الشيخ عبدالأمير عبدالزهره « أبو علي البصري »
الموضوع : سيرة النبي (ص) وأهل البيت (ع)
الناشر: انتشارات المكتبة الحيدريّة
الطبعة: ٠
ISBN: 964-8163-14-6
الصفحات: ٢٨٨
يبو صالح جزاك العتب واللوم |
|
تظل صابر على أخذ الثار لليوم |
يا هو المن هلك ما راح مظلوم |
|
يو مذبوح يو مچتول بالسم |
* * *
عجب كل العجب منك يمحجوب |
|
ما تنهض تجيم اعليها الحروب |
نسيت اللي سبوها اوگطعت ادروب |
|
يو ناسي الضلع لمّن تهشّم |
* * *
گضه بالسم يويلي العسكري اليوم |
|
مات الحسن يا هلناس مسموم |
گعده عنده اوليده بگلب مالوم |
|
يگله اوداعة الله والدمع دم |
* * *
قال القطب الراوندي : وأمّا الحسن بن علي العسكري عليهالسلام فقد كانت أخلاقه كأخلاق رسول الله صلىاللهعليهوآله .
ابوه : علي بن محمد الهادي ، الامام العاشر من أئمة اهل البيت الذين اذهب الله عنهم الرجس وطهّرهم تطهيرا .
أُمه : سليل مسلولة من الآفات والأرجاس والأنجاس .
نشأته : لقد نشأ الإمام الزكي أبو محمد في بيت القرآن ، ومركز الإسلام وكان أبوه الهادي عليهالسلام عملاق هذه الأُمة يغذيه بهديه ويفيض عليه بمثله ليكون امتداداً ذاتياً لرسالة الاسلام حتى قال في حقّه والده علي بن محمد العسكري : «أبو محمد ابني أصح آل محمد صلىاللهعليهوآله غريزة وأوثقهم حجة ، وهو الأكبر من ولدي ، وهو الخلف وإليه تنتهي عرى الإمامة وأحكامنا » (١)
______________________
(١) أعيان الشيعة ٣ ، ٤ / ٢٩٥ .
عبادته :
كان الامام ابو محمد عليهالسلام أعبد أهل زمانه وأكثرهم طاعة لله تعالى وكان يحيي لياليه بالصلاة وتلاوة الكتاب والسجود لله ، فقد قال محمد الشاكري : كان الامام يجلس في المحراب ويسجد فأنام وانتبه وهو ساجد . وكان الامام عليهالسلام يتجه في صلاته بقلبه ومشاعره نحو الله عزّ وجل .
قال ابو هاشم الجعفري كان الامام الحسن عليهالسلام يصوم في السجن فإذا أفطر أكلنا معه من طعام كان يحمله غلامه إليه في جونة مختومة .
دخل العباسيون على صالح بن وصيف عندما حبس ابو محمد عليهالسلام فقالوا له : ضيّق عليه ولا توسع ، فقال صالح : ما اصنع به وقد وكلت به رجلين شر من قدرت عليه فقد صارا من العبادة والصلاة والصيام إلى أمر عظيم ، ثم أمر باحضار الموكلين فقال لهما : ويحكمها ما شأنكما في أمر هذا الرجل ؟ فقالا له ، ما تقول في رجل يصوم النهار ويقوم الليل كلّه لا يتكلّم ولا يتشاغل بغير العبادة ، فإذا نظر إلينا ارعدت فرائصنا وداخلنا ما لا نملكه من أنفسنا فلما سمع العباسيون ذلك انصرفوا خائبين (١) .
علمه :
يقول في حقه الطبيب المسيحي بخشوع «وهو أعلم في يومنا هذا ممن هو تحت السماء» (٢) وقد وجّهت بعض الأسئلة إلى الإمام الحسن العسكري عليهالسلام فأجاب عنها بعلم منها :
______________________
(١) الإرشاد : ٣٧١ .
(٢) بحار ٥٠ : ٢٦١ .
١ ـ سأله الفهفكي : ما بال المرأة المسكينة الضعيفة تأخذ سهماً واحداً ويأخذ الرجل سهمين ؟
فقال عليهالسلام : لأنّ المرأة ليس لها جهاد ولا نفقة ولا عليها معقلة وذلك على الرجل .
٢ ـ قال الحسن بن ظريف : كتبت إلى أبي محمد اسأله عن معنى قول رسول الله صلىاللهعليهوآله لأمير المؤمنين عليهالسلام : «من كنت مولاه فهذا عليٌّ مولاه» .
فقال عليهالسلام : أراد بذلك أن يجعله علماً ، يعرف به حزب الله عند الفرقة .
٣ ـ قال جعفر بن محمد بن حمزة العلوي : كتبت إلى أبي محمد الحسن بن علي ابن محمد بن الرضا اسأله لم فرض الله تعالى الصوم ؟
فكتب إليّ : فرض الله تعالى الصوم ليجد الغني مسَ الجوع ليحنو على الفقير .
سمو أخلاقه :
كان يقابل الصديق والعدو بمكارم أخلاقه ، وقد ورثها عن جدّه الرسول صلىاللهعليهوآله ، نقل المؤرخون أنه حبس على عهد أحد طواغيت بني العباس ( المتوكل ) وكان شديد العداوة لآل النبي صلىاللهعليهوآله وحاقداً على آل أبي طالب وقد أمر بالتنكيل بالامام والتشديد عليه إلّا أنه لمّا اتصلّ به وشاهد سمو أخلاقه وعظيم هديه وصلاحه انقلب رأساً على عقب فكان لا يرفع بصره إليه إجلالاً وتعظيماً له ، ولمّا خرج الامام من عنده كان أحسن الناس بصيرة وأحسنهم قولاً في الإمام (١) .
قال أحمد بن عبد الله بن خاقان وهو من المخالفين : ما رأيت أنقع ظرفاً ولا أغضُ طرفاً ولا أعف لساناً ولا أوسع كفاً من الحسن العسكري ، وسمعت أبي يقول لو زالت الخلافة من بني العباس ما استحقها أحد من بني هاشم غيره لفضله وعفافه وصلاته وصيامه .
______________________
(١) كشف الغمة ٣ / ٢٠٤ .
كرمه :
محمد بن علي بن ابراهيم بن الامام موسى بن جعفر عليهالسلام قال ضاقت أُمورنا ، فقال أبي : امضِ بنا حتى نصير إلى هذا الرجل يعني (أبا محمد) فإنه قد وصف لنا سماحه ، فقلت له تعرفه ؟ قال ما أعرفه ، ولا رأيته قط ، قال فقصدناه ، فقال أبي في الطريق ، ما أحوجنا إلى أن يأمر لنا بخمسمائة درهم ، مئتي درهم للكسوة ، ومئتي درهم للدقيق ، ومائة درهم للنفقة .
وقلت : في نفسي ليته أمر لي بثلاثمائة درهم ، مائة أشتري بها حماراً ، ومائة للنفقة ، ومائة للكسوة ، فأخرج إلى الجبل ، فلما وافينا الباب خرج إلينا غلامه ، فقال يدخل علي بن إبراهيم ومحمد ابنه ، فلما دخلنا عليه وسلمنا ، قال لأبي : يا علي ما خلّفك عنا إلى هذا الوقت ، يا سيدي استحييت أن ألقاك على هذه الحال ، ومكثا وقتاً يسيراً ثم خرجا فجاء غلام الامام إليهما وناول علياً صرة فيها دراهم كانت حسب طلبته أو ما تمناه وهكذا محمد ثم قال لمحمد لا تخرج إلى الجبل ، وصر إلى سوراء ، فصار إليها فتحسنت أُموره وصار من أثرياء العلويين .
أعطى عليهالسلام احمد بن صالح الكوفي ثلاثة آلاف درهم .
أرسل عليهالسلام إلى أبي هاشم الجعفري مائة دينار وكتب إليه : إن كانت لك حاجة فلا تستحي ولا تحتشم واطلبها فإنّك على ما تحب إن شاء الله .
النص عليه بالامامة :
١ ـ داود بن القاسم الجعفري ( ابو هاشم )
قال سمعت أبا الحسن عليهالسلام
يقول الخلف من بعدي الحسن فكيف لكم بالخلف من بعد الخلف ؟ فقلت ولم جعلني الله
فداك ؟ فقال إنكم لا ترون شخصه ولا يحل لكم ذكر باسمه ، فقلت كيف نذكره ؟ فقال : قولوا الحجة من آل محمد عليهمالسلام (١) .
٢ ـ عبد العظيم الحسني عن الامام الهادي عليهالسلام قال الامام من بعدي الحسن ابني فكيف للناس بالخلف من بعده (٢) .
٣ ـ علي بن مهزيار قال : قلت لأبي الحسن عليهالسلام إن كان كون وأعوذ بالله ، فإلى مَن ؟ قال عهدي إلى الأكبر من ولدي يعني الحسن (٣) .
٤ ـ روى عبد الله بن محمد الاصفهاني قال ، قال أبو الحسن ، صاحبكم بعدي الذي يصلّي عليّ ، قال : ولم نمكن نعرف أبا محمد قبل ذلك فلما مات أبو الحسن عليهالسلام خرج ابو محمد عليهالسلام فصلّى عليه (٤) .
من دلائل الامامة :
١ ـ العلم بالمغيبات بتعليم من الله عزّ وجل : قال محمد بن الحسن بن ميمون : كتبت إلى مولاي العسكري عليهالسلام أشكو الفقر ، ثم قلت في نفسي أليس قال أبو عبد الله عليهالسلام : « الفقر معنا خير من الغنى مع عدونا ، والقتل معنا خير من الحياة مع عدونا » فرجع الجواب : « إنّ الله جلّ وعزّ يمحص ذنوب أولياءنا إذا تكاشفت بالفقر وقد يعفو عن كثير ، وهو كما حدثتك نفسك ، الفقر معنا خير من الغنى مع عدونا ، ونحن كهف لمن التجأ إلينا ، ونور لمن استبصر بنا ، وعصمة لمن اعتصم بنا ، من أحبنا كان معنا في السنام الأعلى ومن انحرف عنا فإلى النار هوى » (٥) .
______________________
(١) اصول الكافي ١ / ٣٢٨ .
(٢) كمال الدين ٢ / ٥٥ .
(٣ و٤) إعلام الورى : ٣٦٨ .
(٥) مناقب ٤ / ٤٢٥ .
٢ ـ علمه بالفقه : روى ابو هاشم الجعفري قال سأل الفهفكي الامام أبا محمد عليهالسلام عن السبب في أخذ الرجل سهمين ، والمرأة تأخذ سهماً واحداً في الميراث فأجابه الامام عليهالسلام : « إنّ المرأة ليس عليها جهاد ولا نفقة ولا معقلة » ، يقول أبو هاشم فخطر في نفسي أن هذه المسألة عين المسألة التي سأل بها ابن أبي العوجاء الامام الصادق عليهالسلام وقد أجابه بمثل هذا الجواب ، فأقبل عليّ الامام ابو محمد ، وقال نعم هذه مسألة ابن أبي العوجاء والجواب منّا واحد إذا كان معنى المسألة واحداً جرى لآخرنا ما جرى لأولنا ، وأولنا وآخرنا في العلم والأمر سواء ، ولرسول الله ، وأمير المؤمنين صلوات الله عليهما فضلهما (١) .
خبر شهادته :
تقول جارية الإمام العسكري صيقل : إنّ الامام العسكري عليهالسلام دعا بولده ساعة احتضاره وكان قد بلغ به الضعف إلى حدٍّ شديد ، بحيث قدّمت إليه الدواء فلم يستطع أن يشرب فقال لي : انطلقي إلى تلك الحجرة وادعي لي ولدي ، تقول صيقل : دخلت عليه فوجدته متوجّهاً إلى القبلة يناجي ربّه ، فقلت له سيّدي إنّ أباك يدعوك إليه ، فأقبل نحو أبيه وسقاه ذلك الدواء وجلس عند رأسه فضمّه الإمام الحسن إلى صدره وقال له ولدي أنت بقية الله في أرضه ... ثم أسبل يديه ومدّد رجليه وفارقت روحه الدنيا مسموماً مظلوماً .
بعد ما ودّع ابنه بگلب مجروح |
|
تشاهد ويل گلبي وطلعت الروح |
ثار اصياح اهل بيته وعلا النوح |
|
اثاري مات اويلي الحسن بالسم |
* * *
______________________
(١) المناقب ٤ / ٤٣٧ .
يبو صالح علينه الهم تلملم |
|
يوم المات ابوك العسچري ابسم |
* * *
ذاك اليوم مدري اشلون من يوم |
|
مرّ اعليك يمشيّم يجيدوم |
طفل واتشوف ابوك الحسن مسموم |
|
ايتگلب والچبد منّه ايتجسّم |
* * *
مات أو أشرفت انته اعلى گبره |
|
او نزّلته بديك او تجر حسره |
بس جدّك بگه ابحرّة الغبره |
|
طريح ابلا دفن عاري الجسم تم |
* * *
ابوك انته الدفنته ابوسط لحده |
|
وانته الوسّدت عالترب خدّه |
او جدّك ظل ثلث تيّام وحده |
|
بالبر والصدر منّه اتهشّم |
* * *
ولصدره تطأ الخيول وطالما |
|
بسريره جبريل كان موكلا |
* * *
ذكرىٰ هدم القبور في ٨ شوال
ولمّا رأين الرأس في رأس ذابل |
|
كبدر الدجىٰ قد لاح في ربعة العشر |
سقطن على حرّ الوجوه لرهبة |
|
وأيقن بالتهتيك والسبيّ والأسر |
وقد قبضت أحشائها بيمينها |
|
عقيلة آل المصطفى أحمد الطهر |
تضمّ عليّاً تارة نحو صدرها |
|
وأُخرى صغاراً هجهجتهم يد الذعر |
وتدعو حسيناً ياابن أُمي تركتني |
|
أعاني الأيامى واليتامى من الضرّ |
ففي مقلتي دمع يدافع مقلتي |
|
وفي كبدي جمر يُبَرَّدُ بالجمر |
سأبكيك عمري يابن بنت محمّد |
|
وأسعد من يبكي عليك مدى عمري (١) |
* * *
على امصابك يخويه لصب دمعي |
|
وخلّي اعليك نوح الليل طبعي |
لحرّم ما يجيس الگاع ضلعي |
|
ولا گلبي بعد فرگاك يستر |
* * *
______________________
(١) علي بن حماد العبدي البصري ، أدب الطف ٤ : ١٨٥ .
يخويه باد حيلي وحگ جدّك |
|
عسن للگاع خدي دون خدك |
يخويه شال راس الدين بعدك |
|
والدنيا اظلمت والكون مغبر |
* * *
لجيم العزه واصبغ هدومي |
|
سود على إخوتي وروس گومي |
||||
نخيت اخوتي ولا جاوبوني |
|
ياهل الحميّه ما تجوني |
||||
|
ومن الضرب ورمن امتوني |
|
||||
لو چان بيدي يا خليصي ابگيت ويّاك |
|
|||||
|
واگعد على گبرك ينور العين وانعاك |
|||||
لچني لو ظليت من يبره اليتاماك |
|
|||||
|
لو طوّح الحادي أو سره او عنّك مشينه |
|||||
أحمى الضائعات بعدك ضعنا |
|
في يد النائبات حسرى بوادي |
||||
* * *
( فِي بُيُوتٍ أَذِنَ اللَّـهُ أَن تُرْفَعَ وَيُذْكَرَ فِيهَا اسْمُهُ ) (١)
______________________
المقدمة :
مسألة البناء على القبور من جملة المسائل التي صار فيها الجدل والنزاع وهل يصحّ لنا أن نرفع البناء على القبر أو لابدّ أن نسوّيه وما هو المراد من التسوية هل يعني درس القبر ومحو أثره البتة . أم يجوز رفعه ولو لشبر أو نحوه . من هنا كان
______________________
(١) سورة النور : الآية ٣٦ .
لابدّ أن نبيّن هذه المسألة ليكون الإنسان على بصيرة من أمره . وقبل أن ندخل في بيان هذه المسألة لابدّ لنا من المرور في الآية الشريفة لننظر ما هو المراد من البيوت التي اذن الله عزّ وجل أن ترفع ؟
ما هي هذه البيوت ؟
سئل النبي صلىاللهعليهوآله أيّ البيوت هذه ؟ فقال : بيوت الأنبياء ، فأشار أبو بكر إلى بيت علي وفاطمة وقال : هذا منها ؟ فقال صلىاللهعليهوآله نعم من أفاضلها (١) . أقول : وقول النبي صلىاللهعليهوآله من أفاضلها تصريحٌ بأنّ بيت عليٍّ وفاطمة عليهاالسلام أفضل من بيوت الأنبياء ومعلوم أنّ شرف البيت بشرف ساكنيه .
العلامة المجلسي قدسسره : ذكر العلامة المجلسي قدسسره المراد من البيوت هي بيوت الأنبياء والأولياء في حياتهم ، وبعد وفاتهم محل قبورهم . من أين أخذ هذا المعنى ؟ لعلّ هذا الحديث المعروف عن الامام الباقر عليهالسلام حينما أقبل إليه فقيه أهل البصرة وكان من العامة ورأى حلقة مجتمعة حول إمامنا الباقر عليهالسلام والناس تسأله وهو يجيب ، فغاضَهُ هذا الموقف ، فقال وتكلّم بكلمات تقطر حسداً لما يتمتع به الإمام الباقر عليهالسلام ، فقال من هذا الذي يحفّ به الناس ؟ لأسألنَهُ مسألة فأخزيته !
فلما اقترب من مجلس الإمام الباقر عليهالسلام وإذا به يرتعد وقد نسىٰ السؤال ، فكلّم الامام عليهالسلام بخضوع وقال إني جلست في مجالس كثيرة ولم يحدث لي ما حدث الآن ! فقال له الامام الباقر عليهالسلام : أتدري بين يدي من أنت ؟ بين يدي بيوت أذن الله أن ترفع . إذن في حياة الأئمة هي بيوتهم الظاهرية التي سكنوها ، فالإنسان
______________________
(١) رواه الالوسي في روح المعاني ١٨ / ١٧٤ ، والدر المنثور ( للسيوطي ) ٥ / ٥٠ ، طبع مصر وفي طبعة أُخرى ٦ / ٢٠٣ ، والحاكم في شواهد التنزيل ١ / ٥٣٤ ، الحديث ٥٦٨ .
يقصدهم ويتوجه إليهم ويسألهم المسائل الدينية وغيرها فيجيبوه ، إذن هذه بيوت العلم والحكمة ، ومن هنا أمرنا القرآن بسؤالهم عند الحَيرة قال تعالى : ( فَاسْأَلُوا أَهْلَ الذِّكْرِ إِن كُنتُمْ لَا تَعْلَمُونَ ) (١) .
وبعد موتهم وشهادتهم عليهالسلام ينبغي على الأُمة أن تهتمّ وتشيد وتبني قبورهم لأنّ الله أمر برفعها لتتميّز عن بقية القبور إعلاءً لشأنهم ، وإشارة للأُمة لمقامهم ومنزلتهم ودرجتهم الرفيعة وهذا هو معنىٰ الرفع الذي أشارت إليه الآية ( أن ترفع ) أي فيه دلالة على أن تكرّم وتعظّم وتشيّد معنوياً وماديّاً في حياتهم وبعد الممات .
ما الدليل على التعظيم بعد الممات ؟
قد يسأل سائل ويقول أنّ النبي صلىاللهعليهوآله حينما تكلّم علي وفاطمة كانا أحياءاً فما الدليل بعد الوفاة ؟ والجواب أنّ النبي صلىاللهعليهوآله فسّرها في بداية الحديث ببيوت الأنبياء ولم يكونوا أحياءاً حين كلامه .
يقول البعض أن تعظيم البيوت شرك ؟!
والجواب على هذه الشبهة أن نقول ، أيأمر الله بالشرك ؟! وقد أمر بأن ترفع في الآية ! حاشا وكلّا ، ولكنّ البعض من المعلمين لعدم تدبّرهم بالكتاب الكريم أو السنّة النبوية الشريفة وبالتالي يقعوا في مثل هذه الاشتباهات ، وعلى سبيل المثال نذكر لكم هذا الشاهد .
______________________
(١) سورة النحل : الآية ٤٣ .
قال النبي صلىاللهعليهوآله لعلي عليهالسلام : « والذي نفسي بيده لولا أن تقول أقوام فيك ما قالت النصارى في عيسى بن مريم لقلت فيك مقالاً لا تمرُّ بأحد من المسلمين إلّا أخذوا التراب من أثر قدميك يطلبون به البركة » (١) .
أليس نفهم من كلام النبي صلىاللهعليهوآله حثّ المسلمين على التبرّك بالتراب الذي يطأه أمير المؤمنين علي بن أبي طالب . فإذا كان التراب الذي يطأه الأولياء فيه هذه البركة فكيف بالبيت الذي يسكنه سنوات طويلة يطأ ترابه بأقدامه الشريفة . كيف لا يكون محلاً للبركات ؟ ومن هنا يعلّمنا الامام الهادي عليهالسلام في الزيارة الجامعة الكبيرة أن نخاطب الأئمة عليهمالسلام : « السلام على مساكن بركة الله » .
ما المراد من الحديث المنسوب للنبي صلىاللهعليهوآله : ( أن لا أدع قبراً مشرفاً إلّا سويته ) .
أولاً : سند هذا الحديث ضعيف بل راويه « أبو الهياج » الذي قال في حقّه أحمد بن حنبل إنّه أخطأ في خمسمائة حديث ، وفي سنده أبو وائل وهو معروف ببغضه لعلي بن أبي الطالب ، ومبغض أمير المؤمنين عليهالسلام في النار ومن أهل النار للروايات الكثيرة فلا نقبل حديث من أحد هو من أهل النار .
ثانياً : أنّ لفظ ( التسوية ) تعني الاعتدال بين الارتفاع العظيم وبين الهدم الماحي للأثر ، والدليل أنّ الشريعة الإسلامية عن طريق الروايات الواردة في هذا المجال تذكر استحباب رفع القبر شبراً أو أربع أصابع عن الأرض وهذا بالنسبة لقبر كل إنسان مسلم فلا يصلح هذا الحديث لمدّعى القوم إلى إمحاء اثر القبر تماماً والتسوية نفهمها بالمعنى الذي أشارت إليه الروايات كما وضحناه لا كما فهم من ذلك الوهابيون .
______________________
(١) مسند أحمد بن حنبل ١ / ١٦٠ ، تاريخ ابن عساكر ١ / ٢٢٦ وغيرهما من المصادر .
ثالثاً : لسنا الشيعة المنفردين بالبناء على القبور ، فهذا قبر إبراهيم عليهالسلام في الأُردن له قباب وأضرحة ، وقبر موسى عليهالسلام بين القدس وعمّان له بناية كبيرة ، وقبر أبي حنيفة ببغداد ، وقبر أبي هريرة وقبر عبد القادر الجيلاني في الأعظمية ببغداد ، فضلاً عن قبور الملوك والعظماء ، ولم يعترض أحد من المسلمين على هذه القبور فالأصل الجواز .
رابعاً : الأهتمام بقبور الأنبياء والأولياء يمثّل حالة حضارية ومدنية لربط الأُمة بعظمائها وتخليداً لذكرى هؤلاء العظماء . ولعلّ القرآن الكريم فيه إشارة إلى هذه المسألة بشكل ما ، حينما يتعرض لقصة أصحاب الكهف ، ويصل إلى كيفية احياء الله لهم من بعد موتهم وهكذا إلى أن اطّلع الناس على حقيقتهم أماتهم مرّة ثانية ، فهنا صار نزاع بين طرفين في أمرهم ، وكان نظر المؤمنين وموقفهم منهم أن قالوا : ( فَقَالُوا ابْنُوا عَلَيْهِم بُنْيَانًا رَّبُّهُمْ أَعْلَمُ بِهِمْ قَالَ الَّذِينَ غَلَبُوا عَلَىٰ أَمْرِهِمْ لَنَتَّخِذَنَّ عَلَيْهِم مَّسْجِدًا ) (١) .
إذن نظر المؤمنين هو بناء المسجد على أصحاب أهل الكهف وليس ذلك إلّا تعظيماً لأمرهم واهتماماً بشأنهم .
نحن نأسف لمّا ننظر إلى قبور ائمتنا في البقيع وقد قام أعداء أهل البيت واتباع الفكرة المنحرفة التي أسّسها ابن تيمية وسار على نهجه الضالّ المبتدع المنحرف محمد بن عبد الوهاب ، وقد قام أتباع هذا المبدأ بهدم قبور ائمتنا في البقيع في الثامن من شوال . بعد أن استمعتم وقرأتم هذه الأدلة الدامغة التي تؤيّد تشييد قبور الأولياء والعظماء حيث أمر الله أن ترفع .
______________________
(١) سورة الكهف : الآية ٢١ .
يا أرض طيبة يا أريج محمد |
|
يا قدس طهّره البقيعُ الغرقد |
أفدي ترابك بالجنان وكيف لا |
|
وبنو علي علىٰ ترابك رقّد |
حسن وزين العابدين وباقر |
|
والصادق البحر الخضم المزيد |
أولاءهم آل النبيّ ومن بهم |
|
نهج النبي وشرعه يتجدّد |
وهم ذوي القربى فويل عند من |
|
آذى بقتلهم النبيّ وألحدوا |
وأبىٰ عليهم أن يُشيّد مرقد لهم |
|
وشيّد للتوافه مرقد |
مهلاً فما مدح الكتاب بجلده |
|
والسيف يبني المجد وهو مجرد |
لابدّ من يوم على أجسادهم |
|
كما لآل الكهف يبنىٰ مسجد |
* * *
أقول انظر إلى مقبرة البقيع ، ومرّة ثانية انظر إلى مرقد يتيمة الحسين عليهالسلام في دمشق السيد رقية التي عمرها (٤) سنوات كيف شيّد لها حرم واسع وقبّة ونلاحظ الآف المحبين الذينَ يفدون لزيارتها والتوسل بها إلى الله عزّ وجل في قضاء حوائجهم وكذلك لاترى إلّا قارئ للقرآن ومصل وراكع وساجد .
وهذه الطفلة كانت قد رأت أباها في عالم
الرؤيا لما كانوا في خربة الشام هذه الخربة التي كان يقول عنها زين العابدين عليهالسلام
: « لا تقينا من حرارة الشمس ولا من برد الشتاء حتى لقد تقشّرت وجوه عمّاتي واخواتي » . في هذه الخربة رأت أباها في عالم الرؤيا وأخذت تتحدث معه بلهفة وبشوق وحرارة وفجأة انتبهت من النوم وإذا بها لا تجد أباها فأخذت بالبكاء ، فسألتها عمتها الحوراء عن سبب بكائها فقالت لها عمة أين والدي ؟ الآن كان معي فبكت الحوراء وبكين النسوة حيث علمن وعرفن أنّ هذه الطفلة رأت أباها في عالم الرؤيا ، ولما ضجّوا بالبكاء ارتفعت اصواتهم ووصل الصوت إلى مسامع يزيد لعنه الله ، فقال
ما الخبر ؟ فقيل له إنّ ابنة الحسين الصغيرة رأت أباها في عالم الرؤيا فهي تريده ، فقال لهم خذوا لها رأس أبيها .
فزت الطفلة او تهمل العين |
|
وتنادي اريدن والدي احسين |
عمه يزينب چان هالحين |
|
يمي او يگلي لا تخافين |
وايده اعلى راسي او تهمل العين |
|
چاوين صار اساع چاوين |
* * *
جاءوا لها برأس أبيها في طبق مغطّى بمنديل ، فلمّا رفعت المنديل وإذا برأس أبيها وقعت عليه تقبله وهي تنادي أبه من للصغير حتى يكبر ، أبه من لليتيمه ... .
يا والدي والله هظيمة |
|
أنه أصير من زغري يتيمه |
اثاري الابو يا ناس خيمه |
|
يفيّ على ابناته وحريمه |
* * *
طفلة المظلوم خرت فوگ راسه اتقبله |
|
|
|
اتصح بوه ضعتني او گبل چنت امدللـه |
|
قرح اجفاني يبويه او ذوّب احشاي اليتم |
|
|
|
من تهل الدمع عيني يضربوني وانشتم |
|
جيت بحماكم عزيزه او لا شفت ذل أو هظم |
|
|
|
وأصبحت بعدك ذليلة فوگ ناگه امهزله |
|
وانحنت فوگه اتشمه او دمعها ابخدها سفوح |
|
|
|
او عن جبينه امسحت دمه او شهگت او غابت الروح |
|
ماتت وراسه ابحجرها والحرم ضجت بنوح |
|
|
|
او كعبة الأحزان گامت والمدامع سايله |
|
* * *
وزينب عليهاالسلام :
يحسين والله حيرتني |
|
حرمه ابجريره كلفتني |
||
|
چا ليش يبن أُمي جبتني |
|
||
هذه يتاماكم تلوذ ببعضها |
|
ولكم نساء تلتجى لنساء |
||
* * *
مجلس عن الامام الهادي عليهالسلام
من مبلغ حيدر الكرار نائبة |
|
لها يشيب قذال الرأس في الصّغر |
يوم به سمّم الهادي بغربته |
|
حتى قضى فتردّى البشر بالكدر |
ما زال يبكي عليه العسكريّ أسى |
|
حتى قضى بعده بالسمّ في الأثر |
لا سرّها الله سامراء كيف حوت |
|
قبرين من آل بيت المصطفى الغرر |
لا سرّها الله إذ أدمت لنا مقلاً |
|
وأحرقت مهجاً بالنار والشّرر |
قد غيّبت ولداً في قبر والده |
|
بدران غابا عن الأبصار في الحُفر (١) |
* * *
مصايب هلك يالمحجوب |
|
من عدها تشوغ الروح |
وحده اتزود عن وحده |
|
البلسمّ مات والمذبوح |
لاچن هظمة الهادي |
|
خلّت كل گلب مجروح |
مات ابديرة الغربه |
|
وابنه على امصابه اينوح |
* * *
______________________
(١) الإمام الهادي عليهالسلام .
يوم اشلون يوم اشضجت أصوات |
|
زلم نسوان يا مكثر العبرات |
يهل تنشد على الهادي گضه او مات |
|
ثالث رجب لو سادس أو عشرين |
* * *
بنفسي مسموماً قضى وهو نازح |
|
عن الأهل والأوطان جمّ المهاضم |
* * *
عن الامام الهادي عليهالسلام يا أبا هاشم أيّ نعم الله تريد أن تؤدي شكرها ؟ رزقك الايمان فحرّم به جسدك عن النار ، ورزقك العافية فأعانك بها على الطاعة ورزقك القناعة فصانك بها عن التبذّل . يا أبا هاشم انما ابتدأتك بهذا لأنّي ظننت أنّك تريد أن تشكو إليّ من فعل بك هذا ، وقد أُمرت لك بمائة دينار فخذها (١) .
المقدمة :
الإمام الهادي عليهالسلام عاشر ائمة أهل البيت الذين أذهب الله عنهم الرجس وطهّرهم تطهيرا ، جدّه الامام علي بن موسى الرضا عليهالسلام ( عالم آل محمد ) ، وأبوه باب المراد الإمام محمد الجواد عليهالسلام ، وأُمه سمانة الغربية التي قال في حقّها إمامنا الهادي عليهالسلام : « إنّ أُمي عارفة بحقّي وهي من أهل الجنة وهي مكلؤه بعين الله ... » ، وكنيته أبو الحسن وألقابه النقي ، الهادي ، انجيب ، المؤتمن ، العسكري ، المتوكل ، وقد ولد في المدينة المنوّرة في منتصف ذي الحجة عام ( ٢١٢ هـ ) ويروى انها كانت في الخامس من شهر رجب وربّما يؤيده التوقيع الصادر من الناحية المقدّسة
______________________
(١) بحار الأنوار ، حياة الامام الهادي .
الدعاء الذي يدعى به في أيام رجب : « اَللّٰهُمَّ اِنّي اَسئَلُكَ بِالْمَوْلُودَيْنِ في رَجَبٍ ، مُحَمَّدِ بْنِ عَليٍّ الثٰاني وَابْنِهِ عَلِيٍّ بْنِ مُحَمَّدٍ الْمُنْتَجَبِ ... » (١) . وقد استدعاه المتوكل العباسي إلى سامراء فمكث فيها عشرين سنة وتسعة أشهر ، وقد عاصر الإمام الهادي عليهالسلام من ملوك عصره ، المعتصم والواثق والمتوكل والمنتصر والمستعين والمعتز واستشهد في يوم الاثنين الثالث من رجب سنة ( ٢٥٤ هـ ) متأثراً بسمّ المعتز العباسي .
نعم الله على الإنسان كثيرة لا تعد ولا تحصى :
القرآن الكريم كلام الله الناطق بالحكمة والموعظة ، وهو قول فصل وما هو بالهزل أشار إلى أنّ نعم الله على الانسان لا تعد ولا تحصى قال تعالى : ( وَإِن تَعُدُّوا نِعْمَةَ اللَّـهِ لَا تُحْصُوهَا ) وأبو هاشم الجعفري من أصحاب الامام الهادي عليهالسلام اسمه داود بن القاسم الجعفري ، نسبه يرجع إلى جعفر الطيّار وهو من المؤمنين والملازمين لأئمة الحقّ والهدى عاصر الامام الرضا عليهالسلام والجواد والهادي والعسكري وأدرك مولانا المهدي لأرواحنا لتراب مقدمه الفداء . هذا الرجل وبسبب ملازمته للإمام الهادي عليهالسلام طاغية زمانه العباسي قطع عطاءه لعلّه ينفضّ عن الإمام ويتركه ، لكنّ أبا هاشم مؤمناً تقيّاً فلم يقطع صلته بالإمام عليهالسلام واحتاج في يوم من الأيام فقصد الامام ليشكوا له الحالة وقد عرف الامام عليهالسلام سبب قدومه فابتدأه الامام عليهالسلام قائلاً : يا أبا هاشم أي نعم الله تريد أن نؤدي شكرها رزقك الايمان فحرّم به جسدك عن النار .
______________________
(١) مفاتيح الجنان ، أدعية شهر رجب .
نعمة الإيمان والولاية لأهل البيت من النعم المهمة :
ابتدأ الإمام الحديث عن هذه النعمة لأهميتها ، إذ بالإيمان يدخل الانسان الجنة ويحرّم جسده عن النار ، الإيمان أخصّ من الإسلام ، ومراد الامام عليهالسلام اعتراف ابو هاشم الجعفري بائمة أهل البيت وطاعته لهم وحبّه وموالاته لهم هذه النقطة مهمّة جداً ، إذ ببركة الولاية لأهل البيت عليهمالسلام تقبل الطاعة المفترضة ، وقد أشار الإمام الهادي عليهالسلام في الزيارة الجامعة الكبيرة وهي من غرر الزيارات الواردة التي يزار بها الأئمة المعصومين حيث أفاد : « بِاَبي اَنْتُمْ وَاُمّي وَنَفْسي ، بِمُوٰالٰاتِكُمْ عَلَّمَنَا اللهُ مَعٰالِمَ دِينِنٰا ، وَاَصْلَحَ مٰا كٰانَ فَسَدَ مِنْ دُنْيٰانٰا ، وَبِمُوٰالٰاتِكُمْ تَمَّتِ الْكَلِمَةُ ، وَعَظُمَتِ النِّعْمَةُ ، وَائْتَلَفَتِ الْفُرْقَةُ ، وَبِمُوٰالٰاتِكُمْ تُقْبَلُ الطّٰاعَةُ الْمُفْتَرَضَةُ ، وَلَكُمُ الْمَوَدَّةُ الْوٰاجِبَةُ ... » .
نعمة العافية :
من جملة النعم الإلهية على الانسان والتي ذكرها الإمام الهادي عليهالسلام لأهميتها هي نعمة العافية إذ لولاها ما استطاع الانسان أن يقوم باداء الواجبات والتكاليف الإلهية ومن هنا أجاب الرسول صلىاللهعليهوآله عمّن سأله ماذا أطلب في ليلة القدر ؟ فأجابه بقوله سل الله العافية ، العافية مهمّة جداً ، ولكن بعض الناس بل كثير منهم يكفر هذه ( مكفورتان الصحة والأمان ) . يقول بعض الناس باللهجة العامية ( ربّ شمنطيني ) .
القناعة :
النقطة الثالثة التي أشار لها الامام الهادي عليهالسلام مسألة القناعة ، من المسائل المهمّة وكما قيل ( القناعة كنز لا يفنى ) (١) يريد الإمام عليهالسلام أنت لمّا كنت متصّفاً
______________________
(١) مدينة المعاجز : ٤٧٤ .