منائح الكرم في أخبار مكة والبيت وولاة الحرم - ج ٥

علي بن تاج الدين بن تقي الدين السنجاري

منائح الكرم في أخبار مكة والبيت وولاة الحرم - ج ٥

المؤلف:

علي بن تاج الدين بن تقي الدين السنجاري


المحقق: الدكتورة ملك محمد خياط
الموضوع : التاريخ والجغرافيا
الناشر: جامعة أم القرى
الطبعة: ١
ISBN الدورة:
9960-03-366-X

الصفحات: ٥٨١

أيديهم.

وحال وقعة النصرة للشريف عبد الكريم ، أرسل بالمبشر لقائم مقامه ، فحصل بذلك السرور التام ، وألبس المبشر ، ودار على بيوت الأشراف ، وركّزت علامة النصرة في بيت الشريف والأشراف ، ودقّ الزير على جري العادة.

وكان وصول المبشر ظهر يوم الاثنين ، وهو يوم الواقعة.

وأصبحوا يوم الثلاثاء ، ودخلت (١) جميع السادة الأشراف والعساكر والعربان بآلاي الأعظم ، ودخل الشريف [البلد](٢) بالموكب ، وبات حضرة الشريف وسليمان باشا وإيواز بيك بالأبطح.

وصبح يوم الأربعاء : طلعت السادة الأشراف [وسائر](٣) العساكر والعربان بآلاي الأعظم ، ودخل الشريف البلد بالموكب العظيم ، وجميع من تقدم ذكرهم بين يديه ، وهو بين الباشا والصنجق. وكان يوما مشهودا.

ومن حين توجه الشريف للحرب إلى أن دخل البلد ، في كل يوم ينادي المنادي ، بالأمن والأمان وعدم المخالفة ، فما حصل على أحد ضرر ، وجميع الأسواق معمرة من سائر الأقوات ـ ولله الحمد والمنة ـ وحمدت الناس الشريف على فعله هذا وخروجه للحرب خارج البلاد (٤) ، بحيث أن الناس لم يكن عندهم خبر إلا بوصول المبشر ـ فجزاه الله خيرا

__________________

(١) في (ج) «دخلت».

(٢) ما بين حاصرتين من (ج).

(٣) ما بين حاصرتين من (ج).

(٤) أي خارج مكة.

٤٠١

على (١) ما فعله (٢).

ثم لما وصل الشريف داره السعيدة (٣) جلس للناس ، فطلعوا وسلموا عليه وهنوه بالظفر ، ومدحه الأدباء بالقصائد الفائقة. فمن ذلك قولي في قصيدة هنأته (٤) بها ، وقرأتها عليه في ديوان بدايته (٥) بحضور جمع من الأفاضل ، وهي :

عزت القوم ويحها هن الأماني

أم دفر (٦) وما وفت بالأماني

ودهتهم لما دعتهم لحرب

مع سعيد لسعد غير واني

وهو عبد الكريم نجل بن يعلى (٧)

أكمل العالم العظيم الشان

ملك خصه الله بحسن الخل

ق مع ثبات الجنان (٨)

ملك سابق القضاء بحكم السي

ف حتى أمضاه قبل الأوان (٩)

بجيوش تسوق حتف نفوس

كالمطايا من عسكر السلطان

كل ذمر (١٠) في جوفه قلب عز

يتراءى (١١) في صورة الإنسان

__________________

(١) في (ج) «عن فعلة».

(٢) انظر : أحمد زيني دحلان ـ خلاصة الكلام ١٥٨.

(٣) في (أ) «الشريف إلى داره السعيد». والاثبات من (ج).

(٤) في النسختين «هنيته». والتصحيح من المحققة.

(٥) في (أ) «ديوانه بدايته».

(٦) في النسختين «دفر». وفي الاتحاف للطبري ١ / ١٥٧" دفتر».

(٧) في (أ) «تعلي». والاثبات من (ج).

(٨) في النسختين كما في أعلاه. وفي الاتحاف لمحمد علي الطبري ٢ / ١٥٧ :

ملك خصه الإله بحسن الخلق

والخلق مع ثبات الجنان

(٩) في هذا البيت تظهر مبالغة واضحة من الشاعر قد تؤدي به إلى الكفر.

(١٠) في النسختين كما في أعلاه. وفي الاتحاف ٢ / ١٥٧ «ذي مر». والذمر الشجاع الحاثّ على القتال ، والحاضّ عليه. ابن منظور ـ لسان العرب ١ / ١٠٧٦.

(١١) في (ج) «يتراأى».

٤٠٢

منتهى مشتهاه أن يبصر القر

ن ولو فوق أروق الغزلان

فسل الحل عند ما حلّ فيه

جيشه عن (١) حلول ذلك المكان

كم قتيل على بقايا قتيل

وطعين على طعين سنان

وتراه في القلب من جش (٢) نصر

مثله البدر فيه من غيرتاني

وبنو هاشم الفحول لديه

كنجوم السماء في الدوران

من أناس لا يألمون فضرب السي

ف فيهم تجريد أهل المعاني

فتراهم على الخيول تراهم

للأعادي لها زمام المران

يلتقي منهم المدجج (٣) في السّر

د (٤) فيلقيه راخي الأذان

وهو يفتر عن شبيه أقاح

ضاحكا ثمّ من بكاء الخرصان

لا بسا قلبه على حر جسم

آمنا من حوادث الأزمان /

لو ثبيرا (٥) أصابه السيف من

يمناه يوما لعاد في الكثبان

فعلات موروثة عن علي

فهي فيهم إلى انقضاء الزمان

إن نحر الطغاة في عرفات

فوق ما في منى من الخرفان (٦)

__________________

(١) في النسختين «عن». وفي الاتحاف ٢ / ١٥٧ «من».

(٢) في النسختين «جش». وفي الاتحاف ٢ / ١٥٧ «جيش». والجش : بمعنى الدق ، ومنه الجشيشة والدشيشة ، وفرس أجش أي الغليظ الصهيل. وهو مما يحمد في الخيل. ابن منظور ـ لسان العرب ١ / ٤٦٢٠. والمقصود هنا وصف الشريف بالقوة التي تدق أعناق الأعداء.

(٣) المدجج : الذي دخل في سلاحه كأنه تغطى به. ابن منظور ـ لسان العرب ١ / ٩٤٧.

(٤) إسم جامع للدروع. ابن منظور ـ لسان العرب ٢ / ١٣١.

(٥) الجبال التي كانت تسمى ثبيرا في مكة كثيرة ، لكن المقصود هنا ثبير الأثبرة ، أو ثبير عيناء ، وهو الجبل الذي يقابل حراء من الجنوب ويشرف على منى من الشمال ، وهو أشمخ جبال مكة. انظر عنه : الأزرقي ـ أخبار مكة ٢ / ٢٧٨ ، ياقوت الحموي ـ معجم البلدان ٢ / ٧٢ ، البلادي ـ معجم معالم الحجاز ٢ / ٦٩.

(٦) إشارة إلى هزيمة الشريف سعيد في عرفات.

٤٠٣

وصلت أرؤس (١) العدا طرقات

الحل تدحى (٢) بأرجل الصبيان

كم عزيز في نفسه ذل لما

أن دهته الشجعان في الميدان

أخذوا سلبه وفيه كتاب

لفلان لا لآل فلان

ويل أهل الضلال ما قرؤوا ما

جاء في فيل فتية الحبشان (٣)

أترى يدفع الفساد غيورا

يبتغي (٤) هتك حرمة الرحمن

إن دون البيت الحرام ومن قد

حلّ فيه ما لا يرى بالعيان

قهر من قد عز قبل قريش

وهم في عبادة الأوثان

كيف والدين قائم بأناس

صفوة الله من بني عثمان (٥)

لا أصاب العدو فيكم مناه

آل طه (٦) وملة الإيمان

قد أبيحت لولاكم مكة اليو

م فحاشاكم من الخذلان

قد جرى ما كفى وها أنا ذا

فيكم خطيب بالنصح للديان

حصنوا أرضكم بسور وفاق

بينكم من معرة العدوان

فالعلا دونها مهامه (٧) قفر (٨)

لا يرى قطعها بلا إذعان

__________________

(١) في (أ) «رؤس». والاثبات من (ج). وفي الاتحاف ٢ / ١٥٧ وردت «أروس».

(٢) في هذا البيت يقصد الشاعر أن رؤوس الأعداء أصبح يلعب بها الصبيان في الطرقات ، ويدفعونها كاللعبة المدحاة التي يلعب أهل مكة بها ، لأن معنى يدحى يرمي ويدفع. ابن منظور ـ لسان العرب ١ / ٩٥٤.

(٣) إشارة إلى سورة الفيل.

(٤) في (أ) «يتيفي». والاثبات من (ج).

(٥) إشارة إلى الدولة العثمانية.

(٦) أي إلى الرسول صلى‌الله‌عليه‌وسلم لأن طه كما نعلم من أسماء الرسول صلى‌الله‌عليه‌وسلم.

(٧) المهمه : المفازة ، والبرية القفر. وجمعها مهامه. ابن منظور ـ لسان العرب ٢ / ٥٤٥.

(٨) في النسختين «قهرا». والأفضل أن تكون قفر لأن المعنى يستقيم بذلك مع أن معنى قهر يقارب ذلك.

٤٠٤

أنتم ما اجتمعتم الروح للعز

ومهما اختلفتم فهو فان

يورث الله أرضه من يشاء قد

جاء هذا في محكم القرآن (١)

أو لستم بخيرة الله في الأرض

على رغم كل عال ودان

إنما العدل حلية لملوك الأر

ض والجور حلية الشيطان (٢)

لا تبيعوا جواهر المدح فيكم

بطفيف الخلاف للأقران

واجمعوا شملكم ليجتمع الدي

ن بكم في منازل العدنان

هذه نفثة (٣) الصدق فمن لم

يعها فهو صاحب الحرمان

قلتها مفصحا لحبّ أبي لي

كتمها وهو ثابت في جناني

لم أقلها رجاء كسب ولا فخ

ر إذا قلتها على إخواني

غير أنّي أديت واجب شكر

لمليكي في مجلس للتهاني (٤)

فتأمل فيها بديع معان

لم يقلها قبلي صريع الغواني (٥)

تصل القلب قبل أن يكمل الن

طق بها من محاسن التبيان

فأجزني عنها القبول فإني

بك أغنى الورى وعش في أمان

__________________

(١) تضمن في الآية الكريمة : (قُلِ اللهُمَّ مالِكَ الْمُلْكِ تُؤْتِي الْمُلْكَ مَنْ تَشاءُ ، وَتَنْزِعُ الْمُلْكَ مِمَّنْ تَشاءُ). سورة آل عمران الآية ٢٦.

(٢) في النسختين «للشيطان». وفي الاتحاف ٢ / ١٥٨ «الشيطان».

(٣) من نفث : وهو النفخ ، وهنا يقصد الشاعر أن كلامه عبارة عن رقية لهم. ابن منظور ـ لسان العرب ٣ / ٦٨٢.

(٤) في النسختين «للتهاني». وفي الاتحاف ٢ / ١٥٨ «التهاني».

(٥) هو الشاعر مسلم بن الوليد الأنصاري. ولد بالكوفة (١٣٠ ـ ٢٠٨ ه‍ / ٧٤٧ ـ ٨٢٣ م) اتصل بقواد الدولة وعمالها فمدحهم ونال جوائزهم ، ومدح الخلفاء وحصل بشعره بعض المناصب ، كان جنوحا إلى العزلة ، ميالا إلى اللهو ووصف الشراب.

كان في شعره كثير الإفتقار إلى المعاني ، صانعا ماهرا للكلام. أحدث البديع ، وتعمده فكان زعيم التصنيع البديعي. انظر : ابن عبد ربه ـ العقد الفريد ، مطبعة لجنة التأليف والترجمة ط ٢ ، القاهرة ١٣٧٥ ه‍ / ١٩٦٥ م ٢ / ١٨٠ ـ ١٨١.

٤٠٥

إن تعش أنتعش ويخضر عودي

فسعودي بقاك في ذي الأوان (١)

لا برحت الزمان تسحب ذيل

النصر مسترحما على الإمكان

وممن مدحه أيضا صاحبنا الشيخ أحمد بن علان الصديقي ، وهنأه بقصيدة ، وهي هذه :

أبا شاكر دم قبلة للمحامد

موقى على رغم العدا والحواسد (٢)

فمولاك قد أولاك ما أنت أهله

وما أنت [راج](٣) من جميل العوائد

أغاث بك الله البلاد وأهلها

فخيرهم (٤) في كل يوم لزائد

وقد بدلوا بالخوف أمنا فأصبحوا

لمولاهم ما بين مثن وحامد

وكم من قريح جفنه صاد (٥) / رامها

يقلب في أجفانه عين راقد

وصار في البشر الصديق مبادرا

أخاه إذا ما سامه بالتعايد

وهنيت بالفتح المبين وكيف لا

وأنت الذي أحرزت أجر مجاهد

شفيت فؤاد (٦) الدين بعد ضنائه

بقتلة زهران وقتلة غامد

وآل سليم حين ضلت حسومها (٧)

توزعها أيدي الضياع الجواهد

فإن نسأل المخواة (٨) عن حال أهلها

وعن (٩) ما دهاهم في الديار الأباعد

__________________

(١) في النسختين «الأوان». وفي الاتحاف لمحمد علي الطبري ٢ / ١٥٨ «في أوطان».

(٢) في (ج) «العدو والحوامد».

(٣) سقطت من النسختين. والاثبات من الاتحاف لمحمد علي الطبري ٢ / ١٥٨.

(٤) في (ج) «فخبرهم».

(٥) في (أ) سقطت الدال والاثبات من (ج).

(٦) في (ج) «نوادي الدين».

(٧) أي سيوفها القواطع لأن الحسام السيف القاطع. ابن منظور ـ لسان العرب ١ / ٦٣٧.

(٨) المخواة : بلدة كبيرة بتهامة زهران ، تبعد عن الباحة بمرحلتين ، وهي المركز الاداري الثاني في تهامة زهران. انظر : السباعي ـ تاريخ مكة حاشية (١).

(٩) وردت في الاتحاف ٢ / ١٥٩ «عما» أي أدغمها مع بعضها.

٤٠٦

فعند عتاق (١) الطير تحقيق شأنهم

سلوهم وهل ينبيك مثل مشاهد

لقد دمّر الله الشديد عقابه

عليهم وعدّوا في القرون البوائد

أتوا لحمى (٢) البيت الحرام وقصدهم

على زعمهم تعطيل خير المساجد

وقد تركوا الأرض السراة وراءهم

يجوسون ما بين الزوراء (٣) والفدافد (٤)

فعارضهم من دونه ذو عزيمة

طويل نجاد السيف جمّ الفوائد

أعز عليه للسياد رونق

لديه لها ألفا دليل وشاهد

يباشر تدبير الحروب بذاته

بإقدام ذي رأي صحيح المقاصد

فأقصاهم من مترس بعد مترس

وأدنى نياهم (٥) واحدا بعد واحد

يحفّ به من آل هاشم عصبة

طوال الردينات (٦) زرق (٧) الحدائد

عراض مراكيض الجياد تزينهم

حداد المواضي (٨) في (٩) طوال السواعد

كأنهم يوم الوغى في دلاصهم (١٠)

أسودي (١١) في جلود الآساود (١٢)

__________________

(١) في (أ) «متات». والاثبات من (ج). وعتاق الطير أي الطيور الجارحة.

(٢) في (ج) «لمحي». واستدركه الناسخ في الحاشية اليسرى.

(٣) في النسختين «الزوررا». وهي كعادة النسخ يهمل الهمزة ، وهي الزوراء. وتعني الفلاة البعيدة. ابن منظور ـ لسان العرب ٢ / ٦٢.

(٤) الفدافد : الفلاة التي لا شيء بها ، وجمعه فدافد. ابن منظور ـ لسان العرب ٢ / ١٠٦٢.

(٥) في (أ) «نراهم». والاثبات من (ج). وكذا في الاتحاف ٢ / ١٥٩. ونياهم بمعنى بعيدهم.

(٦) الرماح : وسميت بذلك نسبة إلى امرأة تسمى ردينة. انظر : ابن منظور ـ لسان العرب ١ / ١٥٩.

(٧) في (أ) «زر». والاثبات من (ج).

(٨) المواضي : السيوف.

(٩) في (أ) «من». والاثبات من (ج).

(١٠) الدلاص : دروع لينة. إبراهيم أنيس ـ المعجم الوسيط ١ / ٢٩٣.

(١١) في النسختين «اسودتها دي». والاثبات من الاتحاف للطبري ٢ / ١٥٩ :

كأنهم يوم الوغى في دلاصهم

أسود تهادي في جلود الأسيد

(١٢) وفي الاتحاف لمحمد علي الطبري ٢ / ١٥٩ «الاسايد».

٤٠٧

على كل مصقول الأديم مطهم

بعيد مدى المطراد (١) أو قيد الأوابد

وكل طمه ما يرخي غلائه

يطارد من أمثاله في جرائد

تخال الخيال الشامخات وخيلهم

تجالد في لباتها كالقلائد

معلّمة الأرساغ شولا كأنما

سنابكها قد رصّعت في جلامد (٢)

ومن آل قنطور (٣) الليوث كواسر

كأنهم قد كوّنوا من شدائد

يقودهم الليث الغضنفر عازما

على الطعن وفاقا له غير حائد

يلمان باشا الشهم آخر (٤) عصره

وحافظ ناموس الملوك الأماجد

وعن فعل إيواز الأمير فلا تسل

لقد كاد في مركاضه كلّ كائد

وعداهم بالطغى عن كل مترس

فهم بين أيدي خلفه (٥) كالطرائد

ومن آل حام (٦) كل أحرز يابس

إذا ما اعتزى في الصف عين القوائد

ينادي بضرب في الجهام مبرح

وطعن بأطراف الأسنة نافذ

فلله من يوم أغر محجل

ومن عثير (٧) في الجو كالسحب عاقد

وقد استقرت فيه المنون قناعها

تدير لهم فيه كؤوس التجالد

ويوردهم عبد الكريم حياضها

وذلك ورد رشفه غير بارد

فما لبثوا أهل الحجاز لديهم

سوى ساعة حتى رموا بالتفاقد (٨)

__________________

(١) في (ج) «المطر أو».

(٢) الجلامد : الصخر ـ جراول «الحجارة». ابن منظور ـ لسان العرب ١ / ٤٩٠.

(٣) آل الشريف عبد الكريم

(٤) في (أ) «اصف». والاثبات من (ج).

(٥) في (ج) «خلقه». وفي الاتحاف لمحمد علي الطبري ٢ / ١٦٠ «خيله».

(٦) المقصود بهم العبيد لأن حام بن نوح هو أب جميع السودان.

(٧) في النسختين «عثير». وفي الاتحاف لمحمد علي الطبري ٢ / ١٦٠ «عيشر». والمعنى واحد وهو الغبار.

(٨) فقدوا بعضهم بعضا. ابن منظور ـ لسان العرب ٢ / ١١١٦.

٤٠٨

كأن جليلات المدافع عند ما

أصيبوا بها مثل السحاب الرواعد

فولوا ولم يعطف على ذي قرابة

قريب ولا البرّ الحنيّ بوالد (١)

وقد صار في رهجان (٢) أول فلهم

من الخوف عدوا كالنعام الشوارد

وقد خلفوا في السبّي كل خريدة (٣)

كما أعناق ظبي في حبائل صائد

ولم ينجها من قتلها غير ذلّها

وتقويم هانيك الثّدى النواهد

ولو لا انتهاز الجند نهب أثاثهم

لما عدّ في أحيائهم (٤) من معاود

إذا لم يكن مثل ابن يعلى مملّكا

لأسّ دعام المجد أحكم شاهد /

فليس إلى نيل الفخار وسيلة

له تتبدى في صدور المشاهد

شريف عليه هيبة وجلالة

يدين لها في سرّه كلّ جاحد

فتى ينهب الأرواح عفوا عقابه

نقودا وفيها من طريف وتالد

وينتهب الأرواح في كل مأزق

يدمر فيه كل باغ وحاسد

به عين بيت الله صارت قريرة

وأصبح أعداؤه (٥) على جفن ساهر (٦)

أدام به النعماء علينا الذي به

أفاء عليه مرغما للمعاند

وممن مدحه أيضا صاحبنا الشيخ سالم الشماع ، وهنأه بقصيدة وهي هذه :

ألا قل لقوم حاولوا القتل والنهبا

لجيران بيت الله تبّا لكم تبا

رجعتم بما جئتم به من جناية

غداة لقيتم أولي المصطفى حربا

__________________

(١) في النسختين «الحني». وفي الاتحاف لمحمد علي الطبري ٢ / ١٦٠" الحفي».

(٢) الرهجان : الغبار. ابن منظور ـ لسان العرب ١ / ١٢٣٨.

(٣) الخريدة : الفتاة العذراء. ابن منظور ـ لسان العرب ١ / ٨٠٩.

(٤) في النسختين «احياهم». والتصحيح من المحققة.

(٥) في (أ) «أعداه». وفي (ج) «أعداده». والتصحيح من المحققة.

(٦) الساهر : الأرق. ابن منظور ـ لسان العرب ٢ / ٢٢٧.

٤٠٩

أتيتم جيوشا (١) فرّق الله شملها

وأصبح الأموال منهم لكم كسبا (٢)

ومن أنتم حتى تروم نفوسكم

مراحا تروا من دونه مركبا صعبا

وما أنتم إلا على كل حالة

قبائل أجلاف أدانو كموا (٣) غضبا

ومن أيّ بطن أنتم هل بلغتم

كلابا معاذ الله أو تبلغوا كعبا (٤)

ألا تذكرون عاما مضى قد شربتم

كؤوس (٥) المنايا فيه دون المنا شربا

عشية غارت بالمحصب خيلهم

عليكم وقلت منهم الفارس الشطبا

أجئتم لأخذ الثأر أم كان غرّكم

خطيب عوى في أرضكم يشبه الكلبا (٦)

فجرّكم جرّ الكلاب ببغيه

إلى أن قضى منكم قصير المدى نحبا

فيا آل زهران ويا آل غامد

ويا آل شمران أبارتكم النكبا

إلى كم إلى البيت الحرام جراءة

تسومونه خسفا أولو القربا

حماة رعاياهم من السود كلما

أحاط ومنهم طالما فرّجوا الكربا

كماة أباة الضيم من آل هاشم

نزيلهم يزداد عندهم حبّا

سيوف وغي أمضى من السيف مضربا

هم أسكنوا قهرا قلوب العدا رعبا

يقودون خيلا للوقائع شزبا (٧)

وينصون قوما في ديارهم غلبا

__________________

(١) في (أ) «بيوتا». والاثبات من (ج).

(٢) في النسختين البيت كما في أعلاه ، وفي الاتحاف لمحمد علي الطبري ٢ / ١٦٠ :

أنتم جيوش فرق الله شملها

وأصبحت الأموال منكم لهم كسبا

والمعنى يستوفي لو قال في الشطر الثاني : وأصبح الأموال منكم لهم كسبا.

(٣) في النسختين «نوكمو». وفي الاتحاف ٢ / ١٦٠ «أبوكم».

(٤) تضمين من بيت جرير الذي يقول :

فغض الطرف إنك من نمير

فلا كعبا بلغت ولا كلابا

جرير ـ ديوان جرير ، تحقيق إيليا الحاوي ، دار الكتاب اللبناني ، بيروت ٩٧.

(٥) في (أ) «كوس». والاثبات من (ج).

(٦) إشارة إلى الشريف سعيد.

(٧) من الشازب : وهو الضامر واليابس من الناس والخيل. ابن منظور ـ لسان العرب ٢ / ٣١٠.

٤١٠

إلى أن يبيدوا منهم كلّ أصيد

يهون عليه الموت أن يظهر الغلبا

مصابيح حرب إن دجى ليل عثبر

ميامين ذكر يملأ الشرق والغربا

كرام نفوس ما لهم قطّ مطمح

سوى رفدة المسلوب في الحرب لا السلبا

يؤمهم القرم (١) الذي ليس ينثني

عن القرن حتى يصدق الطّعن والضّربا

سلوا أذاخر والمنحنى (٢) كيف أصبحت

أعاديه من ماض عرايمه عطبا

وكيف غدت في العابدية إذ بغت

تسفّ الثرى يسفي (٣) سما دمها التربا

وفي عرفات كيف أمسى (٤) لحومها

مكومة هبرا فتحسبها كثبا

نهاهم فلما لم يصيخوا لنهيه

وزادوا عتوّا حكّم الرّمح والعضبا (٥)

ونازلهم في العابدية بغتة

وجرّ عليهم من يداوينه ركبا

وساق إليهم صيد (٦) أبناء جده

قتادة سحب الخير في السنة الشهبا (٧)

وجند أجناد من الترك حاملي

من البندق الرومي (٨) ما يشبه اللبّا (٩)

__________________

(١) السيد العظيم. ابن منظور ـ لسان العرب ٣ / ٧٠ ـ ٧١. كناية عن الشريف عبد الكريم.

(٢) الأماكن التي وقعت فيها المعرك السابق ذكرها في التحقيق.

(٣) في (أ) «سيفي». والاثبات من (ج).

(٤) في (أ) «مست». والاثبات من (ج). ومن الاتحاف ٢ / ١٦١.

(٥) العضب : السيف القاطع. ابن منظور ـ لسان العرب ٢ / ٨٠٢.

(٦) في (أ) «خيل». والاثبات من (ج) ، ومن الاتحاف لمحمد علي الطبري ٢ / ٦١.

(٧) السنة الشهبا : السنة المجدبة التي ليس بها مطر ولا يرى فيها خضرة. ابن منظور ـ لسان العرب ٢ / ٣٧٣.

(٨) البندق الرومي : كلمة فارسية دخلت اللغة العربية منذ اتصال العرب بالفرس ، وتطلق على كرات صغيرة من الحجر والطين ، ثم الرصاص بعد ذلك ، كانوا يقذفونها بواسطة الأقواس وتستخدم في الحرب أو كنوع من الرياضة. أحمد عطية ـ القاموس الإسلامي ١ / ٣٧٠.

(٩) اللب : خالصة الشيء وخياره ، وقد غلب اللب على ما يؤكل داخله ويرمى

٤١١

غشمشهم (١) صنديدهم بأس عزمهم

سليمان باشا الشهم اثبتهم قلبا

وإيواز ساق الغرّ من أرض جدة

وسارع حتى شبّ نار اللقا شبّا

وخاض حياض الحين (٢) يمنى ويسرة

وماج بها مستطعما منزها (٣) عذبا

فلو يشعروا أهل الحجاز بما جرى

لما جازوا (٤) سعيا والليث والهضبا (٥)

ولكنهم كالهدي سيقوا لنحرهم

إلى جبل الكسار (٦) واكتسبوا (٧) الذنبا

ولكنهم همّوا بأفضل بلدة

خرابا وأيم الله لم يخف الربا /

وهذا الذي لا قوه بعض جزائهم

وأعظمهم يوم الجزار له يخبأ

فيا ليتهم لم يحملوا مع ذنوبهم

على غرر الأعراض سبّا ولا ثلبا

فإن هم يعودوا بعدها خطو مرة

إلى مثلها الأقدار تخطبهم خطبا (٨)

وهذا الفتى عبد الكريم الذي إذا

دعاه أخو الهيجا (٩) إلى غارة لبّا

أمير الفناء والخيل فهو عروسها

جواهرها والأعوجيات (١٠) مع هدبا

__________________

خارجه من الثمر كلب الجوز واللوز ونحو ذلك. ابن منظور ـ لسان العرب ٣ / ٣٣٠ ، المنجد ٧٥٤ ـ ٧٥٥.

(١) في (أ) «عششهم». والاثبات من (ج) والاتحاف ٢ / ١٦١. وتعني الجريء المقدام. ابن منظور ـ لسان العرب ٢ / ٩٠.

(٢) في النسختين كما في أعلاه ، وفي الاتحاف لمحمد علي الطبري ٢ / ١٦١ «وخاص حياض الموت يمنا ويسرة». والحين بمعنى الموت.

(٣) هكذا في النسختين «منزها». كما في الاتحاف لمحمد علي الطبري ٢ / ١٦١.

(٤) في (أ) «جاوزا». والاثبات من (ج).

(٥) الأماكن التي وقعت فيها المعارك ، وقد سبق تعريفها.

(٦) المقصود جبل الرحمة الذي وقع فيه القتل.

(٧) في (أ) «اكتسعوا». والاثبات من (ج) ومن الاتحاف ٢ / ١٦٢.

(٨) في النسختين كما في أعلاه. وفي الاتحاف ٢ / ١٦١" يحطبهم حطبا».

(٩) الهيجا : الحرب ، وتأتي بالمد وبالقصر. ابن منظور ـ لسان العرب ٣ / ٨٥٣.

(١٠) الأعوج : الرمح والقوس. ابن منظور ـ لسان العرب ٢ / ٩١ ـ ٩١٩.

٤١٢

فمتى شاء يرى من آل بركات واحدا

كألف يرى هذا الخبعثنّة (١) الندبا

أخا همة يستصغر الدر عندها (٢)

بأيسرها لو رام لاستنزل الشهبا

يهون عليه الخطب من حيث أنه

له سهم رأي مارق يغلق الخطبا

ومن لقصير مثله يهتدي به

إلى غير جذع الأنف في قتله الزبا (٣)

وما سمع البراض (٤) قطّ بفتكة

كفتكة هذا الشهم في العرب العربا

يجيد العطا والسمهرية (٥) والظّبا (٦)

تشك الكلا تفري الطلا يعزل الجنبا

وتعرب عن بشر طلاقة وجهه

إذا فرّت الأبطال من كرّها عضبا

فيا آل بيت المصطفى لا برحتم

تذبّون عنّا من نوى حربنا ذبّا

فهذي بلاد الله ثغر بلادكم

فحاشاكم ترضون كلا لها خربا

سقى الوابل الوسمي ما لاح بارق

أجارعها أجيادها المنحنى الشعبا

عليكم سلام الله ما تغنت حمامة

وهزّت منن الشوق المقيم بها القضبا

ولا زالت الدنيا بكم مستقيمة

ومفخر عالي فخركم (٧) يفعم (٨) الكتبا

__________________

(١) الخبعثنة من الرجال : الشديد الخلق العظيمة ، وقيل هو العظيم الشديد من الأسد. ابن منظور ـ لسان العرب ١ / ٧٨٧.

(٢) في النسختين «عندها». وفي الاتحاف ١ / ١٦٢ «عندما».

(٣) إشارة إلى المثل العربي المعروف" لأمر ما جدع قصير أنفه». وعن هذه القصة والأخبار التي فيها انظر : ابن الأثير ـ الكامل في التاريخ ١ / ١٩٨ ـ ٢٠١.

(٤) سبق تعريفه.

(٥) السمهرية : الرماح الصلبة العود ، وهي منسوبة إلى رجل كان يقوم الرماح. ابن منظور ـ لسان العرب ٢ / ٢١٠.

(٦) الظبا : حد السيف والسنان والنصل والخنجر ، وما أشبه ذلك. ابن منظور ـ لسان العرب ٢ / ٦٤٠.

(٧) في (أ) «عزكم». والاثبات من (ج) ، ومن الاتحاف ٢ / ١٦٢.

(٨) في (أ) «يفقم». والاثبات من (ج). ويفقم : بمعنى يملأ. وفي الاتحاف ٢ / ١٦٢" تفهم». والأصح ما جاء في (ج) ، وهو ما أثبتناه.

٤١٣

ثم ما كان من أمر الشريف سعيد : فإنه بعد [ما](١) انكسر قومه ، توجه إلى الطائف ، وأرسل عرب اليمن الذين جاء بهم صحبة ابن أخيه السيد مساعد إلى بلادهم وأماكنهم.

فلما بلغ الشريف عبد الكريم ، أن الشريف سعيد وصل الطائف ، أرسل خلفه أحد أخوانه بعرب من ثقيف وعتيبة ، خوفا من أن يقع منه مخالفة على أحد من أهل الطائف.

فلما عزم أخو الشريف إليه ، وجده قد خرج منه ، فرجع إلى مكة ، وأخبر الشريف بذلك.

ودخل موسم هذه السنة (٢) ، والناس في غاية من الأمن والأمان.

ولما كان يوم السابع : ركب مولانا الشريف ، وعرض لأمير المصري (٣) ، وتوجه إلى المحل المعتاد ببقاء الأمراء هو والسادة الأشراف وسائر العساكر والعربان ، ولبس القفطان الوارد صحبة الأمير غيطاس بيك أمير الحاج المصري ، وهذه أول سنة حج فيها أميرا على المحمل (٤) ،

__________________

(١) ما بين حاصرتين من (ج).

(٢) أي موسم الحج لعام ١١١٧ ه‍.

(٣) في (ج) «المصدر».

(٤) أي على المحمل المصري. والمحمل عبارة عن أعواد من خشب على شكل الهودج ، ذوي سقف يأخذ في الارتفاع من الجوانب إلى الوسط الذي فيه قائم ينتهي بهلال. وفي العادة يسدل على ذلك الهيكل الخشبي كسوة قد تكون من الحرير ، وقد تكون من غيره ، ويوضع أثناء السفر على ظهر جمل. عبد الله غازي ـ إفادة الأنام ٣ / ٢٨. انظر : الجزيري ـ درر الفرائد ١٢١ ـ ١٧٦ ، علي بن حسين السليمان ـ العلاقات الحجازية المصرية ، سيد عبد المجيد ـ الملامح الجغرافية لدروب الحجيج ط ١ ، الكتاب الجامعي ، جدة ١٤٠١ ه‍ / ١٩٨١ م ص ٨٦ ـ ٩١. وهذه بدعة محدثة في الدين. لقول الرسول صلى‌الله‌عليه‌وسلم : «أوصيكم بتقوى الله عزوجل ، والسمع والطاعة ، وإن تأمر عليكم عبد ، فإنه من يعش

٤١٤

واتفق له في الطريق ، وهو نازل من العقبة (١) ، قعدوا له بعض عربان من الأشقياء على رؤوس الجبال ، وتكاون (٢) هو وإياهم إلى أن تعدّى الحاج بالسلامة.

وفي عوده إلى مصر [أيضا](٣) وقع له مكاونة مع قبيلة من حرب ، في المحل المعروف بنقب علي ، وسبب ذلك :

أن بعض جماعة من أصحاب الإدراك قتلوا ثلاثة من العرب على ظن أنهم سرق ، فطالبوهم بديتهم ، فامتنع ، فقعدوا له ، واحتربوا هم وإياهم.

ثم لما كان اليوم الثامن (٤) : ركب الشريف بالموكب العظيم ، وعرض الأمير الشامي إلى المحل المعتاد ، ولبس القفطان الوارد صحبته.

__________________

منكم فسيرى اختلافا كثيرا ، فعليكم بسنتي وسنة الخلفاء الراشدين المهديين عضوا عليها بالنواجذ ، وإياكم ومحدثات الأمور ، فإن كل بدعة ضلالة». رواه أبو داود والترمذي وقال صحيح ، ابن دقيق العيد ـ شرح الأربعين حديثا النووية ، جدة ١٤٠٣ ه‍ /. ١٩٨٢ م ص ٧٤.

(١) توجد العقبة على الضفة اليسرى لوادي عربة وقرب الطرف الشمالي الشرقي لخليج العقبة. سيد عبد المجيد ـ مرجع سبق ذكره ١١٧. ومعنى العقبة : هي المرقي الصعب من الجبال ، وهي مفرد عقبات. وقيل العقبة الجبل الطويل يعرض للطريق فيأخذ فيه ، وهو طويل صعب شاق. ابن منظور ـ لسان العرب ٢ / ٨٣٣ ، إبراهيم أنيس ـ المعجم الوسيط ٢ / ٦١٧. وقيل هي امتداد لميناء أيلة القديمة الذي هو على ساحل البحر الأحمر مما يلي الشام. وقيل هي أخر الحجاز وأول الشام. ياقوت الحموي ـ معجم البلدان ١ / ٢٩٢. واليوم هي ميناء الأردن على البحر الأحمر وخليج العقبة.

(٢) الكونة في العامية : هي الحرب. ولعل المعنى هو تقاتل معهم إلى أن تعدى الحاج بالسلامة.

(٣) ما بين حاصرتين من (ج).

(٤) في (أ) «الثاني». والاثبات من (ج).

٤١٥

وكان أمير الشامي عبد الرحمن باشا ابن أخت محمد باشا ، كرديم ير (١).

وحج مولانا الشريف بالناس على جاري العادة في غاية الأمن والأمان. ولم يحصل في هذه الموسم ـ لله الحمد ـ شيء من المخالفات جملة كافية.

ولما كان يوم خامس وعشرين ذي الحجة : رحل الحاج المصري من مكة ، لأنه تأخر عن معتاده ثلاثة أيام.

وفي هذا الموسم : توجه بهدية مولانا الشريف إلى الدولة / العلية يوسف أفندي (٢) شيخ القراء صحبة الحاج المصري.

وأما أمير الشامي ، فإنه برز ثامن عشرين ذي الحجة إلى طوى ، واستمر إلى ثاني شهر محرم الحرام ينتظر خروج الشريف ويسافر (٣) معه ، فما أمكن ذلك.

والحاج العجمي كان في هذا الموسم كبيرا ، وأخّر إلى خامس عشر شهر صفر ، وسافر على طريق الشرق وحصل له مشتقات كثيرة ـ نسأل الله العافية ـ.

__________________

(١) في (أ) غير واضحة والاثبات من (ج).

(٢) ذكر أحمد زيني دحلان ـ خلاصة الكلام ١٦٠ اسمه «يوسف آغا شيخ القراء».

(٣) في (أ) «وبساص». والاثبات من (ج).

٤١٦

ودخلت سنة [١١١٨](١) ألف ومائة وثمانية عشر :

وكان غرة محرم الحرام بالخميس.

ويوم الجمعة ثاني الشهر : رحل (٢) أمير الحاج الشامي من طوى ، وتوجه إلى المدينة المنورة ، وجلس بعده سليمان باشا يومين. فلما كان يوم الأحد رابع الشهر المذكور رحل (٣) ، وقصد ينبع (٤) ، ومنه إلى طريق مصر إلى العقبة (٥) ومنها إلى غزة (٦) ، ثم منها إلى دمشق الشام (٧).

ولم يزل لكونه ما أخذ الطريق المعتاد (٨). وتوجه من مكة وفي ذمته للفقراء علوفة ثمانية عشر شهرا ، وللتجار جانب من المال (٩) ـ ولا حول

__________________

(١) ما بين حاصرتين من (ج).

(٢) في (أ) «وصل». والاثبات من (ج).

(٣) في (أ) «وصل». والاثبات من (ج).

(٤) في (ج) «الينبع».

(٥) هو الطريق الذي يبدأ من بركة الحاج بالقاهرة ، ثم السويس ـ نخل ـ العقبة ، ثم يسير بحذاء البحر الأحمر حتى يجاوز جانبه الشمالي إلى الجنوب ثم يرحل إلى حقل ، ثم بئر مدين ، ثم عيون القصب ، ثم النبك ، ويسمى المويلحة ، ثم الأزلم ، ثم الوجه ، ثم أكرى ، ثم ينبع ، ثم بدر ورابغ وخليص. ووادي مر ، ثم يدخل مكة. انظر : الجزيري ـ درر الفرائد ٤٤٩ ـ ٦٥١ ، علي حسين السليمان ـ العلاقات الحجازية المصرية ٦٤.

(٦) غزة : هي المدينة المعروفة والتي عرف فيها درب الحج بدرب غزة. وهذا الدرب يعتبر الدرب الشامشي للحج الشامي ، والذي يخرج من جنوب فلسطين إلى العقبة ثم يلتحم بدرب الحج المصري. انظر : سيد عبد المجيد ١٦٩.

(٧) حيث تنتهي رحلته بوصوله إلى دمشق.

(٨) الطريق المعتاد الذي هو يبدأ من دمشق إلى معان ، وتبوك والمدينة. انظر عنه بالتفصيل : الجزيري ـ درر الفرائد ٤٥٣ ـ ٤٦٠ ، سيد عبد المجيد ـ الملامح الجغرافية ١٦٩ ـ ١٧٤.

(٩) انظر هذا الخبر من الاتحاف لمحمد علي الطبري ٢ / ١٧١.

٤١٧

ولا قوة إلا بالله ـ.

وفي خامس عشر شهر صفر الخير : رحل الحاج العجمي من الوادي (١) ، ومشى على طريق الشرق.

وفي أواخر الشهر المذكور : بلغ الشريف أن الشريف سعيد جمع جموعا من أشقياء العربان وقصده يدخل بهم مكة. فأرسل إلى الأمير إيواز بيك ، وإلى الوزير عثمان حميدان ، وأخذ منهما من الدراهم ما احتاج [إليه](٢) ، وأصرف على السادة الأشراف معلوم نصف شهر ، وصبرهم بما هو لهم من المنكسر ، وأصرف على العسكر جامكية شهر ، ثم شرط على السادة الأشراف : أن من الآن يصرف عليكم الأمير إيواز بيك صاحب جدة ، والوزير عثمان حميدان كل شهر بشهر.

فوافقوا على ذلك ، ورضي الجميع بهذا.

وجملة المعلوم إثنا عشر ألف شريفي منها : تسعة آلاف على الصنجق ، وثلاثة آلاف على الوزير عثمان حميدان.

فتم الأمر على هذا ، إلى أن توجه الصنجق إلى مصر المحروسة ، وهو يسلم ذلك من تحت مداخيل البندر مما يخص الشريف.

وفي يوم السبت غرة ربيع الأول : برز عسكر الشريف إلى الأبطح ، ثم لحقتهم السادة الأشراف.

واستمروا في الأبطح ، إلى أن عيّد الشريف عيد المولد (٣) في مكة ،

__________________

(١) وادي مر الظهران.

(٢) ما بين حاصرتين من (ج).

(٣) المقصود مولد الرسول صلى‌الله‌عليه‌وسلم في اثني عشر ربيع الأول ، وهذه العادة من العادات التي نهى الإسلام عنها لقول رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم : «إياكم ومحدثات الأمور ، فإن كل بدعة

٤١٨

ثم توجه إليهم ، وأقام السيد علي بن أحمد وكيلا عنه في الديرة.

وفي يوم الأربعاء تاسع عشر الشهر المذكور (١) : لحقهم الأمير إيواز بيك بمماليكه وعسكره.

ولما كان الشريف في الشرقية ـ وهي بلاد ذوي جازان ـ على مرحلة من مكة ، ورد عليه الخبر هناك أن الشريف سعيد دخل الطائف ، يوم الثلاثاء ثامن عشر ربيع الأول ، وأن قومه زهاء أربعمائة ، من عرب مخلد وعتيبة والشلاويين (٢) ، وأنه لزم أهل الطائف وبعض من كان هناك من أهل مكة ، وأخذ منهم جانبا من الدراهم.

فركب الشريف يوم السبت ثاني عشر الشهر ، ودخل الطائف يوم الاثنين ، وفيها برز إليه الشريف سعيد إلى جهة المليساء (٣) ، والكلّ [منهم](٤) معتد للحرب ، ووقع بينهم الرمي بالبندق ساعة إلى أن حمي

__________________

ظلالة». وقد سبق ذكر ذلك.

(١) ربيع الأول.

(٢) في (ج) «الشلاوين». والشلاوي : قسم من أقسام قبيلة بلحارث القحطانية ، تسكن جنوب الطائف في المنطقة الممتدة من سراة بني مالك وسراة بني سعد. وتنقسم إلى ثلاثة أقسام هي : بنيوس (بنو أوس) ، الشلاوي ، ناصر ، وسبب تسميتهم بالشلاوي أن حرب حدثت بينهم أجلت بعض أفراد القبيلة إلى ترج من نواحي بيشة ، وكانوا يسمون بني خالد ، فسأل سائل عما آلت إليه حال بني خالد بعد تلك الحرب ، فقال بقيت منهم شلوة ، أي بقية ، فسموا من يومها الشلاوي. البلادي ـ معجم قبائل الحجاز ١ / ٤٢ ، ٢ / ٢٣٤ ـ ٢٣٥.

(٣) البلادي يذكر «الملساء» فقط وهي هضبة من وادي الفطحاء ملساء تميل إلى البياض. تبعد عن مكة حوالي ٦٠ كلم شمال شرقي بلدة السيل الصغير ، طريق مكة ـ الطائف. انظر : البلادي ـ معجم معالم الحجاز ٨ / ٢٥٧ ، ٧ / ٥٣.

(٤) ما بين حاصرتين من (ج).

٤١٩

الوطيس ، فانكسر قوم الشريف سعيد ، وولى منكسرا.

فلما رأى الشريف سعيد ذلك ، توجه هو ومن معه إلى محل يسمى ليه (١) ، ومشى خلفه الشريف عبد الكريم ، والأشراف ، والأمير إيواز بيك إلى المحل المعروف بالجال (٢) فردوهم بعد ذلك السادة الأشراف ، فرجعوا جميعا إلى الطائف.

وأرسل الشريف المبشر إلى قائم مقامه (٣) ، يخبره (٤) بالواقع ، وبالنصرة.

ووصل المبشر مكة يوم الأربعاء سادس عشر الشهر المذكور (٥) فألبس المبشر ، ودق الزير ، وركزت / علامة النصرة في دار الشريف على جاري العادة (٦) ، وفرحت الناس بسلامة الجميع (٧).

وفي هذا الشهر : وصل نجاب من مصر المحروسة ، وأرسله قائم مقامه إلى الشريف بالطائف. ومضمون الكتب التي وصلت صحبته :

__________________

(١) ليه : واد فحل من أودية الحجاز الشرقية يمر بجنوب الطائف على ١٥ كيلا. البلادي ـ معجم معالم الحجاز ٧ / ٢٧٣. ويذكر ياقوت الحموي ـ معجم البلدان ٥ / ٣٠ : «أن لية من نواحي الطائف مر به رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم حين انصرافه من حنين يريد الطائف». انظر : البكري ـ معجم ما استعجم ٤ / ١٦٧ ـ ١٦٨.

(٢) الجال : واد كبير في الشرق من الطائف به قرى للأشراف ذوي سرور تعرف بالجال نسبة إلى الوادي. البلادي ـ معجم معالم الحجاز ٢ / ١٠٨ ، حمد الجاسر ـ المعجم الجغرافي ١ /» ٣٤٤.

(٣) أي السيد علي بن أحمد.

(٤) في (أ) «يخبر». والاثبات من (ج).

(٥) ربيع الأول.

(٦) في (ج) «عادتهم».

(٧) عن هذه الأحداث انظر : الطبري ـ الاتحاف ٢ / ١٧١.

٤٢٠