منائح الكرم في أخبار مكة والبيت وولاة الحرم - ج ٥

علي بن تاج الدين بن تقي الدين السنجاري

منائح الكرم في أخبار مكة والبيت وولاة الحرم - ج ٥

المؤلف:

علي بن تاج الدين بن تقي الدين السنجاري


المحقق: الدكتورة ملك محمد خياط
الموضوع : التاريخ والجغرافيا
الناشر: جامعة أم القرى
الطبعة: ١
ISBN الدورة:
9960-03-366-X

الصفحات: ٥٨١

الطريق وأمر بكفّ الأشراف الذين معه من النهب.

ولما تحقّق سليمان باشا ، أمسك على ما بيده من مال البندر ، حتى يتعيّن صاحب الشرافة.

فكان هذا سبب تغير الشريف سعيد على إيواز بيك ، وحصره في منزله ، ونهب أثاثا كان له في دار السعادة.

وأبطلت خمس صلوات من المسجد الحرم بموجب القتال بالمسجد ، وانحازت الستة بلكات إلى إيواز بيك.

وكان من خبره : أنه لما كان يوم الأحد غرة جمادي الثاني ، جمع الإنقشارية عليه في بيته ، وقتله (١) ونهبه ، فحملوا أسلحتهم ، ونزلوا الحرم ، وأرسلوا إلى الشريف سعيد ، وأخبروه ، فنزل بنفسه إلى القاضي بجميع عسكره وعبيده ، وأرسل إلى العرب من هذيل (٢) وغيرهم ، أن يقفوا على أبواب الحرم. فلما خرج القاضي قالوا :

«إنا لنا دعوة على إيواز بيك ، فأحضره لنا نتداعى على يدك».

فبعث إليه القاضي ، فأعاد المرسول ، وهو يقول :

«أنا بعيني أشاهد الفتنة من منزلي ، وأعاين اجتماع العسكر ، وأمر الشرع مطاع ، غاية الأمر أمهلونا هذا اليوم لئلا تكبر الفتنة إذا جئت ذلك المكان ، فإذا تفرقت العساكر حضرت أنا وخصمي عند القاضي ويحكم بما أراده الله».

فعرض القاضي مقالته على الشريف والحاضرين من العسكر ، فلم يقبلوا ذلك.

__________________

(١) المراد هنا أن الإنقشارية قررت الهجوم على إيواز بيك في بيته وقتله ونهبه.

(٢) في (أ) «عرب هذيل». والاثبات من (ج).

٣٨١

إلا أن الشريف صرف جنده وبقيت الإنقشارية موجودين (١) على حالها ، فأرسلوا مرسولا آخر إلى إيواز بيك ، فقال لهم :

«ما دامت الإنقشارية موجودين عندك فالعذر واضح ، وليس لي قصد إلا حقن الدماء بيننا وبينهم ، ولي قدرة على مكافحتهم ، ولكن ما في المهلة بأس ، فإن الأمر ما يحمل قتل المسلمين» /. فحصل عند الشريف أنفة من هذا القول ، لعدم مراده. فأظهر للقاضي غلاظة ، وقامت الغوغاء من الإنقشارية في المحكمة ، وارتفعت الأصوات ، وقالوا :

«هذا عصا الشرع فاكتب لنا حجة بعصيانه».

فامتنع القاضي ، فهجموا عليه يريدون قتله ، فهرب من هناك من الفقهاء ، ولحقوا القاضي ، ولزوه (٢) بالأيادي ، ورموا في جوف المحكمة بالبندق إرهابا له ، فلما رأى ذلك كتب لهم حجة بما في نفوسهم. فعند ذلك خرج الشريف سعيد من المحكمة ، وأمر الإنقشارية بالهجوم على إيواز بيك في بيته ، فسار ببيرقهم من ممشاة باب السلام على يسار المنبر قاصدينه.

فلما وصلوا إلى مقام المالكي ، بادر غلمانه إلى البنادق ، وكمنوا خلف عواميد (٣) المسجد ، مما يلي بيت مولاهم.

فلما أقبلوا ، أطلقوا في وجوههم الرصاص ، فولوا هاربين إلى أن دخلوا من باب الزيادة ، وانحاشوا في زيادته وما حولها من البيوت

__________________

(١) سقطت من (ج).

(٢) لزّه : شده وألصقه. إبراهيم أنيس ـ المعجم الوسيط ٢ / ٨٢٣.

(٣) المقصود أعمدة المسجد.

٣٨٢

والمدارس ، ولم يزل الحصار بينهم.

وأما مولانا الشريف : فسلط عليه عسكره وعبيده وبدوه من جهة عقد بشير ، فلما شعر بذلك أرسل جماعة من البلكات إلى تلك الدور فترسوا هناك ، ومنعوا ما حولهم من العبيد والعرب بالرصاص.

واستمر الرمي من البيوت والمدارس في جوف المسجد بين الفريقين ، وإيواز بيك ومن معه من البلكات الست محصورون في البيت.

ولم يزل الأمر يتزايد حتى كثرت القتلى والجرحى (١) في البيوت وخارجها ، وفي المسجد وسطح المسجد ، وما بين الأروقة.

وعزل السوق ، وأظلم الجو من دخان البارود ، وبقي الأمر على هذا إلى اليوم الثاني ، فالتمس مولانا الشريف من إيواز بيك الصلح ، وبعث إلى القاضي يأمره بإرسال جماعة من الفقهاء إلى إيواز بيك يلتمس منه الكفّ.

فبعث إليه أن ذلك لا يكون إلا إن كفّ هو جماعته.

واتفق الأمر على إرسال جماعة من رؤوس (٢) البلكات ، حضروا عند القاضي [فأمرهم القاضي](٣) بالسعي في الصلح.

فسعوا في ذلك بعد التأبّي الأعظم ، وهمدت الفتنة ، بعد أن نهب لإيواز بيك وللعسكر ما يساوي نحو (٤) مائة كيس من القروش من الأمتعة وغير ذلك.

__________________

(١) في النسختين «الجرحا». والاثبات من المحققة.

(٢) في (أ) «رؤس». والاثبات من (ج).

(٣) ما بين حاصرتين من (ج).

(٤) في (ج) «نحو ما يساوي مائة كيس».

٣٨٣

هكذا أخبرني فقيه سردار المتفرقة ، وأنهم ضبطوا عند إيواز [بيك](١).

وفي اليوم الثاني : جمع القاضي بين إيواز بيك والشريف عنده ، وأبان إيواز بيك عن حجته ، وذكر ما أخذ عليه فقال : «أرد كلّ ما قدرت عليه مما هو لك ، وما لم أجده ، أعطيك ثمنه».

وقاما من عند القاضي ، وذهب كلا إلى بيته ـ والله أعلم بما في نفوسهم ـ.

ثم لما كان يوم سابع عشر ربيع الثاني : هجمت الأشراف مكة عند صلاة الحنفي (٢) ، فخرج عليهم الشريف سعيد ، فرجعوا.

ولم تزل العسكر بين الشريف سعيد وإيواز بيك حتى جمعوا بينهما ، وحصل الصلح ـ بحسب الظاهر ، والله أعلم بحقيقة الحال ـ.

ولما كان يوم الاثنين ثامن عشر شهر رجب الفرد الحرام : ورد مكة خبر آغاة القفطان ، وأنه ، وصل من ينبع وصحبته الأمر السلطاني بشرافة مكة لمولانا الشريف عبد الكريم بن محمد بن يعلى ، وأن الوزير سليمان

__________________

(١) ما بين حاصرتين من (ج).

(٢) أي عند صلاة إمام الحنفي لأن كل إمام من أئمة المذاهب الأربعة كان يصلي بأتباعه ، فكان أولا يصلي الإمام الشافعي ، ثم الحنفي ، ثم المالكي ، ثم الحنبلي. وهذا في الصلوات الأربع ، أما صلاة المغرب هم يصلونها في وقت واحد كل إمام يصلي بطائفة. عن هذا انظر : ابن ظهيرة ـ الجامع اللطيف ٢١٣ ـ ٢١٥ ، عبد الله باسلامة ـ تاريخ عمارة المسجد الحرام ٢٢٩. وقد تم في عهد الدولة السعودية الأولى ـ سعود بن عبد العزيز ـ إلغاء هذا التعدد وجمع المصلين على إمام واحد ، كما تم هذا الأمر أيضا في عهد الملك عبد العزيز بن عبد الرحمن سنة ١٣٤٣ ه‍. السباعي ـ تاريخ مكة ٢ / ٩٤٨ ، عبد الله باسلامة ـ تاريخ عمارة المسجد الحرام ٢٣٣.

٣٨٤

باشا أرسله إليه وألبسه القفطان ، ونادى له بجدة يوم سابع عشر الشهر المذكور.

فوصل الخبر لمولانا الشريف سعيد بذلك ، فأجاب : «بأن البلاد [بلاد](١) السلطان ، ونحن خدام له ، فإن كان الأمر صحيحا ، فأنا مطيع للأمر. وإن كان بالزور والبهتان ، فما عندي غير السيف».

وحضر عنده القاضي والمفتي ، فسألهم فأجابوا بمثل ذلك.

وكتب للوزير سليمان باشا كتابا مضمونه : «إن الشريف سعيد تولى بأمر سلطاني / في يده ، ولا يعزل إلا بمثله».

وأرسلوا الكتاب صحبة السيد مبارك بن حمود بن عبد الله. فتوجه إلى الباشا ، ورجع بالجواب إلى الشريف يوم الجمعة ثاني شهر شعبان ، وذكر له أن الشريف عبد الكريم وجميع من معه من السادة الأشراف وأغاة القفطان [وجماعة الباشا](٢) وصلوا جدة.

ثم أعقبه الخبر أنهم وصلوا وادي مرّ ، فأرسل إليهم مولانا الشريف سعيد ليلة الأحد رابع شعبان ، سليمان جاووش الإنقشارية ، وجاووش المتفرقة ، وجاووش الجاويشية (٣) ومعهم السيد جاد الله بن صامل ، إلى الوادي بخطاب إلى الشريف عبد الكريم ، وآغاة القفطان ، مضمونه :

«أن يشرفوا على الأمر السلطاني ، ويحيطوا به علما».

فحين وصلوا ، وسمع آغاة القفطان أحمد آغا كلام سليمان

__________________

(١) ما بين حاصرتين من (ج).

(٢) ما بين حاصرتين من (ج).

(٣) في (ج) «الجادشية».

٣٨٥

جاووش ، رزبه (١) وزجره بالسب واللعن ، [ومن جملة ما](٢) قاله له : «لو لا أنك مرسول لقطعت رأسك». فأخذوا أنفسهم ورجعوا (٣) ، وعند توجههم إلى الشريف وإلى آغاة القفطان أحمد آغا لقيتهم خمسة من الأشراف ، وواحد من جماعة الآغا ، وصحبتهم صورة الأمر السلطاني.

فأتى الجميع ، ونزلوا على الأمير إيواز بيك ، فأخذهم ، وتوجّه بهم إلى قاضي الشرع ، وسجلوا صورة الأمر الوارد في المحكمة.

فبلغ الشريف سعيد ذلك ، فأرسل إلى الصنجق يلومه على هذا الفعل ، ويخطئه (٤) في نزول هؤلاء الأشراف عنده. فأجابه الصنجق :

«إن الأمر السلطاني قد تحققناه ، والبلاد صارت للشريف عبد الكريم ، وأما هؤلاء الأشراف فيعرفوا قواعدهم ، ويردوا عن أنفسهم الجواب».

فأرسل إليهم الشريف [سعيد](٥) ، يأمرهم بالخروج من البلد ، وكرّر عليهم الرسل بذلك. فجلسوا عند الصنجق ذلك اليوم ، وحصل لهم الغداء. ثم بعد ذلك عزم [منهم](٦) اثنان على (٧) الشريف

__________________

(١) المقصود ضربه لأن المرزبة والأزبة عصية من حديد يضرب بها. ابن منظور ـ لسان العرب ١ / ١١٥٩.

(٢) ما بين حاصرتين استدركه ناسخ (ج) في الجانب اليمين.

(٣) في (أ) «وجعوا». والاثبات من (ج).

(٤) في النسختين «يخطئه». والإثبات من المحققة.

(٥) ما بين حاصرتين من (ج).

(٦) ما بين حاصرتين من (ج).

(٧) في (ج) «إلى».

٣٨٦

عبد الكريم يعرفانه (١) بالواقع ، والثلاثة عزموا إلى بيت السيد عبد المعين بن محمد (٢) بن حمود وقالوا (٣) له : «يقول لك الشريف عبد الكريم ، تكون أنت القائم مقام (٤) في البلد إلى أن أصل».

فلما تحقّق الشريف سعيد حقيقة الحال ، جمع عساكره وعربه ، وأفهمهم (٥) أن نيته الحرب. وأرسل عربان هذيل وعتيبة إلى جهات (٦) أبي لهب وبساتين العمرة ، وأمر صاحب الزير بالدق (٧) ، وأظهر حركة المقاومة.

فلما كان قرب المغرب ، وصلوا إليه المراسيل ، ومن جملتهم جاويش الإنقشارية سليمان جاووش ، الذي هو معتمد عليه في صدق الخدمة ، وأخبره بجميع ما صار إليه (٨) ، وما وقع له من آغات القفطان ، وأنّ الأمر صحيح سلطاني ، ليس فيه شك ولا يختلف فيه أحد.

فذلك الوقت أخرج نساءه (٩) ودبشهم (١٠) من البيت ، وأرسلهما إلى البستان عند كريمته الشريفة سعدية.

__________________

(١) في (ج) «يعرفه».

(٢) في (ج) «حمد».

(٣) في (أ) «قال». والاثبات من (ج).

(٤) أي قائم مقام الشريف عبد الكريم.

(٥) في (ج) «وافهم».

(٦) في (ج) «وجهه».

(٧) في النسختين «بدق». وأهمل اللام الشمسية في الكتابة والصواب «بالدق».

(٨) في (ج) «عليه».

(٩) في (أ) «نسائه». والاثبات من (ج).

(١٠) الدبش : أثاث البيت وسقط متاعه. إبراهيم أنيس ـ المعجم الوسيط ١ / ٢٧٠.

٣٨٧

فلما قرب التذكير (١) ، ركب هو ومن معه من السادة الأشراف وأتباعه ، وتوجه إلى العابدية.

فجاء السيد ظافر بن محمد ، وشريف (٢) آخر ، إلى الأمير إيواز بيك ، وأرسل معهما [بعض](٣) مماليكه وعسكره ، ونادوا في ذلك الوقت في شوارع مكة :

«البلاد بلاد الله ، وبلاد مولانا السلطان أحمد خان ، وبلاد مولانا الشريف عبد الكريم بن محمد بن يعلى». وعسّوا (٤) البلد بقية تلك الليلة.

وأصبح يوم الاثنين والبلاد خالية.

ولما كان يوم الثلاثاء سادس شعبان المكرم : دخل مولانا الشريف عبد الكريم متوليا مكة المشرفة بكرة النهار بالآلاي (٥) الأعظم ، ومعه السادة الأشراف ، وسائر عسكر مصر المحروسة ، وعسكر الوزير سليمان باشا ، وعسكر الأمير إيواز بيك ، وآغاة القفطان أحمد أغا باش جاووش ، إلى أن وصلوا باب السلام ، ودخلوا المسجد الحرام ، وفتح البيت الشريف ، وجاءوا إلى الحطيم ، فوجوا القاضي والمفتي العلماء

__________________

(١) أي قبل موعد صلاة الفجر كالعادة التي كانت جارية سابقا قبل صلاة الفجر ولا تزال جارية في كثير من بلاد المسلمين.

(٢) في (ج) «ومعه شريف».

(٣) ما بين حاصرتين من (ج).

(٤) أي طافوا البلاد بالليل لتحسس الأخبار ، لأن العس : الطواف بالليل من أجل الحراسة. ابن منظور ـ لسان العرب ٢ / ٧٧٥.

(٥) في (أ) «بالاي». والاثبات من (ج).

٣٨٨

والفقهاء ، وفاتح (١) بيت الله الأمين ، ونائب الحرم الشريف ، وسائر أرباب المناصب والوظائف ، كلا في محله (٢) على جاري عادته.

وألبس مولانا الشريف عبد الكريم القفطان السلطاني بالفرو السمور ، وألبس هو آغاة القفطان فروا سمورا ، وألبس كتخدا الوزير سليمان باشا فروا سمورا ، وألبس المفتي ونائب الحرم والشيخ محمد الشيي أفرية من القاقم (٣) ، وألبس صاحبنا الشيخ عباس المنوفي قفطان كتابة الإنشاء ، وكذلك مصطفى أفندي ديوان كاتب التركي ، وألبس سائر الأغوات وأصحاب الإدراكات ، وكل من له عادة في اللبس ، على القانون المعتاد.

ثم قرئ الأمر السلطاني في ذلك المجمع ، وكان القارئ له صاحبنا الشيخ عباس المنوفي ، ومضمونه :

«بعد الحمد والثناء ، الوصية على الرعايا والسادة الأشراف والحجاج والعمار والتجار والوافدين إلى مكة المشرفة وإلى تلك الأقطار. ومحلّ الشاهد : أن قد عزلنا الشريف سعيد عن شرافة مكة ، لموجب ما وقع علينا من عبد أعتابنا سليمان باشا ، بجميع ما صار في الحرمين الشريفين من الشريف سعيد من الشقاق ، وعدم الوفاق بينه وبين بني عمه السادة الأشراف ، وإننا قد عزلنا المذكور ، وولينا وأنعمنا على

__________________

(١) محمد الشيي الذي سيرد ذكره فيما بعد.

(٢) إشارة إلى أن كل واحد منهم أخذ مكانه المعتاد.

(٣) القاقم : دويبة في قدر السنجاب لها شعر أبيض ناعم ، وهو أعز قيمة من السنجاب. الدميري ـ حياة الحيوان الكبرى ٢ / ١٩٧ ، القلقشندي ـ صبح الأعشى ٢ / ٤٩.

٣٨٩

الشريف عبد الكريم بن محمد بن يعلى بشرافة مكة ، على ما هو مسطور في مرسومنا العالي ، وذلك بموجب ما تحققنا ، أن الرعايا (١) والسادة الأشراف مترضون عنه ، والحذر من مخالفته ، والخروج من طاعته ، وأن يعمل كلّ بما هو مأمور به في مرسومنا البادشاهي (٢) المطاع في سائر البقاع على الوجه الشرعي من غير مخالفة ولا نزاع"

ثم طلع مصطفى أفندي ديوان كاتب التركي ، وقرأ نفس الأمر الوارد (٣) ، ثم بعد ذلك قرئت أوامر الصنجق الأمير إيواز بيك ، في المجلس في ذلك المجمع ، ومضمونه :

«إننا قد أنعمنا على إيواز بيك بولاية بندر جدة المعمورة ، ومشيخة الحرم الشريف».

وألبس الصنجق القفطان الفرو السمور السلطاني (٤) الوارد صحبة الآغا ، وألبس هو من عنده آغاة القفطان الفرو السمور الذي ألبسه إياه حضرة الشريف.

ثم إن مولانا الشريف توجّه إلى داره السعيدة ، وجلس للتهنئة. فطلع إليه الناس وهنوه ، وباركوا له بالشرافة ، ومدحه الأدباء ، وهنوه بالقصائد الفائقة (٥).

__________________

(١) في النسختين «الرعاية».

(٢) كلمة فارسية بمعنى الملك الحامي أو الحارس أو صاحب العرش ، وأطلق هذا اللقب على سلاطين العثمانيين ، وهنا تعني المرسوم السلطاني. حسين نجيب المصري ـ معجم الدولة العثمانية ٣٧ ، أحمد عطية ـ القاموس الإسلامي ١ / ٢٤٧.

(٣) قرأ الأمر الوارد باللغة التركية.

(٤) في (ج) «الفرو والسمور الوارد السلطاني صحبة الآغا». تقديم وتأخير.

(٥) أورد أحمد زيني دحلان ـ خلاصة الكلام ١٥٦ هذا الخبر أيضا دون أن يذكر هذه القصائد.

٣٩٠

ونودي له في ذلك الوقت في شوارع مكة بالبلاد والزينة سبعة أيام. وحصل بذلك السرور التام للخاص والعام.

وقد أرّخ ولايته هذه ، الوجيه الشيخ عبد الرحمن ابن صاحبنا الشيخ عباس المنوفي ، وهو بمصر المحروسة بقوله : «ولي حمى الحرمين عبد الكريم ابن محمد بن يعلى». ـ وفيه من اللطافة (١) ما لا يخفى ـ.

ثم إن شيخ الحرم المكي إيواز بيك ، وآغاة القفطان ، وكتخدا (٢) الوزير سليمان باشا ، وبعض جماعتهم ، دخلوا البيت الشريف.

وبعده عزم الصنجق إلى داره ، وجلس للتهنئة ، فطلع إليه الناس وهنوه بالمنصب الشريف.

وفي يوم الخميس ثامن عشر شعبان : عزم السيد دخيل الله بن حمود ، وأبو نمي بن باز ، ومعه كتخدا لآغاة القفطان ، واثنان من صرايجة مصر ، إلى جهة الشريف سعيد في الشرقية وصحبتهم الأمر الوارد صحبة الآغا بصدده ، ومضمونه :

«إننا قد عزلناك / ، وولينا الشريف عبد الكريم ، وعيّنا لك ما يكفيك بمصر كل يوم ألف ديواني ، وجميع ما تنفقه من مكة إلى مصر المحروسة ، وما تحتاج إليه تعطى من خزينتنا».

فلما فهم مضمون الأمر استحسن ذلك ، وتوجه إلى جهة اليمن هو ومن معه ، ورجعوا المراسيل ، وعرّفوا الشريف ، وآغاة القفطان والصنجق بالواقع.

__________________

(١) في (أ) «اللطفافة». والاثبات من (ج).

(٢) في (أ) «كنتخدا». والاثبات من (ج) وسبق تعريفها.

٣٩١

ثم لما كان يوم السبت عاشر الشهر المذكور : نزل الوزير عثمان آغا كتخدا الأمير إيواز بيك جدة ، لاستلام البندر ، فوصل يوم الاثنين ثاني عشر الشهر المذكور (١) ، فألبسه سليمان باشا قفطانا. وأصبح يوم الثلاثاء أسلمه البندر.

ويوم الأربعاء : أرسل الباشا خزنته وحريمه إلى مكة ، وتخلّف هو عنهم يوما. ثم شدّ (٢) ، وتوجه إلى مكة ، فدخلها يوم السبت سادس عشر شعبان ، لإفادة حضرة الشريف والصنجق ، ونزل بطوى ، وطلع إليه الناس وسلّموا عليه في ذلك المحلّ.

وفي يوم الخميس ثاني عشرين شعبان : جعل مولانا الشريف عبد الكريم مجلسا جمع فيه السادة الأشراف والوزير سليمان باشا ، وشيخ الحرم المكي إيواز بيك ، وقاضي الشرع ، والمفتيين والعلماء والفقهاء ، [وأغوات السبع بلكات ، وآغاة القفطان ، وسائر عساكر مصر](٣).

فلما تمّ بهم المجلس ، تكلم مولانا الشريف مع السادة الأشراف ، وشرط عليهم شروطا فقال :

«يا رفاقة : قد شاهدتم ما وقع بيننا من الشقاق ، وعدم الوفاق ، حتى آل الأمر إلى الحرب والقتال ، وتعبنا نحن والرعايا وعمّت الفتن ، وأصيب (٤) فيها الغني والفقير ، وذهب بسببها الأموال والرجال ، ومضى على هذا الحال زمن ، والكلّ منكم قد تحقق ما صار ، وحضره عيانا ،

__________________

(١) شهر شعبان.

(٢) شدّ : جد في المسير.

(٣) ما بين حاصرتين من (ج).

(٤) في (أ) «واجيب». والاثبات من (ج).

٣٩٢

والموجب لهذا الشقاق والتعب كله زيادة المعاليم (١) الخارجة عن المعتاد الذي عجزت عن تحصيلها البلاد والعباد. فكلّ منكم ينكر على من يتولى ، ويحصل بينكم وبينه التعب والمشقة بسبب المعلوم. فالقصد منكم ، أنكم تنظرون في مدخول البلاد ، وتوزّعونه أرباعا ، فثلاثة أرباعه لكم (٢) ، يكون بينكم ، والربع يكون لي ولجماعتي وعسكري ومهمات البلد».

وإن كان فيكم من يقدر على القيام به ، فليتقدم ، وأنا أنزل له عن الشرافة ، وأكون كواحد منكم (٣)».

وطلب منهم الجواب. فانتدب السيد محمد بن أحمد شيخ ذوي (٤) عبد الله (٥) ، وقال :

«قد سمعتم ما قاله الشريف لكم ، فما تجيبوه بما في مرادكم»؟.

فأجابوا جميعا ، وقالوا : «رضينا بذلك».

فسجل القاضي ما سمعه من رضاهم في المجلس ، وكتب عليهم بموجب ذلك حجة شرعية.

ثم التفت إليهم الوزير سليمان باشا ، وقال لهم :

«أنا متوجّه إلى الأعتاب العلية ، وإذا وصلت إن شاء الله تعالى

__________________

(١) معظم الخلافات التي بين الأشراف كانت بسبب كيفية تقسيم الأموال المخصصة لهم من الدولة ، وكذلك الخلاف على الحكم.

(٢) في (ج) «فلكل ملك يتولى يحصل بينكم وبينه».

(٣) في (ج) «أرباعه يكون بينكم».

(٤) في (أ) «ذي». والاثبات من (ج).

(٥) التعريف بهم.

٣٩٣

بالسلامة ، أجتهد لكم فيما يعود به النفع عليكم».

وانقضى المجلس إلى ذلك (١).

وفي غرة رجب الفرد الحرام : توجه الأمير (٢) إلى حضرة الشريف ، وكذلك أغوات السبع بلكات ، وأرباب الأدراك ، وأحضروا القاضي والمفتين والعلماء والفقهاء ، وادّعى الصنجق على الإنقشارية بحضرة / [القاضي](٣) ، وقال لهم :

«جميع ما وقع من الحصار والنهب في زمن الشريف سعيد فكان بسببكم وبحركة منكم».

فأنكروا ذلك. فأورد عليهم الشهود في المجلس ، فثبتت الدعوى ، وكتب عليهم حجة بعصيانهم ، وخروجهم عن طاعة السلطان.

ثم إنهم اختشوا (٤) العقاب بعد ذلك من طرق السلطنة العلّية ، فدخلوا على حضرة الشريف والقاضي ، وطلب العفو عن الصنجق ، فعفا عنه.

وفي يوم الأحد رابع شهر رمضان المعظم : أمر الشريف بشنق (٥) أحد عشر رجلا من عرب هذيل من بني مسعود ، فعلقوا خمسة في السوق الصغير ، واثنين في المسعى عند البزابيز (٦) ، واثنين في المدعى ، [واثنين

__________________

(١) عن هذه الأحداث انظر : أحمد زيني دحلان ـ خلاصة الكلام ١٥٥ ـ ١٥٧.

(٢) أي الأمير إيواز بيك.

(٣) ما بين حاصرتين سقط من (أ). والاثبات من (ج).

(٤) أي خافوا من أن تصل إليهم العقوبة من الدولة العثمانية.

(٥) في النسختين «إحدى عشر».

(٦) جمع بزبوز : صنبور حنفية متحركة. رينهارت دوزي ـ تكملة المعاجم العربية ١ / ٣٢٣.

٣٩٤

في](١) سوق المعلاة.

والسبب في شنقهم : أن مورقا أرسله السيد أحمد بن يوسف إلى جدة في مصالح الشريف ، فتعرض له هؤلاء العرب عند المحل المعروف بأبي الدود (٢) ، فأخذوه ، وصوبوه. فرجع المورق ، وأخبر بما وقع له من العرب ، ففزع الشريف بعض الخيل ، وأرسل معهم السيد عبد الله بن بركات ، فأخذ أثرهم ، وقصوا جرتهم ، إلى أن أوصلوها مراح هؤلاء المشنوقين ، فأدركوهم هناك ، وتراموا هم وإياهم بالبندق ساعة ، ثم ظفر بالأحد (٣) عشر فمسكوهم ، وما بقي [منهم](٤) فرّ بنفسه وملك الجبال وتزبن (٥) فيها. ومنية هؤلاء عقبتهم عن رفقائهم ـ فسبحان الفعال لما يريد ـ.

وفي يوم الأحد المبارك ثامن شهر شوال : نزل شيخ الحرم المكي

__________________

(١) ما بين حاصرتين من (ج).

(٢) في النسختين «أبي الدود». والصحيح «أم الدود» : وهي القرية التي تقع في وادي بلدح لها (فخ) والذي عرفه الأزرقي باسم وادي مكة. وقد أطلق عليها الآن اسم أم الجود بدلا من أم الدود. الأزرقي ـ أخبار مكة ١ / ١٩١ حاشية (١) ، ٢ / ٣٨٢ ، البلادي ـ معجم معالم الحجاز ١ / ٢٣٩ ، معالم مكة ٤٢. ويذكر حمد الجاسر في المعجم الجغرافي ١ / ٢٣٩ أنه اطلق عليها اسم أم الورود.

(٣) الأشخاص السابق ذكرهم آنفا الذين كانوا من هذيل وشنقوا في أماكن متعددة من مكة.

(٤) ما بين حاصرتين من (ج).

(٥) في (أ) «تزين». والاثبات من (ج) لأن معنى (تزبن فيها) دفع عنها ، لأن الزبن تعني الدفع. وهنا بمعنى امتنع. انظر : ابن منظور ـ لسان العرب ٢ / ٩. عن هذه الحادثة انظر : السباعي ـ تاريخ مكة ٢ / ٤١١.

٣٩٥

إيواز بيك إلى جدة ، ودخلها يوم الثلاثاء عاشر الشهر المذكور (١) بموكب عظيم إلى القلعة ، ووصل إليه الناس ، والتجار وأعيان البندر يهنونه (٢) بالمنصب ، ويسلمون (٣) عليه سلام (٤) القدوم.

وفي يوم الأحد خامس عشر الشهر المذكور (٥) : ورد خبر إلى الشريف ، أن السيد محمد بن عبد الكريم وصل القنفذة ، وتعرّض لبعض جلاب واصلة من اليمن وأخذ ما فيها ، وفرّقها هو والشريف سعيد على عرب حجاز (٦) اليمن ، وجمعوا بها العربان ، وصار مع الشريف سعيد من القوم زهاء [من](٧) خمسة آلاف مقاتل ، وقصده يدخل بهم مكة.

فلما بلغ الشريف ذلك ، شرع في جمع القبائل من العربان ، وأرسل إليهم بعض السادة الأشراف يأتيه بهم.

فلما كان يوم الأربعاء خامس عشر الشهر المذكور : وصل السيد مبارك بن أحمد بن زيد ، ومعه بعض عرب ، عرض بهم على الشريف.

ويوم [الأحد](٨) تاسع عشر الشهر : وصل بعض عرب الشرق وعرضوا.

وفي غرة ذي القعدة : وصلت قبيلة من عربان مخلد.

__________________

(١) شهر شوال.

(٢) في النسختين «ويهنونه». وحذفنا الواو للسياق.

(٣) في (أ) «يسلمونه». والاثبات من (ج).

(٤) في (أ) «وسلام». والاثبات من (ج).

(٥) أي شهر شوال.

(٦) القبائل الحجازية التي تقطن جهة اليمن.

(٧) ما بين حاصرتين من (ج).

(٨) ما بين حاصرتين من (ج).

٣٩٦

وفي يوم الجمعة خامس ذي القعدة : دخل أخو مولانا الشريف ، ومعه الروقة ، قبيلة من عتيبة ، وعرض بهم أيضا.

ثم لم تزل العربان تتوارد على مولانا الشريف إلى يوم الثلاثاء تاسع عشر الشهر المذكور (١).

وفي هذا اليوم : وصل الشريف بنفسه عند القاضي بعد صلاة العصر ، وجمع المفتين والعلماء ، وبعض الفقهاء ، وأغوات السبع بلكات وأصحاب الإدراك ، وقال لهم : «تحيطون علما أن الشريف سعيد جمع أشقياء العرب المفسدين البغاة ، وقصده يدخل بهم بلاد السلطان ومحاربتنا ، فما تقولون»؟.

فأجابوا جميعهم :

«نحن تحت أمر السلطان وأمرك ، وقد كنا عند الوزير سليمان باشا ، وأخبرنا بمثل هذا ، فأجبناه (٢) بالسمع والطاعة ، ولا فينا من يخرج من (٣) الأمر».

فقال لهم الشريف : «إن قصدي إقامة أحد إخواني في البلاد ، فتكونوا جميعا تحت أمره ، فتحفظوا نفسكم ومن / يلوذ بكم من الفساد ، وتفيدوا في محافظة العباد والبلاد».

فأجابوا جميعا : «بأننا في خدمتك ، وتحت أمرك وأمر السلطان».

فقال : «هذا القصد منكم».

__________________

(١) شهر شوال.

(٢) في (ج) «فأجبنا».

(٣) في (ج) «عن».

٣٩٧

ثم طلب منهم جماعة يمشون صحبته ، فأعطوه قدر ما طلب ، وقرأوا الفاتحة (١) على ذلك ، وتوجّهوا في أخذ أسباب السفر مع الشريف.

فلما كان يوم الأربعاء عاشر ذي القعدة : برز الشريف بعسكره وأتباعه في بركة ماجن ، وخرج معه من عسكر مصر مائتي (٢) نفر ، ومائة من الإنقشارية والعزب ، ومائة من بقية البلكات.

وخرجت جميع العربان التي تجمعت عن الشريف من سائر القبائل ، وخرج أيضا الوزير سليمان باشا ، والشريف من سائر القبائل.

وباتوا ليلة الخميس في البركة ، وأصبحوا شدّوا منها إلى الحسينية (٣) ، وباتوا بها ليلة الجمعة.

وفي هذا اليوم : وصل إليهم السيد عبد الله بن سعيد بن شنبر ، وصحبته زهاء من خمسمائة رجل من ثقيف ، جاء بهم من الطائف.

ثم إن الشريف والباشا ، أرسلوا من يكشف لهم [عن](٤) خبر الشريف سعيد ، فرجعت المراسيل ، وأخبرت أنه حط الشرقية (٥) ، فعند

__________________

(١) في النسختين وردت «وقرؤا». والتصحيح من المحققة ، وقراءة الفاتحة كناية عن الصدق في المعاملة وطلب التوفيق من الله ، وهي من العادات الشائعة عند كل اتفاق بين كثير من المسلمين.

(٢) في الأصل «مائتين».

(٣) سبق تعريفها.

(٤) ما بين حاصرتين من (ج).

(٥) في النسختين «الشرقية». وفي أحمد زيني دحلان ـ خلاصة الكلام ١٥٨ «الشرفية». والشرفية : عين في وادي ضيم ، وضيم واد لهذيل يسيل من جبال الفرع ، وشعار من سراة طود جنوب غربي الحجاز الطائف ، فيه مزارع ويبعد عن مكة بحوالي ٤١ كيلا جنوبا. انظر : البلادي ـ معجم معالم الحجاز ٥ / ٢١٢ ـ ٢١٣. والشرقية : حي

٣٩٨

ذلك تقدم الشريف عبد الكريم ومن معه ونزل العابدية.

وقد كان الشريف سعيد قدّم جميع من معه من الأشراف والأتباع المتشوشين إلى العابدية ، منهم السيد عبد الله بن محمد بن يحيى ، والسيد محسن بن عبد الله ، وخازن داره ، وبعض أهالي مكة ممّن تبعه. وأدخل الجميع على بعض ذوي عبد الله ، قبل قيام الحرب.

ويوم السبت : وصل الشريف سعيد بقومه العابدية ، وقبل وصوله أرسل إليه الشريف [السيد](١) دخيل الله بن حمود ، وعرفه بأن :

«هذا الفعل ليس بصواب ، وأن مجيئك بهؤلاء القوم ـ كلاب الحجاز ـ ، السلطنة (٢) ما ترضى هذا الفعل. والأولى أن تحقن دماء المسلمين ، وترجع بهم من حيث جئت. ومن حذّر فقد أنذر».

فما التفت إلى هذا الكلام ، لأن قومه في غاية الكثرة ، وكذلك القوم أيضا تحققوا من أنفسهم الظفر ، وأعجبتهم كثرتهم.

فرجع السيد دخيل الله ، وأفهم الشريف بما سمعه من الشريف سعيد.

ـ وقد سبق في علم الله وقدره ما كان وما سيكون ، فنسأله اللطف في الحركة والسكون ـ.

فحين نزل الشريف سعيد العابدية ، وجد بها الشريف عبد الكريم ،

__________________

بالطائف بين وادي العقيق ، ووادي وج ، يعتبر من أكبر أحياء الطائف. البلادي ـ معجم معالم الحجاز ٥ / ٤١.

(١) ما بين حاصرتين من (ج).

(٢) الدولة العثمانية.

٣٩٩

فلما تراءى الجمعان ، وقع بينهم الرمي بالبندق من البعد.

وفي هذا اليوم : وصل الأمير إيواز بيك بمماليكه وعسكره وأتباعه ، من جدة ، ونزل في طوى ، وقيّل إلى بعد الظهر ، ثم ركب ، وطلع من ثنية كدي ، وتوجه مع بعض خدم الشريف عبد الكريم ، وفي آخر النهار وصل إلى عرفة ، ونزل قرب الجبل (١) ، وباتوا تلك الليلة جميعا في عرفة. وأصبحوا يوم الاثنين ، أرسل الشريف للصنجق يقول :

«تأنّ لا تعجل في الركوب».

فوافق في الظاهر ، وأما في الباطن فقد تأهب للقتال والبروز في الميدان ، ووقع الرمي من جهته ساعة ، ثم رمح بنفسه ومماليكه.

فبلغ [الشريف](٢) أنّ الصنجق رمح ، فركض بنفسه وجماعته ، وتخلّف سليمان باشا عقب العسكر للنظر في حالهم ، وحثهم على التقدم.

فعند ذلك انكسر قومه كسرة شنيعة (٣) ، ووقع فيهم مقتلة عظيمة. فانهزموا ، وتركوا جميع ما وصلوا به من مال وجمال وغنم وبقر وحمير / ٣٦٥ وغير ذلك ، ومن صنف الذخائر ، فتركوا شيئا كثيرا. /.

فنهب جميع ذلك عسكر الشريف والباشا والصنجق وعبيد السادة الأشراف.

وجاءت (٤) الناس هارعة إلى مكة (٥) فوجا بعد فوج ، والكسب في

__________________

(١) المقصود به جبل الرحمة. وهو جبل عرفات ، وكان يسمى جبل القرين ، وإلا لا وقد يسمى النابت. انظر : البلادي ـ معالم مكة التاريخية ١٨٢.

(٢) ما بين حاصرتين من (ج).

(٣) المقصود قوم الشريف سعيد.

(٤) في (أ) «جائت». والاثبات من (ج).

(٥) في (أ) تكررت كلمة «مكة» مرتين.

٤٠٠