منائح الكرم في أخبار مكة والبيت وولاة الحرم - ج ٥

علي بن تاج الدين بن تقي الدين السنجاري

منائح الكرم في أخبار مكة والبيت وولاة الحرم - ج ٥

المؤلف:

علي بن تاج الدين بن تقي الدين السنجاري


المحقق: الدكتورة ملك محمد خياط
الموضوع : التاريخ والجغرافيا
الناشر: جامعة أم القرى
الطبعة: ١
ISBN الدورة:
9960-03-366-X

الصفحات: ٥٨١

فلما كان اليوم الثالث من أيام الذمة ، لم يشعر إلا وقد دهمهم (١) بعد أن فسدت قبائله قبائلهم.

فلما ظهر للأشراف ذلك ، وانحاز بعض من معهم إلى قوم سعد ، ولم يبق معهم إلا الجبالية ويافع ، ترافعوا عنهم وعادوا إلى دوقة ، ونزل بمراحهم (٢) ، وأخذ ما وجد ، لكونهم لم يقبلوا [له](٣). فلما بلغوا دوقة ، وجدوا بها الشريف عبد الكريم ، وكان الشريف سعد قد صيّر خلفهم محمد بن عبد الكريم ، فلما أن وصل دوقة ، ورأى قوتهم بالشريف عبد الكريم ومن معه ، عاد راجعا إلى الشريف سعد ، وأخبره.

فلما فشى ذلك فيهم ، تفرقت عنهم القبائل ، ولم يبق منهم أحد ، فقصد الشريف سعد أرض غامد ، وليس معه إلا ثلاثة أو أربعة من الخيل ، ومثلها من الركاب.

فأقام الشريف عبد الكريم بالقنفذة ، وجعل عليهم العيون (٤) ، فجاءه خبر ضعفه ، وتفرق القوم عنهم.

ثم إن الشريف عبد الكريم جهز أخاه حامدا في مائتي بدوي إلى الطائف ، خوفا من أن يدخله الشريف سعد. فلما دنا (٥) من الطائف ، بلغه أن الشريف سعد سبقه إليه ، ودخل الطائف ، ومعه نحو ألف

__________________

(١) دهمهم : أغشوهم فجأة. ابن منظور ـ لسان العرب ١ / ١٠٢٧.

(٢) المراح : أي المكان الذي استراحوا فيه.

(٣) ما بين حاصرتين من (ج).

(٤) في (ج) «العبود».

(٥) في النسختين" دنى».

٣٤١

وثلاثمائة من غامد وزهران وبني حسن (١).

وكان دخوله يوم الخميس لست وعشرين خلت من رمضان ، ونادى فيه لنفسه ، وخرج متوجها إلى مكة يوم السبت ـ أعني الثامن والعشرين من رمضان ـ.

فعقبه (٢) السيد حامد بن محمد على الطائف ، فوجده قد أخذ من أهله ست وعشرين غرارة (٣) من الحب.

وكان دخول السيد حامد إلى الطائف بعد خروج الشريف سعد سلخ رمضان. فنادى فيه لأخيه الشريف عبد الكريم بن محمد ، وخطب يوم العيد ، ودعا (٤) للشريف عبد الكريم.

ولما بلغ الوزير سليمان باشا ذلك الأمر والحال ، جمع محضرا ، وذلك يوم السبت ثامن عشرين رمضان المعظم ، حضره القاضي ، والمفتي ، والعلماء ، والفقهاء ، والسادة الأشراف ، وأكابر العسكر من السبع بلكات ، والكشاف (٥) الواردين من مصر. وكان ذلك المحضر بمقام

__________________

(١) بنو حسن بطن من بني يوسي من زهران. عمر كحالة ـ معجم قبائل العرب ١ / ٢٧٤ ، البلادي ـ معجم قبائل الحجاز ١ / ١٠٤.

(٢) في (أ) «فقبضه». والاثبات من (ج).

(٣) غرارة : واحدة الغرائر والأصل فيها أنها كانت للتبن ثم تطورت وأصبح يوضع فيها القمح ونحوه وهي أكبر من الجولق. ابن منظور ـ لسان العرب ٣ / ٩٧٤ ، إبراهيم أنيس ـ المعجم الوسيط ٢ / ٦٤٨. والجولق : وعاء من صوف أو شعر أو غيرها كالغرارة وهي عند العامة شوال. إبراهيم أنيس ـ المعجم الوسيط ١ / ١٤٨ ـ ١٤٩.

(٤) في النسختين «دعى». والصواب ما أثبتناه.

(٥) كشاف ، والكشافة : فئة معينة من العسكر عملها الخروج والكشف عن الأخبار. البقلي ـ التعريف بمصطلحات صبح الأعشى ٢٨٨. والمقصود هنا الذي وردوا

٣٤٢

الحنفي بالحرم الشريف. وقال لهم الباشا :

«إن الشريف سعد جمع جموعا وقصده مكة وأخذها بالغلبة ، والحال أنه نزل عنها سابقا لولده الشريف سعيد لادعائه العجز عن القيام بها. وإنا قد عزلنا سعيدا لعدم رضا بني عمه به ، حيث قطع معاشهم ، ووقع بذلك فساد الطرق ، وقتل العالم ، ونهب الأموال ، وتولد من ذلك ما شاهدوه العالم ، من القحط (١) والغلاء (٢). فوضعنا محل سعيد (٣) عمه الشريف عبد المحسن. ثم انه نزل عن طيب نفس ، وانشراح صدر ، لابن عمه الشريف عبد الكريم لما رأى فيه من الصلاح ، وقد صلحت معه العباد والبلاد ، وأمنت الطرق ، وعاش الناس».

فقال من (٤) في المجلس : «نعم لا يصلح لها إلا هو».

ثم قال : «وقد عرضنا على الأبواب بعد رضا أهل (٥) العقد والحل ، ثم نسأل الحاضرين عن الحكم في هذا الداخل المتغلب».

فقالوا : «على عسكر السلطان وعونة الإسلام دفعه وقتاله».

فحكم القاضي بذلك ، وكتب بموجب ذلك حجة.

فأجاب جميع (٦) العسكر (٧) بالسمع والطاعة ، لدفع / هذا

__________________

من مصر للكشف عن الوضع الداخلي لمكة المكرمة.

(١) كما حدث في عام ١١١٥ ه‍.

(٢) في النسختين «الغلا» لعادته في إهمال الهمزة.

(٣) من (أ) «بن عمه». والاثبات من (ج).

(٤) سقطت من (أ). والاثبات من (ج).

(٥) وردت في (ج) «حل».

(٦) في (أ) «جمع». والاثبات من (ج).

(٧) في (ج) «العساكر».

٣٤٣

المتغلب.

فلما كان يوم التاسع والعشرين من رمضان : حملوا سلاحهم ، وباتوا ليلة الاثنين ، مظهرين الاستعداد للمقاتلة على حسب الطاقة على طبق ما صار ، ونزلوا في المتارس.

فلما رأوا القوم قد أقبلت ، نزلوا من مراكزهم من غير قتال (١) ـ والله أعلم بحقيقة الحال ـ.

وبلغنا أن الشريف سعد لما رجع إلى غامد وزهران ، راجع نفسه ، وقطع أمله ، وعاد إلى الله ، وبسط العذر لمن معه ، ولم يبق إلا من هو يملكه (٢). فبينما هو كذلك إذ جاءه بعض الرمالين (٣) فقال له :

«إني أرى لك أنك تلي أمر مكة ، ولا بد لك من دخولها ، ولكن إن مضيت لها مجدّا في السير هذا ، فإنك تملكها ما دام الشريف عبد الكريم بأرض اليمن».

فعند ذلك جدّد العزم وشدّ مأزر الحزم ، وسار مجدّا ليله ونهاره ، قاطعا للجبال (٤) والرمال برجله ، لعدم سلوك الخيل مركوبة ، في تلك

__________________

(١) عن هذه الأحداث انظر : أحمد زيني دحلان ص ١٣٩ ـ ١٤٢.

(٢) أي عبيده ومماليكه.

(٣) الرمالون : من يتعاطى علم الرمل أي المنجمون. وهذه من الأشياء التي نهى عنها الإسلام لقول رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم : «من أتى عارفا أو كهانا فصدقه بما يقول فقد كفر بما أنزل على محمد صلى‌الله‌عليه‌وسلم». للأربعة والحاكم صحيح على شرطهما. الحاكم ـ المستدرك ١ / ٨ في كتاب الإيمان باب التشديد في اتيان الكاهن.

(٤) لأن هذه المناطق جبلية وعرة ، سلسلة جبال السراة.

٣٤٤

الأماكن. ولم يدخل معه من القبائل إلا من لا يؤمن بيوم المعاد. فما راع الناس صبح يوم الثلاثين من رمضان إلا وهو بالأبطح.

وكان مولانا الشريف عبد الكريم بالرباط من أرض اليمن ـ محل معروف جهة اليمن ـ ولم يكن بمكة من الأشراف إلا شرذمة قليلة.

وكان وكيل الديرة يومئذ السيد محمد بن عمرو بن محمد بن بركات ، فتهيأ بمن معه من الأشراف ، واستعان بعسكر الباشا سليمان ، ومن تلفق بهم من البلد والبدو ، نحو سبعين ألف مقاتل (١). فأطلعوهم على جبال المعلاة المتصلة بالمعابدة ، وجعلوا عسكر مصر الإنقشارية على جبل أبي قبيس ، وركب والي الديرة ومن معه من الأشراف ، وتبطنوا (٢) وادي إبراهيم (٣) المعروف بالخريق ، ومعهم بعض عسكر من جماعة سليمان باشا ، ورموا بالرصاص إلى أن تكاثرت عليهم العربان ، وانتشروا في البلاد والجبال كالجراد.

ونزلت العساكر من مراكزهم ، فملكها حينئذ جماعة الشريف سعد الخارجون عن (٤) طاعة الولاة ، وصار رميهم بالرصاص إلى محل وقوف

__________________

(١) لم يذكر الطبري في الاتحاف ولا أحمد زيني في خلاصة الكلام العدد الذي كان مع محمد بن عمر بن بركات وكيل الشريف عبد الكريم. وبالطبع فهذا العدد مبالغ فيه!!.

(٢) نزلوا إلى بطن الوادي متحصنين به.

(٣) هو الوادي الذي يقع فيه البيت الحرام ، منابعه من بشير غيناء وثبير النصع وجبل الطارقي وحراء ثم يندفع غربا مارا بين الحجون والخنادم ثم بالمسجد الحرام ، ثم بالمسفلة حتى يدفع في وادي عرفة شمالا. البلادي ـ معجم معالم الحجاز ١ / ٢٦ ، السباعي ـ تاريخ مكة ٢ / ٢٦٣ حاشية (٣).

(٤) في (أ) تكرر «عن» مرتين.

٣٤٥

الأشراف بالخريق (١).

فلما وصل الشريف سعد إلى (٢) بستان الأزمرلي (٣) ، وهو بستان الخاصكية (٤) ، علمت الأشراف أن لا قدرة لهم عليهم ، فخرجوا من عنده من مكة ، ونزلوا العالم في ربكة (٥).

فدخلها الشريف سعد ضحوة النهار من أعلى مكة من غير مقاومة ولا مقاتلة. غير أن السيد عبد المطلب بن أحمد بن زيد ، واقف على باب داره موادعا لأهله ، فقدر الله عليه ، فجاءته رصاصة ، فسقط من على فرسه ، وذلك بعد دخول عمه الشريف سعد مكة (٦) ، فنقل إلى الحسينية (٧) فمات بها يوم الخميس ، ثالث عيد الفطر ، ودفن رابعه يوم الجمعة بالمعلاة ، وكان له مشهد (٨) ، بكى عليه فيه الخاص والعام ، ونزل مع الجنازة عمه الشريف سعد ، وصلى عليه ورجع إلى داره.

__________________

(١) في أودية الحجاز الغورية يجتمع في مقارن مسر إلى أن يدفعها في وادي قديد في الجنوب. البلادي ـ معجم معالم الحجاز ٣ / ١٢٠.

(٢) في (ج) «سعد بستان».

(٣) في (ج) «الأزرملي».

(٤) من خاصكي : وهو ضابط نظام من ستين ضابطا كانت مهمتهم حراسة السلطان وحمل المحمل الشريف والقيام بكل لوازمه. حسين نجيب المصري ـ معجم الدولة العثمانية ٧٥ ، محمد قنديل ـ التعريف بمصطلحات صبح الأعشى ١١٤. والمقصود هنا أن الشريف سعد وصل إلى بستان الأزمرلي.

(٥) أي أن الناس أصبحوا مضطربين وغير متزني التفكير.

(٦) عن هذا انظر : أحمد زيني دحلان ـ خلاصة الكلام ١٤١.

(٧) قرية آل زيد التي سبق ذكرها.

(٨) يقصد الناس الذين شاهدوا الجنازة.

٣٤٦

وكان صوابه يوم الاثنين ، يوم وصل (١) الشريف سعد ، بعد أن استقر عمه في دار السعادة.

وتغلبت البادية التي معه على النهب من كل جهة. فنهبت البيوت ، وأخذوا ما وجدوا من نقود وقوت وماعز ، وهان من متاع وأثاث ، وأراعت الذكور والاناث (٢). فكم من رجل نزعت من فوقه ثيابه ومزقت منه إهابه ، وكم من حرة شريفة هتكت ، وكاسية سلبت ، وحامل أسقطت. وحائل تسلم الجدار وسقطوا (٣).

فما زالوا ينتهبون الرفيع والوضيع ، ويسومونهم بالضرب والتقطيع حتى دخل الليل ، وبطل القوى والحيل. فمن الناس من مات / فجأة ، ومنهم من مرض ، ومنهم من اختبل.

فلما حلّ دار السعادة ، وجلس في تخت ولايته ، بعث إلى سليمان باشا بالأمان ، والتمس منه مثل ذلك ، ليكن الشأن. فأجابه إلى ذلك ، غير أنه لم يأمنه ، فجمع [جميع](٤) جنده عند بابه ، وملأ المدافع ، وفرق بعض العسكر اللاواند (٥) في البيوت حوله (٦) ميمنة وميسرة أياما

__________________

(١) في (ج) «يوم دخول».

(٢) عن هذا السلب والنهب انظر محمد علي الطبري الاتحاف (مخطوط) ورقة ٢ / ١٣٦ ، أحمد زيني دحلان ـ خلاصة الكلام ١٤٣.

(٣) هذا من المبالغة في القول.

(٤) ما بين حاصرتين من (ج).

(٥) استخدم العثمانيون في اسطولهم في البداية عناصر مسلحة بالبنادق أطلق عليها اسم اللوند. وهي كلمة ايطالية من لوانتي ، أي شرقي. وكلف اللوند مع سفن الأسطول العثماني بالمحافظة على المناطق الشرقية ووضع تحت امرة الصناجق والايالات في المناطق الشرقية ، وكان من بينهم عناصر خيالة. ومع مرور الأيام كلفت هذه العناصر للقيام بمهام في الداخل. عنها انظر : محمود شوكت ـ التشكيلات والأزياء العسكرية العثمانية ١٣٢ ، حسين نجيب المصري ـ معجم الدولة العثمانية ١٧٨ ـ ١٧٩.

(٦) في (ج) «حواه».

٣٤٧

عديدة ، والشريف سعد يأمره بترك ذلك ، ويقول له : «أنت آمن على نفسك ومالك».

فقال له : «ليس إلى ترك هذا سبيل ، والله حسبنا ونعم الوكيل».

ثم بعث إليه وقال : «أنت من الوزراء وأرباب (١) الدولة ، فلا بأس أن تلبسني خلعة (٢) التشريف ، لتأمن العباد والبلاد ، ويطيع الحاضر والباد».

فلم يجبه إلى مطلوبه معتمدا على استعداده.

فلما أيس من ذلك ، أمر بمجلس في الحرم الشريف حضره القاضي ، والمفتي ، وجماعة من الفقهاء ، وجماعة من بني عمه ، فلما تكامل المجلس ، نزل لهم بنفسه ، وقال :

«اعلموا أيها الناس ، إني كنت نزلت عن الشرافة لولدي سعيد ، فلما لم يصلح لها ، عزله بنو عمه ، وولوا ابن عمه عبد المحسن ، ثم انه نزل عنه لابن عمه عبد الكريم ، فالتمست منه اقامة أودي (٣). فأبى بعد الرضا بذلك ، فوثب عليها الآن (٤). فهل ترون أني أحق بها وأهلها؟.

فقال الجميع : «نعم».

فقال : «إذهبوا إلى سليمان باشا ، وألزموه أن يلبسني خلعة

__________________

(١) في (أ) «باب الدولة». والاثبات من (ج).

(٢) لبس الخلعة هنا كناية عن الاعتراف الرسمي بشرافته.

(٣) المقصود هنا أن الشريف عبد المحسن لم يولي الشريف سعد ما أراد من توليته ولاية نجد.

(٤) المقصود بذلك أخذ الشرافة.

٣٤٨

التشريف ، لتقر العباد والبلاد».

فذهبوا إليه ، فقال : «أمر سهل ، لكن على شرط : أن يكتب له حجة شرعية ، تتضمن أن الشريف سعيدا قد أفسد البلاد ، وأضرّ (١) العباد. وأن ذلك سبب قيام بني عمه عليه ، وعزلهم له. وأنهم ولّوا عبد المحسن برضاهم ، وأنه نزل عنها بطيب نفس للشريف عبد الكريم برضاه ، ورضى بني عمه الأشراف ، لكونه أحقّ بهذه الشرافة ، وأصلح لها. وأنه خرج للإصلاح في بعض الطرق ، فتغلبت (٢) ، بسبب غيبته ودخلت مكة».

فأنهى ذلك إلى الشريف. فعجّل في إيذانه بذلك ، وكتب بذلك حجة ، وبعث له بقفطان ألبسه إياه بعد أخذ الحجة.

فنادى مناديه في شوارع مكة يوم الأربعاء سادس عشر شوال : بالأمان والإطمئنان ، وأن البلاد بلاد الله ، وبلاد السلطان ، وبلاد الشريف سعد بن زيد.

وثاني يوم النداء ، سابع عشر شوال : جاء الخبر أن الشريف عبد الكريم في الحسينية ، قافل من (٣) اليمن ، ومعه بنوا عمه ، وقبائل من عتيبة وحرب ، واستمر هنالك إلى الظهر ، وانتقل منها إلى المفجر (٤)

__________________

(١) في (ج) «أضر بالعباد» ، حيث استدركه الناسخ على الحاشية اليسرى.

(٢) في (أ) «فتقلبت». والاثبات من (ج).

(٣) في (ج) «قافلا».

(٤) المفجر : بفتح الميم ، وسكون الفاء ، وفتح الجيم ثم الراء ، وسمي مفجرا لأن قصيا وخزاعة فجروا فيه فاقتتلوا في الشهر الحرام. الأزرقي ـ أخبار مكة ١ / ١٠٦ ، ٢٢٣. والمفاجر في مكة ثلاثة : المفجر الغربي ، فج يفصل بين جبال مكة وجبل ثور

٣٤٩

فقاومته هذيل ، وقوّموا شرار الحرب. وكان قد [أدخلهم](١) مكة ، وجمعهم السيد أحمد بن جازان معونة للشريف سعد. فحملت عليهم جماعة من عتيبة وحرب ، فاثخنوا فيهم الجراح ، وطردوهم عن مواقفهم. وذلك في عصر يوم السابع عشر من الشهر المذكور (٢).

وأما الشريف سعد : فإنه لما بلغه انتقال الشريف عبد الكريم ، ومسيره بمن معه إلى المفجر ، خرج ظهر يوم الاثنين السابع عشر من الشهر المذكور ، بمن معه من الأشراف ، وهم خمسة وأربعون شريفا ، مكملون اللبسة في الخوذ والدروع ، وصعد بمن معه إلى أعلا مكة ، ونزل المنحنى.

وما كان من الشريف عبد الكريم ومن معه من الأشراف : / فإنهم بعد هزيمة هذيل ، شمروا عن ساعد الجد ، ودخلوا بجميع من معهم من العرب والعبيد والأشراف ، وساروا إلى أن وصلوا المحصب ، فانصب عليهم الرصاص من الجبال المحدقة بالمحصب ، فلم يبالوا بذلك ، إلى أن شارفوا الشريف سعد ، ومن معه من الأشراف ، والقوم هناك مطاعنة من

__________________

جنوب مكة يأخذه طريق كدي إلى منى وعرفات.

المفجر الأوسط : فج ، تخرج فيه من المحصب بصدر مكة إلى جهات جنوب منى في حي العزيزية حوض البقر سابقا.

المفجر الشرقي : فج في طرف مزدلفة من الشمال ، يفصل بين ثبير النصع ، وثبير الأثبرة إلى وادي أفاعية ، جبل حراء. والمقصود هنا المفجر الأوسط. البلادي ـ معجم معالم الحجاز ٨ / ٢١٨.

(١) ما بين حاصرتين من (ج).

(٢) شوال من سنة ١١١٦ ه‍.

٣٥٠

الأشراف في بعضهم البعض ، فضربت فرس الشريف سعد برصاصة فوقعت به (١) على الأرض ، ونودي عليه ، فدخل على السيد عبد المعين بن محمد ، فأكبّ عليه ، ومنعه من الطعن. ويقال أنه طعن ثلاث طعنات ، فأركبه على فرسه ، وحضنه ، ومشى به إلى العابدية ـ أعلا منى ـ بعد الكسر الشنيع في قبائله. وذلك عند غروب شمس اليوم السابع عشر من الشهر المذكور (٢) ، وحصل قتل في جماعته (٣) ، وهرب من هرب ، منهم ابن جمهور العدواني.

ودخل الشريف عبد الكريم ، والشريف عبد المحسن ، ما بين المغرب والعشاء ، ونزلا على سليمان باشا ، وتلاهم من معهم من الأشراف وسيوفهم مشهرة (٤) في أيديهم ، ورماحهم مشرعة على أكتافهم ، وهم يضجون إلى أن دخلوا بيوتهم.

ثم نودي في تلك الليلة بالأمان والاطمئنان ، وأن البلاد بلاد الشريف عبد الكريم بن محمد.

وحال نزوله ببيت الباشا ، بعث إلى الريس ، وأمره بالأذان للعشاء ، وإقامة الصلاة.

[فامتثل الريس ذلك ، وعدّ هذا من مناقب المشار إليه ، فأقيمت الصلاة](٥) ، وأمنت الناس والعالم ، بعد أن كادت أرواحهم تزهق.

__________________

(١) في (ج) «فوضعت». وهي تصحيف.

(٢) شهر شوال.

(٣) في (أ) «في جماعة». والاثبات من (ج).

(٤) في (ج) «شهيرة».

(٥) ما بين حاصرتين من (ج).

٣٥١

ثم إنه لما أقام الفرض والنافلة ، رجع إلى المحصب ومعه جميع البادية ، وبات تلك (١) الناحية.

ودخل صبيحة يوم الجمعة ، ثامن عشر شوال ، في آلاي عظيم (٢) ، ودخل من أعلا مكة ، على سوق الشامي بسويقة ، إلى أن وصل منزله.

وسبب ذلك أن عرب الحجاز الواردين مع الشريف سعد ، لما حصل لهم الكسر ، وفقدوا الرأس ، فرّوا راجعين إلى دار السعادة ، وبيت جوهر آغا ، ومعهم جماعة من الجبالية ويافع. وكان الشريف سعد قد أمر جماعة منهم أن يطلعوا الجبل (٣) ـ أبي قبيس ـ فنزلوا بزاوية الشيخ بابقي (٤) هناك ، والبيوت التي حول الزاوية. فأقاموا يومهم وليلتهم محاصرين ، وبقوا على الحصار إلى الضحوة الكبرى.

ثم أرسل الباشا نائبا من جماعته ، فوقفوا على باب الحرم الشريف مقابلين لدار السعادة ، ولباب جوهر آغا ، يرمون على من هناك بالرصاص ، ووجهوا المدافع على تلك الأبواب فكسرت ، فدخلوا منها ، وقتلوا كل من هناك من بدوي وعسكري (٥).

ثم هجموا على بيت جوهر آغا ، وقتلوا من فيه ، واستمر القتل بقية ذلك النهار ، حتى لم يبق إلا من توارى أو هرب ، وربطوا منهم ، ومن العسكر جماعة ، وذهبوا بهم إلى بيت الوزير سليمان باشا فقتلوهم

__________________

(١) في (ج) «تلك».

(٢) في (ج) «أعظم».

(٣) في (ج) «جبل أبي قبيس».

(٤) في (أ) «بما بقي». والاثبات من (ج).

(٥) انظر أحمد زيني دحلان ـ خلاصة الكلام ١٤٣.

٣٥٢

هناك ، وربما قتلوا في المسجد من أدركوه ، ولم يسلم منهم إلا قليل.

ثم إن الشريف عبد الكريم بعث [إلى من](١) في جبل أبي قبيس عسكرا من الجبالية ويافع ، وأمرهم بقتل من هناك ، فتسنموا جدار زاوية الشيخ سعيد بابقي ، وهدموا عليهم السقف. فلما خرجوا ، وقعوا بهم ، وقتلوهم في نواحي ذلك الجبل ، حتى وصلوا بالقتلى (٢) إلى الصفا ، ولم ينج منهم أحد ، وكانوا فوق الستمائة. وكان يوم سخط ـ نعوذ بالله من مكره ـ وكل محل من مكة تجد فيه القتلى. وقد بلغنا أن عدة المقتولين في ذلك النهار ألف ومائتا (٣) / رجل ، حتى عجز الناس عن مواراتهم ، وصاروا يحملونهم بالعجلات ، ويرمونهم من رواشن دار السعادة وأسطحتها إلى الأرض ، يجرونهم جر الرمم ، ويلقونهم في العجلات ، وجمعت الرؤوس في حوش الشريف وحملت في الخيش. وبني منها رضم على خارجة سبيل السلطان مراد خان ، في المعلاة ، ليعتبر المارة (٤) بهم ـ ولا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم ـ.

وكانت مدته هذه عدد «حي» (٥). ومدة النداء له بجدة يوما أو

__________________

(١) ما بين حاصرتين من (ج).

(٢) من النسختين «القتلاء».

(٣) في النسختين «مائتي». والصحيح ما أثبته.

(٤) في (ج) «المار».

(٥) يقصد السنجاري المدة التي قضاها الشريف سعد في مكة وهي ثمانية عشر يوما على حسب حساب الجمل حيث أن ح تكون ٨ والياء ١٠ ، ويكون مجموع العدد ١٨. وعن الشريف سعد وولايته على مكة ، وهذه الأحداث. انظر : أحمد زيني دحلان ـ خلاصة الكلام ٤٣ ـ ١٤٤.

٣٥٣

يومين.

واستمر الشريف سعد بالعابدية مريضا ، حتى انتقل إلى رحمة الله ورضوانه ، يوم الأحد خامس ذي القعدة. وأتوا به إلى مكة في محفة ، وغسل ، وصلى عليه مولانا الشيخ عبد القادر المفتي الصديقي بوصاية وعهد منه إليه ، بأنه يتولى غسله وتكفينه والصلاة عليه ودفنه. فباشر المفتي ذلك ، وطلع به إلى المعلاة يوم الإثنين سادس ذي القعدة ، ودفن في قبة الشريف أبي طالب عند والده الشريف زيد ، وطلع في جنازته مولانا أمير مكة الشريف عبد الكريم. ولم يبق أحد من الأشراف إلا شهد جنازته ، وكان له مشهد عظيم ، حضره الخاص والعام. وأرخ وفاته جماعة كثيرون من أدباء مكة ، فمن ذلك قول صاحبنا الشيخ أحمد بن علان الصديقي بقوله : «في جنة الفردوس سعد بن زيد» (١).

وقولي مؤرخا وفاته بالعابدية :

هي المنايا فكن منها على حذر

ولا تسوف فيها أيها الساهي

وانظر إلى ملك الدنيا الذي خضعت

له الملوك بإذعان وإكراه

وافاه داعي حمام حين قام على

ساق بهمة لا وان ولا ساه

فلم يكن عنده أغنى من أطاع له

من الجيوش وما قد نال من جاه

أجاب لما دعاه مولاه مبتدرا

وفارق الكل من معد ومن واه

وجاء تاريخه مع منتهى شرف «سعد بن زيد عليه رحمة الله» (٢).

__________________

(١) سجل تاريخ وفاته بحساب الجمل سنة ١١١٦ ه‍.

(٢) ما بين مزدوجتين هو التاريخ بحساب الجمل.

٣٥٤

وقلت أيضا :

تعست دنياي يبق لبنيها

أي ذات فجعت فيها بنيها

ملك العصر ابن زيد سعد من

تر العين له قط شبيها

غاله الدهر ويعبأ بما

ناله من شرف أكسب تيها

ويحها من فتكة تحكها

فتكة البراض (١) لما إن وليها

قيل هل أرخته قيل وما

عذر من أصبح [في](٢) الشعر فقيها

جاهرا في الضبط قل تاريخه

«جنة الفردوس سعد حل فيها» (٣)

وفي هذه المدة تعطلت جميع الطرقات والجهات ، وصارت الناس تؤخذ من المعلاة ومن الشبيكة والمسفلة (٤). وقلّ (٥) أن تجد أحدا يمشي منفردا وحده فيها ، لكثرة العربان وانتشارهم ، وكثر القتل والنهب سيما (٦) جهة المعابدة.

ومما اتفق أن عتيبة قتلت (٧) أربعا من هذيل ، واثنين (٨) من قريش ،

__________________

(١) سبق تعريف البراض.

(٢) ما بين حاصرتين من (ج).

(٣) ما بين مزدوجتين تاريخ وفاته على حسب حساب الجمل سنة ١١١٦ ه‍.

(٤) المسفلة من السفل : كان يطلق على كل ما انحدر عن المسجد الحرام ، غير أنه اليوم حي من أحياء مكة الكبرى ، يمتد من المسجد الحرام جنوبا غربيا إلى ما وراء بركة ماجن ينحدر قبل سيل وادي إبراهيم. البلادي ـ معجم معا الحجاز ٨ / ١٥٤.

(٥) في النسختين" قيل». والاثبات من المحققة للسياق. وفي هذه العبارة يبين المؤلف سوء الأحوال الأمنية في مكة المكرمة.

(٦) أي لا سيما جهة المعابدة لوجود الأعراب من عتيبة وغيرهم فيها. ولغويا تعتبر سيما من الأخطاء الشائعة في اللغة ، لأنه لا بد من قول لا سيما.

(٧) في (ج) «فتكت».

(٨) في النسختين «اثنان».

٣٥٥

قريبا من السد ، وذلك [ليلة](١) التاسع من شوال. فخرجت صبيحتها ، يوم التاسع من شوال ، نحو ستين مقاتلا من هذيل ، إلى أن وصلت إلى المعابدة ، فوجدوا هناك حيا من عتيبة ، وفيهم الحرامية وأكثر قطاع الطريق ، وفيهم هنيدس الروقي فقتلوه ، وقتلوا معه نحو سبعة أنفار من عرب عتيبة ، وطرحوهم في الطريق ، ورقوا جبل الخندمة (٢) وصرخ صارخهم ، فارتجت لهم الأرض.

فركب السيد أحمد بن حازم في جماعة من الأشراف ، فأعطوهم الأمان ، فلم يأمنوا ، لأن / عتيبة اجتمعت منهم فرقة بالمعابدة ، فلم تزل بهم الأشراف حتى رضوا عند العصر ، فأخذوا هدنة عشرة أيام ، ونادى أحمد بن جازان لهذيل أنهم في أمانه وفي وجهه ، ثم إن عتيبة رحلوا غضابا ونزلوا بالخبت على غير رضى ، واستمر الحال والخوف إلى أن دخل الشريف عبد الكريم وكان ما كان (٣).

ثم إن السيد عبد المحسن بن أحمد نادى لعرب (٤) هذيل وعتيبة ، بأن الكلّ في وجهه ، لا يمدّ أحد منهم يده على رفيقه.

وفي يوم إحدى وعشرين من شوال : ورد إلى الشريف عبد المحسن

__________________

(١) ما بين حاصرتين من (ج).

(٢) الخندمة ، بفتح أوله وإسكان ثانيه بعده دال مهملة مفتوحة ثم ميم ، دخل منها خالد بن الوليد يوم فتح مكة المكرمة. انظر : البكري ـ معجم ما استعجم ٢ / ٥١٢ ، الأزرقي ـ أخبار مكة ١ / ٢٢٢ ، البلادي ـ معجم معا ـ الحجاز ٣ / ١٦١ ـ ١٦٣.

(٣) وكان ما كان ، أي من دخول الشريف عبد الكريم إلى مكة.

(٤) في (أ) «العرب». والاثبات من (ج).

٣٥٦

كتب (١) من ينبع ، من قبل الشريف عبد الله بن بركات يخبر : «أن الشريف سعيد قدم من الجابرية إلى ينبع ، ومعه [من](٢) لفائف العرب ، يريد أخذ البندر ، لما صدر له أن أباه دخل مكة. فخرجنا إليه ، ورددناه ، فرجع بها إلى الجابرية وأقام بها».

وأما ما كان من أمر مصر : فإن عروض مولانا الشريف عبد الكريم بعد وفاة الشريف سعد ، لما وصلت إلى مصر ، ومعها أيضا عروض سليمان باشا صاحب جدة ، حير (٣) صاحب مصر عروض الشريف عبد الكريم ، لتواطؤ بينه وبين أيوب بيك ، أمير الحج المصري ، لما في نفسه (٤). وبعثوا بعروض كتبوها إلى الأبواب ، ومضمونها :

«أن الوزير سليمان باشا صاحب جدة ، عزل الشريف سعيد ، وولى الشريف عبد الكريم من غير جناية».

فلما وصلت عروضه الأبواب ، أمر الوزير الأعظم (٥) صاحب مصر أن يجهز عسكرا تجريده (٦) ، ويعين لهم الشريف سعيد ، ويرجعه إلى مكانته ، ويكون باشة التجريدة أيوب بيك.

__________________

(١) في (ج) «مكتب».

(٢) ما بين حاصرتين من (ج).

(٣) بمعنى أخر إرسالها ، وهي من الألفاظ العامية الشائعة إلى الوقت الحاضر.

(٤) لما في نفسه من ميل إلى تعيين الشريف سعيد على شرافة مكة

(٥) وكان الوزير محمد رامي باشا. أحمد زيني دحلان ـ تاريخ الدول الإسلامية ص ١٠٧.

(٦) التجريدة : الكتيبة من الفرسان ليس فيها راجل ، كتيبة من الجند ، حملة عسكرية أثناء السنة. رينهارت دوزي ـ تكملة المعاجم العربية ٢ / ١٧٥ ـ ١٧٦.

٣٥٧

فتوافق أيوب بيك ، أمير الحاج المصري مع إيواز بيك ، وصاحب مصر على إرسال التجريدة إلى مكة إعانة للشريف سعيد. فكان الأمر كذلك.

وبعد هذا أطلقوا الوارد عليهم بعروض الشريف عبد الكريم وعروض سليمان باشا ، فوصل بها الأبواب ، فأراد الوزير كتمها ، فنما خبرها إلى السلطان أحمد خان (١) ، فأمر بإحضارها ، فقرئت بين يديه ، فاستدرك الأمر ، وكتب إلى سليمان باشا بأن ينظر فيما هو الأصلح للحرمين ، وفوض إليه الأمر أن يولي من فيه الإصلاح.

وأما ما كان من صاحب مصر : فإنه لما جاءه الأمر من الوزير الأعظم ، قام هو وأيوب بيك أمير الحاج المصري ، وجهز التجريدة ، وجهز إيواز بيك باشة التجريدة وعجّلوا بخروجهم ، وباعوا حب السلطان سليمان (٢) المعين لأهالي مكة ، واستعانوا بثمنه على ما أرادوه.

فخرج إيواز بيك بالتجريدة متوجها إلى مكة ، وذلك في شوال. فورد إلى ينبع في ذي القعدة ، فسأل عن الشريف سعيد ، فأخبر أنه بالجابرية ، فبعث إلى ذلك الخيف له ، واستدعاه إليه ، وقد تخلّى من كل أحد إلا من السيف ، وأيس (٣) حتى من طروق الطيف.

فأعاد إليه الشريف الجواب يعتذر إليه بعدم لوازم الهمة العلية من

__________________

(١) السلطان أحمد خان بن السلطان محمد الرابع.

(٢) السلطان سليمان بن سليم.

(٣) في (أ) «وابسه». والاثبات من (ج).

٣٥٨

اللقا ، لما فيه من حوائج المقضية (١).

فبعث إليه إيواز بيك بما يليق من مقامه من جهازه وخدمه وطعامه.

فأقبل إليه في أردية الإقبال محفوفا بالعز والرجال ، فخلع عليه قفطان الشرافة الوارد صحبته مع محمود آغا ـ أحد أغوات السلطان أحمد خان ـ ونادى له بينبع.

ولما كان يوم الخميس الثالث والعشرين من ذي القعدة عند طلوع الشمس : ورد مكة سبعة أنفار من غزى (٢) مصر من كل بلك رجل.

ودخلوا (٣) / إلى قاضي مكة ، وبيدهم كتب من الشريف سعيد ، ومن إيواز بيك ، وفيها خطاب لقاضي مكة وللسرادير (٤) مضمونها :

«إن السلطنة قد أنعمت بالشرافة لمكة على الشريف سعيد.

ـ فأنتم أطيعوا الله والرسول والسلطان ، وإياكم والمخالفة.

ـ وقد ألبسناه قفطان الشرافة ، الذي ورد علينا به محمود آغا صحبتنا ـ وهو أحد أغوات السلطان أحمد ـ وهو وارد صحبتنا ، ووقع هذا حال وردنا ينبع ثالث ذي القعدة». فوقعت بمكة بموجب هذا الشأن رجة عظيمة.

فلما بلغ ذلك الشريف عبد الكريم ، أرسل إليهم ، وهمّ بقتلهم ،

__________________

(١) في (أ) «المقتضه». والاثبات من (ج).

(٢) الأتراك المقيمين بمصر.

(٣) في النسختين «دخل». والتصحيح من المحققة للسياق.

(٤) في النسختين «سرادير» جمع «سردار».

٣٥٩

وحبسهم إلى الظهر ، وفكّهم عند ورود خبر ينافي ذلك ، وأن القفاطين (١) إنما وردت باسم الشريف عبد الكريم ، وأن هذا الأمر مزيف ، وسببه قيام أيوب بيك أمير الحاج المصري لغرض في نفسه.

ثم لما كان يوم السبت خامس عشر ذي القعدة : جعل الشريف عبد الكريم محضرا في المسجد ، جمع فيه القاضي ، والمفتي ، والفقهاء ، والأشراف ، والسرادير ، واجتمعت (٢) عليهم الرعية.

فقال الشريف عبد الكريم : «اعلموا أني دخلت مكة ، وقد حلّ بها ما حلّ من الغلاء وانقطاع الطريق ، وهذا كله كان سببه الشريف سعيد وحكامه».

فقال الناس : «صدقت».

ثم قال : «هل تشهدون أني ظللت البلاد ورعيت العباد ، وأمنت الناس بعد وليت؟».

قالوا : «نعم».

ثم قال : «هل حدث مني من المظا ـ ما يوجب رفعي عنها؟!».

قالوا : «حاشا بني؟؟؟ (٣)».

قال : «هل ترضون بولايتي عليكم ، أو ترضون بولاية سعيد؟».

فقالوا : «لا نرضى إلا بك».

__________________

(١) في (ج) «القطاطين».

(٢) في (ج) «واجمعت».

(٣) في النسختين «حاش». والتصحيح من المحققة.

٣٦٠