن فورك (١) من الأشاعرة مخالف في ذلك وجوّز بعثة من كان كافرا ، ويدلّ عليه أيضا ما سنذكره من كلام الغزالي (٢) في المنخول ، وقال بعض الحشوية : إنّ نبينا صلى‌الله‌عليه‌وآله كان كذلك لقوله تعالى (وَوَجَدَكَ ضَالًّا فَهَدى) (٣) وهو غلط إذ الضّلال هاهنا عدم الرّشد فيما يتعلّق بالأمور الشرعيّة قبل البعثة ، واما ثالثا فلأنّ ما ذكره من أنّه جوز الشيعة إظهار الكفر تقية شيء ذكره صاحب المواقف وهو فرية بلا مرية (وَقَدْ خابَ مَنِ افْتَرى) ، يدل على ذلك كلام الفاضل البدخشي الحنفي (٤) في بحث الأفعال من شرح

__________________

(١) هو محمد بن الحسن (الحسين خ ل) بن فورك ابو بكر الاصبهانى الأصولي المتكلم النحوي الأديب ، له كتب منها كتاب مشكل الحديث وقد طبع بعضه بالهند وغيره من الآثار في الفقه وأصوله والكلام والأدب نقل المحدث القمي في ص ٣٦٨ من كتاب الكنى كلاما له ، وهو أنه كان يقول : شغل العيال نتيجة متابعة الشهوة بالحلال فما ظنك بقضية شهوة الحرام ، توفى مسموما سنة ٤٠٦ وقيل ٤٤٦ ، والاول أقرب الى الصحة ، ونقل نعشه الى بلدة نيسابور ودفن في محلة الحيرة من محلاتها الكبيرة.

(٢) قد مرت ترجمته (ج ١ ص ١٤٥) وكتابه المنخول مطبوع معروف.

(٣) الضحى. الآية ٧.

(٤) هو العلامة الشيخ نظام الدين الحنفي البدخشي ، قال العلامة السيد عبد الحي الحسيني في كتاب نزهة الخواطر (ج ٤ ص ٣٨١) ما لفظه : الشيخ نظام الدين الحنفي البدخشي (نواب غازيخان) كان من نسل الحسن بن أبى الحسن البصري ، ولد بخراسان وقرء العلم على مولانا محمد سعيد ، والعلامة عصام الدين ابراهيم الأسفراييني وعلى غيرهما من الاساتذة وتلقن الذكر عن الشيخ حسين الخوارزمي ، وقدم الهند سنة اثنتين وثمانين

٢٠٦

منهاج الأصول حيث قال : الأكثر من المحقّقين على أنه لا يمتنع عقلا قبل النبوّة ذنب من كبيرة أو صغيرة خلافا للرّوافض (١) مطلقا وللمعتزلة في الكبائر ولا خلاف لأحد في امتناع الكفر عليهم إلا الفضيلية (٢) من الخوارج بناء على أصلهم من أنّ كلّ معصية كفر وقد قال تعالى (وَعَصى آدَمُ رَبَّهُ) (٣) جوّز البعض عليهم عند خوف تلف

__________________

وتسعمائة ، فتقرب الى اكبر شاه التيمورى ، فلقبه بغازى خان وأدناه وأهله للعناية والقبول وولاه الاعمال الجليلة ، وقال البدايونى هو الذي اخترع السجدة للسلطان تحية له والله أعلم ، له مصنفات عديدة منها حاشية بسيطة على شرح العقائد ، ورسالة في اثبات الكلام وايمان التحقيق والتصديق.

مات سنة ٩٩٣ بأرض (اوده) وله سبعون سنة انتهى.

أقول : وله كتاب في الفقه وآخر في الكلام كبير وهو غير ذينك الكتابين المذكورين بعيد هذا ، و (اوده) محل معروف بالهند (وصوبة مشهورة) والعجب أن ترجمة هذا الرجل لم تذكر في المعاجم فكم أتعبنا أنفسنا في الوقوف على ترجمته حتى عثرنا في النزهة ، ثم هو غير البدخشي من علماء القوم وعرفائهم في المائة الحادية عشر وغير البدخشي من علمائهم في المائة السادسة وغير البدخشي منهم في المائة السابعة فلا تغفل.

(١) اشتهر التعبير بهذه الكلمة في كتب القوم وأنديتهم عن الامامية ، وأول من تفوه بها في حق أصحابنا هم الزيدية التي هي من فرق الشيعة ، وقالوا : ان الامامية رفضوا زيدا أى تركوه ، ثم سرى الى العامة وعبروا بالروافض عنهم لرفضهم الذين تقمصوا الخلافة وأخروا أمير المؤمنين سلام الله عليه عن حقه المسلم المنصوص عليه ، فإطلاق الزيدية الكلمة يغاير اطلاق القوم فلا تغفل.

(٢) الفضيلية فرقة من الازارقة ، وهم من الخوارج كما نص عليه الرازي في اربعينه طبع حيدرآباد ، وضبط محشى الأربعين الفضلية وقال انهم اتباع فضل بن عبد الله والمشهور ما ذكرنا أولا فتأمل.

(٣) طه. الآية ١٢١.

٢٠٧

المهجة (١) إظهار الكفر وأمّا بعد النبوة فالإجماع على عصمتهم عن تعمد الكذب في الأحكام لدلالة المعجزة على صدقهم ، وأما الكذب غلطا فجوّزه القاضي ومنعه الباقون إلخ وقد علم من هذا أمران أحدهما أنّ من جوّز إظهار الكفر على الأنبياء خوفا جماعة مجهولة غير الشيعة وإلا لصرح بهم كما قال سابقا خلافا للروافض وثانيهما أنّ من جوّز ذلك إنما جوّزه قبل النبوّة لا بعدها حتى يتوجه عليه ما ذكره الناصب من أن ذلك يفضى إلى إخفاء الدعوة بالكلية وناهيك (٢) في ذلك أنّ الامامية قالوا إنّ إظهار التبري عن الأئمة عليهم‌السلام في مقام التّقية حرام ، واستدلوا عليه بقول أمير المؤمنين عليه‌السلام : أمّا السبّ فسبوني فانه لي زكاة ولكم نجاة واما البراءة فمدّوا الأعناق (٣) ومن البين أنهم إذا لم يجوّزوا لأنفسهم الضعيفة إظهار البراءة عن أئمّتهم تقيّة فكيف يجوّزون إظهار الكفر للأنبياء والأئمّة عليهم‌السلام مع تأيدهم بالنفوس القوية القدسية والقوى الرّبانية ثم لا يخفى ما في كلام الناصب من سماجة تكرار قوله : يفضي إلى إخفاء الدعوة بالكلية من غير طائل أصلا واما رابعا فلأنّ ما ذكره بقوله : واما الكبائر فمنعه الجمهور

__________________

(١) الدم ، دم القلب ، الروح.

(٢) في القاموس : ناهيك من رجل ونهاك منه بمعنى حسب.

(٣) وفي نهج البلاغة : من كلام له عليه‌السلام لأصحابه : أما انه سيظهر عليكم بعدي رجل رحب البلعوم منه حق البطن ، يأكل ما يجد فاقتلوه ولن تقتلوه ، ألا وانه سيأمركم بسبي والبراءة منى ، أما السب فسبوني فانه لي زكاة ولكم نجاة ، وأما البراءة فلا تتبرءوا منى ، فانى ولدت على الفطرة وسبقت الى الايمان والهجرة. وقال ابن أبى الحديد في شرح النهج (ج ٤ من المجلد الاول ص ٣٧٤ ط مصر) : اما الامامية فتروي عنه «ع» انه قال : إذا عرضتم على البراءة منا فمدوا الأعناق ، ويقولون لا يجوز التبري عنهم.

٢٠٨

من المحقّقين (١) مردود بأنّ المحققين منهم إنّما منعوا ذلك في زمان نبوّتهم لا قبله فظهر التّفاوت بين مذهبهم ومذهب الشّيعة تفاوت ما بين الأرض والسّماء ، وقد صرّح في المواقف وشرحه بما ذكرناه حيث وقع فيهما لنا على ما هو المختار عندنا وهو أنّ الأنبياء في زمان نبوّتهم معصومون عن الكبائر مطلقا وعن الصغائر عمدا وجوه (الاول) إلى آخره ، والظاهر أنّهم إنّما جوّزوا ذلك على الأنبياء ليدفعوا استبعاد خلافة خلفائهم الثّلاثة مع سبق كفرهم ، فكيف يرجع محققوهم عن ذلك ، واما خامسا فلأنّ قوله : فامتناع الكبائر منهم عمدا مستفاد من السّمع وإجماع الامّة قبل ظهور المخالفين في ذلك لا يدفع تشنيع المصنّف عنهم ، لأنّ المخالفين في ذلك إنّما هم جماعة من أهل السنّة والجماعة ، فيرجع وباله إلى جميعهم ، واما سادسا فلأنّ قوله : ونحن نذكر بعض الأدلة لا للاحتجاج بها على الخصم لأنّه موافق في هذه المسألة ، مدخول بأنّ الأشاعرة لم يوافقوا الخصم من المعتزلة والاماميّة إلا فيما بعد النبوة ، وأمّا قبلها فقد قال الأشاعرة : بجواز صدور الكبائر

__________________

(١) وممن وافقنا من المعدودين من أكابر اهل السنة في الحكم بعصمة الأنبياء قبل البعثة وبعدها الشيخ الفاضل الموحد ابن العربي في كتابه المسمى بالفتوحات المكية ، وذلك لأنه حكم بعصمة عموم آل النبي (ص) من الأئمة الاثني عشر وغيرهم من السادات بل حكم بعصمة سلمان الفارسي رضى الله عنه وأولاده ولدخوله في أهل البيت بمقتضى الحديث المشهور ، فيكون مراده بعصمة من عدا الأئمة (ع) من جملة الال عصمتهم من اول العمر الى آخره إذ لا مجال هاهنا للتخصيص بما قبل البعثة وبعدها او بما قبل الامامة وبعدها ، ومن البين أن حكمه بعصمة من عدا الأنبياء عليهم‌السلام والأئمة عليهم‌السلام في جميع العمر يستلزم حكمه بعصمتهم على هذا الوجه بطريق أولى ، وقد ذكرنا كلام الشيخ في هذا الباب في شرح ما سيجيء من كلام المصنف في توضيح الآية الثانية والعشرون في مناقب أمير المؤمنين (ع) فارجع اليه منه (قدس‌سره).

٢٠٩

عنهم دون الشّيعة والمعتزلة كما مرّ ، ففي كلامه هذا أيضا تمويه وتلبيس كما لا يخفى وكذا الكلام فيما ذكره عند تقرير الدّليل الأوّل بقوله : فعلم أنّ الأشاعرة يوافقون في وجوب عصمة الأنبياء من الصّغائر والكبائر إلخ ، والحاصل أنّ الدلائل الّتى ذكرها إنّما استدلوا بها على وجوب عصمة الأنبياء عن الكبائر والصغائر بعد البعثة وهذا هو الذي ادّعاه الأشاعرة كما صرّح به السّيد (١) قدّس سره في هذا المقام في شرح المواقف وفخر الدّين الرّازي في تفسير سورة يوسف عليه‌السلام حيث قال : المعتبر عندنا عصمة الأنبياء في وقت حصول النّبوة ، فأمّا قبلها فذلك غير واجب انتهى ، فما ذكره الناصب من موافقة الأشاعرة مع الاماميّة والمعتزلة في ذلك لا يصحّ على إطلاقه ، وإنما الموافقة في حكم ما بعد البعثة فقط كما عرفت ، وما ذكره من أنّ نسبة تجويز الكبائر إلى الأشاعرة افتراء لا يصحّ مطلقا إذ التجويز منهم واقع قبل البعثة وبعدها كما دلّ عليه كلام المواقف ، (٢) على أنّه قد هدم صاحب المواقف دعوى العصمة عن اسّه (٣) حيث قال عند منع عصمة فاطمة المعصومة عليها‌السلام : إنّ قوله صلى‌الله‌عليه‌وآله بضعة منّي مجاز لا حقيقة فلا يلزم عصمتها ، وايضا عصمة النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله تقدّم ما فيه انتهى ، وقد سبقه في ذلك الغزالي بل القاضي أبو بكر (٤) ، قال الغزالي (٥) في بحث أفعال الرّسول من كتابه الموسوم بالمنخول في الأصول ، والمختار ما ذكره القاضي : وهو أنّه لا يجب عقلا عصمتهم إذ لا يستبان (يثبت خ ل) استحالة وقوعه بضرورة العقل ولا بنظره ، وليس هو مناقضا لمدلول

__________________

(١) قد مرت ترجمته في أوائل هذا الجزء.

(٢) في الجلد الثاني من المواقف (ص ٤٦٩ ط مصر).

(٣) الاس بتثليث الهمزة : الأساس.

(٤) قد مرت ترجمته في (ج ١ ص ١٧٢).

(٥) قد مرت ترجمته في (ج ١ ص ١٤٥).

٢١٠

المعجزة ، فانّ مدلوله صدق اللهجة (وعدم كذبه ظ) فيما يخبر عن الله تعالى لا عمدا ولا سهوا ، ومعنى التنفير باطل ، فانّا نجوّز أن ينبّئ الله تعالى كافرا ويؤيّده بالمعجزة انتهى ، وظنّي أنّ هذا الاضطراب والاختلاف منهم إنّما هو لأنّهم إذا نظروا إلى علوّ شأن الأنبياء عليهم‌السلام قالوا بعصمتهم في الجملة ، وإذا نظروا إلى حال أبي بكر وعمر وعثمان وأنّه يلزم من عدم العصمة في الواقع عدم صلاحيتهم لأن يكونوا خليفة ونائبا عن رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله ندموا عمّا قالوا أوّلا ، وقالوا لحفظ حالهم وخلافتهم : إنّ الأنبياء أيضا ليسوا بمعصومين ، ويحتمل أن يكون الاختلاف لاختلاف طبائعهم في الاتّصاف بالحياء عن الخالق والخلائق وعدمه فتأمّل ، فانّ الفكر فيهم طويل (١) ، وأما سابعا فلأنّ ما ذكره بقوله : والغرض أنّ كلّ ما ذكر هذا الرّجل ممّا يترتب على ذنوب الأنبياء عليهم‌السلام من لزوم إبطال حجّة الله ، فمذهب الأشاعرة عنه بريء ، وهم ذكروا هذه الدّلائل إلخ مدفوع ، بأنّ غرضه هذا مشوب بالحيلة والتلبيس كغيره من المقدّمات السّابقة ، فانّ المصنّف إنّما رتّب إبطال حجة الله تعالى على ما نسبوا إلى النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله من اعترافه بحقية الأصنام وكون صدور مثل ذلك عنه صلى‌الله‌عليه‌وآله يبطل حجّته مما لا يمكن إنكاره ، وقد عرفت مما أسبقناه استعماله التمويه والتلبيس أيضا في قوله : وهم ذكروا هذه الدّلائل ، لما ذكرنا من أنّهم إنّما أقاموا هذه الدّلائل على عصمة الأنبياء بعد البعثة لا قبلها ، ولا نسلّم حجّية من صدر عنه الكفر وغيره من الكبائر قبل البعثة كما سنبيّنه إن شاء الله تعالى واما ثامنا فلأنّ ما ذكره من أنّ الأشاعرة يقولون ، لا تجب عصمة الأنبياء عن الصغائر ، لأنّها معفوّة بنص الكتاب إلخ ، مردود بأنّ استعقاب بعض الذّنوب للعفو

__________________

(١) حيث انه لا يجوز صدور المعصية عن الأنبياء حفظا لمقام غيرهم الا من انسلخ عن الفطرة الانسانية وسلب دثار الحياء وشعاره مع أنه قال صلى‌الله‌عليه‌وآله : الايمان عريان ولباسه الحياء.

٢١١

لا يدفع النفرة عن صاحبه وفتور الاعتقاد فيه ، فيسقط محلّه ورتبته عند العوام ، فلا ينقادون إلى إطاعته ، فتنتفي فائدة البعثة كما سيأتي في كلام المصنف ، واما تاسعا فلأنّ في قوله : وفي الآية إشارة إلى أنّ الإنسان لمّا خلق من الأرض إلخ ، كلام سنشير إليه إن شاء الله تعالى عن قريب ، واما عاشرا فلان قوله : ولمّا لم يكن خلاف ملكة العصمة فلا مؤاخذة فيه ، فيه مؤاخذتان ظاهرتان ، إحداهما أنّ الاعتبار بمخالفة ملكة العصمة وعدمها غير مفهوم من صريح القرآن ولا من إشارته ، بل هو صريح البطلان ، وكيف يقول عاقل : إنّ صدور الذنب لا ينافي ملكة العصمة وثانيتهما أن العصمة بمعنى الملكة من اصطلاحات الحكماء ، فعدم مخالفتها بذلك المعنى لا تصير حجة على العدلية كما سنوضحه عن قريب إن شاء الله تعالى ، واما الحادي عشر فلأنّ قوله : وأما العصمة عند الحكماء إلخ ، لغو من الكلام كما أشرنا إليه ، أو رجوع عما أنكره سابقا من الاستناد بكلام الفلاسفة ولحس فضلاتهم ، وبالجملة تشبثه بكلام الحكماء هاهنا دون كلام إحدى الطائفتين من المسلمين تلبيس وتمويه لا يخفى على المتأمل ، فانه لمّا رأى أن صدور الصغائر عن الأنبياء مخالف للعصمة بمعنى عدم خلق الله فيهم ذنبا كما ذهب الأشاعرة ، وكذا بمعنى اللّطف الذي يفعله الله فيهم بحيث لا يصدر عنهم ذنب ولا يبلغ إلى حدّ الإلجاء كما ذهب إليه أهل العدل ، خلط المبحث وعدل إلى التشبّث بمذهب الفلاسفة ، ومع ذلك لا يسمن ولا يغني من جوع كما ستطلع عليه ، واما الثاني عشر فلأنّ قوله : ولا اعتراض على ما يصدر عنهم من الصغائر سهوا أو عمدا عند من يجوز تعمّدها من ترك الأولى والأفضل ، فيه خلط وخبط (١) لا يخفى ، لأنّ خلاف الأفضل والأولى لا يسمّى صغيرة حقيقة ولا يعدّ من الذنوب التي وقع النزاع في نفيها وإثباتها ، واما ما هو صغائر حقيقة سيّما إذا وقع عمدا فهو في معرض الاعتراض ، بل الاعراض عنهم أيضا ، قوله : فانّها لا تمنع العصمة التي

__________________

(١) الخلط : المزج. والخبط : التصرف في الأمور عن غير بصيرة.

٢١٢

هي الملكة ، قلنا : عدم المنع ممنوع ، قوله : فانّ الصّفات النفسانيّة تكون في ابتداء حصولها أحوالا ثمّ تصير بالتدريج ملكة ، قلنا؟ نعم ، لكن ما لم تصر ملكة لا يسمّى صاحبها معصوما ، فيثبت المنع ، وسيجيء مزيد توضيح لذلك في مسألة عصمة الامام فانتظر ، واما الثالث عشر ، فلأنّ ما ذكره من أنّ الآية تدلّ على مماثلتهم لسائر النّاس فيما يرجع إلى البشريّة والامتياز بالوحي لا غير ، ففيه أنّ الدّلالة على المماثلة في سائر الأوصاف البشريّة ممنوعة ، وإنّما المراد المماثلة في القدرة على الذّنوب ليستحقّوا المدح والثواب على ذلك لكن يثبتهم الله تعالى على العصمة بلطفه ورحمته ، على أنّ القول بمثل هذه المماثلة سيّما مع ما ذكره النّاصب من التأكيد والحصر بقوله لا غير يخالف تصريحهم بنوريّة النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله بل سائر الأنبياء عليهم‌السلام وتفضيلهم على الملائكة في الصفاة الفاضلة ، وقال (١) القاضي عياض في كتاب الشفا (٢) : إنّ النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله وإن كان من البشر ويجوز على جبلّته ما يجوز على

__________________

(١) هو العلامة أبو الفضل القاضي عياض بن موسى بن عياض بن عمر بن موسى بن عياض بن محمد بن موسى بن عياض اليحصبى السبتي المغربي قال ابن خلكان في (ج ١ ص ٤٩٦) : انه كان امام وقته في الحديث والنحو واللغة وكلام العرب وايامهم وأنسابهم صنف التصانيف المفيدة كالإكمال في شرح كتاب مسلم ، ومشارق الأنوار في غريب الحديث وكتاب التنبيهات والغرائب ، الى أن قال وتوفى بمراكش يوم الجمعة ٧ جمادى الأخرى سنة ٥٤٤ ، وكانت ولادته سنة ٤٤٦.

أقول وأشهر تاليفه كتاب الشفاء بتعريف حقوق المصطفى رتبه على أقسام وكل قسم على أبواب وكل باب على فصول وهو من احسن الكتب في سيرته (ص) ، وشرحه جماعة أشهر الشروح شرح المولى على القاري وشرح صلاح الدين الصفدي وقد ترجم الشفاء بالفارسية والهندية والتركية أيضا ، وكان للمترجم ولد فاضل اسمه محمد أبو عبد الله القاضي.

(٢) (هذه الجمل مذكورة بعينها في الشفاء ج ٢ ص ٨٨ طبع الآستانة بالمطبعة العثمانية).

٢١٣

جبلة البشر فقد قامت البراهين القاطعة وتمّت كلمة الإجماع على خروجه عنهم وتنزيهه عن كثير من الآفات التي تقع على الاختيار وعلى غير الاختيار كما سنذكره إن شاء الله تعالى انتهى ، واما الرابع عشر فلأنّ ما ذكره من أنّ قصّة سورة النّجم لم تذكر في الصّحاح إلخ ففيه أنّه وإن لم تذكر في الجوامع التي سمّوها بالصّحاح تسمية للشيء باسم ضدّه لكن قال الشيخ شهاب الدين احمد بن محمد القسطلاني (١) في كتابه الموسوم بالمواهب اللّدنيّة : إنّ لهذه القصّة أصلا فقد خرّجها ابن أبي حاتم (٢) والطبري (٣)

__________________

(١) هو أحمد بن محمد بن أبى بكر بن عبد الملك بن أحمد بن الحسين ، المصري النشأة ، أبو العباس الكنية ، شهاب الدين اللقب ، شافعى المذهب ، كان من مشاهير علماء المائة العاشرة وحافظا للقرآن ، قليل النظير في الحديث والتجويد وقراءة القرآن والوعظ والخطابة ، وله شرح لصحيح البخاري سماه ارشاد الساري وهو من شروحه الحسان ، وله ايضا تأليفات أخر كالانوار المضية والمواهب اللدنية وغيرها. توفي سنة ٩٢٣ في القاهرة وقد مضى من عمره اثنتان وسبعون سنة ، ودفن في مدرسة العيني قرب جامع الأزهر ، وقد صادف يوم وفاته يوم تملك سليم خان العثمان المصر.

أخذ العلم عن خالد الأزهري وغيره فراجع الريحانة (ص ٢٩٨ من ج ٣ ط تهران) والى النور السافر للعبدروسى (ص ١١٣ ط مصر).

(٢) هو الشيخ عبد الرحمن ابن ابى حاتم محمد الحافظ الرازي أبو محمد المحدث الفقيه المتكلم صاحب التصانيف والتآليف الكثيرة ، منها كتاب الجرح والتعديل وهو كتاب نفيس في بابه وقد طبع بحيدرآباد ، ومنها كتاب التفسير الكبير وغيرها ، توفى سنة ٣٢٧ كما في الريحانة (ج ٥ ص ٢١٨).

(٣) هو العلامة ابو جعفر محمد بن جرير بن يزيد بن خالد بن غالب الاملى الفقيه المحدث المتكلم المورخ صاحب التصانيف والتآليف الشهيرة ، منها كتاب جامع البيان في تفسير القرآن في مجلدات ألفه للأمير منصور بن نوح الساماني وقد طبع بمصر ويعرف بتفسير

٢١٤

وابن المنذر (١) من طرق وكذا ابن مردويه (٢) والبزّاز (٣) وابن

__________________

الطبري وتفسير ابن جرير أيضا ، ومن كتبه تاريخ الأمم والملوك ويعرف بتاريخ الطبري وطبع مرات وله ذيول ككتاب الصلة بتاريخ الطبري لعريب بن سعيد القرطبي المطبوع بليدن سنة ١٨٩٧ الميلادى.

ومن كتب المترجم البسيط في الفقه وتاريخ الرجال من الصحابة والتابعين ، وكتاب في طرق حديث الغدير ، وطرق حديث الطير ، وكتاب الرد على الحرقوصية ، وكتاب اللطيف في الفقه ، وتهذيب الآثار في الحديث.

توفى يوم السبت ٢٦ شوال سنة ٣١٠ وقيل ٣١١ وقيل ٣١٦ ببغداد ، ورثاه عدة من العلماء منهم العلامة ابن دريد اللغوي الشهير بقوله.

أن المنية لم تتلف به رجلا

بل اتلفت علما للدين منصوبا

كان الزمان به تصفو مشاربه

والآن أصبح بالتكدير مقطوبا

أخذ عن جماعة منهم خاله ابو بكر الخوارزمي وغيره ثم ان تفسيره المذكور تفسير بالمأثور والروايات ، وقد استمد منه العلامة السيوطي في الدر المنثور فلاحظ.

وليعلم ان المترجم هذا غير العلامة محمد بن جرير بن رستم الطبري الشيعي الامامى المعاصر لشيخنا النجاشي وكثيرا ما يشتبه الأمر فلا تغفل ، فراجع الريحانة (ج ٣ ص ٢٢) (وج ٢ طبقات الشافعية ص ١٣٥ طبع مصر) وتاريخ الخطيب (ج ٢ ص ١٦٢ طبع مصر).

(١) هو العلامة أبو بكر محمد بن ابراهيم بن المنذر النيسابوري الشافعي الفقيه المحدث صاحب الكتب الكثيرة منها كتاب الاشراف على مذاهب الاشراف ، وكتاب الأوسط في السنن والإجماع ، وكتاب تفسير القرآن ، وكتاب المبسوط ، وغيره.

توفى سنة ٣٠٩ وقيل ٣١٠ وقيل ٣١٨ فراجع الريحانة (ج ٦ ص ١٧٢) وتذكرة النوادر ص ٥٢ طبع حيدرآباد.

(٢) هو العلامة أبو بكر أحمد بن موسى الاصبهانى المحدث الفقيه الشهير صاحب كتاب تاريخ أصفهان والتفسير الكبير توفى سنة ٤١٠ كما في الريحانة (ج ٦ ص ١٤٨).

(٣) هو أبو بكر أحمد بن عمرو بن عبد الخالق البصري ، قال الذي في تذكرة الحفاظ (ج ٢

٢١٥

إسحاق (١) في السيرة وموسى بن عقبة (٢) في المغازي وأبو معشر (٣) في السيرة كما نبّه عليه الحافظ عماد الدين (٤) بن كثير وغيره ، وكذا نبّه على ثبوت أصلها

__________________

ص ٢٠٤ طبع حيدرآباد) ما لفظه : صاحب المسند المعلل سمع هدبة بن خالد ، وعبد الاعلى بن حماد ، والحسن بن على بن راشد ، وعبد الله بن معاوية الجمحي ، ومحمد بن يحيى ابن فياض الرماني وطبقتهم ، روى عنه عبد الباقي بن قانع ومحمد بن العباس بن نجيح ، وأبو بكر الختلي وعبد الله بن الحسن وأبو الشيخ وخلق ، فانه ارتحل في آخر عمره الى أصبهان والى الشام والى النواحي الى ان قال توفى بالرملة سنة اثنتين وتسعين ومأتين ٢٩٢ إلخ أقول ومسنده مشهور معول عليه لدى القوم وقد طبع.

(١) هو أبو عبد الله المدني محمد بن إسحاق بن يسار المطلبي مولى قيس بن مخرمة العلم الشهير في السير والمغازي والتاريخ.

يروى عن أبيه وعن عطاء والزهري وخلق ، وعنه يحيى الأنصاري وعبد الله بن عون وشعبة والحمادان ، توفى ١٥١ فراجع خلاصة التذهيب للخزرجى ص ٢٧٨.

(٢) هو موسى بن عقبة الأسدي مولاهم المدني المحدث الفقيه المتكلم ، يروى عن ام خالد بنت خالد وعروة وعلقمة بن وقاص ، وعنه يحيى الأنصاري وابن جريح ومحمد بن فليح توفى سنة ١٤١ (كما في خلاصة التذهيب للخزرجى ص ٣٣٦ طبع مصر).

(٣) هو ابو معشر حمدويه بن الخطاب بن ابراهيم البخاري الضرير ، قال الذهبي في التذكرة (ج ٢ ص ٢٢١ طبع حيدرآباد) : انه سمع محمد بن سلام البيكندى وأبا جعفر المسندى ويحيى بن جعفر وأبا قدامة السرخسي وما أحسبه رجلا ، روى عنه أبو بكر محمد ابن أحمد بن حامد السعداني وأهل بخارى انتهى.

(٤) هو العلامة الشيخ ابو الفداء اسماعيل بن عمر بن كثير بن ضوء بن كثير القرشي البصري عماد الدين المؤرخ المفسر المحدث ، له كتب شهيرة ، منها البداية والنهاية في التاريخ في مجلدات وقد طبع بمصر ، وكتاب طبقات الشافعية وتفسير القرآن في مجلدات وقد طبع بمصر ، وجامع المسانيد وغيرها توفى بدمشق ٧٧٤ ودفن قريبا من قبر شيخه ابن تيمية فراجع الريحانة (ج ٦ ص ١٢٤).

٢١٦

شيخ الإسلام والحفّاظ أبو الفضل القسطلاني فقال : أخرج أبو حاتم والطبري وابن المنذر من طرق عن شعبة (١) عن أبي بشر (٢) عن سعيد (٣) بن جبير ذلك ، وأخرج البزّاز وابن مردويه من طريق أميّة (٤) بن خالد عن شعبة ، فقال في إسناده عن سعيد بن جبير عن ابن عبّاس (٥) فيما أحسب ، ثمّ ساق الحديث ، قال البزّاز لا يروي متّصلا

__________________

(١) هو شعبة بن الحجاج بن الورد أبو بسطام الأزدي العتكي مولاهم الواسطي نزيل البصرة سمع عن الحسن ومعاوية بن قرة وعمرو بن مرة والحكم وسلمة بن كهيل وخلق ، وعنه أيوب السختياني وابن إسحاق وابن المبارك وخلق ، فراجع التذكرة للذهبى (ج ١ ص ١٨٢ طبع حيدرآباد).

(٢) هو أبو بشر سهل بن بكار الدارمي البرجمي القيسي الضرير ، روى عن وهب ، والسرى بن يحيى ، ويزيد بن ابراهيم وخلق ، وعنه الذهلي ويعقوب الفسوي وعثمان بن خرذاذ وأبو زرعة. وثقة أبو حاتم توفى سنة ٢٢٧ كما في التذكرة للذهبى (ج ١ ص ٣٦٠ طبع حيدرآباد).

(٣) هو سعيد بن جبير الوالبي التابعي الفقيه المقري الجليل الشيعي ، روى عن ابن عباس وعدى بن حاتم وغيرهما وعنه جعفر بن أبى المغيرة والأعمش وعطاء ابن السائب وخلق ، قتله الحجاج الثقفي الشقي لولائه أمير المؤمنين عليه‌السلام وتشيعه ، وكان مقتله سنة ٩٥ ، وبالجملة الرجل من أجلاء المسلمين ، قال الذهبي في التذكرة (ج ١ ص ٧٣ طبع الهند) ما لفظه : انه لما قتل سعيد قال ميمون بن مهران مات سعيد بن جبير وما على الأرض رجل الا وهو يحتاج الى علمه انتهى.

(٤) هو أمية بن خالد بن الأسود القيسي ابو عبد الله البصري ، يروى عن شعبة ومعمر ابن سليمان ، وعنه محمد بن بشار ومحمد بن المثنى وعمرو بن على ، توفى سنة ٢٠١ قاله الخزرجي في التذهيب (ص ٣٤ طبع مصر).

(٥) هو أبو العباس عبد الله بن عباس بن عبد المطلب الهاشمي المفسر الفقيه ترجمان القرآن جبر الامة تلميذ مولانا أمير المؤمنين سلام الله عليه ، وهو أول من نشر التفسير بين المسلمين بعد ما استفاده من الامام ، وكلماته في كتب التفاسير منقولة ، ولله در صاحب قاموس اللغة

٢١٧

إلا بهذا الاسناد ، وتفرد بأصل أميّة بن خالد وهو ثقة مشهور قال : وإنّما يروي هذا من طريق الكلبي (١) عن أبي صالح (٢) عن ابن عبّاس انتهى ، والكلبي متروك (٣)

__________________

حيث جمعها في كتاب مستقل سماه (تنوير المقباس في تفسير ابن عباس) ، يروى عنه خلق كثير منهم سعيد بن جبير وابن المسيب وعطاء بن يسار ، قال الخزرجي في التذهيب ص ١٧٢ نقلا عن أبى نعيم : أنه توفى سنة ٦٨ بالطائف وصلى عليه محمد بن الحنفية ، وبالجملة المترجم جليل القدر عظيم المنزلة لدى الفريقين ، والمقام لا يسع بسط المقال في المقام ، ومن رام الوقوف على تفصيل حاله فليراجع كتب التراجم والرجال والسير.

(١) هو أبو المنذر هشام بن محمد بن السائب الكلبي المحدث النسابة المؤرخ الحافظ ، يروى عن أبيه وعن خلق ، وعنه خلق منهم ابو الأشعث وخليفه ابن الخياط ومحمد بن أبى السرى ومحمد بن سعد ، قال الذهبي في التذكرة (ج ص ٣١٣ طبع حيدرآباد) انه كان اخباريا علامة نسابة توفى سنة ٢٠٦ انتهى.

أقول المترجم جليل القدر عظيم المنزلة وهو شيعى من أصحابنا له كتب نفيسة نافعة في الأنساب وغيرها ، منها كتاب جمهرة نسب عدنان ، وكتاب جمهرة نسب قحطان ، وكتاب أنساب قريش وغيرها ، واوردنا ترجمته مع البسط في كتابنا الوحيد في موضوعه (طبقات النسابين) المجلد الاول في علماء النسب في المائة الثالثة ، ومن رام الوقوف على جلالة الرجل فعليه بالمراجعة الى ذلك الكتاب الذي أصبح كناسقه جليس البيت والغريب في وطنه ، أخذ الله عمن ظلمه من بعض أبناء نوعه وأخزاه لدى سيد المرسلين يوم لا حكم الا حكمه.

(٢) الظاهر ان المراد أبو صالح ذكوان المدني السمان التابعي المتوفى سنة ١٠١ كما في (ج ١ من تذكرة الذهبي ص ٨٣) قال الخزرجي في التذهيب انه يروى عن سعد وأبى الدرداء ، وعنه بنوه سهيل وصالح ، وعطاء بن أبى رباح والأعمش ونقل عن أحمد أنه ثقة ثقة إلخ.

(٣) قف على عصبية القسطلاني الباردة بالنسبة الى الكلبي النسابة وما ذنبه الا اختصاصه

٢١٨

لا يعتمد عليه ، وكذا أخرجه النخّاس (١) بسند آخر فيه الواقدي (٢) ، وذكرهما ابن إسحاق (٣) في السيرة المطوّلة وأسندهما عن محمّد (٤) بن الكعب ، وكذلك

__________________

بالعلويين وحفظه وضبطه أنسابهم وولائه لهم ، وقد سبق القسطلاني في هذا الصنيع السيئ الذهبي في تذكرة الحفاظ مع أن أمر الرجل في الجلالة معروف حتى لديهم (إِنَّا لِلَّهِ وَإِنَّا إِلَيْهِ راجِعُونَ).

(١) المراد به بشر بن سليمان الأزدي أو بشر بن آدم بن يزيد البصري أبو عبد الرحمن المحدث الراوي الشهير الذي استند اليه الكثير من محدثي القوم.

(٢) هو أبو عبد الله محمد بن عمر بن واقد القاضي الأسلمي المدني البغدادي المنشأ والمدفن ، صاحب التآليف الكثيرة في السير والتواريخ ككتاب المغازي ومقتل الحسين ، وفتوح الأمصار ، وفتوح العجم ، وضرب الدنانير والدراهم واخبار مكة ، وفتوح مصر والإسكندرية ، واخبار الحبشة والفيل وفتوح الافريقية وغيرها ، وبالجملة الرجل ممن اعتمد عليه أرباب السير والمؤرخون والمحدثون ، بل الفقهاء في مسألة الأراضي الخراجية وتعيين المفتوحة عنوة منها عن غيرها ، وقال العلامة الجليل ابن النديم في كتاب الفهرست : ان الواقدي كان شيعيا حسن المذهب متقيا من المخالفين ، وكان مقربا في الغاية لدى المأمون العباسي ، توفى يوم الاثنين ١١ ذى القعدة او ذى الحجة سنة ٢٠٦ ، وقيل ٢٠٧ ، وقيل ٢٠٨ ، وقيل ٢٠٩ ، وكانت وفاته ببغداد ودفن بمقبرة خيزران ، فراجع الريحانة ج ٤ ص ٢٧١.

(٣) هو أبو عبد الله محمد بن إسحاق بن يسار المطلبي المدني مولى قيس بن مخرمة القدوة في بابى المغازي والسير ، روى عن أنس والزهري وعطاء وخلق ، وعنه يحيى الأنصاري وشعبة وعبد الله بن عون والحمادان وغيرهم ، توفى سنة ١٥١ كما في التذهيب للخزرجى ص ٣٧٨.

(٤) الظاهر أن المراد به محمد بن كعب القرظي المدني ثم الكوفي المتوفى سنة ١١٩

٢١٩

موسى بن عقبة في المغازي عن ابن (١) شهاب الزهري ، وكذا أبو معشر في السيرة له عن محمّد بن كعب القرظي ومحمد وموسى (٢) بن قيس ، وأورده من طريق الطبري وأورده ابن حاتم من طريق أسباط (٣) عن السدي (٤) ، ورواه ابن مردويه عن طريق عبادة (٥) بن صهيب عن يحيى (٦) بن كثير عن الكلبي عن أبي صالح وعن

__________________

وقيل سنة ١٢٠ ، يروى عن فضالة بن عبيد ، وعنه يزيد بن الهاد وابن المكندر وخلق كما في التذهيب للخزرجى ص ٣٠٥.

(١) هو أبو بكر محمد بن مسلم بن عبيد الله بن عبد الله بن شهاب بن عبد الله بن الحارث ابن زهرة بن كلاب القرشي الزهري المدني الشامي المحدث الحافظ بين القوم ، ولد سنة خمسين يروى عن سهل بن سعد ، وأنس بن مالك ، ومحمود بن الربيع ، وسعيد ابن المسيب ، وأبي امامة بن سهل وغيرهم ، وعنه عقيل ، ويونس ، والزبيدي ، وصالح ابن كيسان ومعمر وشعيب بن حمزة والأوزاعي وغيرهم ، والرجل موثق في كتبهم ويعرف بابن شهاب الزهري توفى في شهر رمضان سنة ١٢٤ ، فراجع تذكرة الحفاظ للذهبى (ج ١ ص ١٠٤ طبع حيدرآباد).

(٢) هو موسى بن قيس الحضرمي الكوفي الشهير ب (عصفور الجنة) يروى عن سلمة بن كهيل وغيره ، وعنه أبو نعيم ، قال الخزرجي في التهذيب : وثقة ابن معين وابو حاتم وقال النفيلى كان من الروافض انتهى فراجع الكتاب (ص ٣٣٦ طبع مصر).

(٣) الظاهر ان المراد به أسباط بن محمد بن عبد الرحمن مولى السائب بن يزيد أبو محمد الكوفي الذي عن الأعمش وعنه أحمد وأبو الأزهر.

(٤) هو أبو ذويب اسماعيل بن عبد الرحمن بن أبي كريمة الكوفي القرشي التابعي المتوفى سنة ١٢٧ وقيل سنة ١٢٨ ، ويروى عن ابن عباس ، وأبي سعيد الخدري وخلق ، وعنه جماعة وفي بعض الكتب أنه يروى عن مولانا الحسين الشهيد والسجاد وأبي جعفر عليهم‌السلام وأقواله محكية في كتب التفسير ، وصرح بتشيعه بعض الاجلة فراجع الريحانة (ج ٢ ص ١٧٧).

(٥) هكذا في أكثر النسخ وفي نسخة عبادة بن الصامت ، وعليه فهو عبادة بن الصامت بن قيس بن اصرم بن فهر بن ثعلبة بن قوقل الخزرجي أبو الوليد في دمشق.

(٦) هو يحيى بن كثير صاحب البصري يروى عن أيوب ، وعنه ابنه وشيبان

٢٢٠