نافذة على زيارة القبور

السيّد فاروق الموسوي

نافذة على زيارة القبور

المؤلف:

السيّد فاروق الموسوي


الموضوع : العقائد والكلام
الناشر: انتشارات دار العلم آية الله بهبهاني
المطبعة: البهبهاني
الطبعة: ١
ISBN: 978-964-8300-11-6
الصفحات: ٢٧٢
  نسخة مقروءة على النسخة المطبوعة

Description: E:BOOKSBook-LibraryENDQUEUENafedthah-Zyarah-Qobourimagesimage001.gif

١

Description: E:BOOKSBook-LibraryENDQUEUENafedthah-Zyarah-Qobourimagesrafed.jpg

٢



بسم الله الرحمن الرحيم

اللّهُمَّ صَلِّ عَلىٰ مُحَمّدٍ وآلِ مُحَمّدٍ وسَلِّم عَلى مُحَمَّدٍ وآلِ مُحمَّدٍ وعجِّل لِوَليكَ الفَرجَ والنصر

٣

الأِهدٰاء

إلى مَنْ هي بضعة المصطفى صلى‌الله‌عليه‌وآله.

إلى المدفونة سرّاً.

إلى ولدها ( عجل الله فرجه ).

إلى بيوتِ أرواحٍ طيبةٍ أذن الله أن ترفع ويذكر فيها اسمه وتفجّر اليوم بقنابل الفكر الحاقد.

وإلى فقيد العلم والتقوى مفجر الثورة الإسلامية الكبرى الإمام الخميني قدس‌سره.

نرفع هذا الجهد المتواضع.



فاروق البياتي الموسوي

٤

قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله : « القبرُ إمّا روضة من رياض الجنّة أو حفرة من حفر النار » (١)

___________________________________

١ ـ كنز العمال : ١٥ / ٦٤١ ، ح ٤٢٥٢٩ ، و ٧٠١ ح ٤٢٨٠٢ ، عن علي عليه‌السلام.

٥

بسم الله الرحمن الرحيم

الْحَمْدُ لِلَّـهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ * الرَّحْمَـٰنِ الرَّحِيمِ * مَالِكِ يَوْمِ الدِّينِ * إِيَّاكَ نَعْبُدُ وَإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ * اهْدِنَا الصِّرَاطَ الْمُسْتَقِيمَ * صِرَاطَ الَّذِينَ أَنْعَمْتَ عَلَيْهِمْ غَيْرِ الْمَغْضُوبِ عَلَيْهِمْ وَلَا الضَّالِّينَ *

صدق الله العلي العظيم

٦

استغفارٌ لأهل البقيع

روت عائشة في حديث لها : أنّ جبرئيل عليه‌السلام قال لرسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم :

« إنّ ربّك يأمرك أن تأتي أهل البقيع فتستغفر لهم » ، فقال صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : « كيف أقول لهم ؟ » ، فقال : قُلْ قَولي : « السلام على أهل الديار من المؤمنين والمسلمين ، ويرحم الله المستقدمين منّا والمستأخرين ، وإنّا إن شاء الله بكم لاحقون » (١).

___________________________________

١ ـ صحيح مسلم : ٧ / ٤٤.

٧

كلمة الناشر

في أجواء الآراء والممارسات الخاطئة تجاه من يتبنّى زيارة القبور والإهتمام بها ، والحكم عليه بأحكام غير سليمة ؛ لابدّ من الرجوع إلى ميزان ثابت يرجع إليه الفقهاء والعلماء من مختلف المذاهب لتقويم آرائهم وفتاويهم وأحكامهم في مأمن من اضطراب الأهواء واختلاف الأمزجة؛ ميزان لا يميل مع الهوى أو المصلحة ، وإنّما يزن الأمور والأفكار بميزان العقيدة والشريعة ، وهو ميزان أئمة أهل البيت عليهم‌السلام الذي يستند إلى القرآن الكريم والسنة النبوية في تشخيص الأحكام وإصدارها ، وقد أقرّ أئمة أهل البيت عليهم‌السلام زيارة القبور الأولياء والصالحين ، بل أمروا المسلمين بذلك ، وحثّوا على التواصل والاستمرار ، وتبعهم على ذلك الكثير من الفقهاء الصالحين من مختلف المذاهب الإسلامية.

وعلى ضوء ذلك ينبغي على من يحرّم زيارة القبور أو الاهتمام بها أن يراجع آراءه وأحكامه ، ويمعن النظر في روايات أهل البيت عليهم‌السلام المستقاة من السنة النبوية ، بل يمعن النظر في فتاوى وأحكام أئمة المذاهب الاُخرى ممّن وافقهم على إرشاداتهم وتعاليمهم ، فقد أجمع أئمة المذاهب والفقهاء التابعون لهم على حلّيّة زيارة القبور والاهتمام بها ، بل أفتوا باستحبابها ، ولا زالت قبورهم وقبور أئمة أهل البيت عليهم‌السلام شاخصة يتوجه لها ملايين المسلمين بالزيارة والتكريم.

ومن هنا تأتي أهمية هذه الدراسة القائمة على الاستدلال الصحيح ، حيث اعتمدت على الروايات الشريفة وعلى السيرة العملية للرسول صلى‌الله‌عليه‌وآله ولأئمة أهل البيت عليهم‌السلام ، وعلى آراء الصالحين من العلماء والفقهاء ، واعتمدت على العقل في إثبات مشروعية الزيارة ، وعلى سيرة العقلاء في كل زمان ومكان ، واستشهدت بممارسات عملية وبشعائر واقعية.

إنّ البحث في مثل هذه المسائل يكاد يكون ضرورة واقعية للمؤيّدين وللمعارضين إن اتبعوا الحجة والبرهان والاستدلال الصحيح؛ بغية الوصول إلى معرفة الحقيقة وهي بداية العودة إلى الاُصول الثابتة للشريعة الإسلامية في ظروف تكالبت فيها قوى الكفر على طمس المعالم والشعائر الإسلامية التي يتقرب المسلم من خلالها إلى الله سبحانه وتعالى لتتحول ذهنيته إلى ذهنية إسلامية ، وسلوكه إلى سلوك إسلامي.

ذي القعدة ١٤٢٧ هـ. ق

٨

المُقدَّمةُ

الحمد لله ربّ العالمين ، والصلاة والسلام على خاتم الأنبياء والمرسلين محمّد وآله الطيبين الطاهرين.

راعى المنهج الإسلامي الدوافع الفطرية عند الإنسان ، فلم يعمل على إلغائها أو تعطيلها ، بل سعى إلى إقرارها وتوجيهها الوجهة السليمة التي تنسجم مع مفاهيمه وقيمه ، ومن هذه الدوافع الفطرية زيارة القبور ، فالإنسان مجبول على الارتباط والتواصل مع أرقى نماذج الشخصية الإنسانية في حياتها وبعد مماتها ، وخصوصاً الشخصيات التي غيّرت مسار التاريخ ، وقدّمت للإنسانية كل شيء يرشدها ويوصلها إلى التكامل ، بل قدّمت أرواحها قرايين للحقّ والعدل ، وضحّت بأنفسها من أجل إرشاد واصلاح الإنسانية.

وقد راعى المنهج الإسلامي هذا الارتباط والتواصل وأقرّ زيارة قبور الأولياء والصالحين ، وزيارة الأرحام بعد رحيلهم إلى الحياة الاُخرى ، والتاريخ يحدّثنا عن مظاهر زيارة الأنبياء والصالحين لقبور أوليائهم ، بل وردت الروايات المتواترة والمعتبرة في خصوص الحثّ على زيارة القبور من كلا الفريقين ، لأنّها تشدّ الإنسان إلى الأولياء والصالحين للاقتداء بهم ومعاهدتهم على السير على نهجهم في جميع جوانب الحياة الإنسانية.

وقد سار العقلاء على فطرتهم ، وما نصب الشهيد ونصب الجندي المجهول في جميع بلدان العالم إلّا دليل على هذا التوجه الفطري حتى عند من لا يتبنّى الدين عقيدةً وسلوكاً.

والاهتمام بالقبور ظاهرة فطرية لا تخالف ثوابت المنهج الإسلامي ، فتذهيب القبب ظاهرة ملموسة ، وحليّ الكعبة ، وميزابها الذهبي خير دليل على ذلك ، وقد قام الكثير من الحكّام بتغيير حليّ الكعبة من حين لآخر دون اعتراض من الفقهاء

٩

والعلماء.

وزيارة القبور والإهتمام بتشييدها وتزيينها يستند إلى الروايات المتواترة والمعتبرة ، وقد أجمع الفقهاء من مختلف المذاهب على ذلك ، ولم يشذ عن هذا الإجماع إلّا فئة قليلة لا يعتدّ بقولها ، وقد دلّ العقل السليم على حسن هذه الظاهرة الفطرية.

وعلى الرغم من تواتر الأدلّة والشواهد والسيرة النبوية وسيرة الفقهاء في الحثّ على زيارة القبور إلّا أنّ البعض خالف جميع ذلك ومنع من زيارة القبور وتبنّاها عقيدةً وسلوكاً ، وحكم عليها بالكفر ، بل أهدر دم من يؤمن بها ويعمل على ضوئها ، وهذا التكفير لا مستند له ، وهو مخالف لثوابت الشريعة الإسلامية ومخالف للعقل السليم ، وأمّا هدر الدم فهو جريمة بحق الإسلام والإنسانية ، وقد أكّد الإسلام على حرمة دم المسلم ، وتبنّى مفهوم الاحتياط بالدماء في جميع الظروف والأحوال.

إنّ هؤلاء الذين يحكمون بكفر من تبنّى زيارة القبور وإهدار دمه ، بحاجة إلى مراجعة النفس ومراجعة الفتاوى والأحكام ، فالإسلام أمرهم بإقامة الدليل والبرهان ، وحثّهم على الاستدلال الصحيح ، وأمرهم بالأخذ بالمنهج السليم في الفتوى والحكم ، وحرّم عليهم الادّعاء بلا بيّنة.

إنّ من دواعي كتابة هذا الكتاب هو الردّ على متبنيات التكفييرين وإقناعهم بالعدول عن آرائهم الشاذّة ، ودعوتهم للعودة إلى المنهج السليم في إصدار الفتاوى والأحكام لأنّها لم تحقق أيّ إنجاز في خدمة العقيدة والشريعة ، بل خلقت أجواءً من الفتن والأزمات الإجتماعية والسياسية ، ولم تستطع التأثير على مسيرة المسلمين ، فهم لا زالوا متمسكين بهذه النزعة الفطرية المشروعة ، ولم تزدهم إلّا بعداً عن هذه الفئات الضالّة ، والتي هي مكلّفة بالرجوع إلى الموازين الثابتة والتخلّي عن الإدّعاءات بدون دليل ، ومكلّفة بالرجوع إلى الروايات الصحيحة المتواترة ، وإلى سيرة الصالحين.

١٠

نسأل الله سبحانه وتعالى أن يصلح هؤلاء ليعودوا إلى صوابهم ويلتحقوا بجماعة المسلمين لكي تتوحد العقول والقلوب والمواقف في مواجهة أعداء الدين الذين يسعون إلى طمس المعالم الإسلامية والقضاء عليها كيداً بالدين وأهله.

وما توفيقي إلّا بالله العزيز الحكيم.

واللهَ تعالى نسأل أيضاً أن يوفّقنا لما فيه خير الدين والدنيا والآخرة ، وآخر دعوانا أن الحمد لله ربّ العالمين ، وصلّىٰ الله على خير خلقه محمدٍ المصطفىٰ وآله الطيبين الطاهرين ، وعجّل الله تعالى فرج وليّنا الحجّة المهدي المنتظر صلوات الله عليه وعلى آبائه الهداة الميامين.

الراجي مرضات ربّه السيد فاروق الموسوي ليلة الثالث من شهر رجب الأصب ١٤٢٣ هـ قم المقدسة ، مسجد صاحب الأمر عليه السلام

١١

كلمة شكر وتقدير

وفي الوقت الذي نرى فيه نشر هذا الاصدار نتوجه بالشكر والتقدير إلى من ساهم في هذا الجهد العقائدي ونخص بالذكر الاستاذ الفاضل فارس العامر والاستاذ المحقق شاكر أحمدي والأخ الفاضل حيدر بن محمد الدوخي الاحسائي لتفضله ببعض المصادر والملاحظات. والاُخت المؤمنة شيماء في مجال طباعته.

ولايسعني أيضاً إلّا التوجه بالشكر والتقدير لمساعي الأخ الاستاذ على الربيعي القريشي لاشرافه العلمي والفني على هذا الجهد.

فجزاهم الله خير الجزاء وشكر لهم المساعي المبذولة وضاعف الأجر والثواب وصلّى الله على محمد وآله الطيبين الطاهرين.



المؤلف

١٢



الجندي المجهول

لا يخفى أنّ أصل مسألة نصب الجندي المجهول فكرة لا تخلو من التقدير والتكريم لذلك الجندي الذي خرج مدافعاً عن الوطن والأموال والأعراض والمقدّسات فقتل ، ولم نعلم عنه شيئاً فكان هذا النصب !

ولكنّ هذا النصب الشامخ الذي يُكلف الدولة مئات الملايين ، وفي أحسن المواقع من العاصمة ، وسط الحدائق الغنّاء التي تحيط به ، والحرس والعمال الذين يقومون بخدمته المحافظة عليه من عبث العابثين ، حيث تنتهي إلى هذا النصب مواكب تقطع الطريق المؤدية إليه ، من فرق الموسيقى وهي تعزف ألحاناً عسكرية ، تمتاز بملابس وآلات العازفين من العسكريين الجميلة... تنتهي برؤساء الدول والقادة إلى قنينة غاز متّقدة ليلاً ونهاراً ، حيث يعزف عندها النشيد الوطني لدولة الضيف الزائر ، والنشيد الوطني لدولة المضيِّف ، وبمراسيم خاصّة توضع باقات الورود الثمينة عند هذه النار ، فيعلو التصفيق ، وتتلاقى الأيدي بالمصافحة ، وحرس الشرف على جانبي الطريق ، والمدفعية تطلق إحدى وعشرين إطلاقة تيمّناً وتكريماً للضيف الزائر. وفي بعض الأحيان تذبح الذبائح إن كان الضيف من ملوك أو رؤساء الدول العربية أو الإسلامية : فماذا بعد هذا

١٣

كلِّه ؟ وكلام الصحافة والإذاعة والتلفزيون للدول تصور هذه الزيارة ، وتنشر صور مختلفة لهذا الحشد ، وتعليقات تخرج بخطوط عريضة :

زار الضيف صاحب الجلالة والسعادة نُصب الجندي المجهول ووضع باقة وردٍ في حفلٍ بهيج. وكل هذا للجندي المجهول... !

أمّا زيارتنا نحن لأبطالنا وقادتنا المعلومين الذين بذلوا مهجهم لبقاء الدين ورفعة المسلمين ، أمّا زيارتنا للأنبياء والرسل والأئمة الهداة الميامين ، والآباء والاُمَّهات فحرام يستوجب القتل ، والكفر والخروج عن دائرة الإسلام !

عن البراء قال : كنّا مع رسول الله عليه‌السلام في جنازة ، فجلس على شفير القبر فبكى حت بلّ الثرى ، ثم قال : « يا إخواني ، لمثل هذا فأعِدّوا » (١).

مهلاً يا إخوة الإسلام ؛ لا تلفظوا الكلام من غير تأنٍّ واعتبار ، قال تعالى : ( مَّا يَلْفِظُ مِن قَوْلٍ إِلَّا لَدَيْهِ رَقِيبٌ عَتِيدٌ ) (٢).

تعالَ معي أيّها القارئ العزيز لنتحاكم ، فاسمع واقرأ وشاهد ثمّ فكِّر واحكم بالعدل :

١ ـ هل يجوز أن تزوروا نصب الجندي المجهولَ ، وتُعظِّموا النارَ ؟

إنّ الذين يزورون الجندي المجهول الآن هم المُلوك والاُمراء والوزراءُ ، والناسُ على دين مُلوكِهم !

___________________________________

١ ـ سنن ابن ماجة : ٢ / ١٤٠٣.

٢ ـ ق : ١٨.

١٤

٢ ـ ماذا نقولُ لِقومٍ يَذبحون الخِرافَ تحت منصّات تماثيل بعض الأشخاص ؟

ففي العراقِ لا تخلو مراكز المحافظات من تماثيلَ لصدام ومن أعانه من قادة الفيالِقِ والفِرَق ، وأمّا في غير العراقِ فحدّث ولا حرج.

يضربون الطبول ويرقصون عند افتتاح نصب المُلوك ورؤساء الدول ، ويمدّون موائد الطعام عند افتتاح مشروع التماثيل والأصنام التي تُنصب هنا وهناكَ في مراكز المدن ، ويصرفون من أموال بيت المال العامة وقوات الناس وهم يصطرخون على لقمة العيش والدواء ، يُنفقون الملايين على نصب التماثيل هنا و هناك ، أفهل هذا حلالٌ وبدعة حَسَنة ، وزيارة الأنبياء والأوصياء ورُسل السماء حرام ، يستوجب التكفير والطعن والسِباب ؟!

وسنأتي بالأدلّة من الآيات الكريمة والأحاديث التي وردت في جواز زيارة القبور ، من الصحاح والمسانيد التي جاءت عندكم ، وسيعلم القارئ الكريم كيف أنّ الإسلام أجاز زيارة القبور وأمر القادر بها على ذلك فاقرأ واحكم بالعدل أيّها القارئ العزيز.

عزيزي القاريء :

إقرأ واحكم بالعدل.

١٥

المقبرة المَلَكية

تقع المقبرة الملكية في الجانب الشرقي من مدينة بغداد ، في قضاء الأعظمية ، وهي مقبرة فخمة ، وعليها قبة عالية مغطّاة بالموزائيك الفاخر بنقوشه ، على بناء فخم مفروش ، وهذا بكل تأكيد مخالف لما جاء من تحريم البناء على القبور.

وتلك المقبرة تحيطها الحدائق التي تكثر فيها الأشجار ، وقبورها عالية عن وجه الأرض ، وكما يقولون : « خير القبور الدوارس » ، وقد اهتمّت بها وزارة الأوقاف العراقية وصرفت عليها الملايين ، في حين لا جواز في التجصيص والتعمير في القبور !

فيها من يهتم بشؤونها وسدِّ نواقصها من ماء وكهرباء ، وتهوية وتدفئة ، وهي تضم رفاة ملوك العراق الذين حكموا من سِنِيَّ العشرينات حتى عام ( ١٩٥٨ م ) ، وهي قريبة من شاطئ نهر دجلة ، يمر على مقربة منها جسر معلق غاية في الدقة والمتانة ، وتحيط بها الدور والقصور ، وغالب من يسكن قريبا منها ذوو الجاه والسلطان والمراتب ، فتأمل وهي قبور غير دارسة خلافاً لِما يدّعون !

عليها قبة فخمة وبناء ، وهي الاُخرى جاء فيها اللعن ولأجل التشبه بتقاليد اليهود والنصارى ؟!

تصرف عليها الملايين للتعمير والصيانة ، وبذلك تكون خلافاً لِما

١٦

وردت فيها أحاديث الصحاح والمسانيد ، وثمّة مسألة اُخرى تأمّل فيها أخي القارئ واحكم بالعدل والإنصاف :

لماذا لم تضرب هذه المقبرة بالصواريخ والمدافع ، وتُنهب محتويات البناء المشيَّد عليها في حين ضربت المشاهد المشرَّفة في كربلاء والنجف الأشرف ؟!

ونُسفت المساجد عن وجه الأرض !!

( وَإِذَا حَكَمْتُم بَيْنَ النَّاسِ أَن تَحْكُمُوا بِالْعَدْلِ ) (١).

___________________________________

١ ـ النساء : ٥٨.

١٧

مراقد المعارف

في الجانب الشرقي من بغداد عاصمة العراق ، وفي قضاء الأعظمية يقع مرقد الإمام أبي حنيفة النعمان بن ثابت بن زوطا بن ماه ، صاحب المذهب الحنفي ، وهو على ما قيل : من بلاد فارس من مدينة بابُل وقيل : من مدينة آمُل ، وقيل : من مدينة كابُل.

جاء العراقَين من أبوين مجوسيين ، واعتنق الإسلام ودرس على اُستاذه الإمام جعفر بن محمد الصادق عليه‌السلام مدّة سنتين ، وهو القائل : « لولا السنتان لهلك النعمان » (١).

ولكنَّه قال مقالةً ما أبقت للاُولى. بنيت على قبره قبة غايةً في الفنِّ والمعمار ، ومسجد يحيط بقبره ، ومنبر ومحراب ، وتقام صلاة الجماعة إلى جوار قبره ، وتسرج الثريات الفخمة والمصابيح الزئبقية ، والنشرات الضوئية في صحن المسجد والمدرسة المحيطة به ، وتقام في باحته مراسم المواليد والحفلات الدينية ، وتلقى القصائد والكلمات ، ويضرب فيها الدفوف والسيوف ، وتُوزّع الحلويات بمحضر من الحكّام وذوي الشأن ، وتنقل فقرات الاحتفالات عن طريق الإذاعة والتلفزيون ، له مِئذنة محلّاة بالذهب من أعلاها ، ومكسُوَّة بالكاشي والموزائيك الفاخر ، وعلى قبره

___________________________________

١ ـ الخلاف ؛ ١ / ٣٣.

١٨

ضريح من الخشب الفاخر ، وقد حفر عليه آيات من القرآن الكريم ، وكسيت القبة من الداخل والجدران المحيطة بقبره بآيات كريمة من القرآن الكريم ، وبزخارف ونقوش إسلامية غاية في الدقة والروعة ، والبناء يشرف على نهر دجلة الخير ، ويبدأ من جواره جسراً فخم محكم و دقيق ينتهي إلى الجانب الغربي ، يقال له : جسر الأئمة ، المنسوب إلىٰ الإمام موسى الكاظم وحفيده محمد الجواد عليهم‌السلام.

وفي الجانب الشرقي هذا ايضاً يقع مرقد الشيخ عبد القادر الگيلاني ، صاحب الطريقة الگيلانية القادرية ، وعلى مرقده ضريح مشبَّك من الفضة الخاصة ، غايةً في الدقة والصنعة ، وعليه قبّة فخمة عالية ، مكسوّة بالكاشي البديع والنقوش الجميلة ، وإلى جوارها قبة مكسوّة بالفضّة الخالصة ، ويحيط بالمرقد القادري مدرسة من طابقين فيها حدائق جميلة ، ويؤمّ المسجد والمرقد زوّار من الهند وباكستان وأصحاب الطريقة القادريةِ من شمال العراق وتركيا وأفغانستان ، بالنذور والهدايا والأموال ، وفي ليالي الجمع لا تجد محطَّ قدمٍ من كثرة الزوّار ، خصوصاً من النساء والأطفال والشباب ، وغالباً ما يُعطىٰ فيها الحساء ، وتعرف عندنا : « شُوربة الشيخ » يتبرك بها الناس و يطلبون الشفاء وقضاء الحوائج بها ، وقد اهتمت وزارة الأوقاف العراقية أيّما اهتمام بإدارة شؤون المرقد والمدرسة ، ..

وهنا سؤال يطرح نفسه :

إذا كان البناء على القبور حرام ومن سمات اليهود والنصارى ، وعلى

١٩

هكذا حكمٍ تضرب القباب والمآذن القائمة على قبور الأئمة المعصومين الهداة الميامين من آل محمد ـ صلوات الله عليهم أجمعين ـ بالصواريخ والمدافع الثقيلة ، ولا تضرب المآذن والقباب القائمة على قبور أئمة القوم ؟

فما حَدا ممّا بدا ؟!

مساجد إلى جوار القبور ، تعقد فيها الجماعات والحفلات والزوار هنا عند قبر أبي حنيفة والشيخ الگيلاني على راحة وإطمئنان وتوزع عليهم الحلويات ، وهناك يمنع الزوار ويضربون ، لا بل يُقتلون ، لا بل يُدفنون أحياءً ، أو يموتون في المعتقلات والسجون جملة ، ..

سيد شباب أهل الجنّة وريحانة رسول الله الإمام الحسين صلوات الله عليه وعليهم يُقتل ويحزّ رأسه ويُطاف به على أسنّة الرماح في المدن والبلدان ، وتُسبى حرم رسول الله صلوات الله عليهم جميعاً ، وبالتالي لا تقف المأساة عند نقطة ، بل يُقتل زوّاره والذين يتّبعون نهجه الذي هو نهج جدّه الأكرم صلى‌الله‌عليه‌وآله !

يا للمصيبة ! يا للعجب ! ويدّعون الإسلام !!

بناء فخم ، وقبة ومسجد كبير وثريات وفرش ، وزوار عند قبر أبي حنيفة والشيخ الگيلاني ، حلال !

وتحت إشراف الحكومة ، الماء المتوفر والأمان ، والحريّة ، والخدمة ، والصرف هو الآخر حلال ولا شيء عليه !!

ولا يقال لهم : زوّار القبور ، عبّاد القبور ، كفرة مردة ، وزوّار قبر الإمام

٢٠