النور المبين في شرح زيارة الأربعين

مهدي تاج الدين

النور المبين في شرح زيارة الأربعين

المؤلف:

مهدي تاج الدين


الموضوع : العرفان والأدعية والزيارات
الناشر: دار الأنصار
المطبعة: باقري
الطبعة: ١
ISBN: 964-8956-16-2
الصفحات: ٢٤٨
  نسخة مقروءة على النسخة المطبوعة

.......................................................................................

________________________________________________

لا يفعلون إلّا ما يشاء الله ، وما أمرهم الله تعالى في الأفعال الجزئي والكلي كما لا يخفى ، وأيضاً هم عليهم‌السلام العلة المادية ، أما بالنسبة إلى أرواح الشيعة فقد علمت أنها خلقت من فاضل طينتهم النورانية المتقدم شرحها ، وأما بالنسبة إلى أبدانهم وكذلك بالنسبة إلى ساير المخلوقين بل وساير الموجودين في الكون ، فلأجل أن جميع الموجودات خلقت من أنوار وجودهم حيث إنهم الأسماء الحسنى له تعالى .

ثم ان الحب عبارة عن الميل إلى الشيء الملذّ ، وكلما كان الملذّ أقوى في اللذاذة كان الميل أقوى إلى أن يصل حدّ الافراط فيسمى عشقاً ، ولذا قيل ان الافراط في كل شيء مذموم إلّا في الحب وهذا الميل إنما يحصل بعد المعرفة بذلك الشيء الملذ الجميل ، وهذه المعرفة إما بالحواس الظاهرة أو بالعقل ، وكلما كان الدرك والمعرفة أقوى كان الحب أقوى والبصيرة الباطنة أقوى من البصر الظاهري لأن القلب أشد إدراكاً من العين كما لا يخفى ولذا كانت المعاني الجميلة المدركة بالعقل أعظم من جمال الصور الظاهرة فلا محالة تكون لذة القلوب بما تدركه من الأُمور الشريفة الجميلة الإلهية التي تجل عن ان تدركها الحواس أتم وأبلغ ولذا نرى أن الطباع السليمة والعقول الصحيحة أكثر ميلاً إلى مدركات العقل .

وإذا علمت هذا فاعلم أن أجل اللذات وأعلاها معرفة الله تعالى والنظر إلى وجهه الكريم فمن شاهد جمال وجهه وجلال عظمته وادركها بعقله وشاهدهما ببصيرته القلبية لا تكاد تؤثر عليه لذة أُخرى إلّا من حرّم هذه اللذة ولذلك ورد في الأحاديث والآيات الحث على معرفة الله تعالى وحبّه .

٦١

.......................................................................................

________________________________________________

أما الآيات فقوله تعالى : ( وَالَّذِينَ آمَنُوا أَشَدُّ حُبًّا لِّلَّـهِ ) وقال تعالى : ( قُلْ إِن كَانَ آبَاؤُكُمْ وَأَبْنَاؤُكُمْ وَإِخْوَانُكُمْ ) إلى قوله : ( أَحَبَّ إِلَيْكُم مِّنَ اللَّـهِ وَرَسُولِهِ ) (١) ، وهكذا غيرها .

وأما الأحاديث : فكثيرة جدّاً نذكر بعضها فمنها : ما عنه صلى‌الله‌عليه‌وآله : « لا يؤمن أحدكم حتى يكون الله ورسوله أحبّ إليه مما سواهما » ، وقال صلى‌الله‌عليه‌وآله في دعائه : « اللهم ارزقني حبّك وحبّ من يحبّك ، وحبّ ما يقربني إلى حبّك ، واجعل حبّك أحبّ إليّ من الماء البارد » .

وفي الخبر المشهور : أن إبراهيم عليه‌السلام قال لملك الموت إذ جاء لقبض روحه : « هل رأيت خليلاً يمييت خليله ؟ فأوحى الله إليه : هل رأيت محباً يكره لقاء حبيبه ؟ فقال : يا ملك الموت الآن فاقبض » .

وفي مناجاة موسى : « يابن عمران كذب من زعم أنه يحبني ، فإذا جنّه الليل نام عني ، أليس كلّ محبّ يحب خلوة حبيبه ؟ أنا ذا يابن عمران مطّلع على أحبائي ، إذا جنّهم الليل حولت أبصارهم إليّ من قلوبهم ، ومثلت عقوبتي بين أعينهم ، يخاطبونني عن المشاهدة ، ويكلمونني عن الحضور ، يابن عمران هب لي من قلبك الخشوع ، ومن بدنك الخضوع ، ومن عينك الدموع في ظلم الليل فإنك تجدني قريباً » .

وروي : أن عيسى عليه‌السلام مرّ بثلاثة نفر قد نحلت أبدانهم ، وتغيّرت ألوانهم ، فقال لهم : « ما الذي بلغ بكم ما أرى ؟

فقالوا : الخوف من النار .

__________________

(١) سورة التوبة : ٢٤ .

٦٢

.......................................................................................

________________________________________________

فقال : حقّ على الله أن يؤمن الخائف ، ثم جاوزهم إلى ثلاثة أُخرى ، فإذا هم أشدّ نحولاً وتغيّراً فقال : ما الذي بلغ بكم ما أرى ؟

قالوا : الشوق إلى الجنة .

قال : حقّ على الله أن يعطيكم ما ترجون ، ثم جاوزهم إلى ثلاثة أُخرى ، فإذا هم أشدّ نحولاً وتغيّراً ، كأن على وجوههم المرايا من النور فقال : ما الذي بلغ بكم ما أرى ؟

قالوا : حبّ الله عزّ وجل .

فقال : أنتم المقربون أنتم المقربون » .

وعن علل الشرايع ، عن نبينا صلى‌الله‌عليه‌وآله : « إن شعيباً عليه‌السلام بكى من حبّ الله عزّ وجل حتى عمي ، فردّ الله عليه بصره ، ثم بكى حتى عمي ، فردّ الله عليه بصره ، ثم بكى حتى عمي ، فردّ الله عليه بصره ، فلما كانت الرابعة أوحى الله إليه : يا شعيب إلى متى يكون هذا أبداً منك ؟ إن يكن هذا خوفاً من النار فقد أجرتك ، وإن يكن شوقاً إلى الجنة فقد أبحتك ، فقال : إلهي وسيدي أنت تعلم أني ما بكيت خوفاً من نارك ، ولا شوقاً إلى جنتك ، ولكن عقد حبّك على قلبي فلست أصبر أو أراك ، فأوحى الله جلّ جلاله : أما إذا كان هذا هكذا فمن أجل هذا سأخدمك كليمي موسى بن عمران عليه‌السلام » .

وقال أمير المؤمنين عليه‌السلام في دعاء كميل : « فهبني يا إلهي وسيدي ومولاي وربّي صبرت على عذابك ، فكيف أصبر على فراقك » .

وعن الحسين عليه‌السلام في دعاء عرفة : « أنت الذي أزلت الأغيار عن قلوب أحبائك حتى لم يحبوا سواك ولم يلجأوا إلى غيرك ، وقال : يا من أذاق أحباءه حلاوة المؤانسة فقاموا بين يديه متملقين » .

٦٣

.......................................................................................

________________________________________________

وفي المناجاة الانجيلية المنسوبة إلى السجاد عليه‌السلام : « وعزّتك لقد أحببتك محبة استقرت في قلبي حلاوتها وآنست ببشارتها ، ومحال في عدل أقضيتك أن يسدّ أسباب رحمتك عن معتقدي محبتك » .

وفي المناجاة الثانية عشرة للسجاد عليه‌السلام : « إلهي فاجعلنا من الذين ترسخت أشجار الشوق إليك في حدائق صدورهم ، وأخذت لوعة محبتك بمجامع قلوبهم » ، الدعاء .

٦٤

اَلسَّلامُ عَلىٰ خَليلِ اللهِ وَنَجيبِهِ

________________________________________________

قد مر شرح كلمة السَّلام سابقاً وأما معنى الخليل فهو من الخُلّة بالضم وهي المودّة المتناهية في الاخلاص والصداقة كما في المنجد مادة ( خل ) والدليل على كون الإمام الحسين عليه‌السلام خليل الله قوله تعالى : ( وَاتَّخَذَ اللَّـهُ إِبْرَاهِيمَ خَلِيلًا ) (١) ولا يخفى أن إبراهيم الخليل عليه‌السلام ما ألبسه الله تاج الخلّة إلّا لكونه من شيعة أمير المؤمنين كما قال : ( وَإِنَّ مِن شِيعَتِهِ لَإِبْرَاهِيمَ ) (٢) وكفاه ذلك فخراً وشرفاً ، وروي عن الإمام الصادق عليه‌السلام في قوله : ( وَإِنَّ مِن شِيعَتِهِ لَإِبْرَاهِيمَ ) أي إن إبراهيم عليه‌السلام من شيعة علي عليه‌السلام ، ويؤيّد هذا ما رواه السيد شرف الدين الاسترآبادي من علماء القرن العاشر في كتابه تأويل الآيات الظاهرة ص ٤٨٤ عن أبي بصير قال : سأل جابر بن يزيد الجعفي من الإمام الصادق عليه‌السلام عن تفسير هذه الآية فقال : إن الله سبحانه لما خلق إبراهيم كشف له عن بصره فنظر فرأى نوراً إلى جنب العرش فقال : إلهي ما هذا النور ؟ فقيل له : هذا نور محمد صلى‌الله‌عليه‌وآله صفوتي من خلقي ، ورأى نوراً إلى جنبيه ، فقال : إلهي وما هذا النور ؟ فقيل له : هذا نور علي بن أبي طالب ناصر ديني ، ورأى إلى جنبهم ثلاثة أنوار فقال : إلهي وما هذه الأنوار ؟ فقيل له : هذا نور فاطمة فطمت محبيها من النار ، ونور ولديها الحسن والحسين عليهما‌السلام ، فقال : إلهي وأرى تسعة أنوار قد احدقوا بهم ، قيل : يا إبراهيم هؤلاء الأئمة من ولد عليّ وفاطمة فقال إبراهيم : بحق هؤلاء الخمسة إلّا عرفتني مَن التسعة ؟ قيل : يا إبراهيم أولهم علي بن الحسين وابنه محمد وابنه جعفر وابنه موسى وابنه علي وابنه محمد وابنه علي وابنه الحسن والحجة القائم ( عجَّل ) ابنه ، فقال إبراهيم :

__________________

(١) سورة النساء : ١٢٥ ـ .

(٢) سورة الصافات : ٨٣ .

٦٥

.......................................................................................

________________________________________________

إلهي وسيدي أرى أنواراً قد احدقوا بهم لا يحصى عددهم إلّا أنت قيل : يا إبراهيم هؤلاء شيعتهم شيعة أمير المؤمنين علي بن أبي طالب عليه‌السلام ، فقال إبراهيم : وبما تعرف شيعته ؟ قال : بصلاة إحدى وخمسين والجهر ببسم الله الرحمن الرحيم ، والقنوت قبل الركوع والتختم في اليمين ، فعند ذلك قال إبراهيم : اللهم اجعلني من شيعة أمير المؤمنين ، قال : فاخبر الله تعالى في كتابه فقال : ( وَإِنَّ مِن شِيعَتِهِ لَإِبْرَاهِيمَ ) .

ثم إن الخُلّة مقام فوق مقام الرسالة فليس كُلّ رسول يصل إلى مستوى أن يكون خليلاً لله تعالى وإبراهيم خرج من كل الامتحانات بنجاح ولم يصدر منه حتى ما يسمى بترك الأولى على ما يبدوا من قوله تعالى : ( وَإِذِ ابْتَلَىٰ إِبْرَاهِيمَ رَبُّهُ بِكَلِمَاتٍ فَأَتَمَّهُنَّ ) وفي الأخبار ان الله اتخذ إبراهيم عبداً قبل أن يتخذه نبياً ونبيّاً قبل أن يتخذه رسولاً ورسولاً قبل أن يتخذه خليلاً وخليلاً قبل أن يتخذه إماماً فلما جمع له هذه الأشياء ، قال ( إِنِّي جَاعِلُكَ لِلنَّاسِ إِمَامًا ) وهذا يدل على أن الخُلّة أرفع من مقام الرسالة وقد اتصف بها أبو عبد الله الحسين عليه‌السلام في هذه الزيارة حيث يقول الإمام الصادق عليه‌السلام : اَلسَّلٰامُ عَلىٰ خَليلِ اللهِ وَنَجيبِهِ .

وأما قوله عليه‌السلام وَنَجيبِهِ :

قال في مجمع البحرين : النجيب الفاضل من كل حيوان وقد نُجب ينجب نجابة إذا كان فاضلاً نقياً في نوعه والجمع : النجباء ... إلى أن قال : وانتجبه اختاره واصطفاه والمنتجب : المختار .

أقول : ففي المقام يراد منه أن الإمام الحسين عليه‌السلام وصل إلى درجة من القرب الإلهي بحيث كشف الله تعالى عنه جميع الحجب بينه تعالى وبين الحسين عليه‌السلام

٦٦

.......................................................................................

________________________________________________

كما حصل لجدّه رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله حيث وصل صلى‌الله‌عليه‌وآله إلى قاب قوسين أو أدنى دنواً واقتراب من الله تعالى .

وقد ورد في زيارة الجامعة « وَانْتَجَبَكُمْ بِنورِه » أي اجتباكم وأوجدكم من نوره أو اجتباكم متلبسين بنوره كما روي عن الإمام الصادق عليه‌السلام قال : إن الله خلقنا من نور عظمته ثم صوّر خلقنا من طينة مخزونة مكنونة من تحت العرش فأسكن ذلك النور فيه ، فكنا نحن خلقاً وبشراً نورانيين لم يجعل لأحد في مثل الذي خلقهم منه نصيباً ، وخلق أرواح شيعتنا من أبداننا وأبدانهم من طينة مخزونة مكنونة أسفل من ذلك الطينة ، ولم يجعل الله لأحد في مثل ذلك الذي خلقهم منه نصيباً إلّا الأنبياء والمرسلين فلذلك صرنا نحن وهم الناس وسائر الناس همجا في النار وإلى النار (١) .

__________________

(١) بحار الأنوار : ج ٢٥ باب بدء خلقهم وطينتهم وأرواحهم عليهم‌السلام ، وبصائر الدرجات : ج ١ ، الباب ١٠ مع اختلاف يسير .

٦٧

اَلسَّلامُ عَلىٰ صَفِيِّ اللهِ وَابْنِ صَفِيِّهِ

________________________________________________

الصفوة : هو خلوص الشيء من الشوائب . يقال : صفاء الماء إذا خلص من الكدر وان من ألقاب النبي آدم أنه صفوة الله لكونه أول الأصفياء بحسب الظاهر وإلّا فجميع الأنبياء أصفياء الله ، حيث خلقهم من طينة صافية كرّمهم على سائر الخلق واصطفاهم من خلقه ، وفي بعض الأخبار أن آدم صار صفي الله ، لأنه تعالى جعل هيكله الشريف مظهراً لأنوار محمد وآله ، ولذا أمر ملائكته بالسجود له تعظيماً واكراماً لهذه الأنوار .

وتأتي بمعنى الاصطفاء فإن الله تعالى اصطفى الحسين عليه‌السلام وآل محمد صلى‌الله‌عليه‌وآله واجتباهم واختارهم على العالمين فإن طينتهم كذلك من طينة لم يجعل الله لأحد من الخلق فيهن نصيباً فهم في جميع المراتب صفوة الله وصفوة المرسلين وصفوة جميع الخلق .

ثم إن الاصطفاء الإلهي لآل محمد صلى‌الله‌عليه‌وآله على أربعة مراحل :

أ ـ اصطفاء في مرحلة الروح : فأرواحهم عليهم‌السلام نورانية أو متلبسة بنور الله عزّ وجل كما في زيارة الجامعة « واجتباكم بنوره » .

ب ـ اصطفاء في مرحلة الأبدان : فأبدانهم فيها خصوصيات لا توجد في غيرها فمثلاً لا يغسل المعصوم إلّا معصوم وفي الزيارة : « اَشْهَدُ اَنَّكَ طُهْرٌ طاهِرٌ ، مِنْ طُهْرٍ طاهِرٍ ، طَهُرْتَ وَطَهُرَتْ بِكَ الْبِلادُ » وكان المسلمون الأوائل يتبركون ويستشفون ببصاق النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله .

ج ـ إصطفاء في مرحلة الافعال : فافعالهم وسلوكهم عبارة عن تحرك الصفات الحسنة فإن أعمالهم وأفعالهم على وفق إرادته تعالى لا إرادتهم ، بل ليس لهم إرادة إلّا إرادته تعالى وإرادتهم إرادته تعالى وكما ورد في زيارة الجامعة

٦٨

.......................................................................................

________________________________________________

« العَاملونَ بإرادَته » (١) .

ويكيفك في بيان اصطفاء نور الحسين عليه‌السلام وأنوار محمد وآله صلى‌الله‌عليه‌وآله ما رواه في « رياض الجنان » عن جابر بن عبد الله قال : قلت لرسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله أول شيء خلقه الله ما هو ؟ فقال : « نور نبيك يا جابر خلقه الله ، ثم خلق منه كل خير ، ثم أقامه بين يديه في مقام القرب ما شاء الله تعالى ، ثم جعله أقساماً : فخلق العرش من قسم ، والكرسي من قسم ، وحملة العرش وخزنة الكرسي من قسم ، وأقام القسم الرابع في مقام الحبّ ما شاء الله ، ثم جعله أقساماً ، فخلق القلم من قسم ، واللوح من قسم ، والجنة من قسم ، وأقام القسم الرابع في مقام الخوف ما شاء الله ، ثم جعله أجزاء : فخلق الملائكة من جزء والشمس من جزء والقمر من جزء والكواكب من جزء ، وأقام القسم الرابع في مقام الرجاء ما شاء الله ثم جعله أجزاء : فجعل العقل من جزء والعلم والحلم والعصمة والتوفيق من جزء ، وأقام القسم الرابع في مقام الحياء ما شاء الله ، ثم نظر إليه بعين الهيبة ، فرشح ذلك النور وقطر منه مائة ألف قطرة وأربعة وعشرين ألف قطرة ، فخلق الله من كل قطرة روح نبي ورسول ، ثم تنفست أرواح الأنبياء فخلق الله من أنفاسها أرواح الأولياء والشهداء والصالحين » (٢) .

ونظير هذا الحديث كثير كما في البحار ، فإذا تأملنا في هذا الحديث الشريف يتضح لنا صفاء نور الإمام الحسين عليه‌السلام وأهل بيت النبوة بالنسبة إلى سائر الأنوار لأن نورهم واحد ، وإلى ذلك أشار الإمام الصادق عليه‌السلام في هذه الزيارة : « اَلسَّلامُ عَلىٰ صَفِيِّ اللهِ وَابْنِ صَفِيِّهِ » .

__________________

(١) الانوار اللامعة في شرح زيارة الجامعة للعلامة سيد عبد الله شبر رحمه‌الله .

(٢) بحار الأنوار : ج ٥٤ ، ط . دار احياء التراث .

٦٩

اَلسَّلامُ عَلىَ الْحُسَيْنِ الْمَظْلُومِ الشَّهيدِ

________________________________________________

من هو الإمام الحسين عليه‌السلام ؟

الحسين عليه‌السلام هو أشرف إنسان في الدنيا من حيث النسب فهو الإمام ابن الإمام أخو الإمام أبو الأئمة صلوات الله عليهم أجمعين .

أبوه الإمام أمير المؤمنين علي بن أبيطالب عليه‌السلام ، أخوه الإمام الحسن الزكي عليه‌السلام سيد شباب أهل الجنة ، وابنه الإمام علي السجاد زين العابدين عليه‌السلام ومن ذريته ثمانية أئمة معصومين عليهم‌السلام .

أما أُمه فهي فاطمة الزهراء عليها‌السلام بنت محمد المصطفى صلى‌الله‌عليه‌وآله سيدة نساء العالمين ، وجده لأبيه هو شيخ البطحاء وكافل رسول الله وناصر الإسلام أبو طالب عليه‌السلام .

وأما جده لأُمه فهو خاتم الأنبياء والمرسلين وحبيب إله العالمين محمد بن عبد الله صلى‌الله‌عليه‌وآله . هذا نسب الإمام الحسين عليه‌السلام فأي إنسان في العالم جمع نسباً شريفاً كهذا النسب الشريف . أضف إلى هذا النسب الشريف مقامه الراقي عند الله تعالى ومنزلته العليا في الإسلام فهو عليه‌السلام :

أولاً : ثالث أئمة أهل البيت الاثني عشر الذين عناهم الله تعالى بقوله : ( وَجَعَلْنَاهُمْ أَئِمَّةً يَهْدُونَ بِأَمْرِنَا وَأَوْحَيْنَا إِلَيْهِمْ فِعْلَ الْخَيْرَاتِ وَإِقَامَ الصَّلَاةِ وَإِيتَاءَ الزَّكَاةِ وَكَانُوا لَنَا عَابِدِينَ ) (١) ، وثالث أُولي الأمر الذين أمرنا الله تعالى باطاعتهم فقال : ( يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَطِيعُوا اللَّـهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَأُولِي الْأَمْرِ مِنكُمْ ) وفي إمامته وإمامة أخيه الحسن نص نبوي متواتر وهو قوله صلى‌الله‌عليه‌وآله : « الحسن والحسين إمامان قاما أو قعدا ... » .

__________________

(١) سورة الأنبياء : ٧٣ .

٧٠

.......................................................................................

________________________________________________

ثانياً : فهو عليه‌السلام أحد أهل البيت الذين أذهب الله عنهم الرجس وطهرهم تطهيراً كما هو صريح اية التطهير . أي أنه عليه‌السلام خامس المعصومين الأربعة عشر عليهم‌السلام ، محمد وعلي وفاطمة والحسن والحسين والأئمة التسعة من ذرية الحسين صلوات الله عليهم أجمعين .

ثالثاً : هو عليه‌السلام أحد العترة الذين قرنهم رسول الله بكتاب الله العزيز وأحد الثقلين اللذين خلفهما في هذه الاُمة حيث قال إني مخلف فيكم الثقلين كتاب الله وعترتي أهل بيتي .

رابعاً : انه عليه‌السلام أحد الأربعة الذين باهل بهم النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله نصارى نجران وهو أحد المعنيين بقوله تعالى وأبنائنا وأبنائكم ... .

وهكذا إلى غير ذلك مما لا يسع المقام إحصائه من فضائله ومناقبه عليه‌السلام .

يقول الاُستاذ عباس العقاد في كتابه « أبو الشهداء » ما نصه :

وقد عاش الحسين سبعاً وخمسين سنة وله من الأعداء من يصدقون ويكذبون فلم يعبه أحد منهم بمعابة ولم يملك أحد منهم أن ينكر ما ذاع من فضله ... ويقول أيضاً في مقام آخر :

فكان الحسين عليه‌السلام ملء العين والقلب في خَلق وخُلق وفي أدب وسيرة وكانت فيه مشابه من جده وأبيه .

أولاد الحسين عليه‌السلام :

فالذكور منهم أربعة وهم علي الأكبر عليه‌السلام الشهيد . وعلي السجاد الإمام زين العابدين عليه‌السلام . وعلي الأصغر وهو طفل رضيع ، وعبد الله وهو طفل رضيع أيضاً وهؤلاء الأربعة لأُمهات شتى لا لأُم واحدة . فعلي الأكبر عليه‌السلام أُمه ليلى بنت مرة بن مسعود الثقفي . وعلي السجاد الإمام اُمه شاه زنان بنت الملك يزدجرد بن أردشين

٧١

.......................................................................................

________________________________________________

ابن كسرى ملك الفرس وعبد الله اُمه الرباب بنت امرء القيس الكلبي . وقد قتلوا جميعاً يوم عاشوراء ما عدا الإمام زين العابدين عليه‌السلام الذي نجا بسبب مرضه ودفاع عمته زينب عليها‌السلام .

وأما الاناث منهم فأربعة أيضاً وهن سكينة ، وفاطمة الكبرى ، وفاطمة الصغرى ، ورقية . وكلهن كانوا مع الحسين عليه‌السلام في كربلاء ما عدا فاطمة الكبرى فإن الإمام الحسين عليه‌السلام تركها في المدينة لمرضها .

اخوة الإمام الحسين عليه‌السلام :

إن اخوة الإمام الحسين عليه‌السلام كثيرون غير أن الذين كانوا معه في كربلاء هم ستة فقط وهم العباس بن علي عليه‌السلام وأشقاؤه الثلاثة : جعفر وعبد الله وعثمان ، أُمهم فاطمة بنت حزام بن خالد الكلابية المكناة بأُم البنين عليها‌السلام ، ثم محمد بن علي قيل اسمه عبد الله عليه‌السلام وكان يكنّى بأبي بكر ، وأُمه ليلى بنت مسعود بن خالد التميمي . ثم عمر بن علي عليه‌السلام وأُمه غير مشخصة في التاريخ . وقيل أنه كان أيضاً مع الحسين أخ له يسمى محمد الأصغر وأُمه أُم ولد .

فهؤلاء ستة أو سبعة من اخوة الإمام الحسين عليه‌السلام استشهدوا بين يديه يوم عاشوراء وكان أفضلهم وأجلّهم أبوالفضل العباس عليه‌السلام وهو أكبر الهاشميين سناً يوم كربلاء ما عدا الحسين عليه‌السلام حيث كان عمره أربعاً وثلاثين سنة ، لذا اختاره الإمام الحسين عليه‌السلام حاملاً لرايته العظمى ، وعبر عنه بكبش الكتيبة ، وكان عليه‌السلام وسيماً جسيماً طويل القامة ، وجهه كفلقة قمر ومن هنا كان يلقب بقمر الهاشميين وهو آخر من قتل قبل الحسين عليه‌السلام يوم عاشوراء ، وكان لقتله صدمة عنيفة في نفس الإمام الحسين عليه‌السلام عبر عنها بقوله حين وقف على مصرعه : « الآن انكسر ظهري وقلت حيلتي وشمت بي عدوي » وبان الانكسار في وجهه عليه‌السلام وبكى عليه عليه‌السلام .

٧٢

.......................................................................................

________________________________________________

قوله عليه‌السلام في الزيارة المظلوم الشهيد :

للإمام الحسين عليه‌السلام ألقاب كثير منها : الرشيد ، والطيب ، والوفيّ ، والسيد ، والزكي ، والمبارك ، والتابع لمرضاة الله ، والدليل على ذات الله ، والسبط (١) وبعد شهادته اشتهر بالمظلوم والشهيد وغيرها .

من هو المظلوم ومَن هو الظالم :

لابد أن نعلم أن الظلم لغة : هو وضع الشيء في غير موضعه ، فالشرك ظلم عظيم ، لجعله موضع التوحيد عند المشركين .

وعرفاً هو : بخس الحق ، والاعتداء على الغير قولاً أو عملاً كالسباب والاغتياب ، ومصادرة المال ، واجترام الضرب أو القتل ، ونحو ذلك من صور الظلامات المادية والمعنوية والظلم من السجايا الراسخة في أغلب النفوس ، وقد عانت منه البشرية في تاريخها المديد ألوان المآسي والأهوال ، مما جهّم الحياة ، ووسمها بطابع كئيب رهيب .

وللظلم أنواع :

أ ـ ظلم الانسان نفسه : وذلك بتركها طاعة الله عزّ وجل وتوجهها إلى معصية الله تعالى وعدم تقويمها بالخلق الحسن والسلوك المرضي .

ب ـ ظلم الانسان عائلته وذوي قرباه : وذلك باهمال تربية عائلته تربية اسلامية وجفاء اقرابه وخذلانهم في الشدائد والأزمات .

ج ـ ظلم الحكام والمتسلطين : وذلك باستبدادهم وخنقهم حرية الشعوب وامتهان كرامتها ، وابتزاز أموالها ، ولذلك كان ظلم الحكام أسوأ أنواع الظلم وأشدها نكراً .

__________________

(١) المجالس السنية ١ : ١٠ لمحسن الأمين .

٧٣

.......................................................................................

________________________________________________

قال الإمام الصادق عليه‌السلام : « إن الله تعالى أوحى إلى نبي من الأنبياء ، في مملكة جبار من الجبابرة : إن إئت هذا الجبار فقل له : إني لم استعملك على سفك الدماء ، واتخاذ الأموال ، وإنما استعملتك لتكفّ عني اصوات المظلومين ، فإني لن أدع ظلامتهم وإن كانوا كفاراً » (١) .

ولذلك كانت نصرة المظلوم ، وحمايته من الجائرين من أفضل الطاعات وأعظم القربات إلى الله تعالى والآثار الوضعية في حياة الإنسان الماديّة والروحيّة .

أقول : إنه لم يحدث ظلم من يوم خلق الله الدنيا وإلى أن تقوم القيامة ظلم وجرم ببشاعة حادثة كربلاء وظلم آل بيت رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله في الطف ولذلك ورد في الحديث عن النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله : « لا يوم كيومك يا أبا عبد الله » ، حيث اجتمعت طائفة من اُمة جدّه يريدون ان يتقربوا إلى الله تعالى بسفك دمه ، وتيتم اولاده واسرهم ، وكلّ يريد شفاعة جده رسول الله لا أنالهم الله شفاعته ، ولذلك لم يبقى في السماوات ملك لم ينزل إلى رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله يعزيه في ولده الحسين عليه‌السلام ويخبره بثواب الله إياه ، ويحمل إليه تربته مصروعاً عليها ، مذبوحاً شهيداً ، فلو تأمل المتأمل وذو البصيرة لما رأى مصيبة أعظم من مصيبة الإمام الحسين عليه‌السلام ، ولم يجد اُمة قتلت ابن بنت نبيها وأصحابه وأهل بيته في يوم واحد بأفجع صورة ، فإنّا لله وإنا إليه راجعون من مصيبة ما أعظمها ولله در مهيار حيث قال :

يعظّمون له أعواد منبره

وتحت ارجلهم أولاده وضعوا

__________________

(١) الوافي ٣ : ١٦٢ عن الكافي .

٧٤

.......................................................................................

________________________________________________

وقوله عليه‌السلام في الزيارة الشهيد :

الشهادة : هي الموت في سبيل الله تعالى والشهيد : القتيل في سبيل الله .

قال تعالى : ( وَلَا تَقُولُوا لِمَن يُقْتَلُ فِي سَبِيلِ اللَّـهِ أَمْوَاتٌ بَلْ أَحْيَاءٌ وَلَـٰكِن لَّا تَشْعُرُونَ ) (١) .

قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله : « أشرف الموت قتلُ الشهادة » .

وعنه صلى‌الله‌عليه‌وآله : فوق كل ذي برٍّ بر حتى يقتل الرجل في سبيل الله فإذا قتل في سبيل الله فليس فوقه بر ، وعن الإمام زين العابدين عليه‌السلام : ما من قطرة أحب إلى الله عزّ وجل من قطرتين . قطرة دم في سبيل الله ، وقطرة دمعة في سواد الليل لا يريد بها العبد إلّا الله عزّ وجل .

وعن رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله قال : والذي نفسي بيده لوددت إني اُقتل في سبيل الله ثم أحيا ، ثم اقتل ثم أحيا ثم اُقتل .

وقال أمير المؤمنين عليه‌السلام : « انكم أن لا تقتلوا تموتوا ، والذي نفس عليٍّ بيده لألف ضربة بالسيف على الراس ( في سبيل الله ) أيسرُ من موت على فراش » .

قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله : « الشهادة تكفّر كل شيء إلّا الدَّين » .

قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله : « ما من أحد يدخل الجنة يحبّ أن يرجع إلى الدنيا ، وإن له ما على الأرض من شيء غير الشهيد ، فإنّه يتمنى أن يرجع فيقتل عشر مرات ، لما يرى من الكرامة وفضل الشهادة » .

ولذلك الإمام الحسين عليه‌السلام في مسيره إلى كربلاء قال : إني لا أرى الموت إلّا سعادة ولا الحياة مع الظالمين إلّا برما .

__________________

(١) سورة البقرة : ١٥٤ .

٧٥

.......................................................................................

________________________________________________

ثم إن النية لها أثر في الشهادة حتى ولو لم يستشهد يرزق ثواب الشهادة .

فعن رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله قال : «كم ممّن أصابه السلاح ليس بشهيد ولا حميد ، وكم ممن قد مات على فراشه حتف أنفه عند الله صديق شهيد » (١) .

والخلاصة أقول : إن الإمام الحسين عليه‌السلام هو أبرز مصداق لهذه الأحاديث الشريفة فهو سيد الشهداء قاطبة من الأولين والآخرين ، حيث لم يعطي نفسه لله تعالى فحسب بل اعطى جميع ما يملك وأهل بيته وأولاده واخوته وأصحابه واطفاله في سبيل الله تعالى .

قال الشاعر :

اعطى الذي ملكت يداه إلهه

حتى الجنين فداه كل جنين

فالإمام الحسين عليه‌السلام هو سيد شهداء الأولين والآخرين وقد أخبر النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله بشهادته وبكى عليه مراراً قبل استشهاده بل وبكى حتى في يوم ولادة الإمام الحسين عليه‌السلام ، نذكر بعض ما أخبر به النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله عن شهادته عليه‌السلام ، فعن أبي عبد الله الصادق عليه‌السلام قال : كان النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله في بيت أُم سلمة ، فقال لها : لا يدخل عليَّ أحد ، فجاء الحسين عليه‌السلام وهو طفل فمنعته فوثب حتى دخل الدّار على النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله ، فدخلت أُم سلمة على أثره ، فإذا الحسين عليه‌السلام على صدره ، وإذا النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله يبكي وبيده شيء يقبله ، فقال النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله : يا أُمّ سلمة إن هذا جبرائيل يخبرني أن هذا مقتول وهذه التربة التي يقتل عليها ، فضعيه عندك فإذا صارت دماً فقد قتل حبيبي ، فقالت أُم سلمة : يا رسول الله سل الله أن يدفع ذلك عنه ، قال : قد فعلت فأوحى الله تعالى إليّ أنّ له درجة لا ينالها أحد من المخلوقين ،

__________________

(١) ميزان الحكمة : ج ٥ ، باب الشهادة .

٧٦

.......................................................................................

________________________________________________

وأن له شيعة يشفعون فيشفعون ، وأن المهدي (عج) من ولده فطوبى لمن كان من الحسين عليه‌السلام وشيعته ، هم والله الفائزون يوم القيامة (١) .

ومنها : ما روي عن أبي جعفر عليه‌السلام قال : كان رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله إذا دخل الحسين عليه‌السلام اجتذبه إليه ثمّ يقول لأمير المؤمنين عليه‌السلام أمسكه فيمسكه فيقبله ويبكي فيقول : يا أبة لم تبكي ؟ فقال : يا بُني أقبل مواضع السيوف منك وأبكي ، قال : يا أبة وأنا اُقتل ؟ قال : أي والله وأبوك وأخوك ، قال : يا أبة فمصارعنا شتّى ؟ قال : نعم يا بُني ، قال : فمن يزورنا من أُمتك ؟ قال : لا يزورني ولا يزور أباك وأخاك وأنت إلّا الصدّيقون من اُمتي .

ومن أخباره بشهادته عن عبد الله بن عباس أنه لما اشتدّ برسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله مرضه الذي مات فيه ، وقد ضم الحسين عليه‌السلام إلى صدره يسيل من عرقه عليه وهو يجود بنفسه ، ويقول : مالي وليزيد لا بارك الله فيه . اللهمّ العن يزيد ثمّ غشي عليه طويلاً وأفاق وجعل يقبل الحسين عليه‌السلام وعيناه تذرفان ويقول : أما أن لي ولقاتلك مقاماً بين يدي الله عزّ وجل (٢) !

__________________

(١) معالي السبطين : ١٧٤ .

(٢) نفس المصدر : ١٧٤ .

٧٧

اَلسَّلامُ علىٰ اَسيرِ الْكُرُباتِ

________________________________________________

الأسير : من قبض عليه وأُخذ ومنها اسرى الحرب (١) .

الكروب : جمع الكَرب : الحزن والمشقة . والكرابة والكريبة : الداهية الشديدة . المكروب : المهموم (٢) .

ثم ان الكرب في الأصل بمعنى حفر الأرض وقلبها وكذلك تعني العقد المحكمة الشَد ، في حبل الدلو ، ثم اطلقت بعد ذلك على الغم والهم والحزن الشديد الذي يقلب قلب الإنسان ويثقل عليه كالعقد .

قال تعالى : ( قُلِ اللَّـهُ يُنَجِّيكُم مِّنْهَا وَمِن كُلِّ كَرْبٍ ثُمَّ أَنتُمْ تُشْرِكُونَ ) (٣) .

وقال تعالى : ( فَاسْتَجَبْنَا لَهُ فَنَجَّيْنَاهُ وَأَهْلَهُ مِنَ الْكَرْبِ الْعَظِيمِ ) (٤) .

أي استجاب الله تعالى دعاء نوح عليه‌السلام بأن ينجّيه من أذى قومه وشرِّهم (٥) .

أيها القارئ الكريم : بعد أن علمت معنى الأسير ، ـ وهو من قُبض عليه وأخذ برقبته ، ومنها أسير الحرب وعلمت معنى الكرب وهو الحزن والمشقة والداهية العظيمة الشدية والمهموم ، تعلم معنى قوله عليه‌السلام : « اَلسَّلامُ علىٰ اَسيرِ الْكُرُباتِ » ، فإن الإمام الحسين عليه‌السلام وأهل بيته عليهم‌السلام قد تعرّضوا للبلاء والمحن الشديدة وصاروا أسير الكربات أي الدواهي الشديدة في دار الدنيا .

ولذا قيل ان مصيبة الحسين عليه‌السلام أعظم المصائب ولا يوم كيومه ـ كما ورد ذلك عن الإمام علي أمير المؤمنين والإمام الحسن المجتبى والإمام

__________________

(١) و (٢) المنجد ، مادة أَسَرَ وكَرَبَ .

(٣) سورة الأنعام : ٦٤ .

(٤) سورة الأنبياء : ٧٦ .

(٥) الأمثل ٤ : ٣٢١ .

٧٨

.......................................................................................

________________________________________________

زين العابدين عليهم‌السلام ـ ولعظم المصيبة كان الله تعالى هو المتكفل بأخذ ثار الحسين عليه‌السلام من جميع الخلائق كما ورد في زيارته : أشهد أنك ثار الله في أرضه حتى يستثير لك من جميع خلقه .

والجدير بالذكر أن الأنبياء والأوصياء والمصلحين ـ طوال التاريخ ـ كانوا يتعرّضوان للشدائد والمحن والكُربات ... ويقعون في أسر الظالمين والطغاة والفراعنه والجبابرة ، ولكنهم كانوا يواجهون تلك الأَزمات والكربات بروح قويّة ومعنويات عالية ملؤها الصُّمود والصّبر والتحدّي ... وكان النصر حليفهم في النهاية ، والعاقبة للمتّقين .

فأين الفراعنة اليوم ؟

أين قبورهم ؟

أين تراثهم ؟

أين آثارهم ؟

ولكن تعال وانظر إلى الصرح المشيّد لسيد شباب أهل الجنة الإمام الحسين عليه‌السلام الشهيد ( صلوات الله عليه ) .

تعال وانظر إلى ملايين الناس الذين يتوافدون من مختلف انحاء العالم لزيارة مرقده الشريف والوقوف أمام ضريحه المقدس .

تعالى وانظر إلى تراث الإمام الحسين عليه‌السلام ورسالته الخالدة وكلماته المنيرة الحكيمة ... فعندها تعرف معنى العظمة الإلهية التي منحها لهذا الإمام العظيم .

٧٩

وَقَتيلِ الْعَبَراتِ

________________________________________________

القتيل : المبالغة في القتل وقد حدث ذلك له عليه‌السلام حيث لم يسمع في التاريخ ان أحداً قتل وارتكبت معه جريمة كما ارتكبت في حق أبي عبد الله الحسين عليه‌السلام وأهل بيته إلى درجة بكاه كل ما في الوجود ، بل وحتى الله تعالى يذكر مصيبته لأنبياء من فوق عرشه منها ما خاطب كليمه موسى بن عمران عليه‌السلام قائلاً : « يا موسى لو تراهم صغيرهم يميته العطش وكبيرهم قلبه منكمش » .

العبرة : الدمعة والحزن بلا بكاء . وعَبَر عَبراً : حزن وسالت عبرته ودموعه وفي الحديث عن الإمام الحسين عليه‌السلام : أنا قتيل العبرة وصريع الدمعة (١) .

فكأن العبرة والدمعة أعُدت له عليه‌السلام ، ولذا قال الإمام الصادق عليه‌السلام : كل الجزع والبكاء مكروه سوى الجزع والبكاء على الحسين عليه‌السلام (٢) .

وعن الإمام الصادق عليه‌السلام قال : « قال الإمام الحسين بن علي عليه‌السلام : أنا قتيل العبرة قُتلتُ مكروباً وحقيق على الله ان لا يأتيني مكروب قطّ إلّا ردّه الله وأقلبه إلى أهله مسرواً » (٣) .

وفي الحديث نظر أمير المؤمنين عليه‌السلام إلى الحسين فقال : يا عبرة كل مؤمن ، فقال : أنا يا أبتاه قال نعم يا بنيّ (٤) .

وفي الحديث أنا قتيل العبرة لا يذكرني مؤمن إلّا استعبر (٥) .

قال المرحوم الحاج شيخ جعفر الرشتي في الخصائص : ١٤١ : اعلم ان الرقة والجزع والبكاء على مصائب أهل البيت عليهم‌السلام مختلف ومنقسم على أقسام :

__________________

(١) المنجد مادة عَبر .

(٢) معالي السبطين للشيخ محمد مهدي المازندراني .

(٣) كامل الزيارات : ١٠٩ وعقاب الأعمال : ١٩ .

(٤) و (٥) كامل الزيارات : ١٠٨ .

٨٠