نافذة على زيارة القبور

السيّد فاروق الموسوي

نافذة على زيارة القبور

المؤلف:

السيّد فاروق الموسوي


الموضوع : العقائد والكلام
الناشر: انتشارات دار العلم آية الله بهبهاني
المطبعة: البهبهاني
الطبعة: ١
ISBN: 978-964-8300-11-6
الصفحات: ٢٧٢
  نسخة مقروءة على النسخة المطبوعة

في حياتي ، ومن لم يزرني فقد جفاني ».

وروى ابن عساكر بسنده ، عن عليٍّ عليه‌السلام : « من زار قبر رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله كان في جوار رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله ».

١٧ ـ يحيى أيضاً بسنده ، عن رجل ، عن بكر بن عبدالله ، عن النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله : « من أتى المدينة زائراً لي وجبت له شفاعتي يوم القيامة... ». الحديث.

انتهت الأحاديث التي أوردها السمهودي ، وهي مع كثرتها يعضد بعضها بعضاً ، وتعضدها الأحاديث الآتية في تضاعيف ما يأتي ، مع أنّه لا حاجة لنا إلى الاستدلال بها للسيرة القطعية وعمل المسلمين البالغ حدّ الضرورة.

وفي الرسالة الاُولى من رسائل « الهدية السنية » : أنّ الأحاديث التي رواها الدارقطني في زيارة قبره ـ عليه الصلاة والسلام ـ كلّها مكذوبه موضوعة باتفاق غالب أهل المعرفة ، منهم ابن الصلاح وابن الجوزي وابن عبدالبرّ وأبو القاسم السهيلي وشيخه ابن العربي المالكي والشيخ تقي الدين وغيرهم ، ولم يجعلها في درجة الضعيف إلّا القليل ، وكذلك تفرّد بها الدارقطني عن بقية أهل السنن ، والأئمّة كلّهم يروون بخلافه. وأجلّ حديثٍ روي في هذا الباب : حديث أبي بكر البزّاز ومحمّد بن عساكر ، حكاه أهل المعرفة بمصطلح الحديث ، كالقشيري والشيخ تقي الدين وغيرهما.

أقول : دعوى أنّ هذه الأحاديث على كثرتها كلّها مكذوبة دعوى

٦١

كاذبة لا يعضدها دليل ، وابن الجوزي وإن أورد بعضها في الموضوعات فقد أورد البعض الآخر في كتابه « مثير الغرام الساكن » واعتمد عليه ، كما مرّ في الحديث الرابع ، مع أنّ الحديث الخامس الذي جعله موضوعاً تعقّبه الإمام السبكي فيه ، وقال : إنّ ذكره له في الموضوعات سرف منه ، كما مرّ ، كما تعقّبه غيره في جملة من الأحاديث التي عدّها في الموضوعات ، وباقي من نقل عنهم لعلّهم كاأبن لجوزي إن صح نقله. وأمّا قدوته الشيخ تقي الدين بن تيميّة فحاله معلوم في التعصّب لآرائه وأهوائه ومصادمته الضرورة في نصرها وتكذيب الأحاديث المشهورة التي يعضدها العقل والنقل تبعاً لشهوة نفسه. وأوضح برهان على ذلك : تكذيبه حديث « ضربة عليٍّ يوم الخندق » بالاستبعادات والدعاوى الباطلة ، حتى تعقّبه في ذلك صاحب السيرة الحلبية ، كما فصّلناه في بعض حواشي فصل البناء على القبور ، مع أنّه لم يعلم دعواه الوضع في جميعها.

قوله : « ولم يجعلها في درجة الضعيف إلّا القليل » يكذّبه ما عرفت في الحديث الثالث أنّه أورده الحافظ ابن السكن في كتابه السنن الصحاح المأثورة الذي ذكر في خطبته أنّه لا يذكر فيه إلّا ما أجمع على صحته.

قوله : « تفرد بها الدارقطني عن بقية أهل السنن » يكذّبه : أنّه روى جملةً منها غير الدارقطني من أهل السنن وغيرهم كالبيهقي والبزّار والطبراني وأبو بكر بن المقرئ والحافظ ابن السكن وابن عدي وأبو يعلى والإمام أحمد وأبو داود والترمذي والنسائي وابن الجوزي والعقيلي

٦٢

والأزدي وأبو الفتوح وابن أبي الدنيا وابن النجّار ويحيى بن الحسن كما عرفت وابن عساكر باعتراف الوهابية.

وإذا كان تفرّد الراوي بالرواية يوجب طرحها فما بال الوهابية لم يطرحوا حديث أبي الهياج وقد تفرد به رواية على ما عرفته في فصل البناء على القبور ؟

ولكنّ الحديث المؤدّي إلى استحلال دماء المسلمين وأموالهم لا يطرح ولو تفرّد به رواية. أمّا الأحاديث الكثيرة الدالة على تعظيم النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله واستحباب زيارته الثابتة بالعقل والنقل وإجماع المسلمين البالغ حدّ الضرورة فتستحقّ الطرح ! بدعوى تفرّد الدارقطني بها ، ويلتمس لها الوجوه والتأويلات لطرحها عند الوهابية ؛ لأنّهم يعظم عليهم تعظيم من عظّمه الله ، ومخالفة قول قدوتهم ابن تيمية وابن عبدالوهّاب.

قوله : « والأئمة كلّهم يروون بخلافه » هذه دعوى كاذبة كالاُولى ، فمن هم الأئمة الذين رووا أنّ زيارة النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله لا تستحبّ ، أو لا يستحبّ شدّ الرحال إليها ، غير ما توهّمه الوهّابية من أحاديث شدّ الرحال التي ستعرف في هذا الفصل سخافة توهّمهم فيها ، وقد عرفت أنّ الأئمة رووا هذه الأحاديث كما رواها الدارقطني ولم يرووا بخلافه ، وفيهم أجلّاء أئمة الحديث : كابن حنبل وأبي داود والترمذي والنسائي والطبراني والبيهقي وغيرهم ، وقد رويت في ذلك أحاديث كثيرة تكاد تبلغ حدّ التواتر عن أئمة أهل البيت الطاهر ، رواها عنهم أصحابهم وثقاتهم بالأسانيد المتصلة

٦٣

الصحيحة موجودة في مظانّها.

وتدلّ عليه أيضاً الأحاديث الدالة على أنّ النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله يردّ سلام من يسلّم عليه ، التي اعترف بها الوهابية وقدوتهم ابن تيمية ، ومرّ طرف منها في المقدمات في حياة النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله بعد موته.

قال السبكي فيما حكاه عنه السمهودي في وفاء الوفا (١) بعد ذكر ما يدلّ على أنّه صلى‌الله‌عليه‌وآله يسمع من يسلّم عليه عند قبر ويردّ عليه عالماً بحضوره عند قبره : وكفى بهذا فضلاً حقيقاً بأن ينفق فيه ملك الدنيا حتى يتوصّل إليه من أقطار الأرض. انتهى. ومنه يعلم صحة الاستدلال به على شدّ الرحال.

___________________________________

١ ـ وفاء الوفا : ٢ / ٤٠٤.

٦٤

الثالث : الإجماع :

من المسلمين خلفاً عن سلفٍ من عهد النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله والصحابة إلى يومنا هذا ـ عدا الوهابية ـ قولاً وعملاً ، بل إنّ استحباب زيارة قبور الأنبياء عليهم‌السلام والصالحين بل وسائر المؤمنين ومشروعيتها ملحق بالضروريات عند المسلمين ، فضلاً عن الإجماع ، وسيرتهم مستمرة عليها من عهد النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله والصحابة والتابيعن وتابعيهم وجميع المسلمين في كلّ عصر ، وفي كلّ صقع ، عالمهم وجاهلهم ، صغيرهم وكبيرهم ، ذكرهُم واُنثاهم ، وإنكار ذلك مصادمة للبديهة ، وإنكار للضروري.

قال السمهودي في وفاء الوفا (١) نقلاً عن السبكي : قال عياض : زيارة قبره صلى‌الله‌عليه‌وآله سنّة بين المسلمين مجمع عليها ، وفضيلة مرغوب فيها. انتهى.

قال السبكي : وأجمع العلماء على استحباب زيارة القبور للرجال ، كما حكاه النووي ، بل قال بعض الظاهرية بوجوبها ، واختلفوا في النساء ، وامتاز القبر الشريف بالأدلة الخاصة به.

ولهذا أقول : إنّه لا فرق بين الرجال والنساء. وقال الجمّال الريمي : يستثني ـ أي من محلّ الخلاف ـ قبر النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله وصاحبيه ، فإنّ زيارتهم مستحبّة للنساء بلا نزاع ، كما اقتضاه قولهم في الحجّ : يستحبّ لمن حجّ أن يزور قبر النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله ، وقد ذكر ذلك بعض المتأخرين ، وهو الدمنهوري

___________________________________

١ ـ وفاء الوفا : ٢ / ٤١٢.

٦٥

الكبير ، وأضاف إليه قبور الأنبياء عليهم‌السلام والصالحين والشهداء. انتهى.

وفي وفاء الوفا (١) : كيف يتخيّل في أحدٍ من السلف المنع من زيارة المصطفى صلى‌الله‌عليه‌وآله وهم مجمعون على زيارة سائر الموتى فضلاً عن زيارته صلى‌الله‌عليه‌وآله. انتهى.

وصنّف قاضي القضاة الشيخ تقي الدين أبو الحسن السبكي ـ الذي تشهد مؤلفاته بغزارة علمه في القرن الثامن ـ كتاباً في فضل الزيارة وشدّ الرحال إليها ، رداً على ابن تيمية ، سمّاه « شفاء السقام في زيارة خير الأنام ».

ونقل عنه السمهودي في « وفاء الوفا » شيئاً كثيراً ، ونقل عنه غيره ، ونقلها عنه بواسطة السمهودي وغيره.

وقال السبكي في مقدمته على ما حكي عنه : إنّ من أعظم القُرَبِ إلى ربّ العالمين : زيارة سيّد المرسلين والسفر إليها من أقطار الأرضين ، كما هو معروف بين المسلمين في مشارق الأرض ومغاربها على ممرّ السنين. وإنّ ممّا ألقى الشيطان في هذا الزمان على لسان بعض المخذولين التشكيك في ذلك ، وهيهات أن يدخل ذلك في قلوب الموحّدين ! وإنّما هي نزغة من مخذول لا يرجع وبالها إلّا عليه ، ولا يترتّب عليها إلّا ما ألقى بيده إليه شريعة الله محكمة ظاهرة ، وشبه الباطل على شفا جرفٍ هائرة. انتهى.

ومرّ في الباب الأوّل ما يدلّ على أنّ مراده : ابن تيمية.

___________________________________

١ ـ المصدر السابق : ٤١٧.

٦٦

وعن « منتهى المقال في شرح حديث لا تشدّ الرحال » للمفتي صدر الدين أنّه قال فيه : قال الشيخ الإمام الحبر الهمام سند المحدثين الشيخ محمّد البرلسي في كتابه « إتحاف أهل العرفان برؤية الأنبياء والملائكة والجان » : وقد تجاسر ابن تيمية الحنبلي ـ عامله الله بعدله ـ وادّعى أنّ السفر لزيارة قبر النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله حرام ، وأنّ الصلاة لا تقصر فيه ؛ لعصيان المسافر به ، وأطال في ذلك بما تمجّه الأسماع وتنفر عنه الطباع ، وقد عاد شؤم كلامه عليه... إلى أن قال : وخالف الأئمة المجتهدين في مسائل كثيرة ، واستدرك على الخلفاء الراشدين باعتراضات سخيفة حقيرة فسقط من أعين علماء الاُمّة ، وصار مُثلةً بين العوامّ ، فضلاً عن الأئمة وتعقّب العلماء كلماته الفاسدة. وزيّفوا حججه الداحضة الكاسدة ، وأظهروا عوار سقطاته ، وبيّنوا قبائح أوهامه وغلطاته. انتهى. ومرّ بعض كلامه في حقّه في الباب الأوّل.

وعن شهاب الدين أحمج الخفاجي المصري في « نسيم الرياض شرح شفاء القاضي عياض » أنّه قال بعد ذكر حديث : « لعن الله اليهود والنصارى اتخذوا قبور أنبيائهم مساجد ». اعلم أنّ هذا الحديث هو الذي دعا ابن تيمية ومن تبعه كابن القيّم إلى مقالته الشنيعة التي كفّروه بها ، وصنّف فيها السبكي مصنَّفاً مستقلّاً ، وهي منعه زيارة قبر النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله وشدّ الرحال إليه ، وهو كما قيل :

لمهبط الوحي حقّاً تَرحَل النُجُبُ

وعند ذاك المرجّى ينتهي الطلبُ

فتوهّم أنّه حمى جانب التوحيد بخرافاتٍ لا ينبغي ذكرها ، فإنّها

٦٧

لا تصدر عن عاقلٍ فضلاً عن فاضل. انتهى.

وعن الملّا عليّ القاري في المجلد الثاني من شرح الشفا أنّه قال : قد فرّط ابن تيمية من الحنابلة ، حيث حرّم السفر لزيارة النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله ، كما أفرط غيره ، حيث قال : كون الزيارة قربة معلوم من الدين وجاحده محكوم عليه بالكفر ، ولعلّ الثاني أقرب إلى الصواب ، لأنّ تحريم ما أجمع العلماء فيه بالاستحباب يكون كفراً لأنّه فوق تحريم المباح المتفق عليه في هذا الباب. انتهى.

وقال أحمد بن حجر الهيتمي المكّي الشافعي صاحب « الصواعق » في كتابه « الجوهر المنظّم في زيارة القبر المكرّم » على ما حكي عنه ، وقد ذكره صاحب كشف الظنون قال فيه بعدما استدلّ على مشروعية زيارة قبر النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله بعدّة أدلّة منها الإجماع ما لفظه (١) :

فإن قلت : كيف تحكي الإجماع على مشروعية الزيارة والسفر إليها وطلبها وابن تيمية من متأخّري الحنابلة منكر لمشروعية ذلك كلّه ، كما رآه السبكيّ في خطّه ، وقد أطال ابن تيمية في الاستدلال لذلك بما تمجّه الأسماع وتنفر عنه الطباع ، بل زعم حرمة السفر لها إجماعاً ، وأنّه لا تقصر فيه الصلاة ، وأنّ جميع الأحاديث الواردة فيه موضوعة ، وتبعه بعض من تأخّر عنه من أهل مذهبه.

قلت : من هو ابن تيمية حتى يُنظَر إليه أو يُعوَّل في شيء من اُمور الدين عليه ؟! وهل هو إلّا كما قال جماعة من الأئمة الذين تعقّبوا كلماته

___________________________________

١ ـ الصواعق المحرقة : ١٣.

٦٨

الفاسدة وحججه الكاسدة حتى أظهروا عوار سقطاته وقبائح أوهامه وغلطاته كالعزّ بن جماعة ، عبد أظلّه الله تعالى وأغواه وألبسه رداء الخزي وأرداه ، وبوّأه من قوة الافتراء والكذب ما أعقبه الهوان وأوجب له الحرمان.

ولقد تصدّى شيخ الإسلام وعالم الأنام المجمع على جلالته واجتهاده وصلاحه وإمامته التقي السبكيّ ـ قدس الله روحه ونور ضريحهِ للردّ عليه في تصنيف مستقل أفاد فيه وأجاد وأصاب وأوضح بباهر حججه طريق الصواب.

ثم قال : هذا وما وقع من ابن تيمية ممّا ذكر وإن كان عثرة لا تقال أبداً ومصيبةً يستمرّ شؤمها سرمداً ليس بعجيب ، فإنّه سوّلت له نفسه وهواه وشيطانه أنّه ضرب مع المجتهدين بسهم صائب ، وما درى المحروم أنّه أتى بأقبح المعائب ؛ إذ خالف إجماعهم في مسائل كثيرة ، وتدارك على أئمتهم ـ سيّما الخلفاء الراشدين ـ باعتراضات سخيفة شهيرة حتى تجاوز إلى الجناب الأقدس المنزّه سبحانه عن كلّ نقص والمستحق لكل كمال أنفس ، فنسب إليه الكبائر والعظائم ، وخرق سياج عظمته بما أظهره للعامة على المنابر من دعوى الجهة والتجسيم ، وتضليل من لم يعتقد ذلك من المتقدمين والمتأخرين ، حتى قام عليه علماء عصره وألزموا السلطان بقتله أو حبسه وقهره ، فحبسه إلى أن مات ، وخمدت تلك البدع ، وزالت تلك الضلالات ، ثم انتصر له أتباع لم يرفع الله لهم رأساً ، ولم يظهر لهم جاهاً ولا بأساً ، بل ضربت عليهم الذلّة المسكنة وباؤوا بغضب من الله ذلك بما

٦٩

عصوا وكانوا يعتدون. انتهى.

أمّا المنقول من فعل الصحابة فسيأتي في المبحث الثاني : أنّ عمر لمّا قدم المدينة من فتوح الشام كان أوّل ما بدأ بالمسجد ، وسلّم على رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله.

وفي وفاء الوفا للسمهودي (١) : روى عبدالرزاق بإسناد صحيح : أنّ ابن عمر كان إذا قدم من سفرٍ أتى قبر النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله فقال : السلام عليك يا رسول الله ، السلام عليك يا أبا بكر ، السلام عليك يا أبتاه.

قال : وفي الموطّأ من روايه يحيى بن يحيى : أنَّ ابن عمر كان يقف على قبر النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله فيصلّي ( فيسلّم ظ ) على النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله وعلى أبي بكر وعمر.

وعن ابن عون : سأل رجل نافعاً : هل كان ابن عمر يسلّم على القبر ؟ قال : نعم ، لقد رأيته مائة مرّةٍ أو أكثر من مائةٍ كان يأتي القبر فيقوم عنده فيقول : السلام على النبيّ ، السلام عليك أبي بكر ، السلام على أبي.

وفي مسند أبي حنيفة : عن ابن عمر : من السنّة أن تأتي قبر النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله في قِبَل القبلة وتجعل ظهرك إلى القبلة وتستقبل القبر بوجهك ، ثم تقول : السلام عليك أيها النبيّ ورحمة الله وبركاته. أخرجه الحافظ طلحة بن محمّد في مسنده ، عن صالح بن أحمد ، عن عثمان بن سعيد ، عن أبي عبدالرحمن المقري ، عن أبي حنيفة ، عن نافع ، عن ابن عمر. انتهى.

أمّا المنقول من فعل سائر المسلمين : ففي وفاء الوفا (٢) : ذكر

___________________________________

١ ـ وفاء الوفا : ٢ / ٤٠٩.

٢ ـ وفاء الوفا : ٢ / ٤١٠.

٧٠

المؤرّخون والمحدّثون منهم ابن عبدالبرّ والبلاذري وابن عبد ربّه : أنّ زياد ابن أبيه أراد الحجّ ، فأتاه أبو بكرة أخوه وهو لا يكلّمه ، فأخذ ابنه فأجلسه في حجره ليخاطبه ويسمع زياداً ، فقال : إنّ أباك فعل وفعل ، وإنّه يريد الحجّ ، واُمّ حبيبة زوج النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله هناك ، فإن أذنت له فأعظم بها مصيبة وخيانة لرسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله ، وإن حجبته فأعظم بها حجة عليه ، فقال زياد : ما تدع النصيحة لأخيك وترك الحج فيما قاله البلاذري. وقيل : حجّ ولم يزر من أجل قول أبي بكرة. وقيل : أراد الدخول عليها فذكر قول أبي بكرة فانصرف. وقيل : إنّها حجبته.

قال السبكيّ : والقصة على كل تقدير تشهد لأنّ زيارة الحاجّ كانت معهودةً من ذلك الوقت ، وإلّا فكان يمكنه الحجّ من غير طريق المدينة ، بل هي أقرب إليه ؛ لأنّه كان بالعراق ولكن كان إتيان المدينة عندهم أمراً لا يترك. انتهى.

لا يقال : نحن نسلِّم بأنّ إتيان المدينة أمر راجح مستحبّ ، ولكن بقصد الصلاة في المسجد والزيارة تبع ، والذي نمنعه إتيانها بقصد الزيارة.

لأنّا نقول : المعروف بين المسلمين من عهد الصحابة إلى اليوم اتيان المدينة بقصد الزيارة ، هذا الذي جرت عليه سيرتهم وعملهم ، لا يخطر ببالهم غيره ، ولا يدور في خلدهم سواه. وأمّا قصد المسجد وكون الزيارة تبعاً فشيء لم يكن يعرفه أحد قبل الوهابية ، ولو كان لحرمة قصد الزيارة بالسفر أصل في الشرع لشاعت وذاعت وعرفها جميع المسلمين ، ووصلت إلى حدّ الضرورة ؛ لاحتياج الجميع إلى معرفتها ، ولكانت قامت بها الخطباء

٧١

والوعّاظ وبيّتتها العلماء وحذّروا الناس منها ؛ لئلّا يقصدوا بسفرهم الزيارة فيقعوا في الحرام الموجب للعقاب من حيث قصدوا الثواب ، ولكان بينها أصحاب كتب المناسك الذين لم يهملوا شيئاً يتعلّق بالحجّ والزيارة من المستحبات فضلاً عن هذا الأمر المهم الموقع في الحرام.

أمّا المنقول عن أئمة المذاهب الأربعة ففي وفاء الوفا (١) بعدما ذكر اختلاف السلف في أنّ الأفضل البدأة بالمدينة أو بمكة : حكى عن الإمام أبي حنيفة : أنّ الأحسن البدأة بمكة ، وإن بدأ بالمدينة جاز ، فيأتي قريباً من قبر رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله فيقوم بين القبر والقبلة. انتهى.

وأمّا ما يحكى عن مالك : أنّه كره أن يقال : زرنا قبر النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله ، فهو على فرض صحته محمول عل كراهة التلفظ بهذا اللفظ لبعض الوجوه التي ذكروها ممّا لا نطيل بنقله ، لا لكراهة أصل الزيارة ، مع أنّ العلماء ناقشوه في كراهة هذا اللفظ ، كالسبكيّ وابن رشد على ما في « وفاء الوفا ».

وذكر السمهودي في وفاء الوفا (٢) أقوال الشافعية في استحباب زيارة النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله ، ثم قال : والحنفية قالوا : إنّ زيارة قبر النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله من أفضل المندوبات والمستحبات ، بل تقرب من درجة الواجبات ، قال : وكذلك نصّ عليه المالكية والحنابلة. وأوضح السبكي نقلهم في كتابه في الزيارة. انتهى.

___________________________________

١ ـ وفاء الوفا : ٢ / ٤١١.

٢ ـ المصدر السابق : ٤١٥.

٧٢

الرابع : دليل العقل :

فإنّه يحكم بحسن تعظيم من عظّمه الله تعالى ، والزيارة نوع من التعظيم ، وفي تعظيمه صلى‌الله‌عليه‌وآله بالزيارة وغيرها تعظيم لشعائر الإسلام وإرغام لمنكريه. وقد ثبت رجحان زيارته صلى‌الله‌عليه‌وآله في حياته والوصول إلى خدمته ، فكذلك بعد مماته ، خصوصاً بعد الالتفات إلى ما ورد من حياته البرزخية ، وقد مضى في فصل التوسل قول مالك أمام دار الهجرة للمنصور : إنّ حرمة النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله ميتاً كحرمته حيّاً. وليس في العقل شيء يمنع من الزيارة أو يوجب قبحهاء ، بل فيه ما يحسنها من تعظيم من عظّمه الله واحترام من هدى الناس إلى سبيل الرشاد ، وكان سبب سعادتهم في الدارين.

٧٣

المقام الثاني : في زيارة سائر القبور :

قد ثبت أنّ النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله كان يزور أهل البقيع وشهداء اُحد.

وروى ابن ماجة (١) بسنده عنه صلى‌الله‌عليه‌وآله : « زوروا القبور فإنّها تذكّركم الآخرة ».

وبسنده عن عائشة : أنّه صلى‌الله‌عليه‌وآله رخّص في زيارة القبور.

وفي حاشية السندي عن الزوائد أنّ رجال أسناده ثقات.

وبسنده عنه صلى‌الله‌عليه‌وآله : « كنت نهيتكم عن زيارة القبور فزوروها فإنّها تزهّد في الدنيا وتذكّر الآخرة ».

ورواه مسلم (٢) إلى قوله : « فزوروها ».

وروى النسائي : « ونهيتكم عن زيارة القبور فمن أراد أن يزور فليزر ».

وزار النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله قبر اُمّه وهي مشركة بزعم الخصم. روى مسلم في صحيحه (٣) وابن ماجة (٤) والنسائي (٥) بأسانيدهم عن أبي هريرة قال : زار النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله قبر اُمّه فبكى وأبكى من حوله ، فقال صلى‌الله‌عليه‌وآله : استأذنت ربّي في أن أستغفر لها فلم يأذن لي ، واستأذنته في أن أزور قبرها فأذن لي ، فزوروا

___________________________________

١ ـ سنن ابن ماجة : ١ / ٢٤٥.

٢ ـ صحيح مسلم : ٤ / ٣٢٥ ، بهامش إرشاد الساري.

٣ ـ صحيح مسلم : ٤ / ٣٢٥ ، بهامش إرشاد الساري.

٤ ـ سنن ابن ماجة : ١ / ٢٤٥.

٥ ـ سنن النسائي ١ / ٢٨٦.

٧٤

القبور فإنّها تذكّركم الموت.

قال النووي في شرح صحيح مسلم : هو حديث صحيح بلا شك (١).

وروى مسلم (٢) : أنّه كلّما كانت ليلة عائشة من رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله يخرج من آخر الليل إلى البقيع فيقول : « السلام عليكم دار قومٍ مؤمنين ، وآتاكم ما توعدون ».

وعلّم صلى‌الله‌عليه‌وآله عائشة حين قالت له : كيف أقول لهم يا رسول الله ؟ قال : قولي : « السلام على أهل الديار من المؤمنين والمسلمين ». الحديث رواه مسلم.

وعن بريدة : كان رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله يعلِّمهم إذا خرجوا إلى المقابر ، فكان قائلهم يقول : « السلام على أهل الديار ».

وفي رواية : « السلام عليكم أهل الديار من المؤمنين والمسلمين والمسلمات ». الحديث رواه مسلم.

وقد مرّ في المقام الأوّل زيارة ابن عمر لقبر الشيخين مراراً كثيرة.

وحكى السمهودي في وفاء الوفا (٣) عن الحافظ زين الدين الحسيني الدمياطي : أنّ زيارة القبور الأنبياء والصحابة والتابعين والعلماء وسائر

___________________________________

١ ـ أقول : إنّ السبب الّذي يذكرونه لاستئذان النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله زيارة قبر اُمّه هو ـ كما يزعمون ـ لأنّ اُمّه كانت مشركة ، ولكنّ الثابت الذي لا ريب فيه هو أنّ اُمّ النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله كانت كآبائه وأجداده من أهل الإيمان والتوحيد ، من هنا فإنّ هذا التوجيه والتفسير مخالف لاُصول العقيدة الإسلامية ، وهذا هو ديدن القوم حينما يطعنون في النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله وأهل بيته لسدّ ثغراتهم ومطاعنهم حيث إنّ آباءهم وأجدادهم ماتوا مشركين ، ويمكن أن يكون له تفسير آخر.

٢ ـ صحيح مسلم : ٤ / ٣١٨ ، بهامش إرشاد الساري.

٣ ـ وفاء الوفا : ٢ / ٤١٣.

٧٥

المؤمنين للبركة أثر معروف. قال : وقد قال حجة الإسلام الغزالي : كلّ من يُتبرَّك بمشاهدته في حياته يُتبرَّك بزيارته بعد موته ، ويجوز شدّ الرحال لهذا الغرض : انتهى.

إلى أن قال : وقد روي عن النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله أنّه قال : « آنس ما يكون الميت في قبره إذا زاره من كان يحبّه في الدار الدنيا ».

وعن ابن عباس « ما من أحدٍ يمرّ بقبر أخيه المؤمن يعرفه في الدنيا فسلّم عليه إلّا عرفه وردّ عليه السلام ».

وروي : « من زار قبر أبويه في كلّ جمعةٍ أو أحدهما كتب بارّاً وإن كان في الدنيا قبل ذلك بهما عاقاً ».

وسيأتي أحاديث زيارة فاطمة عليها‌السلام قبر حمزة وشهداء اُحد كل جمعة أو بين اليومين والثلاثة ، وكفى بفعلها عليها‌السلام دليلاً وحجّةً.

٧٦

في شدّ الرحال إلى زيارة القبور :

وقد منع الوهّابية من شدّ الرحال إلى زيارة النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله ، فضلاً غن غيره ، وقد عرفت أنّ ابن تيمية في مقام تشنيعه على الإمامية قال : إنّهم يحجّون إلى المشاهد كما يحجّ الحاجّ إلى البيت العتيق ، وما هو حجّهم إلّا قصدهم زيارتها ، فسمّاه حجّاً إرادةً لزيادة التهويل والتشنيع كما هي عادته.

وفي الرسالة الثانية من رسائل « الهدية السنية » لعبدالله بن محمّد بن عبدالوهّاب ؛ وتسنّ زيارة النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله ، إلّا أنّه لا يشدّ الرحال إلّا لزيارة المسجد والصلاة فيه ، وإذا قصد مع ذلك الزيارة فلا بأس. انتهى.

واحتجّ الوهّابية لذلك برواية البخاري : عن أبي هريرة ، عن النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله : « لا تشدّ الرحال إلّا إلى ثلاثة مساجد : المسجد الحرام ، ومسجد الرسول صلى‌الله‌عليه‌وآله ، ومسجد الاقصى ».

ورواه مسلم في الحجّ والصلاة ، إلّا أنّه قال : « مسجدي هذا ومسجد الحرام ومسجد الأقصى ».

ورواه النسائي في سننه مثله ، إلّا أنّه قدّم مسجد الحرام.

ورواه أبو داود في الحج.

وفي روايةٍ لمسلم : « تشدّ الرحال إلى ثلاثة مساجد ». وفي روايةٍ له : « إنّما يُسافرَ إلى ثلاثة مساجد ، مسجد الكعبة ، ومسجدي ، ومسجد إيليا ».

والجواب عن هذه الأخبار : أنّ الحصر فيها إضافي لا حقيقي ، أي

٧٧

لا تُشدّ الرحال إلى مسجدٍ من المساجد إلّا إلى هذه الثلاثة ، لأنّ هذا الاستثناء مفرغ قد حذف فيه المستثنى منه ، وكما يمكن تقديره : لا تشدّ الرحال إلى مكان يمكن تقديره إلى مسجد ، لكنّ الثاني هو المتعيّن ؛ لأنّ ذلك هو المفهوم عرفاً من أمثال هذه العبارة ، وللاتفاق على جواز السفر وشدّ الرحال إلى أي مكان كان للتجارة وطلب العلم والجهاد وزيارة العلماء والصلحاء والتداوي والنزهة والولاية والقضاء ، وغير ذلك ممّا لا يحصى.

ولو قيل : إنّ هذا خُصِّص بالدليل للزم تخصيص الأكثر ، وهو غير جائز ، كما تقرر في الاُصول.

والحاصل : أنّه لا يشكّ مَن عنده أدنى معرفةٍ في أنّ المراد بقوله : « لا تشدّ الرحال إلّا إلى ثلاثة مساجد » ، أو « إنّما يسافر إلى ثلاثة مساجد » أنّه لا يسافر إلى غيرها من المساجد ، لا أنّه لا يسافر إلى مكان مطلقاً ، على أنّه لا يفهم من هذه الأحاديث حرمة السفر إلى باقي المساجد ، بل هي ظاهرة في أفضلية هذه المساجد على ما عداها ، بحيث بلغ من فضلها أن تستحقّ شدّ الرحال والسفر إليها للصلاة فيها ، فإنّها لا تشدّ الرحال وتركب الأسفار وتتحمّل المشاقّ إلّا للاُمور المهمّة ، لا أنّ من سافر للصلاة في مسجدٍ طلباً لإحراز فضيلة الصلاة فيه يكون عاصياً وآثماً ، وكيف تكون آثماً من يسافر إلى ما هو طاعة وعبادة ؟ فالمسجد ببعده لم يخرج عن المسجدية ، والصلاة فيه لم تخرج عن كونها طاعة وعبادة ؛ إذ هو مسجد لكل أحد فكيف يعقل أن يكون السفر للصلاة فيه إثماً

٧٨

ومعصية ؟! فالسفر للطاعة لا يكون إلّا طاعة ، كما أنّ السفر للمعصية لا يكون إلّا معصية ، وكيف تكون مقدمة المستحب محرّمة ؟!

ويدلّ على ذلك : أنّ النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله والصحابة كانوا يذهبون كلّ سبتٍ إلى مسجد قبا ، وبينه وبين المدينة ثلاثة أميال أو ميلان ركباناً ومشاةً لقصد الصلاة فيه ، ولا فرق في السفر بين الطويل والقصير ؛ لعموم النهي لو كان.

روى البخاري في صحيحة (١) : أنّ النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله كان يأتي مسجد قبا كل سبتٍ ماشياً وراكباً ، وأنّ ابن عمر كان يفعل كذلك.

وفي رواية : كان رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله يزوره راكباً وماشياً.

وروى النسائي في سننه : أنّه كان رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله يأتي قبا راكباً وماشياً. وأنّه قال : « من خرج حتى يأتي هذا المسجد ـ مسجد قبا ـ فصلّى فيه كان له عدل عمرة » (٢).

وفي إرشاد الساري : عن ابن أبي شيبة في أخبار المدينة بإسناد صحيح ، عن سعد بن أبي وقاص : « لأن اُصلّي في مسجد قبا ركعتين أحبّ إليَّ من أن آتي بيت المقدس مرّتين ، لو يعلمون ما في قبا لضربوا إليه أكباد الإبل ».

وهذا نصّ من سعدٍ على استحباب ضرب أكباد الإبل إليه ، الذي لا يكون إلّا بالسفر إليه من مكان بعيد.

وروى الطبراني : « من توضّأ فأسبغ الوضوء ثم غدا إلى مسجد قبا لا يريد

___________________________________

١ ـ صحيح البخاري : ١ / ٢٠٦ ، شرح صحيح البخاري : ٢ / ٣٣٢.

٢ ـ سنن النسائي : ٢ / ٣٧.

٧٩

غيره ولا يحمله على الغُدوِّ إلّا الصلاة في مسجد قبا فصلّى فيه أربع ركعاتٍ كان له أجر المعتمر إلى بيت الله ». نقله في إرشاد الساري. وسيأتي في آخر هذا الفصل أحاديث أنّ فاطمة عليها‌السلام كانت تزور قبر عمّها حمزة بين اليومين والثلاثة وكلّ جمعة ، وفيه دلالة على جواز السفر للزيارة واستحبابه ؛ لعدم تعقّل الفرق بين السفر الطويل والقصير وبين اُحدٍ والمدينة ونحو ممّا بينها ، وبين قبا أو أزيد.

ويدلّ على شدّ الرحال : الحديث الخامس المتقدم من حجّ البيت : « ولم يزرني فقد جفاني... ».

والزيارة بعد الحج لا تكون إلّا بشدّ الرحال. وأظهر ممّا قلناه : الحديث الآخر لمسلم : « تشدّ الرحال إلى ثلاثة مساجد » بصيغة الإثبات ، أي أنّ هذه المساجد الثلاثة تستحقّ وتستأهل شدّ الرحال إليها ؛ لعظم فضلها ، فهي حقيقة وجديرة بذلك وشدّ الرحال إليها لا يكون عناؤه ضائعاً وتعبه خائباً ، أو فائدته قليلة ، بل يحصل من الثواب على ما يقابل تعبه وزيادة.

قال القسطلاني في « إرشاد الساري في شرح صحيح البخاري » (١) في شرح قوله : « لا تُشدّ الرحال » : أي إلى مسجد للصلاة فيه. ثمّ قال : وقد بطل بما مرّ من التقدير المعتضد بحديث أبي سعيد ـ المرويّ في مسند أحمد بإسناد حسن مرفوعاً : لا ينبغي للمطي أن تشدّ رحاله إلى مسجد تُبتغى فيه الصلاة غير المسجد الحرام والأقصى ومسجدي هذا » ـ قول ابن

___________________________________

١ ـ إرشاد الساري : ٢ / ٣٢٩.

٨٠