نافذة على زيارة القبور

السيّد فاروق الموسوي

نافذة على زيارة القبور

المؤلف:

السيّد فاروق الموسوي


الموضوع : العقائد والكلام
الناشر: انتشارات دار العلم آية الله بهبهاني
المطبعة: البهبهاني
الطبعة: ١
ISBN: 978-964-8300-11-6
الصفحات: ٢٧٢
  نسخة مقروءة على النسخة المطبوعة

تيمية ، حيث منع من زيارة قبر النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله ، وهو من أبشع المسائل المنقولة عنه.

ومن جملة ما استدلّ به على دفع ما ادّعاه غيره من الإجماع على مشروعية زيارة النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله : ما نقل عن مالك : أنّه كره أن يقول : زرت قبر النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله ، وأجاب عنه المحققون من أصحابه : أنّه كره اللفظ أدباً ، لا أصل الزيارة ، فإنّها من أفضل الأعمال وأجلّ القُرَب الموصلة إلى ذي الجلال ، وإنّ مشروعيتها محلّ إجماع بلا نزاع. قال : فشدّ الرحال للزيارة أو نحوها كطلب علم ليس إلى المكان ، بل إلى مَن فيه ، وقد التبس ذلك على بعضهم ، كما قاله المحقق التقيّ السبكيّ ، فزعم أنّ شدّ الرحال إلى الزيارة في غير الثلاثة داخل في المنع ، هو خطأ ، كما مرّ ؛ لأنّ المستثنى إنّما يكون من جنس المستثنى منه ، كما إذا قلت : ما رأيت إلّا زيداً ، أي ما رأيت رجلاً واحداً إلّا زيداً ، لا ما رأيت شيئاً أو حيواناً إلّا زيداً. انتهى.

وقال القسطلاني في موضع آخر (١) : الاستثناء مفرغ ، والتقدير : لا تشدّ الرحال إلى موضع ، ولازمه منع السفر إلى كل موضع غيرها ، كزيارة صالحٍ أو قريبٍ أو صاحبٍ أو طلب علمٍ أو تجارةٍ أو نزهة ؛ لأنّ المستثنى منه في المفرغ يقدَّر بأعمّ العام ، لكنّ المراد بالعموم هنا : الموضع المخصوص ، وهو المسجد. انتهى.

وقال النووي في شرح صحيح مسلم في شرح قوله : « لا تشدّ

___________________________________

١ ـ المصدر السابق : ٣٣٣.

٨١

الرحال... » إلى آخره (١) : فيه بيان عظيمِ فضيلةِ هذه المساجد الثلاثة ومزيّتها على غيرها ؛ لكونها مساجد الأنبياء صلوات الله وسلامه عليهم ، ولفضل الصلاة فيها... إلى أن قال : واختلف العلماء في شدّ الرحال وإعمال المطي إلى غير المساجد الثلاثة ، كالذهاب إلى قبور الصالحين وإلى المواضع الفاضلة ونحو ذلك ، فقال الشيخ أبو محمّد الجويني من أصحابنا : هو حرام ، وهو الذي أشار القاضي عياض إلى اختياره ، والصحيح عند أصحابنا وهو الذي أختاره إمام الحرمين والمحققون : أنّه لا يحرم ولا يكره ، قالوا : والمراد أنّ الفضيلة التامّة إنّما هي في شدّ الرحال إلى هذه الثلاثة خاصة. وقال في موضع آخر (٢) : في هذا الحديث فضيلة هذه المساجد الثلاثة ، وفضيلة شدّ الرحال إليها ؛ لأنّ معناه عند جمهور العلماء : لا فضيلة في شدّ الرحال إلى مسجدٍ غيرها. وقال الشيخ أبو محمّد الجويني من أصحابنا : يحرم شدّ الرحال إلى غيرها ، وهو غلط. انتهى.

وقال السندي في حاشية سنن النسائي : إنّ السفر للعلم وزيارة العلماء والصلحاء وللتجارة غير داخل في حيّز المنع. انتهى.

وقال السمهودي في وفاء الوفا (٣) : ويستدلّ بقوله : ( وَلَوْ أَنَّهُمْ إِذ ظَّلَمُوا أَنفُسَهُمْ... ) (٤) الآية ، على مشروعية السفر للزيارة بشموله المجيء من قرب ومن بعد ، وبعموم « من زار قبري » ، وقوله في الحديث الذي

___________________________________

١ ـ صحيح مسلم : ٦ / ٣٧ ، بهامش ارشاد الساري.

٢ ـ وفاء الوفا : ٢ / ٤١٤.

٣ ـ المصدر السابق : ٦ / ١١١ ، بهامش ارشاد الساري.

٤ ـ النساء : ٦٤.

٨٢

صحّحه ابن السكن « من جاءني زائراً ». وإذا ثبت أنّ الزيارة قربة فالسفر إليها كذلك ، وقد ثبت خروج النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله من المدينة لزيارة قبور الشهداء ، فإذا جاز الخروج للقريب جاز للبعيد ، وقبره صلى‌الله‌عليه‌وآله أولى ، وقد انعقد الإجماع على ذلك ؛ لإطباق السلف والخلف عليه. وأمّا حديث « لا تشدّوا الرحال إلّا إلى ثلاثة مساجد » فمعناه : لا تشدّوا الرحال إلى مسجد إلّا إلى المساجد الثلاثة ؛ إذ شدّ الرحال إلى عرفة لقضاء النسك واجب بالإجماع ، وكذلك سفر الجهاد والهجرة من دار الكفر بشرطه ، وغير ذلك. وأجمعوا على جواز شدّ الرحال للتجارة ومصالح الدنيا.

وقد روى ابن شبّة بسندٍ حسن : أنّ أبا سعيد ـ يعني الخدري ـ ذكر عنده الصلاة في الطوز ، فقال : قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله : « لا ينبغي للمطي أن تشدّ رحالها إلى مسجد يبتغى فيه الصلاة غير المسجد الحرام ومسجدي هذا والمسجد الأقصى ».

فهذا الحديث صريح فيما ذكرناه على أنّ في شدّ الرحال لمِا سوى هذه المساجد الثلاثة مذاهب ، نقل إمام الحرمين عن شيخه أنّه أفتى بالمنع ، قال : وربّما كان يقول : يكره ، وربما كان يقول : يحرم.

وقال الشيخ أبو عليّ : لا يكره ولا يحرم... إلى أن قال : وقال المارودي من أصحابنا ( يعني الشافعية ) عند ذكر من يلي أمر الحجّ : فإذا قضى الناس حجّهم سار بهم على طريق مدينة رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله رعايةً لحرمته ، وقياماً بحقوق طاعته ، وذلك وإن لم يكن من فروض الحجّ فهو من مندوبات الشرع المستحبة وعبادات الحجيج المستحسنة.

٨٣

وقال القاضي الحسين : إذا فرغ من الحجّ فالسنّة أن يأتي المدينة ويزور قبر النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله.

وقال القاضي أبو الطيب : ويستحب أن يزور النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله بعد أن يحجّ ويعتمر.

وقال المحاملي في التجريد : ويستحب للحاج إذا فرغ من مكة أن يزور قبر النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله.

وقال أبو حنيفة : إذا قضى الحاجّ نسكه مرّ بالمدينة... إلى أن قال : وفي كتاب « تهذيب المطالب » لعبدالحق : سئل الشيخ أبو محمّد بن أبي زيد في رجل استؤجر بمالٍ ليحجّ به ، وشرطوا عليه الزيارة فلم يستطع أن يزور ، قال : يردّ من الاُجرة بقدر مسافة الزيارة. وقال في موضع آخر (١) : وممّن سافر إلى زيارة النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله من الشام إلى قبره صلى‌الله‌عليه‌وآله بالمدينة بلال بن رباح مؤذّن رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله ، كما رواه ابن عساكر بسند جيّد عن أبي الدرداء ، قال : لمّا رحل عمر بن الخطاب من فتح بيت المقدس فصار إلى جابية سأله بلال أن يقرّه بالشام ، ففعل ، قال : ثمّ إنّ بلالاً رأى في منامه النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله وهو يقول : ما هذه الجفوة يا بلال ؟ أما آن لك أن تزورني يا بلال ! فانتبه حزيناً وجلاً خائفاً ، فركب راحلته وقصد المدينة ، فأتى قبر النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله فجعل يبكي عنده ويمرغ وجهه عليه ، فأقبل الحسن والحسين فجعل يضمّهما ويقبّلهما ، فقالا له : يا بلال ، نشتهي أن نسمع أذانك ، فلمّا قال : « الله أكبر » ارتجّت المدينة ، فلمّا قال : « أشهد أن لا إله إلّا الله » ازدادت رجّتها ،

___________________________________

١ ـ المصدر السابق : ٣ / ٤٠٨.

٨٤

فلما قال : « أشهد أنّ محمّداً رسول الله » خرجت العواتق من خدورهنّ ، وقالوا : « بعث رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله ! فما رُؤي بالمدينة بعده صلى‌الله‌عليه‌وآله أكثر باكياً وباكيةً من ذلك اليوم.

قال : وقال الحافظ عبدالغني وغيره : لم يؤذّن بلال بعد النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله إلّا مرّةً واحدةً في قدومه المدينة لزيارة قبر النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله. وقال : قال السبكي : ليس اعتمادنا على رؤيا المنام فقط ، بل على فعل بلال ، سيّما في خلافة عمر والصحابة متوافرون ، ولا تخفى عنهم هذه القصة ، ورؤيا بلال النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله مؤكّدة لذلك.

قال : وقد استفاض عن عمر بن عبد العزيز أنّه كان يُبرد البريد من الشام يقول : سلِّم لي على رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله ، وذلك في زمن صدر التابعين.

وممّن ذكر ذلك عنه : الإمام أبو بكر بن عمرو بن عاصم النبيل ـ ووفاته في المائة الثالثة ـ قال في مناسكه : وكان عمر بن عبدالعزيز يبعث بالرسول قاصداً من الشام إلى المدينة ليُقرئ النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله السلام ، ثم يرجع.

قال : وفي فتوح الشام : أنّ عمر لمّا صالح أهل بيت المقدس وقدم عليه كعب الأحبار وأسلم وفرح بإسلامه قال له : هل لك أن تسير معي إلى المدينة وتزور قبر النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله وتتمتّع بزيارته ؟ فقال : نعم ، ولمّا قدم عمر المدينة كان أول ما بدأ بالمسجد ، وسلّم على رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله.

وقال في موضع آخر (١) : كانت الصحابة يقصدون النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله قبل وفاته للزيارة ، وهو صلى‌الله‌عليه‌وآله حيّ في الدارين ، بل روى أحمد بإسنادين أحدهما

___________________________________

١ ـ المصدر السابق : ٢ / ٤١٧.

٨٥

برجال الصحيح ، عن يعلى بن مرة من حديث قال فيه : ثم سرنا فنزلنا منزلاً ، فنام النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله ، فجاءت شجرة تشقّ الأرض حتى غشيته ، ثم رجعت إلى مكانها ، فلمّا استيقظ ذكرت له ، فقال : هي شجرة استأذنت ربّها عزّ وجلّ أن تسلّم على رسول الله ، فأذن لها ، فإذا كان هذا حال شجرة فكيف بالمؤمن المأمور بتعظيم هذا النبيّ الكريم الممتلئ بالشوق إليه.

وحديث حنين الجذع ذكر في محلّه. انتهى.

ومرّ قول الغزالي : يجوز شدّ الرحال لزيارة من يُتبرَّك به بعد موته.

بقي الكلام في أنّ جواز زيارة القبور مخصوص بالرجال أو عام لهم وللنساء. قد ورد بعض الروايات في لعن زائرات القبور أو زوّارات القبور ، وهذه الأخبار بعد تسليمها فيها القدح في سندها بالضعف وفي متنها بالاضطراب وهي محمولة على الكراهة لتخصيص اللعن فيها بالزائرات أو الزوارات دون الزائرين ، فإنّ زيارة القبور جائزة عند الوهابية بدون شدّ الرحال ، كما عرفت ، فلم يبقَ وجه لتخصيص اللعن بالزائرات إلّا الكراهة ؛ لمنافاتها لكمال الستر المطلوب في المرأة ، سيما على رواية زوّارات بصيغة المبالغة الدالّة على أنّ المنهيّ عنه كثرة الزيارة التي لا تناسب شدّة طلب الستر في النساء ، ولو حمل على أنّ ذلك كان قبل نسخ النهي عن زيارة القبور ـ على ما مرّ ، كما توهّم بعضهم ـ لنافاه التعبير بالزائرات أو الزوّارات ؛ لأنّ النسخ إن كان ففي الرجال والنساء ، واحتمال بقائهنّ تحت النهي كما حكاه السندي في حاشية سنن النسائي لقلّة صبرهنّ ، واستقر به هو بعيد جداً منافٍ للسيرة وعمل المسلمين ، وقاعدة الاشتراك بين الرجال

٨٦

والنساء في الاحكام.

قال العزيزي في شرح الجامع الصغير (١) عند شرح قوله صلى‌الله‌عليه‌وآله : « لعن الله زوّارات القبور » قال العلقمي : قال الدميري : قال صاحب « المهذّب » و« البيان » من أصحابنا : لا يجوز للنساء زيارة القبور ؛ لظاهر هذا النهي ، قال النووي : وقوله شاذّ في المذهب ، والذي قطع به الجمهور أنّها مكروهاً كراهة تنزيه. انتهى.

ويدلّ على جواز زيارة النساء للقبور ، بل استحباب زيارتهنّ قبور الأنبياء عليهم‌السلام والشهداء : ما في وفاء الوفا (٢) : روى ابن أبي شبة عن أبي جعفر : أنّ فاطمة بنت رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله كانت تزور قبر حمزة تَرِمُّه وتُصلحه وقد تُعلمه بحجر.

وروى رزين عنه : أنّ فاطمة كانت تزور قبور الشهداء بين اليومين والثلاثة.

ورواه يحيى بنحوه ، عن أبي جعفر ، عن أبيه عليّ بن الحسين ، وزاد : « فتصلي هناك وتدعو وتبكي حتى ماتت ».

وروى الحاكم ، عن علي : أنّ فاطمة كانت تزور قبر عمّها حمزة كلّ جمعة فتصلي وتبكي عنده. انتهى وفاء الوفا.

ويظهر أنّ الوهّابية بعدما أباحوا للنساء زيارة القبور في العام الماضي منعوهنّ منها في هذا العام ، فقد أخبرنا الحُجّاج أنّ النساء مُنعت من

___________________________________

١ ـ شرح الجامع الصغير : ٣ / ١٩٨.

٢ ـ وفاء الوفا : ٢ / ١١٢.

٨٧

الدخول إلى البقيع في هذا العام بدون استثناء ، وكأنّهم بنوا على هذا الاحتمال الضعيف الذي ذكره السندي ، وقال به صاحب « المهذّب » و« البيان » من بقائهنّ تحت النهي ، فظهرت لهم صحته هذا العام ، بعدما خفيت عنهم في العام الأوّل « يمحو الوهّابية ما يشاؤون ويُثبتون وعندهم اُمّ الكتاب » ! لسنا نعارضهم في اجتهادهم ، أخطؤوا فيه أم أصابوا ، ولكنّا نسألهم : ما الذي سوّغ لهم حمل المسلمين على اتّباع اجتهادهم المحتمل الخطأ والصواب ؟ بل هو إلى الخطأ أقرب لمخالفته لما قطع به الجمهور ، ولم يقل به إلّا الشاذّ كما سمعت ، والاُمور الاجتهادية لا يجوز المعارضة فيها كما بيّناه في المقدمات ، وما بالهم يسلبون المسلمين حرّية مذاهبهم في الاُمور الاجتهادية ويحملونهم على اتّباع معتقداتهم فيها بالسوط والسيف ، كما زادوا في طنبور تعنّتهم هذه السنة نغمات ، فعاقبوا الناس على البكاء عند زيارة النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله أو أحد القبور ومنعوهم منه ، والبكاء أمر قهري اضطراري لا يعاقب الله عليه ، ولا يتعلّق به تكليف ؛ لاشتراط التكليف بالقدرة عقلاً ونقلاً ، ومنعوا من القراءة في كتابٍ حال الزيارة ، ومن إطالة الوقوف ، فمن رأوا في يده كتاب زيارة أخذوه منه ومزّقوه أو أحرقوه وضربوا صاحبه وأهانوه ، ومن أطال الوقوف طردوه وضربوه.

٨٨

السرّ

والسرّ هنا : أنّكم تريدون أن تقطعوا كلّ صلةٍ بالإسلام ورجالات الإسلام ؛ وما كانوا عليه من علم وخُلُق وتقوىٰ وسِيَر.

فإذا تركنا ذلك فقد خسرنا الكثير من تراث الإسلام ومنهجه العظيم.

فأين أنتم من الإسلام الحقيقي القائل : من شهد أن لا إله إلّا الله وأنّ محمداً رسول الله حُقن دمه وماله وعرضه ، له ماللمسلمين وعليه ما على المسلمين ؟ وها نحن نشهد أن لا إله إلّا الله وأنّ محمداً رسول الله ، وأنتم تكفّروننا وتُحلّون دماءنا وأعراضنا ، لا لشيءٍ ، بل لأنّ لنا في رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله اُسوةً حسنة ؛ لأنّا نزور قبره ، كما زيار قبر اُمّه بإذن ربّه ، وزار شهداء البقيع ، وقد أفردنا باباً فيمن زار القبور من الصحابة والتابعين ، وجوّز وأفتىٰ باستحباب زيارة القبور من العلماء...

تأمّل عزيزي القارئ في قول رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله : « إذا مات ابن آدم انقطعت صلته عن الدنيا ، إلّا عن ثلاث : ولد صالح يدعو له ، وعلم ينتفع به ، وصدقة جارية (١) ».

ونحن في زيارتنا لمراقد الأنبياء والمرسلين عليهم‌السلام ، ولقبور عباد الله الصالحين نستلهم الصبر والعبر ، ونستذكر سِيَر من نزورهم ، وما كانوا عليه.

وعلى الرغم من ذلك كلِّه فقد واصل الأعداء اعتداءهم على طائفة كبيرة تلتزم بمنهج الإسلام الأصيل.

___________________________________

١ ـ الخصال : ١ / ١٧٨ ، الحديث ١٨٤ ، عن الصادق عليه‌السلام.

٨٩

كمطاردتهم ، وتهجيرهم ، والحطّ من قدرهم ، ووضع الأحاديث التي تنتقص منهم ومن منهجهم ، كما في منع زيارة قبور الأنبياء والصالحين المنصوص عليها في الشريعة الإسلامية.

وممّا يؤسف له أنّك تجد مخالفة منهج الإسلام بصراحة ، ولم يكن ثمّة سبب لتلك المخالفة سوى أنّ الشيعة تلتزم به.

فاستمع إلى شيخ الإسلام الغزالي في « كتابه إحياء علوم الدين » ، حيث يقول : كان التسطيح في القبور على عهد رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله ، ولمّا اتّخذتها الشيعة مِلنا إلى التسنيم (١).

اُنظر أخي القارئ للمقاتلة تلك واحكم إن كنت منصفاً :

١ ـ كان التسطيح في القبور على عهد رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله.

٢ ـ ولمّا اتّخذتها الشيعة مِلنا إلى التسنيم.

اعتراف في الاُولى وشهادة صريحة لا تحتاج إلى تأويل أو اجتهاد ولا نظر ، وإنكارٌ في الثانية وتبديل ، فما هذه الجرأة على تبديل حكم من أحكام الشريعة الشرعية ؟!

وهذا ما لا عجب فيه ، فإنّ الآباء سبقوا الأبناء لمثلها وأكثر :

متعتان حلالتان كانتا على عهد رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله وأنا اُحرِّمهما واُعاقب عليهما : متعة الحج ومتعة النساء (٢).

وإذا أردنا أن نذكر الأمثال فكثيرة ، واليوم وبعد القرون العديدة يكفّر

___________________________________

١ ـ الحدائق الناضرة ٤ / ٣٩ نقلاً عن التهذيب ورواه عن طرق العامة.

٢ ـ تاريخ المدينة المنوّرة : ٢ / ٧٢٠ ، مسند أحمد : ١ / ٥٢.

٩٠

زوار القبور ، وهي حلال.

وتُهتك الأعراض وتُنهب الأموال وتُقتل النفوس البريئة ، وحقاً ما قيل : « ومن يشابه أباه فما ظلم ».

كم هجمتم على مراقد الصلحاء والأولياء والأنبياء وأبناء الأنبياء في كربلاء والنجف ؟!

وكم قتلتم الأبرياء ، ومن يشهد أن لا إله إلّا الله وأنّ محمداً رسول الله ؟

وكم هتكتم الحُرُمات ، ودمّرتم الحرث والنسل ؟

وأنتم تعرفون الحقيقة ، وتحرّفونها !!

٩١

كلمة لابدَّ منها

إن كنتم تحبّون الله والرسول صلى‌الله‌عليه‌وآله وأهل بيته الأئمة الهداة الميامين عليهم‌السلام ، وتنشدون الحق والحقيقة ، فاقرؤوا التاريخ ، اقرؤوا القرآن الكريم ، راجعوا وطالعوا السنّة النبوية الشريفة بإمعان ومن غير تعصب وميل ، تجردوا عن تلك الرواسب التي جرّت على الإسلام والمسلمين الويلات والثبور ، والتغيير والتحريف ، واستغفروا الله على ما جئتم به ، واستقيموا كما اُمرتم ، إقرؤوا كتب ومصادر الفقه والاُصول وكتب الحديث عند الشيعة ، وانفتحوا على المذاهب الاُخرى ؛ لأنّها جميعاً تستقي من معين واحد ، واعلموا : أنّ العدوّ مستهدف الجميع ، والطائرات والصورايخ التي تطلق لا تميِّز بين هذا وذلك ، والرؤوس النووية والجرثومية لا تفرق بين العميل والأصيل ، فهي إن سقطت تستهدف الجميع ، وهو المطلوب ، ومهما قدّمتم من دماء الشيعة لهم وأوقعتم ، فلابد أن تكونوا الهدف ما دمتم على غير دين العدوّ !

٩٢

نصب الشهيد

عجباً ! من يدك أدينك ، كما قيل : « مِن فمك أَدينك ».

نصب الشهيد : بناء كونكريتيّ محكم ، مساحة البناء كبيرة ، تحيط به الحدائق ، ومن لواحقه متحف يضمّ أسلحة ومعدات عسكرية ، تم الاستيلاء عليها في ساحة الحرب ، وأي ساحة ؟

تقاتل فيها الإخوة والأبناء ، بفعل ما حاكته الأعداء ، وقبلت به العملاء فدمّر اقتصاد البلدين ، وذهبت ضحايا من الجانبين...

وهدّمت دور وقصور وجسور ومصانع ومنشآت حيوية ، بُنيت من قوت الاُمّة ولعشرات السنين ، أملاً بالسعادة وتوجيه السلاح المشترك إلى صدر العدوّ المشترك ، ولكن سبق السيف العذل ، والتاريخ يعيد نفسه فجاء « عسكر » ومن لفّ لفّه من أعداء الحق والعدل ، وسقطت الضحايا ، وسالت دماء الأبرياء ، وضحك العدو...

وشاءت الإرادة الإلهية أن ينهزم الباطل ويسقط الجمل ، ويعود الكيد إلى نحر الكائدين ، ويسقط الشهيد ، ويبنى له صرح عجيب.

ولكن أيّ صرحٍ يكلّف ملايين الملايين ، والناس يموتون من الجوع والمرض ، والبلاد ترجع القهقرى مئات السنين ؟!

الملوك والوزراء والهيئات الدبلوماسية ، وطلّاب المدارس ، وأعضاء النقابات يزورون هذا النصب الذي سمّوه : « نصب الشهيد ». أفزيارة الشهيد

٩٣

جائزة في دينكم ، وزيارة سيّد الشهداء حرام ؟!

عجب سيد الشهداء ، سيد شباب أهل الجنّة ، وسبط رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله ، دون مرتبة الشهيد في يومنا هذا ؟؟؟

ما بالكم ، زيارة نصب الشهيد جائزة ويكرم المرء عليها ، وزيارة قبر أسد الله ورسوله الحمزة عمّ النبيّ الأكرم ؛ حرام وزائره كافر تجب معاقبته ؟!

هذه هي المأساة ، وهذه هي المصيبة !

الملوك والوزراء والسفراء والهيئات الدبلوماسية منكم يزورون حائط الكرملن ، ويضعون عنده باقات الورد ، ويقفون بكل إجلال وإكرام عند عزف السلام الوطني أو الجمهوري ، ويقفون دقيقة صمت على أرواح قادة الكفر والشرك ، حلال ثم حلال ؛ لأنّها من عقائد اليهود والنصارى ، ولكن زيارة قبر النبيّ وقبور والأنبياء والأوصياء صلوات الله عليهم ؛ حرام ثم حرام... !!

زيارة نصب الحرية في البلدان الاوروبيّة في الغرب والشرق حلال ، وشدّ الرحال إلى المدينة لزيارة قبر الرسول صلى‌الله‌عليه‌وآله حرام !!

إنّ ما يصرف ويسرق حين الصرف على بناء النصب شيء كثير ، يمكن أن يكون ما يكفي لبناء مستشفى أو دار للأيتام ، أو بناء دور لإسكان أولاد الشهداء والأرامل ، ويمكن أن يضاف إلى رواتب الفقراء والمساكين من العاجزين والمُعدَمين من كبار السنّ.

٩٤

فلماذا تجوز زيارة تلك الحجارة ، ولا تجوز زيارة الأولياء ؟

وقد كثرت الأحاديث الشريفة الواردة في زيارتها :

قال أبو داود في سننه : حدثنا أحمد بن يونس ، ثنا بن واصل ، عن محارب بن دثار ، عن ابن بريدة ، عن أبيه ، قال : قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله :

« نهيتكم عن زيارة القبور فزوروها ، فإنّ في زيارتها تذكرة » (١).

عجباً : رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله يقول : « فإنّ في زيارتها تذكرة ». وأنتم تقولون : كفر !

لله درّكم ! أما كفاكم شواهد من أئمتكم ورواة الحديث منكم ؟

والحديث صحيح ثابت عن رسول رب العالمين صلى‌الله‌عليه‌وآله ، فلا تعملون بما جاء عن النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله ، ولا أنتم تعلنون عن شريعتكم من أي عين تستقون ؟

تعالوا إلى كلمة سواء بيننا وبينكم أن لا نعبد إلّا الله ، ولا نأخذ إلّا ما وافق الكتاب والسنّة ، دعوا أسباب الخلاف جانباً و وحّدوا الصفوف ، وعبِّؤا الطاقات فالعدو مشترك ، وفي الوحدة الحقة قوة ، وما ذلَّ قوم اتحدوا ، فإنّ السبب الرئيسَ في ضعف المسلمين مع مالهم من الطاقات والقدرات البشرية هو سياسة العدو : « فَرّق تَسُد ».

اعتصموا بحبل الله واتركوا المبادئ الوضعية ، التي كانت سبباً مهمّاً في ضعف المسلمين ، توبوا إلى الله تعالى وانصروه ، ( إِن تَنصُرُوا اللَّـهَ يَنصُرْكُمْ

___________________________________

١ ـ سنن أبي داود : ٣ / ٢١٨.

٩٥

وَيُثَبِّتْ أَقْدَامَكُمْ ) (١).

ما جاء في الرخصة في زيارة القبور : حدثنا محمد بن بشّار ومحمود بن غيلان والحسن بن علي الخلّال ، قالوا : حدّثنا أبو عاصم النبيل ، حدثنا سفيان ، عن علقمة بن مرثد ، عن سليمان بن بريدة ، عن أبيه ، قال : قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله : « قد كنت نهيتكم عن زيارة القبور ، فقد أذن لمحمدٍ في زيارة قبر اُمّه ، فزوروها ، فإنّها تذكر الآخرة ».

قال : وفي الباب : عن أبي سعيد وابن مسعود وأنس وأبي هريرة واُمّ سلمة ، قال أبو عيسى : حديث بريدة حديث حسن صحيح ، والعمل على هذا عند أهل العلم لا يرون بزيارة القبور بأساً ، وهو قول ابن المبارك والشافعي وأحمد وإسحاق (٢).

حدّثنا أبوبكر بن أبي شيبة ، ثنا محمد بن عُبيد ، عن يزيد بن كيسان ، عن أبي حازم ، عن أبي هريرة ، قال : قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله : « زوروا القبور ، فإنّها تذكّركم الآخرة ».

حدّثنا إبراهيم بن سعيد الجوهري ، ثنا روح ، ثنا بسطام بن مسلم ، قال : سمعت أبا التيّاح قال : سمعت ابن أبي مليكة ، عن عائشة : أنّ رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله رخّص في زيارة القبور.

في الزوائد : رجال إسناده ثقات ؛ لأنّ بسطام بن مسلم وثّقه ابن معين

___________________________________

١ ـ محمد صلى‌الله‌عليه‌وآله : ٧.

٢ ـ الجامع الصحيح وهو سنن الترمذي : ٣ / ٣٧٠ ، باب ٦٠.

٩٦

وأبو زرعة وأبو داود وغيرهم ، وباقي رجاله على شرط مسلم (١).

أخبرني محمد بن آدم ، عن ابن فضيل ، عن أبي سنان ، عن محارب بن دثار ، عن عبدالله ابن بريدة ، عن أبيه قال : قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله : « نهيتكم عن زيارة القبور فزوروها... ».

أخبرني محمد بن قدامة قال : حدّثنا جرير ، عن أبي فروة ، عن المغيرة ابن سبيع ، حدّثني عبدالله بن بريدة ، عن أبيه : أنّه كان في مجلس فيه رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله فقال : « ونهيتكم عن زيارة القبور ، فمن أراد أن يزور فليَزُر ، ولا تقولوا هجراً » (٢).

إلى هنا لم نقرأ حديثاً في الصحاح يقول : كفّروا من يزور القبور ! واقتلوا من يزور القبور ! وأخرجوهم من ربقة الإسلام ! وألصقوا بهم كلّ ما لا يرتضيه الله والرسول صلى‌الله‌عليه‌وآله ! ولم نقرأ آية في القرآن الكريم تفيد حرمة زيارة القبور ، قبور الأنبياء والصالحين ، والآباء والأمهات والشهداء !

من أين لكم هذه ؟ وكيف تُجيزون لأنفسكم تكفير من يزور القبور التي أجاز النبيّ الكريم صلى‌الله‌عليه‌وآله زيارتها ؟ والحال : لا اجتهاد قبالة النصّ.

قال الواقدي : « وكانت قريش لمّا مرّت بالأبواء ، قالت : إنكم قد خرجتم بالضعن معكم ونحن نخاف على نسائنا ، فتعالوا ننبش قبر اُمّ محمد صلى‌الله‌عليه‌وآله ، فإنّ النساء عورة ، فإن يصب من نسائكم أحداً قلتم هذه رمّة

___________________________________

١ ـ سنن ابن ماجة : ١ / ٥٠٠ ، باب ما جاء في زيارة القبور.

٢ ـ سنن النسائي : ٣ / ٨٩.

٩٧

اُمّك ، فإن كان بَرَّاً باُمّه كما يزعم ـ فلعمري ليفدين رُمّة اُمّه بمالٍ كثير إن كان بها برّاً.

فاستشار أبو سفيان بن حرب أهل الرأي من قريش في ذلك ، فقالوا : لا تذكر من هذا شيئاً ، فلو فعلنا نبشت بنو بكر وخزاعة موتانا » (١).

أبو سفيان ـ رأس النفاق الطليق وأبو الطلقاء ـ يستشير قريشاً ، وأنتم لا تستشيرون أحداً من المسلمين في تكفير زوّار القبور ، وقريش يومها تمثّل معسكر الكفر !

تمتنع من نبش القبور ، وأنتم تساوونها ، وأنتم تكفرون من يزورها ، وتقتلون ، في الوقت الذي تزورون القبور وتُجصّصونها ، وتُسرجون عليها ليل نهار !

عن عائشة قالت : قال النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله من فراشه في بعض الليل ، فظننت أنه يريد بعض نسائه ، فتبعته حتى قام على المقابر ، فقال : « السلام عليكم دار قومٍ مؤمنين ، وإنّا بكم لاحقون » ، ثم قال : « اللٰهُمَّ لا تحرمنا أجرهم ، ولا تَفتِنّا بعدهم » ، قالت : فالتفت فرآني ، فقال : « ويحها لو تستطيع ما فعلت » ! (٢).

نحن هكذا نعمل ، لأنّا أتباع محمد بن عبد الله صلى‌الله‌عليه‌وآله ، نبيّ الله وحبيبه ، وخيرة خلقه ، وخاتم الأنبياء والمرسلين صلوات الله عليه وآله.

___________________________________

١ ـ شرح نهج البلاغة : ١٤ / ٢١٩.

٢ ـ مسند أحمد : ٦ / ١١١.

٩٨

قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله : « زوروا القبور ، فإنّها تذكّر الآخرة » (١).

فلو أنّا عددنا الأحاديث في هذا الباب لوقفنا على الكثير ، ولكن اقتصرنا على ما ثبّتناه من كتب إخواننا أهل السنّة ، وممّا في كتبنا عن أهل بيت الرحمة عليهم‌السلام الكثير.

وبعد هذا نقول : كفى تجاوزاً على حقوق الآخرين.

كفى ظلماً وتكفيراً لمن لهم اُسوة برسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله.

قال تعالى : ( ادْعُ إِلَىٰ سَبِيلِ رَبِّكَ بِالْحِكْمَةِ وَالْمَوْعِظَةِ الْحَسَنَةِ ) (٢).

اليوم نحن بأمسّ الحاجة إلى الإلفة ، والمحبة في الله ، والتعاون لله ، ووحدة الصفِّ ، والاعتصام بحبل الله ، وأن ندع المبادئ المستوردة التي جلبت علينا الويلات.

___________________________________

١ ـ كنز العمّال : ١٥ / ٦٤٠.

٢ ـ النحل : ١٢٥.

٩٩

نصب الحرية

في بغداد عاصمة العراق ، وفي ساحة التحرير ، وهي أكبر ساحة في بغداد ، وأهمّ الساحات فيها ، بني في جانب من جوانبها نصب يحكي حالة الشعب قبل ثورة عام ( ١٩٥٨ م ) وما بعدها ، تمّت على يد نحّات العراق الأول خالد الرحّال ، وصُبّ عناصر هذا النصب في إيطاليا ، وثبّت على واجهة كبيرة ، وهو غاية في الصنعة والفن ، وفي منتهىٰ الدقة والإحكام ، اتّخذته الطيور البرّية وكراً لها ، وهو موضع فخر المسؤولين ، والساحة كانت ملتقى السُوَقة والحشّاشة والسُرّاق ، ومن يحتسون المنكرات ويؤتون الفواحش ، ويلعبون القمار ، يجد المواطن بين حين وآخر مواكب الملوك والرؤساء تقف عند هذا النصب ، وبإعجاب يستمعون لمن يفسّر فصول الحرية الصمّاء العمياء ، وعدسات الصحف والتلفاز تشعّ عليه وعلى الزوّار والسوّاح ! هذا جائز ولا إشكال فيه ! لا بل يعتبر موضع فخر واعتزاز واهتمام ، ورعاية من قبل الحكومة ، بالصرف عليه والمحافظة والتجديد.

ولكنّ التراث الإسلامي الذي امتدّ لقرونٍ طويلة على قبور الصلحاء والأولياء ، يجب أن يضرب بالصواريخ ، وقذائف المدافع الثقيلة ، وأكبر مقبرة إسلامية في العالم تُجرف قبورها بالمكائن الثقيلة ، ليفتح فيها الشوارع العريضة ، شوارع ليس مثلها في اُمهات المدن العراقية ، والحال هناك مقابر في بغداد ، وفي أرقى مناطقها في الأعظمية وعلى مرأى من الناس قبورها تعلو عن الأرض أمتاراً ، وعليها سقوف وأبنية شامخة ، وهكذا في الشالجية ، والنهضة ، ومحلّة باب الشيخ ، لا يمسّها الطير... !!

١٠٠