منائح الكرم في أخبار مكة والبيت وولاة الحرم - ج ٥

علي بن تاج الدين بن تقي الدين السنجاري

منائح الكرم في أخبار مكة والبيت وولاة الحرم - ج ٥

المؤلف:

علي بن تاج الدين بن تقي الدين السنجاري


المحقق: الدكتورة ملك محمد خياط
الموضوع : التاريخ والجغرافيا
الناشر: جامعة أم القرى
الطبعة: ١
ISBN الدورة:
9960-03-366-X

الصفحات: ٥٨١

الشريف بالناس. ولما كان يوم النحر ورد أمين الصرة بالأمر السلطاني والخلعة لمولانا الشريف ، التي يلبسها يوم النحر.

فقريء المرسوم على جري العادة ، وألبس مولانا الشريف الخلعة الواردة عليه ، ثم ألبسها لولده في مجلس الأمر السلطاني. فتعب من هذا القدر مولانا السيد أحمد بن غالب (١) لعدم مشاورتهم في هذا الأمر ، ولكنه كتم ما وجد (٢) ولم يظهر عليه أحد.

__________________

أهمية على النصارى. عن هذا الموضوع أنظر : يوسف اصاف ـ تاريخ سلاطين آل عثمان ٣٠٣.

(١) سيأتي ذكر السيد أحمد بن غالب.

(٢) أي أخفى ما أحس به من الدهشة والاستياء لهذا الأمر.

٤١
٤٢

ودخلت سنة ١٠٩٩ تسع وتسعون وألف :

وفيها اعتذر الوزير عثمان (١) من الخدمة لمولانا الشريف ، وطلب العفو [من](٢) الوزارة ، فأعفاه مولانا الشريف.

فابتدر إليها الأغا يوسف السقطي (٣) ، فألبسه مولانا الشريف فرو سمور ، وولاه الوزارة يوم الإثنين حادي عشر محرم من السنة المذكورة ، فأبان عن جدّ / واجتهاد ، وجاد بنفسه أو كاد.

وفي صفر من هذه السنة كان أوحى إلى مولانا الشريف ما وجده السيد أحمد بن غالب في نفسه من مجلس منى ، فخشي مولانا الشريف من العناء ، فأمر مولانا السيد أحمد بالخروج من البلد في يوم التاسع من صفر ، فطلب المهلة ، فامتنع مولانا الشريف ، فالتمس السيد أحمد من السيد عبد [المحسن](٤) بن أحمد ، فأمهله مولانا الشريف لتعرض ولده ثلاثة أيام ، فخرج ليلة الحادي عشر من صفر إلى بلده بالركاني (٥) ، ثم

__________________

(١) المقصود الوزير عثمان حميدان.

(٢) ما بين حاصرتين من (ج).

(٣) أورد العصامي ـ في سمط النجوم اسمه يوسف أغاسنان ٤ / ٥٦٧ ، وفي ٤ / ٥٧٣ ورد يوسف السقطي. وفي ٤ / ٥٨٣ يوسف عبد الله الشهير بالسقطي.

(٤) ما بين حاصرتين من (ج).

(٥) الركّاني : عين كانت بأسفل مر الظهران ، يمين الطريق من مكة إلى جدة ، عند ما يهبط الوادي بعد الحديبية. وانقطعت الركاني بعد مشروع أبي حصاني. والركاني الآن قرية من قرى حداء. أنظر : البلادي ـ معجم معالم الحجاز ٣ / ٦٧ ـ ٦٨ ، حمد الجاسر ـ المعجم الجغرافي ٢ / ٦٤٦. وأبو حصاني : عين في حلق وادي مر الظهران ، بين خيف الرواجحة والقشاشية. جفت عيون المياه فيه نتيجة لمشروع سحب المياه الجوفية بالقرب منه. عاتق البلادي ـ معجم معالم الحجاز ٣ / ١٨.

٤٣

أرسل خدامه لتجهيزه ، وانحازت عليه فئة من الأشراف (١).

ثم إن مولانا الشريف أخذ في التحرز ، وطلب العربان.

ولم يزل الأمر في اشتداد إلى أوائل ربيع الأول ، فدخل بعض الأشراف وعاملوا مولانا الشريف ، وخرج جماعة ممن كان بمكة إلى جانب السيد أحمد.

وفي عاشر ربيع الأول سافر السيد أحمد بمن معه متوجها إلى نحو الشام (٢).

وفي يوم الخميس غرة ربيع الثاني عمر محمد بيك (٣) شيئا من أخشاب الكعبة ، وطلعوا أرسالا (٤) من جدة ، جعلوها حول الكعبة من خارج ، وركبوا الكسوة [فيها](٥) لتغير إفريز (٦) السطح من التي تربط فيها الكسوة ، فإنه استأكل فيه ، وجددوا رفرف (٧) مقام

__________________

(١) في (أ) «وأعانت عليه فئة من الأشراف». والاثبات من (ج). والمقصود إنقسام الأشراف بين مؤيد للشريف ومعارض له.

(٢) أورد العصامي ـ سمط النجوم العوالي ٤ / ٥٦٧ : «أن السيد أحمد بن غالب توجه إلى جهة مصر». وبالجمع بين الخبرين يتضح أنه توجه إلى الشمال إلى ينبع.

(٣) محمد بيك صاحب جدة ومشيخة الحرم المكي.

(٤) أرسالا : بمعنى أنهم خروج يتلوا بعضهم بعضا كالقطيع. انظر : ابن منظور ـ لسان العرب ١ / ١١٦٥.

(٥) ما بين حاصرتين من (ج).

(٦) إفريز : ما خرج عن البناء. انظر : إبراهيم أنيس ـ المعجم الوسيط ١ / ٢١. والمقصود الإطار الذي تربط فيها الكسوة.

(٧) الرفرف : كل ما فضل من شيء وثني وعطف فهو رفرف. ورفيف الفسطاط : سقفه. والرفرف : الروشن. ابن منظور ـ لسان العرب ١ / ١٢٠٠. المقصود أنهم أصلحوا ما فسد وتدلى من سقف المقام.

٤٤

الشافعي (١) لخلل وقع فيه ، ولم يزالوا إلى أن خلصوا منه.

وما كان من السيد أحمد : فإن مولانا الشريف بعث خلفه ابنه السيد عبد المحسن ، ومعه السيد ناصر الحارث ، وبيرق (٢) عسكر ، وبعض أشراف ، فانتهى بهم السير إلى ينبع. فسار بهم السيد أحمد ومن معه [إلى](٣) مرحلتين من ينبع واستمر هناك ، وجاء الخبر بأنهم بعثوا كتابا ورسلا إلى صاحب مصر (٤).

ثم جاء الخبر أنهم ارتحلوا إلى جهة جهينة (٥).

وفي هذه المدة وفد على مولانا الشريف بعض عرب من تلك الجهة ،

__________________

(١) مقام الشافعي : وصفته : تبرتان عليها عقد لطيف ، مشرف من أعلاه ، مبيض بالنورة ، وخشبة معترضة للقناديل وهو خلف مقام الخليل عليه‌السلام. ابن ظهيرة ـ الجامع اللطيف ٢٠٩. ولا يظهر المقام في الوقت الحاضر لأنها أزيلت في توسعة الحرم وكل هذه المقامات الأربعة أزيلت ضمن توسعة الحرم الشريف.

والمقامات الأربعة هي : الشافعي. والحنبلي ـ والحنفي ـ والمالكي.

(٢) بيرق : راية أو علم. وهي إحدى الرتب العثمانية العسكرية ، ومعناها حامل العلم أو الراية. إبراهيم أنيس ـ المعجم الوسيط ١ / ٥١.

(٣) ما بين حاصرتين من (ج).

(٤) صاحب مصر هو : حسن باشا السلحدار. أحمد زيني دحلان ـ تاريخ الدول الإسلامية ١٠٦.

(٥) جهينة : هم حي من قضاعة كانت منازلهم بين ينبع والمدينة إلى وادي الصفراء جنوبا ، والعيص وديار بلي شمالا على الساحل الشرقي للبحر الأحمر. وهجرت جماعات من جهينة إلى مصر والحبشة. وتقيم جهينة اليوم في وادي ينبع وشماله إلى العيص وأم لبح (الحوراء) وكذا ينبع البحر. أنظر : عاتق البلادي ـ معجم قبائل الحجاز ، دار مكة للنشر والتوزيع ١٣٩٩ ه‍ / ١٩٧٩ م ٨٩ ـ ٩٠ ، كحالة ـ معجم قبائل العرب ط ٢ ، لبنان ١٣٩٨ ه‍ / ١٩٧٨ م ، فؤاد حمزة ـ قلب جزيرة العرب ط ٢ ، مكتبة النصر الحديثة ، الرياض ١٣٨٨ ه‍ / ١٩٦٨ م ، ص ١٤٥.

٤٥

فأخلع عليهم مولانا الشريف ، ولم يظهر من خبرهم شيئا.

وفي أوائل جمادى الأولى اشتكى مولانا الشريف أحمد بن زيد ، فافتصد ، وتزايدت عليه الحمى ، ولم يزل بذلك نحو خمسة عشر يوما.

فلما كان يوم الخميس ثاني عشر جمادى الأولى توفي إلى رحمة الله تعالى ، في وقت الضحى من ذلك اليوم في الساعة الثالثة (١) منه ، وكتم موته إلى بعد صلاة الظهر.

[ولاية الشريف سعيد بن سعد]

وكان مولانا الشريف [سعيد ابن مولانا الشريف سعد بمكة ، وكان مولانا الشريف](٢) يلذ إليه ، ويخصه بمزيد محبته ، لما يرى من نجابته ، وربما أمره بالجلوس في ديوان بدايته في مدة توعكه ، فلما أن وقع ما وقع (٣) ، جلس مولانا الشريف سعيد في الديوان العام ، وبعث إلى الوزير يوسف السقطي وكبار العسكر الإنقشارية والأصباهية ، فتكلم معهم في المكانة (٤) ، فأذعنوا [له وطلعوا إلى قاضي الشرع مع جماعة من وجوه الفقهاء](٥).

واتفق رأيهم على إقامة المذكور مقام عمه بعد كلام وقع في المحكمة ، فأخذ سردار الأصباهية الخلعة من القاضي ، وطلع بها إلى دار السعادة ، فألبسها مولانا الشريف سعيد بعد صلاة الظهر من اليوم

__________________

(١) الساعة الثالثة من ضحى يوم الخميس بالتوقيت الغروبي.

(٢) ما بين حاصرتين من (ج).

(٣) أي وفاة الشريف.

(٤) أي في تولي الشرافة.

(٥) ما بين حاصرتين من (ج).

٤٦

المذكور (١) ، فأخلع مولانا الشريف على الوزير والقائد أحمد بن جوهر خلع الإستمرار ، على ما هم عليه.

واستقر الحال على أحسن ما يكون ، وصلى على مولانا الشريف (٢) صلاة العصر ، ودفن بالمعلاة على والده (٣) رحمه‌الله تعالى.

فكانت مدة ولايته أربع سنين إلا ثلاثة أيام ، وتقدم / ذكر مولده / ٢٨٣ أول ترجمة أخيه (٤).

ومما قلت راثيا له رحمه‌الله تعالى على جري العادة في مدائح هؤلاء السادة :

خذا خبر الأحزان عن فيض أدمعي

ولا تسألا عن ناحل الجسم موجع

دهتني صروف الدهر فيمن أحبه

وأخلت من الأفراح قلبي ومربعي

كأن اللقا قد كان مرسول فرحة

فمنذ قبلناه أتت دون مرجع

فلله طود من حمى الملك قد هوى

فأوهن قلبي عند حنينه أضلعي

وشمس جمال عند ما لاح ضوءها

ففي كسفها من حيث لم أتوقع

إلى الله أشكو ما لقيت (٥) من الأسى (٦)

فما في البرايا راحم لمفزع

وما زال هذا الدهر في الناس شأنه

بتفريق مجموع وتجميع موزع

__________________

(١) يوم الخميس ثاني عشر جمادى الأولى (أي يوم وفاة الشريف أحمد بن زيد).

(٢) الشريف أحمد بن زيد.

(٣) أي في قبر والده.

(٤) أنظر حوادث ١٠٧٧ ه‍ من هذا الكتاب.

(٥) وردت في النسختين «لاقيت». ولضرورة الشعر ووزن البيت يجب أن تكون «لقيت».

(٦) وردت في (أ) «أسى». والاثبات من (ج).

٤٧

ولكنها نفسي تحن لألفها

فيسترها عقل بصير مرقع

فيا حزن أهل بعد ملك ويا صفى

القلوب إلى من شئت قول مودع

ويا شدة الأيام غبت ولم يطل

مغيبك حتى عدت لا عدت فارجع

خليلي مالي والزمان فانني

أراه مسيئا بي على غير مطمع

أيحسب إذ قد مات أحمد (١) لم يكن

سعيد بن سعد (٢) حاميا كل مربع

فتى علم الأيام شدة بأسه

هموما فقالته ولم تتوقع

ولكنها قد صادفت منه حولا

يخوض بحار الهم غير مقرع

فتى من غدا بالصبر يأمره إذا اب

تلى مثل من قد قال للشمس شعشع

وآية ما قد قلته فيه أنه

كما قد رأته العين في كل المعي

تأمل إلى نور النبوة والعلا

يحفانه في منزل السعد واقنع

ولى ناظرا فعل الإله به ترى

عناية من قد خص من دون أربع

ألا إن هذا الملك ملكا لزيد لا

يكون سوى في أهله نقلة فع

فأحمد (٣) سعد والسعيد كأحمد

تجمعت العلياء في البيت فاصدع

وقل للعدا موتوا بغيظكم فما

لملك بني عيناء (٤) من متزعزع

فيا أيها المولى الأجل ومن له

ودادي ومدحي في مغيبي ومجمع

__________________

(١) الشريف أحمد بن زيد.

(٢) الشريف سعيد بن سعد (الشريف الجديد).

(٣) في (أ) «كأحمد». والاثبات من (ج). وهنا يقصد الشاعر الشريف أحمد بن زيد وأخاه سعد بن زيد وابن أخيه الشريف سعيد بن سعد.

(٤) عيناء زوجة الشريف زيد بن محسن ووالدة كل من الشريف سعد والشريف أحمد. ويقول السنجاري أنه لا يعرف من ملوك مكة في السادة الأشراف من ولدت ملكين استوليا على مكة إلا أم مولانا الشريف أحمد والشريف سعد. انظر : منائح الكرم حوادث (١٠٩٥ ه‍).

٤٨

تهن به ملكا حميت ذماره

وأحرزته لا ظالما حق مورع

وكن حافظا حق العشيرة وانتبه

فما تحفظ العلياء حق مضيع

وأعط (١) الورى استحقاقها بعد خبرة

ونظم عقود الملك نظم مرصع

ودونكها بكر أتت بنت ليلة

تعثر في ذيل الحياء الممرغ

تعزيك بل تعزي إليك لفخرها

بإنشادها في الجمع منك لتسمع

وإن عشت تأتيك القصائد بعدها

قواصد فضل دونها كل أصمعي (٢)

من الشعر لا يرجو لمسلم درة

على لبس خز بل مجالس أرفع

بقيت لهذا الدهر ما ذر شارق

وما غربت شمس الضحى بعد مطلع

ورثاه صاحبنا الشيخ الفاضل عبد الملك بن الحسين العصامي (٣) بقصيدة مؤرخة بقوله :

دار نعيم حبي كريم

قرّ بها أحمد بن زيد (٤)

__________________

(١) في (ج) «أعطى».

(٢) الأصمعي : هو أبو سعيد عبد الملك بن قريب الباهلي المشهور بالأصمعي (١٢٢ ـ ٢١٣ ه‍) (٧٤٠ ـ ٨٢٨ م) من مشاهير علماء اللغة. ولد ومات بالبصرة ، عرف بكثرة الحفظ ورواية الشعر ، فكان إماما في الأخبار والنوادر واللغة والشعر. من أهم كتبه : خلق الإنسان ، فحولة الشعراء ، الأصمعيات. أنظر : محمد ثابت الفندي وآخرون ـ دائرة المعارف الإسلامية ٢ / ٢٦٤ ـ ٢٦٥ ، الموسوعة العربية الميسرة ١٧٠.

(٣) وهو عبد الملك بن حسين بن عبد الملك العصامي ، ولد بمكة سنة ١٠٤٩ ه‍ ونشأ بها ، صاحب التاريخ ـ سمط النجوم العوالي في أنباء الأوائل والتوالي. وكتاب : الأوابد والعوائد والفوائد والزوائد. وله شعر حسن مذكور في سمط النجوم. وتصدر للتدريس بالمسجد الحرام إلى أن توفي عام ١١١١ ه‍ بمكة المكرمة. المحبي ـ نفحة الريحانة ٤ / ١٢٣ ـ ١٢٨ ، عبد الستار دهلوي ـ أزهار البستان (مخطوط) ٢٢٦ ، أبو الخير مرداد ـ نشر النور والزهر ٣٢٦ ـ ٣٢٧.

(٤) انظر القصيدة بالتفصيل في سمط النجوم العوالي ٤ / ٥٧٠ ـ ٥٧١. وعدد

٤٩

وكان جعل برسم خزانته العالية تاريخه ، الذي جمعه في مدة غيبتهم (١) من مكة ، المسمى بسمط النجوم العوالي بأنباء الأوائل والتوالي ، وأجازه عليه إجازة سنية ، وأرخ وفاة المذكور بعضهم بقوله من قصيدة :

فنعم فتى جاء تاريخه

لدار الخلود سعى أحمد (٢)

فولي مكة الشريف سعيد بن مولانا الشريف سعد ابن المرحوم / الشريف زيد ، مولده سنة خمس وثمانين (٣). وسافر والده من مكة وهو عند مراضعه ، إلى أن عاد إلى مواضعه ، وفرق في يوم السبت على العسكر جوامكهم ، وزاد من أراد زيادته ، وأعطى العساكر المصرية جملة بخاشيش (٤).

كل ذلك بعد أن ختم على جميع مخلفات عمه بحضرة مولانا السيد ثقبة بن قتادة.

__________________

أبياتها سبعة عشر بيتا ، والبيت الأول فيها :

فاجأنا دهرنا المفاجي

سطا علينا بطول أيد.

(١) أي الفترة التي كانوا بعيدين فيها عن مكة المكرمة في سنة ١٠٨٢ ه‍ إلى سنة ١٠٩٥ ه‍ ، بسبب الأحداث التي وقعت في مكة من عزل الشريف سعد بن زيد عن الشرافة وخروجه هو والشريف أحمد إلى عاصمة الدولة العثمانية. المحبي ـ خلاصة الأثر ١ / ١٩٠ ـ ١٩١ ، العصامي ـ سمط النجوم العوالي ٤ / ٥٥١ ـ ٥٥٤ ، السنجاري ـ منائح الكرم حوادث ١٠٨١ ، ١٠٨٢ ، ١٠٨٤ ، ١٠٨٥ ، ١٠٨٧.

(٢) هذا البيت يبين تاريخ القصيدة بحساب الجمل.

(٣) المقصود سنة ١٠٨٥ ه‍.

(٤) البخشيش : عطية مجانية أو إكرامية ، تركية معناها الهبة ، وقد بنوا منها فعلا فقالوا بخشش وكلاهما عامي. رينهارت دوزي ـ تكملة المعاجم العربية ١ / ٢٤٩ ، بطرس البستاني ـ محيط المحيط ١ / ٦٨.

٥٠

وكتب إلى ابن عمه السيد عبد المحسن ، وإلى أخيه يخبرهم بذلك ، ويأمرهم بالمقام هناك ، أعني بينبع للمحافظة على ما يليهم ، وعامله من بمكة من الأشراف بالسمع والطاعة والبقاء على القدس الأقدم (١) ، وزينت البلد خمسة أيام.

ولما كان يوم الثلاثاء سابع عشر الشهر المذكور (٢) ورد نجاب (٣) من جهة مصر ، يخبرهم بقايقجي خارج من الأبواب بخلعة لمولانا المرحوم الشريف أحمد ، ومعه ميرياخور الشريف أحمد ، كان بعثه بكتب مع أحمد باشا ، لما سار من مكة.

وشاع أن الإنقشارية تعصبت ، واستفحل أمرهم ، واقتضى رأيهم مع اتفاق أركان الدولة الرومية على اعتقال مولانا السلطان محمد خان (٤) ، وتولية السلطان سليمان خان بن إبراهيم (٥) خان أخو مولانا السلطان

__________________

(١) على ما كان عليه الأشراف من قبل ، وكان قد وضع لهم أبو نمي قانونا أو دستورا يسيرون عليه وكان يتكون من ست وثلاثين مادة أهمها : في حفظ الامارة وجعلها وراثة بالتدريج في الأسرة الهاشمية. وعن هذه القوانين أنظر : حسين بن محمد نصيف ـ ماضي الحجاز وحاضره ، مطبعة خضير ـ القاهرة ، ط ١ ١٣٤٩ ه‍ ، ص ١٧ ـ ١٨.

(٢) أي سابع عشر جمادى الأولى.

(٣) النجائب خير الإبل والسريعة منها. والمقصود هنا رجل بريد يحمل رسالة.

ابن منظور ـ لسان العرب ٣ / ٥٨٠.

(٤) السلطان محمد خان السابق ذكره في ص ٤٠ من التحقيق.

(٥) هو السلطان الذي اختاره رجال الإنقشارية والصدر الأعظم والعلماء سنة ١٠٩٩ ه‍ / ١٦٨٧ م عوضا عن السلطان محمد خان الذي تعرضت البلاد في عهده لعدد من الهزائم من قبل روسيا والنمسا. أجرى تحسينات في أحوال البلاد المالية والإدارية ونظم الجنود ، واستمر إلى أن توفي سنة ١١٠٢ ه‍. أنظر : اصاف ـ تاريخ سلاطين آل عثمان ١١٥ ـ ١١٧ ، ايلماز أوزتونا ـ تاريخ الدولة العثمانية ٥٥٦ ـ ٥٦٤ ، عبد العزيز

٥١

محمد خان.

فأمر مولانا الشريف بزيادة ليلتين في الزينة. فلم يدخل صاحب القفطان ، فأمر بزيادة ليلتين أخريتين (١). كل ذلك ليدخل القايقجي في ظرف هذا الأمر السائر ، ويرى اطمئنان البلد.

وفي ليلة الجمعة أول جمادى الثاني : دخل جماعة من الأشراف الذين هم بينبع ، منهم : السيد ناصر الحارث (٢) ، والسيد عبد الله بن عمرو. ودخل القايقجي يوم الثلاثاء خامس جمادى الثاني ومعه شيخ الحرم المتولي (٣).

فطافا وسعيا ، ونزل القايقجي أحد المدارس السليمانية ، فأخبر مولانا الشريف أن لبس الخلعة يكون سادس (٤) الشهر يوم الأربعاء.

فلما كان الأربعاء سادس جمادى الثاني : نزل مولانا الشريف سعيد إلى الحطيم ، وحضر قاضي الشرع والمفتي ، والأشراف ، والفقهاء ، وخرجت العسكر إلى الزاهر ، ودخلوا بالقايقجي في آلاي أعظم ، إلى أن

__________________

الشناوي ـ الدولة العثمانية ٢ / ٥١٦ ـ ٥١٧ ، محمد فريد ـ تاريخ الدولة العلية ٣٠٤ ـ ٣٠٦ ، محمود شاكر ـ التاريخ الإسلامي ١٤٠ ـ ١٤١.

(١) الزينة في البلد تدل على الفرح والسرور بهذا الأمر ، كما تدل على الهدوء والاستقرار.

(٢) ناصر الحارث : هو أحد الأفراد الذين أرسلهم الشريف أحمد بن زيد خلف الشريف أحمد بن غالب عقب خروجه من مكة ، فوصلوا إلى ينبع ، واستمروا فيها فترة من الزمن.

(٣) شيخ الحرم المتولي هو محمد بيك. انظر : عبد القدوس الأنصاري ـ تاريخ مدينة جدة. طبع على نفقة بلدية جدة ص ٢٤٣.

(٤) في النسختين «خامس الشهر يوم الأربعاء». والتصحيح يقتضيه سير الأحداث.

٥٢

وصلوا باب السلام (١).

فدخلوا بالقفطان على جري العادة ، وألبسوه مولانا الشريف سعيد ، والريس يدعو له بأعلى زمزم ، وقد فتحت الكعبة الشريفة. وقرأ المرسوم الوارد مولانا القاضي مرشد الدين أحمد بن عيسى المرشدي الحنفي ، مضمونه بعد العبارة المعلومة : أن الله قد شرف الممالك العثمانية والأقطار السلطانية والمنابر الإسلامية باسم مولانا السلطان سليمان خان (٢) بن ابراهيم خان.

وقد كان ذلك بتاريخ يوم السبت المبارك ثاني محرم الحرام سنة ١٠٩٩ ه‍ ، وقد أنعمنا على حضرة الشريف أحمد بحماية الحرمين الشريفين على ما كانت عليه أوائله ، فالله الله بالرعيّة ، إلى غير ذلك.

وطلع مولانا الشريف سعيد إلى دار السعادة ، وألبس قفطانه الوارد عليه لوزيره الأعظم يوسف أغا السقطي ، وأخلع ذلك اليوم نحوا من ثمانين خلعة على أرباب المناصب كلا بقدره ، ولم يجلس للتهنئة في هذا اليوم ، وجلس يوم الخميس ثاني يوم قفطانه مجلسا عاما ، وقرت به العين ، ولله [الحمد](٣).

__________________

(١) يعرف بباب بني شيبة وباب بني عبد شمس بن عبد مناف. ويقع في الجانب الشرقي من الحرم. الأزرقي ـ أخبار مكة ٢ / ٨٧ ، ابن ظهيرة ـ الجامع اللطيف ٢١٧ ، ابراهيم رفعت ـ مرآة الحرمين ١ / ٢٣٠ ، حسين عبد الله باسلامة ـ عمارة المسجد الحرام ١١٣.

(٢) سقطت من (ج).

(٣) ما بين حاصرتين من (ج).

٥٣

[ومدحه](١) صاحبنا الشيخ الفاضل عبد الملك بن الحسين العصامي ، وغيره من الشعراء بقصائد على جري العادة.

ومن محاسن قول الشيخ عبد الملك في قصيدته التي امتدحه بها قوله :

بني زيد الأمجاد لا ثلّ عرشكم

وعنكم نبانا بالزمان المغانم

لكم أنفس مليكة تحت نبضها

قلوب أسود في شخوص أوادم

فلا زال ممدودا عليكم ظلالها

سماء نعيم في ذرى (٢) العزائم

وفي ليلة الرابع عشر من جمادى الثاني ورد السيد عبد المحسن بن أحمد بن زيد والسيد مساعد بن سعد ، وجلسا للعزاء (٣).

وفي ليلة السبت السادس والعشرين من جمادى الثانية ، عزم من مكة رسول مولانا الشريف سعيد بعرضه إلى صاحب مصر (٤) بالتقرير ، وهو صاحبنا الفاضل الشيخ محمد سعيد (٥) ابن الشيخ محمد المنوفي بنظر

__________________

(١) ما بين حاصرتين من (ج).

(٢) في النسختين «ذرى». ولوزن الشعر يجب أن يكون «ذراها».

(٣) جلس السيد عبد المحسن بن أحمد بن زيد وابن عمه السيد مساعد بن سعد للعزاء في هذا الوقت (١٤ جمادى الثاني) ، لأنهما عند وفاة الشريف أحمد بن زيد (١٢ جمادى الأولى) كانا خارج مكة مع الأفراد الذين أرسلهم الشريف أحمد بن زيد خلف السيد أحمد بن غالب حين خرج من مكة.

(٤) صاحب مصر حسين باشا السلحدار. العصامي ـ سمط النجوم العوالي ٤ / ٥٧٣ ، أحمد زيني دحلان ـ تاريخ الدول الإسلامية ١٠٦.

(٥) أورد العصامي ـ سمط النجوم العوالي ٤ / ٥٧٣ الإسم هكذا : «سعيد بن المرحوم الشيخ محمد المنوفي». عرفت هذه الأسرة بالقضاء ، والإمامة والخطابة ، اشتهر منهم محمد بن أحمد المنوفي ، ومحمد بن محمد المنوفي ، وعبد الجواد المنوفي ، وزين العابدين ابن سعيد المنوفي. انظر : محمد علي الطبري ـ اتحاف فضلاء الزمن (مخطوط) ورقة ٤٣ ، ـ عبد الستار الدهلوي ـ موائد الفضل والكرم (مخطوط) ورقة ٢٢٠ ، أبو الخير مرداد ـ نشر النور والزهر ٤٨٦ ـ ٤٨٧ ، ٢٣٠.

٥٤

الأغا يوسف السقطي ، وعزم صحبته أحمد بن محمد البغدادي أحد تجار مكة ، مصاحبا له إلى مصر لإرادته دخولها.

وفي رجب من هذه السنة (١) بلغ مولانا الشريف عن بعض الفقهاء ، تكلما فيما لا يعنيهم ، فبعث إليهم أن يلزموا منازلهم ، ويحفظوا ألسنتهم ، بعد التهديد لبعضهم من حاكمه القائد أحمد بن جوهر.

وفي هذا الشهر بعث مولانا الشريف إلى بعض المغاربة ، وكان يلم بأولئك الجماعة ، فأخذ وختم على داره ، وحبس عند الحاكم ، ثم نقل إلى عند السردار ، ثم أطلق بشفاعة بعض الناس.

وفي غرة شعبان جاء الخبر بأن مولانا السيد أحمد بن غالب اعترض الشيخ محمد المنوفي رسول مولانا الشريف سعيد ، وأخذ المكاتيب من عنده ، واعتقله عنده ، وأطلق ابن البغدادي إلى وجهته.

ولما بلغه وفاة مولانا الشريف أحمد ، كتب إلى مولانا الشريف ، يطلب منه المنكسر له عند مولانا الشريف أحمد بن زيد ، وأن يعامله على أن يكون على جماعته (٢) كما كانت في زمن ، الشريف سعيد بن بركات (٣).

__________________

(١) أي سنة ١٠٩٩ ه‍.

(٢) أي أن يكون مسئولا عن ذوي مسعود.

(٣) الشريف سعيد بن بركات تولى الشرافة (١٠٩٤ ـ ١٠٩٥ ه‍) عقب وفاة والده. حصل بينه وبين الأشراف اختلاف كبير في تقسيم مدخول البلاد إلى أن أتى إليه أمر سلطاني بتوزيع مدخول البلاد والاخوان أرباعا : ربع لمولانا الشريف ، والثلاثة الأرباع

٥٥

فبعث مولانا الشريف إلى قاضي الشرع وأغوات العسكر ، وعرفهم بذلك. ثم إن مولانا الشريف كتب عرضا آخر ، وأخذ عليه خطوط العلماء ، وعرفهم بواقعة الحال ، وما جرى من السيد أحمد بن غالب ، وبعثه من جهة الشام (١).

وفي يوم الأحد الحادي والعشرين من شعبان ، وردت نجابة من جهة مولانا الشريف سعد بن زيد إلى مولانا الشريف مع جماعته من بني صخر (٢) من الشام ، فأخلع عليهم مولانا الشريف.

ولما كان يوم الإثنين سلخ شعبان ورد مكة مولانا الشيخ محمد سعيد المنوفي من جدة ، ركب بحرا من ينبع ، بعد أن أذن له السيد أحمد

__________________

الأخرى للسادة الأشراف ، وكان ربع من هذه الأرباع من نصيب السيد أحمد بن غالب والسيد أحمد بن سعيد. ولهذا طلب الشريف أحمد هذا الطلب. انظر بالتفصيل :

السنجاري ـ منائح الكرم (حوادث سنة ١٠٩٤ ه‍). العصامي ـ سمط النجوم العوالي ٤ / ٥٣٩ ـ ٥٤٠ ، أحمد زيني دحلان ـ خلاصة الكلام ١٠٠ ـ ١٠١.

(١) كان الشريف سعيد قد أرسل عرضا آخر إلى الدولة العثمانية يعرض فيه للأعمال التي قام بها الشريف أحمد بن غالب من اعتراضه وحبسه مرسوله إلى مصر ، وكذا طلبه المنكسر له من الشريف المتوفي أحمد بن زيد ، وأن يكون رئيسا على جماعته. (سبق ذكر ذلك).

(٢) بنو صخر : من عشائر البدو الكبرى التي كانت تقطن في جهات العلا بالحجاز ، نزحت إلى بلاد الكرك والبلقاء وغزة ، ثم ما لبثوا أن رجعوا من غزة واستقروا في البلقاء. ويقال في نسبهم أن جماعة منهم ينتسبون إلى بطن من بطون طيء ، وأخرى إلى بطن من بطون جذام وأنهم اندمجوا مع بعضهم بحكم الاسم (صخر) والجوار. انظر : القلقشندي ـ أبو العباس أحمد ـ نهاية الأرب ، تحقيق ابراهيم الأبياري ط ١ القاهرة ١٩٥٩ م ، ص ٣١٣. عاتق البلادي ـ معجم قبائل الحجاز ٢٤٥ ـ ٢٤٦ ، كحالة ـ معجم قبائل العرب ٢ / ٦٣٤ ـ ٦٣٥.

٥٦

في الرجوع ، وبعث السيد أحمد بن غالب إلى صاحب مصر ، وبذل له مالا يقال إنه مائة كيس (١).

وكان هناك بمصر مال تجمع لفقراء أهل مكة من منكسر الحب ، حوسب عليه الباشا المعزول ، وأخذ منه نحو خمسة وسبعين ألف قرش ، فقام إبراهيم بيك القاسمي (٢) أمير الحاج الشريف ويوسف (٣) وكيل صاحب مكة ، وأعطى الباشا ذلك المال من قبل السيد أحمد بن غالب. وقاما في تولية لكتب (٤) وردت إليهما منه ، وتصالحا على ذلك ، وأخذا بقية المال طمعا فيه ـ نعوذ بالله ـ.

[ولاية الشريف أحمد بن غالب]

ولم يزل في ذلك إلى أن استخرجوا له أمرا من الباشا بولاية مكة (٥). فجاء الأمر مع بعض أعوان الباشا ، وبعث إلى محمد بيك صاحب جدة ، يأمره بالنظر في تنفيذ أمره.

فلما كان ليلة الثلاثاء رابع عشر رمضان : ورد من صاحب جدة (٦)

__________________

(١) الكيس : وعاء معروف يكون للدراهم والدنانير. وصرة مقدرة من المال كانت متداولة في التعامل. إبراهيم أنيس وآخرون ـ المعجم الوسيط ٢ / ٨٠٧. وفي مقدمة البرق اليماني للنهروالي ص ٨٠ ، ذكر أن الكيس الرومي خمسين ألف عثماني.

(٢) غير واضحة في (أ). والاثبات من (ج). وابراهيم القاسمي : ربما يكون إبراهيم بيك أبو شنب الوارد ذكر إمارته للحج عامي ١٠٩٩ ـ ١١٠٠ ه‍. وكما أورد ذلك الدهلوي في التذييل على مخطوط حسن الصفا والابتهاج ورقة ٣٦ من نسخة الحرم المكي ، ورقة ٨٣ من نسخة جامعة الملك عبد العزيز.

(٣) المقصود به الوزير يوسف السقطي.

(٤) في (أ) «الكتب». والاثبات من (ج).

(٥) انظر : تكميل وتذييل فيما يتعلق بأمراء مكة (مخطوط) ورقة ٩.

(٦) محمد بيك.

٥٧

قاصد إلى قاضي الشرع وآغات الإنقشارية / يعرفهم بأن صاحب السعادة (١) وصلنا منه كتب ، وأن مكة قد تولاها السيد أحمد بن غالب ، وقد بعث إلينا السيد أحمد بن غالب [بعض الأشراف ، وأننا واصلون إليكم مع مستلم مولانا الشريف أحمد بن غالب](٢) وهو مولانا السيد محمد بن مساعد بن مسعود بن حسن (٣).

فطلع مولانا القاضي إلى مولانا الشريف ، وأخبره بذلك. فما أجاب :

ـ إلا بالتصميم على القتال.

ـ وأنه لا يسلم مكة إلا بأمر باشوي.

ـ وعلى فرض وصول الامر الباشوي فكان وصوله (٤) إليك هو الواجب ، لا إلى صاحب جدة.

فلما تعقل كلامه مولانا القاضي ، بعث إلى صاحب جدة يحذره عاقبته. فجاء جوابه ـ بأنا نادينا للسيد أحمد بجدة في ثالث عشر رمضان ، وأنه طالع إلى مكة مع قائم مقام المذكور (٥) السيد مساعد.

فلما بلغ مولانا الشريف ذلك ، تأهب للقتال ، وجمع عبيد ذوي زيد ، وكلم العساكر. فظهر له أصحابهم ، فلم يعبأ بهم.

__________________

(١) حسن باشا صاحب مصر. العصامي ـ سمط النجوم ٤ / ٥٧٣.

(٢) ما بين حاصرتين من (ج).

(٣) هو أحد أبناء عمومة الشريف أحمد بن غالب.

(٤) في (أ) «وصول». والاثبات من (ج).

(٥) الشريف أحمد بن غالب.

٥٨

وبعث نحو عشرين خيالا من عبيده إلى نحو جدة ، يرقبون له وصول صاحبه (١) ، وذلك ليلة الأربعاء خامس عشر رمضان. فجاءه النذير بأن صاحب جدة وصل هو وبعض الأشراف ، ممن كان مع السيد أحمد ، ومنهم السيد مساعد السابق ذكره ، وأنهم نزلوا الركاني بلد مولانا السيد أحمد في طريق جدة ، وأن جماعة الشريف واجهوه ، وقالوا له : «لا تدخل مكة ، فإن مولانا الشريف سعيد غير مسلم للبلد دون قتال ، أو أمر سلطان».

فأفهم أنه لا بد له من دخول مكة.

فجاؤوا إلى مولانا الشريف بهذا الخبر ، فتلقتهم خيل من جماعة الشريف ، تخبر بأن صاحب جدة قد رجع عن عزمه ، وعاد إلى جدة.

وفي هذه الليلة ظفروا بمورق (٢) معه كتاب من قاضي مكة المتولي إلى صاحب جدة ، يأمره بالدخول ، ويخبره فيه بأنه استمال له أغوات العسكر.

فحفظ مولانا الكتاب ، وزاد في التحرز ، وحفظ الطرقات ، وأقام العسكر اليمني ببابه محافظين ، فأقام آخرين في بعض البيوت التي على الطريق ، واستمر الحال إلى ليلة الحادي والعشرين من رمضان (٣).

__________________

(١) صاحب جدة محمد بيك.

(٢) مورق من ورق. وهو الذي يكتب لغيره. إبراهيم أنيس ـ المعجم الوسيط. والمقصود به هنا الذي يحمل الرسائل.

(٣) لمزيد من التفاصيل ، انظر : العصامي ـ سمط النجوم ٤ / ٥٧٥ ، أحمد زيني دحلان ـ خلاصة الكلام ص ١١٠ ـ ١١١.

٥٩

وفيها (١) : ظهر لمولانا الشريف أن شيخ عسكره محمد البغدادي ممالئا لمولانا السيد أحمد بن غالب ، وأنه بعث إلى صاحب جدة يأمره بالطلوع ، وأنه عازم على تثبيط العسكر الشريفي.

فأمر مولانا الشريف بقتله ، فقتل بعد الإعتراف (٢).

وبعث إلى بيته من يثق به من العسكر ، فقام عبيده ، وحموا منزله ، فتواقعوا مع العسكر ، ثم تكاثرت العسكر عليهم ، وكسروا الباب ، وقتلوا ثلاثة أعبد بعد جراحات حصلت ، ونهب البيت ، ولم يصبح له أثر.

وفي أواخر رمضان ، ورد الخبر بقدوم مولانا الشريف أحمد بن غالب إلى مكة ، فاشتدّ التحفظ.

وفي ليلة الأربعاء تاسع عشرين من رمضان ، وصل المذكور النوارية (٣).

وهلّ شهر شوال ليلة الخميس ، فبات الناس في أعلى درجات الشدة ، وجلس مولانا الشريف بعد صلاة المغرب لرؤية العيد على جري العادة ، وهو على غاية التحفظ من كل الجهات.

__________________

(١) أي في سنة ١٠٩٩ ه‍.

(٢) أي بما اتهم به من ممالاة السيد أحمد بن غالب عن مقتل البغدادي. أنظر : محمد علي الطبري ـ الاتحاف ، ورقة ٢ / ٧٢.

(٣) النوارية : هي بطن سرف بين التنعيم ووادي فاطمة. أحمد السباعي ـ تاريخ مكة ٢ / ٣٩٢. ووادي سرف هو الموضع الذي تزوج فيه الرسول صلى‌الله‌عليه‌وسلم أم المؤمنين ميمونة بنت الحارث وفيه توفيت. عنه أنظر : ياقوت الحموي ـ معجم البلدان ٣ / ٢١٢. وسرف يبعد عن مكة بحوالي ١٢ كم شمالا وهو المعروف لأهل مكة بوادي النوارية.

٦٠