منائح الكرم في أخبار مكة والبيت وولاة الحرم - ج ٥

علي بن تاج الدين بن تقي الدين السنجاري

منائح الكرم في أخبار مكة والبيت وولاة الحرم - ج ٥

المؤلف:

علي بن تاج الدين بن تقي الدين السنجاري


المحقق: الدكتورة ملك محمد خياط
الموضوع : التاريخ والجغرافيا
الناشر: جامعة أم القرى
الطبعة: ١
ISBN الدورة:
9960-03-366-X

الصفحات: ٥٨١

خرجوا هاربين من الإمام المتولي الناصر محمد بن أحمد بن الحسن (١). فأمرهم مولانا الشريف بالنزول في دار السيد محمد بن أحمد بن الحسن.

وفي ضحى يوم الأربعاء ركب حسين المذكور ، وجماعته ، إلى مولانا الشريف بالزاهر ، فلاقاهم أحسن لقاء ، وعادوا من عنده ، ونزلوا دار النصاري أحد تجار اليمن ـ بإذن من مولانا الشريف. ورتب لهم مولانا الشريف مصروفا بعد إرسال الهدايا على جري العادة.

وكان في صحبتهم السيد أحمد بن محمد الأنسي (٢) السابق ذكر والده (٣) في ترجمة مولانا الشريف زيد بن محسن.

__________________

(١) الإمام الناصر محمد بن أحمد بن الحسن تلقب بالناصر ثم بالهادي ثم المهدي ، ولد سنة ١٠٤٧ ه‍ وتوفي سنة ١١٣٠ ه‍. وأصبح إماما لليمن سنة ١٠٩٧ ه‍ إلى ١١٢٩ ه‍ حيث تنازل عن الإمامة في هذه السنة. عارضه عدد كبير من الأئمة اليمنيين منهم علي بن حسين الشامي ، ويوسف المتوكل على الله إسماعيل وغيرهم. الشوكاني ـ مصدر سبق ذكره ٢ / ٩٧ ـ ٩٩ ، الجرافي اليمني ـ المقتطف من أخبار اليمن ١٧١ ـ ١٧٩ ، الواسعي اليماني ـ فرجة الهموم ٢٢٧ ـ ٢٢٨ ، محمد بن أحمد العقيلي ـ المخلاف السليماني ط ٢ ، دار اليمامة للبحث والترجمة والنشر ، الرياض ص ٣٥٦.

(٢) السيد أحمد بن أحمد الأنسي أديب وشاعر يمني. نشأ بصنعاء. وذهب إلى مكة لخلاف بينه وبين الإمام المهدي. مدح الشريف أحمد بن غالب ، ثم عاد إلى اليمن. وتوفي سنة ١١١٩ ه‍ بجزيرة زيلع. وقد وهم السنجاري في اسمه. أحمد بن علي الأنصاري ـ حديقة الأفراح ٦ ، المحبي ـ نفحة الريحانة ٣ / ٥٩٦ ـ ٦٠٦ ، الشوكاني ـ البدر الطالع بمحاسن من بعد القرن السابع ـ ١ / ٣٦٠ ـ ٣٧٠ ، الجرافي ـ المقتطف في أخبار اليمن ١٧٥ ـ ١٧٦.

(٣) السيد أحمد بن محمد الأنسي شاعر من صنعاء اليمن ، قدم مكة ، ومدح شريفها زيد بن محسن. المحبي ـ نفحة الريحانة ٣ / ٥٨٥ ـ ٥٩٦ ، ابن معصوم ـ السلافة ٤٧٠ ـ ٤٧٣. وقد علق عليه ابن معصوم بالضعف في شعره. ويتضح ذلك لنا من خلال تكرار كلمة الروي. انظر مثل على ذلك : البيت رقم ٣ ، ٧ من القصيدة التي تلي.

٨١

وكان المذكور أديبا طريفا ، فلما قدم هذا القدوم امتدح مولانا الشريف بقصيدة يذكر فيها استيلاء الناصر على اليمن ، وظلمه لهم ، وإخراجهم من بلادهم خوفا منه على نفوسهم ، وعدم النصرة لهم. وهي هذه القصيدة / :

عج بالكثيب وحي الحي من كثب

فثم يذهب ما بالصب من وصب (١)

وانزل بحيث ترى الأرام (٢) راتعة

بين الأسنة والهندية القضب

ترعى القلوب والا ما إذا وردت

أسرابها غير ما المدامع السرب

من كل وسناء طرف بالسنا حجبت

عن ناظري وسناها غير محتجب

إذا رأيت محياها وطرتها

رأيت شمس الضحى في الليل لم تغب

وإن تأملت في الخد الأسيل فقل

سبحان جامع بين الماء واللهب

رقّت وراقت كدمعي إذ جرى حصبا

كأنما أسكبت من مدمعي السرب

لو لا اللحاظ ورمح القد أحذره

نلت الوصال فلا أعنا بمرتقب

عن قوس حاجبها بالهدب مصحبة

لا يتقي نبلها بالزعف (٣) واليلب (٤)

وسحر مقلتها عز النظير له

إلا بألفاظها من ثغرها الشنب (٥)

__________________

(١) الوصب : الوجع والمرض. ابن منظور ـ لسان العرب ٣ / ٩٣٤.

(٢) الآرام : الظباء البيض الخالصة البياض والتي تسكن الرمال. ابن منظور ـ لسان العرب ١ / ١٠٩٢.

(٣) الزعف : الشديد والسريع. ويقال سيف مزعف أي سريع القتل. وهنا تعني السيوف. ابن منظور ـ لسان العرب ٢ / ٢٥ ، ابراهيم أنيس ـ المعجم الوسيط ١ / ٣٩٤.

(٤) اليلب : الدروع. ابن منظور ـ لسان العرب ٣ / ١٠١٥.

(٥) الشنب : ماء ورقة يجري على الثغر. وقيل : رقة وبرد وعذوبة في الأسنان. وقيل : هو صفاء ونقاء الأسنان ، وقيل : هو تفليج الأسنان. ابن منظور ـ لسان العرب ٢ / ٣٦٦.

٨٢

أضحى بها كل طرس (١) كالضحى سنا

والحبر كالليل والألفاظ كالشهب

مدحت قوما أراشوني بجودهم

والمدح أشرف مكسوب لمكتسب

أما ترى المال والأذهاب ذاهبة

والمدح يبقى مدى الأيام والحقب

وملت عنه ولى عزم يحثني

عن السلام إلى ذي المجد والحسب

وقلت للنفس لا أرضاك صاحبة

حتى تبلغني أرض النجا نجبي

لا أركب اليم بالعزم الأبر كما

طواه من قبل بالعزم الأبي أبى

وما رضيت بأرض الشام عن يمن

إلا لتبلغ نفسي منتهى أربي

حيث النبوة مضروب سرادقها

تفيء ظلا ظليلا راسخ الطنب (٢)

وحيث تلقى الصفا فيه الصفاء إذا

رمت المنى فمنى أو طيبة فطب

فإم أم القرى ثم المقام وقل

هذا مقام خليل الله خير نبي

واقر السلام على باب السلام لها

ملبيا [فيه](٣) واسجد ثم واقترب

وقبل الركن أو كف الشريف وقل

تساويا لذوي التقبيل في الطلب (٤)

فإنما يده يده البيضاء لمستلم

كأسود الركن بين العجم والعرب

ناهيك يا نازعا راشت قوادمه

قوم هم الأسد فاحذرها لدى الغضب

من كل أروع إن وافيت تسأله

يكفيك من كف مختضب

إلى بني حسن يعزى الفخار كما

أضحى إلى الهند يعزى كل ذي شطب (٥)

__________________

(١) الطرس : الصحيفة. وكذا الكتاب. ابن منظور ـ لسان العرب ٢ / ٥٨١.

(٢) الطنب : الوتد. وقيل رواق ـ مطنب أي مشدود بالأطناب. ابن منظور ـ لسان العرب ٢ / ٦١٧.

(٣) ما بين حاصرتين من (ج).

(٤) نلاحظ هنا أن الشاعر ساوى بين كف الشريف والركن في التقبيل وهذا من مبالغة الشعراء والتي قد تودي إلى الكفر.

(٥) ذي شطب : السيف الذي يسل غمده. ابن منظور ـ لسان العرب ٢ / ٣١٤. ـ والمقصود هنا السيف الهندي.

٨٣

مولاي إنّ رموز الفخر قد نطقت

بحسبة منك في الأرضين فاحتسب

ودونك اليمن الميمون قد عبثت

به الأراذل أهل اللهو واللعب

كان المؤيد (١) والمهدي (٢) قبلهم

خلائفا خلفا للعلم والكتب

فخلفوا خلفة ضلت طريقهم

قد أصبحوا خلفاء الرقص والطرب

رعاع قوم رعاياهم مورعة

من جورهم كل قلب أبي مرتعب (٣)

كأنما الجود يخشى أن تلامسه

أيديهم فهو كالعنقاء (٤) في الهرب

ومنهم من دعا للحق محتسبا

بزعمه وهو أطغى من أبي لهب

تبت يداه وأيد بايعته على

ما يدعي أنها حمالة الحطب (٥)

ما زال ينتهب الأموال يصرفها

في غير مصرفها في غير منتهب

لم يرع حرمة ذا البيت الحرام ولا

وفى بحق المساكين وذي سغب (٦)

__________________

(١) الإمام المؤيد بالله محمد بن اسماعيل القاسم ١٠٤٤ ـ ١٠٩٧ ه‍ من أئمة اليمن. الجرافي اليمني ـ المقتطف من أخبار اليمن ٢٣٨ ـ ٢٣٩ ، الواسعي اليماني ـ تاريخ اليمن (فرجة الهموم) ٢٢٧.

(٢) الإمام المهدي لدين الله أحمد بن الحسن بن القاسم ١٠٢٩ ـ ١٠٩٢ ه‍ من أئمة اليمن. أخرج اليهود من صنعاء سنة ١٠٩٠ ه‍. الشوكاني ـ البدر الطالع ١ / ٤٣ ـ ٤٤ ، الجرافي اليمني ـ المقتطف من أخبار اليمن ٢٢٧. ومن الملاحظ أن الشاعر امتدح المهدي والمؤيد في هذا البيت ، بينما ذم الإمام الناصر الذي خلفه. ويتضح من خلال البيتين السابقين مبالغة الشعراء في وصف أحوال اليمن والأئمة بها.

(٣) في (ج) «مرتقب».

(٤) العنقاء : طائر ضخم لم يبق في أيدي الناس من صنفها غير اسمها. قال الشاعر :

فعلمت أن المستحيل ثلاثة

الغول ، والعنقاء ، والخل الوفي.

ابن منظور ـ لسان العرب ٢ / ٩٠٦ ، ياقوت الحموي ـ معجم البلدان ٢ / ١٦٢.

(٥) إشارة إلى الآية الكريمة في سورة المسد آية ١ ـ ٤.

(٦) السغب : الجوع من التعب. ابن منظور ـ لسان العرب ٢ / ١٥٣.

٨٤

دعى فلباه كل الخلق عن عزل

فقال من بعد كل ليت لم أجب

فالحال منهم كإبليس ورفقته

عند الخصام فيا لله من عجب

قد بدل الطرد علسا في حكومته

وأجلس الرأس منهم موضع الذنب (١)

وصار منه رفيع القوم منخفضا

يدعو عليه بكل الويل والحرب

وكل قلب عليه صار منقلبا

لا بد للسوء والبغضاء من سبب /

فهذه الحكمة المذا خاطبة

على المنابر لا (٢) الورقاء على القضب

فيا ابن غالب احفظها (٣) مهذبة

تغنى عن السجع من شدو ومن خطب

بصدق مدحك قد جاءت (٤) مذكرة

ما قلت في مدح من فارقت من كذب

وقد تغربت عن أهلي وعن وطني

إليك يا غوث ملهوف ومغترب

فالحمد لله قد نلنا المراد وقد

جوزيت بالخير عن كربي وعن تعب

فنا (٥) يقبل من عفنا منازلهم

إني نزلت بحيث الجود في حسب

وحيث يلقى الشريف الملك مبتهجا

مكللا تاجه بالمجد لا الذهب

وهذا ما اخترته منها. وهي طويلة.

فأجرى مولانا الشريف رزقا في جملة من معه ، وأقاموا بمكة إلى أن خرجوا عائدين إلى اليمن. كما يأتي بيانه (٦) إن شاء الله تعالى.

__________________

(١) إشارة إلى اختلال الأمور في الدولة حيث لم يضع الأمور في نصابها.

(٢) في (ج) «كالورقا».

(٣) في (ج) «احفظه».

(٤) في النسختين «جائت». والتصحيح من المحققة.

(٥) في (ج) «فمنا».

(٦) لم يذكر السنجاري ذلك بالرغم من هذه الإشارة.

٨٥

ولما كان يوم الخميس السابع عشر من جمادى الأولى : طلع صاحب جدة ، ومعه الأغا الوارد مع السيد حسن الحارث السابق ذكره ، بعد أن لبس خلعة وردت عليه بجدة ، فنزل بالزاهر بالقرب من مولانا الشريف.

ولما كان يوم الجمعة الثاني عشر من جمادى الأولى : ورد مولانا السيد محمد بن أحمد الحارث مكة من نجد (١).

وفي يوم الأحد الثامن والعشرين من جمادى الأولى : انتقل مولانا الشريف أحمد من الزاهر إلى المعابدة (٢) ، ونزل ببستان الخواجه عثمان حميدان ، وانتقل معه صاحب جدة ، فنزل في وطاقه (٣) عند بستان جانيبك على يسار الصاعد إلى منى.

وفي يوم السبت الحادي عشر من جمادى الأخرى : عزم القائد سنبل ـ وزير مولانا الشريف ـ وحاكمه ـ مولاه الأعظم ومالك رقه الأفخم ـ إلى منزله دار مولانا الشريف ثقبة بن أبي نمي ، واحتفل له بحيث أنه ضبط ما قدمه له من الهدية ، فبلغت عشرة آلاف قرش ـ كذا أخبرني من لا أتهمه (٤). فخرج من عنده ليلا وطلع إلى البستان بالمعابدة.

ولما كان ليلة الإثنين الثالث عشر من جمادى الأخرى : اختصم بعض العجم مع زوجته ، فدخل الأعجمي على مولانا السيد بشير بن مبارك بن

__________________

(١) انفرد السنجاري بذكر هذا الخبر.

(٢) المعابدة : حي من أحياء مكة وهو الذي يعرف بالأبطح ويشتمل على أحياء كثيرة أشهرها : الخانسة ، الجعفرية ، الجميزة. البلادي ـ معجم معالم الحجاز ٨ / ١٩٠.

(٣) في مخيمه ، لأن الوطاق المخيم. النهروالي ـ البرق اليماني ٨٠.

(٤) قد يكون لم يصرح باسمه حتى لا يؤذيه.

٨٦

فضل ، فبعث [إلى](١) الوزير المذكور ، فبعث الوزير إلى امرأة الرجل يدعوها إليه ، فبلغ العجمي ذلك ، فأنف ، وطلع إلى مولانا الشريف ، وأنهى إليه ذلك.

وعزمت المرأة إلى مولانا الشريف أيضا شاكية من زوجها والوزير ، فاشتد غضب مولانا الشريف ، ودعى بالوزير والعجمي ، وأمر بضرب العجمي ، وأراد الفتك بالوزير المذكور ، إلا أنه تداركه بلطفه ورحمته.

وتشفعت فيه زوجة مولانا الشريف الشريفة مزينة (٢) ، وأمرت ابنها السيد أبا طالب أن يدخل بالقائد المذكور على مولانا الشريف ، ويستسمحه له ، فقبل ذلك. غير أنه أمره بالنزول ، وهو غير راض عنه.

وفي يوم الجمعة السادس عشر من الشهر : رضي على القائد المذكور ، وألبسه فروا سمورا ، وكتب له عهدا بالوزارة والحكامة ، فنزل معه يوم الجمعة للصلاة في أعلى درجات الإقبال.

وفي ليلة الثلاثاء الثامن عشر من شعبان من هذه السنة (٣) : وصل مكة قايقجي من الأبواب (٤) من البحر ، ونزل من ينبع ، فخرج له آلاى بعد ان بات بالزاهر. ودخل ضحى يوم الثلاثاء ، ومعه أمر سلطاني ، وخلعة سلطانية على فرو سمور ، / فنزل له مولانا الشريف إلى الحطيم ، وحضره

__________________

(١) ما بين حاصرتين سقطت من (أ). والاثبات من (ج).

(٢) الشريفة مزينة هي زوجة الشريف أحمد بن غالب. ويظهر هنا دور المرأة في المجتمع المكي.

(٣) ١١٠٠ ه‍.

(٤) أي الأبواب السلطانية (الدولة العثمانية).

٨٧

الأعيان ، وفتحت الكعبة ، فقرأ المرسوم ، ولبس الشريف الخلعة الواردة إليه بحضرة القاضي والمفتي والفقهاء والسادة الأشراف ، وهو جواب عرضه الذي بعثه بعد دخوله مكة في شوال ، وتاريخه أوائل ربيع الثاني.

وامتدحه في هذا اليوم غرس نعمته وربيب دولته صاحبنا السيد محمد بن حيدر الشامي بقوله :

تساميت بالأجداد يسمو بك الجد

وجددت مجدا دونه يقف المجد

وشرفت أقدار الممالك عند ما

زهى بك دست (١) الملك والتاج والعقد

بعزك سرح الحل والحرم احتمى

غداة اليك الحل أصبح والعقد

ليهن ملوك الدهر إذ كنت فيهم

بحيث رسى بين الملك على فرد

فإنك شمس والملوك كواكب

إذا اتصلت ودابها حفها السعد (٢)

على أن شمس الأفق بالبرج شرفت

وأنت لأبراج العلا شرفا عد

ولله كل الأمر والله قد قضى

بأن إليك الأمر من قبل أو بعد

أليس الذي لم تطو يوما طويته

على غير ما يرضى به الصمد الفرد

ولم ترض بالحسنى بديلا وإن أبى

سوى من غدا فخر الملوك له ند

أليس بك اللطف في الكون مظهر

يمازج بطش الانتقام به الرشد

__________________

(١) الدست : الكرسي أو الأريكة التي يجلس عليها الملك ، وقيل هي اللباس الذي يلبسه (الخلعة). رينهارت دوزي ـ تكملة المعاجم العربية ٤ / ٣٤٩ ، إبراهيم أنيس ـ المعجم الوسيط ١ / ٢٨٢.

(٢) تضمين من البيت المشهور للنابغة الذبياني الذي يقول فيه :

فإنك شمس والملوك كواكب

إذا طلعت لم يبد منهن كوكب

النابغة الذبياني ـ ديوان النابغة ، تحقيق وشرح كرم البستاني ، دار صادر ـ بيروت ص ١٧ ـ ١٨.

٨٨

فمن رحمة قد صورت ذاتك التى

تصور من إقدامها الأسد الورد (١)

ألست المثيل الغيث غيثا لطامع

بصوب ولا برق يخاف ولا رعد

ألست الذي شدت الفخار بهمة

وعن دونها أوهى بالاسكندر (٢) الجهد

فما قلت في خطب أعينوا بقوة (٣)

ولو صدّ دون القصد من بهم (٤) فاسد

أغثت بني أم القرى وقد أنبرت

بنات الليالي في مصر بهم تعد

فسوّغتهم دارا من العدل حافلا

وقد ضمهم كالطفل من رأفة مهد

وألبستهم بردا من الأمن صافيا

يحاك على سمر القنا ذلك البرد

لقد جاء ملبوس الخلافة إذ سما

بعطفيك فخرا هز عطفا له المجد

طوى البحر ثم البرّ شوقا لسيد

هو البرّ من أفضاله البحر يمتد

فيا خلعة (٥) لو أنها خلعت سنا

على الشمس ما لاح الكسوف لها بعد

إلى غير ذلك (٦).

ووصل مع هذا القايقجي الأمر بالإمساك على مصطفى أغا سردار الإنقشارية بالأبواب ، وكان حج هذه السنة ، وأقام بمكة ، فاستدعى مولانا الشريف بعد صلاة العصر في هذا اليوم قاضي الشرع والمفتى والآغا

__________________

(١) الورد : لون أحمر يضرب إلى صفرة حسنة ويعني به الأسد. ابن منظور ـ لسان العرب ٣ / ٩٠٨.

(٢) يقصد به ذا القرنين الذي ورد ذكره في القرآن الكريم.

(٣) تضمين في الآية الكريمة : (فَأَعِينُونِي بِقُوَّةٍ أَجْعَلْ بَيْنَكُمْ وَبَيْنَهُمْ رَدْماً). سورة الكهف آية ٩٥.

(٤) في (أ) «رهم». والاثبات من (ج).

(٥) في (أ) «خلعت». والاثبات من (ج).

(٦) أي هناك أبيات أخرى غير هذه.

٨٩

المذكور مصطفى ، فطلع ولم ينزل (١) ، وجاء قاضي الشرع ، وختم على مسكنه لحلول القدر ، وأخذت أعوانه وعبيده أينما وجدوا في الحرم وغيره من الأماكن والطرقات. ثم إن مولانا الشريف أسلمه إلى القاصد ، وأمره بإخراجه من مكة ، وأن لا يقتله بها ، فنزلوا به إلى جدة ، وقتل في الطريق ، ودفن خارج باب جدة ، رحمه‌الله تعالى (٢).

ولما كانت ليلة السبت : نزل الأغا القايقجي إلى جدة بخلعة إلى صاحبها محمد بيك ، وأقام مدة ، وطلع.

وأمر القاضي ببيع مخلفات مصطفى أغا المقتول ، فباعوا جميع مخلفه ، وضبطوه ، وأسلموه للقايقجي المذكور.

وفي ليلة الجمعة الثالث عشر من رمضان : أمر الوزير سنبل بن أحمد بحبس جميع الشرابجة (٣) المقيمين بمكة ، وأحمد الجامي [المصري](٤) ، وكان أرسله الشريف بركات (٥) سابقا إلى الهند ، فجاء [الخبر](٦) إلى

__________________

(١) أي قبض عليه.

(٢) عبارة تدل على ميل السنجاري إلى أن المقتول وأنه ربما قتل ظلما.

(٣) في (أ) «الشرابجة». والاثبات من (ج). واشتق هذا الإسم من اسم الوظيفة التي كان يقوم بها الجورباجي ، أي الشوربجي ، وهي تقديم الخبز والطعام لفرق الجيش ، ويطلق عليها اسم جوربجية ، ولرفع مكانتهم في أعين الآخرين منحوا رتب الضباط ، وسمي رئيسهم «جوربه جي باشي». انظر : محمود شوكت ـ التشكيلات والأزياء العسكرية العثمانية ، ترجمة يوسف نعيسه ومحمود عامر ، ط ١ ، دار طلاس ، دمشق ، ١٩٨٨ م ، ص ٩٤.

(٤) ما بين حاصرتين من (ج).

(٥) الشريف بركات تولى شرافة مكة سنة ١٠٨٢ ه‍ إلى سنة ١٠٩٣ ه‍. انظر : المحبي ـ خلاصة الأثر ١ / ٤٣٦ ـ ٤٥٠ ، محمد علي الطبري ـ الاتحاف ٢ / ٥٤ ـ ٦٤ ، محمد بن أحمد الصباغ ـ تحصيل المرام (مخطوط) ورقة ١٩٩ ، السنجاري ـ منائح الكرم (حوادث سنة ١٠٨٢ ه‍ ، ١٠٩٣ ه‍).

(٦) ما بين حاصرتين من (ج).

٩٠

سردار الإنقشارية ، فأرسل يشفع فيه ، فقال : «نطلقه الآن» / ، وأمر بإخراجه من الحبس ، وضربه في الشارع تحت بيت الوزير المذكور (١) ، ولم يتكلم فيه أحد.

ثم إن الوزير [المذكور](٢) لزم رجلين من المحشرين (٣) إلى العسكر ، وثقل عليهم بالحديد ، وضرب أحدهما بعد ثلاثة أيام نحو ثلاثمائة كرباج ، وذلك لكونه ضرب عبدا طالبه بدراهم لمولاه عنده. فأنهى مولى العبد ذلك إلى الوزير المذكور ، أما الثاني فكان يحاول وكالة على أبناء عمه ، وإرشاء السردار على ذلك.

ولما كان يوم الاثنين الثاني والعشرين من شوال : ورد الخبر برجوع قاسم التربتي إلى المويلح (٤) متوجها إلى مكة.

وفي هذا اليوم (٥) : ورد الخبر من الشام بوفاة السيد عبد الله الحارث ، فإنه كان في ينبع ، فالتقت حرب (٦)

__________________

(١) الوزير المذكور سنبل بن أحمد.

(٢) ما بين حاصرتين من (ج).

(٣) من محشر وهو المكان الذي يجمع فيه القوم سواء كان في بلد أو معسكر أو نحوه. ابن منظور ـ لسان العرب ١ / ٦٤١.

(٤) المويلح : ميناء على ساحل البحر الأحمر الشرقي بمنطقة ضبا تابعة لإمارة تبوك. انظر : حمد الجاسر ـ المعجم الجغرافي ٣ / ١٤٤٢ ، البلادي ـ معجم معالم الحجاز ٨ / ٢٩٧.

(٥) أي يوم الاثنين ثاني عشرين.

(٦) اختلف في قبيلة حرب هل هي يمانية أو عدنانية ، وعلى كل فهي من القبائل الكبيرة التي سيطرت على قلب الحجاز ، فأصبح الطريق بين مكة والمدينة لا يسير فيه سائر إلا بذمامة حرب ، وتحت خفارتهم منذ القرن الرابع الهجري. وما زالت تحارب من

٩١

وصبح (١) ، ففزع مع صبح على حرب ، ومعه السيد باز بن هاشم بن عبد الله ، فضرب عبد الله بن أحمد بن الحارث برصاصة ، وقتلت فرس باز ابن هاشم ، وقتلت بعض الأشراف الرواجح (٢) وحاكم ينبع.

وفي يوم الأحد الثامن والعشرين من شوال : دخل مكة قاسم التربتي مرسول مولانا الشريف أحمد بن غالب إلى الأبواب ، ودخل معه السيد سعد بن المرحوم الشريف بركات.

وفي يوم السبت الرابع من ذي القعدة : جمع مولانا الشريف قاضي الشرع والفقهاء في منزله ، وقرأ عليهم أمرين (٣) استخرجهما (٤) من الأبواب السلطانية. [مضمون](٥) أحدهما :

ـ أنه عين السلطنة الناظرة في جميع الأوقاف ، وليس للقضاة

__________________

جاورها من القبائل ، حتى أصبحت تملك قسما كبيرا من الحجاز وقسما من نجد إلى حدود العراق ، ثم أخذت تقاوم الأشراف فقاتلوهم قتالا شديدا ، ثم قاتلت محمد علي باشا ، ثم انضمت إليه ، وكذلك فعلت مع آل سعود. عاتق البلادي ـ معجم قبائل الحجاز ١ / ٩٩ ـ ١٠٠ ، كحالة ـ معجم قبائل الحجاز ١ / ٢٥٩ ـ ٢٦٠.

(١) صبح : بطن من بطون ميمون من بني سالم من حرب ، ديارهم من وادي العرج وعيقة وبدر إلى الساحل. وكانت لهم مرتبات من الدولتين العثمانية والمصرية ، تعطى لهم كل عام لسلامة طريق الحجاز. عاتق البلادي ـ معجم قبائل الحجاز ١ / ٢٤٤. عمر كحالة ـ معجم قبائل الحجاز ٢ / ٦٢٩ ، فؤاد حمزة ـ قلب جزيرة العرب ١٥٠.

(٢) الرواجح : فرع من الأشراف وجدهم راجح بن قتادة بن إدريس بن مطاعن ابن عبد الكريم : وينتهي نسبه إلى الحسن بن علي بن أبي طالب رضي‌الله‌عنه. البلادي ـ معجم قبائل الحجاز ١ / ١٦٨.

(٣) في النسختين «أمران». والتصحيح من المحققة.

(٤) في (أ) «استخرجهن». والاثبات من (ج).

(٥) ما بين حاصرتين من (ج).

٩٢

الواردين شيء من ذلك.

ومضمون الثاني :

ـ أنه بلغنا تقصير الوكلاء والعمال في أمر الوارد من الصدقات السلطانية (١) لأهل الحرم.

ـ وأنهيتم إلينا أن بعض الناس تطرق إلى التقرير من صاحب مصر في حقوق بعض الأحياء الموجودين. فأمرنا صاحب مصر بالنظر في أمر الصرّ والحبّ ، وأن لا يعمل بعرض وصل إليه ، ما لم يكن خطكم الشريف عليه ، المظهر للاستحقاق في المتكلم (٢) في تلك [المادة](٣). إلى غير ذلك من التأكيدات.

فحمدته الجماعة على ذلك ، وشكروا فضله ، ودعوا له بالبقاء.

ودخل حج سنة ١١٠٠ مائة وألف : فورد الحج المصري ، وخرج مولانا الشريف في العرضة العظمى للقاء الأمير في اليوم السادس من ذي الحجة ، ولبس خلعته الواردة إليه معه ، وكذلك أصحاب المناصب (٤) ، وحج بالناس. وكانت الوقفة يوم الجمعة ، ودخل صحبة الأمير المصري مولانا السيد عبد الله بن [محمد بن زيد](٥). وكان خرج إلى مصر

__________________

(١) عن الصدقات السلطانية انظر : السنجاري ـ منائح الكرم ، حوادث سنة ٩٢٢ ه‍.

(٢) في (ج) «التلكم».

(٣) ما بين حاصرتين من (ج).

(٤) أصحاب المناصب هم صنجق جدة ـ وشيخ الحرم ـ والقضاة والمفتون.

(٥) سقطت من النسختين. والاثبات من السياق فيما بعد.

٩٣

مغاضبا ، فلاقاه مولانا الشريف بالصفح والإكرام.

٩٤

ودخلت سنة ألف ومائة وواحد :

وفي ليلة ثاني محرم الحرام ، خرج (١) مولانا السيد مساعد بن مولانا الشريف سعد ، وأخوه السيد دخيل الله ، ومولانا السيد محسن بن الحسين بن زيد ، وعبد الله بن محمد بن زيد متوجهين إلى الأبواب ، لمنافرة وقعت بينهم وبين مولانا الشريف ، ولم يبق من ذوي زيد بمكة غير السيد عبد المحسن بن أحمد بن زيد.

ثم جاء الخبر بأنهم اقتصروا على ينبع البحر ، وأنهم (٢) أقاموا هناك. ثم إنهم استمالوا العرب (٣) هناك ، ولم يزالوا ، حتى أنهم نادوا للشريف محسن بن الحسين بن زيد في الصفراء (٤) وبدر (٥) وتلك النواحي.

ثم تقدم مولانا الشريف (٦) مساعد بن سعد إلى السويق (٧) ـ قرية

__________________

(١) في (أ) «خروج». والاثبات من (ج).

(٢) في (ج) «وأقاموا هناك».

(٣) المقصود بهم القيائل البدوية هناك مثل جهينة وحرب وصبح.

(٤) الصفراء : واد كثير النخل والزرع على طريق الحاج فوق ينبع. البكري ـ معجم ما استعجم ٢ / ٨٣٦ ، ياقوت ـ معجم البلدان ٣ / ٤١٢ ، الجاسر ـ المعجم الجغرافي ٢ / ٨٤٧ ، البلادي ـ معجم معالم الحجاز ٥ / ١٥٠ ـ ١٥٢.

(٥) بدر : ماء مشهور بين مكة والمدينة أسفل وادي الصفراء ، وبها كانت معركة بدر الكبرى سنة ٢ ه‍. البكري ـ معجم ما استعجم ١ / ٢٣١ ـ ٢٣٢ ، ياقوت ـ معجم البلدان ١ / ٣٥٧ ـ ٣٥٨ ، البلادي ـ معجم معالم الحجاز ١ / ١٩ ـ ١٩٣.

(٦) في (ج) «السيد».

(٧) السويق : تصغير سوق من قرى ينبع. الجاسر ـ المعجم الجغرافي ٢ / ٧٥١ ، البلادي ـ معجم معالم الحجاز ٤ / ٢٥٥.

٩٥

قريبة من ينبع ـ.

فلما جاء هذا الخبر إلى مولانا الشريف أحمد بن غالب ندم / على تفريطه فيهم وعدم ملاطفتهم.

ثم إنه لما كان أوائل المحرم من هذه السنة (١) : حسن لمولانا الشريف من يلوذ به من أهل الفساد ، طلب زكاة (٢) الأموال من الناس عامة. وابتدأوا بالتجار وأصحاب الأسباب والحرف (٣) التافهة ، فظهرت من ذلك شناعته في العامة.

وما أحسن ما أنشده بعضهم في هذه الحالة :

ما للشريف منادما ذو منطق

حلو فينشد عنده تعليما (٤)

لا يلفك الراعون إلا مظهرا

خلق الكرام ولو تكون عديما

ولما كان يوم الاثنين الثامن من صفر خرج مولانا الشريف إلى الزاهر متوجها إلى ينبع ، فأقام هناك أياما. فجاءه (٥) الخبر في ثاني عشرين [من شهر](٦) صفر (٧) [أن السيد مساعد ومن معه من الأشراف قد دخلوا

__________________

(١) ١١٠١ ه‍.

(٢) في النسختين وردت «زكوة» بالكتابة القرآنية.

(٣) أصحاب الحرف : كالخياطين ، النساجين ، الحدادين ، الفحامين ... الخ.

وكان من عادة العرب احتقار هذه المهن ، فكان يتولاها غيرهم على الأغلب.

(٤) في (أ) «قولي». والاثبات من (ج).

(٥) في (ج) «فاجاه».

(٦) ما بين حاصرتين من (ج).

(٧) في (أ) «ربيع». والاثبات من (ج) «صفر» ، كما يدل على ذلك السياق.

٩٦

ينبع](١) ، ونادى فيها للشريف محسن بن الحسين ، وأنهم تلاقوا مع السيد محمد بن مساعد القائم بينبع مقام مولانا الشريف سابع عشر صفر.

وفي ليلة الأربعاء مستهل ربيع الأول : جاء الخبر بوفاة مولانا السيد محمد بن مساعد ، لأنه أصيب ، وعاش يومين بعدها ومات ، رحمه‌الله تعالى ، وبكوا عليه بمكة.

واستولى السيد مساعد على ينبع ، وأخذ ستمائة أردب حب كانت هناك لمولانا الشريف ـ وشرع أمر مولانا الشريف في الإنحلال.

ثم ورد الخبر بوصول قفطان إلى ينبع لمولانا ، وأن الأشراف بينبع استولوا عليه ، وأن الواصل به استأذنهم في الزيارة ، فأذنوا له ، وكتبوا إلى صاحب مصر يعرفونه بإخراجهم من مكة ، وإقامتهم بينبع ، إلى غير ذلك.

وخرج جماعة من ذوي عبد الله (٢) إلى جهة اليمن ، فأخذوا القنفذة (٣) ، ومنعوا النزالة (٤) ، وانقطع طريق اليمن ، وكثرت القطاع في

__________________

(١) ما بين حاصرتين من من (ج).

(٢) ذوو عبد الله : هم أبناء عبد الله بن حسن بن أبي نمي. وكانت الإمارة في مكة تدور بين هؤلاء وبين أبناء عمومتهم ذوي زيد وذوي بركات إلى نهاية دولة الأشراف سنة ١٣٤٤ ه‍. السباعي ـ تاريخ مكة ٢ / ٣٦٦ ، ٦٥٨.

(٣) القنفذة : بضم القاف ، واسكان النون ، وضم الغاء ، وفتح الدال المعجمة بعدها هاء. من مياه بني نمير ، وهي الآن بلدة ذات قرى كثيرة تابعة لإمارة مكة المكرمة ، وهي مدينة ساحلية على البحر الأحمر. ياقوت ـ معجم البلدان ٤ / ٤٠٨ ، حمد الجاسر ـ المعجم الجغرافي ٣ / ١١٨٨.

(٤) النزالة : المقصود بها النزول والحلول في المكان.

٩٧

طريق جدة ، وكثرت السرقة بمكة. ووقع القتل بها ليلا ونهارا ، وكثرت الأقاويل من العامة في ذلك.

فبلغ مولانا الشريف حديث في الحاكم وبعض الأشراف ، واتفق في هذه المدة (١) وصول مركبين من الهند ، وفيها ما علي آغا التركماني (٢) ، كان بعثه مولانا الشريف أحمد بن زيد بهدية إلى صاحب الهند ، فلما ورد جدة ، طالبه مولانا السيد عبد المحسن بما جاء به لكونه عوضا عن هدية أبيه ، فاستجار ، فمانع مولانا الشريف وقال : «إنما هي لصاحب مكة أيا (٣) كان». فتنازعا في ذلك.

واستعدى مولانا السيد عبد المحسن بمولانا السيد أحمد بن سعيد بن مبارك بن شنبر على الشريف أحمد بن غالب ، فاقتضى الحال بمفارقة (٤) الشريف (٥) [أحمد](٦) بن سعيد لمولانا الشريف.

وكان قبل هذا بأيام قد فارق ذوو الحارث (٧) وجماعة من الأشراف ، وخرجوا مغاضبين.

__________________

(١) أي هذه الفترة من صفر وربيع الأول.

(٢) أورد هذا الخبر محمد علي الطبري في الإتحاف ٢ / ٨٠.

(٣) في (أ) «أي». والاثبات من (ج).

(٤) في (ج) «مفارقة».

(٥) في (ج) «السيد».

(٦) ما بين حاصرتين من (ج).

(٧) في النسختين «ذوى». والصواب ما أثبتناه. وذوو الحارث : فرع من الأشراف من بني حسن من آل أبي نمي ، يسكنون المضيق بنخلة الشامية ، وكثير منهم يسكنون مكة. البلادي ـ معجم قبائل الحجاز ١ / ١٠٠.

٩٨

فلما خرج السيد أحمد بن سعيد تتالت (١) إليه الأشراف المغاضبين ، فنزل الحسينية (٢) بمن معه من الأشراف ، وألّم به ذوو الحارث وغيرهم ، وانتقل بعد أيام إلى العمق (٣) ـ موضع قريب من جدة ـ ، ثم توسط بين البلدين.

وتفاقم الأمر على مولانا الشريف ، وجاء الخبر أن خليصا (٤) أخذت من حاكمها ، وورد حاكمها مكة.

وفي اليوم العشر من جمادى الأولى : اشتد الأمر ، فطلب مولانا الشريف من معه من الأشراف ـ كذا ـ بالركوب على السيد أحمد بن سعيد ، فامتنعوا قبل أن يستخبروه (٥) عن شأنه ، فذهب إليه [بعضهم ، وطلب مولانا الشريف العسكر المصري أن يخرج إليه](٦) ليلة ثاني عشر جمادى

__________________

(١) المقصود : أقبلت عليها الأشراف.

(٢) الحسينية : عين جنوب منى على بعد ١٢ كم ، تقع في وادي عرفة ، وهي من أملاك آل زيد من الأشراف. البلادي ـ معجم معالم الحجاز ٣ / ١٣ ـ ١٤ ، أحمد السباعي ـ تاريخ مكة ٢ / ٤١٥ حاشية (٢).

(٣) العمق : المطمئن من الأراضي ، وهناك عدة مواضع تعرف بهذا الإسم ، والمقصود هنا المنطقة التي تقع غرب مكة وجنوب بحرة بين جبال خثارق جنوبا شرقيا وجبال العد شمالا غربيا ، وجبال بحرة شمالا. البلادي ـ معجم معالم الحجاز ٦ / ١٧٢ ـ ١٧٣ ، معالم مكة ص ١٩٥ ، البلادي ـ معجم معالم الحجاز ٦ / ١٧٢ ـ ١٧٣.

(٤) خليص : كان حصن بين مكة والمدينة كما ذكر ياقوت في معجم البلدان ٢ / ٣٨٧. وقد أطلق هذا الإسم على واد في شمال مكة على بعد ١٠٠ كم ، فيه قرى كثيرة وعيون وآبار. الجاسر ـ المعجم الجغرافي ١ / ٥٤٠ ، عاتق البلادي ـ معجم معالم الحجاز ٣ / ١٤٩ ـ ١٥٢.

(٥) في (ج) «يتخبروه».

(٦) ما بين حاصرتين سقطت من (أ). والاثبات من (ج).

٩٩

الأولى ، فخرجوا إلى وطاقه ، وباتوا عنده تلك الليلة بجرول (١) إلى الصبح.

ثم إنهم امتنعوا وقالوا : «ليس علينا أن نخرج للمبات في خيامكم كل ليلة ، إنما نحن للمدافعة ، سر حيث سرت ، نسير معك».

فجاء الخبر ، أن مولانا السيد أحمد بن سعيد توجه إلى جهة اليمن ، وأنه أخذ قافلة جاءت من تلك الجهة نحو مائة وثلاثين / جملا. فاقتضى رأيه الخروج إلى هذا الجانب ، فتوجه من مكة ليلة الاثنين ثاني عشر جمادى الأولى قاصدا نحو السعدية (٢).

وأقام بمكة السيد شنبر بن بشير بن سليمان نائبا عنه ، وبات تلك الليلة بالقوز (٣) قريبا من بركة ماجن (٤). ثم عنّ (٥) له فانحرف إلى بحرا (٦) ، ثم إلى العد (٧) ـ موضع بالخبت ـ. فصادف هناك جماعة من

__________________

(١) جرول : من أكبر أحياء مكة ، يقع غرب جبل قعيقعان ، ومن أحيائه : الزاهر ، والتنضباوي ، وملقيه ، ومطشش. البلادي ـ معجم معالم الحجاز ٢ / ١٤٣.

(٢) السعدية : محطة للحاج في أسفل وادي يلملم جنوب مكة. حمد الجاسر ـ المعجم الجغرافي ٢ / ٧٢٠ ، البلادي ـ معجم معالم الحجاز ٤ / ٢٠١ ـ ٢٠٢.

(٣) القوز : ويقصد به قوز المكاسة غرب مكة في المسفلة ، أخذ اسمه من المكوس التي كان يفرضها أمراء مكة على بضائع أهل اليمن. ويعرف لدى العامة بلفظ (قوز النكاسه). البلادي ـ معجم معالم الحجاز ٧ / ١٧٤.

(٤) تسمية البركة ببركة ماجن تسمية محرفة لأن الصواب هو الماجل ، لأن الماجل في اللغة هو الماء الكثير المجتمع. ابن منظور ـ لسان العرب ٣ / ٤٤٢. ولما بنيت البركة سميت ببركة ماجل ، ثم حرفت إلى ماجن أو ماجد. السباعي ـ تاريخ مكة ١ / ١٥٦ حاشية (٥) ، ٢ / ٤٦٤ حاشية (٣).

(٥) اعترض وعرض. ابن منظور ـ لسان العرب ٢ / ٩٠٨.

(٦) بحرة : بلدة بين مكة وجدة في منتصف المسافة بينهما. حمد الجاسر ـ المعجم الجغرافي ١ / ٢٥٨ ، البلادي ـ معجم معالم الحجاز ١ / ١٨٣.

(٧) العد : ماء في جنوب

١٠٠