السيّد فاروق الموسوي
الموضوع : العقائد والكلام
الناشر: انتشارات دار العلم آية الله بهبهاني
المطبعة: البهبهاني
الطبعة: ١
ISBN: 978-964-8300-11-6
الصفحات: ٢٧٢
علي بن أبي طالب عليهالسلام قالع باب خيبر ومجندل الأبطال وقتّال الجبابرة الكفرة... يضربون بالكيمياوي وصواريخ أرض أرض ، ..
وزوار الحسين عليهالسلام ، وأخيه العباس عليهالسلام والشهداء يضربون بالطائرات والصواريخ ويعتقلون ثم يقتلون ويمنع الماء عنهم والكهرباء !!
فما حَدا في ما بدا ؟!
وإذا عددنا المراقد والمساجد التي دفن فيها المعارف نجد الكثير ، وقد اهتمت الوزارة في الآونة الأخيرة بتجديد بناء مسجد السيد سلطان علي الذي يقع في شارع الرشيد ، ومن يقرأ كتب التاريخ وبالخصوص الكتب التي تتناول المراقد تغنيه عن هذه الكلمات القصار.
وفي الجانب الشرقي من بغداد أيضاً حيث المراقد الكثيرة ، والمقابر التي تمتاز بقبورها العالية ، والأبنية المشيدَّة عليها ، حيث السقاية المجّانية للأجر والثواب ، منها : مقبرة باب الشيخ ، ومقبرة محمد سكران.
وأمّا في الجانب الغربي فتقع مقبرة الرحمانية والشالجية...
ففي الشالجية مقبرة قديمة فيها بناء زقوري قديم ، ينسب إلى الستّ ( السيدة ) زبيدة...
كلُّ هذا : حلال ، ولا ينسب أهلها إلى الكفر والتمرّد ؟!
أمّا مقبرة وادي السلام فهي من أكبر المقابر الإسلامية ، فبأمر من طاغية العراق وأزلامه يفتح فيها أكثر من عشرة شوارع طولاً وعرضاً ، وتمسح القبور ، وتزفّت أرضها ، ويُقطع الماء والكهرباء عنها !!
الشيخ بشّار
الشيخ بشّار قد يكون هو بشر الحافي المدفون ببيتٍ في ركنٍ من البيوت القريبة لساحة الشهداء قرب جسر الشهداء في بغداد الكرخ...
وتنسب إليه محلّة الشيخ بشّار (١).
وتقوم في خدمته امرأة عجوز ، ويزوره مَن يعرفه من أبناء المنطقة ، والمجاورون له... وارتفاع قبره عن سطح الأرض أكثر من ( ٥٠ س.م ).
وبِشر هذا كان من الموسرين والمسرفين في إتيان المنكرات ، اتفق يوماً أنّ جارية له خرجت لتلقي القُمامة ، فمرّ بها في الأثناء الإمام موسى ابن جعفر الكاظم عليهماالسلام ، فقال لها : « لمن هذه الدار ؟ » ، فقالت الجارية : لمولاي بشر ، ثم سألها ثانيةً : « أمولاكِ حُرّ أم عبد ؟ » ، فقالت : لا بل حُرّ ، فقال لها الإمام : « صدقتِ ، لو كان عبداً لأطاع ربه ».
فاستبطأها بشر ، فقال لها : ما الذي استبطأك ؟ فقالت : مرَّ بي رجل كذا وكذا صفته ، فسألني عن الدار ؟ فقلت : لمولاي بشر ، فقال لي : أمولاكِ حرّ أم عبد ؟ فقلت : لا بل حرّ ، فقال : صدقتِ ، لو كان عبداً لأطاع ربه ».
فقال بشر : ذاك مولاي موسى بن جعفر عليهالسلام ، فخرج حافياً في الأثر ، فأدركه ، فقال : مولاي هل من توبة ؟ قال : « بلى ، من تاب ، تاب الله عليه » (٢).
___________________________________
١ ـ مراقد المعارف ، محمد حرز الدين : ١ / ١٩١ ـ ١٩٤.
٢ ـ منهاج الكرامة : ص ٣٢ ، منتهى الآمال : ج ٢ ص ٢٩٩.
فأقلع عمّا كان يأتي من المنكرات ، وأصبح من زهّاد زمانه ، أو بهذا المعنى.
والقبر قد لا يكون لبشر ، وإنّما لبشّار ، ولكنّ قولنا عن المقصد ، فالقبر غير مندرس ، وعليه بناء ، ويسرج فيه ، ويزار ويقصد ، ويصلّى عنده ، وترى النذور على قبره ، وكلّ هذا مردود ؛ لِما جاء من الأحاديث في الصحاح والمسانيد :
١ ـ في حرمة البناء على القبر.
٢ ـ وحرمة التجصيص ، وارتفاع القبر عن سطح الأرض.
٣ ـ وحرمة الإسراج والزيارة.
٤ ـ والصلاة تشبّهاً باليهود والنصارى.
ولكن ، يظهر أنّ هذه الأحاديث وضعت خصيصاً للقبور التي تخصّ الشيعة !!
مرقد النبيّ يونس بن متّي عليهالسلام
يقع هذا المرقد الشريف في مدينة الموصل العراقية ، وهي من المدن الشمالية ، وهو على مرتفع ، عليه بناء فخم ، ومأذنة طويلة قديمة ، وقد جدّدت وزارة الأوقاف بناءه بالحجر المرمر الأبيض ، وتحيط به غرف عديدة للزوار ، والوصول إليه يوجب المشقّة...
ومدينة الموصل تعجّ بمثل هذه المراقد الشريفة ، وتمتاز بالبناء ، والخدمة ، وغالباً ما تكون ملحقة بالقبور ، تيمناً ، ومجاورةً ، والمحافظات الشمالية يكثر فيها مراقد ومَشاهد الصلحاء وأبناء العترة الطاهرة...
وقد تشرَّفَت بمثل هذه المراقد محافظة كركوك ، وهي من المحافظات الشمالية ، وتشتهر بالنفط.
وخلاصة القول : إنَّ البعض من هذه المراقد امتدّت إليها يد التخريب ، وشاءت الإرادة الإلهية في بعضها أن تظهر الكرامة ، وتفرض نفسها ، كما هو الحال في مرقدِ « أبو شيبة » في مدينة بغداد ، حافظ القاضي ، ساحة الغريري.
مراقد المعارف في الدول العربية والإسلامية
ما أكثر مراقد الأنبياء والأوصياء والأولياء والصحابة والصالحين في البلدان الإسلامية والعربية ، وإحصاؤها يحتاج إلى كتاب مُستقل ، فسوريا والأردن ، وبلدان فلسطين ، وتركيا ، ومصر ، والعراق ، وإيران ، وشمال أفريقيا فيها الكثير الكثير ، والهند وباكستان وأفغانستان ، وغيرها.
وأمّا الجزيرة العربية فقد تشرّفت بمرقد سيّد العرب والعجم من الأولين والآخرين محمدٍ صلىاللهعليهوآله والأئمة الهداة الميامين عليهمالسلام ، وابنته الصدّيقة الطاهرة سيدة نساء العالمين ، صلوات الله عليها وعلى أبيها وبعلها وبنيها ، ومرقد عمّه العباس والحمزة أسد الله وأسد رسوله سلام الله عليه ، ومراقد الخلفاء والشهداء في البقيع واُحُد ، ومراقد إسماعيل واُمّه هاجر وسبعين نبياً صلوات الله عليهم ، ومرقد اُمّنا حواء في مدينة جدّة ، وفي خبرٍ : مرقد أبينا آدم عليهالسلام في جبل أبي قُبيس ، وقيل : نقله نوح عليهالسلام حيث النجف الأشرف إلى جواره وجوار علي بن أبي طالب عليهالسلام...
فمثلاً في سوريا ما تعرّض أحدهم إلى بناء أو إصلاح قبر معاوية بن أبي سفيان إلّا وأصابه الانتكاس ، فقبره مهمل في خربة نتنة ، بينما قبر زينب بنت علي بن أبي طالب عليهاالسلام ، وقبر رقية بنت الحسين عليهاالسلام روضتان من رياض الجنّة يقصدهما الاُلوف من أنحاء العالم الإسلامي.
وإذا أردنا أن نستقصي المراقد فهي كثيرة
، منها هنا وهناك ، فلماذا هذه
الضجّة المفتعلة ، وأنتم تصرفون المليارات على بناء اللواحق هنا وهناك في مكّة والمدينة المشرَّفة ؟
أليس على قبر النبيّ صلىاللهعليهوآله القبة الخضراء ؟!
أليس على قبره المآذن والمسقفات ؟!
أليس بين قبره ومنبره أقدس البقاع : « بين قبري ومنبري روضة من رياض الجنّة » (١).
أليس في جواره المسجد الشريف حيث يصلّىٰ فيه ؟!
أو ليس يستضاء المسجد المجاور للقبر الشريف بالمصابيح ؟!
أليس الناس تزوره وتزور ضجيعيه وتسلّم عليهم ؟!
أليس هذا فيما حلّلتموه وأجزتموه لأنفسكم ؟!
فلِمَ تُكَفِّرون من يزور أبناء الأنبياء ؟!
ولمَ تكفرون من يزور الآباء والأُمّهات ؟!
أليس الله تعالى أجاز نبيه صلىاللهعليهوآله زيارة قبر اُمّه عليهاالسلام وهو القائل : « كنت قد نهيتكم عن زيارة القبور ، فزوروها فإنّها تذكركم الآخرة ».
والحديث روته الثقات ، وأثبته العلماء في صحاحكم ؟!
فلِمَ تكفّروننا وتنسون أنفسكم ؟!
تطوفونَ بالحجر وهو مقبرة ، وتصلّون إليه ، وتسرجون عليه ،
___________________________________
١ ـ صحيح مسلم : ج ١ ص ٢٠٧ ، صحيح البخاري : ج ٩ ص ١٣٧ الحديث : ١٣٩٠ ، ويأتي في ص ٤٧.
وتقولون : عبّاد القبور ، زوّار القبور كفرة ؟!
ألم يأمر النبيّ صلىاللهعليهوآله بأن تُخرجوا الكفّار من الجزيرة العربية ؟!
فلماذا بنيتم لهم قاعدة ، وقواعد ، ليضربوا العرب والمسلمين ؟
ما هكذا الظنّ بحماة الإسلام وسدنة الحرمين ؟!
اتقوا الله وكونوا مع الصادقين.
أليس علي بن أبي طالب عليهالسلام رابع الخلفاء بحساباتكم ؟
أليس الحسن بن عليه عليهالسلام تولّى الخلافة بعد أبيه ؟
أليس الحسين بن علي عليهالسلام أحد سيّدَي شباب أهل الجنّة وريحانة رسول الله صلىاللهعليهوآله ؟!
فلماذا : تُحرِّمون زيارتهم ، وتُكفّرون زوّارهم ؟
أليس الله تعالى دعا الجميع إلى الاعتصام بحبله ودينه ؟ ( وَاعْتَصِمُوا بِحَبْلِ اللَّـهِ جَمِيعًا وَلَا تَفَرَّقُوا ) (١).
أليست أعمالكم هذه وأقوالكم مَدعاةً للتفرقة والاختلاف ؟
ونحن المسلمين بأمسّ الحاجة إلى الوحدة والاجتماع بما يمرّ بنا من شراسة الأعداء ، وما تكتنفنا من المشكلات !
دَعُوا هذه الافتراءات ، وأسباب الفرقة !
وأمّا في مصر العزيزة ، حيث رأس الحسين عليهالسلام الذي طافت به بنو اُمية الأمصار لتلقي الرعب في قلوب الناس ، والمسجد المحزون المعروف
___________________________________
١ ـ آل عمران ١٠٣.
بمسجد الحسين عليهالسلام ، ومسجد زينب عليهاالسلام ومرقدها وقبور الصالحين من الأقطاب فعامرة تزار وعليها يد تدير شؤونها ، وتحفظ كرامتها وقداستها ، وهي مبعث الإشراق والنور ، حيث جوارها جامع الأزهر والحوزة الكبرى المحفوظة العامرة ، ما سمعنا يوماً تعرض لها أحد من السَّوَقة وغيرهم بالضرر ومساس كرامتها ، ولا من ذوي السلطة والسلطان...
أليست مصر الإسلامية ؟
أليست هي أكبر دولة عربية ؟
أليس فيها علماء ؟ أليس فيها مذاهب ؟
فلماذا انفردتم في معاداة أهل البيت عليهمالسلام وهدمتم قبورهم في البقيع ؟!
ولماذا تشنّون الغارت على المدن المقدسة في العراق ؟
ولماذا تتآمرون على الشعب العراقي وبالخصوص على الشيعة منهم ؟
ما هكذا الظن بكم يا مَن تدّعون أنّكم أدعياء العروبة و حماة المسلمين... !!
الذَّهب
مسألة الذّهب تطرّق إليها الأوّلون ، كما تناولها المتأخرون ، في باب الهدايا الموجودة في الكعبة المشرقة وفي المراقد المقدسة في النجف الأشرف ، وكربلاء المقدسة والكاظمية وسامراء ، وفي الحقيقة أنّ الجهل مبعث الخطايا ، والخطايا مبعث المشاكل والمآسي والآلام ، وما وقع على مرِّ الزمان يندى له الجبين.
فالإسلامُ يقولُ : ( لَا إِكْرَاهَ فِي الدِّينِ قَد تَّبَيَّنَ الرُّشْدُ مِنَ الْغَيِّ ) (١).
وأعداء الإسلام يقولون ويجتهدون بما لا يعلمون ، فكانت الدماء ، وكانت المآسي ، وكانت الفرقة ، ولا زالت بسبب الحقد والحسد والجهل والنفاق ، وكان الذّل الذي لحق المسلمين ، حيث أصبحوا اُسارى الحضارة المادية.
وتآمُر الصهيونية العالمية ، بعد أن استطاع المسلمون خلال عقدين من الزمن أن يبسطوا نفوذهم على ربع الكرة الأرضية ، بالعلوم والآداب الربانية والوحدة الحقة ، في الهدف والمصير ، ينشدون رضا الله وسعادة الآخرين.
ففي الكعبة الشريفة هدايا ثمينة من الذهب والفضّة على شكل الحيوانات ، كالغزال ـ مثلاً ـ ، اُهديت لها من قديم الزمان ، ومن يراجع التاريخ في هذا الباب يجد محاولات كثيرة باءت بالفشل لاخراجها والإستفادة منها.
___________________________________
١ ـ البقرة : ٢٥٦.
اجتهادُ الخليفة في حُلي الكعبة الشريفة
١ ـ ذُكر عند عمر بن الخطاب في أيامه حُليّ الكعبة وكثرته ، فقال قوم : لو أخذته فجهّزت به جيوش المسلمين كان أعظم للأجر ، وما تصنع الكعبة بالحُليِّ ؟
فهمَّ عمر بذلك ، وسأل عنه أمير المؤمنين عليهالسلام ، فقال : « إنّ هذا القرآن اُنزل على محمدٍ صلىاللهعليهوآله ، والأموال أربعة :
أموال المسلمين فقسَّمَها بين الورثة في الفرائض ، والفيء فقسَّمَه على مستحقّيه ، والخمس فوضعه الله حيث وضعه ، والصدقات فجعلها الله حيث جعلها ، وكان حُليّ الكعبة فيها يومئذٍ فتركه الله على حاله ، ولم يتركه نسياناً ، ولم يخفَ عنه مكاناً ، فأقرّه حيث أقرّه الله ورسوله » ( ١ ).
فقال عمر : لولاك لافتضحنا. وتَرَكَ الحُليَّ بحاله.
٢ ـ عن شقيق ، عن شيبة بن عثمان ، قال : قعد عمر بن الخطاب رضياللهعنه في مقعدك الذي أنت فيه ، فقال :
لا أخرج حتى اُقسّم مال الكعبة بين فقراء المسلمين ، قال : قلت : ما أنت بفاعل ؟
قال : بلى ، لأفعلن.
قال : قلت : ما أنت بفاعل.
قال : لِمَ ؟
___________________________________
صحيح البخاري : ٢ / ٢٩١ ، عالم الكتب ، باب كسوة الكعبة والبخاري ـ نهج البلاغة : ٢ / ٢٠١ ، ٥٢٣ ، رقم ٢٧٠ ، وباللفظ الذي ذكرناه.
قلت : لأنّ رسول الله صلىاللهعليهوآله قد رأى مكانه وأبوبكر عليهالسلام ، وهما أحوج منك إلى المال فلم يخرجاه.
فقام فخرجَ.
لفظٌ آخر : قال شقيق : جلست إلى شيبة ، فقلت : إنه كان لك صاحبان فلم يفعلاه :
رسول الله صلىاللهعليهوآله وأبوبكر رضياللهعنه ، فقال عمر :
هما المرآن أَقتدي بهما.
٣ ـ وعن الحسن : أن عمر بن الخطاب رضياللهعنه قال :
لقد هممت أن لا أدع في الكعبة صفراء ولا بيضاء إلّا قسّمتها ، فقال له اُبي بن كعب : والله ما ذاك لك.
فقال عمر : لِمَ ؟
قال : إنَّ الله قد بيّن موضع كل مال وأقره رسول الله صلىاللهعليهوآله.
فقال عمر رضياللهعنه : صدقت (١).
والجدير بالذكر أنّنا رأينا في زماننا هذا من يطالب بالأموال والهدايا المهداة لضرائح الأئمة وأبي الفضل عليهمالسلام ، ذلك عبدالسلام محمد عارف المقبور ، رئيس الجمهورية العراقية سنة ( ١٩٦٣ م ).
ولكنّ الله تعالى أماته بين السماء والأرض ، وأنزله محروقاً في الدنيا
___________________________________
١ ـ صحيح البخاري : ٣ / ٨١ كتاب الحج باب الكعبة ، وفي ٦ / ٢٦٥٥ ح ٦٨٤٧ ، باب الاعتصام أخبار مكّة للأزرقي : ١ / ٢٤٦ ، سنن أبي داود : ١٠ / ٣١٧ ، وسنن ابن ماجة : ٢ / ٢٦٩ سنن البيهقي : ٥ / ١٥٩ ، فتوح البلدان للبلاذري : ٥٥ ، نهج البلاغة : ٢ / ٢٠١ ، الرياض النضرة : ٢ / ٢٠ ، ربيع الأبرار للزمخشري : ٤ / ٢٦ ، الباب الخامس والسبعون ، تيسير الوصول : ٣ / ٣٦٧ ح ٧ ، فتح الباري : ٣ / ٣٥٨ ، كنز العمال : ٧ / ١٤٥ ، ط مؤسسة الرسالة.
قبل الآخرة في سفره إلى البصرة جنوب العراق.
ولست أدري ما السرّ الذي دعا حاكم العراق أن يضرب قبة أمير المؤمنين علي بن أبي طالب عليهالسلام بالمدفع ثماني قذائف أحدثت ثقوباً فيها كبيرة ، وضرب الضريح المقدس بقذائف البازوكا ؟
وهكذا ضربت المآذان وهتكت حرمت الشهداء ، ودخلت الدبابات الثقيلة الحرم الشريف لأبي عبدالله الحسين عليهالسلام ، والشهداء وحرم أبي الفضل العباس عليهالسلام ، ثم أجرى الإصلاحات عليها.
وإذا كانت المسألة والعذر المفتَعَل هي وجود معارضة متحصّنون فهل كان المعارضون فوق القبة وفي برج الساعة أو على المآذن ؟
وإن كانوا هناك فهل كان المعارضون داخل الأضرحة المشبّكة حتى تضرب ؟! ولا زالت آثار الإطلاقات شاخصة على الضريح والجدران في الحرمين الشرفين : حرم سيد الشهداء وسيد شباب أهل الجنّة ، الحسين الشهيد عليهالسلام ، وحرم أبي الفضل العباس عليهالسلام.
وهذا دليل الحقد الدفين ، والحسد الواضح ، والحرب القائة ضدّ أهل البيت عليهمالسلام وأتباعهم ، والتي تنتهي بمحاربة الحجة المهدي عجّل الله فرجه.
الميزاب
ميزاب الكعبة من الذهب الخالص يراه الحاجّ من جهت الحجر ، وذكر صاحب موسوعة العتبات المقدسة : قسم مكّة المكرمة : ( ويبرز إلى خارج الجدار من تحت قمّة الجدار الشمالي الغربي الميزاب المذهَّب الذي تلتحق به زائدة صغيرة تسمى « لحية الميزاب ». ويطلق على الميزاب اسم « ميزاب الرحمة » ، كما تقع القبلة المضبوطة ما بين الميزاب هذا والركن الغربي ) (١).
وكثيراً ما تعرّض هذا الميزاب إلى القلع ، ولكن شاءت الإرادة الإلٰهية أن يبقى خالداً على مرَّ الدهور والأزمان ، وإلى يومنا هذا ، فما الضير والحال هذه أن نرى قباب أولياء الله مكسوّة بالذهب ؟
فإن ما يصرف على بناء العمارات والأسواق والمشاريع الشخصية والخاصّة ما يساوي أضعاف أضعاف تكليف الكسوة هذه ، ولكن هو الجهل المركّب بالحقد والحسد...
أموال تذهب إلى الأعداء من قوت المسلمين كالساقية لا أحد يعترض عليها ! أمّا أن يتبرع الناس طواعية لهذه الأماكن فهو كفر ، وخروج عن ربقة الإسلام ، لله دركم ما هذه الأحكام الجائرة ؟!
وما هذه المفارقات المؤلمة ؟
___________________________________
١ ـ موسوعة العتبات المقدسة ، جعفر الخليلي ، قسم مكّة المكرمة : ٢٣٦.
ذالعدوّ يسلب ويقتل ، ويحكم بالحديد والنار ، وأنتم لا شغل شاغل لكم إلّا صيحاتكم : عباد القبور ، زوّار القبور !
وهذه بلاد العرب والمسلمين تُستَعمَر ، وتُهدم بيوتها على رؤوس أهلها في فلسطين وأفغانستان ، ومن قبل...
والواجب يحتِّم على جميع المسلمين توحيد الكلمة ، وترك دواعي الفرقة المنافية للإسلام ؛ ليتمكّنوا من الوقوف إلى جانب إخوانهم المظلومين.
قُبَّة الصّخرة
القبّة المبنية على الصخرة التي اُسري بالنبي الكريم صلىاللهعليهوآله إليها ، ومنها إلى قاب قوسين أو أدنى ، كما قال تعالى : ( سُبْحَانَ الَّذِي أَسْرَىٰ بِعَبْدِهِ لَيْلًا مِّنَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ إِلَى الْمَسْجِدِ الْأَقْصَى الَّذِي بَارَكْنَا حَوْلَهُ لِنُرِيَهُ مِنْ آيَاتِنَا إِنَّهُ هُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ ) (١) ، مكسوّة بالذهب الخالص ، محفوظة بعين وعناية الخالق جلَّ وعلا.
وما يحدث الآن حول المسجد الأقصى إلّا إرهاصات لظهور الحق وإزهاق الباطل ، والعالم الذي يدّعي التمدّن والتحضّر اتّخذ موقف المتفرج سيشهد هو الآخر كيف أنّ المسلمين سيدخلون المسجد كما دخلوه أول مرّة ، كما قال سبحانه وتعالى : ( فَإِذَا جَاءَ وَعْدُ الْآخِرَةِ لِيَسُوءُوا وُجُوهَكُمْ وَلِيَدْخُلُوا الْمَسْجِدَ كَمَا دَخَلُوهُ أَوَّلَ مَرَّةٍ وَلِيُتَبِّرُوا مَا عَلَوْا تَتْبِيرًا ) (٢).
مع قوّة وحداثة السلاح المتطوّر عند العدو ، وما يمتاز به من الشراسة وكثرة الأتباع...
حيث لا تنفع الجاسوسية والعمالة ، ولا الأقمار الصناعية والرؤوس النووية ، ولا الدعاية الكاذبة...
وقد جاء في البداية والنهاية في التاريخ لابن كثير القرشي الشيء الكثير عن قبة الصخرة وبانيها ، ومن شاء فليراجع موسوعة العتبات المقدسة قسم القدس (٣).
___________________________________
١ ـ الإسراء : ١.
٢ ـ الإسراء : ٧.
٣ ـ البداية والنهاية
في التاريخ ، لإبن كثير القَرشي : ١ / ٣٠٨ ، وموسوعة العتبات المقدّسة لمؤلفه
القباب والمآذن الذهبية
أ ـ في النجف الأشرف :
قبّة الذهب التي تعلو قبر آدم ونوح وعلي بن أبي طالب عليهمالسلام ، تعرضت على مرِّ التاريخ إلى محاولات ومحاولات لا تمتّ إلىٰ الدين والقيم الإنسانية والأخلاقية بصلة ، وآخرها كان في بداية التسعينات من هذا القرن ، حيث انتفض الشعب في العراق على النظام الصليبي الماسوني ، ولمّا رأى الأسياد أنّ العراق يكاد يسقط بنظامه العميل ، نزل بثقله وبأسلحته الفتّاكة وعملائه ، فحال دون سقوط هذا النظام الحاقد الذي يحمل العداء للإسلام المتمثّل بمذهب أهل البيت عليهمالسلام ، فجاء بجيشه ، وبدلاً من أن يوجّهه إلى إسرائيل وجّهه إلى النجف الأشرف وكربلاء ، وأمطرها بصواريخ أرض أرض ، ودخلها بدباباته الثقيلة وقواته من الحرس الجمهوري وأفراد من اليزيدية الذين لا يعرفون الدين ولا يُعيرون للقيم والمبادئ والمقدسات أي اعتبار ، وقد رأيت المدفع الذي ضُرِبت به القبة الشريفة ، وكيف أحدثت القذائف المدفعية ثقوباً فيها ، وقد صُوّرت تلك الفاجعة باُسوب وحشي همجي بالفيديو واحتُفظ بها وثيقة دامغة ، وإن كانت الوثائق لا تنفع مع قوم لا دين لهم ولا أخلاق ، ولا قيم ولا أعراف ، لِمَا يكنّه هذا النظام ـ صنيعة الغرب الكافر ـ من العداء السافر للدين
___________________________________
جعفر الخليلي وكتاب الاُنس الجليل بتاريخ القُدس والخليل ، للقاضي مجير الدين الحنبلي : ١ / ١٠٤. وتاريخ القدس ، عارف باشا العارف ، دار المعارف بمصر ، وكتبٌ اُخرى...
والمسلمين والمقدسات ، وفي لغة الكتّاب : المرتزقة...
إنّ هذا المرقد ليس لعلي بن أبي طالب عليهالسلام ، فإن كان ذا حقاً فلِمَ يضرب بالصواريخ والمدافع ؟ ولِمَ لمْ تضرب قباب أبي حنيفة والگيلاني ، والمراقد السالفة الذكرِ في بغداد وغيرها من المدن العراقية ؟
هكذا يسفر الباطل عن وجهه القبيح ، ويدلّ على بطلانه.
دخلت الصحن الشريف ، وعلى مقربة منه شاهدتُ الجثث المحترقة بالأسلحة الكيمياوية والأشلاء المقطّعَة من الأبرياء صغاراً وكباراً ، ولا يتجرّأ أحد التقرب إليها أو تغطيتها أو نقلها لدفنها ! فأين إسلامكم يا أدعياء الإسلام وأعداءه ؟!
كما رأيت داخل الصحن الشريف الدُخان المنبعث من برج الساعة ، ودخلت قريباً من باب الذهب فوجدت الثريات والفرش القديمة النادرة قد اختلطت بالدماء ، والضريح المقدس أصابته قذيفة ! ونُهبت الحضرة بما فيها من آثار وهدايا ، وسُرقت كتب مكتبات النجف المخطوطة النادرة ! وذهب بها السُرّاق : إمّا إلى المحروقة ، وإمّا إلى أيدي الأسياد ، وهكذا تسقط الأقنعة ، وتقلّ حيلة الباطل ، وإنّ يوماً لِناظره لَقريب.
ب ـ في كربلاء المقدّسة :
منذ مئات السنين ، وهذه القباب مصدر خوف وقلق.
فمرّةً فتح أعداء الله والدين والملّة
الماء عليها ، واُخرى حرثوها ، وثالثةً هجموا عليها وأحرقوا ما يمكن إحراقه ، وقتلوا من وقف بوجوههم
من غير أن يتّعظوا ويأخذوا العبر !
إنَّ تحت هذه القباب مفاعلات نووية من شكل حديث ، وإنَّ على هذه المآذن رؤوساً نووية من شكل جديد ، تستمدّ منها القلوب والأرواح والعقول الطاقة والقوّة الخارقة ، فإنَّ تحتها أجساداً كريمة شريفة ترفرف حولها أرواح أبية ، أبت الضيم ، وصرخت بصوتٍ عالٍ :
« إنّي لا اُعطيكم بيدي إعطاء الذليل... » (١).
« إنّي ما خرجت أشراً ولا بطراً ، ولكنّي خرجت لطلب الإصلاح في أمة جدّي محمدٍ صلىاللهعليهوآله... » (٢).
والذي يقرأ التاريخ يجد أنّ الطغاة لم يكتفوا بقطع الرؤوس وترك الأجساد على الرمضاء فحسب ، وإنّما حاولوا كثيراً طمس كلِّ ما من شأنه الثورة والثائرين على الباطل ، ودرسَ معالم الدين الذي جاء لإحقاق الحق وإزهاق الباطل ، ويأبي الباطل على مرِّ الزمان إلّا أن يكشف عن وجهه القبيح ؛ لكي لا يترك لنفسه حجة بعدها يحتج بها ، وقد ظهرت كرامات وآيات بيّنات للعدوّ الظالم المتعجرف في أفراده وقياداته ، سيكشف عنها المستقبل القريب ، وكيف أنّهم مُسخوا ، وابتلوا بأمراض مستعصية : ( وَسَيَعْلَمُ الَّذِينَ ظَلَمُوا أَيَّ مُنقَلَبٍ يَنقَلِبُونَ ) (٣)
( وَالْعَاقِبَةُ لِلْمُتَّقِينَ ) (٤).
___________________________________
١ ـ تاريخ الطبري : ٥ / ٤٢٥.
٢ ـ المناقب لابن شهرآشوب : ٣ / ٢٤١.
٣ ـ الشعراء : ٢٢٧.
٤ ـ الأعراف : ١٢٨ ؛ والقصص : ٨٣.
دخلت الدبابات إلى صحن الحسين عليهالسلام ، ودخل الجنود المدجّجون بأحدث الأسلحة لمحاربة الجدران والأبواب والأضرحة والأسماء ، أسماء أهل البيت عليهمالسلام !
والزائر اليوم يرى ذلك في ضريح الإمام الحسين عليهالسلام ، ترى ذلك في لوحات الدعاء والزيارة ، يراها في أسماء الشهداء الذين استشهدوا يوم الطف ، ..
ولكن نسأل هؤلاء : ماذا كسبتم غير العار في الدنيا والنار في الآخرة... ؟!
أهذه حرمة أهل البيت عليهمالسلام ؟!
أهذه المودّة التي فرضها الله على الناس في قوله تعالى : ( قُل لَّا أَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ أَجْرًا إِلَّا الْمَوَدَّةَ فِي الْقُرْبَىٰ ) (١) ؟!
أهكذا يُخلَّف رسول الله صلىاللهعليهوآله في أهل بيته عليهمالسلام الذين أذهب الله عنهم الرجس وطهّرهم تطهيراً ؟!
الآباء قَتَلوا أبناء الرسول صلىاللهعليهوآله ، والأبناء اليوم ضربوا قبورهم وقتلوا وذبحوا وشرّدوا مواليهم ومحبيهم وشيعتهم ودفنوا الكثير منهم في مقابر جماعية ؟!
فإذا كنتم لا تؤمنون بحرمة القبور ، وزيارة القبور ، وحرمة أبناء الأنبياء والصالحين ، فلماذا لا تفعلون بالمراقد الأخرى كما فعلتم وتفعلون بمراقد أهل البيت عليهمالسلام ؟!
___________________________________
١ ـ الشورى : ٢٣.
إنّه الإيمان والكفر ، إنّه الخير والشرّ ، إنّه الحقّ والباطل ، ولابد للخير يوماً أن ينتصر.
ولابد للحق أن يعلو ، ولابد للباطل أن يزهق ، قال تعالى : ( إِنَّمَا نُمْلِي لَهُمْ لِيَزْدَادُوا إِثْمًا وَلَهُمْ عَذَابٌ مُّهِينٌ ) (١).
١ ـ كم وضعتم من الأحاديث ؟
٢ ـ وكم زوّرتم من الحقائق ؟ وكم تركتم وكتمتم ؟
٣ ـ وكم حذفتم من التاريخ ؟ وكم تلاعبتم بالألفاظ ؟
٤ ـ وكم افتريتم على الله وعلى الرسول صلىاللهعليهوآله ؟
٥ ـ كم قتلتم الأبرياء بحجة زيارة القبور ؟ وكم هتكتم الأعراض ، وسلبتم ونهبتم الأموال من أصحابها بحجةِ عبادة القبور ؟
هذه إسرائيل ، وعلى مرأىٰ ومسمعٍ منكم تفعل الأفاعيل وتهدم الدور والقصور على رؤوس أهلها ؟
وتقتل النساء والأطفال والشيوخ ، وتشن حرباً شعواء على الشعب الفلسطيني واللبناني ، والشعوب العربية والإسلامية ، وأنتم ملجمون بلجام من نار ؛ لكي لا تهتزّ عروش الأسياد ، وتذهبَ من أيديكم الأرزاق والنِعَم التي استوليتم عليها من أصحابها بالقهر والقسر والقمع والغضب... !!
___________________________________
١ ـ آل عمران : ١٧٨.