بشارة المصطفى صلّى الله عليه وآله لشيعة المرتضى عليه السلام

عماد الدين أبي جعفر محمد بن أبي القاسم الطبري

بشارة المصطفى صلّى الله عليه وآله لشيعة المرتضى عليه السلام

المؤلف:

عماد الدين أبي جعفر محمد بن أبي القاسم الطبري


المحقق: جواد القيّومي الاصفهاني
الموضوع : العقائد والكلام
الناشر: مؤسسة النشر الإسلامي
المطبعة: مؤسسة النشر الإسلامي
الطبعة: ١
ISBN: 964-470-251-4
الصفحات: ٤٦٨
  نسخة مقروءة على النسخة المطبوعة

فارقنا فارقناه ، انّ أدنى ما يخرج به الرجل من الإيمان أن يقول للحصاة : هذه نواة ، ثم يدين بذلك ويتبرّأ (١) ممن خالفه ، يابن أبي محمود احفظ ما حدّثتك به ، فقد جمعت لك فيه خير الدنيا والآخرة » (٢).

٣٤ ـ قال : حدثنا عبدالله بن رجا قال : حدّثنا اسرائيل ، عن أبي إسحاق عن حبيش بن جنادة قال :

« كنت جالساً عند أبي بكر فأتاه رجل فقال : ياخليفة رسول الله ان رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله وعدني أن يحثوا ثلاث حثيات من تمر ، فقال أبو بكر : ادع لي علياً فجاء علي عليه‌السلام فقال أبو بكر ياأبا الحسن ان هذا يذكر ان رسول الله وعده أن يحثو له ثلاث حثيات من تمر فحثا له ثلاث حثيات من تمر ، فقال أبو بكر : عدّوها فوجدوا في كلّ حثية ستين تمرة ، فقال أبو بكر : صدق رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله سمعته ليلة الهجرة ونحن خارجون من مكة إلى المدينة يقول : ياأبا بكر كفي وكف علي في العدل سواء » (٣).

٣٥ ـ قال : أخبرنا أبو الحسن أحمد بن محمّد بن الوليد ، عن أبيه ، عن سعد بن عبدالله ، عن أحمد بن محمّد بن عيسى ، عن يونس بن عبدالرحمان ، عن كثير بن علقمة (٤) قال : قلت لأبي عبدالله عليه‌السلام ، أوصني جعلت فداك ، فقال :

أُوصيك بتقوى الله والورع والعبادة وطول السجود وأداء الامانة وصدق الحديث وحسن الجوار ، صلوا عشايركم (٥) وعودوا مرضاكم واحضروا جنائزكم ، كونوا لنا زيناً ولا تكونوا علينا شيناً ، أحبونا إلى النّاس ولا تبغضونا إليهم جروا إلينا كلّ مودة وادفعوا عنا كل قبيح (٦) ، ما قيل فينا من خير فنحن أهله ، وما قيل فينا من شر فوالله ما نحن كذلك لنا حق في كتاب الله وقرابة من رسول الله وولادة طيبة فهكذا قولوا.

__________________

(١) في العيون : يبرأ.

(٢) رواه الصدوق في العيون ١ : ٣٠٤.

(٣) رواه الشيخ في أماليه ١ : ٦٧.

(٤) في الاصل : عن يونس بن كثير ، عن علقمة ، ما اثبتناه من السرائر.

(٥) في السرائر : صلوا في عشائركم ، وفيه : حببونا.

(٦) في السرائر : كل شر.

٣٤١

أنتم والله على المحجّة البيضاء فاعينونا على ذلك بورع واجتهاد على من عرّفه الله بهذا الأمر جناح ألا يعرفه الناس به انه من عمل للناس كان ثوابه على الناس ، ومن عمل لله كان ثوابه على الله (١) ، ولا تجاهد الطلب جهاد المغالب ولا تنكل على القدر اتكال المستسلم فان ابتغاء الفضل من السنّة والإجمال في الطلب من العفة ، وليست العفة بدافعة رزقاً ولا الحرص بجالب فضلاً فانّ الرزق مقسوم والأجل موقوت والحرص يورث (٢) الماثم (٣) ، لا يفقدك الله من حيث أمرك ولا يراك من حيث نهاك ، ما أنعم الله على عبد بنعمة فشكرها بقلبه إلاّ استوجب المزيد بها قبل ان يظهر شكرها على لسانه ، من قصرت يده عن المكافأة فليطل لسانه بالشكر ، ومن حق شكر نعمة الله ان يشكر بعد شكره من جرت (٤) تلك النعمة على يده » (٥).

٣٦ ـ قال سلمان الفارسي :

« أوصاني خليلي أبو القاسم صلى‌الله‌عليه‌وآله بسبع لا أَدعهنّ على كل حال إلى أن أموت : ان انظر إلى من هو دوني ولا انظر إلى من هو فوقي ، وان أحب الفقراء وأدنو منهم ، وأقول الحق وإن كان مراً ، وان أصل رحمي وإن كانت مدبرة ، وأن لا أسأَل الناس شيئاً ، وأكثر من قول لا حول ولا قوّة إلاّ بالله فانها كنز من كنوز الجنّة » (٦).

__________________

(١) رواه في السرائر من « انتم » إلى هنا ، عن الحلبي ، عن حميد بن المثنى ، عن يزيد بن خليفة.

(٢) في الأصل : الأجل موقوف والحرص يورث الاثم ، وما أثبتناه من السرائر.

(٣) رواه في السرائر من : « ولا تجاهد » إلى الماثم عن الحسن عليه‌السلام ، ومنه إلى « نهاك » عن الصادق عليه‌السلام ، ومنه إلى « لسانه » من الباقر عليه‌السلام ، ومنه إلى آخره عن الصادق عليه‌السلام.

(٤) في السرائر : اجرى.

(٥) رواه ابن إدريس في مستطرفات السرائر : ١٦٣ ـ ١٦٤ مقطعاً ، وفي العيون والمحاسن : ٢ : ١٢١ ـ ١٢٢ روى هذا الحديث مقطعاً في البحار ٧٨ : ١٠٦ و ٣٧٢ ، ٦٨ : ٨٩ ، ١٠٣ : ٢٧.

أقول : مرّ بعضه تحت الرقم : ٢٥٦.

(٦) رواه ابن إدريس في مستطرفات السرائر : ١٦٥ ، عنه الوسائل ٦ : ٣٠٩ ، جامع الاحاديث ٨ : ٤٠٥ ، وفي العيون والمحاسن ٢ : ١٢٣.

٣٤٢

٣٧ ـ وقال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله :

« ثلاث منجيات وثلاث مهلكات ، فأما المنجيات : فخوف الله في السر والعلانية ، والعدل في الغضب ، والرضا والقصد في الفقر والغناء ، أما المهلكات : فشح مطاع ، وهوى متبع ، وإعجاب المرء بنفسه ».

٣٨ ـ عن عكرمة ، عن ابن عباس قال :

« قال علي عليه‌السلام : يارسول الله إنّك قلت لي يوم اُحد حين اخّرت عن الشهادة واستشهد من استشهد : ان الشهادة من ورائك ، قال صلى‌الله‌عليه‌وآله : كيف صبرك إذا خضبت هذه من هذا ـ واهوىٰ بيده إلى لحيته ورأسه ـ فقال علي عليه‌السلام : أما بنيت فليس ذلك من مواطن الصبر ولكن هو من مواطن البشرى والكرامة ».

٣٩ ـ قال : حدّثنا حسين الأشقر ، قال : حدّثنا قيس بن عمّار الدهني ، عن سالم بن أبي الجعد قال :

« قيل لعمر : انّا نراك تصنع لعلي شيئاً ما تصنع بأحد من أصحاب محمّد قال : انه مولاي » (١).

٤٠ ـ قال : حدّثنا أبو عبدالله محمّد بن موسى الربعي الكاتب ، قال : حدّثني أبي موسى بن عبدالعزيز ، قال :

« لقيني يوحنا بن سراقيون النصراني المتطبب في شارع أبي أحمد فاستوقفني وقال لي : بحق نبيك ودينك من هذا الذي يزور قبره منكم بناحية قصر ابن هبيرة من هو من أصحاب نبيكم ؟ قلت : ليس هو من أصحابه هو ابن بنته فما دعاك إلى المسألة عنه ؟ فقال : له عندي حديث طريف ، قلت : حدّثني به ، فقال : وجه إليَّ سابور الكبير خادم الرشيد في الليل ، فصرت إليه فقال : تعالَ معي.

فمضى وأنا معه حتى دخلنا على موسى بن عيسى الهاشمي فوجدناه زائل العقل متكئاً على وسادة ، وإذا بين يديه طشت فيها حشو جوفه ، وكان الرشيد

__________________

(١) رواه في البحار ٣٧ : ١٦٠ عن مناقب آل أبي طالب ١ : ٥٢٧ أقول : يأتي ما يشابهه في ج ٧ : الرقم ٤٥.

٣٤٣

استحضره من الكوفة ، فأقبل سابور على خادم من خاصة موسى فقال له : ويحك ما خبره ؟ فقال له : اخبرك انه كان من ساعة جالساً وحوله ندمائه وهو من أصح الناس جسماً وأطيبهم نفساً إذ جرى ذكر الحسين بن علي عليه‌السلام.

قال يوحنا : هذا الّذي سألتك عنه ، فقال موسى : ان الرافضة لتغلوا فيه حتّى انهم فيما عرفت يجعلون تربته دواء يتداوون به ، فقال له رجل من بني هاشم كان حاضراً قد كانت بي علّة غليظة فتعالجت لها بكل علاج فما نفعني حتى وصف لي كاتبي أن آخذ من هذه التربة فأخذت فنفعني الله بها وزال ما كنت أجده ، قال : فبقي عندك منها شيء ؟ قال : نعم فوجه فجاؤوه بقطعة فناولها موسى بن عيسى فأخذها موسى فاستدخلها دبره استهزاء بمن يداوي بها واحتقاراً وتصغيراً لهذا الرجل الذي هذه تربته ـ يعني الحسين عليه‌السلام ـ ، فما هو الآن ان استدخلها دبره حتى صاح : النار النار الطشت الطشت فجئناه بالطشت ، فاخرج فيها ما ترى فانصرف الندماء فصار المجلس مأتماً.

فأقبل عليَّ سابور فقال : انظر هل لك فيه حيلة ، فدعوت بشمعة فاذا كبده وطحاله ورئتيه وفؤاده خرج منه في الطشت ، فنظرت إلى أمر عظيم ، فقلت : ما لأحد في هذا صُنعْ إلاّ أن يكون لعيسى الذي كان يحيي الموتىٰ.

فقال لي سابور : صدقت ، ولكن كن هاهنا في الدار إلى أن يتبين ما يكون من أمره ، فبتّ عندهم وهو بتلك الحالة ما رفع رأسه ، فمات في وقت السحر. قال محمّد بن موسى ، قال لي موسى بن سريع : فكان يوحنّا يزور قبر الحسين عليه‌السلام وهو على دينه ، ثم أسلم بعد هذا فحسن إسلامه » (١).

٤١ ـ اعتماداً على بعضه قال : حدّثنا عبد ربّه بن علقمة ، عن حمّاد بن سلمة ، عن يحيى بن سعيد ، عن سعيد بن المسيب قال :

« قال : عمر بن الخطاب : تحبّبوا إلى الأشراف وتوددوا ، واتقوا على أعراضكم

__________________

(١) رواه الراوندي في الخرائج ٢ : ٨٧٤ ، والشيخ في أماليه ١ : ٣٢٧ ، عنه البحار ٤٥ : ٣٩٩.

٣٤٤

من السفلة ، واعلموا انه لا يتم شرف إلاّ بولاية علي بن أبي طالب عليه‌السلام » (١).

٤٢ ـ قال : حدّثنا يحيى بن عبدالحميد الحماني أملاه عليَّ في منزله :

« قال خرجت أيام ولاية موسى بن عيسى الهاشمي الكوفة من منزلي فلقيني أبو بكر بن عياش فقال لي : امض بنا يايحيى إلى هذا ، فلم أدر من يعني وكنت أجل أبا بكر عن مراجعته وكان راكباً حماراً له فجعل يسير عليه وأنا أمشي مع ركابه ، فلما صرنا عند الدار المعروفة بدار عبدالله بن حازم (٢) ، التفت إلي فقال : يابن الحماني إنما جررتك معي وحشّمتك (٣) ان تمشي خلفي لاُسمعك ما أقول لهذا الطاغية قال : فقلت : من هو ياأبا بكر؟

فقال : هذا الفاجر الكافر موسى بن عيسى ، فسكت عنه ومضى وأنا اتبعه حتى إذا صرنا إلى باب موسى بن عيسى وبصر به الحاجب وتبينه ، وكان الناس ينزلون عند الرحبة فلم ينزل أبو بكر هناك ، وكان عليه يومئذٍ قميص وازار وهو محلول الأزرار ، قال : فدخل على حماره وناداني فقال : تعال يابن الحماني ، فمنعني الحاجب فزجره أبو بكر وقال : أتمنعه يا فاعل وهو معي فتركني فما زال يسير على حماره حتى دخل الايوان فبصر بنا موسى وهو قاعد في صدر الايوان على سريره وبجنبي السرير رجال متسلّحون وكذلك كانوا يصنعون فلما ان رآه موسى رحب به وقربه وأقعده على سريره ومنعت أنا حين وصلت إلى الايوان ان اتجاوزه.

فلمّا استقر أبو بكر على السرير التفت فرآني حيث أنا واقف فناداني : تعال ويحك ، فصرت إليه ونعلي في رجلي وعلي قميص وأزار وأجلسني بين يديه فالتفت إليه موسى فقال : هذا رجل تكلمنا فيه ؟ قال : لا ولكني جئت به شاهداً عليك ، قال : في ماذا ؟ قال : إني رأيتك وما صنعت بهذا القبر ، قال : أي قبر ؟ قال : قبر

__________________

(١) يأتي مثله في ج ٨ : الرقم ٢٧.

(٢) في الأصل : عبدالله بن جابر ، وما أثبتناه من الأمالي.

(٣) جشمته الأمر وأجشمته أياه : كلّفته أياه.

٣٤٥

الحسين بن علي بن فاطمة بنت رسول الله ، وكان موسى قد وجه إليه من كربه وكرب جميع أرض الحائر وحرثها وزرع الزرع فيها ، فانتفخ موسى حتى كاد ان ينقد ، ثم قال : وما أنت وذا ؟ قال : أسمع حتى أخبرك :

إعلم اني رأيت في منامي كأني خرجت إلى قومي بني غاضرة ، فلمّا صرت بقنطرة الكوفة اعترضني خنازير عشرة تريدني فاغاثني الله برجل كنت أعرفه من بني أسد فدفعها عني ، فمضيت لوجهي ، فلما صرت إلى شاهي ضللت الطريق ورأيت هناك عجوزاً ، فقالت لي : أين تريد أيها الشيخ ؟ قلت : اُريد الغاضرية فقالت لي : تنظر هذا الوادي ، فانك إذا أتيت إلى آخره اتضح لك الطريق ، فمضيت وفعلت ذلك ، فلما صرت إلى نينوى إذا أنا بشيخ كبير جالس هناك ، فقلت : من أين أنت أيها الشيخ ؟ فقال لي : أنا من أهل هذه القرية ، فقلت : كم تعدّ من السنين ؟

فقال : ما أحفظ مما مضى من سني ، ولكن أبعد ذكري إني رأيت الحسين بن علي عليهما‌السلام ومن كان معه من أهله ومن تبعه يمنعون الماء الذي تراه ولا يمنع الكلاب ولا الوحوش شربه ، فاستعظمت ذلك فقلت له : ويحك أنت رأيت هذا ؟ قال : إي والذي سَمَك السماء لقد رأيت هذا أيها الشيخ وعاينته وأنت وأصحابك الذين تعينون على ما قد رأينا ، فما أقرح عيون المسلمين إن كان في الدنيا مسلم.

فقلت : ويحك وما هو ؟ قال : حيث لم تنكروا ما أجرى سلطانكم إليه ، فقلت : ما أجرى إليه ؟ قال : أيكرب قبر ابن بنت النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله ويحرث أرضه ؟ فقلت : وأين القبر ؟ قال : هاهو ذا انت واقف في أرضه ، فأما القبر فقد عمي عن ان يعرف موضعه.

قال أبو بكر بن عياش : وما كنت رأيت القبر قبل ذلك الوقت قط ولا أتيته في طول عمري ، فقلت : فمن لي بمعرفته ، فمضى معي الشيخ حتى وقف بي على حائر (١) له باب وآذن ، وإذا جماعة كثيرة على الباب ، فقلت للآذن : اُريد الدخول على ابن بنت رسول الله ، فقال : لا تقدر على الوصول في هذا الوقت ، قلت : ولم ؟ قال : هذا وقت زيارة إبراهيم خليل الله ومحمّد رسول الله ومعهما جبرئيل

__________________

(١) الحير : البستان ، والمراد الحائر الحسيني عليه‌السلام.

٣٤٦

وميكائيل في رعيل (١) من الملائكة لكثير.

قال أبو بكر بن عياش : فانتبهت من نومي وقد دخلني روع شديد وحزن وكآبة ومضت بي الأيام حتى كدت ان أنسى المنام ، ثم اضطررت إلى الخروج إلى بني غاضرة ، لدين كان لي على رجل منهم ، فخرجت وأنا لا أذكر الحديث حتى صرت بقنطرة الكوفة لقيني عشرة من اللصوص ، فحين رأيتهم ذكرت الحديث ورعبت من خشيتي لهم ، فقالوا لي : إلقِ ما معك وانجَ بنفسك ، وكانت معي نفيقة.

فقلت : ويحكم أنا أبو بكر بن عياش وإنما خرجت في طلب دين لي ، فالله الله لا تقطعوا بي عن طلب ديني وتضروني (٢) في نفقتي فاني شديد الاضافة (٣) ، فنادى رجل منه : مولاي والله لا يعرّض له ، ثم قال لبعض فتيانهم : كن معه حتى تصير به إلى الطريق الأيمن.

قال أبو بكر : فجعلت أتذكر ما رأيت في المنام وأتعجب من تأويل الخنازير ، فمضيت حتى صرت الى نينوى ، فرأيت والذي لا إله إلاّ هو الشيخ الذي كنت رأيته ، في منامي بصورته وهيئته ، رأيته في اليقظة كما رأيته في المنام سواء ، فحين رأيته ذكرت الأمر والرؤيا.

فقلت : لا إله إلاّ الله ما كان هذا إلاّ وحياً ، ثم سألته كمسألتي إياه في المنام فأجابني بما كان أجابني به ثم قال لي : امض بنا فمضيت فوقفت معه على الموضع وهو مكروب ، فلم يفتني شيء من منامي إلاّ الآذن والحير ، فاني لم أرَ حائراً ولم أر آذناً ، فاتق الله أيها الرجل فاني قد آليت على نفسي ألا ادع اذاعة هذا الحديث ولا زيارة ذلك الموضع وقصده وإعظامه ، فان موضعاً يأتيه (٤) إبراهيم ومحمد وجبرئيل وميكائيل لحقيق بأن يرغّب في اتيانه وزيارته.

فان أبا حصين حدّثني ان رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله قال : من رآني في المنام فأياي

__________________

(١) الرعيل : قطعة من الخيل.

(٢) في الأمالي : طلب ديني وتصرفاتي.

(٣) في الأمالي : الاضافة ، وهي بمعنى الضيافة.

(٤) في الأمالي : يؤمه.

٣٤٧

رأى فان الشيطان لا يتشبه بي ، فقال له موسى : إني إنما أمسكت عن أجابة كلامك لأستوفي هذه الحمقة التي ظهر منك ، وبالله لئن بلغني بعد هذا الوقت إنك تحدّث بهذا لأضربن عنقك وعنق هذا الذي جئت به شاهداً عليَّ.

فقال له أبو بكر : إذا يمنعني الله وإياه منك ، فاني إنما أردت الله بما كلّمتك به ، فقال له : أتراجعني ياماص (١) ، وشتمه ، فقال له : اسكت أخزاك الله وقطع لسانك ، فأرعد (٢) موسى على سريره.

ثم قال : خذوه فأخذوا الشيخ عن السرير واُخذت أنا فوالله لقد مر بنا من السحب والجر والضرب ، ما ظننت اننا لا نكثر الأحياء أبداً (٣) ، وكان أشد ما مرّ بي من ذلك ان رأسي كان يجر على الصخر ، وكان بعض مواليه يأتيني فينتف لحيتي وموسى يقول : اقتلوهما بني كذا وكذا ـ بالزاني لا يكنّى (٤) ـ وأبو بكر يقول له : امسك قطع الله لسانك وانتقم منك اللهم إياك أردنا ولولد نبيك غضبنا وعليك توكلنا فصير بنا جميعاً إلى الحبس فما لبثنا في الحبس إلاّ قليلاً والتفت إلي أبو بكر فرأى ثيابي قد خرقت وسالت دمائي.

فقال : ياحماني قد غضبنا لله حقاً واكتسبنا في يومنا هذا أجراً ولن يضيع ذلك عند الله ولا عند رسوله ، فما لبثنا إلاّ مقدار غدائه ونومه حتّى جاءنا رسوله فأخرجنا إليه وطلب حمار أبي بكر فلم يوجد ، فدخلنا عليه فإذا هو في سرداب له يشبه الدور سعة وكبراً ، فتعبنا في المشي إليه تعباً شديداً وكان أبو بكر إذا تعب في مشية جلس يسيراً ثم يقول : اللهم إن هذا فيك فلا تنسه ، فلمّا دخلنا على موسى وإذا هو على سرير له فحين بصرنا به قال لنا : لا حيا الله ولا قرب من جاهل أحمق

__________________

(١) قال الجوهري : قوله : يامصّان وللانثى يامصّانة ، شتم ، أي ياماص فرج اُمه ، ويقال أيضاً : رجل مصان إذا كان يُرضع الغنم من لؤمه.

(٢) في الأمالي : زاعله ، وهو بمعنى أزعجه.

(٣) اننا لا نكثر الأحياء أبداً ، كناية عن الموت أي لا نكون بينهم حتّى يكثر عددهم بنا.

(٤) بالزاني لا يكنى ، أي كان يقول في الشتم ألفاظاً صريحة في الزنا ولا يكتفي بالكناية.

٣٤٨

يتعرض لما يكره ، ويلك يادعيّ ما دخولك فيما بيننا معشر بني هاشم ، فقال له أبو بكر : قد سمعت كلامك والله حسيبك ، فقال له : إخرج قبحك الله والله لئن بلغني ان هذا الحديث شاع أو ذكر عنك لأضربن عنقك ، ثم التفت إلي فقال لي : ياكلب ، وشتمني وقال : إياك ثم إياك ان تظهر هذا فانه إنما خيّل لهذا الشيخ الأحمق شيطان يلعب به في منامه ، اُخرجا عليكما لعنة الله وغضبه.

فخرجنا وقد آيسنا من الحياة ، فلما وصلنا إلى منزل الشيخ أبي بكر وهو يمشي وقد ذهب حماره ، فلمّا أراد أن يدخل منزله التفت إليَّ وقال : إحفظ هذا الحديث واثبته عندك ولا تحدثنّ هؤلاء الرعاع (١) ولكن حدّث به أهل العقول والدين » (٢).

٤٣ ـ حدّثنا محمّد بن عبدالله بن جعفر الحميري ، عن أبيه ، عن الريان بن الصلت ، قال :

« حضر الرضا عليه‌السلام مجلس المأمون بمرو ، وقد اجتمع في مجلسه جماعة من علماء [ أهل ] (٣) العراق وخراسان ، فقال المأمون : أخبروني عن معنى هذه الآية : ( ثُمَّ أَوْرَثْنَا الْكِتَابَ الَّذِينَ اصْطَفَيْنَا مِنْ عِبَادِنَا ) (٤) فقالت العلماء : أراد الله عزّ وجلّ بذلك الاُمّة كلّها ، فقال المأمون : ما تقول ياأبا الحسن ؟ فقال الرضا عليه‌السلام : لا أقول كما قالوا ولكنّي أقول : أراد الله عزّ وجلّ بذلك العترة الطاهرة ، فقال المأمون : فكيف عنى العترة من دون الاُمّة ؟ فقال الرضا عليه‌السلام : انه لو أراد الاُمّة كلّها لكانت أجمعها في الجنّة ، لقول الله تبارك وتعالى : ( فَمِنْهُمْ ظَالِمٌ لِّنَفْسِهِ وَمِنْهُم مُّقْتَصِدٌ وَمِنْهُمْ سَابِقٌ بِالخَيْرَاتِ بِإِذْنِ اللهِ ذَٰلِكَ هُوَ الْفَضْلُ الْكَبِيرُ ) (٥) ، ثم جمعهم كلّهم في الجنّة فقال : ( جَنَّاتُ عَدْنٍ تَجْرِي مِن تَحْتِهِمُ الأَنْهَارُ يُحَلَّوْنَ فِيهَا مِنْ أَسَاوِرَ ) ، فصارت الوارثة للعترة الطاهرة لا لغيرهم ، فقال المأمون : مَن العترة الطاهرة ؟

__________________

(١) الرعاع : سفلة الناس.

(٢) رواه الشيخ في أماليه ١ : ٣٢٩ ، عنه البحار ٤٥ : ٣٩٠.

(٣) من العيون.

(٤ و ٥) فاطر : ٣٢.

٣٤٩

فقال الرضا عليه‌السلام : الّذين وصفهم الله تعالى في كتابه فقال جل وعزّ : ( إِنَّمَا يُرِيدُ اللهُ لِيُذْهِبَ عَنكُمُ الرِّجْسَ أَهْلَ الْبَيْتِ وَيُطَهِّرَكُمْ تَطْهِيرًا ) (١) ، وهم الّذين قال رسول الله : اني مخلّف فيكم الثقلين : كتاب الله وعترتي أهل بيتي ، [ ألا ] (٢) وانهما لن يفترقا حتّى يردا عليَّ الحوض ، انظروا كيف تخلفوني فيهما ، ايّها الناس لا تعلموهم فانه (٣) أعلم منكم ، قالت العلماء : أخبرنا ياأبا الحسن عن العترة أهم الآل أو غير الآل ؟

فقال الرضا عليه‌السلام : هم الآل ، فقالت العلماء : فهذا رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله يؤثر عنه (٤) ، انه قال : اُمّتي آلي ، وهؤلاء أصحابي يقولون بالخبر المستفاض الذي لا يمكن دفعه آل محمّد اُمته ، فقال أبو الحسن عليه‌السلام : أخبروني هل تحرم الصدقة على الآل ؟ قالوا : نعم ، قال : فتحرم على الاُمّة ؟ قالوا : لا ، قال : هذا فرق ما بين الآل والاُمّة ويحكم أين يذهب بكم ، أضربتم عن الذكر صفحاً أم أنتم قوم مسرفون (٥) ، أما علمتم انّه وقعت الوراثة والطهارة على المصطفين المهتدين دون سايرهم ، قالوا : [ ومن ] (٦) أين ياأبا الحسن ؟

قال : من قول الله عزّ وجلّ : ( وَلَقَدْ أَرْسَلْنَا نُوحًا وَإِبْرَاهِيمَ وَجَعَلْنَا فِي ذُرِّيَّتِهِمَا النُّبُوَّةَ وَالْكِتَابَ فَمِنْهُم مُّهْتَدٍ وَكَثِيرٌ مِّنْهُمْ فَاسِقُونَ ) (٧) ، فصارت وراثة النبوة والكتاب للمهتدين دون الفاسقين ، أما علمتم انّ نوحاً عليه‌السلام حين سأل ربّه عزّ وجلّ ، فقال : ( رَبِّ إِنَّ ابْنِي مِنْ أَهْلِي وَإِنَّ وَعْدَكَ الحَقُّ وَأَنتَ أَحْكَمُ الحَاكِمِينَ ) (٨) ، وذلك انّ الله عزّ وجلّ وعده أن ينجيه وأهله ، فقال له ربه : ( إِنَّهُ لَيْسَ مِنْ أَهْلِكَ إِنَّهُ عَمَلٌ غَيْرُ صَالِحٍ فَلا تَسْأَلْنِ مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ إِنِّي أَعِظُكَ أَن تَكُونَ مِنَ الجَاهِلِينَ ) (٩) ، فقال المأمون : هل فضل الله العترة على سائر الناس ( في محكم

__________________

(١) الأحزاب : ٣٣.

(٢) من العيون.

(٣) في العيون : فانهم.

(٤) يعني : يحدث عنه صلى‌الله‌عليه‌وآله .

(٥) اقتباس من الكريمة : الزخرف : ٥.

(٦) من العيون.

(٧) الحديد : ٣٦.

(٨) هود : ٤٥.

(٩) هود : ٤٦.

٣٥٠

كتابه ) (١) ؟ فقال أبو الحسن عليه‌السلام : ان الله عزّ وجلّ أبان فضل العترة على سائر الناس في محكم كتابه ، فقال له المأمون : أين ذلك من كتاب الله عزّ وجلّ ؟

فقال له الرضا عليه‌السلام : في قوله عزّ وجلّ : ( إِنَّ اللهَ اصْطَفَىٰ آدَمَ وَنُوحًا وَآلَ إِبْرَاهِيمَ وَآلَ عِمْرَانَ عَلَى الْعَالَمِينَ ذُرِّيَّةً بَعْضُهَا مِن بَعْضٍ ) (٢) ، وقال عزّ وجلّ في موضع آخر : ( أَمْ يَحْسُدُونَ النَّاسَ عَلَىٰ مَا آتَاهُمُ اللهُ مِن فَضْلِهِ فَقَدْ آتَيْنَا آلَ إِبْرَاهِيمَ الْكِتَابَ وَالحِكْمَةَ وَآتَيْنَاهُم مُّلْكًا عَظِيمًا ) (٣) ، ثم ردّ المخاطبة في إثر هذا إلى سائر المؤمنين فقال :

( يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَطِيعُوا اللهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَأُولِي الأَمْرِ مِنكُمْ ) (٤) ، يعني الذين عرفهم (٥) بالكتاب والحكمة وحسدوا عليهما ، فقوله عزّ وجلّ : ( أَمْ يَحْسُدُونَ النَّاسَ عَلَىٰ مَا آتَاهُمُ اللهُ مِن فَضْلِهِ فَقَدْ آتَيْنَا آلَ إِبْرَاهِيمَ الْكِتَابَ وَالحِكْمَةَ وَآتَيْنَاهُم مُّلْكًا عَظِيمًا ) ، يعني الطاعة للمصطفين الطاهرين ، فالملك هاهنا هو الطاعة لهم.

قالت العلماء : فاخبرنا هل فسّر الله عزّ وجلّ الاصطفاء في كتابه ؟ فقال الرضا : فسّر الاصطفاء في الظاهر سوى الباطن في اثنى عشر موطناً وموضعاً :

فأول ذلك قوله عزّ وجلّ : ( وَأَنذِرْ عَشِيرَتَكَ الأَقْرَبِينَ ) (٦) ورهطك المخلصين ، هكذا في قراءة اُبي بن كعب ، وهي ثابتة في مصحف عبدالله بن مسعود وهذه منزلة رفيعة وفضل عظيم وشرف عال حين عنى الله بذلك الآل ، فذكره لرسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله فهذه واحدة.

والآية الثانية في الاصطفاء قوله عزّ وجلّ : ( إِنَّمَا يُرِيدُ اللهُ لِيُذْهِبَ عَنكُمُ الرِّجْسَ أَهْلَ الْبَيْتِ وَيُطَهِّرَكُمْ تَطْهِيرً ) ، وهذا الفضل الذي لا يجهله أحد إلاّ معاند ضال لأنه فضل بعد طهارة ينتظر فيها ، فهذه الثانية.

__________________

(١) ليس في العيون.

(٢) آل عمران : ٣٣.

(٣) النساء : ٥٤.

(٤) النساء : ٥٩.

(٥) في العيون : قرنهم.

(٦) الشعراء : ٢١٤.

٣٥١

وأمّا الثالثة : فحين ميّز الله الطاهرين من خلقه ، فأمر نبيه صلى‌الله‌عليه‌وآله بالمباهلة بهم في آية الابتهال فقال عزّ وجلّ : ( قل ) (١) يامحمد : ( فَمَنْ حَاجَّكَ فِيهِ مِن بَعْدِ مَا جَاءَكَ مِنَ الْعِلْمِ فَقُلْ تَعَالَوْا نَدْعُ أَبْنَاءَنَا وَأَبْنَاءَكُمْ وَنِسَاءَنَا وَنِسَاءَكُمْ وَأَنفُسَنَا وَأَنفُسَكُمْ ثُمَّ نَبْتَهِلْ فَنَجْعَل لَّعْنَتَ اللهِ عَلَى الْكَاذِبِينَ ) (٢) ، فأبرز (٣) النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله علياً والحسن والحسين وفاطمة وقرن أنفسهم بنفسه ، فهل تدرون ما معنى قوله تعالى : ( وَأَنفُسَنَا وَأَنفُسَكُمْ ) ؟

قالت العلماء : عنى به نفسه ، فقال أبو الحسن عليه‌السلام : غلطتم إنّما عنى بها علي بن أبي طالب عليه‌السلام ، ومما يدلّ على ذلك قول النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله حين قال : لتنتهينّ بنو وليعة (٤) أو لأبعثنّ إليهم رجلاً كنفسي يعني علي بن أبي طالب ، وعنى بالأبناء الحسن والحسين ، وعنى بالنساء فاطمة عليها‌السلام ، فهذه خصوصيّة لا يتقدّمهم فيها أحد وفضل لا يلحقهم فيه بشر وشرف لا يسبقهم إليه خلق ، ان (٥) جعل نفس علي كنفسه ، فهذه الثالثة.

وأمّا الرابعة : فاخراج(٦) الناس من مسجده ما خلا العترة حتّى تكلّم الناس في ذلك وتكلّم العبّاس ، فقال : يارسول الله تركت علياً فأخرجتنا ؟

فقال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله : ما أنا تركته وأخرجتكم ، ولكن الله تركه وأخرجكم ، وفي هذا تبيان قوله صلى‌الله‌عليه‌وآله لعلي : أنت منّي بمنزلة هارون من موسى ، قالت العلماء : فأين هذا من القرآن ؟ قال أبو الحسن : أوجدكم في ذلك قرآناً أقرأه عليكم ؟ قالوا : هات ، قال : قول الله عزّ وجلّ : ( وَأَوْحَيْنَا إِلَىٰ مُوسَىٰ وَأَخِيهِ أَن تَبَوَّآ لِقَوْمِكُمَا بِمِصْرَ بُيُوتًا وَاجْعَلُوا بُيُوتَكُمْ قِبْلَةً ) (٧) ففي هذه الآية منزلة هارون من موسى ، وفيها أيضاً منزلة علي من رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله ( حين قال : أنت منّي منزلة هارون ) (٨) ، ومع هذا

__________________

(١) ليس في العيون.

(٢) آل عمران : ٦١.

(٣) في العيون : برز.

(٤) وليعة ـ كسفينة ـ حيّ من كِندة.

(٥) في العيون : إذ.

(٦) ليس في العيون.

(٧) يونس : ٨٧.

(٨) من العيون.

٣٥٢

دليل ظاهر في قول رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله حين قال : إلاّ انّ هذا المسجد لا يحل لجنب إلاّ لمحمّد وآله.

قالت العلماء : ياأبا الحسن هذا الشرح وهذا البيان لا يوجد عندكم [ معاشر ] (١) أهل بيت رسول الله ، قال أبو الحسن : ومن ينكر لنا ذلك ورسول الله يقول : أنا مدينة الحكمة وعلي بابها ، فمن أراد المدينة فليأتها من بابها ، ففيما أوضحناه وشرحناه من الفضل والشرف والتقدمة والاصطفاء والطهارة ما لا ينكره [ إلاّ ] (٢) معاند ولله عزّ وجلّ الحمد على ذلك ، فهذه الرابعة.

وأما الخامسة : قول الله عزّ وجلّ : ( وَآتِ ذَا الْقُرْبَىٰ حَقَّهُ ) (٣) خصوصيّة خصّهم الله تعالى العزيز الجبار بها واصطفاهم على الاُمّة ، فلمّا نزلت هذه الآية على رسول الله ، قال : إدعوا لي فاطمة ، فدعيت له ، فقال : يافاطمة ، قالت : لبيك يارسول الله ، فقال صلى‌الله‌عليه‌وآله : هذه فدك (٤) هي مما لم يوجف عليه بخيل ولا ركاب ، وهي لي خاصّة دون المسلمين وقد جعلتها لك كما (٥) أمرني الله فخذيها لك ولولدك ، فهذه الخامسة.

والآية السادسة : قول الله عزّ وجلّ : ( قُل لاَّ أَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ أَجْرًا إِلاَّ المَوَدَّةَ فِي الْقُرْبَىٰ ) (٦) ، وهذه خصوصيّة للنبي صلى‌الله‌عليه‌وآله إلى يوم القيامة وخصوصيّة للآل دون غيرهم ، وذلك انّ الله حكى في ذكر نوح عليه‌السلام في كتابه : ( يَا قَوْمِ لا أَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ مَالاً إِنْ أَجْرِيَ إِلاَّ عَلَى اللهِ وَمَا أَنَا بِطَارِدِ الَّذِينَ آمَنُوا إِنَّهُم مُّلَاقُو رَبِّهِمْ وَلَٰكِنِّي أَرَاكُمْ قَوْمًا تَجْهَلُونَ ) (٧) ، وحكى عزّ وجلّ عن هود عليه‌السلام انه قال : ( [ قل ] لا أَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ أَجْرًا إِنْ أَجْرِيَ إِلاَّ عَلَى الَّذِي فَطَرَنِي أَفَلا تَعْقِلُونَ )(٨).

__________________

(١) من العيون.

(٢) من العيون.

(٣) الاسراء : ٢٦.

(٤) فدك : قرية بالحجاز بينها وبين المدينة يومان.

(٥) في العيون : لما.

(٦) الشورى : ٢٠.

(٧) هود : ٢٩.

(٨) هود : ٥١.

٣٥٣

وقال عزّ وجلّ لنبيه صلى‌الله‌عليه‌وآله : قل يامحمد ( لاَّ أَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ أَجْرًا إِلاَّ المَوَدَّةَ فِي الْقُرْبَىٰ ) ، ولم يفرض الله مودتهم إلاّ وقد علم انّهم لا يرتدّون عن الدين ولا يرجعون إلى ضلال أبداً ، واُخرى أن يكون الرجل وادّاً للرجل فيكون بعض [ أهل بيته ] (١) عدواً له ، فلا يسلم [ له ] قلب الرجل ، فاحبّ الله عزّ وجلّ أن لا يكون في قلب رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله على المؤمنين شيء ، ففرض عليهم مودّة ذوي القربى ، فمن أخذ بها وأحبّ رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله وأحب أهل بيته لم يستطع رسول الله ان يبغضه ، ومن تركها ولم يأخذ بها وأبغض أهل بيته فعلى رسول الله ان يبغضه ، لأنّه ترك فريضة من فرائض الله ، فأيّ فضلة وأيّ شرف يتقدّم هذا أو يدانيه ، فأنزل الله هذه الآية على نبيه صلى‌الله‌عليه‌وآله : ( قُل لاَّ أَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ أَجْرًا إِلاَّ المَوَدَّةَ فِي الْقُرْبَىٰ ) ، فقام رسول الله في أصحابه فحمد الله وأثنى عليه وقال :

ياأيّها النّاس انّ الله قد فرض لي عليكم فرضاً فهل أنتم مؤدّوه ؟ فلم يجبه أحد ، فقال : [ يا ] (٢) أيّها الناس انّه ليس بذهب ولا فضة (٣) ولا مأكول ولا مشروب ، فقالوا : هات اذاً ، فتلا عليهم هذه الآية ، فقالوا : أما هذا فنعم ، فما وفى بها أكثرهم ، وما بعث الله عزّ وجلّ نبياً إلاّ أوحى إليه أن لا يسأل قومه أجراً إلاّ أن الله يوفه أجر الأنبياء (٤) ومحمد صلى‌الله‌عليه‌وآله فرض الله عزّ وجلّ [ طاعته ] (٥) مودّة قرابته على اُمّته وأمره أن يجعل أجره فيهم ليؤدّوه في قرابته بمعرفة فضلهم الذي أحبّ (٦) الله عزّ وجلّ لهم ، فإنّ المودّة إنما تكون على قدر معرفة الفضل.

فلمّا أوجب الله ذلك ثقل [ ذلك ] (٧) لثقل وجوب الطاعة ، فتمسّك بها قوم [ قد ] (٨) أخذ الله ميثاقهم على الوفاء وعاند أهل الشقاق والنفاق ( والحسد ) (٩)

__________________

(١) من العيون.

(٢) من العيون.

(٣) في العيون : من فضة ولا ذهب.

(٤) في العيون : لأن الله عزّ وجلّ يوفيه أجر الأنبياء.

(٥) من العيون.

(٦) في العيون : أوجب.

(٧) من العيون.

(٨) من العيون.

(٩) ليس في العيون.

٣٥٤

وألحدوا في ذلك ، فصرفوه عن حده الذي حده الله ، فقالوا : القرابة هم العرب كلّها وأهل دعوته ، فعلى أيّ الحالتين كان ، فقد علمنا انّ المودة للقرابة [ هي ] (١) ، فأقربهم من النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله أولاهم بالمودة وكلّما قربت القرابة كانت المودة على قدرها ، وما انصفوا نبي الله صلى‌الله‌عليه‌وآله في حيطته ورأفته ، وما منّ الله به على اُمّته ممّا تعجزه الألسن عن وصف الشكر عليه أن لا يؤذوه (٢) في ذريته وأهل بيته ، وأن يجعلوهم منهم كمنزلة (٣) العين من الرأس حفظاً لرسول الله [ فيهم ] (٤) وحبّاً لبنيه (٥) ، فكيف والقرآن ينطق به ويدعو إليه والأخبار ثابتة ، بأنهم أهل المودّة والّذين فرض الله مودّتهم ووعد الجزاء عليها ، فما وفى أحد بها ، فهذه المودّة لا يأتي بها أحد مؤمناً مخلصاً إلاّ استوجب الجنّة ، لقول الله عزّ وجلّ في هذه الآية : ( وَالَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ فِي رَوْضَاتِ الجَنَّاتِ لَهُم مَّا يَشَاءُونَ عِندَ رَبِّهِمْ ذَٰلِكَ هُوَ الْفَضْلُ الْكَبِيرُ * ذَٰلِكَ الَّذِي يُبَشِّرُ اللهُ عِبَادَهُ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ قُل لاَّ أَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ أَجْرًا إِلاَّ المَوَدَّةَ فِي الْقُرْبَىٰ ) مفسراً ومبيناً.

ثم قال أبو الحسن عليه‌السلام : حدّثني أبي ، عن جدّي ، [ عن آبائه ] (٦) عن الحسين بن علي عليهم‌السلام قال : اجتمع المهاجرون والأنصار إلى رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله فقالوا : انّ لك يارسول الله مؤونة في نفقتك وفيمن يأتيك من الوفود (٧) ، وهذه أموالنا مع دمائكم ، فاحكم فيها باراً مأجوراً ، اعط ما شئت وامسك ما شئت من غير حرج ، قال : فأنزل الله عزّ وجلّ عليه الروح الأمين فقال : يامحمد ! ( قُل لاَّ أَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ أَجْرًا إِلاَّ المَوَدَّةَ فِي الْقُرْبَىٰ ) يعني أن يودّوا قرابتي من بعدي ، فخرجوا ، فقال المنافقون : ما حمل رسول الله على ترك ما عرضنا عليه إلاّ ليحثّنا على قرابته من بعده إن هو إلاّ شيء أقره (٨) في مجلسه وكان ذلك من قولهم عظيماً ، فأنزل الله عزّ وجلّ

__________________

(١) من العيون.

(٢) في العيون : يؤدّوه.

(٣) في العيون : بمنزلة.

(٤) من العيون.

(٥) في العيون : حباً لهم.

(٦) من العيون.

(٧) وفد إليه : قدم وورد.

(٨) في العيون : افتراه.

٣٥٥

جبرئيل عليه‌السلام بهذه الآية (١) : ( أَمْ يَقُولُونَ افْتَرَاهُ قُلْ إِنِ افْتَرَيْتُهُ فَلا تَمْلِكُونَ لِي مِنَ اللهِ شَيْئًا هُوَ أَعْلَمُ بِمَا تُفِيضُونَ فِيهِ كَفَىٰ بِهِ شَهِيدًا بَيْنِي وَبَيْنَكُمْ وَهُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ ) (٢).

فبعث إليهم (٣) النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله فقال : هل من حدث ؟ فقالوا : إي والله يارسول الله ، لقد قال بعضنا كلاماً غليظاً كرهناه ، فتلا عليهم رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله الآية ، فبكوا واشتدّ بكاؤهم ، فأنزل الله عزّ وجلّ ( وَهُوَ الَّذِي يَقْبَلُ التَّوْبَةَ عَنْ عِبَادِهِ وَيَعْفُو عَنِ السَّيِّئَاتِ وَيَعْلَمُ مَا تَفْعَلُونَ ) (٤) ، فهذه السادسة.

وأمّا الآية السابعة : فقول الله تعالى : ( إِنَّ اللهَ وَمَلائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيمًا ) (٥) ، وقد علم المعاندون منهم انّه لمّا نزلت هذه الآية قيل : يارسول الله ! قد عرفنا التسليم عليك وكيف الصلاة [ عليك ] (٦) ؟ قال : تقولون : اللهم صلِّ على محمّد وآل محمّد كما صلّيت على إبراهيم وآل إبراهيم إنك حميد مجيد ، فهل بينكم معاشر المسلمين (٧) في هذا خلاف ؟ فقالوا : لا ، قال المأمون : هذا مما لا خلاف فيه أصلاً وعليه إجماع الاُمّة ، فهل عندك في الآل شيء أوضح من هذا في القرآن ؟

قال أبو الحسن عليه‌السلام : نعم ، أخبروني عن قول الله عزّ وجلّ : ( يس * وَالْقُرْآنِ الحَكِيمِ * إِنَّكَ لَمِنَ المُرْسَلِينَ * عَلَىٰ صِرَاطٍ مُّسْتَقِيمٍ ) (٨) ، فمن عنى بقوله يس ؟ قالت العلماء : يس محمّد صلى‌الله‌عليه‌وآله لم يشك فيه أحد ، قال أبو الحسن عليه‌السلام : فانّ الله أعطى محمداً وآل محمّدٍ من ذلك فضلاً لا يبلغ أحد كنهه ووصفه (٩) إلاّ من عقله ، وذلك أنّ الله عزّ وجلّ لم يسلّم على أحد إلاّ على الأنبياء عليهم‌السلام ، فقال تبارك وتعالى : ( سَلامٌ عَلَىٰ نُوحٍ فِي الْعَالَمِينَ ) (١٠) ، وقال : ( سَلامٌ عَلَىٰ إِبْرَاهِيمَ ) (١١) ،

__________________

(١) في العيون : فانزل الله هذه الآية.

(٢) الأحقاف : ٨.

(٣) في العيون : عليهم.

(٤) الشورى : ٢٥.

(٥) الأحزاب : ٥٦.

(٦) من العيون.

(٧) في تأويل الآيات : معاشر الناس.

(٨) يس : ١ ـ ٤.

(٩) في التأويل : كنه وصفه.

(١٠) الصافات : ٧٩.

(١١) الصافات : ١٠٩.

٣٥٦

وقال : ( سَلامٌ عَلَىٰ مُوسَىٰ وَهَارُونَ ) (١). ولم يقل : سلام [ على آل نوح ولا آل إبراهيم ولا ] (٢) على آل موسىٰ وهارون وقال : [ سلامٌ على آل يٰس ] (٣) يعني آل محمّد صلى‌الله‌عليه‌وآله ، فقال المأمون : قد علمت أنّ في معدن النبوّة شرح هذا وبيانه ، فهذه السابعة.

وأمّا الثامنة : فقول الله عزّ وجلّ : ( وَاعْلَمُوا أَنَّمَا غَنِمْتُم مِّن شَيْءٍ فَأَنَّ للهِ خُمُسَهُ وَلِلرَّسُولِ وَلِذِي الْقُرْبَىٰ ) (٤) ، فقرن سهم ذي القربى مع سهمه وسهم رسوله (٥) ، فهذا فضلٌ أيضاً بين الآل والاُمّة ، لأن الله تعالى جعلهم في خير (٦) وجعل النّاس في خير دون ذلك ، ورضي لهم بما رضي لنفسه واصطفاهم فيه ، فبدأ بنفسه ثمّ [ ثنىٰ ] (٧) برسوله ثم بذي القربىٰ فكلّ ما كان من الفيء والغنيمة وغير ذلك ممّا رضيه جلّ وعزّ لنفسه فرضيه (٨) لهم ، فقال وقوله الحقّ : ( وَاعْلَمُوا أَنَّمَا غَنِمْتُم مِّن شَيْءٍ فَأَنَّ للهِ خُمُسَهُ وَلِلرَّسُولِ وَلِذِي الْقُرْبَىٰ ) ، فهذا تأكيد مؤكد وأثر قائم لهم إلى يوم القيامة في كتاب الله الناطق : الذي لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه تنزيل من حكيم حميد (٩).

وأمّا قوله : ( وَالْيَتَامَىٰ وَالمَسَاكِينَ ) فانّ اليتيم إذا انقطع يتمه سهمه خرج من الغنائم ولم يكن له فيها نصيب ، وكذلك المسكين إذا انقطع مسكنته لم يكن له نصيب من المغنم ولا يحلّ له أخذه ، وسهم ذي القربىٰ إلى يوم القيامة قائم فيهم للغني والفقير منهم ، لأنّه لا أحد أغنى من الله عزّ وجلّ ولا من رسوله صلى‌الله‌عليه‌وآله ، فجعل لنفسه سهماً منها ولرسوله سهماً ، فما رضيه لنفسه ولرسوله رضيه لهم وكذلك الفيء ما رضيه منه ولنبيّه رضيه لذي القربى ، كما أجراهم في الغنيمة فبدأ بنفسه جل جلاله ثم برسوله ثم بهم ، وقرن سهمه (١٠) بسهم الله وسهم رسوله وكذلك في الطاعة

__________________

(١) الصافات : ١٢٠.

(٢) من العيون.

(٣) الصافات : ١٣٠.

(٤) الأنفال : ٤١.

(٥) من العيون : بسهمه وبسهم رسول الله.

(٦) في العيون في الموضعين : خير.

(٧) من العيون.

(٨) من العيون : فرضىٰ.

(٩) اقتباس من الكريمة ، فصلت : ٤٢.

(١٠) في العيون : بسهمهم.

٣٥٧

قال : ( يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَطِيعُوا اللهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَأُولِي الأَمْرِ مِنكُمْ ) (١) ، فبدأ ( قبلاً ) (٢) بنفسه ثم برسوله ثم بأهل بيته.

وكذلك آية الولاية ( إِنَّمَا وَلِيُّكُمُ اللهُ وَرَسُولُهُ وَالَّذِينَ آمَنُوا [ الَّذِينَ يُقِيمُونَ الصَّلاةَ وَيُؤْتُونَ الزَّكَاةَ وَهُمْ رَاكِعُونَ ] (٣) ) ، فجعل ولايتهم (٤) مع طاعة الرسول مقرونة بطاعته ، [ كذلك ولايتهم مع ولاية الرسول مقرونة بطاعته ] (٥) ، كما جعل سهمهم مع سهم الرسول مقروناً بسهمه في الغنيمة والفيء ، فتبارك الله وتعالى ما أعظم نعمته على أهل هذا البيت ، فلمّا جاءت قصّة الصدقة نزّه رسوله ونزه أهل بيته فقال : ( إِنَّمَا الصَّدَقَاتُ لِلْفُقَرَاءِ وَالمَسَاكِينِ وَالْعَامِلِينَ عَلَيْهَا وَالمُؤَلَّفَةِ قُلُوبُهُمْ وَفِي الرِّقَابِ وَالْغَارِمِينَ وَفِي سَبِيلِ اللهِ وَابْنِ السَّبِيلِ فَرِيضَةً مِّنَ اللهِ ) (٦).

فهل تجد في شيء من ذلك انه جعل عزّ وجلّ سهماً لنفسه (٧) أو لذي القربى ، لأنّه لمّا نزّه نفسه عن الصدقة ونزّه رسوله [ و ] (٨) نزّه أهل بيته ، لا بل حرّم عليهم ، لأنّ الصدقة محرّمة على محمّد وآله ، وهي أوساخ [ أيدي ] (٩) النّاس لا تحلّ لهم لأنهم طهروا من كلّ دنس ووسخ ، فلمّا طهرهم الله واصطفاهم رضي لهم ما رضىٰ لنفسه وكره لهم ما كره لنفسه عزّ وجلّ فهذه الثامنة.

وأما التاسعة : فنحن أهل الذكر ، الّذين قال الله تعالى في محكم كتابه : ( فَاسْأَلُوا أَهْلَ الذِّكْرِ إِن كُنتُمْ لا تَعْلَمُونَ ) (١٠) ، فنحن أهل الذكر ، فسألونا إن كنتم لا تعلمون ، فقالت العلماء : إنّما عنىٰ بذلك اليهود والنصارىٰ.

فقال أبو الحسن عليه‌السلام : سبحان الله وهل يجوز ذلك ؟ إذاً يدعونا إلى دينهم ويقولون : انّه أفضل من دين الإسلام ، فقال المأمون : فهل عندك في ذلك شرح

__________________

(١) النساء : ٥٩.

(٢) ليس في العيون.

(٣) من العيون.

(٤) في العيون : طاعتهم.

(٥) من العيون.

(٦) التوبة : ٦٠.

(٧) من العيون : انه سمّى لنفسه أو لرسوله.

(٨) من العيون.

(٩) من العيون.

(١٠) النحل : ٤٣.

٣٥٨

بخلاف ما قالوا (١) ياأبا الحسن ؟

فقال عليه‌السلام : نعم ، « الذّكْر » رسول الله ونحن أهله ، وذلك بيّن في كتاب الله عزّ وجلّ حيث يقول في سورة الطلاق : ( فَاتَّقُوا اللهَ يَا أُولِي الأَلْبَابِ الَّذِينَ آمَنُوا قَدْ أَنزَلَ اللهُ إِلَيْكُمْ ذِكْرًا رَّسُولاً يَتْلُو عَلَيْكُمْ آيَاتِ اللهِ مُبَيِّنَاتٍ ) (٢) فالذكر رسول الله ونحن أهله فهذه التاسعة.

وأمّا العاشرة : فقول الله عزّ وجلّ في آية التحريم : ( حُرِّمَتْ عَلَيْكُمْ أُمَّهَاتُكُمْ وَبَنَاتُكُمْ وَأَخَوَاتُكُمْ ـ الآية ) (٣) إلى آخرها ، فاخبروني هل تصلح ابنتي وابنة ابني وما تناسل من صلبي لرسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله أن يتزوّجها لو كان حيّاً ؟ قالوا : لا ، قال : فأخبروني هل كانت إبنة أحدكم تصلح له أن يتزوجها لو كان حيّاً ؟ قالوا : نعم ، قال : ففي (٤) هذا بيان لأ [ ني أ ] (٥) نا من آله ولستم من آله ، ولو كنتم من آله لحرم عليه بناتكم كما حرمَ عليه بناتي لأ [ ني أ ] (٦) نا من آله وأنتم من اُمّته ، فهذا فرقٌ بين الآل والاُمّة لأنّ الآل منه ، والاُمّة إذا لم تكن من الآل ليست منه ، فهذه العاشرة.

وأمّا الحادية عشرة : فقول الله عزّ وجلّ في سورة المؤمن [ حكاية ] (٧) عن قول رجل مؤمن من آل فرعون : ( وَقَالَ رَجُلٌ مُّؤْمِنٌ مِّنْ آلِ فِرْعَوْنَ يَكْتُمُ إِيمَانَهُ أَتَقْتُلُونَ رَجُلاً أَن يَقُولَ رَبِّيَ اللهُ وَقَدْ جَاءَكُم بِالْبَيِّنَاتِ مِن رَّبِّكُمْ ـ إلى تمام الآية ) (٨) وكان ابن خال فرعون فنسبه إلى فرعون بنسبه ولم يضمّه إليه بدينه ، وكذلك خصّصنا نحن إذ كنّا من آل رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله بولادتنا منه وعمّمنا النّاس بالدين فهذا الفرق (٩) بين الآل والاُمة ، فهذه الحادية عشرة.

وأما الثانية عشرة : فقول الله عزّ وجلّ : ( وَأْمُرْ أَهْلَكَ بِالصَّلاةِ وَاصْطَبِرْ عَلَيْهَا ) (١٠) ، فخصنا الله بهذه الخصوصية إذ أمرنا [ مع الاُمّة ] (١١) باقامة الصلاة ،

__________________

(١) في العيون : قالوه.

(٢) الطلاق : ١٠.

(٣) النساء : ٢٣.

(٤ ـ ٧) من العيون.

(٨) طه : ٢٨.

(٩) في العيون : فرق.

(١٠) طه : ١٣٢.

(١١) من العيون.

٣٥٩

ثم خصنا (١) من دون الاُمّة ، فكان رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله يجيء إلى باب علي وفاطمة بعد نزول هذه الآية تسعة أشهر ، كل يوم عند حضور كلّ صلاة خمس مرّات ، فيقول : الصلاة رحمكم الله وما أكرم الله أحداً من ذراري الأنبياء مثل (٢) هذه الكرامة التي أكرمنا بها وخصنا من دون جميع أهل بيتهم ، فقال المأمون والعلماء : جزاكم الله أهل بيت نبيكم عن [ هذه ] (٣) الاُمّة خيراً ، فما نجد الشرح والبيان فيما اشتبهه علينا إلاّ عندكم » (٤).

قال محمّد بن أبي القاسم مصنف هذا الكتاب : من تأمل في هذا الخبر وعرفه بأن له الحق من وجوب معرفة أهل البيت وفرض طاعتهم ومودتهم وفضلهم على سائر الناس ، وتبين له أيضاً مصداق قولي في صدر هذا الكتاب ، من ان من يدعي التشيع يجب ان يعرفه حق معرفته لتستقيم دعواه في محبة أهل البيت وليشد ودّه لهم ويثبت تفضيله على ما سواهم ، كما قال الامام : ان المودّة إنما تكون في قدر معرفة الفضل.

٤٤ ـ حدّثنا أبي عن حميد ، عن أنس عن أبي ذر قال :

« سمعت النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله بإذني وإلاّ صمتا وهو يقول : خلقت أنا وعلي من نور واحد ، نسبّح الله على يمنة العرش من قبل أن يخلق أبونا آدم بألفي عام ، فلما خلق أبونا آدم صرنا في صلبه ، ثم نقلنا من كرام الأصلاب إلى مطهّرات الأرحام حتى صرنا في صلب جدي عبدالمطلب ، ثم شقنا نصفين وصيرني في صلب عبدالله وصيّر علياً في صلب أبي طالب ، واختارني للنبوة والرحمة والبركة وأختار علياً للشجاعة والعلم والفصاحة واشتق لنا اسمين من أسمائه عزّ وجلّ [ فذو العرش ] (٥)

__________________

(١) في العيون : فخصصنا ، خصصنا.

(٢) في العيون : بمثل.

(٣) من العيون.

(٤) رواه الصدوق في العيون : ٢٤٠ ـ ٢٢٨ ، الأمالي : ١٢١ ، عنه البحار ١٦ : ٨٧ ، ٢٥ : ٢٢٩ ، ٢٣ : ١٦٧ ، ٩٤ : ٥١ ، تأويل الآيات ٢ : ٥٠١.

(٥) من روضة الواعظين.

٣٦٠