النور المبين في شرح زيارة الأربعين

مهدي تاج الدين

النور المبين في شرح زيارة الأربعين

المؤلف:

مهدي تاج الدين


الموضوع : العرفان والأدعية والزيارات
الناشر: دار الأنصار
المطبعة: باقري
الطبعة: ١
ISBN: 964-8956-16-2
الصفحات: ٢٤٨
  نسخة مقروءة على النسخة المطبوعة

.......................................................................................

________________________________________________

آيات كثيرة وأخبار متواترة تزيد على مئتين بل عن بعضهم وقف على ستمائة وعشرين حديثاً .

وفي الجامعة : « معترف بكم ، مؤمن بإيابكم ، مصدّق برجعتكم ، منتظر لأمركم ، مرتقب لدولتكم » .

وفي الدعوات والزيارات المأثورة عن المعصومين ما لا يحصى ممّا يدلّ على هذا المدعى صريحاً .

وفي بعض الأخبار عن الصادق عليه‌السلام : « أيام الله ثلاثة : يوم يقوم القائم ، ويوم الكرّة ، ويوم القيامة » (١) .

وفي بعضها عنه عليه‌السلام : « إن أول من يكرّ في الرجعة الحسين بن علي عليه‌السلام فيمكث في الأرض أربعين سنة حتّى يسقط حاجباه على عينيه » (٢) .

وفي بعضها : عن جميل عنه عليه‌السلام قال : قلت له : قول الله ( إِنَّا لَنَنصُرُ رُسُلَنَا وَالَّذِينَ آمَنُوا فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَيَوْمَ يَقُومُ الْأَشْهَادُ ) (٣) قال : ذلك والله في الرجعة ، أما علمت أنّ أنبياء الله كثيرة لم ينصروا في الدُّنيا وقتلوا ، وأئمة قتلوا ولم ينصروا ، فذلك في الرجعة قلت : ( وَاسْتَمِعْ يَوْمَ يُنَادِ الْمُنَادِ مِن مَّكَانٍ قَرِيبٍ * يَوْمَ يَسْمَعُونَ الصَّيْحَةَ بِالْحَقِّ ذَٰلِكَ يَوْمُ الْخُرُوجِ ) (٤) .

__________________

كثير من الأوقات بالتوحيد والنبوّة والإمامة والمعاد .

وفي نفس الوقت أنكروا ذلك أعلام العامّة منهم الفخر الرازي في تفسيره ٢٤ : ٢١٧ ـ ٢١٨ ، وابن أبي الحديد في شرح النهج ٧ : ٥٩ والزمخشري ، وابن خلدون وابن الأثير .

(١) أخرجه الصدوق في الخصال : ١٠٨ ، الحديث ٧٥ ، وفي معاني الأخبار : ٣٦٥ ، الحديث ١ .

(٢) أخرجه الحلّي في مختصر البصائر : ١٨ .

(٣) سورة غافر : ٥١ .

(٤) سورة ق : ٤١ ـ ٤٢ .

٢٢١

.......................................................................................

________________________________________________

قال : هي الرجعة (١) .

وفي بعضها عنه عليه‌السلام أيضاً قال : قال أمير المؤمنين عليه‌السلام في قول الله : ( رُّبَمَا يَوَدُّ الَّذِينَ كَفَرُوا لَوْ كَانُوا مُسْلِمِينَ ) (٢) قال : هو إذا خرجت أنا وشيعتي وخرج عثمان بن عفان وشيعته ونقتل بني اُميّة فعندها يودّ الذين كفروا لو كانوا مسلمين (٣) .

وفي بعضها عنه عليه‌السلام قال : « إنّ إبليس قال : ( أَنظِرْنِي إِلَىٰ يَوْمِ يُبْعَثُونَ ) (٤) فأبى الله ذلك عليه فقال : ( فَإِنَّكَ مِنَ الْمُنظَرِينَ * إِلَىٰ يَوْمِ الْوَقْتِ الْمَعْلُومِ ) (٥) فإذا كان يوم المعلوم ظهر إبليس في جميع أشياعه منذ خلق الله آدم إلى يوم الوقت المعلوم ، وهي آخر كرّة يكرّها أمير المؤمنين عليه‌السلام قلت : وأنّها لكرّات ؟ قال : نعم لكرّات وكرّات ما من إمام في قرن إلّا ويكرُّ معه البرّ والفاجر في دهره حتّى يديل الله المؤمن على الكافر ... فإذا كان يوم الوقت المعلوم كرّ أمير المؤمنين ( صلوات الله عليه ) في أصحابه ، وجاء إبليس في أصحابه ، ويكون ميقاتهم في أرض من أراضي الفرات يقال لها : الروحاء ، قريب من كوفتكم ، فيقتتلون قتالاً لم يقتتل مثله منذ خلق الله ـ عزّ وجل ـ العالمين ، فكأنّي أنظر إلى أصحاب عليّ أمير المؤمنين ـ صلوات الله عليه ـ قد رجعوا إلى خلفهم القهقري مئة قدم ، وكأنّي أنظر إليهم وقد وقعت بعض أرجلهم في الفرات .

__________________

(١) مختصر بصائر الدرجات : ١٨ ، وبحار الأنوار ٥٣ : ٦٥ ، الحديث ٥٧ ، والرجعة للاسترآبادي : ٤١ ، الحديث ١٠ ، والبرهان ٤ : ١٠٠ ، الحديث ٢ .

(٢) سورة الحجر : ٢ .

(٣) مختصر بصائر الدرجات : ١٧ ، والرجعة : ٣٨ ، الحديث ٦ .

(٤) سورة الأعراف : ١٤ .

(٥) سورة الحجر : ٣٧ ـ ٣٨ .

٢٢٢

.......................................................................................

________________________________________________

فعند ذلك يهبط الجبّار ـ عزّ وجل ـ في ظلل من الغمام ، والملائكة ، وقضي الأمر ، رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله أمامه بيده حربة من نور ، فإذا نظر إليه إبليس رجع القهقري ناكصاً على عقبيه ، فيقول له أصحابه : أين تريد وقد ظفرت ؟ فيقول : ( إني أرى ما لا ترون ) ( إني أخاف الله رب العالمين ) ، فليحقه النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله فيطعنه طعنة بين كتفيه ، فيكون هلاكه وهلاك جميع أشياعه . فعند ذلك يعبد الله ـ عزّ وجل ـ ولا يشرك به شيئاً ، ويملك أمير المؤمنين عليه‌السلام أربعاً وأربعين ألف سنة حتى يلد للرجل من شيعة علي عليه‌السلام ألف ولد من صلبه ذكراً ، وعند ذلك تظهر الجنّتان المدهامّتان عند مسجد الكوفة وما حوله بما شاء الله » (١) .

وفي بعضها عن الصادق عليه‌السلام : « ليس أحد من المؤمنين قتل إلّا سيرجع حتّى يموت ، ولا أحد من المؤمنين يموت إلّا سيرجع حتّى يقتل » (٢) .

وفي بعضها عن أبي إبراهيم عليه‌السلام قال : « لترجعنّ نفوس ذهبت ، وليقتصّن يوم يقوم ، ومن عذّب يقتصّ بعذابه ، ومن أُغيظ ( يقتصّ ) (٣) بغيظه (٤) ويرد لهم أعداءهم حتّى يأخذوا بثأرهم ، ثمّ يعمرون بعدهم ثلاثين شهراً ، ثمّ يموتون في ليلة واحدة قد أدركوا ثأرهم ، وشفوا أنفسهم ويصير عدوّهم إلى أشدّ النار عذاباً ، ثمّ يوقفون بين يدي الجبّار فيؤخذ لهم بحقوقهم » (٥) .

__________________

(١) مختصر بصائر الدرجات : ٢٦ ، وبحار الأنوار ٥٣ : ٤٢ ، الحديث ١٢ .

(٢) مختصر بصائر الدرجات : ٢٥ ، والبحار ٥٣ : ٤٠ ، الحديث ٥ ، والرجعة : ٥٥ ، الحديث ٢٩ ، والبرهان ٣ : ٢١١ ، الحديث ١٥ .

(٣) في المصدر ( أغاظ ) بدل ( يقتصّ ) .

(٤) في المصدر هكذا ( ومن قُتل أُقتص بقتله ) والظاهر سقط هذا الذي أثبتناه .

(٥) مختصر البصائر : ٢٨ ، وعنه البحار ٥٣ : ٤٤ ، الحديث ١٦ ، والرجعة : ٥٩ ، الحديث ٣٧ .

٢٢٣

.......................................................................................

________________________________________________

وفي بعضها عن الصادق عليه‌السلام في قول الله تعالى : ( كَلَّا سَوْفَ تَعْلَمُونَ * ثُمَّ كَلَّا سَوْفَ تَعْلَمُونَ ) (١) قال : مرّة بالكرّة ، وأُخرى يوم القيامة (٢) .

وفي بعضها عن الباقر عليه‌السلام : « والله ليملكنّ منّا أهل البيت رجل بعد موته ثلاثمئة سنين وتزداد تسعاً ، قلت : متى يكون ذلك ؟ قال : بعد القائم عليه‌السلام ، قلت : وكم يقوم القائم عليه‌السلام في عالمه ؟ قال : تسع عشرة سنة ، ثمّ يخرج المنتصر إلى الدُنيا وهو الحسين عليه‌السلام فيطلب بدمه ودماء أصحابه فيقتل ويسبى حتّى يخرج السفّاح وهو أمير المؤمنين علي بن أبي طالب عليه‌السلام » (٣) .

وفي بعضها عن الصادق عليه‌السلام : « أوّل من تنشقّ الأرض عنه ويرجع إلى الدنيا الحسين بن علي عليه‌السلام . وإنّ الرجعة ليست بعامّة ، وهي خاصّة لا يرجع إلّا مَن مُحض الإيمان محضاً ، أو محض الشرك محضا » (٤) .

وفي بعضها : « إنّ الصادق عليه‌السلام سئل عن اليوم الذي ذكر الله مقداره في القرآن ( فِي يَوْمٍ كَانَ مِقْدَارُهُ خَمْسِينَ أَلْفَ سَنَةٍ ) (٥) وهي كرّة رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله فيكون ملكه في كرّته خمسين ألف سنة ، ويملك عليّ (٦) في كرته أربعة وأربعين سنة » (٧) .

__________________

(١) سورة التكاثر ٣ ـ ٤ .

(٢) مختصر البصائر : ٢٠٤ ، والبحار ٥٣ : ١٠٧ ، الحديث ١٣٥ ، والإيقاظ من الهجعة : ٢٨٢ ، الحديث ٩٩ ، ورواه الاسترآبادي في تأويل الآيات : ٨١٥ .

(٣) أخرجه العياشي في تفسيره ٢ : ٣٢٦ ، الحديث ٢٤ ، والنعماني في الغيبة : ٣٣١ ، الحديث ٣ ، ومختصر البصائر : ٢١٣ ـ ٢١٤ ، والبحار ٥٢ : ٢٩٨ ، الحديث ٦١ .

(٤) راجع مختصر البصائر : ٢٤ ، البحار ٥٣ : ٣٩ ، الحديث ١ ، والرجعة : ٥٣ ، الحديث ٢٦ .

(٥) سورة المعارج : ٤ .

(٦) في المصدر ( أمير المؤمنين ) بدل ( علي ) .

(٧) الرجعة : ٣٣ ، الحديث ٢ ، والبرهان ٤ : ٣٨٣ ، الحديث ٦ .

٢٢٤

.......................................................................................

________________________________________________

وأنت خبير بأنّ الناظر فيما ذكرناه من الأخبار وغيره ممّا لا يسعه هذا المضمار لا يرتاب في حقيّة الرجعة وثبوتها في الجملة ، وفي بعض الأخبار نسبة إنكارها إلى القدرية ، وقد أجاد من قال : إنّه إذا لم يكن مثل هذا متواتراً ففي أيّ شيء يمكن دعوى التواتر ، مع ما روته كافّة الشيعة خلفاً عن سلف ، وظنّي أنّ من يشكّ في أمثالها فهو شاكّ في أئمّة الدّين (١) ، ولا يمكنه إظهار ذلك من بين المؤمنين فيحتال في تخريب الملّة القويمة بإلقاء ما يتسارع إليه عقول المستضعفين من استبعاد المتفلسفين ، وتشكيكات الملحدين : ( يُرِيدُونَ أَن يُطْفِئُوا نُورَ اللَّـهِ بِأَفْوَاهِهِمْ وَيَأْبَى اللَّـهُ إِلَّا أَن يُتِمَّ نُورَهُ وَلَوْ كَرِهَ الْكَافِرُونَ ) (٢) .

والحاصل : إنّ هذا أمر ممكن يمكن تعلّق القدرة الإلهية به ، وقد أخبر به الصادقون المعصومون قطعاً فيجب الاعتقاد به (٣) ، ولو من باب التسليم المأمور به بقوله تعالى : ( فَإِن تَنَازَعْتُمْ فِي شَيْءٍ فَرُدُّوهُ إِلَى اللَّـهِ وَالرَّسُولِ إِن كُنتُمْ تُؤْمِنُونَ بِاللَّـهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ ذَٰلِكَ خَيْرٌ وَأَحْسَنُ تَأْوِيلًا ) (٤) .

وبجملة من الأخبار المعتبرة فلا تستمع إلى الملاحدة الذين يلقون الشبهات إلى الضعفاء باستبعاد هذا الأمر وإنكاره ، وما هذا إلّا كاستبعاد المعاد ونحوه من الضروريات ، وظاهر الأخبار بل صريح كثير منها أنّهم عليهم‌السلام يرجعون إلى الدُّنيا بأشخاصهم وأجسادهم التي كانوا عليها ، فلا تلتفت إلى الجهلة الذين يؤولون

__________________

(١) روى الصدوق في من لا يحضره الفقيه ٣ : ٤٥٨ ، الحديث ٤٥٨٣ ، عن الإمام الصادق عليه‌السلام أنّه قال : « ليس منّا من لم يقل بمتعتنا ، ويؤمن برجعتنا » .

(٢) سورة التوبة : ٣٢ .

(٣) راجع الاعتقادات لشيخنا الصدوق باب (١٨) الاعتقاد في الرجعة : ٣٩ ، ط . قم .

(٤) سورة النساء : ٥٩ .

٢٢٥

.......................................................................................

________________________________________________

هذه الأخبار إلى خلاف ظاهرها من غير برهان قاطع ، متابعة لهوى أنفسهم وسوء آرائهم فيقولون : إنّ المراد رجعة حقائقهم وصفاتهم ، في هياكل متجدّدة وأجساد غير ما كانوا عليه في الأزمنة السابقة .

نعم ، اختلف الأخبار ظاهراً في كيفيّة الرجعة ، وترتيب من يرجع من الأئمة عليهم‌السلام ولا حاجة بنا مهمّة إلى الجمع بينهما بعد تسليم أصل الرجعة ، وليعلم أنّ الرجعة لا تصدق على ظهور القائم عليه‌السلام فإنه عليه‌السلام : حيّ موجود الآن لا شك في حياته يظهر بعد ذلك متى شاء الله فيملأ الأرض قسطاً وعدلاً بعد ما ملئت ظلماً وجوراً (١) .

فإذا مضى من أوّل ظهوره تسع وخمسون سنة خرج الحسين عليه‌السلام وهو صامت إلى أن تمضي إحدى عشرة سنة فتقتله امرأة من بني تميم لها لحية كلحية الرجل تسمّى ( سعيدة ) وهي شقيّة ، فيتولّى الحسين عليه‌السلام تجهيزه فيقوم بالأمر بعده (٢) ، فالرجعة من زمن خروج الحسين عليه‌السلام إلى أن يرفع مع رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله وسائر الأئمة عليهم‌السلام إلى السماء ، وذلك بعد كمال دينهم وسلطنتهم كما وعدهم الله .

__________________

(١) روضة الواعظين ٢ : ٢٦١ ، ط . شريف الرضي .

(٢) حلية الأبرار ٢ : ٦٤٣ .

٢٢٦

بِشَرايِعِ ديني وَخَواتيمِ عَمَلي ، وَقَلْبي لِقَلْبِكُمْ سِلْمٌ وَاَمْري لِأَمْرِكُمْ مُتَّبِعٌ

________________________________________________

وقوله عليه‌السلام : ( بشرايع ديني ) : أي متلبّساً وموقناً بشرائع ديني أي طرائقه وسُبله ، وفيه إشارة إلى مجرّد الإيمان بهم لا يكفي بل لابدّ في ذلك من الائتمار بأوامرهم ، والانتهاء بنواهيهم ، وإطاعتهم فيما شرعوه من الأحكام ، والحدود ، والانقياد لهم فيما يأمرون به ، وينهون عنه فمن لم يكن كذلك فهم عليهم‌السلام منه براء كما يدلّ عليه أخبار كثيرة .

قال الصادق عليه‌السلام : « إنّما أصحابي من اشتدّ ورعه ، وعمل لخالقه ورجا ثوابه فهؤلاء أصحابي » (١) .

وقال عليه‌السلام : « ليس منّا ولا كرامة من كان في مصر فيه مئة ألف أو يزيدون ، وكان في ذلك المصر أحد أورع منه » (٢) .

وقال الباقر عليه‌السلام : « أيكفي من انتحل التشيّع أن يقول بحبّنا أهل البيت فوالله ما شيعتنا إلّا من اتّقى الله وأطاعه ، إلى أن قال : فاتّقوا الله واعملوا لما عند الله ، ليس بين الله وبين أحد قرابة ، أحبُّ العباد إلى الله وأكرمهم عليه أتقاهم وأعملهم بطاعته ، يا جابر والله ما يتقرّب إلى الله إلّا بالطاعة أمعنا براءة من النار ولا على الله لأحد من حجّة ، من كان لله مطيعاً فهو لنا وليّ ، ومن كان لله عاصياً فهو لنا عدوّ ، وما تنال ولايتنا إلّا بالعمل والورع ، فلا تستمع إلى قوم سوّل الشيطان لهم

__________________

(١) أُصول الكافي ٢ : ٦٢ ، باب الورع ، الحديث ٦ .

(٢) روى الشيخ الكليني في الكافي ٢ : ٦٤ ـ باب الورع ـ عن أبي الحسن الأول عليه‌السلام قال : « كثيراً ما كنت أسمع أبي يقول : ليس من شيعتنا من لا تتحدث المخدّرات بورعه في خدورهن وليس من أوليائنا من هو في قرية فيها عشرة آلاف رجل فيهم من خلق الله أورع منه » .

٢٢٧

.......................................................................................

________________________________________________

أعمالهم فزعموا أنّ الدّين هو مجرّد دعوى حبّ آل محمد صلى‌الله‌عليه‌وآله فارتكبوا الكبائر ونبذوا أحكام الله وراء ظهورهم وهم لا يشعرون » (١) .

والخواتيم : جمع الخاتمة ، وخاتمة العمل آخره وعاقبته ممّا يختم به من خير أو شرّ أو ما يترتّب عليه من ثواب وعقاب ، فإنّ ذلك نتائج الأعمال .

قال عليه‌السلام : « من خُتم له بقيام ليلة ثمّ مات فله الجنّة » (٢) .

ويحتمل أن يراد بالعمل هنا خصوص الزيارة ، أو خصوص الولاية فخاتمته يكون خيراً وثواباً كما أنّه يراد بالعمل هنا خصوص الولاية فخاتمته يكون خيراً وثواباً كما أنّه يراد به في قوله : « اللهم إنّي استودعك خاتمة عملي » (٣) .

خصوص الإيمان والتوحيد المشار إليه بقوله : « من كان آخر كلامه لا إله إلّا الله وجبت له الجنّة » (٤) فإنّه لا معنى لاستيداع الله الشرّ من الأعمال .

وكيف كان لو علّقنا الجار والمجرور بموقن فلا إشكال إذ المعنى أنّي على يقين بشرائع ديني وبنتائج عملي ، لأن الله ورسوله ، والأئمة أخبروني بذلك ، ولم أشك في صدقهم ، وأمّا على غير ذلك فلابدّ من تقدير إذ المعنى متلبّساً بشرائع ديني وبالإذعان بخواتيم عملي .

قوله : ( وقلبي لقلبكم سلم ) : سلم : أي صلح لا حرب . قال الطريحي : والسلم : المسالم يقال : أنا سلم لمن سالمني وحرب لمن حاربني (٥) .

__________________

(١) أخرجه الكليني في الكافي ٢ : ٦٠ ، الحديث ٣ ، باب الطاعة والتقوى .

(٢) الفقيه ١ : ٤٧ ، ووسائل الشيعة ٨ : ١٥٤ .

(٣) الكافي ٤ : ٢٨٣ ، والفقيه ٢ : ٢٧١ .

(٤) راجع الكافي ٢ : ٣٧٥ ، باب من قال لا إله إلّا الله .

(٥) مجمع البحرين ٢ : ٣٨ .

٢٢٨

.......................................................................................

________________________________________________

وفي حديث وصف الأئمة : « يطهر الله قلب عبد حتّى يسلّم لنا ويكون سلماً لنا أي يرضى بحكمنا ولا يكون حرباً علينا » (١) .

( وقلبي لكم مسلّم ورأيي لكم متّبع ) (٢) والمعنيان متقاربان إذ المراد أنّه لا اعتراض لقلبي على أفعالكم ولا عداوة فيه لكم ، لأنّي أعلم أنّكم أولياء الله وعباده المكرمون الذين لا يسبقونه بالقول وهم بأمره يعملون وفيه إشارة إلى ما أشرنا إليه من وجوب التسليم لهم عليهم‌السلام كما قال تعالى : ( وَسَلِّمُوا تَسْلِيمًا ) (٣) وإلى أنّ التسليم لا يكون إلّا بالقلب فلا يجدي مجرّد الدعوى باللسان .

كيف وقد روي عن الصادق عليه‌السلام أنّه قال : « بينا أمير المؤمنين عليه‌السلام في مسجد الكوفة إذ أتاه رجل فقال : يا أمير المؤمنين ؛ إني أحبّك ، قال : ما تفعل ؟ قال : والله إني لأحبّك ، قال : ما تفعل . قال : بلى والذي لا إله إلّا هو قال : والله الذي لا إله إلّا هو ما تحبّني . فقال : يا أمير المؤمنين إني أحلف بالله إنّي أحبّك وأنت تحلف بالله ما أحبّك والله كأنّك تخبرني إنّك أعلم بما في نفسي ، فغضب أمير المؤمنين فرفع يده إلى السماء وقال : كيف يكون ذلك وهو ربنا خلق الأرواح قبل الأبدان بألفي عام ثمّ عرض علينا المحبّ من المبغض فوالله ما رأيتك فيمن أحبّنا فأين كنت » (٤) .

__________________

(١) الكافي ١ : ٦٩٤ باب أن الأئمة نور الله عزّ وجل .

(٢) هذا مقطع من الزيارة الجامعة .

(٣) سورة الأحزاب : ٥٦ .

(٤) أخرجه الصفّار في بصائر الدرجات ٢ : ٨٧ ، الحديث ٤ ، باب ١٥ .

٢٢٩

.......................................................................................

________________________________________________

والمراد بالقلب هو اللمعة النورانية الملكوتية التي بها يدرك حقائق الأشياء ، ويعرف لطائف الأسرار لا نفس الجسم الصنوبري المودع فيه هذه القوّة الملكوتية كالبصر المودع فيه القوّة الباصرة ، وإن شئت قلت : إنّه العقل الذي يعبد به الرحمان ويكتسب به الجنان ولذا قال : ( لقلبكم ) ، فإنّ قلوبهم عليهم‌السلام أوعية العلوم الإلهية وخزائن المعارف الربّانية فقلب الشيعة يسلّم كلّ ما يصدر من قلوبهم عليهم‌السلام لإذعانه بأنّه من الله واعتقاده بأنّه من منبع الحقّ ، فلا ينكره ولا يعترض عليه بلم ولا كيف ، وقلوب الشيعة مخلوقة من قلوبهم كما أنّ أجسادهم مخلوقة من فاضل طينتهم .

وفي بعض الأخبار : « إنّا خلقنا من نور الله وخلق شيعتنا من دون ذلك النور فإذا كان يوم القيامة ألحقت السفلى بالعليا ، وفيه يا مفضّل أتدري لمَ سمّيت الشيعة شيعة ؟ يا مفضّل شيعتنا منّا ، ونحن من شيعتنا ، أما ترى هذه الشمس أين تبدو ؟ قلت : من مشرق ، قال : وإلى أين تعود ؟ قلت : إلى مغرب ، قال عليه‌السلام : هكذا شيعتنا ، منّا بدؤوا وإلينا يعودون » (١) ، وإنّما أفرد القلب مع إضافته إليهم عليهم‌السلام للإشارة إلى اتّحادهم في الحقيقة النورية القدسية .

قوله ( وأمري لأمركم ) : يريد أنّه تابع لهم في جميع أحواله وأموره ، فإنّ المفرد المضاف مفيد للعموم على ما صرّح به جماعة ، فالمراد أنّه شيعة لهم يفتخر بمتابعته لهم في الأوامر والنواهي ، ويحذو حذوهم ويطابق فعله فعلهم حذو النعل بالنعل والقذة بالقذة كما هو شرط صدق هذا الاسم على ما يقتضيه كثير من الأخبار .

__________________

(١) بحار الأنوار ٢٥ : ٢١ .

٢٣٠

وَنُصْرَتي لَكُمْ مُعَدَّةٌ

________________________________________________

النصرة : حسن المعونة ، والنصر : عون المظلوم ، والاعانة والناصر هو الذاب ( أي المدافع ) (١) .

يظهر من كثير الأحاديث والأدعية والزيارات : ان نصرة الدين تكون على يد بعض المؤمنين من الشيعة ففي الدعاء : « واجعلني ممن تنتصر به لدينك ولا تستبدل بي غيري » وفي الزيارة للشهداء : « السلام عليكم يا أنصار دين الله » .

وانه لولاهم لا ندرس الدين وقد امر الأئمة عليهم‌السلام بمتابعتهم أي متابعة المؤمنين من الشيعة الكاملين الموصوفين بأوصاف خاصة من الايمان والتقوى وكما في الحديث عن الإمام الرضا عليه‌السلام : « ... ولكن الرجل كل الرجل نعم الرجل هو الذي جعل هواه تبعاً لأمر الله وقواه مبذولة في رضا الله يرى الذل مع الحق أقرب إلى عز الأبد من العزّ في الباطل ، ويعلم ان قليل ما يحتمله من ضرّائها يؤدّيه إلى دوام النعيم في ذر لا تبيد ولا تنفذ وإن كثير ما يلحقه من سرّائها أن اتبع هواه يؤديه إلى عذاب لا انقطاع له ولا يزول ، فذلكم الرجل نعم الرجل فيه فتمسكوا وبسنته فاقتدوا وإلى ربكم به فتوسّلوا فإنه لا ترد له دعوة ولا تخيب له طلبته » (٢) .

فيعلم من هذا الحديث وأمثاله ان الشيعة هم الذين نصروا دين الله تعالى بتسديد أئمتهم وتعليمهم آباءهم وامدادهم لهم بأحاديثهم .

__________________

(١) مجمع البحرين .

(٢) بحار الأنوار ٢ : ٨٤ .

٢٣١

.......................................................................................

________________________________________________

وفي كمال الدين وتمام النعمة (١) عن أبي عبد الله عليه‌السلام قال : ان الله تبارك وتعالى لم يدع الأرض إلّا وفيها عالم يعلم الزيادة والنقصان ، فإذا زاد المؤمنون شيئاً ردهم وإذا نقصوا شيئاً أكمله لهم ، ولولا ذلك لالتبست على المؤمنين اُمورهم ، فكذلك فقهاء الشيعة فإنهم أيضاً هم الأنصار للدين بالتعليم والاشاعة والارشاد كما لا يخفى وكيف لا وقد اخذوا علمهم من الأئمة عليهم‌السلام لا غيرهم حيث علموا أن الحق عندهم لا عند غيرهم ؟

وكيف كان فالنصرة لأهل البيت عليهم‌السلام من الشيعة حيث اخذوا منهم دينهم كانوا مأمورين بنصرة الدين بالامر بالمعروف والنهي عن المنكر ونصرة الأئمة عليهم‌السلام بتبليغ الأحكام وارشاد الناس والجهّال كل واحد منهم بحسب ما عنده من العلم والايمان يكون معداً نفسه لنصرة أهل البيت عليهم‌السلام .

بقي شيء وهو : إنه لا ريب في ان النصرة للدين من الأئمة عليهم‌السلام تكون بالأصالة وبالجعل الإلهي الذي منحهم به ، وأما بالنسبة إلى غيرهم فهو نصرة بالتبع حيث إنهم تابعون في العلم والأحكام والمعارف لأئمتهم عليهم‌السلام ، ففي الحقيقة ان النصرة العلمية بل والعملية تكون منهم عليهم‌السلام وما صدر من شيعتهم تكون بلحاظ متابعتهم للأئمة عليهم‌السلام ، وذلك لأن قبول العمل وقبول النصرة لهم من أي أحد كان إنما يصح إذا كان مقرّاً بفضلهم عليهم‌السلام ولولايتهم وتابع لامرهم في الدين فلا محالة تكون النصرة تبعية كذا قيل .

__________________

(١) ١ : ٢٠٣ .

٢٣٢

حَتّىٰ يَاْذَنَ اللهُ لَكُمْ ، فَمَعَكُمْ مَعَكُمْ لا مَعَ عَدُوِّكُمْ

________________________________________________

حتّى ياذن الله لكم : أي يأذن بظهور دينه وغلبته على جميع الأديان كما قال تعالى : ( لِيُظْهِرَهُ عَلَى الدِّينِ كُلِّهِ وَلَوْ كَرِهَ الْمُشْرِكُونَ ) ففي المجمع البيان عن الباقر عليه‌السلام في هذه الآية : ان ذلك يكون عند خروج المهدي من آل محمد فلا يبقى أحد إلّا أقرّ بمحمد صلى‌الله‌عليه‌وآله ، وفيه أيضاً قال المقداد بن الأسود : سمعت رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله قال : « لا يبقى على وجه الأرض بيت مدر ولا وبر إلّا أدخله الله الإسلام ، إمّا بعزّ عزيز أو بذل ذليل فيجعلهم الله من أهله فيعزّوا به وإمّا يذلهم فيدينون له » .

وعن أمير المؤمنين عليه‌السلام إنه قال : « ... فو الذي نفسي بيده حتى لا تبقى قرية إلّا وينادي بشهادة ان لا إله إلّا الله محمد رسول الله بكرة وعشيا » (١) .

فمعكم معكم : الفاء للتفريع على الجمل السابقة يعني بعد إيماني بكم قلباً ولساناً وسراً ، وبايابكم موقن وانتظاري لفرجكم وقلبي لقلبكم سلم واعدادي واستعدادي لنصرتكم فمعكم في حال حياتي باتباع أوامركم ونواهيكم ومعكم في الرجعة لنصرتكم والانتقام من أعدائكم .

لا مع عدوكم : لان أعداءهم غير معتقدين بهذه الاُمور من فقرات الزيارة ومن الرجعة فلا محالة يستلزم الكون معهم أن لا يكون مع عدوهم على أن المعيّة معهم ملازم لمحبتهم وهو يلازم أن لا يكون مع عدوّهم ، فمع عداوتي لهم لا يمكن أن أكون معهم .

ثم انه ليس المراد من المعيّة الزمانية أو المكانية ، بل المراد منها المعنوية ، وهي الحاصل من الاقرار بتلك الجمل والفقرات السابقة والاعتقاد بها مضافاً إلى أن المعية معهم هو المأمور بها من الله تعالى . ففي البحار (٢) عن جابر عن أبي عبد الله عليه‌السلام عن أبي جعفر عليه‌السلام في قوله : « كونوا مع الصادقين » قال : « مع آل محمد صلى‌الله‌عليه‌وآله » .

__________________

(١) بحار الأنوار ٥١ : ٦٠ .

(٢) بحار الأنوار ٣٤ : ٣١ .

٢٣٣

صَلَواتُ اللهِ عَلَيْكُمْ ، وَعلىٰ اَرْواحِكُمْ وَاَجْسادِكُمْ ، وَشاهِدِكُمْ وَغآئِبِكُمْ ، وَظاهِرِكُمْ وَباطِنِكُمْ ، آمينَ رَبَّ الْعٰالَمينَ

________________________________________________

أشار إلى أنّهم عليهم‌السلام في جميع أحوالهم وأطوارهم ومراتبهم ومقاماتهم وشؤونهم وكيفيّاتهم وظهوراتهم وتجليّاتهم وتنقّلاتهم مستحقّون للصلوات والتحيّات من خالقهم وبرائهم فإنّهم في جميع هذه الحالات لا يزالون عارجين معارج القرب ، سالكين مسالك الجذب ، متقرّبين إلى بساط الديموميّة ، بوسائل العبودية الكاملة كما قال عليه‌السلام : في دعائه يوم عرفه : « وأنا أشهدُ يا إلهي بحقيقيّة إيماني وعقد عزمات يقيني ، وخالص صريح توحيدي ، وباطن مكنون ضميري وعلائق مجاري نور بصري ... » (١) .

فأشار بقوله : ( عليكم ) إلى مقام حقيقتهم المقدّسة ومرتبة نورانيّتهم العالية التي لم تلد ولم تولد ، ولم يعرفها غير الله أحد ، لكونها أوّل ما خلق الله في عالم الإبداع كما قال : ( نحن صنائع الله ) (٢) ، وهذا هو المقام المشار عليه بقوله : « لولاك لما خلقت الأفلاك » .

وإلى هذا المقام أشار أمير المؤمنين عليه‌السلام بقوله : « أنا ذات الذوات » (٣) وبقوله : « أنا المعنى الذي لا يقع عليه اسم ولا شبه » (٤) .

__________________

(١) راجع مفاتيح الجنان للقمي : ٢٤٥ ، دعاء الإمام الحسين عليه‌السلام يوم عرفة .

(٢) أخرجه البرسي في مشارق أنوار اليقين : ٧٧ ، فصل ٤٢ ، ط . الشريف الرضي ـ قم ، عن النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله قال : « أول ما خلق الله تعالى نوري ، ثمّ فتق منه نور عليّ ، فلم نزل نتردّد في النور حتى وصلنا إلى حجاب العظمة في ثمانين ألف سنة ، ثمّ خلق الخلائق من نورنا فنحن صنايع الله والخلق من بعد صنايع لنا » .

(٣) راجع مشارق أنوار اليقين للبرسي : ٦٤ ، فصل ٢٨ .

(٤) أخرجه البرسي في المشارق : ٣١٨ ، فصل ١٥٠ وهي خطبة طويلة يعرف الإمام عليه‌السلام نفسه .

٢٣٤

.......................................................................................

________________________________________________

قوله : ( وعلى أرواحكم ) يمكن أن يراد بها نفوسهم القدسية ، وأن يراد بها عقولهم الشريفة وهم وإن اتّحدوا في هذا المقام أيضاً ولكن الجمع باعتبار تعدّد الهياكل البشرية واختلاف المظاهر الجسمانية ، وذلك لا يوجب التعدّد في أصل الروح كالصورة المرئية في مرايا متعدّدة .

وما الوجه إلّا واحد غير أنّه

إذا أنت عدّدت المرايا تعدّدا

ويحتمل أن يراد بالأرواح الأرواح الخمسة المشار إليها في جملة من الأخبار (١) ، مثل ما رواه جابر عن الباقر عليه‌السلام قال : « إنّ الله خلق الأنبياء والأئمة على خمسة أرواح : روح القوّة ، وروح الإيمان ، وروح الحياة ، وروح الشهوة ، وروح القدس ، فروح القدس (٢) لا يلهو ولا يتغيّر ولا يلعب ، وبروح القدس علموا يا جابر ما دون العرش إلى ما تحت الثرى » (٣) .

وسئل الصادق عليه‌السلام عن قول الله : ( وَكَذَٰلِكَ أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ رُوحًا مِّنْ أَمْرِنَا ) (٤) فقال : « ذلك فينا منذ أهبطه الله إلى الأرض وما يخرج إلى السماء » .

وفي جملة من الأخبار أنّ الروح خلق أعظم من جبرئيل وميكائيل كان مع محمد صلى‌الله‌عليه‌وآله يوفّقه ويسدّده وهو مع الأئمة من بعده وهو من الملكوت .

__________________

(١) راجع بصائر الدرجات للصفار ٩ : ٤٤٥ ، حيث ذكر روايات كثيرة تدلّ على هذا المطلب وبعضها قد تقدّم .

(٢) في المصدر ( وروح القدس من الله وسائر هذه الأرواح يصيبها الحدثان ... ) .

(٣) بصائر الدرجات ٩ : ٤٥٤ ، الحديث ١٢ .

(٤) سورة الشور : ٥٢ .

٢٣٥

.......................................................................................

________________________________________________

وفي بعضها : أنّه لم يكن مع أحد ممّن مضى غير محمّد وهو مع الأئمة .

وفي بعضها : إنّه خلق من خلقه له بصر وقوّة وتأييد يجعله الله في قلوب الرسل والمؤمنين (١) .

وفي بعضها : « مثل المؤمن وبدنه كجوهرة في صندوق إذا خرجت الجوهرة منه طرح الصندوق ولم تتعب به ، قال : إنّ الأرواح لا تمازج البدن ولا تداخله إنّما هو كالكلل للبدن محيط به » (٢) .

وفي بعضها : عن أبي بصير عن الباقر عليه‌السلام قال : سألته عن قول الله : ( يُنَزِّلُ الْمَلَائِكَةَ بِالرُّوحِ مِنْ أَمْرِهِ عَلَىٰ مَن يَشَاءُ مِنْ عِبَادِهِ ) (٣) فقال : جبرئيل الذي نزل على الأنبياء ، والروح تكون معهم ومع الأوصياء لا تفارقهم تفقّههم (٤) وتسدّدهم من عند الله وأنّه لا إله إلّا الله محمّد رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله وبهما عُبد الله واستعبد الخلق .

وعلى أجسادكم : جسم الإنسان وجسده وجثمانه هو مجموع أعضائه المؤلّفة من العناصر ، وربما يفرّق بين الجسم والجسد باختصاص الأوّل بما فيه روح أو تعميمه لذي الروح وغيره ، واختصاص الثاني بما خلا عن الروح ، ويحتمل أن يراد بأجسامهم أشباحهم النورانيّة ، لأنّ من مراتبهم ومنازلهم مقام الأشباح ، كما يدلّ عليه جملة من الأخبار ، ففي بعضها :

__________________

(١) أخرجها الصفّار في بصائر الدرجات ٩ : ٤٥٨ ، الحديث ١٤ ، الباب السادس عشر .

(٢) أخرجه الصفار في البصائر ٩ : ٤٦٣ ، الحديث ١٣ ، عن المفضل بن عمر عن أبي عبد الله عليه‌السلام .

(٣) سورة النحل : ٢ .

(٤) في بعض النسخ « توفّقهم » بدل « تفقّههم » .

٢٣٦

.......................................................................................

________________________________________________

« إنّ آدم رأى على العرش أشباحاً يلمع نورها » (١) ، روى الصفّار في بصائر الدرجات ٢ : ٨٠ ، الحديث ١ الباب الثاني عشر ، عن أبي جعفر عليه‌السلام قال : « إنّ الله خلق الخلق فخلق من أحبّ ممّا أحبّ وكان أحبّ أن يخلقه من طينة الجنّة وخلق من أبغض ممّا أبغض أن يخلقه من طينة النار ثمّ بعثهم في الظلال قال : قلت : أي شيء الظلال ؟ قال : ألم تر إذا ظلّل في الشمس شيء وليس بشيء ثمّ بعث فيهم النبيّين يدعونهم إلى الإقرار بالله وهو قوله : ولئن سألتهم من خلقهم ليقولنّ الله ، ثمّ دعاهم إلى الإقرار بالنبيّين فأقرّ بعضهم وأنكر بعضهم ثمّ دعاهم إلى ولايتنا فأقرّ والله بها من أحبب وأنكرها من أبغض وهو قوله : ( فَمَا كَانُوا لِيُؤْمِنُوا بِمَا كَذَّبُوا مِن قَبْلُ ) ثمّ قال أبو جعفر عليه‌السلام : كان التكذيب ثمّة » .

ويحتمل أن يراد بالأجسام الأجساد الأصلية اللطيفة التي لا تتغيّر بمضيّ الدهور ، وورود آلافات ، وبالأجساد الأجساد العنصرية الزمانية التي تنقص وتزيد ، ويحتمل أن يراد بأحدهما الأجساد المثالية البرزخية وبالآخر هذا الهيكل المحسوس في هذا العالم ، وربما يفرّق بين الجسد والبدن ، بأنّ الأوّل لا يقال إلّا على الحيوان العاقل بخلاف الثاني ، وقد يقال البدن هو الجسد ما سوى الرأس .

قوله : ( وعلى شاهدكم ... ) فيه أيضاً إقرار بشاهدهم وغائبهم كما في الزيارة الجامعة : ( مؤمن بسرّكم وعلانيّتكم وشاهدكم وغائبكم ، أوّلكم وآخركم ) ، قال السيد عبد الله شبر قدس‌سره في شرحه على هذه الفقرة في الأنوار اللامعة : ١٦٤ : « ( وشاهدكم ) من الأئمة الأحد عشر ، ( وغائبكم ) المهدي ، ( وأوّلكم ) عليّ بن أبي طالب ، ( وآخركم ) القائم لا كما تقول العامّة بإمامة أوّلكم دون الأخير أو الواقفة الذين وقفوا دون آخركم » .

__________________

(١) بحار الأنوار ٢٦ : ٣٢٧ .

٢٣٧

.......................................................................................

________________________________________________

والمراد بشاهدهم يحتمل أن يكون الأئمة الأحد عشر الذين ظهروا على الناس في أزمنتهم وعرفوهم ولو في الجملة ، فالمراد بالغائب هو الإمام الثاني عشر ( عجل الله فرجه ) وقد اختلف الناس في وجوده وعدمه على أقوال متشتّتة ومذهب الإمامية إنّه حيٌّ موجود غاب عن أنظارنا لمصالح كثيرة .

ويحتمل أن يكون المراد بالشاهد هو الإمام الحيّ في كلّ زمان فينعكس الفرض في هذا الزمان فإنّ القائم مشاهد ، وهم الغيب ، لأنّهم مضوا وقضوا نحبهم فالقائم عليه‌السلام قطب هذا الزمان ، ونقطة دائرة الإمكان ، وهو المدبّر في أمر الخلق المتصرّف في العالم بإذن الله تعالى ، وقد يقال : إنّ المراد حال حضورهم مع الخالق حال غيبتهم عمّا سوى الله ، ويسمّى بحال الفناء والمراقبة ، فإنّ لهم مع الله حالات كما في الحديث المعروف .

قوله : ( وعلى ظاهركم ... ) أي وعلى سرّكم وعلانيتكم ، فالمراد بظاهرهم أعمالهم الظاهرة ، وببطانهم عقائدهم ونيّاتهم الباطنية على ما يظهر من بعضهم في تفسير قوله : « مؤمن بسرّكم وعلانيتكم » ، والظاهر أنّ المراد بالظاهر مقام بشريتهم المشار إليه بقوله : ( إِنَّمَا أَنَا بَشَرٌ مِّثْلُكُمْ ) (١) ، وبالباطن هو مقام قربهم إلى الحقّ واختصاصهم بمزايا الإمامة التي لا يدركها إلّا الخصيصون والعارفون ، ويحتمل أن يزاد بظاهرهم في زمن محمد صلى‌الله‌عليه‌وآله في هذه الهياكل الشريفة ، وبباطنهم كونهم في الأعصار السالفة مع الأنبياء السالفين كما يدلّ عليه حكاية أمير المؤمنين عليه‌السلام مع الجنّي الذي كان في زمن نوح ، ذكر السيّد هاشم البحراني في حلية الأبرار ١ : ٢٢٣ ، الباب الثاني ، ط . الأعلمي ـ بيروت : «إنّ رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله

__________________

(١) سورة فصّلت : ٦ .

٢٣٨

.......................................................................................

________________________________________________

كان جالساً وعنده جنّي يسأله عن قضايا مشكلة فأقبل أمير المؤمنين عليه‌السلام فتصاغر الجنّي حتى صار كالعصفور ثمّ قال : أجرني يا رسول الله ، فقال : ممّن ؟ قال : من هذا الشاب المقبل . فقال : وما ذاك ؟ فقال الجنّي : أتيتُ سفينة نوح لأغرقها يوم الطوفان فلمّا تناولتها ضربني هذا فقطع يدي ، ثمّ أخرج يده مقطوعة فقال له النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله : هو ذاك » .

والجنّي الذي كان في زمن سليمان وفي المصدر نفسه : « إنّ جنياً كان جالساً عند رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله فأقبل أمير المؤمنين عليه‌السلام فاستغاث الجنّي وقال : أجرني يا رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله من هذا الشاب المقبل قال : وما فعل بك ؟ قال : تمرّدتُ على سليمان فأرسل إليّ نفراً من الجنّ وطلت عليهم فجاءني هذا الفارس فأسرني وجرحني وهذا مكان الضربة إلى الآن لم يندمل » .

وما ورد من أنّه عليه‌السلام كان مع الأنبياء باطناً ومع محمّد صلى‌الله‌عليه‌وآله ظاهراً وباطناً ويرشد إليه أيضاً قوله : « أنا حملت نوحاً في السفينة ، أنا صاحب يونس في بطن الحوت ، أنا الذي جاوزت موسى البحر ، وأهلكت القرون الأُولى ، أعطيتُ علم الأنبياء والأوصياء وفصل الخطاب ، وبي تمّت نبوّة محمّد صلى‌الله‌عليه‌وآله » .

وقوله عليه‌السلام : « أنا الذي جحد ولايتي ألف أُمة فمسخوا ، أنا المذكور في سالف الزمان والخارج في آخر الزمان » (١) .

ويدلّ عليه أيضاً حكايته مع اُمّه فاطمة بنت أسد ومع سلمان الفارسي حيث نجّاهما من الأسد . روى السيّد هاشم البحراني في مدينة المعاجز ١ : ٢٦٠ ، الحديث ٢٣٤ عن البرسي قال : « رويت حكاية سلمان وأنّه لمّا خرج عليه الأسد

__________________

(١) أخرجه البرسي في مشارق الأنوار : ٣٢٠ ، فصل ١٥٠ ، ط . الشريف الرضي .

٢٣٩

.......................................................................................

________________________________________________

قال : يا فارس الحجاز أدركني فظهر إليه فارس وخلّصه منه وقال للأسد : أنت دابته من الآن فعاد يحمل له الحطب إلى باب المدينة امتثالاً لأمر علي عليه‌السلام » .

وظهوره على فرعون لمّا همّ بقتل موسى بصورة شاب لابس لباس الذهب ، روى السيّد هاشم البحراني في حلية الأبرار ١ : ٢٢٤ : « إنّ فرعون لعنه الله لمّا ألحق هارون بأخيه موسى عليه‌السلام دخلا عليه يوماً وأوجسا خيفة منه فإذا فارس يقدمهما ، ولباسه من ذهب وبيده سيف من ذهب وكان فرعون يحبّ الذهب فقال لفرعون : أجب هذين الرجلين وإلّا قتلتك فانزعج فرعون لذلك وقال : عد عليّ غداً .

فلمّا خرجا دعا البوّابين وعاقبهم وقال : كيف دخل عليّ هذا الفارس بغير إذن فحلفوا بعزّة فرعون أنّه ما دخل إلّا هذان الرجلان وكان الفارس عليّ عليه‌السلام هذا الذي أيّد الله تعالى به النبيّين سرّاً وأيّد به محمّداً صلى‌الله‌عليه‌وآله جهراً إلّا أنه كلمة الله الكبرى التي أظهرها لأوليائه فيما شاء من الصور فينصرهم بها وبتلك الكلمة يدعون فيجيبهم الله وينجيهم وإليه الإشارة بقوله : ( وَنَجْعَلُ لَكُمَا سُلْطَانًا فَلَا يَصِلُونَ إِلَيْكُمَا بِآيَاتِنَا ) ، قال ابن عباس : كانت الآية الكبرى لهما هذا الفارس » ، وغير ذلك من الغرائب المعروفة ، وقال : « أنا والهداة من أهل بيتي سرّ الله المكنون ، وأولياؤه المقرّبون كلّنا واحد ، وأمرنا واحد ، وسرّنا واحد فلا تفرّقوا بيننا فتهلكوا ، فإنّا نظهر في كلّ زمان بما شاء الله فالويل كلّ الويل لمن أنكر ما قلت ، ولا ينكره إلّا أهل الغباوة ومن خُتم على قلبه وسمعه وجعل على قلبه غشاوة » (١) .

__________________

(١) أخرجه البرسي في مشارق أنوار اليقين : ٣٠٦ ، وتقدّمت هذه الخطبة .

٢٤٠