النور المبين في شرح زيارة الأربعين

مهدي تاج الدين

النور المبين في شرح زيارة الأربعين

المؤلف:

مهدي تاج الدين


الموضوع : العرفان والأدعية والزيارات
الناشر: دار الأنصار
المطبعة: باقري
الطبعة: ١
ISBN: 964-8956-16-2
الصفحات: ٢٤٨
  نسخة مقروءة على النسخة المطبوعة

وَتَغَطْرَسَ وَتَرَدّىٰ في هَواهُ ، وَاَسْخَطَكَ وَاَسْخَطَ نَبِيَّكَ ، وَاَطاعَ مِنْ عِبادِكَ اَهْلَ الشِّقاقِ وَالنِّفاقِ ، وَحَمَلَةَ الْأَوْزارِ الْمُسْتَوْجِبينَ النّارَ ، فَجاهَدَهُمْ فيكَ صابِراً مُحْتَسِباً ، حَتّىٰ سُفِكَ ف طٰاعَتِكَ دَمُهُ ، وَاسْتُبيحَ حَريمُهُ ، اَللّٰهُمَّ فَالْعَنْهُمْ لَعْناً وَبيلاً ، وَعَذِّبْهُمْ عَذٰاباً اَليماً ، اَلسَّلٰامُ عَلَيْكَ يَا بْنَ رَسُولِ اللهِ ، اَلسَّلٰامُ عَلَيْكَ يَا بْنَ سَيِّدِ الْأَوْصِيٰآءِ اَشْهَدُ اَنَّكَ اَمينُ اللهِ وَابْنُ اَمينِهِ ، عِشْتَ سَعيداً ، وَمَضَيْتَ حَميداً وَمُتَّ فَقيداً مَظْلُوماً شَهيداً ، وَاَشْهَدُ اَنَّ اللهَ مُنْجِزٌ مٰا وَعَدَكَ ، وَمُهْلِكٌ مَنْ خَذَلَكَ وَمُعَذِّبٌ مَنْ قَتَلَكَ ، وَاَشْهَدُ اَنَّكَ وَفَيْتَ بِعَهْدِ اللهِ ، وَجٰاهَدْتَ ف سَبيلِهِ حَتّىٰ اَتيٰكَ الْيَقينُ ، فَلَعَنَ اللهُ مَنْ قَتَلَكَ ، وَلَعَنَ اللهُ مَنْ ظَلَمَكَ ، وَلَعَنَ اللهُ اُمَّةً سَمِعَتْ بِذٰلِكَ فَرَضِيَتْ بِهِ ، اَللّٰهُمَّ اِنّ اُشْهِدُكَ اَنّ وَلٌِّ لِمَنْ وٰالٰاهُ ، وَعَدُوٌّ لِمَنْ عٰادٰاهُ ، بِاَب اَنْتَ وَاُمّ يَا بْنَ رَسُولِ اللهِ ، اَشْهَدُ اَنَّكَ كُنْتَ نُوراً فىِ الْأَصْلٰابِ الشّٰامِخَةِ وَالْأَرْحٰامِ الْمُطَهَّرَةِ ، لَمْ تُنَجِّسْكَ الْجٰاهِلِيَّةُ بِاَنْجٰاسِهٰا ، وَلَمْ تُلْبِسْكَ الْمُدْلَهِمّٰاتُ مِنْ ثِيٰابِهٰا ، وَاَشْهَدُ اَنَّكَ مِنْ دَعٰآئِمِ لدّينِ وَاَرْكٰانِ الْمُسْلِمينَ ، وَمَعْقِلِ الْمُؤْمِنينَ ، وَاَشْهَدُ اَنَّكَ الْأِمٰامُ الْبَرُّ التَّقِيُّ ، الرَّضُِّ الزَّكُِّ الْهٰادِ الْمَهْدُِّ ، وَاَشْهَدُ اَنَّ الْأَئِمَّةَ مِنْ وُلْدِكَ كَلِمَةُ التَّقْوىٰ ، وَاَعْلٰامُ الْهُدىٰ ، وَالْعُرْوَةُ الْوُثْقىٰ ، وَالْحُجَّةُ علىٰ اَهْلِ الدُّنْيٰا ، وَاَشْهَدُ اَنّ بِكُمْ مُؤْمِنٌ ، وَبِاِيٰابِكُمْ مُوقِنٌ ، بِشَرٰايِعِ دين وَخَوٰاتيمِ عَمَل ، وَقَلْب لِقَلْبِكُمْ سِلْمٌ وَاَمْري لِأَمْرِكُمْ مُتَّبِعٌ ، وَنُصْرَت لَكُمْ مُعَدَّةٌ ، حَتّىٰ يَاْذَنَ اللهُ لَكُمْ ، فَمَعَكُمْ مَعَكُمْ لامَعَ عَدُوِّكُمْ ، صَلَوٰاتُ اللهِ عَلَيْكُمْ ، وَعلىٰ اَرْوٰاحِكُمْ وَاَجْسٰادِكُمْ ، وَشٰاهِدِكُمْ وَغٰآئِبِكُمْ ، وَظٰاهِرِكُمْ وَبٰاطِنِكُمْ ، آمينَ رَبَّ الْعٰالَمينَ

٤١
٤٢

Description: E:BOOKSBook-LibraryENDQUEUENoor-Mobinimagesimage002.gif

٤٣

٤٤

اَلسَّلامُ عَلىٰ

________________________________________________

مرّ الكلام في بيان ما يلزم لزائر الإمام الحسين عليه‌السلام وفضل زيارته وأما الكلام في شرح متن الزيارة فنقول قول الإمام الصادق عليه‌السلام :

اَلسَّلٰامُ : نوع من التحيّة وإنّها تحيّة الإسلام والمسلمين ، وكان قبل الإسلام يحيّون بقولهم : « أهلاً ومرحباً » وغيرهما ، وبعد الإسلام والشَّرع إختصَّ بقول : « سلام عليكم » والمقصود منها : تعظيم المحيّي للمحيّ للتأليف بين القلوب . ويدلّ على أنّ المراد به التحيّة قوله تعالى : ( تَحِيَّتُهُمْ يَوْمَ يَلْقَوْنَهُ سَلَامٌ ) (١) وقوله تعالى : ( دَعْوَاهُمْ فِيهَا سُبْحَانَكَ اللَّـهُمَّ وَتَحِيَّتُهُمْ فِيهَا سَلَامٌ ) (٢) ، وقد ورد عن النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله : ابدؤا بالسَّلام قبل الكلام ، فمن بدأ بالكلام قبل السَّلام فلا تجيبوه (٣) . وعن الباقر عليه‌السلام : إنّ الله يحبّ إفشاء السَّلام (٤) . ولذا نرى الشريعة المقدّسة أكّدت على إفشاء السَّلام وجعلت ردّ السّلام واجباً كفائيّاً وأمّا البادئ بها فله من الأجر كما ورد عن النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله : من قال السَّلام عليكم كتب له عشر حسنات ، ومن قال السَّلام عليكم ورحمة الله كُتب له عشرون حسنة ، ومن قال : السَّلام عليكم ورحمة الله وبركاته كتب له ثلاثون حسنة (٥) .

وجاء في تفسير السَّلام : أنّه مأخوذ من سلم الآفات سلامة أي سلمت من المكاره والآفات وإليه يرجع ما قيل من انّه دعاء بالسلامة لصاحبه من آفات الدُّنيا وعذاب الآخرة وضعه الشارع موضع التحيّة والبشرى بالسلامة (٦) .

__________________

(١) سورة الأحزاب : ٤٤ .

(٢) سورة يونس : ١٠ .

(٣) أُصول الكافي للكليني ٢ : ٦٣٨ .

(٤) نفس المصدر .

(٥) مجمع البيان ٣ : ١٠٨ ، ط . بيروت .

(٦) لسان العرب ٦ : ٣٤٣ ، ط . بيروت .

٤٥

.......................................................................................

________________________________________________

وقد ورد في تفسير وتأييد هذا المعنى ما روي عن داود بن كثير الرقي قال ، قلت : ما معنى السَّلام على الله وعلى رسوله صلى‌الله‌عليه‌وآله ؟ فقال : إنّ الله لمّا خلق نبيّه ووصيّه وإبنيه وإبنته وجميع الأئمّة وخلق شيعتهم أخذ عليهم الميثاق ، وأن يصبروا ويصابروا وأن يتّقوا الله ، ووعدهم أن يسلم لهم الأرض المباركة والحرم الآمن ، وأن ينزل لهم البيت المعمور ويظهر لهم السقف المرفوع وينجّيهم من عدوّهم والأرض الّتي يبدّلها من دار السلم ويسلّم ما فيها لهم ولا شبهة فيها ولا خصومة فيها لعدوّهم وأن يكون لهم فيها ما يحبّون ، وأخذ رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله على الأئمة وشيعتهم الميثاق بذلك ، وإنّما عليه أن يذكره نفس الميثاق وتجديد له على الله لعلّه أن يعجله ويعجل المسلم لهم بجميع ما فيه (١) .

انّه مأخوذ من السَّلام الّذي هو إسم من أسماء الله كما قال : ( السَّلَامُ الْمُؤْمِنُ ) (٢) ، وقال : ( لَهُمْ دَارُ السَّلَامِ ) (٣) فمعنى السَّلام عليك يعني الله عليك ، أي حافظ لأسرارك وعلومك من أن تنالها أيدي الجهلة وعاصم لك من الرجس والسهو والخطاء ومن كلّ مكروه .

أو مأخوذ من السلم وهو الصلح كما قال تعالى : ( وَإِن جَنَحُوا لِلسَّلْمِ ) (٤) وقال : إنّي سلم لمن سالمكم وحرب لمن حاربكم ، أي مسالم ومصالح لمن صالحتم ، وقيل غير ذلك .

__________________

(١) جنّة الحوادث في شرح زيارة وارث : ٣٢ عن الكافي ١ : ٤٥١ .

(٢) سورة الحشر : ٢٣ .

(٣) سورة الأنعام : ١٢٧ .

(٤) سورة الأنفال : ٦١ .

٤٦

.......................................................................................

________________________________________________

وإذا قيل : أليس في صحة السَّلام حياة وحضور المسلَّم عليه وعدم موته وقربه للمسلِّم والإمام عليه‌السلام قد فارق الحياة فكيف التوفيق في ذلك في هذه الزيارة .

الجواب : انّ ذلك متحقّق بالنّسبة إلى أهل البيت سلام الله عليهم أجمعين فإنّهم أحياء عند ربّهم في بساط القرب ويرزقون بموائد العلم والمعرفة ، ويسقون من كأس المقرّبين يرون مقام شيعتهم ويسمعون كلامهم ، ويردّون سلامهم ، كما ورد في إحدى زيارات الإمام الرّضا عليه‌السلام : « اَشْهَدُ بالله أَنَّكَ تَشْهَدُ مَقٰامي ، وَتَسْمَعُ كَلٰامي ، وَتَرُدُّ سَلامِي ، وَأَنْتَ حَيٌّ عِنْدَ رَبِّكَ مَرْزوق ... » (١) ، ويدلّ عليه من العقل براهين ساطعة ومن النقل اخبار كثيرة لائحة يطول الكلام بذكرها ، نذكر منها ما ورد في خطبة أمير المؤمنين عليه‌السلام : « يا سلمان انّ ميتنا إذا مات لم يمت ، ومقتولنا إذا قتل لم يقتل ، وغائبنا إذا غاب لم يغب ، ولا نلد ولا نولد ولا في البطون ولا يقاس بنا أحد من النّاس » (٢) .

وعن أبي الحسن قال : سأل عن قول الله عزّ وجل : ( اعْمَلُوا فَسَيَرَى اللَّـهُ عَمَلَكُمْ وَرَسُولُهُ وَالْمُؤْمِنُونَ ) قال : إنّ أعمال العباد تعرض على رسول الله كلّ صباح وأبرارها وفجارها فاحذروا .

وعن أبي جعفر عليه‌السلام : تعرض كلّ خميس على رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله وعلى أمير المؤمنين عليه‌السلام ومن المعلوم والواضح لو لم يكونوا عليهم‌السلام أحياء ما تعرض عليهم أعمال العباد ، وعرض الأعمال من شأن الأحياء لا الأموات .

__________________

(١) ضياء الصّالحين : ٢٦٧ .

(٢) مشارق أنوار اليقين ، لرجب البرسي : ٢٥٧ ، ط . بيروت .

٤٧

.......................................................................................

________________________________________________

وعن الباقر عليه‌السلام قال : قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله لأصحابه : حياتي خير لكم تحدّثون ونحدّث لكم ، ومماتي خير لكم تعرض عليّ أعمالكم ، فإن رأيتُ حسناً جميلاً حمدت الله على ذلك ، وإن رأيتُ غير ذلك إستغفرت الله لكم (١) .

قال السيد حسين الهمداني في كتابه الشموس الطالعة من مشارق زيارة الجامعة :

إنّما سمّى تبارك وتعالى نفسه السلام مبالغة لهذه الصّفة فيه تعالى ؛ لأنّه ليس شيء في عالم من العوالم إلّا وهو بتسليم من الله تعالى إلى خلقه ، فسمّى نفسه سلاماً مبالغة ، فقوله عليه‌السلام : « السَّلام عليكم » إشارة إلى أنّ تسليمه الكلّي من دون تقييد بشيء مقصور عليكم أهل البيت ؛ لأنّ جدّكم محمّداً صلى‌الله‌عليه‌وآله هو الصّادر الأوّل الذي ليس شيء في عالم الوجود من الخير والبركة والنّعمة إلّا وهو ذرّات ما أُوتي صلى‌الله‌عليه‌وآله ، لأنّه في عالم الوجود قاب قوسين أو أدنى ، فحيّاه الله تعالى بتسليم جميع ماله من العوالم ، بعد تأديبه إيّاه أحسن التأديب ، ثمّ فوّض الله أمر دينه ، كما هو مفاد غير واحد من الروايات المرويّة في « الكافي » (٢) وأخذ ميثاق نبوّته وولايته من تمام ذوي الأرواح بعد ميثاق ربوبيته ، فنسبته صلى‌الله‌عليه‌وآله إليه تعالى كضيف سلطان حيّاه بإيكال اُمور مملكته وسياسة رعيّته إليه ، مع الإشارة إليه في كلّ جزء من جزئيّات أُموره وتأييده فيها شيئاً ، حيناً بعد حين ، ساعة فساعة ، بل آناً بعد آن ، ورغب رعاياه على طاعته ، وحذّرهم عن معصيته ، تعظيماً وإجلالاً لذلك الضيف ثم ورّث ذلك أهل بيته ، فجعل الإيمان بهم إيماناً به والكفر بهم كفراً به وطاعتهم طاعته وعصيانهم عصيانه ومعرفتهم معرفته وجهلهم جهله .

__________________

(١) بصائر الدرجات ٤ : ٤٤٤ ، ط . المرعشي .

(٢) أُصول الكافي ١ ـ ٢٦٥ .

٤٨

.......................................................................................

________________________________________________

هذا ان اُريد به السَّلام من الله تعالى وأمّا إذا أُريد به السَّلام من الزائر فمعناه : أنّه مسلّم نفسه وماله ومطلق ما يتعلّق به من بدأ وجوده إلى الأبد إلى الإمام بحيث لا يرغب بشيء ممّا يتعلّق بعالم وجوده عنه عليه‌السلام ووطّن نفسه بإفنائها في إرادته ووقّفها عليه عليه‌السلام .

وهذا هو المراد بما ورد في الزيارات من قوله : « عَلَيْكُمْ مِنّي سَلامُ اللهِ اَبَداً ما بَقيتُ وَبَقِيَ اللَّيْلُ وَالنَّهارُ » لأن المراد بالله هو اسم الله الذي أودعه الله تعالى في مبدأه بدء ايجاده وانشائه ، لا الله المسمى تبارك وتعالى ، فيكون ذلك إقراراً منه بالرقيّة لهم من اعلى مراتبه إلى ادناها ، لا دعاءً ومسألةً لهم من الله تعالى ، فمعنى السَّلام من العبد هو تسليم جميع ما له من تمام عوالم وجوده إلى الإمام عليه‌السلام وقصرها عليه ؛ لأنّه هو الذي يستأهل لاسترقاقه وولايته عليه دون غيره (١) .

__________________

(١) ص : ٣٩ .

٤٩

وَلِيِّ

________________________________________________

الولي والمولى : لها معان متعدّدة (١) فالولاية لغة بكسر الواو بمعنى الامارة والتولية والسلطان ، وبالفتح بمعنى المحبة .

وأمّا بحسب الاصطلاح فهي حقيقة كلية وصفة إلهية ومن شؤونه الذاتية التي تقتضي الظهور ( وَهُوَ الْوَلِيُّ الْحَمِيدُ ) وحيث إنها كانت في خفاء عن الظهور فاحبت الذات المقدّسة ان تعرف فخلق أي الأشياء لكي تظهر تلك الصفات فتعرف بها .

والولاية تسري حكمها في جميع الأشياء فهي رفيقة الوجود تدور معه حيثما دار فكما ان الوجود بحسب الظهور له درجات متشتتة ومراتب متفاوتة بالكمال والنقص والشدّة والضعف ويحمل عليها بالتشكيك ، فكذلك الولاية إذا أخذناها بمعنى القرب لها درجات متفاوتة ومراتب مختلفة بالكمال والنقص والشدّة والضعف تحمل عليها بالتشكيك .

ثم ان الولاية الثابتة للعبد التي بمعنى القرب تتحقق بالقرب الإيماني والمعنوي بالنسبة إليه تعالى على أقسام :

منها تنقسم إلى المطلقة والمقيدة :

لأنها من حيث هي هي صفة إلهيّة مطلقة ثابتة للذات الربوبية المقدسة بمقتضى ذاته المقدسة ، كما علمت مما سبق ولكنها من حيث استنادها إلى الأنبياء والأولياء كل على حسب قربهم منه تعالى تكون مقيّدة ، ومعلوم ان المقيد متقوم بالمطلق ، والمطلق ظاهر في المقيّد ، فالولاية الثابتة للأنبياء والأولياء جزئيات الولاية المطلقة الإلهيّة فالأنبياء والأولياء ( أي الأئمة عليهم‌السلام ) لهم القرب إلى الأشياء

__________________

(١) وقد أنهاها بعضهم إلى سبعة وعشرين معنى فهو من الألفاظ المشتركة تعرف بحسب قرينة معينة حالية أو مقالية . الغدير ١ : ٤١٩ .

٥٠

.......................................................................................

________________________________________________

بالولاية الإلهية حيث إن ولايتهم مظاهر الولاية الإلهية وجزئيات للولاية الإلهية فلها من الآثار من السلطنة والتولية ما للولاية الإلهية منها كما لا يخفى وإليه يشير ما في بصائر الدرجات من قوله عليه‌السلام : « ولايتنا ولاية الله تعالى وهذا نظير ما قيل من ان نبوة الأنبياء جزئيات النبوة المطلقة المحمّدية » .

وتنقسم الولاية إلى الخاصة والعامة :

فالعامة : تعم المؤمنين باصنافهم وتشمل كل من آمن بالله تعالى وعمل صالحاً بمراتبهم .

والخاصة : تختص بالسالكين عند فنائهم في الله تعالى وهي تحصل بالتوجه التام إلى حضرة الحق تعالى إذ بهذا التوجه يقوي الجهة الحقيّة والجنبة الإلهية وبهذا تشير الآيات والأحاديث الدلاة على لزوم الاخلاص في العبادة ولزوم التوجه إليه وان لا يغفل العبد من ربه وما ذكره علماء السير والسلوك من لزوم المراقبة والمواظبة وأمثالهما كلها ترجع إلى هذا التوجه التام وقد مثّلوا لكون التوجه إليه موجباً للفناء عن النفس والبقاء بالرب بالقطعة من الحديدة المجاورة للنار ، فإنها بسبب المجاورة والاستعداد لقبول الصفات الناريّة والقابلية المختفية فيها ، فإنها تتسخن قليلاً قليلاً إلى أن يصل منها ما يحصل من النار من الإحراق والاضاءة وغيرها ، وقبل ذلك كان ظلمة كدرة . ولا يخفى أن هذا التمثيل من باب ضيق مجال التعبير وفقد العبارة الوافية ببيان المراد .

ومنها تنقسم الولاية إلى ولاية تكوينية وتشريعية :

وتعني الاولى ولاية التصرف في التكوين ابداعاً وتبديلاً من حقية إلى اُخرى أو من صورة إلى غيرها ، بغير أسباب طبيعية متعارفة وهي من شأنه تعالى حيث لا مؤثر في الوجوه إلى الله .

٥١

.......................................................................................

________________________________________________

نعم قد يظهر على أيدي بعض أوليائه المقربين بعض التصرف في التكوين ويسمى بالاعجاز الخارق كالذي ظهر على أيدي الأنبياء دليلاً على نبوتهم وآية على صلتهم بعالم الغيب وهل يمكن ظهوره على يد غير الأنبياء من عباد الله الصالحين .

الجواب : نعم ، مثل قضية آصف بن برخيا حجة قاطعة على امكان الوقوع ( قَالَ الَّذِي عِندَهُ عِلْمٌ مِّنَ الْكِتَابِ أَنَا آتِيكَ بِهِ قَبْلَ أَن يَرْتَدَّ إِلَيْكَ طَرْفُكَ ) (١) .

وان هذا المقام أيضاً ثابتاً للأئمة المعصومين عليهم‌السلام خلفاء الرسول وقد تظافرة الروايات في ذلك ، قال الإمام الباقر عليه‌السلام في قوله تعالى : ( قُلْ كَفَىٰ بِاللَّـهِ شَهِيدًا بَيْنِي وَبَيْنَكُمْ وَمَنْ عِندَهُ عِلْمُ الْكِتَابِ ) هو علي بن أبيطالب (٢) .

وروىٰ جابر عن أبي جعفر الباقر عليه‌السلام قال : « إنّ اسم الله الأعظم على ثلاث وسبعين حرفاً وإنما كان عند آصف منها حرف واحد ـ إلى أن قال ـ ونحن عندنا من الاسم اثنان وسبعون حرفاً وحرف استأثر الله به ولا حول ولا قوة إلّا بالله العلي العظيم » (٣) .

ففي تفسير البرهان : السيد الرضي في الخصائص قال : روي أن أمير المؤمنين عليه‌السلام كان جالساً في المسجد ، إذ دخل عليه رجلان فاختصما إليه ، وكان أحدهما من الخوارج ، فيوجه الحكم على الخارجي ، فحكم عليه أمير المؤمنين عليه‌السلام ، فقال له الخارجي : والله ما حكمت بالسويّة ، ولا عدلت في القضية ، وما قضيتك عند الله بمرضية ، فقال له أمير المؤمنين عليه‌السلام : اخسأ عدو الله فاستحال كلباً .

__________________

(١) سورة النحل : ٤٠ .

(٢) بصائر الدرجات : ٢١٤ .

(٣) نفس المصدر : ٢٠٨ .

٥٢

.......................................................................................

________________________________________________

فقال من حضره : فو الله لقد رأينا ثيابه تطاير عنه في الهواء ، فجعل يبصّص لأمير المؤمنين عليه‌السلام ، ودمعت عيناه في وجهه ، ورأينا أمير المؤمنين عليه‌السلام وقد رقّ له ، فلحظ السّماء ، وحرّك شفتيه بكلام لم نسمعه ، فو الله لقد رأيناه وقد عاد إلى حال الإنسانية ، وتراجعت ثيابه من الهواء حتى سقطت على كتفيه ، فرأيناه وقد خرج من المسجد ، وأن رجليه لتضطربان ، فبهتنا ننظر إلى أمير المؤمنين عليه‌السلام فقال له : ما لكم تنظرون وتعجبون ؟ قلنا : يا أمير المؤمنين كيف لا نتعجب وقد صنعت ما صنعت ؟

فقال : أما تعلمون أن آصف بن برخيا وصيّ سليمان بن داود عليه‌السلام قد صنع ما هو قريب من هذا الأمر ، فقصّ الله جلّ إسمه قصته حيث يقول : ( أَيُّكُمْ يَأْتِينِي بِعَرْشِهَا قَبْلَ أَن يَأْتُونِي مُسْلِمِينَ * قَالَ عِفْرِيتٌ مِّنَ الْجِنِّ أَنَا آتِيكَ بِهِ قَبْلَ أَن تَقُومَ مِن مَّقَامِكَ وَإِنِّي عَلَيْهِ لَقَوِيٌّ أَمِينٌ * قَالَ الَّذِي عِندَهُ عِلْمٌ مِّنَ الْكِتَابِ أَنَا آتِيكَ بِهِ قَبْلَ أَن يَرْتَدَّ إِلَيْكَ طَرْفُكَ فَلَمَّا رَآهُ مُسْتَقِرًّا عِندَهُ قَالَ هَـٰذَا مِن فَضْلِ رَبِّي لِيَبْلُوَنِي أَأَشْكُرُ أَمْ أَكْفُرُ ) الآية ، فأيّما أكرم على الله نبيكم أم سليمان عليه‌السلام ؟ فقالوا : بل نبينا أكرم يا أمير المؤمنين .

قال : فوصي نبيكم أكرم من وصي سليمان عليه‌السلام ، وإنّما كان عند وصي سليمان من إسم الله الأعظم حرف واحد ، سأل الله جلّ إسمه فخسف له الأرض ، ما بينه وبين سرير بلقيس ، فتناوله في أقلّ من طرف العين ، وعندنا من إسم الله الأعظم إثنان وسبعون حرفاً ، وحرف عند الله تعالى إستأثر به دون خلقه ، فقالوا : يا أمير المؤمنين فإذا كان هذا عندك فما حاجتك إلى الأنصار في قتال معاوية وغيره واستنصارك الناس إلى حربه ثانية ؟

فقال : بل عباد مكرمون لا يسبقونه بالقول وهم بأمره يعملون إنما ادعو هؤلاء القوم إلى قتاله ليثبت الحجة وكمال المحنة ، ولولا اذن في اهلاكه لما تأخر ،

٥٣

.......................................................................................

________________________________________________

لكن الله تعالى يمتحن خلقه بما شاء ، قالوا : فنهضنا من حوله ونحن نعظم ما أتى به علم السَّلام (١) .

بل يبدو من تعابير وجمل الزيارة الجامعية الكبير ، ان للأئمة المعصومين مقاماً شامخاً ، ومنزلة رفيعة عند الله لا يماثلها أي منزلة اُخرى ، تقول : « بِكُمْ فَتَحَ اللهُ وَبِكُمْ يَخْتِمُ ، وَبِكُمْ يُنَزِّلُ الْغَيْثَ ، وَبِكُمْ يُمْسِكُ السَّمٰآءَ اَنْ تَقَعَ عَلَى الْأَرْضِ اِلّٰا بِاِذْنِهِ وَبِكُمْ يُنَفِّسُ الْهَمَّ ، وَيَكْشِفُ الضُّرَّ ، وَعِنْدَكُمْ مٰا نَزَلَتْ بِهِ رُسُلُهُ ، وَهَبَطَتْ بِهِ مَلاٰئِكَتُهُ ـ إلى أن تقول ـ وَاَشْرَقَتِ الْأَرْضُ بِنُورِكُمْ ، وَفٰازَ الْفٰآئِزُونَ بِوِلٰايَتِكُمْ » .

فالجملتان الأخيرتان ، تشير الاُولى منهما إلى مقام ولايتهم التكوينية : « هم أواصر ثبات هذا الكون ومصادر ازدهار هذه الحياة » ( وَأَشْرَقَتِ الْأَرْضُ بِنُورِ رَبِّهَا ) (٢) . والثانية تشير إلى ولايتهم التشريعية : « بموالاتكم علمنا الله معالم ديننا وأصلح ما كان فسد من دنيانا ، وبموالاتكم تمت الكلمة وعظمت النعمة وائتلفت الفرقة وبموالاتكم تقبل الطاعة المفترضة » .

وفي الزيارة الأُولى من الزيارات السبع المطلقة لأبي عبد الله الحسين عليه‌السلام التي رواها ابن قولويه باسناد صحيح عن الإمام الصادق عليه‌السلام ما هو أعظم : « وَبِكُمْ يُباعِدُ اللهُ الزَّمانَ الْكَلِبَ (٣) ، وَبِكُمْ فَتَحَ اللهُ ، وَبِكُمْ يَخْتِمُ اللهُ ، وَبِكُمْ يَمْحُو اللهُ ما يَشآءُ وَبِكُمْ يُثْبِتُ وَبِكُمْ يَفُكُّ الذُّلَّ مِنْ رِقابِنا ، وَبِكُمْ يُدْرِكُ اللهُ تِرَةَ (٤) كُلِّ مُؤْمِنٍ يُطْلَبُ ، وَبِكُمْ تُنْبِتُ الْأَرْضُ اَشْجارَها ، وَبِكُمْ تُخْرِجُ الْأَرْضُ أَثِمارَها ، وَبِكُمْ تُنْزِلُ السَّمآءُ

__________________

(١) تفسير البرهان ٣ : ٢٠٥ .

(٢) سورة الزمر : ٦٩ .

(٣) أي الشديد ـ على وزان خشن .

(٤) على وزان عدة من الوتر بمعنى الانتقام .

٥٤

.......................................................................................

________________________________________________

قَطْرَها وَرِزْقَها ، وَبِكُمْ يَكْشِفُ اللهُ الْكَرْبَ ، وَبِكُمْ يُنَزِّلُ اللهُ الْغَيْثَ ، وَبِكُمْ تُسَبِّحُ الْأَرْضُ الَّتي تَحْمِلُ اَبْدانَكُمْ ، وَتَسْتَقِرُّ جِبالُها عَنْ مَراسيها ، اِرادَةُ الرَّبِّ في مَقاديرِ اُمُورِهِ تَهْبِطُ اِلَيْكُمْ ، وَتَصْدُرُ مِنْ بُيُوتِكُمْ » (١) .

والجملة الأخيرة هي التي تستلفت النظر وهي جديرة بالعناية والتدقيق . وهي إشارة إلى أنهم عليهم‌السلام وسائط فيضه تعالى على الاطلاق (٢) .

أما الولاية التشريعية بمعنى أن لهم الآمرية والناهوية الشرعية فزمام أمر الشرع في الأمر والنهي والسياسة وتدبير اُمور المسلمين من بيان الحكم والقضاوة واجراء الحدود وسوقهم إلى الحرب وأمثال هذا من جهتهم وأما من جهة عباد الله فعبارة عن وجوب طاعتهم ، وامتثال أوامرهم ، ومتابعتهم في شؤون الحياة الدينية ، الإدارية والسياسية والاجتماعية .

( قُلْ إِن كُنتُمْ تُحِبُّونَ اللَّـهَ فَاتَّبِعُونِي ) (٣) ، ( لَّقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللَّـهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ ) (٤) ، ( يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَطِيعُوا اللَّـهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَأُولِي الْأَمْرِ مِنكُمْ ) (٥) .

هذه هي الولاية التشريعية العامة الثابتة للإمام المعصوم بنص القرآن الحكيم والسنة القطعيّة (٦) .

__________________

(١) كامل الزيارات : ٢٠٠ ، الباب ٧٩ .

(٢) وهو بحث مذيل يمس اساس المذهب عند الخواص .

(٣) سورة آل عمران : ٣١ .

(٤) سورة الأحزاب : ٢١ .

(٥) سورة النساء : ٥٩ .

(٦) الأنوار الساطعة للشيخ جواد الكربلائي ، مع تصرف .

٥٥

الله

________________________________________________

لقد مرّ شرح كلمة « الولي » وأما كلمة « الله » :

فهو عَلَمٌ للذات الواجب الوجود المستجمع لجميع صفات الكمال ( الجلالية والجمالية ) والأسماء الحسنىٰ .

وفي الحديث : سأل عن معنى الله فقال : استولى على ما دق وجل . فالله معنى يدل عليها بهذه الأسماء وكلها غيره .

وهي أشمل أسماء رب العالمين من الراحمية والرازقية والمالكية و ... الخ .

فكل اسم ورد لله تعالى في القرآن الكريم أو غيره من الأدعية والأخبار يشير إلى جانب معين من صفات الله ولكن الاسم الوحيد الجامع لكل الصفات والكمالات الإلهية هو ( الله ) تعالى .

ولذلك اعتبرت بقية الأسماء صفات لكلمة ( الله ) مثل ( الغفور ) و ( الرحيم ) و ( العليم ) وغيرها .

فكلمة ( الله ) تعالى هي وحدها الجامعة ، ومن هنا اتخذت هذه الكلمة صفات عديدة في آية كريمة واحدة ، حيث يقول تعالى : ( هُوَ اللَّـهُ الَّذِي لَا إِلَـٰهَ إِلَّا هُوَ الْمَلِكُ الْقُدُّوسُ السَّلَامُ الْمُؤْمِنُ الْمُهَيْمِنُ الْعَزِيزُ الْجَبَّارُ الْمُتَكَبِّرُ ) (١) وإن أحد شواهد جامعية هذا الاسم ان الايمان والتوحيد لا يمكن اعلانه إلّا بعبارة « لا إله إلّا الله » دون غيرها مثل « لا إله إلّا القادر » فإنها لا تفي بالغرض ولهذا السبب يشار في الأديان الاُخرى إلى معبود المسلمين باسم ( الله ) فإنها خاصة بالمسلمين .

__________________

(١) سورة الحشر : ٢٣ .

٥٦

.......................................................................................

________________________________________________

وفي الحديث : يا هشام الله مشتق من إله ، والإله يقتضي مالوهاً ( معبوداً ) كان إلٰهاً إذ لا مألوه ، أي لم تحصل العبادة بعد ولم يخرج وصف العبودية من القوة إلى الفعل فسمى نفسه بالإله قبل ان يعبده أحد من العباد .

وقوله انه مشتق لا ينافي الأعلمية ( علماً ) فإن المراد الاشتقاق المعنوي أي معنى الله يقتضي مالوهاً (١) وإلّا فهو عَلَمٌ .

__________________

(١) الانوار الساطعة ٣ : ١٢٧ ، شرح زيارة الجامعة للشيخ جواد الكربلائي .

٥٧

وَحَبيبَه

________________________________________________

الحُبُّ : نقيض البُغض . والحُبُّ : الوداد والمحبّة ، وقال تعالى : ( فَإِنَّ اللَّـهَ لَا يُحِبُّ الْكَافِرِينَ ) أي لا يغفر لهم وقوله تعالى : ( يُحِبُّهُمْ وَيُحِبُّونَهُ ) قيل محبة الله للعباد إنعامه عليهم وأن يوفقهم لطاعته ويهديهم لدينه الذي ارتضاه ، وحب العباد لله أن يطيعوه ولا يعصوه .

وقيل : محبة الله صفة من صفات فعله ، فهي إحسان مخصوص يليق بالعبد ، وأما محبة العبد لله تعالى فحالة يجدها في قلبه يحصل منها التعظيم له وايثار رضاه والاستئناس بذكره .

وعن بعض المحققين : محبة الله للعبد كشف الحجاب عن قلبه وتمكينه من أن يطأ على بساط قربه ، فإن ما يوصف به سبحانه إنما يؤخذ باعتبار الغايات لا المبادئ ، وعلامة حبه للعبد توفيقه للتجافي عن دار الغرور والترقي إلى عالم النور والانس بالله والوحشة ممن سواه وصيرورة جميع هماً الهموم واحداً .

وفي الحديث : « إذا أحببتُ عبدي كنت سمعه الذي يسمع به ... » سيأتي ذكره .

قال في الكاشف : وعن الحسن زعم أقوام على عهد رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله أنهم يحبون الله فأراد أن يجعل لقولهم تصديقاً من عمل ، فمن ادعى محبته وخالف سنة رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله فهو كذاب وكتاب الله يكذّبه (١) .

قول الإمام الصادق عليه‌السلام في هذه الزيارة « السلام على ولي الله وحبيبه » يدل على أن الإمام الحسين عليه‌السلام قد وصل من القرب الالهي بحيث صار مظهر حب الله تعالى وهذا الكمال التام حاصل للإمام الحسين عليه‌السلام وكذلك لجميع الأئمة عليهم‌السلام ، حيث انهم تامون في ذواتهم وصفاتهم ، وفي أعمالهم وفي أفعالهم

__________________

(١) مجمع البحرين ٢ : ٣٠ .

٥٨

.......................................................................................

________________________________________________

وهذا الكمال الحاصل لهم إنما هو لاجل كونهم متصفين بكمال المحبة لله تعالى وبالعكس فهم مظاهر محبته تعالى ، وكيف لا والمؤمن هو محل لمحبته تعالى ؟!

فعن أُصول الكافي بإسناده عن أبي عبد الله عليه‌السلام في حديث ... إلى أن قال عليه‌السلام :

وذلك قول الله عزّ وجل : ( إِنَّ اللَّـهَ فَالِقُ الْحَبِّ وَالنَّوَىٰ ) فالحبّ طينة المؤمنين التي القى الله عليها محبته والنوى طينة الكافرين الذين نأوا عن كل خير ، وإنما سمي النوى من أجل أنه ناىٰ عن كل خير وتباعد منه .

وفيه عن تفسير العياشي عن المفضل ، قال : سألت أبا عبد الله عليه‌السلام عن قوله : ( إِنَّ اللَّـهَ فَالِقُ الْحَبِّ وَالنَّوَىٰ ) قال : « الحبّ المؤمن وذلك قوله : ( وَأَلْقَيْتُ عَلَيْكَ مَحَبَّةً مِّنِّي ) والنوى الكافرين الذي ناى عن الحق فلم يقبله » .

فالاستشهاد منه عليه‌السلام بهذه الآية لبيان المصداق من أن المؤمن مَن القيت عليه المحبة منه تعالى ، فهم عليهم‌السلام محل لمحبته تعالى وهم تامون في تلك المحبة ، كما ورد في زيارة الجامعة « وَالتَّامينَ في مَحبَّةِ الله » أي لا يكون منهم ما ليس في المحبة ، بل أفعالهم وذواتهم وصفاتهم متصفة بالمحبة ومن آثارها وليس للمحبة شيء من الواقع إلّا وهو فيهم عليهم‌السلام كما لا يخفى .

ثم إنهم عليهم‌السلام ـ كما هو ثابت في محله ـ علة الإيجاد ، علة فاعلية ، ومادية ، وصورية ، وغائية .

بيانه : أنه تعالى إنما خلق الخلق ، لكي يعرف كما دلّ عليه الحديث القدسي المشهور من قوله تعالى : « كنت كنزاً مخفياً فأحببت أن أُعرف فخلقت الخلق لكي أُعرف » ، فالمعرفة هي العلة للخلق وكما دلّ عليه قوله تعالى : ( وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْإِنسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ ) (١) وعن الإمام الحسين عليه‌السلام كما تقدم : « أيها الناس إنّ الله

__________________

(١) سورة الذاريات : ٥٦ .

٥٩

.......................................................................................

________________________________________________

ما خلق الخلق إلّا ليعرفوه ، فإذا عرفوه عبدوه ، وإذا عبدوه استغنوا بعبادته عن عبادة غيره ، قيل : يابن رسول الله ما معرفة الله ؟ قال : معرفة أهل كلّ زمان إمامهم الذي تجب عليهم طاعته » ، الحديث .

فعلم منه : أن الغاية للخلق هو المعرفة التي تترتب عليها العبادة ، التي ينبغي أن يعبد الله تعالى بها ، فالغاية هو المعرفة والعبادة عن معرفة ، وهذه المعرفة بصريح قوله عليه‌السلام ليست إلّا معرفة الإمام عليه‌السلام وذلك كما تقدم ليس إلّا لأجل أنهم عليهم‌السلام محال المعارف الإلهية ، بل هم نفسها كما علمت ، فيعلم من المجموع أنهم عليهم‌السلام متعلق الحب الإلهي ومظاهره ، لما هم عين معارفه حيث إنهم عليهم‌السلام عين أسمائه الحسنى التي عرف الله تعالى بها ، فهم عليهم‌السلام المحبوبون له تعالى ومظاهر الحب له تعالى ومعنى أنهم مظاهر حبّه أن المحبة التي هي العلة الذاتية للخلق ، فإن المعرفة وإن كانت هي العلة إلّا أنها بما هي محبوبة له تعالى تكون علّة وإلّا فلا ، كما لا يخفى .

وكيف كان إن المحبة بحقيقتها هي العلة للخلق ولا ريب في أن وجود أي موجود يقوم بالعلة الفاعلية والمادية والصورية والغائية كما حقق في محلّه ، فمعنى كون المحبة علة للخلق بأقسامها أن العلة الفاعلية ليست إلّا مظهراً للمحبة وهكذا البقية .

وحينئذٍ نقول : فهم عليهم‌السلام بما هم حقيقة المحبة له تعالى ، ومظهرها العلة الفاعلية للخلق ، بمعنى أن كل موجود وجدت بالمشية والمشية ظرفها قلوبهم عليهم‌السلام وهي شأن من شؤون المحبة ، فالمحبة الإلهية اقتضت المشية القائمة بنفوسهم عليهم‌السلام .

فالمشية وإن كانت علة فاعلية بمظاهرها إلّا أنها بالدقة تكون شأناً للمحبة ، فالمحبة هي العلة الفاعلية في الحقيقة ، وهي ليست إلّا قلوبهم المطهّرة فهم عليهم‌السلام العلة الفاعلية للخلق ، غاية الأمر بإذن الله تعالى حيث إنهم عليهم‌السلام بجميع شؤونهم

٦٠