بشارة المصطفى صلّى الله عليه وآله لشيعة المرتضى عليه السلام

عماد الدين أبي جعفر محمد بن أبي القاسم الطبري

بشارة المصطفى صلّى الله عليه وآله لشيعة المرتضى عليه السلام

المؤلف:

عماد الدين أبي جعفر محمد بن أبي القاسم الطبري


المحقق: جواد القيّومي الاصفهاني
الموضوع : العقائد والكلام
الناشر: مؤسسة النشر الإسلامي
المطبعة: مؤسسة النشر الإسلامي
الطبعة: ١
ISBN: 964-470-251-4
الصفحات: ٤٦٨
  نسخة مقروءة على النسخة المطبوعة

لشتّان ما بين الضلالة والهدى

وشتّان من يعصي النبي ويعتق

ومن هو في ذات الإله مشمّر

يكبّر براً ربّه ويصدق

أفي الحقّ أن يعصى النبي سفاهة

ويعتق عن عصيانه ويطلق

كدافق ماء للسراب يؤمه

ألا في ضلال ما يصبّ ويدفق » (١)

٢٣ ـ عن أبي حمزة ، عن أبي بصير ، عن أبي عبدالله عليه‌السلام قال :

« حرّم الله عزّ وجلّ النساء على علي (٢) ما دامت فاطمة حيّة ، قلت : وكيف ؟ قال : لأنها كانت طاهرة لا تحيض » (٣).

قال محمّد بن أبي القاسم : هذا من جملة خبر الآحاد وقد قال الله تعالى : ( فَانكِحُوا مَا طَابَ لَكُم مِّنَ النِّسَاءِ مَثْنَىٰ وَثُلاثَ وَرُبَاعَ ) (٤) ولا يجوز تحريم ذلك في حق أحد إلاّ بسنّة قاطعة أو آية محكمة.

٢٤ ـ هشام بن الحكم قال : « سألت أبا عبدالله جعفر بن محمّد عليهما‌السلام بمنى عن خمسمائة حرف من الكلام فأقبلت أقول : يقولون كذا فيقول : يقال لهم كذا ، فقلت : هذا الحلال والحرام والقرآن أعلم إنك صاحبه وأعلم النّاس به وهذا الكلام فقال : ويحك ياهشام يحتج الله على خلقه بحجّة لا يكون قائماً بكل ما يحتاج إليه ».

٢٥ ـ عن الحسن قال : قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله : « لا يزال طائفة من اُمّتي يقاتلون على الحق ظاهرين ( إلى يوم القيامة ) حتّى ينزل عيسى بن مريم فيقولون (٥) : تقدم فصل بنا ، فيقول : يتقدم أمامكم ، فان الله تعالى جعل بعضكم لبعض أئمّة لكرامة هذه الاُمّة » (٦).

٢٦ ـ عن المنهال عن عمرو ، عن عبدالله بن الحرث بن نوفل : انّه سمع علياً يقول : قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله :

__________________

(١) رواه الشيخ في أماليه ١ : ١٣٧.

(٢) في الأمالي : على علي النساء.

(٣) رواه الشيخ في أماليه ١ : ٤٢.

(٤) النساء : ٤.

(٥) في البحار : فيقول أميرهم تعالَ فصلِّ بنا.

(٦) رواه في البحار ٥ : ٨٨ عن البخاري ومسلم في صحيحهما.

٣٨١

« ألا ترضى ياعلي إذا جَمعَ الله النّاس في صعيدٍ واحد حفاة عراة مشاة قد قطع أعناقهم العطش ، فكان أوّل من يُدعى إبراهيم الخليل فيُكسىٰ ثوبين أبيضين ثم يُقام عن يمين العرش ثم يفجر إلى شعب من الجنّة الى الحوض حوضي أعرض ، ما بين صنعاء وبصري ، فيه عدد نجوم السماء قدحان فأشرب وأتوضا ثم اُكسىٰ ثوبين أبيضين ثم اُقام عن يسار العرش فتُدعىٰ وتشرب وتتوضأ ثم تُكسىٰ ثوبين ، فتُقام عن يميني ثم لا اُدعىٰ لخير إلاّ دُعِيتَ له » (١).

٢٧ ـ قال : حدّثنا حمّاد بن سلمة ، عن علي بن زيد ، عن سعيد بن المسيب قال : قال عمر بن الخطاب :

« أحبّوا الأشراف وتوددوا إليهم واتقوا أعراضكم من السفلة ، وأعلموا انه لا يتم لأحد شرف إلاّ بولاية علي بن أبي طالب وحبّه » (٢).

٢٨ ـ قال : حدّثني الشيخ أبو جعفر محمّد بن علي بن بابويه ، قال : حدّثني أبي ، قال : [ حدّثني ] (٣) محمّد بن أبي القاسم ، عن أحمد بن أبي عبدالله البرقي ، عن أبيه ، قال : حدّثني من سمع حنان بن سدير يقول : سمعت أبي سدير الصيرفي ، يقول :

« رأيت رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله فيما يرى النائم وبين يديه طبق مغطىٰ بمنديل ، فدنوت منه وسلّمت عليه ، فردّ السلام ثم كشف (٤) المنديل عن الطبق ، فإذا فيه رطب ، فجعل يأكل منه ، فدنوت منه ، فقلت : يارسول الله ناولني رطبة ، فناولني واحدة ، فأكلتها [ ثم ] (٥) قلت : يارسول الله ناولني اُخرى ، فناولنيها فأكلتها وجعلت كلّما أكلت واحدة سألته اُخرى ، حتّى أعطاني ثمان رطبات ، فأكلتها ، ثمّ طلبت منه اُخرى ، فقال لي : حسبك.

قال : فانتبهت من منامي ، فلمّا كان من غد دخلت على الصادق عليه‌السلام وبين يديه طبق مغطى بمنديل ، كأنّه الذي رأيته في المنام بين يدي النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله ، فسلمت

__________________

(١) رواه الشيخ في أماليه ١ : ٦٥.

(٢) مرّ ما يشابهه في ج ٧ : الرقم ٤١.

(٣) من الأمالي.

(٤) في الأمالي : فكشف.

(٥) من الأمالي.

٣٨٢

عليه فردّ عليَّ السلام ، ثمّ كشف عن الطبق ، فإذا فيه رطب فجعل يأكل منه ، فعجبت لذلك وقلت : جعلت فداك ناولني رطبة ، فناولني ، فأكلتها ، ثم طلبت اُخرى ، فناولني ، فأكلتها ، وطلبت اُخرى ، حتّى أكلت ثمان رطبات ، ثمّ طلبت منه اُخرى ، فقال [ لي ] (١) : لو زادك جدّي رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله لزدناك (٢) ، فأخبرته الخبر ، فتبسم تبسم (٣) عارف بما كان » (٤).

٢٩ ـ عن أبي سعيد الخدري قال : قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله :

« ينزل باُمّتي في آخر الزمان بلاء شديد من سلطانهم لم يسمع الناس ببلاد أشد منه حتّى تضيق عليهم الرحبة ، وحتّى تملأ الأرض جوراً وظلماً ، ثم ان الله يبعث رجلاً يملأ الله عزّ وجلّ به الأرض قسطاً وعدلاً كما ملئت جوراً وظلماً يرضى عنه ساكن السماء وساكن الأرض لا تدّخر الأرض من بذرها (٥) شيئاً إلاّ أخرجته والسماء من قطرها شيئاً إلاّ صبّه الله عزّ وجلّ عليهم مدراراً ، يعيش فيهم سبع سنين أو ثمان أو تسعاً يتمنّى الأحياء الأموات مما صنع الله عزّ وجلّ بأهل الأرض من الخير » (٦).

٣٠ ـ قال : حدّثنا إسماعيل بن أبان ، عن أبي داود ، عن عبدالله بن شريك العامري ، عن حبّة العرني انّ علياً عليه‌السلام قال :

« لو انّ رجلاً قام بين الركن والمقام وصام الدهر كلّه ، ولم يكن على ولايتنا ، ما أغنى ذلك عنه شيئاً ».

٣١ ـ قال : حدّثنا عبدالله بن يحيى العسكري ، قال : حدّثني أحمد بن زيد ابن أحمد ، قال : حدّثنا محمّد بن يحيى بن أكثم [ أبو عبدالله ، قال : حدّثني

__________________

(١) من الأمالي.

(٢) في الأمالي : لزدتك.

(٣) في الأمالي : متبسّم.

(٤) رواه الشيخ في أماليه ١ : ١١٢.

(٥) في الطرائف : نباتها.

(٦) رواه السيّد في الطرائف : ١٧٧ ، باسناده عن أبي محمّد بن مسعود الفراء في كتاب المصابيح ، عنه البحار ٥١ : ١٠٤ ، أورده القندوزي في ينابيع المودّة : ٤٣١ ، وابن حجر في الصواعق : ٩٧.

٣٨٣

أبي يحيى بن أكثم ] (١) القاضي ، قال :

« أقدم المأمون دعبل بن علي الخزاعي رحمه‌الله وآمنه على نفسه ، فلمّا مثل بين يديه ـ وكنت جالساً بين يدي المأمون ـ فقال [ له ] (٢) أنشدني قصيدتك الكبيرة ، فجحدها دعبل وأنكر معرفتها ، فقال له : لك الأمان عليها كما أمنتك على نفسك ، فأنشده :

تأسفتْ جارتي لمّا رأت زوري (٣)

وعدّت الحلم ذنباً غير مغتفرِ (٤)

ترجو الصبا بعدما شابت ذوائبها (٥)

وقد جرت طلقاً في حلية الكبرِ (٦)

أجارتي ان شيب الرأس يعلّمني (٧)

ذكر المعاد وأرضاني عن القَدَرِ (٨)

لو كنتُ أركن للدنيا وزينتها

إذاً بكيت على الماضين من نفرِ

أخنى الزمان على أهلي فصدّعهم (٩)

تصدع الشعب لاقى صدمة الحجرِ (١٠)

بعضٌ أقامَ وبعضٌ قد أصات بهم (١١)

داعي المنيّة والباقي على الأثرِ

أما المقيم فأخشى أن يفارقني

ولست أوبة من ولّى بمنتظرِ

أصبحت أخبر عن أهلي وعن ولدي

كحالم قصّ رؤيا بعد مدّكرِ

لولا تشاغل عيني بالاُولىٰ سلفوا

من أهل بيت رسول الله لم أقرِ (١٢)

وفي مواليك للأحزان مشغلةٌ (١٣)

من أن تبيتَ لمفقودٍ على أثرِ (١٤)

كم من ذراعٍ لهم بالطفِ بائنة

وعارض بصعيد الترب منعفرِ

__________________

(١) من الأمالي.

(٢) من الأمالي.

(٣) زوري : ازواري بعدي عن النساء.

(٤) الحلم : الأناة والعقل.

(٥) ترجو الصبي : أي ترجو مني أن اتصابىٰ لها.

(٦) في الأمالي : الحلبة ، وهو بالتسكين : خيل تجمع للسباق من كل أوب لا تخرج من اصطبل واحد.

(٧) في الأصل : ثقلني ، وما أثبتناه من الأمالي.

(٨) في الأمالي : أرضائي.

(٩) أخنى عليه الدهر : أتىٰ عليه وأهلكه.

(١٠) الشعب : الصدع في الشيء وأصلاحه.

(١١) في الأصل : به ، وما أثبتناه من الأمالي ، أقول : أصات بهم : صوت بهم ودعاهم.

(١٢) لم اقر : من وقَرَ يقرُ بمعنى جلسَ.

(١٣) خ في الأمالي : للتحزين.

(١٤) خ في الأمالي : لمشغولٍ.

٣٨٤

أمسى الحسينُ ومسراهم (١) لمقتله (٢)

وهم يقولون : هذا سيّدُ البَشَرِ

يااُمّة السوء ما جازيت أحمدَ عن (٣)

حُسنِ البلاءِ على التنزيلِ والسورِ

خلفتموه على الأبناء حين مضى

خلافة الذئب في انقاذ أبقارِ ذي بقرِ (٤)

قال يحيى : فأنفذني المأمون في حاجة ، فقمت وعدت إليه وقد إنتهى إلى قوله :

لم يبق حيٌّ من الأحياء نعلمه

من ذي يمانٍ ولا بكرٍ ولا مضرِ

إلاّ وهم شركاء في دمائِهم

كما تشارك أيسار على جزرِ (٥)

قتلىٰ وأسرىٰ وتحريقاً ومنهبةً (٦)

فعلُ الغزاةِ بأرضِ الرومِ والخزرِ (٧)

أرى اُميّةَ معذورينَ إن قَتَلوا

ولا أرى لبني العبّاسِ من عُذرِ (٨)

قومٌ قتلْتم على الإسلام أولَهم

حتى إذا استمكنوا جازوا على الكفرِ

أبناءُ حربٍ ومروانَ واُسرتِهم

بنو معيطٍ ولاةُ الحقدِ والوغرِ

أرْبعْ بطوس على قبرِ الزكي بها

إن كنتَ تربع (٩) من دينٍ على وطرِ (١٠)

هيهات كلّ إمرىءٍ رهنٌ بما كسبت

له يداه فخذْ ما شئتَ أو فذرِ

قال : فضرب المأمون عمامته على الأرض وقال : صدقت والله يادعبل » (١١).

٣٣ ـ قال : حدّثني الحسين بن أحمد البيهقي ، قال : أخبرني محمّد بن يحيى الصولي ، قال : حدّثني هارون بن عبدالله المهلبي ، قال : حدّثني دعبل بن علي قال :

« جاءني خبر موت الرضا عليه‌السلام وأنا بقم ، فقلت قصيدتي الرائية :

أرى اُميّةَ معذورين إن قتلوا

ولا أرى لبني العباس من عذرِ

أولاد حربٍ ومروانَ واسرتِهم

بني معيط ولاة الحقد والوغرِ

__________________

(١) مسراهم بمقتله : أي ساروا ورجعوا بالليل مخبرين بقتله.

(٢) خ في الأمالي : بمقتله.

(٣) في الأمالي : في.

(٤) ذو بقر : اسم واد بين اخيلة حُمى الربذة.

(٥) الأيسار : القوم المجتمعون على الميسر.

(٨) في الأمالي : الفتاح.

(٩) إن كنتَ تربع : أي تقف وتقيم.

(١٠) وطر : الحاجة.

(١١) رواه الشيخ في أماليه ١ : ٩٨ عنه البحار ٤٩ : ٣٢٢.

٣٨٥

قوم قتلتم على الإسلام أولهم

حتّى إذا استمكنوا جازوا على الكفر (١)

أربع بطوس على القبر الزكيّ به

إن كنت تربع من دين على وطرِ

قبران في طوس خير الناس كلّهم

وقبر شرهم ، هذا من العبرِ

ما ينفع الرجس من قرب الزكي وما

على الزكي بقرب الرجس من ضرر

هيهات كلّ امرىءٍ رهن بم كسبت

له يداه فخذْ ما شئتَ أو فذرِ » (٢)

__________________

(١) استمسكوا ( خ ل ).

(٢) رواه الصدوق في أماليه : ٦٦٠ ، عيون أخبار الرضا عليه‌السلام : ٢٥١ ، عنهما البحار ٤٩ : ٣١٨.

٣٨٦

٣٨٧
٣٨٨

بِسْمِ الله الرَّحْمٰنِ الرَّحِيمِ

١ ـ قال : حدّثنا أبو العباس محمّد بن يعقوب ، قال : حدّثني محمّد بن إسحاق السقاني قال : حدّثنا عثمان بن عمر ، قال : حدّثنا إسرائيل ، عن ميسرة بن حبيب ، عن المنهال بن عمرو ، عن عائشة بنت طلحة ، عن عائشة انّها قالت :

« ما رأيت أحداً كان أشبه كلاماً وحديثاً من فاطمة برسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله ، وكانت إذا دخلت عليه رحّب بها وقام إليها ، فأخذ بيدها وقبّل يديها وأجلسها في مجلسه ، وكان رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله إذا دخل عليها رحبت به وقامت إليه وأخذت بيده فقبلتها ، فدخلت عليه في مرضه الذي توفي فيه فرحّب بها وقبلها وأسرّ إليها ، فبكت ثم أسر إليها فضحكت ، فقلت في نفسي : كنت أحسب لهذه المرأة فضلاً [ على النساء ] (١) فإذا هي [ امرأة ] (٢) منهنّ ، بينا هي تبكي إذ هي تضحك ، فسألتها فقالت : إني إذا لبذرة (٣) ، ولمّا توفّي رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله سألتها فقالت : أسرّ إليّ وأخبرني انّه ميت ، فبكيت ، ثمّ أسرّ إليّ واخبرني انّي أوّل أهله اُلحق به ، فضحكت » (٤).

قال الحاكم أبو عبدالله : هذا حديث صحيح الإسناد على شرط صاحبي الصحيحين فان رواية كلّهم ثقات وتفسير قولها : إني لبذرة ، مفسرة في الصحيحين إنّي ان أخبرت بسرّ رسول الله لبذرة ، وهذا الحديث يصرح بأنّ فاطمة عليها‌السلام كانت

__________________

(١ و ٢) من البحار وأمالي الشيخ.

(٣) البذر : الذي يفشي السر ويظهر ما يسمعه.

(٤) البحار ٣٧ : ٧١.

٣٨٩

أعلم وأفقه من عائشة إذ لم تخبرنا بالسر في حياة من أسر إليها ثم أخبرت بعد وفاته ، وهذا فقه هذا الحديث قد خفى على عائشة فقد بين الإمام أبو بكر محمّد بن إسحاق معنى الحديث ، وأشار الأخبار الثابتة الصحيحة الدالّة على أن فاطمة سيّدة نساء أهل الدنيا كما هي سيّدة نساء أهل الجنّة بما فيه الغنية والكفاية لمن تدبر. هذا كلّه كلام الحاكم أبي عبدالله الحافظ.

قال محمّد بن أبي القاسم : الخبر كما يدلّ على قلّة علم عائشة يدلّ أيضاً على قلّة أمانتها وديانتها لإفشائها سرّ رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله ، وليس يجوز لمن له أدنى علم أن يخلط ذكر فاطمة عليها‌السلام بذكر غيرها ، وكيف يجوز ان يقاس من شهد الله بطهارتها بقوله تعالى : ( إِنَّمَا يُرِيدُ اللهُ لِيُذْهِبَ عَنكُمُ الرِّجْسَ أَهْلَ الْبَيْتِ وَيُطَهِّرَكُمْ تَطْهِيرًا ) (١) على من قال الله في حقها : ( إِن تَتُوبَا إِلَى اللهِ فَقَدْ صَغَتْ قُلُوبُكُمَا ) (٢) ، لكن العمى في القلب والعصبية وبغض أهل بيت رسول الله يحمل بعض الناس على ما لا يليق بالعقل ، ونعوذ بالله مما كره الله.

٢ ـ قال : حدّثنا أبو سعاد (٣) الخراز ، قال : حدّثني يونس بن عبدالوراث ، عن أبيه قال :

« بينا ابن عباس يخطب عندنا على منبر البصرة إذ أقبل على الناس بوجهه ، ثمّ قال : أيتها الاُمّة المتحيرة في دينها ، أمَ والله لو قدّمتم من قدّم الله وأخّرتم من أخّر الله ، وجعلتم الوراثة حيث جعلها الله ، ما عال سهم من فرائض الله ، ولا عال ولي الله ، ولا اختلف إثنان في حكم الله ، فذوقوا وبال ما فرّطتم فيه بما قدمت أيديكم ( وَسَيَعْلَمُ الَّذِينَ ظَلَمُوا أَيَّ مُنقَلَبٍ يَنقَلِبُونَ ) (٤).

٣ ـ عن محمّد بن محمّد قال : أخبرنا أبو بكر محمّد بن عمر الجعابي ، قال : حدّثنا أبو العباس أحمد بن محمّد بن سعيد ، قال : حدّثنا عبيد بن حمدون الرواسي ،

__________________

(١) الأحزاب : ٣٣.

(٢) التحريم : ٤.

(٣) في الأمالي : أبو معاد.

(٤) رواه الشيخ في أماليه ١ : ٦٢ و ٩٨ ، والمفيد في أماليه : ٤٧.

٣٩٠

قال : حدّثنا الحسن بن ظريف قال : سمعت أبا عبدالله جعفر بن محمّد عليهما‌السلام يقول :

« لا تجد عليّاً قضى (١) بقضاء إلاّ وجدت له أصلاً في السنّة ، قال : وكان علي عليه‌السلام يقول : لو اختصم إليّ رجلان فقضيت بينهما ثمّ مكثا أحوالاً كثيرة ، ثمّ اتياني في ذلك الأمر لقضيت بينهما قضاءً واحداً لأنّ القضاء لا يزول ولا يحول » (٢).

٤ ـ حدّثني السيّد الزاهد والدي رضي‌الله‌عنه والقاضي أبو أحمد بن إبراهيم بن مطرف بن الحسن المطرفي ، ان الشيخ سعيد بن عبدالرحمان بن محمّد بن عبدالله بن إدريس الاسترابادي كتب إليهما ، قال : حدّثني أبو أحمد محمّد بن إبراهيم بن اترويه الاسترابادي بها مراراً من لفظه ، قال : حدّثنا عبدالرحيم البغدادي قال : حدّثنا الثقة ، عن طاووس بن كيسان اليماني قال :

« خرجت إلى بيت الله الحرام ومعنا الحجاج بن يوسف الثقفي ، فبينا نحن ماضين إذ نحن بأعرابي بدوي جوهري وهو يلبي ويقول في تلبيته :

لبيك اللهم لبيك ، قد لبيت لك ، لبيك لا شريك لك لبيك ، إن الحمد والنعمة لك والملك لا شريك لك كلامك ، اللهم لك من مخلوق كذلك ثم في النار سلك والليل إذا ما انحلك والجاريات في الفلك على مجار من سلك ، قد اتبعنا رسلك وقد سلكنا وحججنا منك ولك.

فسمع الحجاج فقال : تلبية ملحد وربّ الكعبة ، عليَّ بالأعرابي ، فاُوتي به فقال : ياأعرابي من أين وإلى أين ؟ قال : من الفجّ العميق إلى بيت العتيق ، قال : وأين يكون الفج العميق ؟ قال : بالعراق ، قال : وأي موضع من العراق ؟ قال : من واسط ، قال : فهل لك من بواسط من أمير ؟ قال : نعم إنسان ذليل يقال له : الحجاج ، قال : مقيم أم راحل ؟ قال : بل راحل حاجاً ، فقال : هل استعمل عليكم عاملاً ؟ قال : نعم انسان أذل منه يقال له : محمّد بن يوسف ، قال : وكيف خلّفته ؟ قال : خلفته جسيماً

__________________

(١) في الأمالي : يقضي.

(٢) رواه الشيخ في أماليه ١ : ٦٢.

٣٩١

وسيماً ، قال : ليس عن هذا سألتك ، قال : فعمّا سألتني ياهذا ؟ قال : عن سيرته في الناس ، قال : خلّفته ظلوماً غشوماً (١) يأخذ بغير حقٍ ويعطي في غير الحق.

قال : ويلك أنا الحجاج وذاك أخي محمّد بن يوسف أما عرفت عِزّي ؟ فقال الأعرابي : أو ما عرفت عِزّي إنا برب العالمين ؟ قال الحجاج : ياأعرابي حسبك زنديقاً ، قال : ما أنا زنديق ولكنّي موحد ، قال : ولمن أنت موحد ؟ قال : لله الذي خلق السماوات والأرض ، قال : فتعرف الله ؟ قال : نعم ، على الخبير سقطتَ.

قال : فبما عرفت الله ؟ قال : ليس بذي نسب فيُرىٰ ولا بجسم فيتجزّأ ، ولا بذي غاية فيتناهىٰ ، ولا يحدث فيبصر ، ولا بمستتر فينكشف ، ولا دهور بغيره خلاف أزمنتها ، لكن جلّ ذلك الكبير المتعال الذي خلق فأتقن ، وصوّر فأحسن ، وعلا فتمكن ، واتقن على الاُمور بعزته ، لا يوصف هو بالحركة لأنّها زوال ، ولا بسكون لأنّه من صفة المتشابهين بالأمثال ، لا يخفىٰ عليه كرور ذوي الأحوال ، عالم الغيب والشهادة ، الكبير المتعال.

فقال الحجاج : ياأعرابي لقد أحسنت في التوحيد ، فما قولك في هذا الرجل المبعوث محمّداً صلى‌الله‌عليه‌وآله ؟ فقال : نبي الرحمة ، بعثه الله على حين فترة من الرسل وضلالة من الاُمم ، والاُمم يومئذٍ في الجاهلية الجهلاء ، لا يدينون لله بدين ولا يقرأون له كتاباً ، أصحاب حجرٍ ومدرٍ وضيق وضنك ، عبدوا من دون الله أصنام واتخذوا الأوثان حتىٰ بعث الله عزّ وجلّ نبياً مرسلاً جمع اُمورهم.

فقال الحجاج : ياأعرابي لقد أحسنت في هذا أيضاً ، فما قولك في علي بن أبي طالب ؟ قال : فسكت الأعرابي ، قال في نفسه : إن أنا صدّقته قتلني وإن كذّبته فبمَ ألقىٰ محمّداً صلى‌الله‌عليه‌وآله ، ثم قال : الدنيا فانية والآخرة باقية خذها إليك من السلمي علي بن أبي طالب الداعي إلى الله ، وصهر المرسل الأوّاه ، وسفينة النجاح ، وبحر بين الساح (٢) ، وغيث بين الرواح ، قاتل المشركين ، وقامع المعتدين ، وأمير المؤمنين ، وابن عمّ نبي الله صلى‌الله‌عليه‌وآله أجمعين ، وزوج فاطمة الزهراء ، وأب الحسن

__________________

(١) غَشَم : ظَلَم.

(٢) ساح الماء : جرى على وجه الأرض.

٣٩٢

والحسين ، ريحانتي نبي الله صلى‌الله‌عليه‌وآله ، وثمرة فؤاده ، هامات هامات ، وسادات سادات ، ولدتهما البتول ، وسماهما الرسول صلى‌الله‌عليه‌وآله ، وكنّاهما الجليل ، وناغاهما (١) جبرئيل ، وحنّكهما ميكائيل ، فهل لهؤلاء من عديل.

قال طاووس : لقد تبينَ أثر الغضب على وجه الحجاج ، فقال الحجاج : ياأعرابي فما تقول فيّ ؟ قال : أنتَ بنفسك أعلم ، قال : قل في أميرك شيئاً ، قال : إذاً أسوؤك ولا أسرك ، قال : بثّ فيما علمت ، قال : وما علمتك إلاّ ظالماً غشوماً ، قتلت أولياء الله بغير الحق ، فقال : لأقتلنّك أشدّ القتل ، قال : إلى الله تصير الاُمور ، فقال الحجاج : ياغلام علي بالنّطع (٢) والسيف ، فلما أن بُسط النّطع وجُرَ السيف مالبث الأعرابي أن عطس ثلاث عطسات متتابعات ، فقال الحجاج : ما عطس ثلاث عطسات متتابعات إلاّ زنيم (٣) ، قال : فما لبث الحجاج أن عطس سبع عطسات متتابعات ، فقال الأعرابي : أيها الأمير :

لا تنطقن بما يعيبك ناطق

فتقول جهلاً ليتني لم أنطق

إنّ السلامة في السكوت وإنما

يبدي معايبها كثير المنطق

وإذا خشيت ملامة في مجلس

فأعمد لسانك في اللهات وأطرق

واحفظ لسانك لا تقول فتبتلي

ان البلاء موكل بالمنطق

فقال الحجاج : اضرب عنقه على حبّ علي بن أبي طالب والحسن والحسين ، فلمّا رفع السيف حرّك الأعرابي شفته فجف يد السيّاف في مقبض سيفه ، فقال الحجاج : ياأعرابي لقد تكلمت بعظيم ، فقال : لعمري انه لعظيم ، قال : فادع إلهك حتى يطلق يد السياف ، قال : وتنجيني من القتل.

قال : فرفع الأعرابي ثنتي يديه فقال : ياإلهي عند كربتي وياصاحبي عند شدتي ووليي عند نعمتي أسألك ياإلهي وإله آبائي إبراهيم وإسماعيل وإسحاق

__________________

(١) ناغى الصبي : كلّمه بما يعجبه ويسرّه.

(٢) النطع : بساط من الجلد يفرش تحت المحكوم عليه بالعذاب أو بقطع الرأس.

(٣) الزنيم : ولد زنا.

٣٩٣

ويعقوب والأسباط ، وبحق كهيعص وطه ويس والقرآن الحكيم أن تصلي على محمّد وآل محمّد وأن تطلق يد السياف ، قال : فأطلق يده ، قال الحجاج : ياغلام عليَّ بالبدرة ، قال : فأتى بكيس فيه دراهم كثيرةٌ ، فقال الحجاج : خذها إليك ياأعرابي وانفقها على نفسك ، فقال الأعرابي ليس لي بمالك حاجة وقام ومر ».

٥ ـ قال : حدّثنا إسماعيل بن توبة ومصعب بن سلام ، عن أبي إسحاق ، عن ربيعة السعدي قال :

« أتيت حذيفة بن اليمان رحمه‌الله فقلت له : ياحذيفة حدّثني بما سمعت من رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله ورأيته لأعمل ، قال : فقال لي : عليك بالقرآن ، فقلت : قد قرأت القرآن وإنما جئتك لتحدثني ، اللّهمّ إني اشهدك على حذيفة إني اتيته ليحدثني بما لم أره ولم أسمعه من رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله قد منعنيه وكتمنيه ، فقال حذيفة : ياهذا قد بلغت في الشدّة ، ثم قال : خذها إليك قصيرة من طويلة وجماعة لكل أمرك : ان آية الجنة في هذه الاُمّة لنبيه انّه ليأكل الطعام ويمشي في الأسواق ، فقلت له : بيّن لي آية الجنة اتبعها وبيّن لي آية النار فأتقيها ، فقال : والذي نفسي بيده ان آية الجنّة والهداة إلى يوم القيامة فآية الحق إلى يوم القيامة لآية محمّد صلى‌الله‌عليه‌وآله ، وان آية النار وآية الكفر والدعاة إلى يوم القيامة لغيرهم ».

٦ ـ قال : حدثنا سليمان بن سلمة (١) الكندي ، عن محمّد بن سعيد بن غزوان ، عن عيسى بن أبي منصور ، عن أبان بن تغلب ، عن أبي عبدالله جعفر بن محمّد عليهم‌السلام قال :

« نفس المهموم لظلمنا تسبيح ، وهمّه لنا عبادة ، وكتمان سرّنا جهاد في سبيل الله ، [ ثم ] (٢) قال أبو عبدالله عليه‌السلام : يجب أن يكتب هذا الحديث بالذهب » (٣).

٧ ـ عن معاوية بن هشام ، عن الصباح بن يحيى المزني ، عن الحارث بن حصيرة ، قال : حدّثني جماعة من أصحاب أمير المؤمنين عليه‌السلام انّه قال يوماً :

__________________

(١) في الأمالي : مسلم.

(٢) من الأمالي.

(٣) رواه الشيخ في أماليه ١ : ١١٥ ، أقول : مرّ مثله في ج ٢ : الرقم ١٣٥.

٣٩٤

« إدعوا لي غنياً وباهلة وحيّاً آخر ـ قد سماهم ـ فليأخذوا عطياتهم ، فوالله الذي فلق الحبّة وبرأ النسمة مالهم في الإسلام نصيب ، واني (١) شاهد في منزلي عند الحوض وعند المقام المحمود ، انّهم أعدائي (٢) في الدنيا والآخرة ، لآخذن غنياً أخذة تفرط (٣) باهله ، ولئن ثبتت قدماي لأردن قبائل إلى قبائل وقبائل إلى قبائل ولأبهرجن (٤) ستين قبيلة ما لها في الاسلام نصيب » (٥).

٨ ـ عن عبدالله بن مسعود ، عن النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله قال :

« لا تذهب الدنيا ولا تنقضي الأيام حتّى يملك رجل من أهل بيتي يواطئ اسمه اسمي » (٦).

٩ ـ قال : حدّثني سفيان بن عيينة ، عن الزهري ، عن أبي سعيد ، عن أبي هريرة ، عن النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله قال :

« ينزل ابن مريم منزلاً حكماً مقسطاً يكسر الصليب ، ويقتل الخنزير ، ويضع الجزية ، ويفيض المال حتى لا يقبله أحد ».

١٠ ـ قال : حدّثنا أبو عبدالرحمان عبدالله بن محمّد بن أحمد بن حنبل ، قال : حدّثنا أبي ، قال : حدثنا وكيع ، قال : حدثنا يونس بن إسحاق ، عن يزيد بن أبي مريم السلولي ، عن أبي الجوزاء ، عن الحسن بن علي عليه‌السلام قال : علّمني رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله كلمات أقولهن في قنوت الوتر :

« اللهم اهدني فيمن هديت ، وعافني فيمن عافيت ، وتولّني (٧) فيمن توليت ، وبارك لي (٨) فيما أعطيت ، وقني شرّ ما قضيت ، فانك تقضي ولا يقضى عليك ، انه

__________________

(١) في الأمالي : أنا.

(٢) في الأمالي : اعداء لي.

(٣) في الأمالي : تضرط.

(٤) البهرج : الباطل ، بهرج بهم الدليل : عدل بهم عن الجادة إلى غيرها.

(٥) رواه الشيخ في أماليه ١ : ١١٥.

(٦) يأتي مثله تحت الرقم : ٥٩٠.

(٧) تولني : احبني أو تول أمري وأكفنيها.

(٨) بارك لي : من البركة بمعنى الثبات والزيادة.

٣٩٥

لا يذلّ من واليت تباركت ربنا وتعاليت » (١).

١١ ـ قال : حدّثنا موسى بن جعفر بن محمّد بن علي بن الحسين بن علي بن أبي طالب عليهم‌السلام ، قال : حدّثنا أبي ، عن أبيه ، عن جدّه الحسين بن علي قال :

« كان رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله إذا عطس قال له علي عليه‌السلام : رفع الله ذكرك ، وإذا عطس علي عليه‌السلام قال له النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله : أعلى الله كعبك (٢) ».

١٢ ـ قال : حدّثنا أبو جعفر محمّد بن علي بن الحسين بن بابويه ، قال : حدّثني أبي ، قال : حدّثنا أحمد بن إدريس ، قال : حدّثنا محمّد بن عبدالغفار ، عن القاسم بن محمّد الرازي ، عن علي بن محمّد الهرمزداري (٣) ، عن علي بن الحسين ، عن أبيه الحسين عليه‌السلام قال :

« لمّا مرضت فاطمة بنت النبي (٤) صلى‌الله‌عليه‌وآله وصّت إلى علي عليه‌السلام ان يكتم أمرها ويخفي خبرها ولا يؤذن أحداً بمرضها ، ففعل ذلك ، وكان يمرضها بنفسه وتعينه على ذلك أسماء بنت عميس على استسرار (٥) بذلك كما وصّت به ، فلمّا حضرتها الوفاة وصّت أمير المؤمنين ان يتولى أمرها ويدفنها ليلاً ويعفي قبرها ، فتولى ذلك أمير المؤمنين عليه‌السلام ودفنها وعفى (٦) موضع قبرها ، فلمّا نفض يده من تراب القبر هاج به الحزن فأرسل دموعه على خديه وحول وجهه إلى قبر رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله فقال :

السلام عليك يارسول الله منّي ، والسلام عليك من ابنتك (٧) وحبيبتك وقرّة عينك وزائرتك والبائتة في الثرى ببقعتك ، المختار الله لها سرعة اللحاق بك ،

__________________

(١) رواه في البحار ٨٥ : ٢٠٩ عن التذكرة ١ : ١٢٨ ، عنه أيضاً المستدرك ٤ : ٤٠٠ ، رواه في كشف الغمّة ١ : ٥٣٥ ، غوالي اللئالي ١ : ١٠٥ ، عنه البحار ٨٧ : ٢٠٥ ، المستدرك ٤ : ٤١٦.

(٢) رواه الخوارزمي في مناقبه : ٢٣٣.

(٣) في الأمالي : الراوي ، وفي الكافي : الهرمزاني.

(٤) في الأمالي : بنت محمّد رسول الله.

(٥) في الأمالي : استمرار.

(٦) العفو : المحو والانمحاء.

(٧) في الأمالي : السلام عليك يارسول الله عنّي وعن ابنتك وحبيبتك.

٣٩٦

قلَّ يارسول الله عن صفيتك صبري وضعف عن سيّدة النساء تجلّدي (١) ، إلاّ إنّ في التأسّي لي بسنتك والحزن الذي حلّ لي لفراقك موضع تعزّي ، ولقد وسّدتك في ملحود قبرك بعد أن فاضت نفسك (٢) على صدري وغمضتك بيدي وتولّيت أمرك بنفسي ، نعم وفي كتاب الله أنعم القبول ، إنّا لله وإنا إليه راجعون ، قد استرجعت الوديعة وأخذت الرهينة واختلست (٣) الزهراء ، فما أقبح الخضراء والغبراء.

يارسول الله ، أما حزني فسرمد وأما ليلي فمسهد (٤) ، لا يبرح الحزن من قلبي أو يختار (٥) الله لي دارك التي فيها [ أنت ] (٦) مقيم ، كمد (٧) مقيح (٨) وهمّ مهيج ، سرعان ما فرّق بيننا والى الله أشكوا ، وستنبئك ابنتك بتظاهر امّتك عليَّ وعلى هضمها (٩) حقها ، فاستخبرها الحال ، فكم من غليل (١٠) معتلج (١١) بصدرها لم تجد إلى بثّه سبيلاً ، وستقول ويحكم الله وهو خير الحاكمين.

سلام عليك يارسول الله سلام مودع لا سأم ولا قال ، فان أنصرف فلا عن ملالة ، وإن أقم فلا عن سوء ظنّ بما وعد الله الصابرين ، والصبر أيمن وأجمل ، ولولا غلبة المستولين علينا لجعلت المقام عند قبرك لزاماً ، والتلبّث عنده معكوفاً (١٢) ، ولأعولت أعوال (١٣) الثكلى على جليل الرزية ، فبعين الله تدفن ابنتك سرّاً ، ويهتضم حقّها قهراً ، وتمنع [ ارثها ] (١٤) جهراً ، ولم يطل العهد ولن يخلق منك الذكر ، فالى الله يارسول الله المشتكى وفيك أجمل العزاء ، فصلوات الله عليها وعليك ورحمة الله وبركاته » (١٥).

__________________

(١) التجلّد : القوّة.

(٢) فاضت نفسه : خرجت روحه.

(٣) التخالس : التسالب.

(٤) السهود : قلّة النوم.

(٥) أو يختار : أي إلى أن يختار.

(٦) من الأمالي.

(٧) الكمد : الحزن الشديد.

(٨) في الأمالي : كمد منيخ.

(٩) الهضم : الظلم.

(١٠) الغليل : حرارة الجوف.

(١١) اعتلجت الأمواج : التطمت.

(١٢) عكفه : حبسه.

(١٣) الأعوال : رفع الصوت بالبكاء.

(١٤) من الأمالي.

(١٥) رواه الشيخ في أماليه ١ : ١٠٨ ، عنه البحار ٤٣ : ٢١١ ، أورد ذيله الكليني في الكافي

٣٩٧

١٣ ـ قال : حدّثنا معاوية بن هشام ، عن سفيان ، عن هشام بن حسان ، قال : سمعت أبا محمّد الحسن بن عليّ عليه‌السلام يخطب الناس بعد البيعة له بالأمر ، فقال :

نحن حزب الله الغالبون وعشيرة (١) رسول الله الأقربون ، وأهل بيته الطيّبون الطاهرون ، وأحد الثقلين اللّذين خلّفهما رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله في اُمّته ، والثاني كتاب الله ، فيه تفصيل كلّ شيء ، لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه ، والمعوّل علينا في تفسيره لا نظن [ تأويله بل نتيقن ] (٢) حقائقه ، فأطيعونا فانّ طاعتنا مفروضة إذ كانت بطاعة الله عزّ وجلّ ورسوله مقرونة.

قال الله عزّ وجلّ : ( يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَطِيعُوا اللهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَأُولِي الأَمْرِ مِنكُمْ فَإِن تَنَازَعْتُمْ فِي شَيْءٍ فَرُدُّوهُ إِلَى اللهِ وَالرَّسُولِ ) (٣) ، ( وَلَوْ رَدُّوهُ إِلَى الرَّسُولِ وَإِلَىٰ أُولِي الأَمْرِ مِنْهُمْ لَعَلِمَهُ الَّذِينَ يَسْتَنبِطُونَهُ مِنْهُمْ ) (٤) ، واحذركم الإصغاء لهتاف الشيطان فانه لكم عدو مبين ، وتكونوا كأوليائه الذين قال لهم : ( لا غَالِبَ لَكُمُ الْيَوْمَ مِنَ النَّاسِ وَإِنِّي جَارٌ لَّكُمْ فَلَمَّا تَرَاءَتِ الْفِئَتَانِ نَكَصَ عَلَىٰ عَقِبَيْهِ وَقَالَ إِنِّي بَرِيءٌ مِّنكُمْ إِنِّي أَرَىٰ مَا لا تَرَوْنَ ) (٥) ، فتلقون إلى الرماح وزراً وإلى السيوف جزراً وللعمد حطماً وللسهام غرضاً ، ( لا يَنفَعُ نَفْسًا إِيمَانُهَا لَمْ تَكُنْ آمَنَتْ مِن قَبْلُ أَوْ كَسَبَتْ فِي إِيمَانِهَا خَيْرًا ) (٦).

١٤ ـ عن عطا ، عن ابن عباس قال : قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله :

« يابني عبدالمطلب انّي سألت الله لكم أن يعلم جاهلكم وأن يثبت قائمكم ، وان يهدي ضالكم وان يجعلكم نجداً [ جوداء رحماء ] (٧) ولو أن رجلاً صلّى وصفّ قدميه بين الركن والمقام ولقي الله ببغضكم أهل البيت دخل النار (٨) ».

__________________

١ : ٤٥٨ ، عنه البحار ٤٣ : ١٩٣ ، النهج : الخطبة ٢٠٢ ، دلائل الإمامة : ٤٧ ، الإرشاد للمفيد : ١٦٥ ، كشف الغمّة ٢ : ١٤٧ ، تذكرة الخواص : ٣١٨.

(١) في الأمالي : عترة.

(٢) من الأمالي.

(٣) النساء : ٥٩.

(٤) النساء : ٨٣.

(٥) الانفال : ٤٨.

(٦) الانعام : ١٥٨.

(٧) من الأمالي.

(٨) رواه الشيخ في أماليه ١ : ١١٧ و ٢١.

٣٩٨

١٥ ـ عن محمّد بن محمّد ، قال : أخبرنا أبو بكر محمّد بن عمر الجعابي ، قال : حدّثنا أبو العبّاس أحمد بن محمّد بن سعيد الهمداني ، قال : حدّثنا أبو عوانة موسى بن يوسف القطان الكوفي ، قال : حدّثنا محمّد بن سليمان (١) المقري الكندي ، عن عبدالصمد بن عليّ النوفلي ، عن أبي إسحاق السبيعي ، عن الأصبغ بن نباتة العبدي قال :

« لمّا ضرب ابن ملجم عليه اللعنة أمير المؤمنين علي بن أبي طالب عليه‌السلام عدونا عليه نفر من أصحابنا : أنا والحرث وسويد بن غفلة وجماعة معنا ، فقعد [ نا ] (٢) على الباب فسمعت (٣) البكاء فبكينا ، فخرج إلينا الحسن بن علي عليهما‌السلام فقال : يقول لكم أمير المؤمنين : انصرفوا إلى منازلكم ، فانصرف القوم غيري ، واشتد البكاء من منزله ، فبكيت ، وخرج الحسن وقال : ألم أقل لكم انصرفوا ؟ فقلت : لا والله يابن رسول الله ما تتابعني نفسي ولا تحملني رجلي ان أنصرف حتى أرى أمير المؤمنين عليه‌السلام.

قال : وبكيت فدخل ولم يلبث ان خرج فقال لي : ادخل ، فدخلت على أمير المؤمنين ، فإذا هو مستند معصوب الرأس بعمامة صفراء ، قد نزف دمه واصفرَّ وجهه ، فما أدري وجهه أصفر أم العمامة ، فأكببت عليه فقبّلته وبكيت فقال لي : لا تبك ياأصبغ فانها والله الجنّة ، فقلت له : جعلت فداك إنّي أعلم [ والله ] (٤) إنك تصير إلى الجنّة وأنا (٥) أبكي لفقداني إياك ياأمير المؤمنين جعلت فداك حدّثني بحديث سمعته من رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله فاني أراني لا أسمع منك حديثاً بعد يومي هذا أبداً.

فقال : نعم ياأصبغ ، دعاني رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله يوماً فقال لي : ياعليّ انطلق حتّى تأتي مسجدي ثم تصعد منبري ، ثم تدعو النّاس إليك فتحمد الله [ تعالى ] (٦) وتثني عليه وتصلي عليّ صلاة كثيرة وتقول : أيّها الناس إنّي رسول رسول الله إليكم ،

__________________

(١) في الامالي : سلمان.

(٢) من الأمالي.

(٣) في الأمالي : فسمعنا.

(٤) من الأمالي.

(٥) في الأمالي : انّه.

(٦) من الأمالي.

٣٩٩

وهو يقول [ لكم ] : ان لعنة الله ولعنة ملائكته المقربين وأنبيائه المرسلين ولعنتي على من انتمى إلى غير أبيه أو ادّعى إلى غير مواليه ، أو ظلم أجيراً أجره.

فأتيت مسجده (١) وصعدت منبره فلمّا رأتني قريش وكانوا في المسجد أقبلوا نحوي فحمدت الله وأثنيت عليه وصليت على رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله صلاة كثيرة ثم قلت : أيّها الناس إني رسول رسول الله إليكم وهو يقول لكم ألا لعنة الله ولعنة ملائكته المقربين وأنبيائه المرسلين ولعنتي على من انتمى إلى غير أبيه أو إدعى إلى غير مواليه أو ظلم أجيراً أجره.

قال : فلم يتكلّم أحد من القوم إلاّ عمر بن الخطاب فانه قال : قد أبلغت ياأبا الحسن ولكنك جئت بكلام غير مفسّر ، فقلت : إبلغ ذلك رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله ، فرجعت إلى النبي فأخبرته الخبر فقال : إرجع إلى مسجدي حتى تصعد منبري فاحمد الله واثني عليه وصل عليّ ثم قل : [ يا ] (٢) أيّها النّاس ما كنّا لنجيئكم بشيءٍ إلاّ وعندنا تأويله وتفسيره، ألا واني [ أنا ] (٣) أبوكم ، ألا واني [ انا ] (٤) مولاكم ، ألا وأني [ أنا ] (٥) أجيركم » (٦).

١٦ ـ قال : حدّثنا إبراهيم بن عبدالحميد ، عن زيد بن اُسامة الشحام ، عن أبي عبدالله جعفر بن محمّد عليهما‌السلام انّه قال :

« انكم لن تنالوا ولايتنا إلاّ بالورع والإجتهاد وصدق الحديث وأداء الأمانة وحسن الجوار وحسن الخلق والوفاء بالعهد وصلة الرحم ، وأعينونا بطول السجود ، ولو ان قاتل علي عليه‌السلام ائتمني على امانة لأديتها إليه ».

١٧ ـ عن جابر عن أبي عبدالله في قوله جلّ جلاله ( وَبَشِّرِ الَّذِينَ آمَنُوا أَنَّ لَهُمْ قَدَمَ صِدْقٍ عِندَ رَبِّهِمْ ) (٧) ، قال : « ولاية علي بن أبي طالب عليه‌السلام » (٨).

__________________

(١) من الأمالي.

(٢ ـ ٥) من الأمالي.

(٦) رواه الشيخ في أماليه ١ : ١٢٣.

(٧) يونس : ٢.

(٨) رواه الكليني في الكافي ١ : ٤٢٢ ، عنه البحار ٢٤ : ٤٠ و ٣٦ : ٥٨ ، وأخرجه في تأويل الآيات ١ : ٢١٣.

٤٠٠