منائح الكرم في أخبار مكة والبيت وولاة الحرم - ج ٥

علي بن تاج الدين بن تقي الدين السنجاري

منائح الكرم في أخبار مكة والبيت وولاة الحرم - ج ٥

المؤلف:

علي بن تاج الدين بن تقي الدين السنجاري


المحقق: الدكتورة ملك محمد خياط
الموضوع : التاريخ والجغرافيا
الناشر: جامعة أم القرى
الطبعة: ١
ISBN الدورة:
9960-03-366-X

الصفحات: ٥٨١

أن مصر رخاء وسخاء وأمن وأمان ـ لله الحمد ـ.

وفي هذا الشهر أيضا : وصل بعض عرب عترة ، وأخبروا أن الحاج الشامي وصل إلى بلده بالسلامة ، إلا أنه تحير في المدينة المنورة ، وجلس إلى إحدى وعشرين صفر ، والسبب لذلك على ما قيل :

أنه في إيابه إلى مكة ، حيره (١) عرب عترة أربعة أو خمسة أيام في العلا (٢) ، وأخذوا من صرّ سنتين اللتين مضتا في زمن خاله بيرم أغلى وسنته هذه ، وأنه مسك منهم ستة أنفار ، ووضع فيهم الحديد ، ووصل بهم إلى المدينة المنورة ، وحبسهم في القلعة إلى أن حج ورجع. فوجد جماعة من عترة قد وصلوا إلى الجرف (٣) ـ طرف المدينة ـ. فخرج شيخ حرمها وأغوات العسكر ، وأصلحوا بينهم ، وكتبوا على العرب حجة بأنه ما يقع منه شيء من الضرر على الحجاج ، ولا يعترضوا أحدا منهم ، فتم الأمر على ذلك وتوجه بالسلامة.

فهذا هو السبب المحير له على ما يروى ـ والله أعلم بحقيقة الحال ـ.

وفي يوم الجمعة سادس عشر ربيع الآخر : وصل بعض عسكر الشريف إلى مكة ، واستمر البعض عنده.

وفي هذا الشهر (٤) : تشكى الشريف (٥) بعض كل ، ولحقه شدة ،

__________________

(١) في الأصل «حيروه».

(٢) سبق تعريفها.

(٣) موضع على ثلاثة أميال من المدينة نحو الشام. انظر ياقوت الحموي ـ معجم البلدان ١ / ١٢٨ ، البلادي ـ معجم معالم الحجاز ١ / ١٤٠ ـ ١٤٣.

(٤) الشهر ربيع الآخر.

(٥) في (ج) «حضرة الشريف». والشريف هو عبد الكريم بن محمد.

٤٢١

[ثم](١) منّ الله عليه وحفّه باللطف ، فحصل الشفا ـ لله الحمد والمنة ـ.

ودخل شهر جمادي الأولى والثانية وهو بالطائف. واستمر الأمير إيواز عنده نازلا في المثنى (٢) ببستان السيد أحمد بن سعيد ، ببعض مماليكه وعسكره وأتباعه على مائها (٣) ومرعاها ، والجميع في أوج الأنس الماكن والتنزة في الجنان والمآثر وسائر تلك الأماكن.

ودخل شهر رجب الفرد الحرام :

ولما كان يوم الأربعاء الخامس ، منه : رحل الصنجق من الطائف هو ومن معه من المماليك والعساكر والأتباع ، وخرج لخروجه بعض السادة الأشراف ، ومشوا معه إلى خارج البلاد ، ثم رجعوا وأخذ (٤) طريق اليمانية (٥) ، واجتمع بمولانا السيد زين العابدين بن إبراهيم في نبا ـ وهو على مرحلة من الطائف إليها ـ ومشوا صحبته إلى مكة.

وفي يوم الأحد تاسع الشهر المذكور : دخل الأمير إيواز بيك في موكب عظيم ، وقدامه عساكره وأتباعه ، وأغوات السبع بلكات ، إلى أن وصل داره وجلس للناس ، فأتاه السادة الأشراف والعلماء والفقهاء ،

__________________

(١) ما بين حاصرتين من (ج).

(٢) في النسختين «المثنى». وهي المثناة من واد مج جنوب الطائف ، وكانت للمثناة عين جارية يضرب بها المثل في تدفق المياه ، والغزارة ، فأجريت لسقي الطائف ، وهي للأشراف ذوي غالب ، وكانت تعتبر من قرى الطائف. أما اليوم فهي حي من أحياء الطائف. البلادي ـ معجم معالم الحجاز ٨ / ٢٢ ، حمد الجاسر ـ المعجم الجغرافي ٣ / ١٢٥٧.

(٣) في (أ) «ماها». وفي (ج) «ماءها». والتصحيح من المحققة.

(٤) في (أ) «وأخذوا». والاثبات من (ج).

(٥) أي طريق النخلة اليمانية المعروف الآن بطريق السيل.

٤٢٢

وسائر أرباب المناصب والوظائف ، وسلموا عليه ، واستمر بمكة.

ولما كان يوم الخميس سابع عشرين الشهر : وصل مورق من جدة إلى الصنجق ، يخبره بأن واحدا من أتباعه وصل صحبة المراكب (١) ، ومعه كتب مضمونها :

«أن أخبار مصر سارة ، قارة ، وأمن ، وأمان ، وسخاء ، ورخاء». ـ لله الحمد والمنة ـ.

وفي يوم الأحد ثاني عشرين شهر شعبان : وصل نجاب ، وأخبر :

أن القفطان الوارد لحضرة الشريف ، ورد مصر صحبة الأغا.

وأخبر أيضا بأن محمد باشا (٢) عزل عن مصر ، وتولى علي باشا ، وأن أخبار مصر سخاء ، ورخاء ، وأمن ، وأمان (٣).

وفي رابع عشر الشهر المذكور : شدّ الأمير إيواز بيك من مكة ، وتوجه إلى بندر جدة المعمورة.

ثم دخل شهر رمضان المعظم.

وفي يوم الأربعاء سادس عشر الشهر سنة [١١١٨](٤) ألف ومائة وثمانية عشر : / وصل الشيخ تاج الدين القلعي من اسطنبول متوليا الإفتاء ، وكان وصوله ظهر اليوم المذكور ، جاء على مصر ، ومنها إلى

__________________

(١) تكرر لفظ المراكب مرتين في (أ).

(٢) محمد رامي باشا تولى مصر سنة ١١١٦ ه‍ إلى سنة ١١١٨ ه‍ ، تولى الصدارة ثم انفصل عنها ، وتولى قبرص ثم مصر. أحمد زيني دحلان ـ تاريخ الدول الاسلامية ١٠٧.

(٣) كناية عن استقرار الأوضاع في مصر.

(٤) ما بين حاصرتين من (ج).

٤٢٣

ينبع صحبة المراكب ، [ثم طلع](١) واستعمل لنفسه نجابا ، ومشى من ينبع (٢) إلى مكة في ثلاثة أيام ، وظهر يوم الرابع وصل مكة ، وطاف وسعى ، ثم توجه إلى مولانا الشريف السيد علي بن أحمد قائم مقام حضرة الشريف ، وبيده الأمر السلطاني المتضمن :

عزل المفتي عبد القادر عن الإفتاء وتوليته (٣).

فبعد أن وقف عليه قائم مقام الشريف ، أرسل صحبته بعض جماعته إلى القاضي ، وأشرفوه على الأمر ، وسجله في المحكمة.

وهذا انعكاس الزمان ، فما شاء الله كان وما لم يشأ (٤) لم يكن ، واليه المشتكى وهو المستعان.

وفي غرة شهر شوال : وصل نجاب من مصر المحروسة والناس في صلاة العيد ، وتوجه رفيق النجاب إلى جدة بمكاتيب الأمير إيواز بيك ومضمون الكتب :

«أن قفاطين حضرة الشريف وصلت مصر صحبة الآغا ، وأن البلاد أمان وسخاء ورخاء ـ لله الحمد والمنة».

وفي يوم الأحد حادي عشر الشهر المذكور : وصل مولانا الشريف

__________________

(١) ما بين حاصرتين من (ج).

(٢) في (ج) «الينبع».

(٣) السبب في هذا العزل هو الخلاف الذي حصل بين الشيخ تاج الدين القلعي ، والمفتي عبد القادر الذي ذهب بسببه تاح الدين إلى اسطنبول وأخذه أمر الإفتاء. انظر : أحمد زيني دحلان ـ خلاصة الكلام ص ١٥٩.

(٤) في (ج) «يشاء». وهذه العبارة تدل على عدم رغبة السنجاري بالمفتي الجديد.

٤٢٤

عبد الكريم ، هو ومن معه ، من السادة الأشراف والعساكر والعبيد والأتباع (١) ، المنحنى ، ونزل بستان (٢) الوزير عثمان حميدان ، واستمر إلى بعد المغرب ، ونزل المسجد ، وطاف وسعى ، وتوجه إلى بيته ، وسلم على والدته الشريفة ، وعلى أهله ، وعاد إلى البستان.

وأصبح يوم الاثنين لم يتخلف أحد من الوصول والسلام عليه وعلى من معه من السادة الأشراف.

واستمر يومين. ويوم الأربعاء عاشر الشهر المذكور : دخل البلد بالآلاي في الموكب العظيم ، ومعه السادة الأشراف والعساكر إلى بيته.

وفي يوم الأحد ثامن عشر الشهر (٣) : وصل الأمير إيواز بيك من جدة ، وسلم على مولانا الشريف ، ثم وصل إليه ثانيا ، واجتمع به لأجل مصالح أخرى ، واستمر بمكة إلى ثاني شهر ذي القعدة ، ونزل جدة.

ودخل موسم هذه السنة (٤).

وفي يوم الأحد غرة ذي الحجة الحرام : وصل الصنجق من جدة.

وفي هذا الموسم : وصل أغاة القفطان صحبة الحاج الشريف المصري برا ، وقد تقدم قريبا أنه وصل مصر في شعبان ، واستمر فيها إلى زمن الحج ، ومشى صحبته ، وهو رجل عظيم في غاية الوقار والاحترام من أركان الدولة العلية ، واسمه محمد أغا ، خاص سجي (٥) باشا سابقا.

__________________

(١) في (ج) تكرر لفظ الأتباع مرتين.

(٢) في (ج) «ببستان».

(٣) في (ج) «ثامن عشر شوال». أي موسم الحج.

(٤) ١١١٨ ه‍.

(٥) في (ج) «سمى».

٤٢٥

وفي رابع ذي الحجة الحرام دخل مكة بالآلاي والموكب الأعظم من الحجون ودخل الحرم ، وقد فتح البيت الشريف وفرش الحطيم ، وجلس حضرة الشريف ، والسادة الأشراف ، والقاضي ، والمفتيون ، والعلماء ، والفقهاء ، وشيخ الحرم المكي.

ووصل الصنجق من جدة في هذا الموسم الأمير إيواز بيك ونائب الحرم ، وكل من له عادة في الحضور ، ووصل الأغا ، وألبس حضرة الشريف القفطان السلطاني ، وتقلد بالسيف المرصع الوارد صحبة القفطان من الدولة العلية ، وألبس الشريف (١) أغاة القفطان فروا سمورا ، وألبس الصنجق فروا سمورا ، وألبس كل من له عادة في اللبس على ما جرت به العادة من القوانين ، وقرئ (٢) المرسوم السلطاني ، وكان القارئ له صاحبنا الشيخ عباس المنوفي ، ومضمونه :

[بعد](٣) الدعاء ، والثناء ، والوصاية على السادة الأشراف ، والحجاج ، والزوار ، والرعايا والتجار :

«يكون في معلومكم أن الحجة والمحضر (٤) المرسلة من طرف أهالي / ٣٧٣ مكة المشرفة وصلت ، وبعدها وصل / أيضا من طرفكم (٥) ، مكتوب بالصداقة مصحوب ، وعروضات إلى باب دولتنا ، فعرض على سرير سعادتنا خلاصة مفهومها ، فاستدلينا بذلك على حسن سيرتكم ، وصفاء

__________________

(١) في (ج) «وألبس أغاة».

(٢) في النسختين «قرأ».

(٣) ما بين حاصرتين من (ج).

(٤) المحضر الذي أرسله الأشراف مع الوزير سليمان باشا المتقدم ذكره.

(٥) في (ج) «وصل من طرفكم أيضا». تقديم وتأخير. وفي (أ) تكرر لفظ «من» مرتين.

٤٢٦

طويتكم وسريرتكم».

وأطنب بعد هذا في المرسوم غاية الإطناب ، ثم بعد زيادة الاعتناء واللطف والتعطف ، ذكر :

«قد وجهنا إليكم جميع ما طلبتم ، ومن جملة ذلك ما كان متعينا من طرف متصرفي بندر جدة للشريف سعيد ، وهي الأربعون كيسا ، وما كان أيضا معينا لجوهر تابع المشار إليه خمسة أكياس من عشور سفائني الهند ، يكون مجموعه خمسة وأربعون كيسا ، تستعينون بها على مصالحكم وتقوية أمركم ، عناية منا بكم ، وإحسانا إليكم.

وقد أرسلنا إلى شيخ الحرم المكي وصنجق جدة قدوة الأمراء ، عرض دام مجده وعزه بالأمر ، وأنهينا إليه في دفع المبلغ المرقوم إليكم في كل سنة بسنتها تستلمون ذلك منه ، ومن كل متصرف على بندر جدة ، وتصرفونه في مصالحكم».

إلى آخر ما ذكر في المرسوم.

ولما كان يوم الخامس من ذي الحجة : دخل الحج المصري مكة.

وفي هذا الموسم : حج إيواز الكبير الوزير والد الصدر الأعظم علي باشا صاحب جدة.

ويوم ستة : عرض الشريف على جري عادته بالآلاي الأعظم (١) والموكب وتوجه إلى المحل المعتاد للقاء الأمراء ، ولبس القفطان الوارد صحبة أمير الحاج غيطاس بيك.

ويوم ثمانية (٢) : كذلك لأمير الحاج الشامي ، وركب بالآلاي

__________________

(١) من (ج) «الآلاي والموكب».

(٢) في (ج) «ثمان».

٤٢٧

والموكب المعتاد ، ولبس القفطان الوارد معه. وكان أمير الحاج في هذا الموسم [الوزير](١) سليمان باشا صاحب جدة سابقا ، والوقائع المتقدم ذكرها في السنين الماضية (٢).

ورجع الشريف إلى بيته ، ودخل سليمان باشا بالمحمل والآلايات (٣) من الحجون على القانون (٤).

ثم طلع الشريف ، وحج بالناس على عادته ، وكانت الوقفة بالسبت.

فلما كان بعرفة ، وذلك المجمع في الموقف [الشهير](٥) العظيم ، وأرادوا النفر ، حصل بين المحملين (٦) مشاجرة في التقدم وعدمه ، أوجبت المراماة (٧) بالرصاص مع أن القانون القديم أن التقدم لأمير الحاج المصري (٨) ، وفي هذا الزمان طلب باشات الشام الزائد المخلّ بالقواعد ، بسبب (٩) هذا يقع الفساد والفزع للعباد في مثل هذا الموقف الذي يأمن فيه الخائف.

ـ نسأل الله اللطف في جميع الأمور ، ولزوم الأدب مع الأمراء

__________________

(١) ما بين حاصرتين من (ج).

(٢) من سنة ١١١١ ه‍ إلى سنة ١١١٨ ه‍.

(٣) في (أ) «الآلات». والاثبات من (ج).

(٤) أي على حسب ما كان من عادات وتقاليد أخذت بمرور الوقت صفة القانون.

(٥) ما بين حاصرتين من (ج).

(٦) الشامي ، والمصري.

(٧) في الأصول «المرامات».

(٨) عن هذا انظر : الطبري ـ اتحاف فضلاء الزمن ٢ / ١٧٣.

(٩) في (ج) «فيسبب».

٤٢٨

والمأمور ـ.

ثم لما رأى حضرة الشريف ذلك ، أرسل للأشراف ، وفرق البعض منهم إلى الأمراء لتسكين الفتنة ، والبعض منهم لحفظ الحجاج الذين تجرعوا كؤوس (١) المشقات ، حتى وصلوا إلى الجهات ، [وتخلف هو بنفسه عن معتاده في النفر إلى بعد العشاء](٢) وهو واقف بعرفة في موقفه ، فسكنت الفتنة.

ثم توجه الشريف وأبقى بعض الأشراف في الموقف ، إلى أن شد الحاج كله ، ولم يبق من أهل مكة أحد ، فإنهم يتأخرون عادة عن الحجاج ، فجزاه الله خيرا (٣) عن المسلمين.

وفي هذا الشهر : وصلت المراكب الهندية إلى بندر جدة وعدتها سبعة.

فلما كان يوم الجمعة ثالث عشر ذي الحجة : أتم الأمير إيواز بيك نسكه ، وأراد النزول إلى جدة لينجل المراكب الواردة لأجل تدارك الموسم ، فتعرض له عسكر سليمان باشا ، ومنعوه من النزول ، فأرسل لأمير الحاج غيطاس بيك أن يحضر هو وعسكره وجماعته ، فتوجه إليه بكامل أتباعه ، ووصلوا إلى الشريف وعرفوه بالواقع ، وطلبوا الباشا يحضر مجلس القاضي / لأجل سماع الدعوى عليه ، ولأي شيء منع الوزير / ٣٧٤ إيواز بيك من نزوله جدة ، وقامت الغوغاء.

__________________

(١) في (ج) «كووس».

(٢) ما بين حاصرتين سقطت من (أ). والاثبات من (ج).

(٣) في (ج) «فجزاه الله عن المسلمين خيرا». تقديم وتأخير هذا الخبر يوضح اعجاب السنجاري بحكمة الشريف عبد الكريم في حل هذه المشكلة.

٤٢٩

فأرسل حضرة الشريف والمفتي والشيخ الشيي ، وجماعة آخرين إلى الباشا يعرفهم بمطلوب الصناجق ، وأن القصد من ذلك الصلح والتوفيق من الجميع ، واستماع الدعوى.

فتكررت الرسل إليه بذلك ، إلى أن وافق ، وأرسل وكيلا عنه في سماع الدعوى سقي باشا (١).

فأرسل حضرة الشريف ، وأحضر عنده قاضي الشرع ، وأمين الصرة ، وأغا القفطان ، والمفتيين ، وبعض العلماء ، وحضر عمر أغا بن نعمة الله أغاة الإنقشارية وكيلا عن شيخ الحرم المكي إيواز بيك ، وحضر أغاة المتفرقة مصطفى آغا وكيل الباشا ، وأرادوا الدعوى عليه فامتنع وعزل نفسه عن الوكالة. وقال :

«صاحب الدعوى الباشا ، فأرسلوا إليه يحضر إليكم».

فأرسلوا إليه ، وعرفوه بالواقع.

فأرسل يقول لهم :

«معي أمر سلطاني بمحاسبة إيواز بيك فأرسلوه [إليّ](٢) يحاسبني».

فامتنع الصنجق من ذلك ، وقال :

«بل ينزل إلى مجلس القاضي ويسمع الدعوى».

واستمروا في القيل والقال وعدم الوفاق ، من ثالث عشر ذي الحجة إلى تاسع عشرة.

ثم وفق بينهم حضرة الشريف على أمر ارتضاه الجميع ، وحصل

__________________

(١) سقي باشا السابق ذكره.

(٢) ما بين حاصرتين من (ج).

٤٣٠

الصلح. لله [الحمد](١) والمنة.

ففي ليلة تاسع عشر ذي الحجة : توجه الأمير (٢) إيواز بيك إلى جدة ، ونزل صحبته كل من له حاجة إلى جدة في المراكب.

ولذلك حصل الصلح بين الباشا وأمير الحاج غيطاس بيك ، وركب كل منهما ، وأتى صاحبه وأزالوا ما كان في النفس ، وتهادوا وصفيت الخواطر ـ لله الحمد والمنة ـ.

وفي يوم الجمعة عشرين من ذي الحجة : نزل الباشا [من](٣) طوى بجميع أثقاله وعسكره ، وبات هو في البلد ، وأصبح توجه إلى طوى ، وجلس يومين ، ثم رحل.

وفي يوم الخميس سادس عشرين الشهر المذكور : وصل الأمير إيواز بيك من جدة ، واجتمع هو وحضرة الشريف وقاضي الشرع وأمير الحاج غيطاس بيك ، ووالد الوزير (٤) في مقام الحنبلي ، وأرسلوا للشيخ محمد الشيي وفتح الكعبة الشريفة ، وأشرفوا على ما يحتاج (٥) إليه من العمارة والترميم في الخشب وغيره.

وفي يوم السبت ثامن (٦) عشرين الشهر : رحل الحج المصري [بالسلامة].

__________________

(١) ما بين حاصرتين من (ج).

(٢) في (ج) تكرر «توجه الأمير» مرتين.

(٣) ما بين حاصرتين من (ج).

(٤) إيواز الكبير والد الوزير علي باشا.

(٥) في (ج) «تحتاج».

(٦) في ثاني. والاثبات من (ج) للسياق.

٤٣١

وفي هذا الموسم : توجه بهدية مولانا الشريف إلى الدولة العلية يوسف أفندي شيخ القراء صحبة الحاج المصري) (١).

__________________

(١) ما بين حاصرتين من (ج).

٤٣٢

ودخلت سنة ١١١٩ تسع عشرة ومائة وألف :

وكان غرة محرم الحرام بالاثنين (١).

وفي يوم الأربعاء سابع عشر : وصل مورق لحضرة [مولانا](٢) الشريف من المدينة المنورة في مسك رجلين من أهلها. والسبب في ذلك : أن شيخ الحرم ورد إليه فرمان سلطاني بوضع الشمامة في الحجرة الشريفة ، لأن حين أرسلها شاه العجم (٣) امتنعوا من وضعها. فلما بلغ الشاه ذلك ، أرسل إلى السلطنة العلية ، وجعل الشمامة هدية منه إليهم ، والتمس منهم أن يضعوه في الحجرة (٤) المطهرة الشريفة باسمهم ، فأرسلوا هذا الفرمان بالإذن في وضعها.

فاجتمع علماء المدينة وخطباؤها (٥) وأكابرها ، وشيخ الحرم المتولي حالا ، محمد آغا ، والمعزول أحمد آغا ، وقاضي الشرع المتولي ، والمعزول ، والوزير سليمان باشا أمير الحج الشامي ، وغيطاس بيك أمير الحج المصري ، وجمع من المسلمين ، وقرئ الفرمان بحضرة ذلك الجمع.

فبعد تمام القراءة أخذ خازندار الحرم المفاتيح ، وفتح قبة الزيت ، وأخرج الصندوق الذي وضعت فيه / تلك الشمامة ، وفتحوه ، فوجدوه خاليا ، فتعجب الحاضرون من ذلك ، وحصل لهم غاية التعب ، لأنها

__________________

(١) مطموسة في (أ). والاثبات من (ج).

(٢) ما بين حاصرتين من (ج).

(٣) شاه العجم في هذه الفترة كان الشاه حسين الأول ١١٠٥ ـ ١١٣٥ ـ وهو من الدولة الصفوية. محمود شاكر ـ التاريخ الاسلامي ٨ / ٣٨٩.

(٤) في (ج) تكررت الحجرة مرتين.

(٥) في (أ) «من خطبائها». والاثبات من (ج).

٤٣٣

مقومة بمال كثير ، نحوا من أربعين ألف أحمر ، لكونها مرصعة بالفصوص من الألماس واليواقيت وسائر أنواع الجوهر ، ولها قوائم من الذهب وجوفها مملوء من العنبر ، وهي في غاية الصنعة والحكمة.

ونسبوا شيخ الحرم (١) إلى التقصير في حفظ مهمات الحرم النبوي ، وشاع هذا الأمر عند الخاص والعام ، فأتى بعض الناس إلى شيخ الحرم ببعض فصوص من الياقوت والألماس وقال له :

«أنظر هذه الفصوص لعل فيها شيء من فصوص الشمامة ، فإني اشتريتها من فلان أغا تابع الخزندار».

فلما علم الأغا البائع لهذه الفصوص أن الأمر انكشف ، اختفى جهة العوالي (٢).

فمسكوا اثنين من أصحابه ، وقرروهم ، فأقر أحدهما (٣) بأن الأغا الذي باع الفصوص اختفى بالمحل الفلاني بالعوالي ، فمسكوه ، وأتوا به إلى شيخ الحرم ، فأوجعوا الجميع ضربا ، فأقروا :

«بأننا أربعة أنفار الذين (٤) فعلنا هذا الأمر (٥) اثنان من الأغوات ، واثنان من المستورين ، وسموهم له ، وأن هذا الفعل وقع في العام الماضي

__________________

(١) شيخ الحرم محمد أغا.

(٢) وهو جمع العالي ضد السافل وهو ضيعة بينها وبين المدينة أربعة أميال ، وقيل ثلاثة. ياقوت الحموي ـ معجم البلدان ٤ / ١٦٦. ويذكر البلادي ـ معجم معالم الحجاز ٦ / ١٨٥ ـ ١٨٦ أنها أعلى المدينة حيث يبدأ وادي بطحان الذي يسمى اليوم أبو جيدة وهي أراضي زراعية. واليوم هي جزء كبير من المدينة المنورة.

(٣) في النسختين «أحدهم». والتصحيح من المحققة.

(٤) في (ج) «الذي».

(٥) في (أ) «واثنان». والاثبات من (ج) للسياق.

٤٣٤

في زمن الموسم ، حين مكث عبد الرحمن باشا أمير الشامي ، وطال جلوسه وتحيره في البلد نحو شهر زمان ، فجعلنا مفتاحا (١) لقبة الزيت ، ومفتاحا للصندوق الذي فيه الشمامة ، لأن أبواب الحرم مدة إقامة الحاج بالمدينة مفتحة بالليل والنهار. هذا هو السبب.

فأرسل مولانا الشريف واجتهد في إحضار الرجلين ، فأحضرهما بين يديه ، وقررهما ، ثم أرسلهما إلى قائده (٢) الحاكم القائد هتان بن مطر ، فشدد عليهما ، فأقرا (٣) ، ووجدا عندهما جانبا من الفصوص ، فجمعها (٤) حضرة الشريف وربطها (٥) بحضرة القاضي ، وختمها سيد الجميع بختمه.

ثم لما كان يوم السبت سابع عشر الشهر المذكور (٦) : أرسل الرجلين والحديد في أعناقهما (٧) ، صحبة المرسول الذي جاء في طلبهما ، وأرسل معه ما تحصل من الفصوص إلى شيخ الحرم محمد أغا.

وقد كانوا كتبوا محضرا وأرسلوه إلى الأعتاب العلية بتعريف الواقع ، فجاءهم الجواب في شهر رجب من هذه السنة بعزل شيخ الحرم والنائب وحبسهما.

__________________

(١) في (ج) «مفتاح».

(٢) في (ج) «أرسلهما إلى حائمه القائد هتان بن مطر».

(٣) في (أ) «فأقروا». والاثبات من (ج).

(٤) في النسختين «فجمعهما». والصواب ما أثبتناه.

(٥) في (أ) «ربطهما». والاثبات من (ج).

(٦) محرم.

(٧) في (أ) «أرسل الرجلين في الحديد في أعناقهما». والاثبات من (ج).

٤٣٥

ولمولانا السيد عمر (١) ابن مولانا السيد علي السمهودي مفتى السادة الشافعية بالمدينة المنورة رسالة مستقلة (٢) في هذه الواقعة.

وفي يوم الثلاثاء ثاني (٣) عشر شهر صفر الخير : وصلت المراكب الهندية إلى بندر جدة ، ووصلت الأخبار بصحبتها ، بأن أورنك زيب (٤) سلطان السند انتقل إلى رحمة الله تعالى ، ثامن عشر شهر ذي القعدة من السنة التي قبلها (٥). وجلس مكانه في التخت ابنه الأكبر عالم شاه ، وكان والده ـ سامحه الله ـ في غاية من الزهد والورع من أهل السنة والجماعة ، مكث في السلطنة زهاء من خمسين سنة وله حسنات وخيرات ومرتبات لأهل الحرمين الشريفين جارية إلى الآن (٦) ، تغمده الله برحمته ورضوانه ، وأسكنه أعلى فراديس جنانه (٧) بمنه وكرمه آمين ـ.

وخلف من الأولاد الذكور ثلاثة : عالم (٨) وأعظم شاه (٩) ، وكم

__________________

(١) هو السيد عمر بن علي السمهودي. ولد بالمدينة سنة ١٠٨٥ ه‍. كان فاضلا ، أديبا ، واماما وخطيبا. توفي سنة ١١٥٧ ه‍ بالمدينة. مؤلف مجهول ـ تراجم أعيان المدينة المنورة في القرن ١٢ الهجري ص ٤٦.

(٢) الرسالة التي يذكرها السنجاري ليست للسيد عمر. وانما هي للسيد محمد علي المدني السمهوري. وهي رسالة في قصة شمامة في قنديل وسماها كسر الشمامة. مؤلف مجهول ـ تراجم أعيان المدينة ١٢٤.

(٣) في (ج) «عشرة شهر صفر».

(٤) في النسختين وردت «أرنق زيب». وهو صحيح ، وسبق التعريف به.

(٥) في (ج) «السنة التي قبل هذه» وهي سنة ١١١٨ ه‍.

(٦) أي إلى وقت زمن المؤلف سنة ١١٢٥ ه‍.

(٧) في (ج) «الجنان».

(٨) وهو المعروف بالشاه علم بهادر. وهو أكبر أبناء السلطان أورنك زيب. واستطاع أن يقضي على أخويه وينفرد بالعرش إلى حين وفاته. انظر : أحمد محمود الساداتي ـ تاريخ المسلمين في شبه القارة الهندية ٢ / ٢٠٢ ـ ٢٠٣.

(٩) أعظم شاه هو الذي نادى بنفسه سلطانا بمالوه عقب وفاة والده. وقضى عليه

٤٣٦

بخش (١).

فعالم شاه (٢) تولى بعد جلوسه في مكان أبيه بأشهر ، ركب على أخويه فقتلهما. وهو وأعظم شاه في غاية من الرفض والمخالفة لأهل السنة والجماعة.

وأما الثالث وهو كم بخش (٣) ففي غاية من العلم والزهد والورع ، ومحب للعلماء من أهل السنة (٤) والجماعة ـ فرحمه‌الله ، وسبحان الحي الذي لا يموت أبدا ، وهو الفعال لما يريد ـ.

وفي يوم الثلاثاء سابع عشرين ربيع الأول : تفرق ستة من الأشراف من ذوي عبد الله وتعرضوا في هذا اليوم / لحمارة الطائف في عرفة وأخذوهم.

فجاء الخبر لحضرة الشريف نصف الليل ، ففزع من ساعته هو والأشراف ، وتخلف السيد سليمان بن أحمد لحفظ البلد ، فأدركهم الشريف ، وقطع رؤوس ثلاثة من جماعتهم ، ورد جميع ما أخذوه ، وأرسل بالرؤوس المقطوعة إلى مكة للأمير إيواز بيك.

ودخل الأشراف الفعالة على السيد عبد المحسن بن أحمد ، فأدخلهم.

__________________

أخوه علم بهادر شاه في معركة قرب أكرا. أحمد محمود الساداتي ـ تاريخ المسلمين في شبه القارة الهندية ٢ / ٢٠٢.

(١) في (ج) «كيرم بخش». وكم بخش هو الذي نادى بنفسه سلطانا على بيجابور لكن أخاه علم بهادر أسره ومات في الأسر. انظر : أحمد محمود الساداتي ـ تاريخ المسلمين في شبه القارة الهندية ٢ / ٢٠٢ ـ ٢٠٣.

(٢) في (ج) «المتولي بعد جلوسه».

(٣) في (ج) «كريم بخش».

(٤) سقطت من (ج).

٤٣٧

وأصبح ثاني يوم دخل حضرة الشريف مكة عند المغرب.

وفي هذا اليوم وهو يوم الثلاثاء المذكور : ورد نجاب من مصر المحروسة ، ووصلت صحبته مكاتيب للناس ومضمونها :

«إن إسماعيل بيك دفتر دار مصر انتقل إلى رحمة الله تعالى في شهر محرم الحرام من هذه السنة (١) ، وأقاموا مكانه الأمير إيواز بيك ، إلى أن يأتي خبر الدولة العلية بإنعامهم لها على من أرادوه.

وأخبروا أن مصر في غاية الرخاء والأمن والأمان (٢) ـ لله الحمد والمنة ـ.

وفي يوم الجمعة عشرين في جمادى الأولى :

«ورد أيضا نجاب من مصر المحروسة إلى [الأمير](٣) إيواز بيك وصحبته مكاتيب للتجار والوكلاء مضمونها :

«إن البن في هذا العام كاسد ، فلا ترسلوا منه شيئا.

والسبب في ذلك أنه ورد فرمان سلطاني مضمونه :

أن لا يباع البن على الفرنج بمصر.

فامتنع (٤) التجار من البيع عليهم ، فهذا هو الموجب لكساده».

وفي يوم الأحد ثامن عشر جمادى الآخرة : دخل الشريف سعيد

__________________

(١) ١١١٩ ه‍.

(٢) نلحظ هنا أن السنجاري أراد أن يعبر بطريقة غير مباشرة إلى العلاقات أو الصلات التي كانت بين إقليم الحجاز ومصر. فهو عندما يذكر هدوء واستقرار الأوضاع في مصر يشير إلى أن هذا سوف ينعكس أثره على الحجاز من حيث الأموال والصدقات وغير ذلك.

(٣) ما بين حاصرتين من (ج).

(٤) في الأصل" فامتنعوا».

٤٣٨

الطائف ضحوة النهار ، فطلب الضيفة من أهلها ، فجمعوا له شيئا وقدموه له ، ومسك (١) جماعة من أهل الطائف وأهل مكة ، وأخذ منهم جانبا من الدراهم.

فبلغ الشريف ذلك.

ففي يوم الثلاثاء سابع عشر رجب : برز إلى المنحنى في بستان الوزير عثمان حميدان قاصدا الطائف لمدافعة الشريف سعيد.

وفي يوم الأحد عشرين في رجب : ورد مورق من المدينة المنورة ، يخبر أن يوم ثاني عشر الشهر المذكور وصل إليها قايقجي من الأعتاب العلية ، وصحبته فرمان سلطاني مضمونه :

«عزل شيخ الحرم ونائبه وحبسهما (٢)».

واجتمع القاضي وأغوات العسكر وأكابر أهل المدينة ، وقرأوا الفرمان.

فبعد القراءة عزلوهما ، وحبسوهما ، وأقاموا مقامهما اثنين من الأغوات إلى أن يصل المتولي من السلطنة العلية.

واستمر شيخ الحرم المعزول ونائبه في الحبس إلى سنة ١١٢٢ ألف ومائة واثنين وعشرين ، فجاءهم العفو صحبة باشة جدة إبراهيم باشا ، فأطلقوهما.

وفي يوم الأربعاء تاسع عشرين رجب : ورد نجاب من مصر المحروسة لحضرة الشريف عبد الكريم بمكاتيب ، مضمونها :

__________________

(١) في (ج) «مسكه».

(٢) عزل شيخ حرم المدينة ونائبه بسبب سرقة الشمامة السابق ذكرها.

٤٣٩

«ان جميع ما أرسلتم (١) في طلبه من السلطنة العلية ، تم (٢) وفق المراد ، وأن المراسيم السلطانية وصلت إلى مصر صحبة أغاة القفطان مصطفى أغا قايقجي باشا أحد أركان الدولة العلية ، وهو رجل كبير في غاية من الرئاسة والوقار.

وأخبر أيضا أن إبراهيم بيك (٣) الكبرلي أمير الحاج سابقا ، أنعم عليه حضرة السلطان بالدفتر دارية فصار دفتر دار مصر ، وعزل أيوب بيك عنها ، لأنه كان قائم مقام إلى أن يصل خبر من السلطنة.

وأخبر أيضا أن سليمان باشا عزل عن الشام ، وأعطى بلدة تسمى وان (٤) ، وهي آخر مملكة العثمنلي مما يلي بلاد العجم.

وأن الشام صارت ليوسف باشا ، وإمارة الحج الشامي لحسن باشا ابن القواس.

وأخبر أيضا أن السيد يحيى باشا بن الشريف بركات جاءه أمر سلطاني بالإذن بالتوجه إلى مكة ، حكم ما طلبتم في عرضكم /».

ووصل صحبة هذا النجاب مكاتيب للشيخ تاج الدين القلعي مضمونها :

«انك عزلت عن الإفتاء».

وتولاها المفتي عبد القادر بن أبي بكر أفندي بعرض حضرة

__________________

(١) أي ما أرسلتم في طلبه. في الأصل «ارسلتوا».

(٢) في (ج) «تم فوق وفق».

(٣) في (ج) «ابراهيم الكبرلي».

(٤) نسبة إلى بحيرة وان والتي يذكر ياقوت الحموي ـ معجم البلدان أنها قلعة بين خلاط ونواحي تفليس من عمل قاليقلا. ياقوت الحموي ـ معجم البلدان ٥ / ٣٥٥.

٤٤٠