النور المبين في شرح زيارة الأربعين

مهدي تاج الدين

النور المبين في شرح زيارة الأربعين

المؤلف:

مهدي تاج الدين


الموضوع : العرفان والأدعية والزيارات
الناشر: دار الأنصار
المطبعة: باقري
الطبعة: ١
ISBN: 964-8956-16-2
الصفحات: ٢٤٨
  نسخة مقروءة على النسخة المطبوعة

.......................................................................................

________________________________________________

ومن قصّر عن ذلك فهو شاكّ مرتاب ، يا سلمان ويا جندب : إن معرفتي بالنورانية معرفة الله ومعرفة الله معرفتي وهو الدين الخالص » إلى أن قال : « كنت ومحمد صلى‌الله‌عليه‌وآله نوراً نسبح قبل المسبحات ونشرق قبل المخلوقات ، فقسّم الله ذلك النور نصفين : نبي مصطفى وعلياً مرتضى ، فقال الله لذلك النصف ، كن محمداً وللآخر كن علياً ، ولذلك قال النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله : أنا من علي وعلي مني » (١) .

فلا ريب في كونهم أنوار مخلوقة من نور الله تعالى وكما ورد في زيارة الجامعة « خلقكم الله أنواراً ، فجعلكم بعرشه محدقين » .

والأخبار في هذا المجال فوق حد الاحصاء وبكونها متواترة ، ففي البحار ورد : « يا محمد إني خلقتك وخلقت علياً عليه‌السلام وفاطمة والحسن والحسين والأئمة من ولده من سنخ نور من نوري ، وفرضت ولايتكم على أهل السماوات والأرض ، فمن قبلها كان عندي من المؤمنين ، ومن جحدها كان عندي من الكافرين » (٢) .

في الأصلاب : أي مودعاً مستقراً في أصلاب الآباء الموحّدين الشرفاء النجباء وأرحام الاُمهات الموحّدات المطهّرات عن الخنا والسفاح العفيفات عن الزنا والفساد .

الشامخة : أي العالية يقال : شمخ بأنفه إذا ارتفع وتكبّر ، وفي الفقرة اشاره إلى ما برهن عليه في محلّه من ان الأئمة عليهم‌السلام لا يكون آباؤهم واُمهاتم مشركين من آدم عليه‌السلام ، ولا يخالط نسبهم فساد وعهر وذمّ ، وكيف وهم ذرية النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله وعترته

__________________

(١) من خطبة الإمام علي عليه‌السلام المعروفة بالنورانية .

(٢) بحار الأنوار ٢٧ : ١٩٩ .

٢٠١

.......................................................................................

________________________________________________

ولا شك في طهارة عنصر النبي وطيب مولده من لدن آدم إلى أبيه ، لأن آباء النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله كانوا موحدين ففي البحار (١) : « اعتقادنا في آباء النبي أنهم مسلمون من آدم إلى أبيه عبد الله وإن أبا طالب كان مسلماً وآمنة بنت وهب كانت مسلمة واتفقت الامامية على أن والدي الرسول صلى‌الله‌عليه‌وآله وكل أجداده إلى آدم عليه‌السلام كانوا مسلمين بل كانوا من الصدّقين » وقال فخر الدين الرازي : ان قوله تعالى : ( إِنَّمَا الْمُشْرِكُونَ نَجَسٌ ) وجب أن لا يكون أحد من أجداده صلى‌الله‌عليه‌وآله مشركاً . وقال صلى‌الله‌عليه‌وآله : ما افترق الناس فرقتين إلّا جعلني الله من خيرهما ، فاخرجت من بين أبَوي فلم يصبني شيء من عهد الجاهلية ، وخرجت من نكاح ولم اخرج من سفاح من لدن آدم حتى انتهيت إلى أبي واُمي فأنا خيركم نسباً وخيركم أباً .

والأرحام المطهرة : فعن النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله قال : « خلقني الله وأهل بيتي من نور واحد قبل أن يخلق آدم بسبعة آلاف عام ثم نقلنا إلى صلب آدم ثم نقلنا من صلبه في الأصلاب الطاهرين إلى ارحام الطاهرات » .

__________________

(١) بحار الأنوار ٥ : ١١٧ .

٢٠٢

لَمْ تُنَجِّسْكَ الْجاهِلِيَّةُ بِاَنْجاسِها وَلَمْ تُلْبِسْكَ الْمُدْلَهِمّاتُ مِنْ ثِيابِها

________________________________________________

الانجاس : جمع النَجَس بفتحتين وهو القذر ، والمراد انه لم تتلوّث أذيال عصمته عليه‌السلام بأرجاس الكفر وأنجاس المعاصي .

والجاهلية : على ما في المجمع ، الحالة التي كانت عليها العرب قبل الإسلام من الجهل بالله ورسوله وشرائع الدين والمفاخرة بالآباء والأنساب والكبرة ، والتجبر وغير ذلك ، ومنه الحديث إذا رأيتم الشيخ يُحدّث يوم الجمعة بأحاديث الجاهلية فارموا رأسه بالحصى ، وقولهم : الجاهلية الجهلاء هو توكيد للأول يشتق له من اسمه ما يؤكّده به ، وأنجاس الجاهلية عبارة عن تلك الأحوال المخالفة للشرع المذمومة عند الشارع فالاضافة بيانيّة .

وإلى ذلك أشار تعالى في منزلتهم عليهم‌السلام ( إِنَّمَا يُرِيدُ اللَّـهُ لِيُذْهِبَ عَنكُمُ الرِّجْسَ أَهْلَ الْبَيْتِ وَيُطَهِّرَكُمْ تَطْهِيرًا ) .

لم تلبسك من المدلهمّات من ثيابها : أي ثياب الجاهلية وهي عبارة عن الاخلاق والحالات الناشئة من الكفر والضلالة فهي في مقابل لباس التقوى المشار إليه بقوله تعالى : ( وَلِبَاسُ التَّقْوَىٰ ذَٰلِكَ خَيْرٌ ) .

والمدلهمات : الظلمات يقال ادلهم الليل : أظلم وليلة مدلهمة أي مظلمة .

والمراد ان الله تعالى ألبس الحسين عليه‌السلام حلل العلم والمعرفة والسخاوة وسائر الأخلاق الحميدة والصفات الربانية ، وان الجاهلية لم تلبسه لباس الجهل والضلالة ، فإن الجهالات والضلالات بعضها فوق بعض ، والحسين عليه‌السلام هو نور على نور ونور فوق كل نور وهو نور الأنوار والهادي للأخيار وحجة الجبار وكهف الابرار .

٢٠٣

.......................................................................................

________________________________________________

قال الإمام الرضا عليه‌السلام : الإمام كالشمس الطالعة للعالم وهي في الاُفق بحيث لا تناله الأيدي والابصار ، والإمام البدر المنير والسراج الظاهر والنور الساطع والنجم الهادي في غياهب الدجى والبلد القفار ولجج البحار ، الإمام الماء العذب على الضماء والدال على الهدى والمنجي من الردى ... إلى أن قال : الإمام المطهّر من الذنوب المبرء من العيوب مخصوص بالعلم مرسوم بالحلم (١) ، وقال النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله : أنا وعلي والحسن والحسين وتسعة من ولد الحسين مطهّرون معصومون (٢) .

__________________

(١) عيون أخبار الرضا ١ : ١٩٠ .

(٢) عيون أخبار الرضا ١ : ٦٥ .

٢٠٤

وَاَشْهَدُ اَنَّكَ مِنْ دَعآئِمِ الدّينِ وَاَرْكانِ الْمُسْلِمينَ

________________________________________________

الدعائم : جمع الدعامة بكسر الدال ، وهي عماد البيت الذي يقوم عليه (١) ، ودعامة القوم سيدهم وكل ما يستند عليه الحائط إذا مال يمنع السقوط ، وكثيراً ما يستعار لكلّ ما لا يتم شيء إلّا به ، وكلّ ما يتوقّف عليه شيء بعلاقة المشابهة ، فإنّ البيت لا يستحكم بناءه إلّا بالدعامة والأساس ، ومنه قوله عليه‌السلام : « لكلّ شيء دعامة ، ودعامة الإسلام الشيعة » (٢) ، وقوله عليه‌السلام : « دعامة الإنسان العقل » (٣) لتوقّف تحقّق الإنسانية على العقل .

والمراد بالدين : هو الإسلام لقوله تعالى : ( إِنَّ الدِّينَ عِندَ اللَّـهِ الْإِسْلَامُ ) (٤) ، وقوله : ( وَمَن يَبْتَغِ غَيْرَ الْإِسْلَامِ دِينًا فَلَن يُقْبَلَ مِنْهُ ) (٥) . و ( مِن ) تبعيضية أي من جملة الأئمة الذين هم دعائم الدين هو الحسين عليه‌السلام .

والأركان : جمع ركن ، وهو لغة جانب البيت ، وكثيراً يستعمل في معنى الاسطوانة والدعامة فيستعار أيضاً فيما أشرنا إليه .

وفي الكلام إشارة إلى أنّ الدين لا يكمل إلّا بولاية الإمام ، والإيمان لا يتحقّق إلّا بمحبّة ذرّية سيّد الأنام ، وقد تواتر بذلك الأخبار من النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله وعترته المعصومين الكرام ، ففي بعضها عن الرضا عليه‌السلام : « أنّ الإمامة زمام الدّين ونظام المسلمين ، وصلاح الدنيا وعزّ المؤمنين ، أنّ الإمامة اُسّ الإسلام النامي

__________________

(١) راجع المنجد في اللغة : ٢١٦ ، مادة ( دعا ) .

(٢) الكافي ٨ : ٢١٢ .

(٣) الكافي ١ : ٢٥ .

(٤) سورة آل عمران : ١٩ .

(٥) سورة آل عمران : ٨٥ .

٢٠٥

.......................................................................................

________________________________________________

وضرعه السامي ، بالإمام تمام الصلاة والزكاة والصيام والحجّ والجهاد وتوفير الفيء والصدقات وإمضاء الحدود والأحكام » (١) .

وفي بعضها يا محمد : « لو أنّ عبداً عبدني حتى ينقطع ويصير كالشن البالي ثمّ أتاني جاحداً لولايتهم لم أدخله جنّتي ولا أظلّه تحت عرشي » (٢) .

وفي بعضها : عن أبي حمزة عن أبي جعفر عليه‌السلام قال : قلت : أصلحك الله أي شيء إذا عملته استكملت حقيقة الإيمان ؟

قال : « توالي أولياء الله محمد صلى‌الله‌عليه‌وآله وعليّ وفاطمة والحسن والحسين وعليّ بن الحسين عليهم‌السلام ثمّ انتهى الأمر إلينا ثمّ ابني جعفر وأومأ إلى جعفر وهو جالس فمن والى هؤلاء فقد والى أولياء الله ، وكان مع الصادقين كما أمره الله » (٣) .

وفي بعضها : « هل الدّين إلّا الحبّ » (٤) .

وفي بعضها عن النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله في كلامه لعليّ : « لو أنّ عبداً عبد الله ألف عام ما قبل الله ذلك منه إلّا بولايتك وولاية الأئمة من ولدك ، وأنّ ولايتك لا يقبلها الله إلّا بالبراءة من أعدائك وأعداء الأئمة من ولدك » .

وفي الزيارة الجامعة : « ... سعد من والاكم ، وهلك من عاداكم ، وخاب من جحدكم ، وضلّ من فارقكم ، وفاز من تمسّك بكم ، وأمن من لجأ إليكم ، وسلم من صدّقكم ، وهدي من اعتصم بكم ، من اتّبعكم فالجنة مأواه ، ومن خالفكم فالنار مثواه » .

__________________

(١) هذا مقطع من الرواية التي أخرجها الصدوق قدس‌سره في العيون ١ : ١٩٥ في وصف الإمام عليه‌السلام فراجع .

(٢) بحار الأنوار ٨ : ٣٥٧ ، الباب ٢٧ .

(٣) بحار الأنوار ٢٧ : ٥٧ .

(٤) الكافي ٨ : ٧٩ .

٢٠٦

وَمَعْقِلِ الْمُؤْمِنينَ

________________________________________________

المعقل : الملجأ والحصن ، وفلان معقل قومه : أي يلجئون إليه إذا أضربهم أمر ، والعقيلة : المرءة المخدرة المحبوسة في بيتها .

عن بصائر الدرجات عن أبي جعفر عليه‌السلام قال : إن رسول الله أنال في الناس وأنال وأنال ، وإنّا أهل البيت معاقل العلم وأبواب الحكم وضياء الأمر .

ومعنى الحديث إنّ رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله أنال أي أعطى ، وأفاد في النّاس العلوم الكثيرة ، لكن عند أهل البيت معيار ذلك ، والفصل بين ما هو حق أو مفترى وعندهم تفسير ما قاله الرّسول صلى‌الله‌عليه‌وآله فلا ينتفع بما في أيدي الناس إلّا بالرّجوع إليهم عليهم‌السلام ، والمعاقل جمع معقل وهو : الحصن والملجأ أي : نحن حصون العلم وبنا يلجأ النّاس فيه وبنا يوصل إليه وبنا يضيء الأمر للنّاس .

وعن الإمام الرضا عليه‌السلام : « لا شرف أعلى من الإسلام ، ولا عزّاً أعز من التقوى ولا معقل أحسن من الورع ... » (١) .

فالإمام الحسين عليه‌السلام هو حصن ومعقل وملجأ لجميع المؤمنين الذين يريدون الهداية والنّجاة في الدنيا والآخرة ، فهو سفينة النّجاة من ركبها نجا ، ومن تخلّف عنها غرق ، فعلينا أن نركب سفينة الحسين عليه‌السلام كي نحرز السّعادة في الدنيا والآخرة كما أحرزها أبو عبد الله الحسين عليه‌السلام وأن نسير أثر مسيرته وعلى نهجه وخطاه .

المؤمنين : المؤمن : هو من آمن بالله ورسوله وكتبه واليوم الآخر ، وجاء بجميع الواجبات وانتهى عن جميع المحرّمات .

قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله : ألا أُنبئكم لم سُمّي المؤمن مؤمناً ؟ لإيمانه النّاس على أنفسهم وأموالهم ، وفي الحديث : إنّ أدنى ما يكون العبد به مؤمناً ، قال عليه‌السلام :

__________________

(١) بحار الأنوار ٦٦ : ٤١١ .

٢٠٧

.......................................................................................

________________________________________________

يشهد أن لا إله إلّا الله وأنّ محمداً عبده ورسوله ويقرّ بالطّاعة ويعرف إمام زمانه فإذا فعل ذلك فهو مؤمن .

قال الإمام أمير المؤمنين عليه‌السلام في تعريف المؤمن : بشره في وجهه ، وحزنه في قلبه ، أوسع بشيء صدراً وأذلّ شيء نفساً ، يكره الرفعة ويشنأ السّمعة ، طويل غمّه بعيد همّه ، كثر صمته ، مشغول وقته ، شكور صبور ، مغمور بفكرته ، ظنين بخلّته ، سهل الخليقة ، ليّن العريكة ، نفسه أصلد من الصّلد ، وهو أذلّ من العبد (١) .

وعن الإمام الصادق عليه‌السلام : « إنّ الإيمان عشر درجات بمنزلة السلم يصعد منه مرقاة بعد مرقاة ، وكان المقداد في الثامنة ، وأبوذر في التاسعة وسلمان الفارسي في العاشرة » (٢) .

وقال الصّادق عليه‌السلام : « لا يستكمل عبد حقيقة الإيمان حتّى تكون فيه خصال ثلاث : الفقه في الدّين ، وحسن التّقدير على المعيشة والصّبر على الرّزايا » .

وعن الإمام علي عليه‌السلام : « المؤمن دائم الذّكر ، كثير الفكر على النّعماء شاكر ، وفي البلاء صابر » .

وعن الإمام زين العابدين عليه‌السلام : « علامات المؤمن خمس : الورع في الخلوة ، والصدقةُ في القلّة ، والصَّبر عند المصيبة والحلم عند الغضب والصّدق عند الخوف » .

وعن النَّبي صلى‌الله‌عليه‌وآله : « المؤمن الّذي نفسه منه في عناءٍ والنّاس في راحة » .

وقال صلى‌الله‌عليه‌وآله : « المؤمن يألف ويؤلف ولا خير فيمن لا يألَف ولا يؤلف ، وخير النّاس أنفعهم للنّاس » (٣) .

__________________

(١) بحار الأنوار ٦٩ : ٤١١ .

(٢) أُصول الكافي ١ : ٣٧ .

(٣) كل الأحاديث من كتاب ميزان الحكمة ، باب الإيمان .

٢٠٨

وَاَشْهَدُ اَنَّكَ الْأِمامُ الْبَرُّ التَّقِيُّ الرَّضِيُّ الزَّكِيُّ الْهادِي الْمَهْدِيُّ

________________________________________________

اشهد : اقسم واحلف .

فهذه شهادة له بالإمامة التي هي عهد الله الذي لا يناله الظالمين ، كما قال : ( وَمِن ذُرِّيَّتِي قَالَ لَا يَنَالُ عَهْدِي الظَّالِمِينَ ) (١) ، فهي الرياسة العامة من الله على عباده ، والخلافة والنيابة من النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله على اُمته .

قال الرضا عليه‌السلام : « إنّ الإمامة خصّ الله بها إبراهيم الخليل عليه‌السلام بعد النبوّة ، والخلّة مرتبة ثالثة ، وفضيلة شرّفه بها ، وأشاد بها ذكره فقال : ( إِنِّي جَاعِلُكَ لِلنَّاسِ إِمَامًا ) ، فقال الخليل سروراً بها : ( وَمِن ذُرِّيَّتِي قَالَ لَا يَنَالُ عَهْدِي الظَّالِمِينَ ) (٢) فأبطلت هذه الآية إمامة كلّ ظالم إلى يوم القيامة ، وصارت في الصفوة ، ثمّ أكرمه الله عزّ وجلّ بأن جعلها في ذريّته أهل الصفوة والطهارة ، فقال عزّ وجل : ( وَوَهَبْنَا لَهُ إِسْحَاقَ وَيَعْقُوبَ نَافِلَةً وَكُلًّا جَعَلْنَا صَالِحِينَ * وَجَعَلْنَاهُمْ أَئِمَّةً يَهْدُونَ بِأَمْرِنَا وَأَوْحَيْنَا إِلَيْهِمْ فِعْلَ الْخَيْرَاتِ وَإِقَامَ الصَّلَاةِ وَإِيتَاءَ الزَّكَاةِ وَكَانُوا لَنَا عَابِدِينَ ) (٣) فلم تزل في ذرّيته يرثها بعض عن بعض قرناً فقرناً حتى ورثها النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله فقال الله عزّ وجل : ( إِنَّ أَوْلَى النَّاسِ بِإِبْرَاهِيمَ لَلَّذِينَ اتَّبَعُوهُ وَهَـٰذَا النَّبِيُّ وَالَّذِينَ آمَنُوا وَاللَّـهُ وَلِيُّ الْمُؤْمِنِينَ ) (٤) فكانت له خاصّة فقلّدها صلى‌الله‌عليه‌وآله عليّاً بأمر الله عزّ وجل على رسم ما فرضها الله عزّ وجل : ( وَقَالَ الَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ وَالْإِيمَانَ لَقَدْ لَبِثْتُمْ فِي كِتَابِ اللَّـهِ إِلَىٰ يَوْمِ الْبَعْثِ ) (٥) فهي في ولد عليّ عليه‌السلام خاصّة إلى يوم القيامة إذ لا نبيّ بعد محمّد صلى‌الله‌عليه‌وآله

__________________

(١) و (٢) سورة البقرة : ١٢٤ .

(٣) سورة الأنبياء : ٧٢ ـ ٧٣ .

(٤) سورة آل عمران : ٦٨ .

(٥) سورة الروم : ٥٦ .

٢٠٩

.......................................................................................

________________________________________________

فمن أين يختار هؤلاء الجهّال ؟ إنّ الإمامة هي منزلة الأنبياء ، وإرث الأوصياء ، إنّ الإمامة خلافة الله عزّ وجل وخلافة الرسول ومقام أمير المؤمنين وميراث الحسن والحسين عليهم‌السلام» (١) .

البِّرُ : ووصف الإمام بالبرّ بالفتح وهو البار العطوف المحسن ، لأنّه كما يطق على القدوة للناس المنصوب من قبل الله المفترض الطاعة على العباد ، كذلك قد يطلق على الداعي إلى الباطل الذي يقتدي به الجاهل ، كما في قول الصادق عليه‌السلام لمّا سئل عن الشيخين ـ أبي بكر وعمر ـ فقال : كانا إمامين قاسطين كانا على الحقّ وماتا عليه فرحمة الله عليهما يوم القيامة ، فلمّا خلى المجلس قال له بعض أصحابنا : كيف قلت يابن رسول الله ؟ فقال : نعم ، أمّا قولي كانا إمامين فهو مأخوذ من قوله تعالى : ( وَجَعَلْنَاهُمْ أَئِمَّةً يَدْعُونَ إِلَى النَّارِ ) ، وأمّا قولي عادلين فهو مأخوذ من قوله تعالى : ( ثُمَّ الَّذِينَ كَفَرُوا بِرَبِّهِمْ يَعْدِلُونَ ) . وأمّا قولي : كانا على الحقّ فالحقّ عليّ عليهما‌السلام ، وقولي ماتا عليه فالمراد به أنّهما لم يتوبا عن تظاهرهما عليه بل ماتا على ظلمهما إيّاه ، وأمّا قولي : فرحمة الله عليهما يوم القيامة ، فالمراد به أنّ رسول الله ينتصف له منهما خذاً من قوله تعالى : ( وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلَّا رَحْمَةً لِّلْعَالَمِينَ ) .

وربما يطلق على الأعمّ كما قال تعالى : ( يَوْمَ نَدْعُو كُلَّ أُنَاسٍ بِإِمَامِهِمْ ) (٢) .

التقي : التقي والمتّقي هو الذي يخاف الله ويخشاه بالغيب ، ويجتنب المعاصي ويتوقى المحرمات من التقوى ، والاتقاء هو الامتناع من الردى باجتناب

__________________

(١) راجع عيون أخبار الرضا ١ : ١٩٦ ، الباب ٢٠ ، ط . الشريف الرضي ـ قم .

(٢) سورة الإسراء : ٧١ .

٢١٠

.......................................................................................

________________________________________________

ما يدعو إليه الهوى ، ويقال : وقاه يقيه إذا حفظه وعصمه وهو أيضاً لقب للإمام محمد الجواد عليه‌السلام لأنه اتقى الله فوقاه شر المأمون لما دخل عليه بالليل وهو سكران فضربه بسيفه حتى ظن أنه قتله فوقاه الله شره (١) .

والرضي : هو المرضي الذي ارتضاه الله من خلقه لإرشاد عباده ، أو الذي رضى الله في سماءه ، والرسول في أرضه ، أو بمعنى الراضي وهو الذي لا يسخط بما قدر عليه وبمعنى المطيع .

والزكي : الطاهر من الأخلاق الذميمية ، والصفات الرذيلة من قولهم زكى عمله إذا طهُر ، ومنه قوله : ( أَقَتَلْتَ نَفْسًا زَكِيَّةً ) (٢) أي طاهرة لم تجن ما يوجب قتلها ، وهذا اللقب إذا أُطلق فالمراد به هو الحسن بن علي عليهم‌السلام .

والهادي : هو الدليل على الحقّ ، والمرشد إلى سبيل الرشد ، قال الله : ( إِنَّمَا أَنتَ مُنذِرٌ وَلِكُلِّ قَوْمٍ هَادٍ ) (٣) عن أبي بُرزة الأسلمي : سمعت رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله يقول : ( إِنَّمَا أَنتَ مُنذِرٌ ) ووضع يده على صدر نفسه ، ثمّ وضعها على صدر عليّ ويقول : ( وَلِكُلِّ قَوْمٍ هَادٍ ) .

وروى القمي في تفسيره ١ : ٢٦٠ ، ط . بيروت عن الإمام الصادق عليه‌السلام قال : المنذر رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله ، والهادي أمير المؤمنين عليه‌السلام وبعده الأئمة عليهم‌السلام وهو قوله : ( وَلِكُلِّ قَوْمٍ هَادٍ ) أي في كلّ زمان إمام هاد مبين .

وهذا اللقب ( الهادي ) عند الإطلاق ينصرف إلى عليّ بن محمد الجواد عليه‌السلام .

__________________

(١) مجمع البحرين .

(٢) سورة الكهف : ٧٤ .

(٣) سورة الرعد : ٧ .

٢١١

.......................................................................................

________________________________________________

والمهدي : هو الذي هداه الله إلى معارج القرب ، وأرشده إلى بساط الجذب ، وعرّفه المعارف اللاهوتية ، وعلّمه الأسرار الجبروتية ولا يكون الشخص هادياً حتّى يكون مهدياً مهتدياً ، ففي الكلام تقديم وتأخير كما في قوله : واجعله هادياً مهدياً ، فتأمّل . وهذا اللقب إذا أُطلق فالمراد به القائم من آل محمد صلى‌الله‌عليه‌وآله المبشّر بمجيئه في آخر الزمان ـ اللهم عجّل فرجه ـ ولا ريب أنّ كلّ إمام من آل محمد صلى‌الله‌عليه‌وآله هاد يهدي العباد إلى طريق الرشاد .

وعن أبي بصير عنه عليه‌السلام قال : قلت له : ( إِنَّمَا أَنتَ مُنذِرٌ وَلِكُلِّ قَوْمٍ هَادٍ ) (١) فقال : رسول الله المنذر ، وعليّ عليه‌السلام الهادي . يا أبا محمد فهل منّا هاد اليوم ؟ قلت : بلى جعلت فداك ما زال فيكم هاد من بعد هاد حتّى رفعت إليك .

فقال عليه‌السلام : رحمك الله يا أبا محمّد لو كانت إذا نزلت آية على رجل مات ذلك الرجل ماتت الآية مات الكتاب ، ولكنّه حيّ جرى فيمن بقى كما جرى فيمن مضى (٢) .

__________________

(١) سورة الرعد : ٧ .

(٢) الكافي ١ : ١٩٢ .

٢١٢

وَاَشْهَدُ اَنَّ الْأَئِمَّةَ مِنْ وُلْدِكَ كَلِمَةُ التَّقْوىٰ ، وَاَعْلامُ الْهُدىٰ ، وَالْعُرْوَةُ الْوُثْقىٰ ، وَالْحُجَّةُ علىٰ اَهْلِ الدُّنْيا

________________________________________________

الأئمة من ولدك : إشارة إلى ما ورد في جملة من الأخبار من ان الله عزّ وجل عوّض الحسين عليه‌السلام من شهادته أنّ جعل الأئمّة من ولده ، والشفاء في تربته ، وإجابة الدّعاء تحت قبّته (١) .

قال الباقر عليه‌السلام : « نحن اثنا عشر إماماً منهم الحسن والحسين ، ثمّ الأئمة من ولد الحسين عليه‌السلام » (٢) .

وعن سلمان الفارسي : « دخلتُ على النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله فإذا الحسين على فخذيه وهو يقبّل عينه ، ويلثم فاه ، ويقول : أنت سيّد ابن سيّد ، أنت إمام ابن إمام ، أنت حجّة ابن حجّة أبو حجج تسعة من صلبك تاسعهم قائمهم » (٣) .

عن المفضّل بن عمر (٤) قال : قلت لأبي عبد الله عليه‌السلام : يابن رسول الله أخبرني عن قول الله : ( وَجَعَلَهَا كَلِمَةً بَاقِيَةً فِي عَقِبِهِ ) قال : يعني بذلك الإمامة ، وجعلها الله في عقب الحسين إلى يوم القيامة ، فقلت : يابن رسول الله أخبرني كيف صارت الإمامة في ولد الحسين دون الحسن وهما ولدا رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله وسبطاه وسيّدا شباب أهل الجنة ؟ فقال : يا مفضل إنّ موسى وهارون نبيّان مرسلان اخوان فجعل الله النبوّة في صلب هارون دون صلب موسى ولم يكن لأحد أن يقول :

__________________

(١) عدة الداعي لابن فهد الحلي : ٥٧ القسم الثاني .

(٢) الكافي ١ : ٥٣٣ باب ما جاء في الأئمة الاثني عشر والنص عليهم .

(٣) مقتل الحسين للخوارزمي ١ : ١٤٦ .

(٤) معاني الأخبار للشيخ الصدوق : ١٣١ ، الحديث ١ ، طبعة بيروت الأعلمي ، ١٤١٠ هـ ، وكتاب تأويل الآيات : ٥٤١ .

٢١٣

.......................................................................................

________________________________________________

لمَ فعل الله ذلك ، وكذلك الإمامة وهي خلافة الله عزّ وجل وليس لأحد أن يقول : لمَ جعلها في صلب الحسين دون صلب الحسن ، لأنّ الله عزّ وجل حكيم في أفعاله : ( لَا يُسْأَلُ عَمَّا يَفْعَلُ وَهُمْ يُسْأَلُونَ ) (١) .

كلمةُ التقوى : والمراد بكلمة التقوى يحتمل وجوهاً :

منها : إنّها الإيمان فكونهم كلمة التقوى ، لكون ولايتهم مشروطة في تحقّقه ، كما في زيارة الجامعة : « وبموالاتكم تمّت الكلمة وعظمت النعمة » .

ومنها : إنّه كلمة لا إله إلّا الله محمد رسول الله ، ولا شكّ أنّ ترتّب الآثار على هذه الكلمة موقوف على الإقرار بإمامتهم ، والإذعان بولايتهم فهذا جار مجرى قول أمير المؤمنين عليه‌السلام من خطبة له : « أنا صلاة المؤمنين ، وصيامهم ، وزكاتهم ، وحجّهم » (٢) ، يعني أنّ هذه الأعمال لا تقبل ولا تصحّ إلّا بولايتي ، وحديث الرضا عليه‌السلام في نيسابور معروف وفي آخره « لا إله الله حصني ومن دخله أمن من عذابي فقالوا : حسبنا يابن رسول الله ، فلمّا رجعوا قال لهم : لكن بشروطها وأنا من شروطها » (٣) .

ومنها : إنه العهد الذي عهده الله في عليّ عليه‌السلام وذريّته ، وفي الحديث في معنى كلمة التقوى عن النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله قال : « إنّ عليّاً عليه‌السلام راية الهدى وإمام أوليائي ونور من أطاعني وهو الكلمة التي ألزمتها المتّقين ، من أحبّه أحبّني ، ومن أطاعه أطاعني » (٤) .

__________________

(١) سورة الأنبياء : ٢٣ .

(٢) مشارق أنوار اليقين .

(٣) راجع التوحيد للشيخ الصدوق باب ثواب الموحّدين : ٢٥ ، الحديث ٢٣ .

(٤) أخرجها الصدوق في معاني الأخبار : ١٢٦ ، الحديث ١ ، ط . بيروت الأعلمي .

٢١٤

.......................................................................................

________________________________________________

ومنها : أنّها الدعوة إلى الإسلام كما قال : ( وَكَلِمَةُ اللَّـهِ هِيَ الْعُلْيَا ) (١) فهم كلمة التقوى لكونهم الدّعاة إلى شرائع الإسلام وجوامع الأحكام .

ومنها : أنّها الحجّة كما في قوله تعالى : ( وَيُحِقُّ الْحَقَّ بِكَلِمَاتِهِ ) (٢) أي بحججه ، فإنّهم حجج الله على الخلق وللمتّقين من عباده ، قال عليّ عليه‌السلام : « إنّ الله واحد تفرّد في وحدانيته ، ثمّ تكلّم بكلمة فصارت نوراً ثم خلق من ذلك النور محمّداً وخلقني وذريتي ، ثمّ تكلّم بكلمة فصارت روحاً فأسكن الله في ذلك النور وأسكنه في أبداننا فنحن روح الله وكلمته ، فبنا احتجّ على خلقه فما زلنا في ظلّة خضراء » (٣) .

ومنها : إنّها الخلق البديع ما يقال لعيسى عليه‌السلام أنه كلمة الله ، لأنّه وجد بأمره من دون أب فشابه البدعيات ، فهم عليهم‌السلام لما عليهم من الصفات الإلهية ، وفيهم من العجائب الربّانية مشابهون للبدعيات ، فهم كلمات الله التامات خلقهم الله لإرشاد المتّقين إلى طرق التقوى والصلاح وهدايتهم إلى سبيل الفلاح والنجاح ، وكيف كان فلعلّ الوجه في توحيد الكلمة أنّهم عليهم‌السلام نور واحد ، ونفس واحدة كما يرشد إليه حديث النورانيّة وغيره .

والأعلام : جمع العلم (٤) ، وهو لغة الجبل الذي يُعلم به الطريق وقريب منه المنار ، وهو المرتفع الذي يوقد في أعلاه النار لهداية الضلال ، والأئمة عليهم‌السلام أعلام للهدى ، لأنّه يهتدى بهم كما قال : « لولانا ما عُرف الله ، ولولانا ما عُبد الله » (٥) . وفي الجامعة : « وأعلاماً لعباده ، ومناراً في بلاده ، وأدلّاء على صراطه » (٦) .

__________________

(١) سورة التوبة : ٤٠ .

(٢) سورة الشورى : ٢٤ .

(٣) راجع بحار الأنوار ٢٦ : ٢٩١ ، الحديث ٥١ ، باب تفضيلهم عليهم‌السلام على الأنبياء .

(٤) المصباح المنير : ٤٢٧ .

(٥) راجع الكافي : ج ١ ، كتاب الحجة ، باب : إنّ الأئمة ولاة أمر الله . وقال الصادق عليه‌السلام : وبعبادتنا عُبد الله .

(٦) راجع شرح هذه الفقرة في الأنوار اللامعة : ١١٥ .

٢١٥

.......................................................................................

________________________________________________

وروي في قوله : ( وَعَلَامَاتٍ وَبِالنَّجْمِ هُمْ يَهْتَدُونَ ) (١) أنّه قال : « نحن العلامات ، والنجم رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله » (٢) .

وقال الصادق عليه‌السلام : « نحن ولاة أمر الله وخزنة علم الله وعيبة وحي الله وأهل دين الله وعلينا نزل كتاب الله ، وبنا عُبد الله ، ولولانا ما عرف الله ، ونحن ورثة نبيّ الله وعترته » (٣) .

وقال الباقر عليه‌السلام : « نحن جنب الله ونحن صفوته ، ونحن خيرته ، ونحن أركان الإيمان ، ونحن دعائم الإسلام ونحن من رحمة الله على خلقه ، ونحن الذين بنا يفتخ ، وبنا يختم ، ونحن أئمة الهدى ، ونحن مصابيح الدجى ، ونحن منار الهدى ، ونحن السابقون ، ونحن الآخرون ، ونحن العلم المرفوع للخلق ، من تمسّك بنا لحق ، ومن تخلّف عنّا غرق ، ونحن قادة الغرّ المحجلين ، ونحن خيرة الله ، ونحن الطريق ، وصراط الله المستقيم إلى الله ، ونحن من نعمه على خلقه ، ونحن المنهاج ، ونحن معدن النبوّة ، ونحن موضع الرسالة ، ونحن الذين تختلف الملائكة ، ونحن السراج لمن استضاء بنا ، ونحن السبيل لمن اهتدىٰ بنا ، ونحن الهداة إلى الجنة » (٤) . « ... ونحن عزّ الإسلام ، ونحن الجسور والقناطر من مضى عليها سبق ، ومن تخلّف عنها محق ، ونحن السنام الأعظم ونحن الذين بنا تنزل الرحمة ، وبنا تسقون الغيث ،

__________________

(١) سورة النحل : ١٦ .

(٢) الكافي : ج ١ ، كتاب الحجّة ، باب : إنّ الأئمة هم العلامات التي ذكرها الله في كتابه ، الحديث ١ عن الرضا عليه‌السلام وأيضاً روي عن الإمام الصادق عليه‌السلام في المصدر نفسه ، الحديث ٢ قال : ( إنّ النبي النجم ، والعلامات الأئمة عليهم‌السلام ) .

(٣) راجع بصائر الدرجات ٢ : ٦١ ، الباب الثالث ، الحديث ٣ .

(٤) المصدر نفسه ، الحديث ١٠ .

٢١٦

.......................................................................................

________________________________________________

ونحن الذين بنا يصرف عنكم العذاب فمن عرفنا ونصرنا وعرف حقّنا وأخذ بأمرنا فهو منّا وإلينا » .

والحاصل : إنّهم أدلّة الهدى ، والهادون بأمر الله المرشدون إلى مرضاة الله .

والعروة لغة : عروة الكوز (١) معروفة ، والوثقى تأنيث الأوثق ، والعروة الوثيقة : هي العروة المستحكمة التي يستمسك بها ، شبّهوا عليهم‌السلام بها ، لأنّ المتمسّك بطريقتهم لا يضلُّ ، ولا ينفصم عن رحمة الله ، وربما تفسّر العروة الوثقى بالإيمان كما قال تعالى : ( فَمَن يَكْفُرْ بِالطَّاغُوتِ وَيُؤْمِن بِاللَّـهِ فَقَدِ اسْتَمْسَكَ بِالْعُرْوَةِ الْوُثْقَىٰ ) (٢) .

وفي بعض الأخبار أنّها التسليم لأهل البيت عليهم‌السلام ، وفي بعضها أنّ أوثق عرى الإيمان الحبّ في الله .

وروي عن عبد الله بن عباس ، قال : قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله : « من أحب أن يتمسّك بالعروة الوثقى التي لا انفصام لها فليتمسّك بولاية أخي ووصيي عليّ بن أبي طالب ، فإنّه لا يهلك من أحبّه وتولّاه ولا ينجو من أبغضه وعاداه » (٣) .

وعن الزمخشري في قوله : ( فَقَدِ اسْتَمْسَكَ بِالْعُرْوَةِ الْوُثْقَىٰ ) وهذا تمثيل للمعلوم بالنظر والاستدلال بالمشاهد المحسوس حتى يتصوّره السامع كأنّه ينظر إليه بعينه فيحكم اعتقاده والتيقّن به (٤) .

__________________

(١) المصباح المنير : ٤٠٦ ، دار الهجرة .

(٢) سورة البقرة : ٢٥٦ .

(٣) الشيخ الصدوق قدس‌سره في معاني الأخبار : ٣٦٨ ، الحديث ١ ، طبعة بيروت .

(٤) راجع الكشّاف للزمخشري ١ : ٣٠٤ عند تفسيره لآية الكرسي .

٢١٧

.......................................................................................

________________________________________________

والحجّة : في اللغة البرهان وقد مرّ شرحها سابقاً ، وكثيراً ما يستعمل فيمن يجب العمل بقوله ، والاقتداء بفعله ، وكونهم عليهم‌السلام حجج الله على خلقه ممّا لا ريب فيه لوجوب العمل بأوامرهم ونواهيهم .

وعن المجلسي الأول قدس‌سره في شرحه على زيارة الجامعة في قوله : « وحجج الله على أهل الدنيا والآخرة والاُولى ... أي يحتجّ الله بهم ويتمّ حجّته ( على أهل الدنيا والآخرة ) بالمعجزات الباهرات والدلائل الظاهرات ، والعلامات الواضحات ، والأخلاق النفسانية ، والفضائل الملكوتية ، والعلوم الربانيّة ، والأسرار الإلهية ، ويحتجّ على أهل الآخرة في عالم البرزخ عند السؤال أو في القيامة أو الأعمّ منهما » .

والأخبار بكونهم عليهم‌السلام حجج الله متواترة وقد تقدّم بعضها ، وفي بعضها عن أبي خالد عن الصادق عليه‌السلام قال : قلت له : « يابن رسول الله ما منزلتكم من ربّكم ؟ قال : حجّته على خلقه ، وبابه الذي يؤتى منه وأُمناؤه على سرّه وتراجمة وحيه » (١) . وروى الصفّار في المصدر نفسه ، الحديث ١١ عن بريد العجلي قال : سألتُ أبا جعفر عليه‌السلام عن قول الله تبارك وتعالى : ( وَكَذَٰلِكَ جَعَلْنَاكُمْ أُمَّةً وَسَطًا لِّتَكُونُوا شُهَدَاءَ عَلَى النَّاسِ وَيَكُونَ الرَّسُولُ عَلَيْكُمْ شَهِيدًا ) قال : نحن اُمة الوسط ، ونحن شهداء الله على خلقه ، وحجّته في أرضه .

__________________

(١) راجع بصائر الدرجات ٢ : ٦٢ ، الحديث ٩ .

٢١٨

وَاَشْهَدُ اَنّي بِكُمْ مُؤْمِنٌ ، وَبِاِيابِكُمْ مُوقِنٌ

________________________________________________

اشهد : أي احلف والقسم ، وتأتي بمعنى أعلم ، كما تقول : اشهد ان لا إله إلّا الله وقوله تعالى : ( شَهِدَ اللَّـهُ أَنَّهُ لَا إِلَـٰهَ إِلَّا هُوَ ) أي بيّن واعلم ، وقد ورد في زيارة وارث : « واشهدوا الله وملائكته وأنبياء ورسله إني بكم مؤمن » أي : أجعلهم شهوداً على إيماني بكم فإنّهم أشهاد عدول لا ترد شهادتهم ، ولا تخفى عليهم السرائر ، ولا تغيب عنهم مطويات القلوب والضمائر ، وقد وصف الله تعالى نفسه بكونه شهيداً وشاهداً في مواضع من كتابه ، وكذا الملائكة والأنبياء بقوله : ( وَيَقُولُ الْأَشْهَادُ ) (١) ، وروي في قوله : ( لِّتَكُونُوا شُهَدَاءَ عَلَى النَّاسِ ) (٢) إنّ الاُمم يوم القيامة يجحدون تبليغ الأنبياء ويطلب الأنبياء بالبيّنة على أنّهم قد بلّغوا فيؤتى باُمّة محمد صلى‌الله‌عليه‌وآله فيشهدون لهم (٣) .

وروي عن عليّ عليه‌السلام أنّه قال : « إيّانا عنى فرسول الله شاهد علينا ، ونحن شهداء الله على خلقه وحجّته في أرضه » (٤) .

قوله : « بِكُمْ مُؤْمِنٌ » أي بحقيقة نورانيّتكم ، ومراتب علومكم وأسراركم الخاصّة بكم ، والإيمان التصديق والإذعان .

وفي الجامعة : « أشهد الله وأُشهدكم أنّي مؤمن بكم وبما آمنتم به ، كافر بعدوّكم وبما كفرتم به » .

__________________

(١) سورة هود : ١٨ .

(٢) سورة البقرة : ١٤٣ .

(٣) راجع مجمع البيان للطبرسي قدس‌سره ١ : ٢٨٨ ، ط . بيروت ـ مؤسسة التاريخ العربي .

(٤) شواهد التنزيل للحسكاني من أعلام القرن الخامس الهجري ١ : ٩٢ ، ط . بيروت ـ الأعلمي ، ومجمع البيان ١ : ٢٨٨ .

٢١٩

.......................................................................................

________________________________________________

قوله : « وَبِاِيابِكُمْ مُوقِنٌ » يحتمل أن يتعلّق بمؤمن أي مؤمن بكم وبإيابكم إلى الدُّنيا في زمن الرجعة . روى عن الإمام الصادق عليه‌السلام في قوله تعالى : ( وَإِذْ أَخَذَ اللَّـهُ مِيثَاقَ النَّبِيِّينَ ) قال : ليؤمنن برسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله ولينصرن عليّاً أمير المؤمنين عليه‌السلام ، قال : نعم والله من لدن آدم وهلّم جرّا فلم يبعث الله نبيّاً ولا رسولاً إلّا رُدَّ جميعهم إلى الدُّنيا حتّى يقاتلوا بين يدي عليّ بن أبي طالب عليه‌السلام (١) .

وعن الإمام الصادق عليه‌السلام قال : « ما بعث الله نبيّاً من لدن آدم فهلم جرا إلّا ويرجع إلى الدُّنيا وينصر أمير المؤمنين عليه‌السلام وهو قوله : ( لَتُؤْمِنُنَّ بِهِ ) يعني رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله ، ( وَلَتَنصُرُنَّهُ ) يعني أمير المؤمنين عليه‌السلام » (٢) .

ويؤيّده ما في زيارة العباس عليه‌السلام : « إني بكم وبإيابكم من المؤمنين » (٣) .

ويحتمل أن يتعلّق بقوله موقن أي مؤمن بكم وموقن بإيابكم ، وهذا أظهر ، وفي الكلام تصريح بثبوت رجعتهم عليهم‌السلام إلى الدنيا لمّا وعدهم الله من الدولة والنصرة ، كيف وقد روي : « إنّ عمر الدُّنيا مئة ألف عام لهم عليهم‌السلام منها ثمانون ألفاً يتمحض لهم الدولة والسلطة » (٤) .

وهذه أي الرجعة من ضروريّات مذهبنا معاشر الإمامية (٥) وقد دلّت عليها

__________________

(١) السيّد هاشم البحراني قدس‌سره في تفسير البرهان ٣ : ٢١١ ، الحديث ١٥ .

(٢) روى القمي في تفسيره ١ : ١١٤ .

(٣) راجع زيارة أبي الفضل العباس عليه‌السلام المطلقة في كتب الزيارات .

(٤) أخرجه حسن بن سليمان الحلّي في مختصر بصائر الدرجات بتفاوت يسير : ٢١٢ ، ط . النجف ، ١٩٥٠ م .

(٥) انفردت الإمامية بالاعتقاد في الرجعة ، واعتمدتها كضرورة من ضروريّات المذهب ، ونظرية مسلّمة يجب الإقرار بها واعتقادها ، وتجديد الاعتراف بها في الأدعية والزيارات ، وفي كلّ وقت كالإقرار في

٢٢٠