منائح الكرم في أخبار مكة والبيت وولاة الحرم - ج ٥

علي بن تاج الدين بن تقي الدين السنجاري

منائح الكرم في أخبار مكة والبيت وولاة الحرم - ج ٥

المؤلف:

علي بن تاج الدين بن تقي الدين السنجاري


المحقق: الدكتورة ملك محمد خياط
الموضوع : التاريخ والجغرافيا
الناشر: جامعة أم القرى
الطبعة: ١
ISBN الدورة:
9960-03-366-X

الصفحات: ٥٨١

«يا سيدي طلبنا الكف عن الحرب بينكما يومين ، وقد مضت ، والآن قصدي أن تكون الأجلة إلى ثالث عشر ذي الحجة ، فإن كان الأمر السلطاني جاء إليك ، فتكون هذه المدة للشريف عبد الكريم ، وإن كان الأمر على حالتها فتكون هذه الأجلة لك».

فتم الأمر بينهم على هذا.

فركب الشريف عبد الكريم بمن معه وجميع من عنده ، ونزل في بستان الوزير عثمان حميدان ، واستمر في البستان من ظهر يوم الثلاثاء إلى [صبح](١) يوم الخميس.

وفيه طلع إليه جميع عسكره ، والسادة الأشراف ، لقصد نزوله بالآلاي على جري العادة ، ما عدا عسكر مصر الإنقشارية والمتفرقة ، فإنهم تأخروا عن الطلوع ، وحيروا بقية الخمس بلكات عندهم على طريق القهر لموجب ما رتبوه من الهوى والغرض.

وسبب ذلك :

أن السيد محمد بن عبد الكريم (٢) نزل البلد في مدة الأجلة بصورة الفرمان ، وبيت الأمر ليلا مع الإنقشارية والمتفرقة وقاضي الشرع :

«أن في غد خروج العسكر لأجل الآلاي ، يجتمعون عند القاضي ، ونسجل صورة الأمر ، وننادي في البلاد للشريف سعيد». فكان الأمر كذلك (٣).

__________________

(١) ما بين حاصرتين من (ج).

(٢) السابق ذكره ، والذي أراد أن يسجل الأمر الوارد للشريف سعيد عند القاضي بواسطة عسكر الإنقشارية.

(٣) انظر : محمد علي الطبري ـ الاتحاف ٢ / ٢١١.

٥٢١

فلما أصبح الصبح حزب العسكر ، وجاؤوا (١) إلى المحكمة على الترتيب المتقدم ، فظن الناس أن قصدهم الطلوع إلى الآلاي ، وما خطر بالبال هذا الفعل (٢).

فاجتمعوا بالمحكمة ، ووقع القيل والقال ، فحصل من ذلك ضجة شديدة ، وقد كان مولانا الشريف (٣) يحيى بن بركات ساعتها في الطواف ، فسمع الغوغاء في مدرسة القاضي ، فخرج من الطواف وطلع إليهم. فوجد السيد محمد بن عبد الكريم والإنقشارية والسردار والقاضي في يدهم صورة الأمر قد سجل ، فسأل عن سبب هذه الحركة ، فقالوا له : «البلاد لمولانا الشريف سعيد ، والسلطان قد ولاه ونحن عبيد السلطان ، وأمره ما يردّ».

فنظر السيد يحيى في باطن الأمر ، فرأى الوقت ما يسع التكلم ، وليس له عليهم في تلك الحالة قدرة ، فأخذ نفسه وأراد الخروج ، فمنعوه خوفا من أن يقع منه حركة في البلاد تمنعهم قصدهم ، فما التفت إليهم ، وقام قصده الخروج ، فقفلوا باب المحكمة في وجهه ، فتقدم عبيده إلى الباب وخلعوه ، فخرج.

وقد كان أرسل المنادي ومعه الشريف وبعض العسكر ينادي :

«أن البلاد للشريف سعيد».

وأما ما كان من أمر الشريف عبد الكريم ، فما عنده علم بجميع ذلك. واجتمعت عنده السادة الأشراف والعساكر ، فركبوا جميعا

__________________

(١) في (أ) «وجاق». وفي (ج) «جاؤا». والصحيح ما أثبتناه.

(٢) أي تسجيل الأمر للشريف سعيد.

(٣) في (ج) «السيد».

٥٢٢

ينتظرون عسكر مصر ، فلما أبطأوا (١) عليه شدّ بمن معه إلى أن وصل الدرويشية ، فلقيه السيد ظافر بن محمد (٢) هناك ، وأخبره بالواقع ، وأن المنادي وصل إلى سوق المعلاة ، وأن بعض الأماكن مترسة بالعسكر. فأخذ الشريف في عاقبة هذا الأمر ، فتناخت عنده السادة الأشراف والعسكر ، وقالوا :

«لا بد من الدخول إلى البلاد».

فمنعهم الشريف من ذلك. وقال :

«نخشى على الرعايا تذهب بسبب ذلك ، ويهلك القوي الضعيف (٣). وعذري منكم يا رفاقة ما سمعتم ، وأما مكة فقد أعطيتها حقها ، وذبيت (٤) عنها ، ودفعت من أراد دخولها ، وجميع ما وقع من ولس ومخاوزه (٥) فكانت في وجه جماعة من آل أبي نمي. والمراد (٦) أن ترجعوا شفقة على البلاد والعباد».

فمشوا إلى الحجون إلى أن وصل طوى ، فوقف هناك الشريف ، ثم تناخت الأشراف أيضا ، وعزموا على دخول البلد من الشبيكة ، فمنعهم أيضا ، ثم استدنى السيد عبد المعين بن محمد بن حمود ، وأودعه طارفته

__________________

(١) في النسختين «ابطئوا». والصحيح ما أثبتناه.

(٢) ظافر بن محمد خيرات بن موسى. محمد علي الطبري ـ اتحاف فضلاء الزمن ٢ / ٢١٢.

(٣) في (ج) اضاف الناسخ كلمة «القوى» مرة ثانية.

(٤) بمعنى الدفع والمنع. ابن منظور ـ لسان العرب ١ / ١٠٥٤.

(٥) من خاوزه : ساسه وقهره. ابن منظور ـ لسان العرب ١ / ٩١٨.

(٦) في (ج) «الزاد».

٥٢٣

ورجاجيله وجميع ما يتعلق به كما هو من عادتهم ، وتوجه إلى الوادي (١) بمن معه من السادة الأشراف والأتباع ما عدا عسكر الجبالية ، فإنهم في (٢) خدمة كل متولي.

وأما ما كان من [أمر](٣) الشريف سعيد ، فلما نودي له بالبلاد أرسل إليه السيد محمد بن عبد الكريم :

«بأن الأمر قد تم ، وسجل عند القاضي ، فأقبل».

فوصل مولانا الشريف سعيد المعابدة عصر يوم الخميس سابع عشر ذي القعدة ، ونزل بالآلاي والموكب العظيم ، وقدامه عسكر مصر والأشراف ، وجماعة إبراهيم باشا ، وطلع إلى دار السعادة عند غروب الشمس.

وأصبح يوم الجمعة طلع إليه الناس ، وسلموا عليه وهنوه ، ونودي له بالأمان بالبلاد في شوارع مكة ، والزينة سبعة أيام.

فحصل بذلك غاية السرور التام للخاص والعام (٤).

وصبح يوم السبت : ركب حضرة الشريف إلى مولانا السيد جعفر ميرك ، وسلم عليه ، وألبسه عباءة (٥) من الصوف ، وخرج من عنده إلى إبراهيم باشا المنفصل عن جدة ، وقدم له (٦) حصانا مكمل العدة.

__________________

(١) وادي مر الظهران.

(٢) سقطت من (ج).

(٣) ما بين حاصرتين من (ج).

(٤) انظر : أحمد زيني دحلان ـ خلاصة الكلام ١٦٥. والمؤلف يكرر هذه العبارة في مثل هذه المناسبة.

(٥) أول مرة يستعمل المؤلف هذه الكلمة.

(٦) سقطت من (ج).

٥٢٤

وفي هذا اليوم خرجوا بجاووش الإنقشارية جماعته عند الظهر ، ووصلوا به إلى أثناء (١) طريق جدة ، وقتلوه. وسبب ذلك :

ما وقع (٢) منه في حركة عزل السردار سابقا ، واختصاصه بخدمة الشريف عبد الكريم.

ثم دخل موسم هذه السنة : وكانت غرة ذي الحجة الحرام بالأحد.

ففي اليوم الثاني منه : وصل جماعة (٣) من السادة الأشراف الذين كانوا عند الشريف عبد الكريم.

وثالث الشهر : وصل السيد عبد المحسن بن أحمد / وجماعة من ذوي بركات (٤) ، وطلعوا إلى الشريف ، وسلموا عليه. والسبب في ذلك : أنه أرسل إليهم كتابا يتلطف بهم :

«وأنه واحد منهم ، وجميع ما يجيء على (٥) هواكم أنا فيه».

وفي يوم الأربعاء رابع الشهر : وصل إبراهيم باشا من جدة ، وأصبح الناس ، توجهوا إليه للسلام. وفي آخر النهار طلع إلى الشريف سعيد وسلم عليه ، فعند خروجه ألبسه الشريف فروا سمورا.

وأصبح يوم الخميس : ركب الشريف إليه وسلم عليه ، وخرج من عنده ، وتوجه إلى محمد بيك بن حسين باشا المعمار ، وسلم عليه ، فقدم له فرسا عربية مكملة العدة.

__________________

(١) المقصود به منحنيات الطريق.

(٢) سقطت من (أ).

(٣) في (أ) «جهة». والاثبات من (ج).

(٤) سبق تعريفهم.

(٥) في (أ) «لي». والاثبات من (ج).

٥٢٥

وفي يوم الخميس خامس ذي الحجة : وصل مكة عند العصر كيخية نصوح باشا ، ودخل من الشبيكة إلى المسجد ، وحضر مولانا الشريف سعيد وإبراهيم باشا ، وإسماعيل باشا صاحب جدة ، وقاضي مكة الجديد والقديم ، وقاضي المدينة المنورة ، لأن الجميع وصلوا صحبة المراكب ، وكذلك المفتيون والخطباء والأئمة ، وفتح البيت الشريف ، وقريء الأمر السلطاني على جاري العادة ، ومن ذلك :

«الوصاية على التجار والزوار والحجاج».

وألبس مولانا الشريف القفطان بالفرو السمور ، وألبس هو الباشتين (١) والقضاة (٢) وحضرة المفتي مولانا الشيخ عبد القادر أفرية من القاقم.

وكان القاريء للأمر الوارد هذا ، الشيخ سعيد المنوفي.

وألبس الأغوات وأصحاب الأدراك القفاطين المعتادة على جاري العادة.

وفي هذا اليوم : وصلت البراءة السلطانية بالفتوى لصاحبها مولانا الشيخ عبد القادر المفتي بدون عرض أحد (٣) ، بل محض اختيار وترجيح له عمن سواه من الدولة العلية. ـ جعلها الله ـ تعالى ـ خادة تالدة فيه وفي عقبه ، هكذا هكذا وإلا فلا لا ـ.

ووصل في هذا اليوم أيضا خيال من السيد عبد الله ابن الشريف سعيد يخبر :

__________________

(١) أي إبراهيم باشا ، واسماعيل باشا.

(٢) في (أ) «القفطان». والاثبات من (ج).

(٣) المقصود بدون توصية من الشريف أو باشا جدة.

٥٢٦

«بأننا اجتمعنا بنصوح باشا ، وألبسني فروا سمورا ، وقابلنا أحسن مقابل. وفي غد نصل نحن وإياه».

فعند ذلك أرسل الشريف ونصب له صيوانا في العمرة (١) ، أخذه محمد عطالي زاده بسبعة أكياس ، وهيأ له سماطا عظيما.

وصبح يوم الخميس سادس الحجة : ركب مولانا الشريف بالآلاي والموكب العظيم ، والسادة الأشراف ، وللعسكر ، إلى المحل المعتاد والمعد للقاء الأمراء ، وأبقى الجميع هناك ، وتقدم وحده للعمرة لمقابلة نصوح باشا. فوجده قاعدا في الشارقة ، وهذا أول اجتماع حصل بين الشريف سعيد ونصوح باشا.

ثم ألبس مولانا الشريف القفطان الوارد صحبته ، ورجع بالآلاي إلى بيته.

وأصبح يوم السبت سابع الشهر : عرض لأمير الحج المصري على القانون المعتاد ، ولبس القفطان الوارد صحبة أمير الحاج الأمير يوسف بيك (٢) ، الملقب بالجزار تابع المرحوم إيواز بيك ، وهذه أول سنة جاء أميرا على الحاج ، وإلا ففي العام الماضي ، كان كتخذا الحاج الشريف ، حين جاء أستاذه الأمير إيواز بيك ـ أمير الحاج المصري ـ.

وفي هذا اليوم : ختم نصوح باشا على الوكالة المعروفة الآن بالحلقة المعدة لخزن غلال أمير الحاج ، وأخذ منها من الأرز والبقسماط (٣) والشعير ما احتاج إليه ، ووضع ختمه بعد ذلك عليها.

__________________

(١) أي التنعيم.

(٢) في (أ) «الأمير للحاج الأمير». والاثبات من (ج).

(٣) اسم لنوع من الخبز يخبز ، يجفف. إبراهيم أنيس ـ المعجم الوسيط ١ / ٦٥.

٥٢٧

وكذلك في هذا اليوم ختم على بيوت أولاد الوزير عثمان حميدان ، وحريمهم (١) وعيالهم فيها ، حتى صار الواحد منهم إذا احتاج إلى طعام أو شراب يطلبه من طيقان البيوت. وسبب ذلك :

«أنه ادّعى عليهم ، أن له عند والدهم سبعة ألف شريفي أحمر طره (٢)».

فدخلوا على بعض الأشراف ، وطلعوا إلى الشريف في مدافعة ذلك. فما أمكن ، وأخذها الباشا منهم على طريق القهر والظلم. ثم فك الختم بعد (٣) الأخذ.

وأما ما كان من أمير المصري (٤) ، فلما بلغه ذلك ، أرسل إلى الشريف ، وعرفه بما فعل نصوح باشا من أخذ الغلال ، والختم على الحلقة. فما أفاده بشيء من ذلك.

ثم حج الشريف بالناس على جاري العادة ، ولم يحصل من المخالفات شيء ـ لله الحمد والمنة ـ.

وفي يوم الجمعة ثالث عشر ذي الحجة : قبض على محمد بيك صنو سليمان باشا ، ومحمد (٥) آغا كتخدا إسماعيل باشا سابقا في زمن سليمان باشا متولي جدة ، بسبب وصول صورة الأمر للشريف سعيد إلى جدة لأجل النداء بتواطؤ إسماعيل باشا ، ومنعوه من النداء. ـ والله أعلم

__________________

(١) في (ج) «مرعيهم».

(٢) سبق تعريفها.

(٣) أي بعد أخذ النقود.

(٤) أمير الحج المصري يوسف بيك الجزار.

(٥) محمد آغا وكيل اسماعيل باشا جدة ، والذي امتنع عن النداء للشريف في جدة خوفا على البلد والطريق من الفتن بسبب هذا الأمر. كما سبق.

٥٢٨

بحقيقة الحال ـ.

وفي هذه السنة : كان دخول نصوح باشا المدينة المنورة حادي عشر ذي القعدة ، فاجتمع عنده بعض الناس ، ورتبوا حيلة في حبس جماعة من أهالي المدينة ، ونهب أموالهم وبيوتهم ، وهتك مرعيهم وأعراضهم ، فعزل أيوب آغا شيخ الحرم المدني ، وأتى به إلى مكة صحبته. ونهب بيوت عثمان آغا آغاة الإسباهية ، وهتك حريمه ، وأخذه في الحديد إلى مكة ، ونفاه إلى سواكن ، وكذلك غيرهما.

وخرج من المدينة ثالث عشرين الشهر المذكور ، وبلغه أن حرب جلسوا له في الطريق ، لما بلغهم أنه نوى وعزم على حربهم وهلاكهم ، وأنه جاء إليهم بعدة أحمال مناشير لقطع نخلهم ، لموجب ما سبق منهم في العام الماضي من الحرب (١) ، فاعتدوا ، واحتزموا لقتاله.

فجاءه بعض أهل المدينة ، وقال له :

«مالك قدرة عليهم».

فترك طريقهم ، وأخذ طريقا غيره ، فحصل له غاية المشقة والتعب ، فزعق نفيره ، ومشى من طريق القاحة (٢) ، وتاه في جبالها ، ومات عطشا (٣) ، وحصل غاية المشقة والشدة على الحجاج حتى شاهدوا

__________________

(١) الحرب التي وقعت بينهم وبينه سنة ١١٢٣ ه‍ عندما كمنوا له في خيف بني عمرو (الفرع) ، وقتلوا معظم من معه من الحجاج.

(٢) في النسختين «الباحة». والصحيح القاحة ، لأن الباحة تقع في المناطق الجنوبية من مكة بالقرب من الطائف. والقاحة هي التي على طريق المدينة. انظر عن ذلك : البلادي ـ معجم معالم الحجاز ٧ / ٧٧ ، على طريق الهجرة ٢٣٩ ، ٢٥٥.

(٣) ليس المقصود الموت بل التعب من العطش لأنه لم يمت فيها.

٥٢٩

الموت ، ثم إنهم ظفروا بامرأة دلتهم (١) على الماء والطريق.

وبلغ عرب حرب ذلك فأدركه البعض منهم ، وأتعبه غاية التعب ، وقتلوا من جماعته زهاء من ثلاثين رجلا ، وأخذوا من أطراف الحجاج (٢) بعض جمال [وأحمال](٣) وخيل ، وحملين من المناشير ، عجزت عن حملها جمالها ، فتركوها. فما وصل رابغ إلا بعد المقاساة الشديدة.

وفي يوم سادس عشر ذي الحجة أرسل نصوح باشا لأمير الحاج المصري يوسف بيك :

«في غد ترحل من مكة».

فأرسل إليه يقول له :

«ما هذا قانوننا المعتاد».

فأرسل إليه ، وأعاد الجواب :

«لا بد أن ترحل في غد».

فأرسل أمير الحاج المصري لحضرة الشريف يعرفه بما قاله نصوح باشا. فما أمكن مراجعته.

وأصبح سابع عشر نادى بالرحيل مكرها ، وبرز بطوى (٤) ، وبات فيها ، وعند الفجر ركب ، وتوجه إلى عسفان (٥) ، وحزم أمره وحث في السير إلى أن وصل بندر بدر في ثلاثة أيام ، وأراد أن يبات فيها ، فأرسل إليه الشريف عبد الكريم ومبارك بن مضيان :

__________________

(١) سقطت من (ج) واستدركه الناسخ في الحاشية اليمنى.

(٢) في (أ) «الحاج». والاثبات من (ج).

(٣) ما بين حاصرتين من (ج).

(٤) في (أ) «طوى». والاثبات من (ج).

(٥) سبق تعريفها.

٥٣٠

«إنك ترحل وتأتي إلى الخيف». ـ المحل الذي هم حفظوه ، وجلسوا لنصوح باشا فيه ـ ، فعند ذلك رحل ، ونزل عندهم.

وفي هذا اليوم حير الشريف على الوجيه الشيخ عبد الرحمن بن صاحبنا الشيخ عباس المنوفي ورده من وطاق (١) أمير الحاج ، ومنعه من التوجه إلى مصر ، بعد أن سافرت جميع أسبابه وجيشه ، وتخلف وحده ، وأقام إلى العام القابل ، ووقع له العقل (٢) بواسطة بعض الناس.

وما كان من نصوح باشا ، فأصبح ثامن عشر الشهر المذكور زعق نفيره من مكة ، ورحل لقصد ادراك أمير (٣) المصري ، وجدّ في السير أيضا ، وأدركه ففاته جميع ما رتبه من سلوك أمر معه ، فما وصل بندر بدر إلا وحده في جوف الشريف عبد الكريم وقلب حرب ، وصار في حصن حصين.

فلما علم نصوح باشا فوات غرضه ، وعجز عن تحصيل مراده من يوسف بيك أمير المصري ، ندم غاية الندم ، ثم قبل قيامه من بدر وصل إليه السيد محمد عبد الكريم ، والسيد عبد المعين بن محمد ، والسيد سليم ابن عبد الله الذين أرسلهم مولانا الشريف سعيد إلى عرب (٤) حرب لتوفيق الحال بينهم وبين نصوح باشا ، فأخبره :

«أننا وصلنا إليهم ، وعرفناهم بأنكم تترفعوا عن الطريق ، وتخلوا الحاج الشامي يتعدى.

__________________

(١) الوطاق : المخيم : أي مخيم أمير الحاج. النهروالي ـ البرق اليماني ٧٥.

(٢) العقل : الاعتقال والحبس.

(٣) في (ج) «الأمير المصري».

(٤) في (ج) «عروب».

٥٣١

فأجابوا بالسمع والطاعة. وقالوا :

نحن عبيد السلطان ، وخدام هذا الدرب الشريف.

غايته أن الباشا مراده قطعنا ، وقطع نخلنا وأملاكنا من غير موجب ، فما نسلم في ذلك حتى ما يبقى واحد منا. وإن كان مر من غير ضرر علينا في أمر / من الأمور ، فما يحصل له من طرفنا شيء من المخالفات جملة كافية. وتعاهدنا نحن وإياهم على هذا. فأنت شدّ ونحن نمشي معك ، فما يحصل منهم خلاف (١)».

فطلب الباشا عشرة أنفار من مشايخهم ضمائن ، فأرسلوا لحرب وعرفوهم بذلك. فما وافقوا على هذا.

وأيس الباشا من بلوغ مراده منهم ، فعند ذلك قيّل في بدر ، وبات ، وأصبح زعق نفيره ، ورحل من طريق آخر غير الجادة ، ودخل من العلو بعد التعب الشديد والعطش والمشقة.

وفي هذا الموسم : توجه بهدية مولانا الشريف إلى الدولة العلية السيد محمد بن السيد عيسى المدني ، صحبة الحاج الشامي.

__________________

(١) سقطت من (ج).

٥٣٢

ودخلت سنة ١١٢٤ أربع وعشرين ومائة ألف :

وكانت غرة محرم الحرام يوم الثلاثاء.

وفي يوم الخميس رابع عشر الشهر المذكور (١) : وصلت قافلة من المدينة المنورة ، وأخبرت بجميع ما تقدم ذكره :

«من سرعة سير الحجوج.

وأن الحاج المصري دخل المدينة ليلة سابع عشرين ذي الحجة ، وخرج يوم تاسع عشرين ، وأنه اجتمع بمولانا الشريف عبد الكريم في الذهاب والإياب ، ومشى معه إلى ينبع ، ووقع بينهم تدابير وجمعيات».

وأخبروا أيضا بجميع ما صار لنصوح باشا." وأنه وصل المدينة المنورة من خلاف الطريق مع كامل المشقة.

وكان دخوله يوم السبت خامس محرم الحرام ، وخامس عشر الشهر المذكور رحل منها إلى الشام.

وإن إبراهيم باشا قد وصل المدينة ، وادّعوا عليه أهاليها بجامكيتهم المنكسرة عندهم من بندر جدة. فحاسبوه ، وأخذوها منه».

وفي يوم ثاني عشر صفر الخير : سافر شاهين الموال بمحضر ، طلبه الشريف سعيد من طريق الشام إلى نصوح باشا ، ومنه إلى الدولة العلية.

وفي ليلة الثلاثاء خامس ربيع الأول : وصل السيد مبارك بن صامل من خليص ، وأخبر :

«أن الشريف عبد الكريم وصل [إلى](٢) خليص ، ونيته الوصول إلى مكة هو والأشراف الذين معه».

__________________

(١) أي المحرم الحرام.

(٢) ما بين حاصرتين من (ج).

٥٣٣

وفي يوم الخميس : وصل اثنان من جهة الوادي ، واجتمعوا بالشريف. فعند ذلك ركب ، وأمر العسكر بالخروج ، فبرزوا آخر النهار في طوى.

وفي يوم الجمعة : جمع مولانا الشريف عسكر مصر ، وأخبرهم بقدوم الشريف عبد الكريم ، وقال :

«قصدي تخرجون معي».

فوافقوا على ذلك ، وطلبوا جمالا وجامكية.

وفي يوم الأحد سابع عشر ربيع الأول : برز مولانا الشريف بالأشراف وعسكره وعسكر مصر ، والمدافع إلى طوى ، واستمر هناك ثلاثة أيام ، ووصل إليه العربان الذين طلبهم من هذيل وثقيف وبني سعد وناصر (١).

وفي يوم الأربعاء : عشرين من الشهر المذكور رحل (٢) من طوى ، / ٤٠٨ وبات بالنوارية / ورحل منها إلى الوادي ، واستمر فيه إلى يوم الجمعة والسبت ، وآخر النهار رحل ونزل الحمام (٣) ، وبات فيه ، وصبح يوم الأحد رحل منه.

وصبح يوم الاثنين : تلاقى هو والشريف عبد الكريم بعسفان ، ولم يحصل بينهما شيء ، إلا أن الشريف عبد الكريم لم يصل بقصد المقاومة وإنما قصده النزول في الحميما (٤) بلاده ، فظن مولانا الشريف سعيد أنه

__________________

(١) في النسختين «ناصر». والصحيح «ناصره». أحد الفروع الرئيسية لقبيلة بلحارث القاطنة جنوب الطائف. البلادي ـ معجم قبائل الحجاز ٣ / ٤٩٠.

(٢) في (أ) «وصل». والاثبات من (ج).

(٣) في (أ) «الجمام». والاثبات من (ج). والحمام سبق التعريف به.

(٤) في النسختين «الحميما». ويذكر ياقوت الحموي ـ معجم البلدان ٢ / ٣٠٧ : ـ «قرية ببطن مر من نواحي مكة ببني سررعة والبريراء ، فيها عين ونخل. البلادي ـ معجم معالم الحجاز ٣ / ٦٥ ـ ٦٦ ، السباعي ـ تاريخ مكة ٢ / ٤١٣ حاشية (٥).

٥٣٤

جاء بقصد القتال ، فاعتد لمقاومته ومدافعته ـ ولله الحمد لم يحصل شيء ـ. غير أن السيد يحيى بن بركات وإخوان الشريف طلبوا الدخول في البلد لقضاء أشغالهم ، فأذن لهم ، ووافقهم الشريف على ذلك.

وأما ما كان من أمر الشريف عبد الكريم : فرجع ونزل الحميما بلاده. والشريف سعيد مقابلا له في خليص.

فوصل الخبر بهذا مكة يوم الثلاثاء سادس عشرين ربيع الأول ، واستمر الشريف سعيد مقيما في خليص إلى غرة شهر ربيع الآخر ، والشريف عبد الكريم في جوف حرب في الفرع.

وفي يوم الجمعة سادس عشر ربيع الآخر : وصل مبشر من مصر ، وأخبر : «أن مصر سخاء ورخاء في غاية الأمن والأمان.

وأن أمير الحاج يوسف بيك جاءه مقرر الإمارة ، واسماعيل بيك جاءه مقرر نظارة الخاصكية.

وأن غيطاس بيك جاءه مقرر الدفتردارية.

وأن إبراهيم قد مات. ووصل آغا من الدولة يضبط جميع ماله وحلوا (١) جميع ما [ـ](٢) وأن الجماعة صحبته جلوسهم في محل وحدهم».

ودخل موسم هذه السنة (٣) : وكان نصيف باشا على الحج الشامي ،

__________________

(١) في (أ) «وصلوا». وفي (ج) «وجلوا». والعبارة مضطربة.

(٢) ما بين حاصرتين فراغ بمقدار كلمة في النسختين دلالة على اضطراب النساخ في فهم العبارة.

(٣) ١١٢٤ ه‍.

٥٣٥

وعلى المصري غيطاس بيك المذكور.

ثم وصل مكة الشريف سعيد ، وحجّ بالناس (١) على حسب عادتهم.

وفي يوم السبت سادس عشر ذي الحجة : برز نصيف باشا ، واستمر ثلاثا ، وقبض على الشيخ تاج القلعي ، ويوسف شيخ القراء وآخرين ، لكونهم كانوا ينسبون إلى الشريف عبد الكريم.

فشفع في الأولين (٢) العلامة عبد الله بن سالم البصري ، فقال (٣) له : «إني أوصلهم المدينة ، وأودعهم فيها لشفاعتك فيهما» ، ورحل (٤) مع الشامي (٥) عبد الله ومحمد أبناء مساعد بعسكر وخيالة.

وفي سابع عشرين ذي الحجة : ركب الشريف سعيد وعزم إلى السيد جعفر ميرك ووادعه ، ثم توجه لإبعاد الشريف عبد الكريم عن حدود السلطان ، وأوفى الأشراف والعساكر معاليمهم ، على أن يلحقوه بعده.

والله سبحانه وتعالى أعلم (٦) ـ

__________________

(١) سقطت من (ج) ، واستدركه الناسخ في الحاشية اليسرى.

(٢) أي في الشيخ تاج الدين القلعي ، ويوسف شيخ القراء.

(٣) في (ج) «قال».

(٤) في (ج) «ترحل».

(٥) أي مع الحج الشامي.

(٦) وجاء بعد ذلك آخر النسخة (أ). والحمد لله أولا وآخرا وظاهرا وباطنا ، وصلى الله على سيدنا ومولانا محمد وعلى آله وصحبه وسلم ، عدد ما ذكره الذاكرون ، وغفل عن ذكره الغافلون ، والحمد لله رب العالمين.

وكان الفراغ من إكمال هذه النسخة المباركة ضحى يوم الثلاثاء لسبع عشر خلت من رجب الأصم أحد شهور عام الثالث والأربعين بعد الثلاثماية وألف بقلم : أحقر الكتاب

٥٣٦

وإلى هنا انتهى الجزء الثالث من كتاب منائح الكرم ، وللإفادة أضيف : [ونتيجة لهذه الأحداث ، نذكر أن الشريف عبد الكريم لم يحاول أن يسترجع شرافة مكة مرة ثانية لاقتناعه بعدم جدوى ذلك الأمر.

واقتنع بالبقاء في بلده الحميما بعد سماح الشريف سعيد له بذلك ، وبعد مدة من الزمن رحل إلى ديار حرب ، ومكث بها مدة طويلة ، ثم سافر إلى مصر ، واستمر بها إلى أن توفي بالطاعون سنة ١١٣١ ه‍ إحدى وثلاثين ومائة وألف (١).

وأما الشريف سعيد فاستمر في شرافة مكة إلى حين وفاته سنة ١١٢٩ ه‍ ألف ومائة ـ وتسع وعشرين (٢)](٣).

__________________

ـ راجي غفران جميع الذنوب والمساوي محمد سعيد ابن المرحوم الشيخ محمد الحضراوي الكاتب بباب السلام ، غفر الله له ورحم سلفه آمين.

وفي آخر النسخة (ج). والحمد لله على اتمامه على يد أقل العباد أبي الفيض وأبي الإسعاد ، عبد الستار الصديقي الحنفي ابن المرحوم الشيخ عبد الوهاب الهندي المجاور بالبلد الحرام. وذلك لاهتمام الوقوف على حقيقة ما جرى من ملوك أم القرى ، وبعض مهمات ونكت ، هو بها أدرى وأحرى لمؤلفه شمس سماء المحامد والفضائل وغرة سيما الأماجد والأفاضل ، وصاحب ذيل العز الشامخ ساحب أصول المجد الباذخ ، ومجمع البحرين ، بحر العلم وبحر العمل ، ومقلد النحرين ، نحر الأدب ، ونحر الأمل ، ذي الفضل الذي ابصرت روايته ، وسخت في تخوم العلم درايته ، وهطلت بالإفادات غمائمه ، مولانا الشيخ علي السنجاري الحنفي المكي ، الإمام والخطيب بالبلد الأمين ، المتوفي في افتتاح سنة ١١٢٥ ه‍ ألف ومائة وخمسة وعشرين من هجرة صاحب العز والشرف صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم وشرف وعظم وكرم. وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين.

(١) انظر : محمد علي الطبري ـ اتحاف فضلاء الزمن ٣ / ٣١ ، أحمد زيني دحلان خلاصة الكلام ١٦٦ ـ ١٦٧ ، السباعي ـ تاريخ مكة ٢ / ٤١٣ ـ ٤١٤.

(٢) محمد علي الطبري ـ اتحاف فضلاء الزمن ٣ / ١٦ ، أحمد زيني دحلان ـ خلاصة الكلام ١٦٧ ـ ١٦٨ ، السباعي ـ تاريخ مكة ٢ / ٤١٤.

(٣) ما بين حاصرتين من المحققة لاستيفاء الأحداث.

٥٣٧
٥٣٨

المصادر والمراجع

أولا : المخطوطات.

ثانيا : الكتب المطبوعة.

ثالثا : الدوريات.

٥٣٩
٥٤٠