منائح الكرم في أخبار مكة والبيت وولاة الحرم - ج ٥

علي بن تاج الدين بن تقي الدين السنجاري

منائح الكرم في أخبار مكة والبيت وولاة الحرم - ج ٥

المؤلف:

علي بن تاج الدين بن تقي الدين السنجاري


المحقق: الدكتورة ملك محمد خياط
الموضوع : التاريخ والجغرافيا
الناشر: جامعة أم القرى
الطبعة: ١
ISBN الدورة:
9960-03-366-X

الصفحات: ٥٨١

وصلّت الناس العيد ، وكان الخطيب صاحبنا القاضي تاج الدين بن القاضي عبد المحسن القلعي ـ ولما فرغ الخطيب من الصلاة طلع إلى مولانا الشريف إلى البيت. فإنه لم يحضر الصلاة في هذا اليوم.

وعيّد الشريف أحمد بن غالب (١) بن محمد (٢) في النوارية ، ومد لجماعته سماطا أعظم ـ على ما يقال ـ. وترددت الرسل بينه وبين مولانا الشريف سعيد بن سعد بن زيد ، وكل يعذل / صاحبه عن القتال.

فلما كان عصر يوم الخميس ، جاء الخبر بأنه وصل العمرة (٣) ، وجاء جماعة من الأشراف الذين بمكة ، وأخبروا مولانا الشريف بعد وصولهم إلى الشريف سعيد بن سعد ، بأن الأمر قد خرج عنه ، وأظهروا له التخلي عنه بالكلية ، حتى أخوه وابن عمه ، فلما رأى انحلال الأمر والقوم ، وكل الأمر إلى الله ، وقال : «اليوم بعد اليوم»!!. فأودع طوارفه (٤)

__________________

(١) سقطت من (ج).

(٢) في النسختين «أحمد بن زيد». والاثبات من المحققة لأن الاسم الكامل للشريف أحمد بن غالب هو : أحمد بن غالب بن محمد بن مساعد بن مسعود بن حسن. انظر : العصامي ـ سمط النجوم العوالي ٤ / ٥٨٠. وابن زيد هو الشريف سعيد بن سعد بن زيد.

(٣) المقصود به مسجد التنعيم شمالي مكة قرب أقرب الحل إلى الحرم ، وفيه مسجد التنعيم الذي اعتمرت منه أم المؤمنين عائشة بأمر الرسول صلى‌الله‌عليه‌وسلم مع أخيها عبد الرحمن بن أبي بكر ، لأنها عند ما قدمت مكة في حجة الوداع كانت حائضا فاعتمرت بعد الحج. البلادي ـ معجم معالم الحجاز ٢ / ٤٤ ، البلادي ـ معالم مكة التاريخية والأثرية ٢٦٩. ومن هذا المكان يعتمر بعض الناس للعمرة. ابن ظهيرة ـ الجامع اللطيف ٩١ ـ ٩٢ ، ٣٣٦ ، عبد الكريم القطبي ـ أعلام العلماء الأعلام ١٦٧.

(٤) الطارف : المستفاد من المال ونحوه. ابن منظور ـ لسان العرب ٢ / ٥٨٢ ، إبراهيم أنيس ـ المعجم الوسيط ٢ / ٥٥٥.

٦١

لمولانا السيد أحمد بن سعيد بن شنبر وسار متوجها إلى الطائف.

فولي مكة مولانا الشريف أحمد بن غالب بن محمد بن مساعد بن مسعود بن حسن بن أبي نمي ، مولده بعد الأربعين تقريبا (١). فدخل مكة ضحى يوم الجمعة ثاني شوال في آلاى أعظم من الحجون لابسا خلعة الباشوية ، ومعه جميع الأشراف ، ونزل داره ـ بيت الشريف محسن بن الحسين بن الحسن بن أبي نمي ، وكان قد اشتراها من السيد محمد بن زيد ـ وجلس للمباركة. وحقن الله الدماء ـ ولله الحمد والمنة ـ وامتدحه الشعراء بقصائد أمثلها (٢) عندي قول صاحبنا السيد الفاضل محمد بن حيد [ر](٣) الشامي (٤) وهي :

أسفر الدهر عن محّيى السعود

ووفا بعد مطله بالوعود

نشرت راية التهاني فعمت

كل قطر بظلها الممدود (٥)

وتحلت بالبشر دهم الليالي

فغنينا عن نيرات الوجود

__________________

(١) أي بعد سنة ١٠٤٠ ه‍.

انفرد السنجاري بهذا التاريخ أي بعد ١٠٤٠ ه‍ من بين المصادر التي عثرت عليها مثل العصامي ـ سمط النجوم العوالي ، ومحمد علي الطبري ـ الاتحاف.

(٢) أي أفضلها وأحسنها.

(٣) ما بين حاصرتين من (ج).

(٤) هو السيد محمد بن السيد حيدر بن علي الشامي أصلا المكي مولدا من شعراء القرن الثاني عشر الهجري. العباس الموسوي ـ نزهة الجليس ١ / ١٤٠ ـ ١٤٣ ، ١٥٣ ـ ١٦٨ ، المحبي ـ نفحة الريحانة ٤ / ٥٣ ، الدهلوي ـ أزهار البستان (مخطوط) ورقة ٢٤٠ ، أبو الخير مرداد ـ النور والزهر ٤٢٦ ـ ٤٢٧. ويذكر عائض الردادي ـ الشعر الحجازي في القرن الحادي عشر ١ / ١٨٥ ـ ١٨٦ أن اسم الشاعر هو محمد بن علي بن حيدر الشامي وليس محمد بن حيدر الشامي.

(٥) في (أ) «المحدود». والاثبات من (ج).

٦٢

أينعت (١) للورى رياض الأماني

فاجتنوا طيب زهرها والورود

أعتب الدهر بعد طول غياب

وحبا أهله بأعلى الجدود (٢)

واستحق المدح المحبب والحم

د وليس المذموم كالمحمود

حين أعطوا قوس المعالي لباري

ها وراس السهام بالتسديد (٣)

ذلك الفخر أنت يا دهر رق

تحت أمر الولي (٤) الأجلّ الفريد

أحمدي (٥) الصفات والاسم والذا

ت عطاء من العزيز الحميد

خصك الله بالنصر في تنفيذ أحكا

مه وفي العدل والتمهيد

ملك أشرقت لدولته الأر

ض بأنوار الطالع المسعود

فأنارت ونورت (٦) فكأن الزه

ر زهر الأفلاك في التنفيذ (٧)

ورآها حلت قلوب الرعايا

إذ وفت (٨) بقول عدل وجود

__________________

(١) في (أ) «انيعت». والاثبات من (ج).

(٢) الجدود : من جد وهو الحظ والرزق. ابن منظور ـ لسان العرب ١ / ٤١٣

(٣) وهذا البيت من المثل العربي الذي يقول :

يا باري القوس بريا لست تحسنها

لا تفسدنها واعط القوس باريها

ابن سلام ـ الأمثال ، حققه وعلق عليه عبد المجيد قطامش ط ١ ، دار المأمون للتراث ، دمشق ، بيروت ١٤٠٠ ه‍ / ١٩٨٠ م ـ باب الحذف بالأمور وحسن المعاناة لها ص ٢٠٤ ، النيسابوري الميداني ـ مجمع الأمثال ، حققه وعلق عليه محمد محيي الدين عبد الحميد ط ٢ ، ١٣٧٩ ه‍ / ١٩٥٩ م ، ج ٢ الباب الثامن عشر حرف العين المهملة ص ١٩.

(٤) في (أ) «المولى». والاثبات من (ج).

(٥) في (أ) «أحمد». والاثبات من (ج). وهي الأصح لوزن الشعر.

(٦) في (أ) «ونور». والاثبات من (ج) وهي الأصح لوزن الشعر.

(٧) التنفيد : متراصا ، منسقا. ابن منظور ـ لسان العرب ٣ / ٦٥٦.

(٨) في النسختين وردت «وفت». ولكنها يجب أن تكون «وفته» لئلا ينكسر وزن البيت.

٦٣

وحكتهم أغصانها حين هزت

بالتهاني أعطاف تلك القدود

ملك أرشد الإله به الخل

ق فنالوا سكنى جنات الخلود

سار فيهم بالعدل فاغتنموا الشك

ر ففازوا بالأجر فوق المزيد

ملك أفعم القلوب ودادا

من قريب من الورى وبعيد

فله من دعائهم سابغات

أحكمت نسجها يدا داوود (١)

وله من دعائهم نافذات

من سهام الدجى بقلب الحسود

فجميع الورى له جند نصر

إن جند الإخلاص خير الجنود

بل هم رق فضله ونداه

وعبيد الأمنان أغلى العبيد

قابلته أم الورى (٢) بابتهاج

وسرور عند القدوم السعيد

أنشدت يوم حلها يوم عيد

هو لا السعيد حين أقبل عيد

شرف الملك إذ حواه وحلا

ه بأوصاف ذاته كالعقود /

فتجلى بكل وصف جميل

وتجلى بكل سعد مديد

قد قضى الله بالصلاح وأجرى

لطفه شاملا لكل العبيد

عم أم القرى بفيض العنايا

ت فبشر بذاك (٣) كل الوجود

مذ حباها منه بأكرم ملك

خيمت فوقه ظلال البنود

سيد حاز من حميد السجايا

أفخر الإرث عن كرام الجدود

هو فخر الملوك من آل طه

سيما رهطه ذوي مسعود

__________________

(١) من معنى الآية الكريمة :

(أَنِ اعْمَلْ سابِغاتٍ وَقَدِّرْ فِي السَّرْدِ). سورة سبأ الآية ١١.

والسابغات بمعنى الدروع الواسعة الطويلة. ابن منظور ـ لسان العرب ٢ / ٩٠.

(٢) يقصد بها أم القرى (مكة المكرمة).

(٣) بالأصل «بذلك» والتصويب لوزن الشعر.

٦٤

يا مليكا به تتيه الرعايا

إفتخارا على الملوك الصيد (١)

إهن باللطف والعناية والتو

فيق من ربك العزيز الحميد

لاحظتك الألطاف حتى أنا

لتك الذي رمته من المقصود

لم تصطفيك للمجد والسؤ

دد والعز والعلى والجدود (٢)

ومساعيك لم تزل بصلاح ال

حال تقضي في كل خطب شديد

إن لله في مساعيك سرا

دق إذ حلّ موقعا في الوجود

فهنيئا للملك إذ كنت تحوي

ه وتحميه من جميع الحدود

وهنيئا لمكة حيث أضحت

في حمى ظل عدلك الممدود

وهنيئا لآل عجلان طرا

سادة الخلق خيرة المعبود

حيث أصبحت منهم درة التا

ج على مفرق الفخار المجيد

وابق واسلم في أوج سعدك

تجني أطول العمر كل يوم جديد

هاكها (٣) مدحة تسامت فخارا

بعلاكم عن كل نظم مزيد

أنت بين الملوك بدر الدراري (٤)

وهي بين القريض بيت القصيد (٥)

__________________

(١) الصيد : مصدر الأصيد ، وهو ذو الكبر ، كما عبر ابن منظور ـ لسان العرب ، وقيل للملك أصيد لأنه يلتفت يمينا ولا يلتفت شمالا. ابن منظور ـ لسان العرب ٢ / ٤٩٩.

(٢) الجدود هنا بمعنى الحظوظ.

(٣) في (أ) «هاك». والإثبات من (ج).

(٤) في (أ) «الداراري». والإثبات من (ج).

الدراري : تعني الكوكب الشديد الإضاءة وهي جمع دري. ابن منظور ـ لسان العرب ١ / ٩٦٧.

(٥) أي أفضل بيت قيل في الشعر. لأن القريض بمعنى قول الشعر. ابن منظور ـ لسان العرب ٣ / ٦١.

٦٥

دمت في نعمة وعز منيع

بابتهاج في ظل عيش رغيد

ما تلا حين سأل فضلك راج

أسفر الدهر عن محيى السعود

وممن مدحه المنيفي المذكور بقصيدة يتعرض فيها للتنصّل عما وقع منه. فرضي عنه ، وألبسه صوفا من ثيابه (١).

وما كان من الحيدري (٢) ، فصادف من إقباله ما تمنى ، وأثبت له مصروفا ، وجعله كاتب الإنشاء ، ولله في ملكه ما يشاء ـ.

ومدحه صاحبنا السيد هاشم بن أحمد الأزراري (٣) وغيره.

فلما أن استقر ، عزل القائد أحمد بن جوهر من الحكامة (٤) وجعل فيها عبده القائد سنبل بن أحمد.

وأمر القائد أحمد بالخروج من البلد ، فشفع فيه بعض الأشراف ، فأبقاه.

وعزل أحمد الملتاني من الدويدارية (٥) ، وولاها القاسم بن طاهر

__________________

(١) كناية عن الرضا والقبول.

(٢) محمد بن حيدر الشامي.

(٣) الأزراري : أديب وشاعر امتاز بأخلاقه الحسنة ، ترك الشعر في أواخر أيامه ولازم المسجد الحرام حتى وفاته سنة ١١٦٦ ه‍. المحبي ـ نفحة الريحانة ٤ / ٣١٥ ـ ٣١٩ ، العباس الموسوي ـ نزهة الجليس ١ / ٣٨٧ ، الدهلوي ـ أزهار البستان ورقة ١٣٦ ، أبو الخير مرداد ـ نشر النور والزهر ٥٠٥ ـ ٥٠٦ ، عائض الردادي ـ الشعر الحجازي ١ / ٢٥٦ ، ٣٨١ ، ٢ / ٨٢٩.

(٤) أي حكم البلاد.

(٥) الدويدارية : من دوادار ، دوار ، دويدار. وهي إسم فارسي مركب من لفظ عربي هو الدواة (المحبرة) ، والثاني دار ومعناه (ممسك). وصاحب وظيفة الدوادارية ، هو الذي يحمل دواة السلطان أو الأمير أو غيرهما ، ويتولى أمرها مع ما يلحق ذلك من

٦٦

التربتي (١) ، وولى محمد شريف ـ أحد أولاد العجم ـ كتابة العدني (٢) ، وبعث إلى الطائف ، يطلب الخواجه عثمان حميدان وابن عمه إبراهيم حميدان.

ولما كان يوم السبت الثالث من شوال أظهر الأصباهية (٣) أن محمد البغدادي المقتول السابق ذكره من بلكّهم ، وأن الآمر بقتله إنما هو القائد أحمد (٤) ، وإنهم يريدون الدعوى عليه عند القاضي.

فقام في صدورهم السيد أحمد بن سعيد بن شنبر ، فأصلح خاطر الشريف عليه.

وقام صاحب جدة محمد بيك على الوزير يوسف السقطي في الحب الذي أخذه الشريف أحمد بن زيد ، وكتب الوزير على نفسه حجة بأنه يوفي أهل الحب ، وكان ثمنه ألف وخمسمائة أحمر ، وادعى أن أجلها قد

__________________

المهمات نحو تبليغ الرسائل عن السلطان أو الأمير وإبلاغ عامة الأمور ... وإلى غير ذلك. القلقشندي ـ صبح الأعشى ٤ / ١٩ ، ٥ / ٤٦٢. محمد قنديل البقلي ـ التعريف بمصطلحات صبح الأعشى ١٣٩ ، محمد ثابت ـ دائرة المعارف الإسلامية ٩ / ٣٠٤ ـ ٣٠٥.

(١) التربتي : خادم الشريف أحمد بن غالب واسمه كما ورد في العصامي ـ سمط النجوم العوالي ٤ / ٥٨٢ «أبو القاسم بن محمد طاهر الشهير بالبرتي».

وفي (أ) ورد لفظ «التريني» ورقة ٢٨٩ ، ٢٩٦. وفي (ج) ورقة ١٣ ، ١٩. أما لفظ «التربني» ففي ورقة ٢٩١ من (أ). وفي ١٤ من (ج). لذا أثبت«التربتي».

(٢) رسوم السفن الواردة من عدن. ابن الجيعان ـ المجموع الظريف من حجة المقام الشريف. مقال في مجلة العرب ٩ / ١٠ ، الربيعان من سنة ١٣٩٦ ه‍ ، آذار ، نيسان ، مارس إبريل ١٩٧٦ م ص ٦٨ حاشية رقم (٢).

(٣) الأصباهية : هم فرقة الأسباهية.

(٤) القائد أحمد بن جوهر الذي عزل عن الحكامة.

٦٧

حلّ في هذا الشهر (١) ، فأمر بجمع الفقهاء عند القاضي ، / فاجتمعوا ، فلاذ الوزير المذكور ببلك الإنقشارية ، فقام في صعدته الإنقشارية ، فسكنت الفتنة.

ثم إن الأصباهية ادعت على محمد علي بن سليم (٢) وزير مولانا الشريف سعد ـ أنه هو الآمر للشريف سعيد بقتل البغدادي ، وأنه هو الذي حمله على محاصرة الشريف أحمد بن غالب ، فاقتضى الحال أن اختفى المذكور ، إلى أن شفع له بعض الأشراف.

وصمّم الأتراك على طلب محمد علي ، وقام معه القاضي ، فدخل على السيد حمزة بن مغامس بن سليمان (٣) ، فأنزله في بلده الركاني ، وحال بينه وبينهم.

وفي يوم الأحد الحادي عشر من شوال ، ألبس مولانا الشريف إبراهيم ابن علي بن حميدان خلعة الوزارة ، وخرج راكبا في عسكر مولانا الشريف إلى منزله بسويقة (٤) وبورك له فيه.

ولما كان يوم الجمعة السادس عشر من شوال : جمع محمد بيك الفقهاء بعد صلاة العصر في مدرسة قايتباي عند القاضي ، للدعوى على السقطي

__________________

(١) أي في شهر شوال.

(٢) في (أ) محمد بن علي بن سليم. والاثبات من (ج). والإسم سبق ذكره هكذا «محمد علي بن سليم».

(٣) في (أ) «السيد حمزة بن موسى بن سليمان».

(٤) يقصد بها سويقة الشامي التي هي من حي الشامية لأن الدهلوي يذكر في موائد الفضل والكرم ورقة ١٥١ : «أنه كان لبيت حميدان عقار في الشامية» عرف في عهد الدهلوي برباط النساء.

٦٨

وثمن الحب السابق ذكره ، فقال :

«أقررت مكرها» (١). فانفضّ المجلس عن لا شيء.

ونزل في هذا اليوم صاحب جدة.

وفي هذا اليوم جاء الخبر بوصول فرقاطة (٢) من البحر فيها الاستمرار لصاحب جدة.

وفي ليلة الأربعاء الخامس من ذي القعدة الحرام : وردت النجابة بخبر القفطان السلطاني ، أنه وصل ينبع (٣) ، فأخلع عليهم مولانا الشريف. ثم عقبهم صبيحة.

ووردت يوم الأربعاء نجابة أخرى ، ووصل أغاة (٤) القفطان ، فدخل مكة في آلاى العسكر الإنقشارية ضحى يوم السبت الثامن من ذي (٥) القعدة الحرام ، ونزل مولانا الشريف أحمد بن غالب إلى الحطيم ، وحضر السادة الأشراف والفقهاء وقاضي الشرع ، وجاء الآغا بالأمر

__________________

(١) في (ج) «أقريت مكرها».

(٢) في (أ) «فر قام». والاثبات من (ج). والفرقاطة هي : سفينة حربية تحتوي عادة على ستين مدفعا من عيار (٢٤) وعدد بحارتها (٧٠) بحارا وكانت تعرف باسم فرقطون. سعاد ماهر ـ البحرية في مصر الاسلامية ، دار الكتاب العربي ، القاهرة ٣٦٢.

(٣) في (ج) «الينبع».

(٤) الأغا : بمعنى السيد أو الرئيس أو الموظف الكبير. النهروالي ـ البرق اليماني ط ١ ، ١٣٨٧ ه‍ / ١٩٧٦ م ، منشورات دار اليمامة للبحث والترجمة ، الرياض ص ٧٥. الأنصاري ـ تحفة المحبين ، تحقيق محمد العروسي المطوي ط ١ المكتبة العتيقة ، تونس ١٣٩ ه‍ / ١٩٧٠ م ص ٥٠ حاشية رقم (١). والمقصود هنا الموظف الذي يحمل القفطان.

(٥) في (ج) «ذو».

٦٩

السلطاني ، والخلعة السلطانية محمولة بين يديه ، إلى أن وصل إلى الحطيم ، وقد فتح البيت الشريف.

فلبس مولانا الشريف القفطان ، وقرأ المرسوم القاضي مرشد الدين ابن أحمد بن عيسى المرشدي ومضمونه :

ـ بلوغ وفاة الشريف أحمد بن الشريف زيد إلى الأبواب السلطانية (١).

ـ وتعريف صاحب السعادة صاحب مصر حسين باشا باستحقاق مولانا الشريف أحمد بن غالب لهذه الشرافة ، ورضى الأشراف بذلك ، وقد أنعم عليه بذلك.

وتلا هذه الوصاية على الرعية (٢) والحجاج إلى غير ذلك.

فلما انتهى المجلس ، طلع مولانا الشريف إلى منزله للمباركة ، وأمر فزينت (٣) البلد ثلاثة [أيام](٤).

ودخل مع هذا الآغا معمار للعين ، بسبب عرض بعثة مولانا الشريف أحمد بن زيد ، ووصل أيضا من جهة البحر ريس (٥) الكتاب بنية الحج.

__________________

(١) سقطت من (ج).

(٢) بالأصل الرعاية والتصويب لاتساق المعنى.

(٣) في (أ) «بزيت». والاثبات من (ج).

(٤) ما بين حاصرتين من (ج).

(٥) الرئيس من ألقاب علية القوم وشرافهم ، كما يقال للرئيس (ريس) للتخفيف ، وكلاهما مشتق من الرياسة. واستخدم لفظ رئيس وريس لقبا على كبار رجال البحرية في الدولة العثمانية ، وكان يلي اسم صاحبه. أحمد عطية الله ـ القاموس الإسلامي ٢ / ٢٢٦.

٧٠

وفي اليوم السابع عشر من ذي القعدة طلع صاحب جدة وقاضي الشرع ومعهم المعمار المذكور إلى نعمان (١) ، للإشراف على العمارة التي عمرها صاحب جدة في السنة التي قبل هذه (٢) ، فأشرفوا ونزلوا.

وفي يوم الثلاثاء الخامس عشر من ذي القعدة ، ورد نجاب على مولانا الشريف ، فألبسه (٣) قفطانا.

وفي هذا الشهر وقع من مولانا الشريف غضّ عن بعض أبناء الفقهاء (٤) ـ عفا الله عنه ، وجزاه خيرا ـ.

وفي يوم الاثنين مستهل ذي الحجة الحرام ألبس مولانا الشريف القاضي مرشد الدين تشريفا (٥) ، وجعله ناظر الصّرّ (٦) حال قسمته بالمسجد.

__________________

(١) نعمان : على وزن فعلان من نعمة العيش ، وهو نضارته وحسنه ، وهو نعمان الأراك ، ويقع بين مكة والطائف ، ويشتهر بكثرة العيون ، وأشهرها عين زبيدة. ياقوت الحموي ـ معجم البلدان ٥ / ٢٩٣ ، عاتق البلادي ـ معالم مكة ٣٠٤ ـ ٣٠٧ ، صادق باشا ـ دليل الحج إلى مكة والمدينة في كل فج ط ١ ، بولاق الكبرى الأميرية ١٣١٣ ه‍ ص ٦١.

(٢) أي سنة ١٠٩٨ ه‍.

(٣) في (ج) «وألبسه».

(٤) قد يكون الغض عن أعمال منافية للأخلاق.

(٥) أي ألبسه خلعة للتكريم.

(٦) الصر : هو المال الذي كانت ترسله الدولة العثمانية إلى الحجاز وأول من أرسله هو السلطان محمد خان بن يلدرم (٨١٦ ـ ٨٢٤ ه‍). انظر : النهروالي ـ الإعلام بأعلام بيت الله الحرام ١٧٣ ، عبد الكريم القطبي ـ أعلام العلماء ص ١٠٥ ، يوسف اصاف ـ تاريخ سلاطين آل عثمان ٥٩. والمقصود بالصر المال يوضع في الصرة ويشد عليها. إبراهيم أنيس ـ المعجم الوسيط ١ / ٥١٢ ، والناظر هو الذي ينظر في الأموال ، وينفذ تصرفاتها ، ويرفع إليها حسابها ، لينظر فيه ، ويتأمله ، فيمضي ما يمضي ، ويرد ما يرد ، وهو مأخوذ إما من النظر الذي هو رأس العين لأنه يدير نظره في أمور ما ينظره فيه ،

٧١

وفي (١) يوم (٢) السبت السادس من ذي الحجة / خرج مولانا الشريف على جري العادة لملاقاة الأمير المصري في العرضة العظمى (٣) ، فألبسه الأمير القفطان الوارد به ، وألبسوا ابنه ـ أبا (٤) طالب ـ ابن أحمد قفطانا ، وهو لم يبلغ الحلم إذ ذاك. وكذلك جميع أرباب المناصب ، ورجع.

ثم خرج يوم الأحد للقاء الأمير الشامي ، وألبسه الخلعة الواردة معه ، وحج بالناس ، ونزل وفرق الصر ، وجعل [أحمد](٥) الملتاني كاتبا في الصر ، ولم ترد بعض المواد (٦) من الصدقات في هذا العام.

وفي هذا الموسم ورد من الطائف مولانا السيد مساعد بن سعد (٧) ،

__________________

ـ وإما من الفكر لأنه يفكر في المصلحة من ذلك. ثم هو يختلف باختلاف ما يضاف إليه.

انظر : محمد قنديل البقلي ـ التعريف بمصطلحات صبح الأعشى ٣٤١.

(١) سقطت من (ج).

(٢) في (أ) «ليلة». والاثبات من (ج) لسياق المعنى انظر ما يليه.

(٣) العرضة العظمى : العرضة نوع من الاستعراض العسكري ، تخرج القبائل فيه لاستقبال زائرها ، يلوحون بسيوفهم ، ويلعبون ببنادقهم. أحمد السباعي ـ تاريخ مكة ٢ / ٤٦٤ حاشية (١).

(٤) في النسختين وردت «أبو طالب».

(٥) ما بين حاصرتين من (ج).

(٦) المواد التي كانت تأتي إلى مكة هي غير الحب (القمح) هي : الدقيق المحزوم ـ البقسماط المنشف ـ الأرز المحزوم ـ البرغل ـ الكشك ـ الباسلا ـ شعير مغربل ـ لب الليف ـ فول ـ جبن الحلوم. أنظر : الجزيري ـ درر الفرائد ، المطبعة السلفية ، القاهرة ١٣٨٤ ه‍ ص ٤٠٤ ، نوال ششه ـ جدة في مطلع القرن العاشر ط ١ ، الطالب الجامعي ، مكة المكرمة ١٤٠٦ ه‍ / ١٩٨٦ م ص ١٢١.

(٧) مساعد بن سعد : هو مساعد بن سعد بن زيد أحد أبناء الشريف سعد بن زيد.

٧٢

وعامله مولانا الشريف أحمد بن غالب ، واستقر الحال.

وسافر الحج ، وجاء الخبر : أن الشريف سعيد بن سعد ، توجّه مع الحج الشامي إلى جهة والده (١) ، وجهز مولانا الشريف قاصدا إلى الروم بهدية سنية. وبعث خديمه المنلا قاسم بن محمد طاهر التربتي ، فتوجه بعد خروج الآمر من مكة.

__________________

(١) الذي كان يقيم في مركز الدولة العثمانية بعد خروجه من مكة

٧٣
٧٤

ودخلت سنة ألف ومائة (١١٠٠ ه‍):

وفي يوم الجمعة التاسع عشر من محرم الحرام : طلع مولانا الشريف سطح الكعبة المشرفة للإشراف على إفريز الكعبة ، التي تربط فيه الكسوة ، لإخبار المعلمين له بأنه استأكل ويحتاج إلى التغيير. وجاءه أمر من الأبواب بعمارة ما يحتاج إليه في الكعبة وتعريف جهة السلطنة بما صرف في ذلك.

فاتفق أن وجبت الجمعة ، ودخل الخطيب وهو في الكعبة ، فصلى الجمعة وهو في جوفها.

والكلام في هذه المسألة محله في غير هذا الكتاب فراجعه إن شئت (١).

إلا أن تكون صحة الصلاة في جوف الكعبة مؤتما بالإمام الخارج ـ ولا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم.

ولما أن فرغ (٢) ، أخلع على الشيخ عبد الواحد الشيي ، وولده الشيخ عبد المعطي ، وعلى المهندسين.

__________________

(١) أنظر حول هذه المسألة : ابن قدامة ـ موفق الدين ابن قدامة ـ المغني مع الشرح الكبير ، دار الباز للنشر والتوزيع ، مكة المكرمة ١ / ٧٢١ ، محمد بن أحمد بن رشد ، القرطبي ـ بداية المجتهد ونهاية المقتصد ، المكتبة التجارية الكبرى ، مصر ، ١ / ٩٦. أبو بكر الكاساني الحنفي ـ بدائع الصنائع في ترتيب الشرائع ، مطبعة العاصمة ، القاهرة ١ / ٣٤٧ ، محمد بن علي الشوكاني ـ نيل الأوطار مع أحاديث سيد الأخيار ، دار الجيل ، بيروت ٢ / ١٤٥ ، تقي الدين بن الفتح ، ابن دقيق العيد ـ احكام الأحكام شرح عمدة الأحكام ، دار الباز للنشر والتوزيع ، مكة المكرمة ١ / ١٨٧.

(٢) في (ج) «افرغ».

٧٥

وفي يوم السبت السادس والعشرين من (١) محرم الحرام من السنة المذكورة (٢) : خرج مولانا الشريف إلى الزاهر قاصدا [جهة](٣) المدينة ، وأناب منابه بمكة مولانا السيد بشير بن مبارك بن فضل بن مسعود (٤).

في هذه الأيام أمر مولانا الشريف بأناس ، بلغه أنهم يصكون الدراهم (٥) ، فأمر بنهب بيوتهم ، ففعل بهم ذلك ، وأمهلوا نحو خمسة أيام ، وأخرجوا من البلد ، وأحضرت آلات الصك (٦) بين يديه ، فصلحت المعاملة. ثم ظهر له أن نائب حكمه خانه في بعض مال المنهوبين ، فعزله ، وأمر بنهب بيته أيضا ، فأخذ جميع ما فيه ، وجعل نائبا غيره.

__________________

(١) في (ج) «سادس عشر». والاثبات من (ج) لترتيب الأيام فالتاريخ السابق ١٩ محرم.

(٢) ١١٠٠ ه‍.

(٣) ما بين حاصرتين من (ج).

(٤) في النسختين ورد الإسم بشير بن مبارك بن فضل بن مسعود. وأعتقد أن هناك تصحيفا في الاسم ، لأنه لا توجد شخصية بهذا الاسم وينطبق عليه ما قاله السنجاري إلا شخصية بشير بن مبارك بن فضل بن مسعود بن حسن بن أبي نمي. وهذا كان شاعرا فاضلا محبا للشعر والشعراء. قال عنه الموسوي : «سخرت له قوافي الموشحات». وممن مدحه الشاعر محمد علي بن حيدر الحسيني ، ولي إمارة المدينة في عهد الشريف أحمد بن غالب ، توفي سنة ١١٣٨ ه‍. أنظر عنه : الموسوي ـ نزهة الجليس ٢ / ٣٣٥ ، عائض الردادي ـ الشعر الحجازي ١ / ٢٥٤.

(٥) أي أنهم كانوا يقومون بتزييف النقود. عن هذه الحادثة انظر : محمد علي الطبري ـ الاتحاف ٢ / ٧٤.

(٦) في (ج) «الصكة».

٧٦

ولما كان يوم السبت أول هلال ربيع الأول من السنة المذكورة (١) : ألبس حاكمه القائد سنبل قفطانا ، وجعله وزيرا له. فجمع له بين الحكامة والوزارة ، وعزل الخواجة إبراهيم حميدان.

وفي هذا اليوم : ألبس عبد الله حميدان قفطانا وجعله وزير جدة ، وعزل حسن حميدان عن وزارة جدة أيضا ، فنزل المذكور بعد لبس خلعته.

وفي هذه السنة : تولى محمد بن عبد المجيد الفقيه قضاء جدة نيابة عن قاضي مكة ، ونزل من يومه.

وفي هذه الأيام : أمر كتبة جدة بمنع الطلقات التي من الجلاب لبعض الناس من السادة والتجار ، وكانوا يأخذون عشورها مسامحة من الملك.

وفي أوائل ربيع الثاني : أمر بفتح دشيشة (٢) السلطان جقمق (٣) ،

__________________

(١) السنة المذكورة ١١٠٠ ه‍.

(٢) يقصد بها القمح الذي يرسل إلى الحرمين فيعمل طعاما للفقراء يجرش ويدش ويطبخ ويفرق عليهم. النهروالي ـ مقدمة البرق اليماني ص ٧٧ ، ابراهيم أنيس ـ المعجم الوسيط ١ / ٢٨٤.

(٣) والسلطان جقمق : هو الملك الظاهر أبو سعيد جقمق العلائي الظاهري. تولى سلطنة مصر بعد خلع العزيز يوسف بن الأشرف برسباي عام ٨٤٢ ه‍. كان ورعا مقتصدا. قدم أعمالا خيرية بمكة. وتوفي سنة ٨٥٧ ه‍ بعد أن خلع نفسه لولده الأمير عثمان. انظر : ابن فهد : عز الدين بن عبد العزيز بن عمر بن محمد بن فهد الهاشمي القرشي ـ غاية المرام بأخبار سلطنة البلد الحرام ، تحقيق فهيم شلتوت ط ١ ، جامعة أم القرى ، مكة المكرمة ، ١٤٠٩ ه‍ / ١٩٨٨ م ، ٢ / ٤١٤ ـ ٤٢٥ ، عبد الكريم القطبي ـ أعلام العلماء ٩٩ ـ ١٠٠ ، محمد ثابت ـ دائرة المعارف الإسلامية ٧ / ٥٠ ـ ٥١.

٧٧

وأصرف لها ألف أردب حبّ ، وصلت في هذا العام من حب سليمان (١).

وفي يوم الجمعة السادس من / ربيع الثاني : وصل نجاب إليه من البحر بأمر باشوي ، مقتضاه : رجوع أمر جميع العسكر الإنقشارية وغيرهم ممن بمكة إلى رأيه (٢) ، وإطاعته في جميع الأمور ، يسافر بمن شاء منهم ، ويبقي من شاء ، دون مخالفة منهم له.

وقرأ عليهم الأمر بعد صلاة العصر ، بحضور قاضي الشرع والمفتي وأغوات البلكات ، فأجابوه بالسمع والطاعة.

والسبب الحامل له على طلب هذا الأمر ، استفحال الإنقشارية والأصباهية بمكة ، وجعلوا إذا مات أحد من أصحاب الأموال ، ادّعوا أنه من بلكهم ، واستحقوا عليه (٣). وبلغه أن بعض أولاد الفقهاء المتلبسين بالخطابة والإمامة جعلوا إنقشارية ، فأراد حسم هذا الباب بهذا الأمر. وهو نعم الرأي ، لو أنه تم (٤) ، إلا أنه لم يتم له مقصود.

__________________

(١) المقصود به الحب الذي أوقفه السلطان سليمان خان القانوني (٩٢٦ ـ ٩٧٤ ه‍) (١٥٢٠ ـ ١٥٦٦ م) على أهالي الحرمين الشريفين ، حيث اشترى عدة قرى بمصر ، وجعل غلتها لأهالي الحرمين وكانت كالتالي : ثلاثة آلاف أردب لأهالي مكة ، وخمسة آلاف إردب لأهالي المدينة المنورة. لمزيد من المعلومات أنظر : السنجاري ـ منائح الكرم ـ حوادث سنة ٩٦٤ ه‍ ، عبد الكريم القطبي ـ أعلام العلماء الاعلام ١٠٩ ـ ١١٠ ، محمد فريد ـ تاريخ الدولة العلية العثمانية ١٩٨ ، أحمد السباعي ـ تاريخ مكة ٢ / ٤٦١ ـ ٤٦٢.

(٢) أي إلى رأي الشريف.

(٣) أي طلبوا حقوقهم منه.

(٤) سقطت من (ج). ولم يتم لأنه جاء أمر باشوي آخر لسردار الإنقشارية ، أن يعمل ما يراه مناسبا للعسكر. فبذلك يكون ألغي الأمر الأول الذي كان للشريف.

٧٨

وطلع صاحب جدة (١) في السابع عشر من ربيع الثاني ، واستمر إلى الخامس والعشرين ، ونزل.

وفي ليلة الثلاثاء سلخ ربيع الثاني : ورد مورّق من ينبع. وأخبر بورود آغا من مصر ، وصحبته ولد مولانا السيد ناصر الحارث وشريف آخر ، بعثهما السيد ناصر إلى صاحب مصر (٢). فوردوا مكة سابع جماد الأولى ، ومعهم السيد حسن بن أحمد الحارث.

ونزل الآغا المذكور في دار السيد ناصر الحارث.

وبعد مواجهة مولانا الشريف لم يظهر له نبأ ، وجاء مع هذا القاصد أمر باشوي لسردار الإنقشارية بالاستبداد في الأمر ، فيما يراه الأصلح في شأن العسكر.

وبهذا انفسح الأمر الوارد لمولانا الشريف ، فأراد أن يسجل هذا الأمر الوارد إليه ، فأمهله القاضي حتى يشرف عليه مولانا الشريف.

فيقال إنه لما وصل إليه ، احتبسه عنده ، وأبى تسجيله ، إلا أن يكتب له السردار المذكور ضمانه بما يقع بمكة من الاختلال. فلم يجبه السردار ، وأنفت نفسه من هذا الفعل.

وفي يوم الأحد الثالث عشر من جمادى الأولى من السنة المذكورة (٣) : جاء الخبر من الطائف ، أن الإمام الحسين (٤) ابن الإمام

__________________

(١) صاحب جدة محمد بيك.

(٢) حسن باشا السلحدار.

(٣) سنة ١١٠٠ ه‍.

(٤) الإمام حسين بن إسماعيل المتوكل على الله كان أميرا على صنعاء ، فحدث

٧٩

إسماعيل المتوكل على الله صاحب اليمن ، قد ورد الطائف من طريق الحجاز الأعلى. فجاء الخبر يوم الرابع عشر من جمادى الأولى تحقيق ذلك ، وأنه مقبل إلى مكة ، وأنه وصل الطائف ثاني عشر الشهر ، ونزل على مولانا الشريف السيد عبد المحسن ابن مولانا السيد أحمد بن زيد بالأخيضر (١) من أرض الطائف ، فاضطربت الأروام (٢) لذلك.

ولما كان ليلة الأربعاء السادس عشر من جمادى الأولى : دخل مكة حسين ابن الإمام المذكور ، ومعه أخوه ، وولد صاحب كوكبان (٣) حسين بن عبد القادر (٤) في نحو أربعين عنانا من الخيل. وصح أنهم

__________________

خلاف بينه وبين الإمام الناصر ، ففر إلى مكة المكرمة. الجرافي اليماني ـ المقتطف من أخبار اليمن ، الطبعة الأولى ، دار إحياء الكتب العربية ، القاهرة ١٧١ ـ ١٧٢.

أما الإمام إسماعيل المتوكل على الله فقد تولى الإمامة بعد وفاة الإمام المهدي سنة ١٠٩٢ ه‍. توفي سنة ١٠٩٧ ه‍. عبد الواسع بن يحيى الواسعي اليماني ـ تاريخ اليمن (فرجة الهموم ، الطبعة الرابعة ، الدار اليمنية للنشر والتوزيع ١٤٠٤ ه‍ / ١٩٨٤ م ص ٢٢٧.

(١) الأخيضر : قرية أسفل وادي العرج للعصمة من عتيبة ، وعندها يسمى وادي العرج وادي الأخيضر. وهذا الوادي تختلط فيه قبائل العصمة والأشراف ذو حراز وعدوان وغيرهم. البلادي ـ معجم قبائل الحجاز ١ / ٧٣ ـ ٧٤.

(٢) المقصود الأتراك الموجودون بمكة المكرمة.

(٣) كوكبان : جبل قرب صنعاء في الجهة الشمالية الغربية منها ، وإليه يضاف شبام كوكبان. ياقوت الحموي ـ معجم البلدان ٤ / ٤٩٤ ، الواسعي اليماني ـ فرجة الهموم ٤٧.

(٤) حسين بن عبد القادر بن الناصر بن عبد الرب بن علي الكوكباني شاعر مشهور ، فر إلى مكة في عهد الإمام المهدي محمد بن أحمد ، وتوفي بشبام سنة ١١١٢ ه‍. الشوكاني ـ البدر الطالع بمحاسن من بعد القرن السابع ط ١ ، القاهرة ١٣٤٨ ه‍ ، ١ / ٢٢١ ـ ٢٢٢ ، الجرافي اليمني ـ المقتطف من أخبار اليمن ص ١٧٢ ، الواسعي اليماني ـ فرجة الهموم ص ٢٢٨.

٨٠