منائح الكرم في أخبار مكة والبيت وولاة الحرم - ج ٥

علي بن تاج الدين بن تقي الدين السنجاري

منائح الكرم في أخبار مكة والبيت وولاة الحرم - ج ٥

المؤلف:

علي بن تاج الدين بن تقي الدين السنجاري


المحقق: الدكتورة ملك محمد خياط
الموضوع : التاريخ والجغرافيا
الناشر: جامعة أم القرى
الطبعة: ١
ISBN الدورة:
9960-03-366-X

الصفحات: ٥٨١

الشريف.

وفي يوم السبت ثالث عشر شهر شعبان : وصل نجاب من حسن باشا أمير الحج الشامي بمكاتيب لحضرة الشريف وللأمير إيواز بيك مضمونها :

«المحبة والتودد مع السؤال عن حالهما ، والتوصية بحسن النظر إلى من يصله من أتباعه إليهما ، وإخبارهما بأنه أنعم عليه بأمارة الحج الشامي».

ووصل أيضا صحبة النجاب مكاتيب من الباشا لموسى أغا ناظر الخاصكية المعروفة بدار الشفاء (١) ومضمونها :

«الوكالة في استلام ما يصل من ذخائره في البحر ، وبمشترى ما يحتاج إليه من علف ومصالح ومهمات ، وغير ذلك».

ووصل صحبة هذا النجاب خبر موت سليمان باشا ، وأنه حين وصل وان البلدة التي توجه إليها ، انتقل إلى رحمة الله تعالى (٢) ، فسبحان الحي الذي لا يموت أبدا.

وفي يوم الأربعاء سابع عشر شهر شعبان : ركب مولانا الشريف ، وتوجه إلى الطائف ، بقصد إصلاح ما وقع فيه من فساد أشقياء العربان ، عند دخول الشريف سعيد والأشراف الجلوية.

وركب معه السادة الأشراف والعساكر ، فوصل الطائف ، فوجد [الشريف سعيد قد خرج منه ، فمشى خلفه](٣) فوجده نزل ديرة مخلد ـ

__________________

(١) في (أ) «الشفا». والاثبات من (ج).

(٢) انظر : محمد علي الطبري ـ اتحاف فضلاء الزمن ٢ / ١٧٣.

(٣) ما بين حاصرتين من (ج). والحاشية اليمنى في (أ).

٤٤١

قبيلة من عتيبة ، بينها وبين الطائف ثلاثة أيام ـ.

ونزل الشريف أيضا مقابلا له وأراد الركوب عليه ، فمنعه (١) السادة الأشراف بحسب قواعدهم (٢) بأنه :

«بعد أن رحل مالك عليه ركوب».

فرجع الشريف ونزل الأخيضر.

وفي يوم تاسع عشر شهر رمضان المعظم : وصل من مصر المحروسة برا مولانا السيد يحيى باشا ، ابن الشريف بركات ، إلى وادي مرّ الظهران بأهله وأتباعه ، وصحبته يوسف أفندي شيخ القراء ، واجتمعوا بأغاة القفطان في ينبع (٣) لأنه كان في المراكب ، ومشوا صحبته من ينبع إلى الوادي.

فلما كان يوم الثلاثاء ثامن شهر شوال : دخل مكة السيد يحيى باشا ، وصاحب القفطان بآلاي في الموكب العظيم بسائر العساكر ، على القانون المعتاد (٤) عند دخول الأمر السلطاني ، صحبة الآغا ، إلى أن وصلوا باب السلام ، ودخلوا المسجد الحرام ، ووضعوا الأمر السلطاني والقفطان في جوف مقام سيدنا إبراهيم (٥) الخليل ، بحضرة الأعيان والخاص ، والعام ، من السادة والأشراف والعلماء وغيرهم.

ثم ركب مولانا السيد يحيى وأغاة القفطان من باب السلام ،

__________________

(١) في الأصل «فمنعوه».

(٢) أي القواعد والنظم التي وضعها الشريف أبو نمي الثاني للأشراف. انظر : أحمد السباعي ـ تاريخ مكة ٢ / ٣٤٦.

(٣) في (ج) «الينبع».

(٤) أي كما هو متبع دائما في هذه الاستعراضات.

(٥) سقطت من (ج).

٤٤٢

ومشوا على طريق سويقة ، فنزل السيد يحيى في بيت دار جعفر ، لأنه أعده سكنا ، ونزل أغاة القفطان عند الوزير عثمان حميدان ، ودخل السيد يحيى في زي الأروام بالقاووق (١) على رأسه ، واستمر به هكذا.

فوصل جميع أهل مكة من الأشراف والعلماء والفقهاء ، والأمير إيواز بيك ، وسائر العساكر وغيرهم ، وسلموا عليه وهنوه بالسلامة.

وقابلهم بالمقابلة الحسنة اللائقة به (٢) ، ونزل الرؤوس منازلهم ، فشكروه على ذلك ، ووصلت إليه الهدايا من سائر المحبين ، وألبس الأمير إيواز بيك فروا سمورا عند قيامه (٣) ليرد السلام عليه.

وفي يوم الاثنين تاسع عشر شوال : وصل مولانا الشريف عبد الكريم مكة ونزل ببستان الوزير عثمان حميدان ، وطلع إليه بياض من الناس (٤) ، ولم يتخلف أحد وسلموا [عليه](٥) ، وطلع إليه أيضا السيد يحيى ، وسلم عليه واجتمع به. وهذا أول اجتماع حصل بينهما ، والشريف عبد الكريم شريف مكة ، واستمر عنده في البستان إلى بعد المغرب ، ونزل هو وإياه ، ثم طاف / حضرة الشريف وسعى ، وطلع السيد يحيى بن بركات [في](٦) بيت الحارث وسلم عليه ، وجلس عنده.

وأرسلوا للشيخ محمد الشيي ، وفتح المقام ، ونزل معه أغاة القفطان ، وأخرجوا الأمر السلطاني ، وسلمه الأغا لمولانا الشريف ،

__________________

(١) سبق تعريفه.

(٢) في (ج) «بالمقابل الحسن اللائق به».

(٣) في (ج) «عند قيامه بعد السلام عليه».

(٤) في (ج) «بياض الناس». وقد استدركها الناسخ في الحاشية اليمنى.

(٥) ما بين حاصرتين من (ج).

(٦) ما بين حاصرتين من (ج).

٤٤٣

فأعطاه لصاحبنا الشيخ عباس المنوفي ، ومصطفى أفندي ديوان كاتب ، وعربوه ، وردوه إلى محله. واستمر الشريف عند السيد يحيى لنصف (١) الليل ، وطلع إلى البستان وجلس فيه يومين.

فلما كان يوم الخميس ثاني ذي القعدة : دخل بآلاي الأعظم ، في الموكب العظيم ، بالعساكر والأغوات والسادة الأشراف جميعا ، وقد فتح البيت الشريف ، وفرش الحطيم ، وحضر الأمير إيواز بيك وقاضي الشرع وكذا (٢) المفتيون والعلماء والفقهاء ينتظرون مولانا الشريف. فعند وصوله تقدم السيد يحيى بن بركات ، وصاحب جدة إيواز بيك ، وتلقوه إلى أن وصل ذلك الجمع على جاري عادته ، وتقدم الشيخ محمد الشيي وفتح المقام ودخل الأغا ، وأخرج الأمر السلطاني ، والقفطان والسيف المرصع ، وألبس حضرة الشريف القفطان بالفرو السمور ، وتقلد بالسيف الهنكاري ، وألبس السيد يحيى ، وشيخ الحرم المكي إيواز بيك وقاضي الشرع ، وأغاة السلطان بالقفطان أربعة من الأفرية السمور ، وألبس حضرة المفتي ، والسيد أحمد نائب الحرم ، والشيخ محمد الشيي وابن أغاة القفطان أربعة من الأفرية القاقم ، وألبس صاحبنا [الشيخ](٣) عباس المنوفي قفطانا ، وكذلك مصطفى أفندي ، ديوان كاتب ، وسائر الأغوات ، وأصحاب الأدراك ، وكل من له عادة في اللبس.

ثم قريء المرسوم السلطاني على ما جرت به القوانين المعتادة من الثناء والتوصية وغير ذلك.

__________________

(١) في (ج) «في نضف الليل».

(٢) في (ج) غير مقروءة.

(٣) ما بين حاصرتين من (ج).

٤٤٤

وبعد تمام القراءة دخل أغاة القفطان الكعبة المشرفة ، هو وأتباعه ، وتوجه مولانا الشريف إلى داره السعيدة وجلس للتهنئة. فطلع إليه الناس وسلموا عليه ، وباركوا له ، ولم يتخلف أحد. وكان يوم عظيم.

وفي يوم السبت رابع ذي القعدة : اجتمع مولانا الشريف السيد يحيى بن بركات ، وشيخ الحرم المكي إيواز بيك ، وقاضي الشرع الشريف ، وأصحاب الأدراك من السبع بلكات ، وبرزوا إلى الأسواق والأزقة ، وشرعوا في هدم الدكك التي قدام الدكاكين والبيوت ، والظلل والأشرعة ، وجميع الزوائد الحادثة ، والمباسط التي في الطرق والأسواق. ومن جملة ما هدموه خارجة محمد السرطلي التي أحدثها قدام بيته بإذن من الشريف سعيد وكان هدمها ليلا على المشاعل.

وجلسوا على هذه الحال ثلاثة أيام. وفي كل يوم يركبون جميعهم ، ويأمرون الفعلة بالهدم ، وداروا جميع الحارات والأسواق وشوارع مكة ، حتى ما أبقوا شيئا ، وحصل بذلك غاية السعة في جميع الأماكن وبالخصوص المسعى ، فإن في زمن الموسم يحصل بذلك على الحجاج غاية المشاق (١).

فلما حصل هذا الأمر استراح الناس بذلك ، والسبب لذلك ورود الأمر السلطاني به.

وفي آخر الشهر المذكور (٢) : حضر شيخ الحرم الأمير إيواز بيك ، والسيد يحيى بن بركات وقاضي الشرع ، وأحضروا بعض المعلمين ،

__________________

(١) والسبب في كل هذه الأعمال هو ورود أمر سلطاني بإزالة ذلك. انظر : محمد علي الطبري ـ اتحاف فضلاء الزمن ٢ / ١٧٤.

(٢) شهر ذي القعدة.

٤٤٥

وقلعوا خدود باب الكعبة ، والطراز الذي من الذهب الحائف (١) ، فوجدوا فيه شيئا كثيرا ، فأصلحوه ، وطلوا الخدود بالذهب وكتبوا على الطراز تاريخا ذكروا فيه :

«أنه تجديد السلطان أحمد خان نصره الرحمن». وحضر عند تركيبه حضرة مولانا الشريف عبد الكريم ، وجميع من تقدم ذكرهم ، وأغاة القفطان أيضا ، وركبوه على الوجه المطلوب ، وصار الباب يفتح بسهولة من غير تعب.

ودخل موسم هذه السنة (٢) وكان غرة ذي الحجة بالخميس.

وفي اليوم السادس منه : دخل الحاج المصري مكة.

ويوم السابع : ركب مولانا الشريف / بآلاي والموكب العظيم ، وعرض لملاقاة الأمير إلى المحل المعتاد ، ولبس القفطان الوارد صحبته. وكان أميره حسن باشا الشهير بابن القواس المتقدم ذكره (٣).

ثم حج مولانا الشريف بالناس على جاري عادته في غاية الأمن والأمان ، ولم يحصل على أحد شيء من الخلاف جملة كافية ـ لله الحمد والمنة ـ.

وكان حسن باشا هذا في غاية [من](٤) الوقار والكمال ، ولم يحصل منه ولا من عسكره ضرر.

وكانت الوقفة في هذا العام بالجمعة ، وعند ذهابه إلى الموقف

__________________

(١) في (ج) «الخائف».

(٢) ١١١٩ ه‍.

(٣) الأمير حسن باشا القواس. ورد ذكره في الصفحات السابقة من التحقيق.

(٤) ما بين حاصرتين من (ج).

٤٤٦

الشريف حذر عسكره وجماعته من التعدي وقلة الأدب (١) ، ولم يأت إلى الموقف إلا بشرذمة يسيرة من العسكر والأتباع لموجب :

أن حضرة الشريف أرسل إليه في هذا اليوم (٢) صحبة السيد يحيى بن بركات وشيخ الحرم المكي الأمير إيواز بيك ، وأمير الحاج غيطاس بيك ، الأمر السلطاني الوارد ، وقرأوه عليه (٣) ومضمونه :

«إن كل أحد يمشي على القواعد والقوانين السالفة».

فأجاب بالسمع والطاعة ، وامتثل الأمر. ـ فجزاه الله خيرا عن نفسه وعن المسلمين ، فإن طلب الشر قبيح ، وفي مثل هذا الموقف العظيم أقبح ـ.

ثم حج المسلمون في غاية الأمن والأمان ، والرفاهية ، والإطمئنان ، وأتموا مناسكهم (٤). ـ تقبل الله ذلك منهم وشكر سعيهم ـ.

ولما كان يوم ثاني عشر الشهر المذكور (٥) : رحل الحاج المصري من مكة المشرفة على معتاده.

وفي هذا الموسم : توجه بهدية مولانا الشريف إلى الدولة العلية تابعه مصطفى أفندي ديوان كاتب ، صحبة الحاج المصري.

وفي ثامن عشرة : رحل الحاج الشامي ، وتوجه على معتاده ـ والله تعالى يحمل الجميع بالسلامة في السفر والإقامة.

__________________

(١) إشارة إلى سوء خلق الجند والعسكر في هذه الفترة.

(٢) الجمعة.

(٣) في (أ) «قرؤه». وفي (ج) «قراءة».

(٤) إشارة إلى أن الحج كان هادئا ، ولم تحدث فيه حروب ومشاجرات كما في بعض الأعوام السابقة.

(٥) ذي الحجة.

٤٤٧
٤٤٨

ودخلت سنة ١١٢٠ ألف ومائة وعشرين :

وكان (١) غرة محرم الحرام بالسبت.

وفي يوم الاثنين سابع منه : وقع بين عبيد السيد يحيى بن بركات ، وبين عسكر مصر ، وهم جماعة يوسف كتخدا أغاة العزب ، هدة عظيمة بسبب سقا للسردار (٢) اعترضه بعض عبيد السيد يحيى ، وطلبه القربى ، فامتنع أن يمشي معه ، فضربه ، فرآه بعض العسكر ، فضرب العبد ، ثم كل منهما جمع جماعته ، وأتوا إلى بيت السردار واهتوشوا (٣) ، وقتلوا سراج الأغا ، فبلغ السيد يحيى ذلك ففزع ورد عبيده.

وما كان من أمر القتيل ، فأخذه العسكر إلى بيت السردار ، ثم أرسلوه إلى حضرة الشريف ، وعرفوه بالواقع ، وطلبوا منه النصفة والغريم ، فأمهلهم إلى الصبح.

فبلغ العبيد أن الشريف قصده يعطيهم القاتل ، فاجتمع عبيد السادة الأشراف وحلفاؤهم ، وخرجوا إلى بركة ماجن يطلبون المقاومة مع العسكر ، وامتنعوا أن (٤) يسلموا واحدا من رفقائهم.

فركب إليهم السيد عبد المحسن بن أحمد ، والسيد عبد الله بن بركات ، وخطئوهم (٥) في فعلهم ، وردوهم إلى البلد.

وأرسل حضرة الشريف بعض العلماء إلى السردار والعسكر ،

__________________

(١) في (ج) «كان».

(٢) في (أ) «الدار». والاثبات من (ج). وقد سبق تعريف السردار.

(٣) اهتوش القوم : اختلطوا واضطربوا ووقعت بينهم الفتنة. ابن منظور ـ لسان العرب ٣ / ٨٤٤ ، المنجد ٩٦٨.

(٤) في (ج) «أن لا يسلموا».

(٥) في النسختين «وخطوهم».

٤٤٩

يطيب خاطرهم فأعادوا له الجواب ، وطلبوا الوجه الشرعي ، وأرسلوا إلى جدة يلتمسون (١) من الأمير إيواز بيك وقاضي الشرع وأغوات العسكر ، يحضروا إلى مكة لأجل الصلح بينهم. فوصل هو ومن في جدة من العسكر يوم الأحد ثالث عشرين الشهر المذكور (٢) وطلع لحضرة الشريف ، واجتمع به ، وشكى عليه أمر العسكر ، وما صار عليهم من العبيد ، فوعده (٣) الشريف بالغريم ، وطيب خاطره وخاطر السردار ، فطابت نفوس الجميع ـ لله الحمد والمنة ـ.

وفي يوم الثلاثاء ثالث شهر صفر : جعل حضرة الشريف مجلسا ، جمع فيه السادة الأشراف ، وشيخ الحرم المكي إيواز بيك ، وقاضي الشرع وأغوات العساكر ، وتكلم مع السادة الأشراف بحضرة ذلك الجمع ، وقال لهم :

«يا رفاقة ، قد رأيتم ضيق / المعاش (٤) ، وعدم (٥) مدخول البلاد ، وتعب (٦) الأشراف الذين ما لهم غير المعلوم ، وما هم فيه من الضيق ، والقصد من ذلك ، أن كل من بيده جهة من الجهات ، أو من الرسوم أو الأخوان أو المدخول ، يرده علي وأكون أنا المتصرف فيه ، وليس لكم إلا

__________________

(١) في النسختين «يلتسوه».

(٢) محرم.

(٣) وردت في النسختين «فأوعده». وهو خلاف المعني. والاثبات من المحققة للمعنى.

(٤) في (أ) تكرر «ضيقة المعاش» مرتين.

(٥) فقدان الشيء وذهابه ، الفقر. ابن منظور ـ لسان العرب ٢ / ٧٠٨ ، المنجد ٥١٢. وهنا تعني قلة مدخول البلاد.

(٦) شدة العناء ضد الراحة. ابن منظور ـ لسان العرب ١ / ٣٢١.

٤٥٠

تمام المعلوم من الكيس».

فوافقوا جميعهم على ذلك ، وقالوا :

«نحن معك في جميع ما رأيته صوابا».

وأول من وافق وتكلم بهذا ، السيد عبد المحسن بن أحمد ، والسيد عبد الله بن بركات ، والسيد سليمان بن أحمد بن سعيد ، وقرأوا الفاتحة على هذا الأمر ، وانقضى المجلس عليه.

وفي يوم الخميس تاسع عشر الشهر المذكور : وصل كتاب من الحسينية ، من السيد عبد المحسن بن أحمد بن زيد لعند حضرة الشريف ، مضمونه :

«بعد السلام الذي يحيط به علمكم الشريف (١) أن الشريف سعيد وصل الحسينية ، ونزل على مبارك بن أحمد بن زيد».

فعند وصول هذا الخبر ، أحضر مولانا الشريف عسكره ، وطلب منهم المشي ، وواعدهم (٢) على يوم ، وأرسل أيضا لعسكر مصر ، فأجابوا بالسمع والطاعة ، وقالوا :

«نحن تحت الداعي».

وأرسل للأمير إيواز بيك ، فأجاب كذلك.

فلما بلغ الشريف سعيد ركوب الشريف ، أرسل إلى السيد عبد المحسن وطلب منه أن يأخذ له أجلة من الشريف قدرها خمسة عشر يوما.

__________________

(١) في (أ) «علمكم الشريف». والاثبات من (ج). حيث استدركها الناسخ في الحاشية اليسرى من (ج).

(٢) في النسختين وردت «أو اوعدهم». والاثبات من المحققة.

٤٥١

فوصل السيد عبد المحسن مكة يوم الجمعة بهذا الطرف ، فوافق الشريف على ذلك.

فبعد مضي الأجلة ، توجه الشريف سعيد إلى جهة اليمن (١).

وفي يوم الخميس سادس عشرين الشهر المذكور : وصل مورق من الليث يخبر :

«أن الأشراف الجلوية صدفوا ثلاثة من الجلاب ، واصلة من اليمن ، وأخذوا جميع ما فيها من البن (٢) وغيره».

فأحضر الشريف عسكره ، وعسكر مصر ، وعسكر الصنجق ، وبعض الأشراف ، وأخبرهم بما فعله الأشراف من أخذ البن ، وقال :

«قصدي الركوب عليهم».

فأجابوا جميعا لذلك ، وأرسل الصنجق عسكره ، وتخلف هو بإجازة من الشريف.

وأصبح ثاني يوم ، برز الشريف (٣) بالجميع إلى بركة ماجن ،

__________________

(١) انظر عن هذا : محمد علي الطبري ـ الاتحاف ٢ / ١٧٤.

(٢) كان البن ولا يزال من أهم المحاصيل النقدية في العالم ، وموطن هذه الشجرة النقدية في الأصل منطقة كافا بالحبشة ، ثم انتقل منها إلى مخا باليمن عام ٥٧٥ م. حيث قامت زراعته هناك لأول مرة. وكانت هذه المنطقة هي التي تمد العالم بالبن لمدة قرنين من الزمان ، ثم بعد ذلك انتقل إلى مناطق أخرى من العالم ، ويعتبر البن اليمني من أجود أنواع البن في العالم ، ويقال للجيد من البن ، البن اليمني (بن مخا). علي علي البنا ـ الجغرافية الاقتصادية ، مكتبة دار الجامعة العربية ، بيروت ١٩٦٧ م ١ / ٢٠٨ ـ ٢٠٩ ، يسري عبد الرزاق الجوهري ـ جغرافية الموارد الاقتصادية ، منشأة المعارف بالاسكندرية ١٩٧٣ م ص ٢٩٣ ، أحمد السباعي ـ تاريخ مكة ٢ / ٣٦٥.

(٣) في (ج) «برز الجميع».

٤٥٢

وتوجه الشريف قاصدا الأشراف الجلوية ، فحال بلغهم أن الشريف لحقهم ، بادروا لدفن البن الذي أخذوه ، والبعض منهم أطلقوا فيه النار ، والبعض أودعوه ، والذي عجزوا عنه تركوه في الساحل.

فجاء جماعة الشريف عبد الكريم ، وأخرجوا جميع ما كان مدفونا ، وأخذوا كل ما لقيوه.

وأما السادة الأشراف الجلوية ، فتوجهوا إلى ديرة بني سليم (١) ، ونزلوا عندهم.

وما كان من الشريف سعيد وابنه السيد عبد الله ، والسيد محسن بن عبد الله ، فتوجهوا إلى المخواة (٢).

فوصل المبشر مكة بهذا الخبر ليلة الثلاثاء ثامن (٣) ربيع الأول بعد المغرب ، وجاؤا إلى الأمير إيواز بيك في المسجد خلف مقام الحنفي ، وأخبروه بالواقع من غير كتب ، فأعطاه البخشيش.

وثاني يوم وصل المورق بالكتب لقائم مقام الشريف ، وللصنجق ، ومضمونها : «السرور إلى الجميع».

فدق الزير عند باب الشريف ، وألبس المبشر ، وحصل بذلك غاية الهنا والفرح.

وفي يوم الأحد ثالث عشر الشهر المذكور (٤) : وصل نجاب من مصر عند الباشا للأمير إيواز بيك ، في شأن المركبين اللذين باتا في جدة ،

__________________

(١) أي ديار بني سليم. وهم بطن من زهران القبيلة المعروفة.

(٢) سبق تعريفها.

(٣) سقطت من (ج).

(٤) ربيع الأول.

٤٥٣

وتخلفا عن الوصول صحبة المراكب لأي سبب ، وهما مركب سلمى ، ومركب حسين بك.

وأخبر هذا النجاب ، أن أخبار الحاج الشامي وصلت إلى مصر المحروسة / وأنه وصل إلى بلده بالسلامة ، ويخبر أيضا :

أن الباشوات الذين خرجوا لملاقاة الحج الشامي ، وقع بينهم وبين عترة وبين صخر قتلة عظيمة ، قتل منهم شيخهم دبيس.

وفي يوم الأحد سابع عشرين الشهر المذكور (١) : وصل حضرة الشريف عبد الكريم إلى مكة من الليث ، لأنه عند توجهه إلى السادة الأشراف الجلوية وصل إلى هذا المحل ، بلغه أنهم تفرقوا ، وشعثروا (٢) جميع ما نهبوه ، والذي عجزوا عنه تركوه ، فجلس في الليث ، وأرسل جماعته حيث أراد.

وفي غرة ربيع الثاني : وقع بين الإنقشارية في بعضهم فتنة ، بسبب واحد منهم ، وتزايد بينهم القيل والقال ، ولم يتفقوا على حال (٣).

فاجتمع جماعة مع هذا الشخص على أنهم يخرجون من بلكهم إلى بلك العرب ، ففعلوا ذلك.

فاشتدت الفتنة ، وتطالبوا على قوانينهم فما حصل بينهم وفاق ، فطلعوا لحضرة الشريف ، ورفعوا إليه أمرهم بجميع ما صار لهم ، فأظهر

__________________

(١) الشهر ربيع الأول.

(٢) بمعنى فرقوه ونشروه وهي من الكلمات العامية التي لا تزال تستعمل بهذا المعنى ، وربما أخذت من كلمة التشعث التي تعني التفرق عن هذا انظر. ابن منظور ـ لسان العرب ٢ / ٣٢٢.

(٣) يشير السنجاري هنا إلى الخلافات التي كانت تقع بين الإنقشارية ، والتي كانت من أسباب ضعف الدولة العثمانية.

٤٥٤

لهم الشريف بروري باشوي مضمونه :

«أن لا يخرج أحد من العسكر من وجاقه إلى وجاق غيره».

وأرسله إلى القاضي وسجله في المحكمة فثبت ذلك.

ثم ان حضرة الشريف أمر أغاة المتفرقة ، أن يصلح بين العسكر بموجب هذا البروري المسجل ، وأن أغاة العرب (١) يرد جميع ما دخل في وجاقه من الإنقشارية ، فامتثل ، وردع كل شخص في محله ، فطلب العفو لهم من أغاتهم ، فعفى عنهم ، وحصل الصلح على هذا.

وفي ثاني يوم : وصل جماعة من حدة (٢) زهاء ثلاثين ، واجتمعوا بالعسكر ، وربطوا على نقض الصلح ، وخروجهم من الوجاق ، وتوجهوا إلى أغاة العرب وطلبوا منه أن يكونوا في وجاقه. فما قبلهم لوجب البيوردي الذي بيد حضرة الشريف. فبلغ هذا الفعل أغوات البلكات ، فوصلوا إلى الشريف وأخبروه به.

فأرسل حضرة الشريف ، وأحضر قاضي الشرع ، والمفتيين ، وجميع الأغوات وأصحاب الأدراك (٣) ، فحضروا ثم التفت إليهم وقال لهم :

«أنتم جئتم من فوق الأمر أو من تحته؟!».

فقالوا جميعا :

__________________

(١) في النسختين «الغرب». وفيما سبق وردت العرب ، والعرب أقرب إلى الصواب.

(٢) في النسختين «حدة». ويذكر ياقوت الحموي ـ معجم البلدان أن حدة واد فيه حصن بين مكة وجدة ، والقدماء يسمونه حداء. ٢ / ٢٢٩ ، البلادي ـ معجم معالم الحجاز ٢ / ٢٤١.

(٣) نلاحظ هنا أن الشريف عندما يريد أمر ما يجتمع بهؤلاء الأشخاص السابق ذكرهم ويتداول معهم الرأي فكأن هؤلاء هم مجلس شورى للشريف.

٤٥٥

«بل جئنا تحت أمرك وطاعتك وفي خدمتك».

فقال :

«إذا كنتم كذلك ، فالقصد منكم أن متى وقع من العسكر ذنب أو قلة أدب أو خلاف تخرجوه من الوجاق ، ويكون أمره إلي وأكون (١) أنا المتصرف فيه ، وأطلع في حقه بكل ما يليق به. من نفي أو حبس أو قتل».

فوافقوا جميع الأغوات على ذلك وأجابوا بالسمع والطاعة.

وتم الأمر بحضرة الجميع على هذا.

فلما بلغ العسكر هذا المجلس ، وما وقع فيه من الإتفاق خافوا على أنفسهم ، واختشوا (٢) عاقبته ، فاجتمعوا فيما بينهم ، وأزالوا ما كان هناك من الفساد والعناد ، وحصل تمام الرضا بذلك.

وفي يوم الأحد عشرين الشهر المذكور (٣) : وصل مكة نجاب الحاج ، وأخبر أن مصر المحروسة في غاية الأمن والأمان والسخاء والرخاء ـ جعلها الله دار السلام آمين إلى يوم الدين ـ.

وفي أواخر جمادى الآخر : بلغ الشريف أن الشريف سعيد جمع جموعا ، وقصده مكة.

فأرسل رسلا من طرفه إلى الجهة التي هو بها يكشفون له الخبر ، هل له صحة أم لا؟.

__________________

(١) في (أ) «ويكون». والاثبات من (ج).

(٢) في (أ) «واخشوا». والاثبات من (ج).

(٣) ربيع الثاني.

٤٥٦

فلما كان يوم (١) الخميس تاسع شهر رجب الفرد الحرام : وصل المراسيل ، وأخبروا أن الشريف سعيد وصل بقومه إلى دوقة ، وهي ـ منزلة من مناهل اليمن ـ ، وقصده مكة.

فأرسل الشريف بعض إخوانه إلى مشائخ العربان ، من قريش وثقيف وهذيل وبني سعد ولحيان (٢) وعتيبة وبشر (٣) ، لأجل السير معه ، فوصل إليهم أخو الشريف ، وطلب منهم المشي صحبته. فأجابوا لذلك ، فوصلوا جميعا / وألبسهم الجوخ (٤) على حكم القواعد ، وقال لهم :

«ارجعوا إلى بلادكم». وأوعدهم على وقت (٥). وقال لهم :

«تحضرون عند وصول الداعي إليكم».

فامتثلوا أمره ، وتوجهوا على هذا.

فلما كان يوم السبت ثامن عشر (٦) الشهر المذكور (٧) : دخل مكة أول السيارات (٨) التي طلبهم مولانا الشريف وهم حرب وبشر. وكان

__________________

(١) في (أ) تكرر «يوم» مرتين.

(٢) لحيان بطن من هذيل بن مضر ، وديارهم ما بين مكة ومر الظهران ، وتسمى اللحيانة. عنهم انظر : البلادي ـ معجم قبلئل العرب ٢ / ٤٢٦ ـ ٤٢٧.

(٣) بشر ، بطن من ولد عبد الله من بني عمرو ، ومن مسروح من حرب. ديارهم بين مر الظهران وعسفان. انظر : البلادي ـ معجم قبائل العرب ١ / ٣٧.

(٤) جمعه أجواخ ، وبالتركية جوقة : نسيج من صرف صفيف يكسى به. رينهارت دوزي ـ تكملة المعاجم العربية ٢ / ٣٢٨.

(٥) أي واعدهم على تاريخ معين.

(٦) في النسختين «ثامن عشرين». والاثبات من المحققة لسياق التواريخ فيما بعد.

(٧) رجب.

(٨) في (ج) «السيرات». ومعنى السيارات : القوم يسيرون على الفرقة. وأيضا الجماعة. ابن منظور ـ لسان العرب ٢ / ٢٥٢.

٤٥٧

وصولهم قبل أذان الظهر ، وعرض بهم أحد اخوان الشريف. ولم تزل العربان تجمع من سائر القبائل إلى يوم الثلاثاء إحدى وعشرين الشهر المذكور.

وفيه (١) : برز حضرة مولانا الشريف بآلاي والموكب العظيم ، ومعهم إيواز بيك ، وعسكر مصر ، وعسكره ، ونزل (٢) أسفل بركة ماجن ، وأقام هناك إلى يوم تاسع عشر ، وركب ، وتوجه هو ومن معه إلى الحسينية ، وسبوره (٣) مترادفة البعض خلف البعض ، يأتونه بالأخبار.

فجاء الخبر ، أن الشريف سعيد وصل العابدية يوم تاسع عشر الشهر المذكور (٤).

فلما بلغ قوم الشريف سعيد أن الشريف وصل الحسينية ، وهو قد بلغ غاية القوة والعتلة (٥) ، ومعه الأمير إيواز بيك ، باتوا في العابدية ، وأصبحوا تفرقوا. فبلغ الشريف سعيد ذلك فركب ورجع إلى الشرقية (٦).

ثم سعت الأشراف ، والسيد عبد المحسن ، والسيد سليمان ، والسيد أحمد بن الشريف عبد الكريم والشريف سعيد ، وأخذوا له أجلة ، وجعلوا

__________________

(١) أي في شهر رجب.

(٢) في (أ) «نزلوا». والاثبات من (ج).

(٣) أي عيونه. لأن معنى السبر استخراج الأمر. ابن منظور ـ لسان العرب ٢ / ٨٥.

(٤) رجب.

(٥) غاية القوة والشدة لأن العتلة تأتي بمعنى الحديدة التي يضرب بها. ابن منظور ـ لسان العرب ٢ / ٦٨١.

(٦) سبق تعريفها.

٤٥٨

له في كل شهر ثلاثمائة أحمر وبيشة ، بشرط (١) أن يتوجه إليها ويسكنها ، فوافق على ذلك.

فبعد أيام أرسل إليه الشريف يقول له :

«ارحل إليها على الشرط الواقع».

فاعتذر وتوقف ، فانتقص ذلك المعين ، ولم يتم. وأوعد الشريف الأشراف بمعلوم شهرين [يسلمه](٢) بسرعة لهم (٣) ، وحصل الرضا على هذا.

فرجع مولانا الشريف عبد الكريم إلى مكة ليلة الخميس رابع عشرين الشهر المذكور (٤) ، وبات ببستان (٥) الوزير عثمان حميدان ، هو والسادة الأشراف ، والأمير إيواز بيك وعسكر مصر ، وعسكره ، وسائر العربان.

ودخل صبح يوم الخميس بالآلاي في الموكب العظيم أول النهار ، وجلس في داره السعيدة ، ولم يتخلف أحد من الوصول إليه والسلام عليه ، وهنوه.

واستمر الشريف سعيد في العابدية ، إلى أن دخل شهر رمضان المبارك عليه (٦) وصام هناك ، وأرسل إلى بعض عياله ، وصاموا عنده ، والبعض منهم سلم عليه ورجع ، وكذلك كريمته الشريفة سعدية توجهت

__________________

(١) في (ج) «شرط».

(٢) ما بين حاصرتين من (ج).

(٣) سقطت من (ج).

(٤) رجب.

(٥) في (ج) «في بستان».

(٦) سقطت من (ج).

٤٥٩

إليه ، وسلمت عليه ورجعت وعيد عيد (١) رمضان في العابدية.

وفي سلخ شهر رمضان : وصل أغاة القفطان ، يعقوب أغا تلخصبي باشا مكة ، وطلع إلى حضرة الشريف ، وسلم عليه ، ونزل عند الوزير عثمان حميدان ، وأخروا اللبس إلى رابع العيد (٢).

فلما كان يوم الرابع من شوال : طلعت العساكر والأغوات إلى المحل المعتاد ، وطلع أيضا أغاة القفطان ومعه الأمر السلطاني والقفطان (٣) والسيف المرصع الواصل من حضرة مولانا السلطان (٤) نصره الرحمن ، ونزلوا من أعلى مكة بآلاي والموكب العظيم ، إلى أن وصلوه باب السلام ، ودخلوا المسجد الحرام ، وقد فتح البيت الشريف ، وفرش الحطيم ونزل حضرة الشريف ، والسادة الأشراف ، وشيخ الحرم المكي الأمير إيواز بيك ، وقاضي الشرع الشريف ، والمفتيون والعلماء والفقهاء ، وجمع من أعيان أهل المدينة المنورة ومفتيها وخطباؤها ، لأن هذا العام غالب أعيانهم أقاموا بمكة.

فألبس مولانا الشريف الفرو السمور بالخلعة الشريفة ، وتقلد بالسيف المرصع / الهنكاري ، وألبس هو من عنده ستة من الأفرية السمور ، السيد يحيى بن بركات ، والأمير إيواز بيك ، وقاضي الشرع ، والشيخ محمد الشيي ، وأغاة القفطان ومصطفى أفندي ديوان كاتب ، وألبس أربعة من الأفرية القاقم (٥) ، ألبس المفتي تاج الدين القلعي ، ومفتي

__________________

(١) أي عيد الفطر.

(٢) أي الرابع من شوال.

(٣) في (أ) «إلى القفطان» لا يستقيم المعنى. فأثبتنا ما جاء في (ج).

(٤) هو السلطان أحمد الثالث.

(٥) في (أ) «القائم». والاثبات من (ج).

٤٦٠