النور المبين في شرح زيارة الأربعين

مهدي تاج الدين

النور المبين في شرح زيارة الأربعين

المؤلف:

مهدي تاج الدين


الموضوع : العرفان والأدعية والزيارات
الناشر: دار الأنصار
المطبعة: باقري
الطبعة: ١
ISBN: 964-8956-16-2
الصفحات: ٢٤٨
  نسخة مقروءة على النسخة المطبوعة

روى محمد بن سنان قال : سمعتُ أبا الحسن الرضا عليه‌السلام يقول : من أتى قبر الحسين عليه‌السلام كتب الله له حجة مبرورة (١) .

إنّ زيارة الحسين عليه‌السلام تعدل عتق الرقاب :

عن أبي سعيد المدائني ، قال : قلت لأبي عبد الله عليه‌السلام فقلت :

جعلت فداك أتي قبر ابن رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله قال : نعم يا أبا سعيد ائتِ قبر ابن رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله اطيب الطيبين واطهر الأطهرين وأبر الأبرار ، فإذا زرته كتب الله لك عتق خمسة وعشرين رقبة (٢) .

إنّ زوّار الحسين عليه‌السلام مشفّعون :

عن الإمام الصادق عليه‌السلام قال : إنّ الله تبارك وتعالى يتجلّى لزوار قبر الحسين عليه‌السلام قبل أهل عرفات ويقضي حوائجهم ويغفر ذنوبهم ويشفّعهم في مسائلهم ، ثم يثنّي بأهل عرفات فيفعل بهم ذلك (٣) .

إنّ زيارة الحسين عليه‌السلام يُنفّس بها الكرب وتُقضى بها الحوائج :

عن الإمام الصادق عليه‌السلام : قال : إنّ إلى جانبكم لقبراً ما أتاه مكروب إلّا نفّس الله كربته وقضى حاجته (٤) .

في جامع الأخبار : أن الله ( تعالى ) يخلق من عرق زوار الحسين عليه‌السلام من كل عرقة سبعين ألف ملك يسبحون الله ويهللونه .

وروي عن الإمام الصادق عليه‌السلام أنه قال : من زار الحسين عليه‌السلام أول يوم من رجب غفر الله له البتة .

__________________

(١) كامل الزيارات لابن قولويه القمي : ٢٩٤ ، الحديث ٤٨٢ .

(٢) الوسائل للحر العاملي ١٤ : ٤٤٨ .

(٣) مصباح المتهجد للشيخ الطوسي : ٤٩٧ .

(٤) بحار الأنوار ١٠١ : ٤٥ .

٢١

روي عن الإمام جعفر بن محمد الصادق عليه‌السلام قال : من زار قبر الحسين عليه‌السلام يوم عرفة كتب الله له ألف ألف حجة مع القائم ( عجل الله تعالى فرجه الشريف ) ، وألف ألف عمرة مع رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله ، وعتق ألف نسمة وحملان ألف فرس في سبيل الله ، وسماه الله عزّ وجل عبدي الصدّيق آمن بوعدي ، وقالت الملائكة فلان صديق زكّاه الله من فوق عرشه ، وسمى في الأرض وينادي منادي هذا من زوار الحسين ابن علي عليه‌السلام شوقاً إليه فلا يبقى أحد في القيامة إلّا تمنى يومئذ أنه كان من زوار الإمام الحسين عليه‌السلام (١) .

إن الله تعالى يبدأ بالنظر إلى زوار قبر الحسين عليه‌السلام عشية عرفة قبل أن ينظر إلى أهل الموقف ، وأن يوم عرفة له من الفضل ، وقد وردت أخبار كثيرة عن أهل البيت عليهم‌السلام منها ما رواه بشير الدهان عن الإمام الصادق عليه‌السلام وذلك حين سأله وقال له : سيدي ربما فاتني الوقوف بعرفات فأعرّف عند قبر الحسين عليه‌السلام فقال له الإمام أحسنت يا بشير أيما مؤمناً أتى قبر الحسين عليه‌السلام عارفاً بحقه في غير عيد يوم عرفة كتب له عشرون حجة وعشرون عمرة مبرورات متقبلات وعشرون غزوة مع نبي مرسل أو إمام عادل .

روي عن الإمام الباقر عليه‌السلام أنه قال : أربعة آلاف ملك شعث غبر يبكون الحسين عليه‌السلام إلى أن تقوم الساعة فلا يأتيه أحد إلّا استقبلوه ولا يرجع أحد إلّا شيّعوه ولا يمرض إلّا عادوه ولا يموت إلّا شيّعوه (٢) .

وفي كامل الزيارات روي عن الإمام الصادق عليه‌السلام قال : كان الحسين بن علي عليهما‌السلام ذات يوم في حجر النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله يلاعبه ويضاحكه فقالت عائشة :

__________________

(١) من مجالس عاشوراء للشيخ كاظم الاحسائي النجفي : ٣١٨ .

(٢) نفس المصدر .

٢٢

يا رسول الله ما أشد إعجابك بهذا الصبي ؟! فقال لها : ويلك وكيف لا أحبه ولا أعجب به وهو ثمرة فؤادي وقرة عيني ، أما إن أُمتي ستقتله فمن زاره بعد وفاته كتب الله له حجة من حججي ، فقالت : يا رسول الله حجة من حججك ، قال : نعم ، وأربعة ، قال : ولم تزل تزاده وهو صلى‌الله‌عليه‌وآله يزيد ويضعف حتى بلغ تسعين حجة من حجج رسول الله بأعمارها .

وأيضاً في الكامل عن يونس عن الرضا عليه‌السلام قال : من زار الحسين عليه‌السلام فقد حج واعتمر ، قلت : يطرح عنه حجة الإسلام قال : لا هي حجة الضعيف حتى يقوى ويحج إلى بيت الله الحرام ، أما علمت أن البيت يطوف به كل يوم سبعون ألف ملك حتى إذا أدركهم الليل صعدوا ونزل غيرهم فطافوا بالبيت حتى الصباح ، وإن الحسين عليه‌السلام لأكرم إلى الله من البيت ، وإنه في وقت كل صلاة لينزل عليه سبعون ألف ملك شعث غبر لا يقع عليهم النوبة إلى يوم القيامة .

وروي أن امرأة يقال لها أُم سعيد الأحمسية وهذه المرأة من أهل العراق وقد ذهبت إلى زيارة الشهداء في المدينة في زمان الإمام الصادق عليه‌السلام قالت : فجئت إلى الصادق عليه‌السلام فدخلت عليه فجاءت الجارية فقالت : قد جئتك بالدابة فقال عليه‌السلام : يا أُم سعيد أي شيء هذه الدابة أين تبغين تذهبين ، قلت : أزور قبور الشهداء ؛ فقال عليه‌السلام : ما أعجبكم يا أهل العراق تأتون الشهداء من سفر بعيد وتتركون سيد الشهداء ألا تأتونه ، قالت : فقلت له : مَن سيد الشهداء ؟ فقال عليه‌السلام : هو الإمام الحسين عليه‌السلام بن علي بن أبي طالب عليه‌السلام ، تقول : فقلت له : إني امرأة ، فقال : لا بأس لمن مثلك أن تذهب إليه وتزوره ، فقلت : أي شيء لنا في زيارته ، قال : كعدل حجة وعمرة واعتكاف شهرين في المسجد الحرام

٢٣

وصيامها وخير منها قالت : وبسط يده وضمها ثلاث مرات ، ثم قال عليه‌السلام : يا أُم سعيد تزورين قبر الحسين ، قالت : قلت : نعم ، قال : يا أُم سعيد زوريه فإنّ زيارته واجبة على الرجال والنساء (١) .

وفي البحار عن حنان بن سدير عن أبيه قال : قال أبو عبد الله عليه‌السلام : يا سدير تزور قبر الحسين في كل يوم ، قلت : لا ، فقال : ما أجفاكم فتزوره في كل شهر قلت : لا ، قال : أفتزوره في كل سنة ، قلت : قد يكون ذلك ، قال : يا سدير ما أفجاكم بالحسين عليه‌السلام ، أما علمت أن لله ألف ألف ملك شعث غبر يبكون فيزورون لا يفترون ، وعليك يا سدير أن تزور قبر الحسين في الجمعة خمس مرات وفي كل يوم مرة ، قلت : جعلت فداك بيننا وبينه فراسخ كثيرة ، قال لي : إصعد فوق سطحك ثم تلفت يمنة ويسرة ثم ترفع رأسك إلى السماء ثم تنحو نحو القبر وتقول : « السلام عليك يا أبا عبد الله ، السلام عليك ورحمة الله وبركاته » يكتب لك بكل زيارة حجة وعمرة .

روي عن محمد بن مسلم عن أبي جعفر عليه‌السلام قال : لو يعلم الناس ما في زيارة الحسين عليه‌السلام من الفضل لماتوا شوقاً إليه وتقطعت أنفاسهم عليه حسرات .

وقال عليه‌السلام : من أتاه متشوقاً كتب الله له ألف حجة متقبلة ، وألف عمرة مبرورة ، وأجر ألف شهيد من شهداء بدر ، وأجر ألف صائم وثواب ألف صدقة مقبولة ، وثواب ألف نسمة أُريد بها وجه الله ، ولم يزل محفوظاً سنة من كل آفة ، وإن مات في سنته حضرته الملائكة وهم ملائكة الرحمة ، يحضرون غسله وإكفانه والاستغفار له ، ويشيّعونه إلى قبره بالاستغفار له ، ويفسح له في قبره ، ويؤمنه الله

__________________

(١) نفس المصدر : ٣٢٠ .

٢٤

من ضغطة القبر ، ومن منكر ونكير أن يروعاه ، ويفتح له باب إلى الجنة ، ويعطى كتابه بيمينه ويعطى يوم القيامة نوراً ليضيء لنوره ما بين المشرق ، والمغرب وينادىٰ هذا من زوار قبر الحسين بن علي عليه‌السلام ، ثم يقول الإمام عليه‌السلام : إذا اغتسل الزائر من ماء الفرات تساقطت عنه ذنوبه كيوم ولدته أُمه (١) .

__________________

(١) نفس المصدر : ٣١٨ .

٢٥

في معنى الزيارة ووظائفها

قال في مجمع البحرين ، زاره يزوره زيارة : قصده ... إلى أن قال : والزيارة في العرف : قصد المزور اكراماً له وتعظيماً له واستيناساً به .

وقيل : الزيارة هي الحضور عند المزور وقيل : هي التشرف بمحضر الإمام عليه‌السلام ولا ريب في أن المعنى الأول يعمّ الزيارة من قريب أو بعيد فإن القصد عام وإن كان يتبادر منه قصد الزيارة من قريب .

وكيف كان فأكثر مصاديقها يلاحظ فيها المعنى العرفي ، فهي إذا لوحظت بالنسبة إلى العرف فمصاديقها ظاهرة عندهم ، وإذا لوحظت بالنسبة إلى الإمام عليه‌السلام حياً كان أو ميتاً فلها شرائط خاصّة زائدة على معناها اللغوي والعرفي سنشير إليها .

ثم على معنى أن حقيقة الزيارة هو الحضور عند المزور فتحقق هذا المعنى من الزائر لهم عليهم‌السلام مشكل جداً إلّا إذا عمل بوظائف الزيارة وهي على قسمين :

الأول : الوظائف التي تجب مراعاتها ظاهراً .

الثاني : التي تجب مراعاتها باطناً .

أمّا الأول : ففيه أُمور :

الأمر الأول : قال الله تعالى : ( فَاخْلَعْ نَعْلَيْكَ إِنَّكَ بِالْوَادِ الْمُقَدَّسِ طُوًى ) (١) ،

__________________

(١) سورة طه : ١٢ .

٢٦

وقال تعالى : ( يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَرْفَعُوا أَصْوَاتَكُمْ فَوْقَ صَوْتِ النَّبِيِّ وَلَا تَجْهَرُوا لَهُ بِالْقَوْلِ كَجَهْرِ بَعْضِكُمْ لِبَعْضٍ أَن تَحْبَطَ أَعْمَالُكُمْ وَأَنتُمْ لَا تَشْعُرُونَ * إِنَّ الَّذِينَ يَغُضُّونَ أَصْوَاتَهُمْ عِندَ رَسُولِ اللَّـهِ أُولَـٰئِكَ الَّذِينَ امْتَحَنَ اللَّـهُ قُلُوبَهُمْ لِلتَّقْوَىٰ لَهُم مَّغْفِرَةٌ وَأَجْرٌ عَظِيمٌ ) (١) .

دلّت هذه الآيات على لزوم إكرام الروضات المقدسة ، وخلع النعلين بعيداً عنها ولا سيما في الطف والغري لما روي أن الشجرة كانت في كربلاء وأن الغري قطعة من الطور ، فهما المحل الذي أمر موسى عليه‌السلام بتلك الآداب ، كما دلّت هذه الآيات على لزوم خفض الصوت عند قبر النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله وعدم جهر الصوت لا بالزيارة ولا بغيرها إلّا بالنحو المتعارف الذي يكون مصداقاً للصوت .

ولما روي ، كما عن المجلسي رحمه‌الله : إن حرمتهم بعد موتهم كحرمتهم في حياتهم .

وكذا عند قبور الأئمة عليهم‌السلام لما ورد : أن حرمتهم كحرمة النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله .

فعلم أنه لابد من إزالة ما به هتك إحترامهم ، ولابدّ من خفض الصوت عندهم .

الأمر الثاني : أن يكون متطهّراً من الحدث والخبث

قال الشهيد رحمه‌الله في الدروس : للزيارات آداب ، أحدها : الغسل قبل دخول المسجد ، والكون على طهارة ، فلو أحدث أعاد الغسل ، قاله المفيد رحمه‌الله ، وإتيانه بخضوع وخشوع في ثياب طاهرة نظيفة جدد .

فعن أبي عبد الله عليه‌السلام في قوله تعالى : ( خُذُوا زِينَتَكُمْ عِندَ كُلِّ مَسْجِدٍ ) (٢) ، قال عليه‌السلام : الغسل عند لقاء كل إمام .

__________________

(١) سورة الحجرات : ٢ و ٣ .

(٢) سورة الأعراف : ٣١ .

٢٧

مضافاً إلى ما روي في البحار (١) عن قرب الأسناد عن أبي سعد ، عن الأزدي قال : خرجنا من المدينة نريد منزل أبي عبد الله عليه‌السلام فلحقنا أبو بصير خارجاً من زقاق من أزقة المدينة وهو جنب ، ونحن لا علم لنا حتى دخلنا على أبي عبد الله عليه‌السلام فسلمنا عليه فرفع رأسه إلى أبي بصير فقال له : يا أبا بصير أما تعلم إنه لا ينبغي للجنب أن يدخل بيوت الأنبياء . فرجع أبو بصير ودخلنا .

وعن كتاب فرحة الغري (٢) عن أبي عبد الله الصادق عليه‌السلام قال : إذا أردت زيارة قبر أمير المؤمنين عليه‌السلام فتوضأ واغتسل وامش على هيئتك وقل ، الخبر .

والأخبار الدالة عليه كثيرة في مطاوي أحاديث الزيارات ، إلّا أنه وقع الكلام في وقت غسل الزيارة ، وأنه لابد من اتصاله بالزيارة ، أو يكفي غسل اليوم إلى الليل ، وغسل الليل إلى طلوع الفجر وإن نام وأحدث .

ففي البحار عن التهذيب عن عمر بن يزيد عن أبي عبد الله عليه‌السلام قال : من اغتسل بعد طلوع الفجر كفاه غسله إلى الليل في كل موضع يجب فيه الغسل ، ومن اغتسل ليلاً كفاه غسله إلى طلوع الفجر .

قال المجلسي رحمه‌الله : الظاهر أن المراد بالوجوب هنا اللزوم والاستحباب المؤكّد .

وفيه عن السرائر : جميل عن حسين الخراساني عن أحدهما عليهما‌السلام أنه سمعه يقول : غسل يومك يجزيك لليلتك ، وغسل ليلتك يجزيك ليومك .

قال رحمه‌الله : هذا الخبر الذي أخرجه ابن إدريس من كتاب جميل ، الذي أجمعت العصابة على تصحيح ما يصح عنه ، تدل على ما هو أوسع من الخبر المتقدم ، وأنه إذا اغتسل في أول اليوم يجزيه إلى آخر الليل وبالعكس .

__________________

(١) بحار الأنوار ١٠٠ : ١٢٦ .

(٢) بحار الأنوار ١٠٠ : ٢٧١ .

٢٨

الأمر الثالث : الطواف بمراقد النبي والأئمة عليهم‌السلام :

قد اشتهر في أنه هل يجوز الطواف بمراقد النبي والأئمة عليهم‌السلام أم لا ؟ فقيل بالثاني استناداً إلى ما عن علل الشرائع كما في البحار (١) بإسناده عن أبي عبد الله عليه‌السلام قال : لا تشرب وأنت قائم ولا تطف بقبر ، ولا تبل في ماء نقيع فإنه من فعل ذلك فأصابه شيء فلا يلومنّ إلّا نفسه ، ومن فعل شيئاً من ذلك لم يكن يفارقه إلّا ما شاء الله .

قال صاحب الأنوار الساطعة فيه (٢) : ما لا يخفى من المنع توضيحه : قال في المجمع : والطواف الغائط ومنه الخبر : لا يصل أحدكم وهو يدافع الطواف ، ومنه الحديث : لا تبل في مستنقع ولا تطف بقبر .

فعلم أن المراد من قوله : ولا تطف بقبر ، وهو النهي عن التغوط .

ويؤيده ما قاله في النهاية : الطوف ، الحدث من الطعام ، ومنه الحديث نهى عن متحدثين على طوفهما أي عند الغائط .

وهناك شواهد أُخر من الأحاديث على أن المراد منه هو التغوط ، ففي حديثين وردا عن راو واحد بسياق واحد في بيان موجبات تسرّع الشيطان إلى الإنسان وهي أُمور : منها التخلي عند قبر وذكر في الآخر ولا تطف بقبر مكانه فيعطى الظن القوي بأن المراد من قوله لا تطف بقبر هو النهي عن التخلي عند قبر ، وتوضيحه في محله على أنه يمكن النهي عنه بعنوان طواف البيت من حيث العدد المخصوص .

مضافاً إلى إنه ورد في الزيارة الجامعة لأئمة المسلمين عليهم‌السلام إلّا أن نطوف حول مشاهدكم . وفي بعض الروايات : قبّل جوانب القبر .

__________________

(١) بحار الأنوار ١٠٠ : ١٢٦ .

(٢) في شرح زيارة الجامعة للشيخ جواد الكربلائي ١ : ٣٦٨ .

٢٩

وفي الكافي بإسناده عن محمد بن أبي العلاء قال : سمعت يحيى بن أكثم قاضي سامراء بعد ما جهدت به وناظرته وحاورته ، وواصلته وسألته عن علوم آل محمد صلى‌الله‌عليه‌وآله قال : بينا أنا ذات يوم دخلت أطوف بقبر رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله فرأيت محمد ابن علي الرضا عليه‌السلام يطوف به فناظرته في مسائل عندي فأخرجها إليّ ، الخبر .

في فهذا الخبر صريح بأنه عليه‌السلام كان يطوف بالقبر الشريف .

نعم الأحوط أن لا يطوف إلّا للإتيان بالأدعية والأعمال المأثورة لما حول القبر .

والحاصل : أن المشي حول القبر مطلقاً بقصد تقبيل جوانب القبر ، أو ذكر الأدعية الواردة ليس طوافاً كطواف البيت ، وإن أطلق عليه لفظ الطواف ، بل الظاهر أن المشي حول البيت بدون قصد المأمور به ليس الطواف الشرعي الذي هو من أعمال الحج والعمرة . نعم هو طواف لغوي كالطواف حول القبور .

فالظاهر أنه لا إشكال في الطواف بهذا المعنى حول قبور الأئمة عليهم‌السلام .

هذا مع أنه يمكن تخصيص المنع بقبر غير المعصوم جمعاً وبين ما دلّ على عمل المعصوم الطواف به كما تقدم .

الأمر الرابع : تقبيل القبور :

فالظاهر أنه مما لا خلاف فيه بين الإمامية في جوازه بل استحبابه .

ويدل عليه ما في مطاوي أحاديث الزيارات من قوله عليه‌السلام : قبّل جوانب القبر وغيره ، وقد نقل الشهيد رحمه‌الله في الدروس بوجود نص على التقبيل .

نعم ، هل يجوز تقبيل العتبة أم لا ؟ قولان ، أقواهما الأول ، قال الشهيد في الدروس : ولا كراهة في تقبيل الضرائح بل هو سنة عندنا ، ولو كان هناك تقيّة فتركه أولى .

وأما تقبيل الأعتاب فلم نقف فيه على نص يعتد به ، ولكن عليه الإمامية ، ولو سجد الزائر ونوى بالسجدة الشكر لله تعالى على بلوغه تلك البقعة كان أولى .

٣٠

قال صاحب الأنوار الساطعة : لم نعلم كون الهوي لتقبيل العتبة من السجدة حتى يقصد بها سجدة الشكر ، وإلّا لكان مطلق الهوي لتقبيل زوجته النائمة سجدة ، وهو كما ترى بل المتراءى من العوام أن القصد من الهوي هو التعظيم له عليه‌السلام بتقبيل العتبة ، على أن الكلام في هذا الهوي المطلق ، وإلّا فلا ريب في عدم جواز السجدة لغير الله تعالى حتى يقال في المقام بأولوية قصد سجدة الشكر فراراً عن السجدة لغيره تعالى بل هو واجب حينئذ . فتأمل (١) .

وعلى أيّ حال تقبيل العتبة لا إشكال فيه ، ولو لم يقصد السجدة تمسكاً بمطلقات تقبيل العتبة .

نعم قد يقال : إن المنصرف من العتبة هو الخشية الرافعة في أطراف الباب لا الملتصقة بالأرض ، وفيه ما لا يخفى من البعد ومنع الانصراف .

وفي المجمع : والعتبة أُسكفّة الباب والجمع عتب ، وهو كما ترى مطلق يشمل الخشبة الملتصقة بالأرض .

الأمر الخامس : في وقت الزيارة ومحلّها :

قال صاحب الأنوار الساطعة في شرح زيارة الجامعة : أما أصلها فيقتصر على الإتيان بها في المأثور في الزيارات أو الإتيان بها رجاءً .

وأما وقتها : قال الشهيد رحمه‌الله في الدروس : ومن دخل المسجد والإمام يصلي بدأ بالصلاة قبل الزيارة ، وكذلك لو كان حضر وقتها وإلّا فالبدءة بالزيارة أولى ؛ لأنّها مقصده ، إلى أن قال : وينبغي مع كثرة الزائرين أن يخفف السابقون إلى الضريح الزيارة وينصرفوا ؛ ليحضر من بعدهم فيفوزوا من القرب إلى الضريح بما فاز أُولئك .

__________________

(١) وجه التأمل أنه لعل المراد من قوله رحمه‌الله ولو سجد الزائر الخ انه يسجد لله تعالى عوض الهوى للتقبيل لا ان الهوى للتقبيل يكون سجدة مطلقاً فيكون الأولى قصد سجدة الشكر فتدبّر .

٣١

وقال في مكان الزيارة : وثالثها من الآداب : الوقوف على الضريح ملاصقاً له أو غير ملاصق ، وتوهم أن البعد أدب وهم فقد نصّ على الاتكاء على الضريح وتقبيله .

وأما محل صلاة الزيارة ، قال فيه رحمه‌الله : سادسها : صلاة ركعتين للزيارة عند الفراغ ، فإن كان زائراً للنبي صلى‌الله‌عليه‌وآله ففي الروضة ، وإن كان لأحد الأئمة عليهم‌السلام فعند رأسه ، ولو صلاهما بمسجد المكان جاز ، ورويت رخصة في صلاتهما إلى القبر ولو استدبر القبلة وصلّى جاز ، وإن كان غير مستحسن إلّا مع البعد .

فعن الاحتجاج : كتب الحميري إلى الناحية المقدسة يسأل عن الرجل يزور قبور الأئمة عليهم‌السلام هل يجوز أن يسجد على القبر أم لا ؟ وهل يجوز لمن صلّى عند بعض قبورهم عليهم‌السلام أن يقوم وراء القبر ويجعل القبر قبلة ، أم يقوم عند رأسه أو رجليه ؟ وهل يجوز أن يتقدم القبر ويصلي ويجعل القبر خلفه أم لا ؟

فأجاب ( صلوات الله عليه ) : أما السجود على القبر فلا يجوز في نافلة ولا فريضة ولا زيارة ، والذي عليه العمل أن يضع خدّه الأيمن على القبر ، وأما الصلاة فإنها خلفه ، ويجعل القبر أمامه ، ولا يجوز أن يصلي بين يديه ولا عن يمينه ولا عن يساره ، لأن الإمام عليه‌السلام لا يتقدم عليه ولا يساوى .

وفيه عن علل الشرائع بإسناده عن زرارة عن أبي جعفر عليه‌السلام قال : قلت له : الصلاة بين القبور ؟ قال : صل بين خلالها ولا تتخذ شيئاً منها قبلة ، فإن رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله نهى عن ذلك ، وقال : لا تتخذوا قبري قبلة ولا مسجداً ، فإن الله عزّ وجل لعن الذين اتخذوا قبور أنبيائهم قبلة .

لا إشكال في جعل القبر أمامه في الصلاة ، وأما السجود عليه فلا ، وأما التقدم أو التساوي على القبر ففتاوى العلماء مختلفة والأغلب عدم الجواز ، كلّ ذلك بلا فرق بين الصلاة الواجبة أو المستحبة بأقسامها .

٣٢

وهناك أُمور أُخر لابد من ملاحظتها ، فعن الشهيد رحمه‌الله إنه ذكر أُموراً في الدروس تقدم بعضها :

منها : استقبال وجه المزور واستدبار القبلة حال الزيارة هذا في زيارة الإمام عليه‌السلام وأما غيره فالأمر بالعكس كما ذكره المحدث القمي .

ومنها : الزيارات المأثورة للنهي عن الزيارات والأدعية المخترعة .

روى الكليني رحمه‌الله عن عبد الرحيم القصير قال : دخلت على الصادق عليه‌السلام فقلت : جعلت فداك قد اخترعت دعاء من نفسي ، فقال عليه‌السلام : دعني اختراعك ، إذا عرضتك حاجة فلذ برسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله وصل ركعتين واهدهما إليه ، الخبر .

ومنها : الدعاء خصوصاً بعد الصلاة .

ومنها : التصديق بشيء على السدنة والحفظة للمشهد الشريف .

ومنها : تعجيل الخروج عند قضاء الوطر من الزيارة لتعظم الحرمة ، ويشتد الشوق كما علمت من قوله صلى‌الله‌عليه‌وآله : زرني غبّاً تزود حبّاً .

ومنها : إن الخارج يمشي القهقري حتى يتوارى كما روي .

ومنها : تلاوة القرآن عند المزور وإهدائه له فإن ذلك تعظيم للمزور .

ومنها : إذا دخل قدّم رجله اليمنى وإذا خرج فباليسرى كالمسجد .

ومنها : أن يلبس ثياباً طاهرة نظيفة ويحسن أن تكون بيضاء .

ومنها : أن يقصر خطاه إذا خرج إلى الروضة المقدسة لما له من ثواب حج وعمرة لكلّ خطوة كما روي وأن يسير وعليه السكينة والوقار بحال الخشوع والخضوع مطأطأ رأسه غير ملتفت إلى الجوانب ، ومع هذا يكون لشأنه مشتغلاً بالتكبير والتسبيح والتهليل والتمجيد والصلاة على محمد وآله ، وأن يزور الإمام قائماً على قدميه إلّا إذا استولى عليه الضعف ونحوه من الأعذار .

ومنها : التطيب بالطيب فيما عدا زيارة الحسين عليه‌السلام فإن زيارته له أدب خاص .

٣٣

ففي كامل الزيارات بإسناده عن كرام بن عمرو قال : قال أبو عبد الله عليه‌السلام لكرام : إذا أردت أنت قبر الحسين عليه‌السلام فزره وأنت كئيب حزين شعث مغبّر فإن الحسين عليه‌السلام قتل وهو كئيب حزين شعث مغبّر جائع عطشان .

وأمّا الثاني : أعني الوظائف التي تجب مراعاتها باطناً

قال الشهيد رحمه‌الله ، في الآداب : وثانيها : الوقوف على بابه والدعاء والاستيذان بالمأثور ، فإن وجد خشوعاً ورقّة دخل وإلّا فالأفضل له تحري زمان الرقّة ، لأن الغرض الأهم حضور القلب ليلقى الرحمة النازلة من الرب .

وقال : وتاسعها : إحضار القلب في جميع أحواله مهما استطاع ، والتوبة من الذنب والاستغفار والإقلاع ( أي البناء على ترك العود إلى الذنب بنية صادقة جازمة ) .

فإن المستفاد من الأحاديث هو لزوم تحصيل حضور القلب في الزيارة ، خصوصاً عند الاستيذان وقبل الزيارة وهي بأُمور : منها التفكر في عظمة صاحب القبر ، وأنه يرى مقامه ويسمع كلامه ويرد سلامه ، والتدبر في لطفهم وحبهم لشيعتهم وزائريهم ، والتأمل في فساد حاله وجفائه لهم عليهم‌السلام بالتقصير عن أداء حقوقهم وحقوق شيعتهم ، والعمل بوظائفه بالنسبة إلى دينه وشرعه ، وأن يتمثل نفسه بحالات توجب له البكاء والرقة والحنين .

٣٤

السر في عدد الأربعين

لا يعرف أحد السرّ الدفين في عدد « الأربعين » وفلسفته الوجوديّة ، وامتيازه على الأعداد الأُخرى والأرقام الثانية ، حيث نواجه في الأحاديث المأثورة عن رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله وأهل بيته الكرام ، تركيزاً كثيراً في شتّى المجالات والمواضيع على هذا العدد : « الأربعين » بالذات ، ممّا يسترعي الانتباه والوقوف أمام هذه الظاهرة الفريدة بين الأعداد والأرقام . كما أن القرآن الكريم عند سرده لقصص بعض الأنبياء العظام يومء إلى دور هذا العدد في حياة النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله .

وإليك بعض التفصيل لما ألمحنا إليه من القرآن الكريم والسنة الشريفة . وهو :

تحدّث القرآن الكريم عن قوم موسى عليه‌السلام وتقهقرهم على ما كانوا من الكفر والضلال عندما تأخر عنهم موسى عليه‌السلام أربعين ليلة قائلاً : ( وَإِذْ وَاعَدْنَا مُوسَىٰ أَرْبَعِينَ لَيْلَةً ثُمَّ اتَّخَذْتُمُ الْعِجْلَ مِن بَعْدِهِ وَأَنتُمْ ظَالِمُونَ ) (١) .

كما وأن القرآن الكريم قد جاء على ذكر قوم موسى عليه‌السلام ، وما تلقّوا من العذاب في الدنيا بعد أن رفضوا الانصياع له عليه الصلاة والسلام ، متحدثاً :

( قَالَ فَإِنَّهَا مُحَرَّمَةٌ عَلَيْهِمْ أَرْبَعِينَ سَنَةً يَتِيهُونَ فِي الْأَرْضِ فَلَا تَأْسَ عَلَى الْقَوْمِ الْفَاسِقِينَ ) (٢) بعد أن أمر موسى عليه‌السلام قومه بالدخول في الأرض المقدسة حسب

__________________

(١) البقرة : ٥١ .

(٢) المائدة : ٢٦ .

٣٥

ما يحكي القرآن الكريم ( يَا قَوْمِ ادْخُلُوا الْأَرْضَ الْمُقَدَّسَةَ الَّتِي كَتَبَ اللَّـهُ لَكُمْ وَلَا تَرْتَدُّوا عَلَىٰ أَدْبَارِكُمْ فَتَنقَلِبُوا خَاسِرِينَ ) . ولكن قومه تعنتوا وتمرّدوا و ( قَالُوا يَا مُوسَىٰ إِنَّا لَن نَّدْخُلَهَا أَبَدًا مَّا دَامُوا فِيهَا فَاذْهَبْ أَنتَ وَرَبُّكَ فَقَاتِلَا إِنَّا هَاهُنَا قَاعِدُونَ ) فتاهوا أربعين سنة في البيداء .

وفي مجال ثالث يربط القرآن الكريم بين بلوغ الأشدّ وكمال العقل لدى الإنسان من جهة وبين البلوغ للعام الأربعين من جهة أُخرى حيث يقول عزّ من قائل : ( حَتَّىٰ إِذَا بَلَغَ أَشُدَّهُ وَبَلَغَ أَرْبَعِينَ سَنَةً قَالَ رَبِّ أَوْزِعْنِي أَنْ أَشْكُرَ نِعْمَتَكَ ) (١) ففي هذه الموارد الثلاثة يؤكد القرآن الكريم على عدد « الأربعين » .

وأما الأحاديث التي جاءت على ذكر عدد الأربعين في مجالات مختلفة فكثيرة :

منها : إستحباب شهادة أربعين مؤمناً بالخير والإيمان للمؤمن الذي رحل من الدنيا .

عن أبي عبد الله عليه‌السلام إنه قال : « إذا مات المؤمن فحضر جنازته أربعون رجلاً من المؤمنين فقالوا اللهم إنا لا نعلم منه إلّا خيراً وأنت أعلم به منّا قال الله تبارك وتعالى قد أجزت شهادتكم وغفرت له ما علمت مما لا تعلمون » (٢) .

ومنها : إستحباب اجتماع أربعين شخصاً في الدعاء والمسألة من الله سبحانه .

عن أبي خالد قال : قال أبو عبد الله عليه‌السلام « ما من رهط أربعين رجلاً اجتمعوا فدعوا الله عزّ وجل في أمر إلّا استجاب لهم » (٣) .

__________________

(١) الأحقاف : ١٥ .

(٢) وسائل الشيعة ٢ : ٩٢٥ ، الباب ٩٠ من أبواب الدفن ، الحديث ١ .

(٣) وسائل الشيعة ٤ : ١١٤٣ ، الباب ٣٨ من أبواب الدعاء ، الحديث ١ .

٣٦

ومنها : إستحباب دعاء الإنسان لأربعين شخصاً من المؤمنين قبل دعائه لنفسه .

عن أبي عبد الله عليه‌السلام قال : « من قدّم في دعائه أربعين من المؤمنين ثم دعا لنفسه استجيب له » (١) .

ومنها : تأكد إستحباب زيارة الحسين عليه‌السلام يوم الأربعين من مقتله وهو يوم العشرين من سفر .

عن أبي محمد الحسن بن علي العسكري عليه‌السلام إنه قال : « علامات المؤمن خمس : صلاة الخمسين ، وزيارة الأربعين ، والتختم باليمين ، وتعفير الجبين ، والجهر ببسم الله الرحمن الرحيم » (٢) .

ومنها : إستحباب رش القبر بالماء بعد الدفن وتكراره أربعين شهراً أو أربعين يوماً وفي كل يوم مرّة واحدة .

عن محمد بن الوليد إن صاحب المقبرة سأله عن قبر يونس بن يعقوب وقال : « من صاحب هذا القبر فإنّ أبا الحسن علي بن موسى الرضا عليه‌السلام أمرني أن أرش قبره أربعين شهراً أو أربعين يوماً في كل يوم مرة » (٣) .

ومنها : إن آثار الإخلاص لله تتفجر لدى المؤمن إذا استمر عليه لمدة أربعين يوماً .

عن أبي جعفر عليه‌السلام قال : « ما أخلص عبد الإيمان بالله أربعين يوماً أو قال ما أجمل عبد ذكر الله أربعين يوماً إلّا زهده الله في الدنيا ، وبصره دائها ودوائها ، وأثبت الحكمة في قلبه وأنطق بها لسانه ... » (٤) .

__________________

(١) وسائل الشيعة ج ٤ ، الباب ٤٥ من أبواب الدعاء ، الحديث ٥ .

(٢) وسائل الشيعة ج ١٠ ، الباب ٥٦ من أبواب المزار وما يناسبه .

(٣) وسائل الشيعة ٢ : ٨٦٠ ، الباب ٣٢ من أبواب الدفن ، الحديث ٦ .

(٤) بحار الأنوار ٧٠ : ٢٤٠ ، الحديث ٨ .

٣٧

ومنها : احتباس الوحي عن النبي موسى عليه‌السلام أربعين صباحاً (١) وأن مدّة ملك داود عليه‌السلام كانت أربعين سنة (٢) وأن الوحي قد احتبس عن النبي محمد صلى‌الله‌عليه‌وآله أربعين يوماً (٣) .

كما قيل إن الله سبحانه وتعالى قد جعل إنتقال الإنسان في أصل الخلقة من حال إلى حال في أربعين يوماً كالانتقال من النطفة إلى العلقة ، ومن العلقة إلى المضغة ومن المضغة إلى العظام ومنها إلى اكتساء اللحم (٤) .

وأورد المحقق الخبير الشيخ آقا بزرگ الطهراني في « الذريعة » (٥) إثنا عشر كتاباً لعلمائنا الكبار القدامى باسم « الأربعون » مثل « الأربعون مسألة » للشيخ جمال الدين حسن بن يوسف بن المطهر الحلي المتوفّى عام ( ٦٠٦ هـ ) الموافق عام ( ١١٨٥ م ) . و « الأربعون مسألة » للشيخ شمس الدين محمد بن مكي الشهيد عام ( ٧٨٦ هـ ) الموافق سنة ( ١٣٦٦ م ) .

كما أن جمعاً من علمائنا العظام رضوان الله تعالى عليهم وضعوا كتباً اسموها بـ « الأربعينيات » لاستقصاء ما ورد ذكر الأربعين فيها . مثل « الأربعونيّات » للشيخ حبيب الله بن شيخ الحكماء . و « الأربعونيات » للعلامة النوري قدس الله نفسه .

فنستظهر من الآيات الكريمة والأحاديث النبوية الشريفة ، واهتمام العلماء بعدد الأربعين في تصانيفهم القيّمة ، أن لهذا العدد شأناً قد لا يتوفر في الأعداد والأرقام الأُخرى .

__________________

(١) بحار الأنوار ١٣ : ٢٨ ، الحديث ٩ .

(٢) بحار الأنوار ١٤ : ١٥ ، الحديث ٢٣ .

(٣) بحار الأنوار ١٦ : ١٣٦ .

(٤) بحار الأنوار ٧٠ : ٢٤١ .

(٥) الذريعة ١ : ٤٣٤ ، دار الأضواء ـ بيروت .

٣٨

ومن جملة تلك الروايات المأثورة عن أهل البيت عليهم‌السلام واهتمامات علمائنا الأبرار ، الأحاديث المعروفة المشهورة بـ « حفظ أربعين حديثاً » .

عن أبي عبد الله الصادق عليه‌السلام قال : « من حفظ من شيعتنا أربعين حديثاً بعثه الله عزّ وجل يوم القيامة عالماً فقيهاً ولم يعذّبه » (١) .

وعن أنس قال : قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله : « من حفظ عني من أُمتي أربعين حديثاً في أمر دينه يريد به وجه الله عزّ وجل والدار الآخرة بعثه الله يوم القيامة فقيهاً عالماً » (٢) .

وغير ذلك من الأخبار المنقولة عن المعصومين عليهم‌السلام التي تفوق حدّ الإحصاء . قال المجلسي رحمه‌الله : « هذا المضمون مشهور مستفيض بين الخاصّة والعامّة بل قيل إنه متواتر » (٣) .

وذكر الباحث المدقق الطهراني في « الذريعة » (٤) سبع وسبعين كتاباً باسم ( الأربعون حديثاً ) للعلماء والفقهاء والمحدثين ابتداءاً من القرن الرابع الهجري حسب إحصائه إلى القرن الرابع عشر الهجري . ونجد بأن هذه الكتب مختلفة فيما بينها من ناحية الموضوع والمضمون ، رغم اتفاق جميع هذه الكتب في اسم واحد هو : « أربعون حديثاً » إذ أن قسماً منها في مناقب الفقراء خاصة وقسماً آخر في خصوص الإمامة ، وقسماً ثالثاً في فضائل أمير المؤمنين وقسماً رابعاً في الأحكام والأخلاق وخامساً في فضيلة العلم وسادساً في الطب وسابعاً في الأخلاق .

__________________

(١) بحار الأنوار ٢ : ١٥٣ ، الحديث ١ .

(٢) بحار الأنوار ٢ : ١٥٤ ، الحديث ٥ .

(٣) بحار الأنوار ٢ : ١٥٦ ، الحديث ٥ .

(٤) الذريعة ١ : ٤٠٩ .

٣٩

متن زيارة أربعين الإمام الحسين عليه‌السلام

رواها الشيخ في التهذيب (١) والمصباح عن صفوان الجمّال قال ، قال لي مولاي الصادق عليه‌السلام في زيارة الأربعين ، تزول عند ارتفاع النهار وتقول :

اَلسَّلامُ عَلىٰ وَلِيِّ اللهِ وَحَبيبهِ ، اَلسَّلامُ عَلىٰ خَليلِ اللهِ وَنَجيبِهِ ، اَلسَّلامُ عَلىٰ صَفِيِّ اللهِ وَابْنِ صَفِيِّهِ ، اَلسَّلامُ عَلىَ الْحُسَيْنِ الْمَظْلُومِ الشَّهيدِ ، اَلسَّلامُ علىٰ اَسيرِ الْكُرُباتِ ، وَقَتيلِ الْعَبَراتِ ، اَللّهُمَّ اِنّي اَشْهَدُ اَنَّهُ وَلِيُّكَ وَابْنُ وَلِيِّكَ ، وَصَفِيُّكَ وَابْنُ صَفِيِّكَ ، الْفآئِزُ بِكَرامَتِكَ ، اَكْرَمْتَهُ بِالشَّهادَةِ ، وَحَبَوْتَهُ بِالسَّعادَةِ ، وَاَجْتَبَيْتَهُ بِطيبِ الْوِلادَةِ ، وَجَعَلْتَهُ سَيِّداً مِنَ السّادَةِ وَقآئِداً مِنَ الْقادَةِ ، وَذآئِداً مِنْ الْذادَةِ ، وَاَعْطَيْتَهُ مَواريثَ الْأَنْبِيآءِ ، وَجَعَلْتَهُ حُجَّةً عَلىٰ خَلْقِكَ مِنَ الْأَوْصِيآءِ ، فَاَعْذَرَ فيِ الدُّعآءِ ، وَمَنَحَ النُّصْحَ ، وَبَذَلَ مُهْجَتَهُ فيكَ ، لِيَسْتَنْقِذَ عِبادَكَ مِنَ الْجَهالَةِ وَحَيْرَةِ الضَّلالَةِ ، وَقَدْ تَوازَرَ عَلَيْهِ مَنْ غَرَّتْهُ الدُّنْيا ، وَباعَ حَظَّهُ بِالْأَرْذَلِ الْأَدْنىٰ ، وَشَرىٰ آخِرَتَهُ بِالثَّمَنِ الْأَوْكَسِ ،

__________________

(١) عن التهذيب قال : اخبرنا جماعة من أصحابنا عن أبي محمد هارون بن موسى بن أحمد التلعكبري ، قال : حدثنا محمد بن علي بن معمر ، قال : حدثني أبو الحسن علي بن محمد بن مسعدة والحسن بن علي بن فضال عن سعدان بن مسلم عن صفوان بن مهران الجمال ، وعن وسائل الشيعة باب تأكّد استحباب زيارة الحسين عليه‌السلام في يوم الأربعين من مقتله وهو يوم العشرين من صفر . قال روي عن أبي محمد الحسن العسكري عليه‌السلام أنه قال : علامات المؤمن خمس : صلاة إحدى والخمسين وزيارة الأربعين والتختم في اليمين وتعفير الجبين والجهر ببسم الله الرحمن الرحيم .

٤٠