النور المبين في شرح زيارة الأربعين

مهدي تاج الدين

النور المبين في شرح زيارة الأربعين

المؤلف:

مهدي تاج الدين


الموضوع : العرفان والأدعية والزيارات
الناشر: دار الأنصار
المطبعة: باقري
الطبعة: ١
ISBN: 964-8956-16-2
الصفحات: ٢٤٨
  نسخة مقروءة على النسخة المطبوعة

.......................................................................................

________________________________________________

وبرفع ذكره وزيارته ومحبّته ، وجعل الشفاء في تربته ، واستجابة الدّعاء تحت قبّته ، والإمامة من ذريته وغير ذلك .

وامّا بالآخرة فهو الإنتقام له من الأعداء وحلول عقابه تعالى بمن خالفهم من الخصماء بل هو عليه‌السلام يلي حساب الناس ، فقد روي عن الإمام الصادق عليه‌السلام : إنّ الذي يلي حساب النّاس قبل يوم القيامة الحسين بن علي ، فأمّا يوم القيامة فإنّه هو بعث إلى الجنّة وبعث إلى النار (١) .

فيكون الإمام عليه‌السلام حميد العاقبة بحلول دار الثواب ، وقال البعض : إنّ النصر له عليه‌السلام في الدنيا عند قيام القائم والكرّه التي وعد بها المؤمنين كما ذكرنا ذلك في الحديث الذي مرّ عن الإمام الصادق عليه‌السلام .

__________________

(١) معجم أحاديث الإمام المهدي ٤ : ٩٠ للكوراني .

١٨١

وَمُهْلِكٌ مَنْ خَذَلَكَ وَمُعَذِّبٌ مَنْ قَتَلَكَ

________________________________________________

ان الله تعالى مهلك من خذل الإمام الحسين عليه‌السلام لأن الإمام عليه‌السلام هو حجة الله على الخلق فمن خذله فقد خذل الله ورسوله والدين والحق ، ومن نصره فقد نصر الله والحق ، وقد ورد في زيارة الجامعة : « من اتبعكم فالجنة مأواه ومن خالفكم فالنار مثواه » فكون متابعتهم سبباً لدخول الجنة ومخالفتهم سبباً لدخول النار مما قد اجمعت عليه الأخبار من الطرفين نشير إلى بعضها :

فعن النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله : من سره ان يحيى حياتي ويموت ميتتي ويدخل الجنة التي وعدنيها ربي ويتمسك بقضيب غَرَسه ربي بيده ، فليتول علي بن أبي طالب واوصيائه من بعده فإنهم لا يدخلونكم في باب ظلال ولا يخرجونكم من باب هدى ، فلا تعلموهم فإنهم اعلم منكم ، وإني سألت ربي ان لا يفرق بينهم وبين الكتاب حتى يردا عليّ الحوض ... الحديث (١) .

وعن الإمام الصادق عليه‌السلام في ثواب الأعمال : ص ٢٥٠ : كل ناصب وان تعبّد واجتهد يصير إلى هذه الآية ( عَامِلَةٌ نَّاصِبَةٌ * تَصْلَىٰ نَارًا حَامِيَةً ) (٢) .

وفي كتاب طوالع الأنوار عن أبي سعيد الخدري قال : سمعت رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله يقول : « إذا كان يوم القيامة أمر الله ملكين يقعدان على الصراط فلا يجوز أحد إلّا ببراءة علي بن أبي طالب عليه‌السلام ومن لم يكن له برائة علي أمير المؤمنين عليه‌السلام كبّه على منخريه في النار ، وذلك قوله تعالى : ( وَقِفُوهُمْ إِنَّهُم مَّسْئُولُونَ ) فقلت : فداك أبي واُمي يا رسول الله ما معنى براءة أمير المؤمنين قال : مكتوب لا إله إلّا الله محمداً رسول الله ، وأمير المؤمنين علي بن أبي طالب وصي رسول الله » .

__________________

(١) الشافي عن الكافي .

(٢) سورة الغاشية : ٣ ـ ٤ .

١٨٢

.......................................................................................

________________________________________________

وفيه أيضاً عن ابن عباس قال : قال رسول الله إلى أن قال عن الله تعالى : « وإني آليت بعزتي أن لا أدخل النار أحداً تولّاه ( يعني علياً عليه‌السلام ) وسلم له للأوصياء من بعده ولا ادخل الجنة من ترك ولايته والتسليم له وللأوصياء من بعده ، وحق القول منّي لأملأن جهنم واطباقها من اعدائه ولاملأن الجنة من اوليائه ومن شيعته » (١) .

__________________

(١) الانوار الساطعة في شرح زيارة الجامعة ٤ : ٢١٩ .

١٨٣

وَاَشْهَدُ اَنَّكَ وَفَيْتَ بِعَهْدِ اللهِ

________________________________________________

الوفاء : ضد الغدر ، وف بعهده إذا لم يغدر ، والوفي الذي يعطي الحق ويأخذ الحق ، قال تعالى : ( وَإِبْرَاهِيمَ الَّذِي وَفَّىٰ ) أي بلّغ قال ، الزجاج : وفّىٰ إبراهيم ما اُمر به وما اُمتحن به من ذبح ولده وكل شيء بلغ تمام الكمال فقد وفى وتم (١) .

العهد : الأمان : والوصية والأمر يقال عهد إليه إذا أوصاه ومنه قوله تعالى : ( وَعَهِدْنَا إِلَىٰ إِبْرَاهِيمَ ) أي أوصيناه وأمرناه ومثله قوله تعالى : ( وَلَقَدْ عَهِدْنَا إِلَىٰ آدَمَ ) أي أوصيناه بان لا يقرب الشجرة فنسي العهد ولم يتذكر الوصية ، وقوله : ( لَا يَنَالُ عَهْدِي الظَّالِمِينَ ) قال الزمخشري وقريء الظالمون أي من كان ظالماً من ذريتك ( إبراهيم عليه‌السلام ) لا يناله استخلافي وعهدي إليه بالامامة ، وإنما ينال من كان عادلاً بريئاً من الظلم .

وقالوا في هذا دليل على ان الفاسق لا يصلح للإمامة ، وكيف صلح لها من لا يجوز حكمه وشهادته ولا تجب طاعته ولا يقبل خبره ولا يقدم للصلاة ، وقوله تعالى : ( وَالْمُوفُونَ بِعَهْدِهِمْ إِذَا عَاهَدُوا ) وقيل يدخل فيه النذور وكلما التزمه المكلف من الاعمال مع الله تعالى وغيره ، وتأتي بمعنى النبوة كقوله تعالى : ( ادْعُ لَنَا رَبَّكَ بِمَا عَهِدَ عِندَكَ ) وهو النبوة أي ادع متوسلاً إليه بعهده وفي الدعاء : انا على عهدك ووعدك ما استطعت .

أي انا متمسك بما عهدته إليّ من الأمر والنهي موقن بما وعدتني من الوعد والثواب والعقاب ما استطعت ، وأنا مقيم على ما عاهدتك عليه من الإيمان بك والاقرار بوحدانيتك ، وانا منجز وعدك في المثوبة بالأجر عليه ، وهو اعتراف بالعجز عن القيام بكنه ما وجب وحرم (٢) .

__________________

(١) لسان العرب ، مادة ( وفى ) .

(٢) مجمع البحرين ، مادة ( عهد ) .

١٨٤

.......................................................................................

________________________________________________

أقول : وكيف كان فإن الإمام الحسين عليه‌السلام قد وفى بعهد الله تعالى وتمسك به لأنه عليه‌السلام موقن بما وعده الله تعالى من الأجر والثواب الجزيل بل اكّد ذلك على نفسه الشريفة بالمشي على طبق ما عاهد الله تعالى عليه إلى درجة لم تُحدّث نفسه الشريفة على احتمال مخالفة العهد والميثاق والعياذ بالله فيما بينه وبين ربّهم ، هذا سواء فسرنا وفائه بالعهد الذي أخذه تعالى على روحه الشريفة في عالم الذر بقوله « ألست بربكم » أو العهد الذي أخذه منه في تبليغ واعلاء حكم التوحيد وتبليغ الرسالة سواء عن طريق شهادته عليه‌السلام أو غيرها .

وقد ورد في تفسير نور الثقلين ٢ : ٩٢ عن أبي عبد الله الصادق عليه‌السلام أنه قال : لما أراد الله أن يخلق الخلق نثرهم بين يديه فقال لهم : « من ربكم » ؟ فأول من نطق رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله وأمير المؤمنين والأئمة عليهم‌السلام فقالوا أنت ربنا فحمّلهم العلم والدين ، ثم قال للملائكة : هؤلاء حملة ديني وعلمي وأُمنائي في خلقي وهم المسؤولون ثم قال لبني آدم : اقرّوا لله بالربوبية ولهؤلاء النفر بالولاية والطاعة ، فقالوا : ربنا اقررنا فقال الله للملائكة : اشهدوا ، فقال الملائكة : شهدنا ، قال علي عليه‌السلام : إن لا تقولوا غداً ( إِنَّا كُنَّا عَنْ هَـٰذَا غَافِلِينَ * أَوْ تَقُولُوا إِنَّمَا أَشْرَكَ آبَاؤُنَا مِن قَبْلُ وَكُنَّا ذُرِّيَّةً مِّن بَعْدِهِمْ أَفَتُهْلِكُنَا بِمَا فَعَلَ الْمُبْطِلُونَ ) يا داود ولايتنا مؤكّدة عليهم في الميثاق .

وعن أبي جعفر (١) وساق الحديث ... إلى أن قال : ثم أمر الله تعالى ناراً فأحجّت فقال لاصحاب الشمال ، ادخلوها فهابوها ، وقال لأصحاب اليمين ادخلوها فدخلوها ، فكانت عليهم برداً وسلاماً ، فقال أصحاب الشمال : يا رب اقلنا فقال : قد اقلتكم اذهبوا فادخلوها فهابوها ، فثمّ ثبتت الطاعة والولاية والمعصية .

__________________

(١) الكافي ٢ : ٨ .

١٨٥

.......................................................................................

________________________________________________

والخلاصة : فإن الإمام الحسين عليه‌السلام وفى بعهد الله تعالى من تبليغ الرسالة والدعاء إلى التوحيد بما يناسب مقام قربه إلى الله تعالى وهو ما أُشير إليه في الحديث الذي مرّ من قول الإمام الصادق عليه‌السلام : فحملهم العلم والدين وهي كناية عن المعارف الإلهيّة والاشتمال بها وجداناً ، فالإمام الحسين عليه‌السلام اكّد الوفاء بالعهد بالثبات عليها عقيدة وصفة وعملاً في جميع أحواله وتحمل الأذى والشهادة بما لا مزيد عليه ، وكما ورد في دعاء الندبة « فشرطوا لك ذلك وعلمت منهم الوفاء » .

١٨٦

وَجاهَدْتَ في سَبيلِهِ

________________________________________________

الجهاد : لقد مرّ معنى كلمة الجهاد في فقرة « فَجٰاهَدَهُمْ فيكَ صٰابِراً مُحْتَسِباً » ولكن نشير هنا إلى بحث مهم وهو الجهاد على ثلاث أنواع : الجهاد الأكبر ، والجهاد الأصغر ، والجهاد في طاعة الله تعالى بمعنى الاجتهاد في طاعته .

فامّا الجهاد الأكبر هو الجهاد مع النفس ، قال الإمام الحسين عليه‌السلام : الجهاد على أربعة أوجه : فجهادان فرض وجهاد سنة لا يقام إلّا مع فرض ، وجهاد سنة ، فاما أحد الفرضين فجهاد الرجل نفسه (١) . وقال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله : المجاهد من جاهد نفسه في الله تعالى (٢) . وقال أمير المؤمنين عليه‌السلام : حاربوا هذه القلوب فإنها سريع العثار وعنه عليه‌السلام : لا فضيلة كالجهاد ولا جهاد كمجاهدة الهوى .

وفي حديث المعراج في صفة أهل الخير وأهل الآخرة : يموت الناس مرة ويموت أحدهم في كل يوم سبعين مرّة من مجاهدة أنفسهم ومخالفة هواهم ، والشيطان الذي يجري في عروقهم ، وعن النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله : جاهدوا أنفسكم بقلة الطعام والشراب تظلّكم الملائكة ويفرّ عنكم الشيطان .

وأما الجهاد الأصغر قال أمير المؤمنين عليه‌السلام : ان الجهاد باب من أبواب الجنة فتحه الله تعالى لخاصة أوليائه وهو لباس التقوى ودرع الله الحصينة وجنته الوثيقة (٣) .

وعنه عليه‌السلام : جاهدوا في سبيل الله بايديكم فإن لم تقدروا فجاهدوا بالسنتكم فإن لم تقدروا فجاهدوا بقلوبكم ، وعن رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله : إنما المؤمن يجاهد بسيفه ولسانه .

__________________

(١) تحف العقول : ٢٤٣ .

(٢) ميزان الحكمة ٢ : ٥٩٥ .

(٣) نهج البلاغة ، خطبة الجهاد .

١٨٧

.......................................................................................

________________________________________________

وأما الاجتهاد في طاعة الله قال تعالى : ( وَمَن جَاهَدَ فَإِنَّمَا يُجَاهِدُ لِنَفْسِهِ إِنَّ اللَّـهَ لَغَنِيٌّ عَنِ الْعَالَمِينَ ) .

قال الإمام الصادق عليه‌السلام : اعطوا الله من أنفسكم الاجتهاد في طاعته ، فإن الله لا يدرك شيء من الخير عنده إلّا بطاعته واجتناب محارمه ، وقال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله : يا معشر المسلمين ، شمّروا فإن الأمر جدّه ، وتأهبّوا فإن الرحيل قريب ، وتزودوا فإن السفر بعيد ، وخففوا أثقالكم فإنّ وراءكم عقبةً كؤوداً لا يقطعها إلّا المخفّون . وقال الإمام الرضا عليه‌السلام : سبعة أشياء بغير سبعة أشياء من الاستهزاء : من استغفر بلسانه ولم يندم بقلبه فقد استهزأ بنفسه ، ومن سأل الله التوفيق ولم يجتهد فقد استهزأ بنفسه ، ومن استحزم ولم يحذر فقد استهزأ بنفسه ، ومن سأل الله الجنة ولم يصبر على الشدائد فقد استهزأ بنفسه ، ومن تعوّذ بالله من النار ولم يترك شهوات الدنيا فقد استهزأ بنفسه ، ومن ذكر الله ولم يستبق إلى لقائه فقد استهزأ بنفسه .

السبيل : الطريق ، وما وضح منه ، وسبيل الله ، طريق الهدى الذي دعا إليه وقوله تعالى : ( وَأَنفِقُوا فِي سَبِيلِ اللَّـهِ ) أي في الجهاد ، وكل ما أمر الله به من الخير فهو من سبيل الله أي من الطرق إلى الله ، واستعمل السبيل في الجهاد أكثر لانه السبيل الذي يقاتل فيه ، وكل سبيل اريد به الله عزّ وجل وهو برٌّ فهو داخل في سبيل الله (١) .

قال ابن الأثير : وسبيل الله عام يقع على كل عمل خالص سلك به طريق التقرب إلى الله تعالى باداء الفرائض والنوافل وأنواع التطوعات وإذا أطلق فهو في الغالب واقع على الجهاد حتى صار لكثرة الاستعمال كأنه مقصور عليه .

__________________

(١) لسان العرب ، مادة ( سبل ) .

١٨٨

حَتّىٰ اَتاكَ الْيَقينُ

________________________________________________

اليقين : هو إزاحة الشك وتحقيق الأمر (١) ، وعن المجمع : هو نقيض الشك ، والعلم نقيض الجهل ، تقول علمته يقيناً . وقوله تعالى : ( وَاعْبُدْ رَبَّكَ حَتَّىٰ يَأْتِيَكَ الْيَقِينُ ) أي حتى يأتيك الموت .

وأما المراد منها في هذه الزيارة هو الموت « حتى أتاك اليقين » ، أي الموت اُقيم السبب مقام المسبب فإنّ بالموت يزول الشك ويحصل العلم بما اخبر به النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله من أحوال النشأة الأُخرى ، وهذا بالنسبة إلى عامّة الناس وأما الخصيصون من العباد فهم على يقين وعلم في جميع أحوالهم كأبي عبد الله الحسين عليه‌السلام فكأنهم يعاينون الجنة والنار والصراط والميزان وسائر ما اخبر به النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله ، ومن هنا قال الإمام أمير المؤمنين عليه‌السلام : « لو كشف لي الغطاء لما ازددت يقينا » .

وحمل الصوفية هذه الآية على ظاهرها فزعموا أن لا تكليف على أولياء الله لانهم بلغوا معارج اليقين ، وفساد ما ذهبوا إليه ظاهر مسبّبين .

وقال تعالى : ( إِنَّ هَـٰذَا لَهُوَ حَقُّ الْيَقِينِ ) (٢) جاء في التفسير : الحق هو العلم من حيث ان الخارج الواقع يطابقه ، واليقين هو العلم الذي لا شك فيه ولا ريب فإضافة الحق إلى اليقين نحو من الاضافة البيانية حبي بها للتأكيد (٣) .

قال المجلسي رحمه‌الله : ولليقين ثلاث مراتب : علم اليقين ، وعين اليقين ، وحق اليقين ، قال تعالى : ( كَلَّا لَوْ تَعْلَمُونَ عِلْمَ الْيَقِينِ * لَتَرَوُنَّ الْجَحِيمَ * ثُمَّ لَتَرَوُنَّهَا عَيْنَ الْيَقِينِ ) ، ( إِنَّ هَـٰذَا لَهُوَ حَقُّ الْيَقِينِ ) والفرق بينهما إنما ينكشف بمثال ،

__________________

(١) كتاب العين ، مادة ( يقين ) .

(٢) سورة الواقعة : ٩٥ .

(٣) تفسير الميزان ١٩ : ١٤٠ .

١٨٩

.......................................................................................

________________________________________________

فعلم اليقين بالنار مثلاً ، هو مشاهدة المرئيات بتوسط نورها ، وعين اليقين بها هو معاينة جرمها ، وحق اليقين بها الاحتراق فيها وانمحاء الهوية بها والصيرورة ناراً صرفاً ، وليس وراء هذا غاية ولا هو قابل للزيادة ، لو كشف الغطاء ما ازددت يقينا .

قال النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله : إلّا أن الناس لم يؤتوا في الدنيا شيئاً خيراً من اليقين والعافية فاسألوهما الله ، وقال صلى‌الله‌عليه‌وآله : كفى باليقين غنى ، وقال أمير المؤمنين عليه‌السلام : اليقين رأس الدين ، وقال الصادق عليه‌السلام : ان العمل الدائم القليل على يقين أفضل عند الله من العمل الكثير على غير يقين (١) .

قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله : اما علامة الموقن فستّة : ايقن بالله حقاً فآمن به ، وايقن بان الموت حق محذره ، وايقن بان البعث حق فخاف الفضيحة ، وايقن بان الجنة حق فاشتاق اليها ، وايقن بان النار حق فظهر سعيه للنجاة منها وايقن بان الحساب حق فحاسب نفسه .

وروي في الكافي عن اسحاق بن عمال قال : سمعت أبا عبد الله عليه‌السلام يقول : ان رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله صلّى بالناس الصبح فنظر إلى شاب في المسجد وهو يخفق ويهوي برأسه مصفراً لونه قد نحف جسمه وغارت عيناه في رأسه فقال له رسول الله : كيف اصبحت يا فلان ؟ قال : اصبحت يا رسول موقناً ، فعجب رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله من قوله وقال : ان لكل يقين حقيقة فما حقيقة يقينك ؟ فقال : ان يقيني يا رسول الله هو الذي احزنني واسهر ليلي واظمأ هواجري فعزفت نفسي عن الدنيا وما فيها ، حتى كأني انظر إلى عرش ربي وقد نصب للحساب وحشر الخلائق لذلك ،

__________________

(١) ميزان الحكمة ( اليقين ) .

١٩٠

.......................................................................................

________________________________________________

وأنا فيهم وكأني انظر إلى أهل الجنة يتنعمون في الجنة ويتعارفون وعلى الأرائك متكئون ، وكأني انظر إلى أهل النار وهم فيها معذبون مصطرخون ، وكأني الآن اسمع زفير النار يدور في مسامعي ، فقال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله لاصحابه هذا عبد نور الله قلبه بالإيمان ثم قال له الزم ما انت عليه فقال الشاب : ادع الله لي يا رسول الله ان اُرزق الشهادة معك ، فدعا له رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله فلم يلبث ان خرج في بعض غزوات النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله فاستشهد بعد تسعة نفر وكان هو العاشر (١) .

__________________

(١) اُصول الكافي ٢ : ٥٣ .

١٩١

فَلَعَنَ اللهُ مَنْ قَتَلَكَ ، وَلَعَنَ اللهُ مَنْ ظَلَمَكَ

________________________________________________

لعن : لقد مر شرح معنى اللعن في فقرة « فَالْعَنْهُمْ لَعْناً وَبيلاً » من هذه الزيارة فراجع .

ولكن نقول ان هذا الكلام تفريع على جميع ما تقدم من مقام أبي عبد الله الحسين عليه‌السلام من قول الإمام عليه‌السلام في الزيارة من أنه ولي الله وابن وليه وصفيه وابن صفيه الفائز بالكرامة ... الخ الزيارة .

وجاهد في سبيل الله تعالى لاجل نصرة الدين والحق فمضى حميداً مظلوماً شهيداً ففي ذلك إشارة إلى أن الإنسان الذي يجمع هذه الصفات الحسنة من الكمالات الداخلية والخارجية ، جدير أن يعظم وأن يطاع لا أن يقتل ويهان وتسبى حريمه ، فإن القاتل والظالم له مستحق للّعن من الله تعالى وهو الطرد من رحمته والابعاد عنها ، لانهم ذئاب كما عبر عنهم الإمام الحسين عليه‌السلام في خطبته « كأني بأوصالي تقطعها عسلان الفلوات ... » فاجراهم مجرى السباع الضارية التي لا تفرق من آذاها بين العالم والجاهل والصالح والطالح والمؤمن والكافر ، بل هم أظل وأقسى منها حيث ان السباع لا تجترء على الأنبياء وذريّاتهم لما حرّم الله تعالى لحومهم عليها ، وأكبر شاهد على ذلك قصة المرأة التي ادعت أنها زينب بنت فاطمة عليها‌السلام ، واحضر المتوكل الإمام الهادي عليه‌السلام وأمرها الإمام أن تدخل في بركة السباع ، وقال عليه‌السلام : ان لحوم ولد فاطمة عليها‌السلام محرمة على السباع فانزلها ، فأبت وقالت يريد قتلي ، ونزل هو عليه‌السلام بأمر المتوكل فرمت بنفسها بين يديه تتبرك به (١) .

__________________

(١) راجع مدينة المعاجز للبحراني وأمثالها بالعشرات .

١٩٢

.......................................................................................

________________________________________________

فعلى أي حال فإن قتلة الإمام الحسين عليه‌السلام قد هتكوا حرمة نبيهم بقتله وسبي ذراريه ، واساؤوا الصنع فيهم بما لم يسبق له مثيل في التاريخ مع ما اكد النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله في حقهم من الوصيّة بحبهم وودهم حتى جعل ذلك اجراً على خدماته لهم كما قال تعالى : ( قُل لَّا أَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ أَجْرًا إِلَّا الْمَوَدَّةَ فِي الْقُرْبَىٰ ) (١) وفي الحديث عن ابن عباس قالوا : يا رسول الله من قرابتك الذين وجبت مودتهم ؟ قال صلى‌الله‌عليه‌وآله : علي وفاطمة وولداها (٢) .

فليت شعري ماذا كانوا يصنعون لو أمرهم ببغض العترة ونصب العداوة لهم ولنعم ما قيل :

قد أبدلوا الودّ في القربى ببغضهم

كأنما ودّهم في الذكر بغضاء

ثم ان جواز اللعن عندنا مما لا شك فيه بل وجوب لعن قتلة الحسين عليه‌السلام والعترة الطاهرة ، وقد دل عليه الكتاب والسنة المتواترة والاجماع من الامامية ودل عليه العقل السليم ، والعجب ممن أنكر هذا الحكم مع وضوحه وهم شرذمة من المخالفين فزعموا أن المسلم لا يجوز لعنه مطلقاً وان يزيد واضرابه من ظالمي آل محمد صلى‌الله‌عليه‌وآله كانوا مسلمين .

فقد حكى ابن الجوزي عن جده عن القاضي ابي يعلى باسناده إلى صالح بن أحمد بن حنبل قال : قلت لأبي : ان قوماً ينسبوننا إلى توالي يزيد ؟ فقال : يا بني وهل يتولى يزيد أحد يؤمن بالله ؟

فقلت : فلمَ لا نلعنه ؟ فقال : وما رأيتني لعنتُ شيئاً ، يا بني لم لا تلعن من لعنه الله في كتابه ؟ فقلت : وأين لعن الله يزيد في كتابه ؟ فقال :

__________________

(١) سورة الشورى : ٢٣ .

(٢) السيوطي في الدر المنثور ٦ : ٧ .

١٩٣

.......................................................................................

________________________________________________

قوله تعالى : ( فَهَلْ عَسَيْتُمْ إِن تَوَلَّيْتُمْ أَن تُفْسِدُوا فِي الْأَرْضِ وَتُقَطِّعُوا أَرْحَامَكُمْ * أُولَـٰئِكَ الَّذِينَ لَعَنَهُمُ اللَّـهُ فَأَصَمَّهُمْ وَأَعْمَىٰ أَبْصَارَهُمْ ) (١) .

وحكى أيضاً عن أبي يعلى ان الممتنع من جواز لعن يزيد إما أن يكون غير عالم بذلك أو منافق يريد أن يوهم بذلك وربما استفز الجهال يقول النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله : « المؤمن لا يكون لعّانا » وهذا محمول على من لا يستحق اللعن ، واما قاتل حبيب رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله وسبطه فإن لعنه من الواجبات .

قال ابن خلدون في مقدّمته : ص ٢٥٤ عند ذكر ولاية العهد « الاجماع على فسق يزيد ومعه لا يكون صالحاً للامامة ، ومن أجله كان الحسين عليه‌السلام ليرى من المتعيّن الخروج عليه وقعود الصحابة والتابعين عن نصرة الحسين عليه‌السلام لا لعدم تصويب فعله ( يزيد ) بل لانهم يرون عدم جواز اراقة الدماء فلا يجوز نصره يزيد بقتال الحسين بل قتله من فعلات يزيد المؤاكدة لفسقه والحسين فيها شهيد » .

وقال الذهبي في سير أعلام النبلاء : « كان يزيد بن معاوية ناصبياً فضاً غليظاً جلفاً يتناول المسكر ويفعل المنكر ، افتتح دولته بقتل الشهيد الحسين وختمها بوقعة الحرّة ، فمفته الناس ولم يبارك في عمره » .

روي عن الإمام الصادق عليه‌السلام انه جاء رجل وقال : يابن رسول الله اني عاجز ببدني عن نصرتكم ولست املك إلّا البرائة من أعدائكم واللعن عليهم ، فكيف حالي ؟ فقال عليه‌السلام : حدثني أبي عن أبيه عن جده عن رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله قال : من ضعف عن نصرتنا أهل البيت ، ولعن في خلواته أعدائنا بلغ الله صوته

__________________

(١) سورة محمد : ٢٢ ـ ٢٣ .

١٩٤

.......................................................................................

________________________________________________

جميع الأملاك من الثرى إلى العرش ، فكلما لعن هذا الرجل اعدائنا لعناً ساعدوه فلعنوا من يلعنه ، ثم ثنوه فقالوا اللهم صلي على عبدك هذا الذي قد بذل ما في وسعه ، ولو قدر على أكثر منه لفعل ، فإذا بالنداء من قبل الله قد اجبت دعائكم وسمعت ندائكم وصليت على روحه في الأرواح وجعلته عندي من المصطفين الأخيار (١) .

__________________

(١) تفسير الإمام العسكري : ٤٧ ، وبحار الأنوار ٢٧ : ٢٢٣ .

١٩٥

وَلَعَنَ اللهُ اُمَّةً سَمِعَتْ بِذلِكَ فَرَضِيَتْ بِهِ

________________________________________________

اللعن : الطرد من الرحمة وقوله تعالى : ( لَّعَنَهُمُ اللَّـهُ بِكُفْرِهِمْ ) أي أبعدهم وطردهم من الرحمة .

الاُمة : الجماعة ، وقيل كل جماعة يجمعهم امر ، إما دين واحد أو دعوة واحدة أو طريقة واحدة أو زمان واحد أو مكان واحد ، ومنه الحديث : يبعث عبد المطلب اُمة واحدة عليه بهاء الملوك وسيماء الأنبياء (١) .

وإنما استحق الراضي اللعن مع عدم صدور الظلم منه لان رضاه كاشف عن سوء سريرته وشقاوة باطنه بالنسبة إلى أهل البيت فيكون عدوّاً لهم بحيث لو قدر على الظلم لكان ظالماً لهم فلا يكون مسلماً كيف !!

وشرط الإسلام محبة الأئمة الاعلام كما دل كثير من الاخبار وشهد به سليم الذوق والعقل ، وهذا السرّ في قتل الإمام المهدي (عج) من ذراري الأعداء ما لا تحصى لكونهم راضين بما فعل آباؤهم ، ففي الحديث عن عبد الله بن صالح الهروي قال : قلت لأبي الحسن الرضا عليه‌السلام : يابن رسول الله ما تقول في حديث روي عن الصادق عليه‌السلام انه قال : إذا خرج القائم قتل ذراري قتلة الحسين عليه‌السلام بفعال آبائها فقال عليه‌السلام : هو كذلك فقلت : فقول الله عزّ وجل : ( وَلَا تَزِرُ وَازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرَىٰ ) ما معناه ؟ فقال : صدق الله في جميع أقواله لكن ذراري قتلة الحسين عليه‌السلام يرضون أفعال آبائهم ويفتخرون بها ومَن رضي شيئاً كان كمن أتاه ولو أن رجلاً قتل في المشرق فرضي بقتله رجل في المغرب لكان الراضي عند الله شريك القاتل ، وإنما يقتلهم القائم عجّل الله فرجه إذا خرج لرضاهم بفعل آبائهم قال : فقلت له : بأي شيء يبدأ القائم فيهم إذا قام قال : يبدأ ببني شيبة ويقطع أيديهم لأنهم سرّاق بيت الله عزّ وجل (٢) .

__________________

(١) المجمع ، مادة ( اُمة ) .

(٢) علل الشرائع ١ : ٢٦٨ .

١٩٦

.......................................................................................

________________________________________________

وهذا صريح في ان الراضي بفعل الظالم ظالم مثله ، فكم من داخل مع قوم وهو خارج منهم كالمؤمن من آل فرعون ، وكم من خارج من قوم وهو معهم لرضاه بفعلهم كابن عمر واحزابه ، وحكايته مع يزيد معروفة ككلامه بعد أن راى العهد الذي كتبه ابوه إلى أبيه كما في البحار (١) ، وكذلك روى البلاذري قال : لما قتل الحسين عليه‌السلام : كتب عبد الله بن عمر إلى يزيد بن معاوية ، إما بعد : فقد عظمت الرزية وجلت المصيبة وحدث في الإسلام حدث عظيم ولا يوم كيوم قتل الحسين عليه‌السلام .

فكتب إليه يزيد : إما بعد يا احمق ، فإنا جئنا إلى بيوت مجددة وفرش ممهدة ووسادة منضّدة ، فقاتلنا عنها فإن يكن الحق لنا فعن حقنا قاتلنا ، وإن كان الحق لغيرنا فأبوك أوّل من سنّ هذا واستأثر بالحق عل أهله ، وفي بعض الأخبار من رضي بفعل فقد لزمه وإن لم يفعل .

__________________

(١) بحار الأنوار ٣٠ : ٢٨٨ وعوالم للسيدة النساء : ٥٩٩ .

١٩٧

اَللّهُمَّ اِنّي اُشْهِدُكَ اَنّي وَلِيٌّ لِمَنْ والاهُ ، وَعَدُوٌّ لِمَنْ عاداهُ

________________________________________________

اشْهِد : يعني إني اشهد الله تعالى على انني خاشع وخاضع لمن والاه وقيل أي محب وصديق وناصر ومتابع بالقلب واللسان .

وبالجملة : إني مظهر محبتي وولايتي لمن تولاه الحسين عليه‌السلام ، وعدوّ لمن عاداه بالقلب واللسان واليد انكرهم واتبرء منه .

والسر في ذلك لأن الله تعالى هو الآمر بموالاتهم ومحبتهم والاعتصام بهم وبمن والاه الحسين عليه‌السلام وعدوّ لمن عاداه فالموالي لهم موال له تعالى .

فعن البحار عن أمالي الصدوق قال أمير المؤمنين عليه‌السلام سمعت رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله يقول : « انا سيد ولد آدم وأنت يا علي والأئمة من بعدك سادات أُمتي من أحبنا فقد أحب الله ومن ابغضنا فقد ابغض الله ومن والانا فقد وال الله ومن عادانا فقد عاد الله ومن اطاعتنا فقد اطاع الله ومن عصانا فقد عصى الله » .

وفيه عن ابي جعفر عليه‌السلام في تفسير ( وَآتَيْنَاهُم مُّلْكًا عَظِيمًا ) ان جعل فيهم ائمة من اطاعهم اطاع الله ومن عصاهم عصى الله فهذا ملك عظيم .

وفي الحديث عن الكافي : « اما لو ان رجلاً قام ليله وصام نهاره وتصدق بجميع ماله ، وحج جميع دهره ولم يعرف ولاية ولي لله فيواليه ويكون جميع أعماله بدلالته إليه ما كان له على الله حق في ثوابه ولا كان من أهل الإيمان » .

وقد ورد في زيارة الجامعة : « مَنْ والاكُمْ فَقَدْ والَى اللهَ ، وَمَنْ عاداكُمْ فَقَدْ عادَ اللهَ وَمَنْ اَحَبَّكُمْ فَقَدْ اَحَبَّ اللهَ ، وَمَنْ اَبْغَضَكُمْ فَقَدْ اَبْغَضَ اللهَ » .

١٩٨

بِاَبي اَنْتَ وَاُمّي يَابْنَ رَسُولِ اللهِ

________________________________________________

بابي : أصله مفعول ثان لافدي المقدّر ، انت : مفعول اول ، والمعنى افديكم بأبي وأُمي والباء فيها تسمى باء التفدية .

وهذه العبارة تستعمل لبذل الحبيب والعزيز وقاية للأحبّ والأعز ، بحيث يفنى العزيز والحبيب عن رعاية نفسه والمحافظة عليها في قبال الاحبة والأعزة .

وهذا كله إذا وجدتَ من ظهر بصفة حسنة جليلة كصفات محمد وآله الطاهرين عليهم‌السلام ، بحيث قد هان عند ظهورها لك كل جليل وعزيز عندك ، فحينئذ تقول : بأبي أنت واُمي وهم أحب الأشياء عندي وأعزّها عليّ ، وهي أبي واُمي وأهلي أي أفديهم وقاية لكم من كل مكروه ومحذور .

وكيف كان فهذه الجمل تستعملها العرب عند الخطاب لمن يحترمون مقامه ويعظمون اكرامه ، ثم الوجه في ابراز هذه الجمل ان الزائر لما أراد خطاب الإمام الحسين عليه‌السلام بان يشهد عليه‌السلام على ما انطوى عليه قلب الزائر من الاعتقاد بولايتهم ، وان الامام عليه‌السلام هو المحبوب له بحيث ليس محبوب أشد حبّاً منهم ، وأراد أن يشهد الإمام عليه‌السلام عليه بما يذكره الزائر من الاقرار بالجمل السابقة للزيارة من جهة المعاهدة والميثاق المؤكد مع الإمام عليه‌السلام بما اعتقد من علوّ مقامهم . إلّا أنه حيث كان في نفسه بعض الصفات الرذيلة فكأنه استحيى ان يطلب من الإمام عليه‌السلام النظر إلى قلبه ، فيرى مع هذه العقائد الحقة تلك الصفات الرذيلة ، هذا مع أنه يعلم ( الزائر ) ان الامام مطلع على ما في القلوب من العقائد الحقة فهو ( الزائر ) لأجل هذه الأُمور قال : « بأبي أنت واُمي » ليقبل عليه‌السلام منه هذه الشهادة ولا يرده عن بابه بل يجعله مشمولاً لالطافه الخاصة رزقنا الله ذلك بمحمد وآله الطاهرين (١) .

__________________

(١) الانوار الساطعة مع تصرف .

١٩٩

اَشْهَدُ اَنَّكَ كُنْتَ نُوراً في الْأَصْلابِ الشّامِخَةِ وَالْأَرْحامِ الْمُطَهَّرَةِ

________________________________________________

النور : هو الظاهر بنفسه المظهر لغيره ، وحقيقة انوار أهل البيت غير معلومة لنا لكونها فوق ادراكاتنا فلا يعرفهم غيرهم ، كما قال النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله : يا علي ما عرفني إلّا الله وأنت وما عرفك إلّا الله وأنا (١) ، فلا ندرك مقامهم هذا سوى الاجمال كما لا ندرك في مقام الحق سوى ذلك وبيانه ان العالي محيط بالسافل دون العكس .

ورد في البحار (٢) عن قبيصة بن يزيد الجعفي قال : دخلت على الصادق عليه‌السلام وعنده ابي ظبيان والقاسم الصيمري فسلمت وجلست وقلت : يابن رسول الله أين كنتم قبل أن يخلق الله سماء مبنية وأرضاً مدحية أو ظلمة أو نوراً ؟ قال : « كنا أشباح نور حول العرش نسبح الله قبل أن يخلق آدم عليه‌السلام بخمسة عشر ألف عام ، فلما خلق الله آدم عليه‌السلام فرغنا في صلبه فلم يزل ينقلنا من صلب طاهر إلى رحم مطهّر حتى بعث الله محمداً صلى‌الله‌عليه‌وآله » .

فقوله أين كنتم يستفاد منه إنهم كانوا مخلوقين قبل خلق السماء والأرض وغيرهما وكان هذا أمراً مسلماً عند الشيعة آنذاك وإنما سؤاله عنه عليه‌السلام من حيث إنهم أين كانوا فقوله عليه‌السلام : « كنا أشباح نور حول العرش » يشير إلى الخلق الأول وقوله : « فلما خلق آدم فرغنا في صلبه » يشير إلى الخلق الثاني .

فالإمام الصادق عليه‌السلام في هذه الزيارة الأربعينية يشير إلى مقام نورانيته الذي يجب على كل مؤمن الاقرار به كما قال أمير المؤمنين عليه‌السلام لسلمان : « يا سلمان لا يكمل المؤمن إيمانه حتى يعرفني بالنوارنيّة فإذا عرفني بذلك فهو مؤمن امتحن الله قلبه للإيمان ، وشرح صورة للإسلام وصار عارفاً بدينه ،

__________________

(١) مشارق انوار اليقين : ٢٠١ .

(٢) بحار الأنوار ١٥ : ٧ .

٢٠٠