منائح الكرم في أخبار مكة والبيت وولاة الحرم - ج ٥

علي بن تاج الدين بن تقي الدين السنجاري

منائح الكرم في أخبار مكة والبيت وولاة الحرم - ج ٥

المؤلف:

علي بن تاج الدين بن تقي الدين السنجاري


المحقق: الدكتورة ملك محمد خياط
الموضوع : التاريخ والجغرافيا
الناشر: جامعة أم القرى
الطبعة: ١
ISBN الدورة:
9960-03-366-X

الصفحات: ٥٨١

وتهافت الضعفاء من طول الطوى (١)

ودنت قوى الدفان (٢) عن من يدسن

والحر قد لبس البيوت وزود

الأبواب ينتظر الحمام الموقن

الله أكبر نور [وجهك](٣) ساطع

كشفت به سجف الظلام الأدكن (٤)

نقل الزمان به خواتيم العلا (٥)

من خنصر اليسرى بخنصر أيمن

فأتى لمكة في أعز عصابة

من هاشم في قلب جيش أرعن

مستصحب العقل الرصين ولابس

الدرع الحصين وحاميا للموطن

والرأي يعلو والحجا متيقظ

والقوم تابعة لأشرف (٦) مفتن

ومراعيا حفظ الأصول وراجيا (٧)

أهنى الوصول بها لأعلى مسكن

والبيض (٨) تبكي في الجفون

والسمر (٩) شاخصة بزرقاء الأعين

حتى انجلت عنا الخطوب وأقبلت

أيامه يثنى بكل الألسن

وتفتحت طرقاته فأتى

جاء العروس يجر ذيل المبتن

حتى أتى البيت وأثبت الأم

ر المنيف بحطمه المتيقن

__________________

(١) الطوى : الجوع. ابن منظور ـ لسان العرب ٢ / ٦٣٢.

(٢) في (أ) «الدن». والاثبات من (ج). والدفان الستر والمواراة والدفن. ابن منظور ـ لسان العرب ١ / ٩٩٤.

(٣) من (ج).

(٤) الأدكن : الأسود الشديد السواد. ابن منظور ـ لسان العرب ١ / ١٠٠٠.

(٥) في (ج) «لعلي».

(٦) في (أ) «لا شرك». والاثبات من (ج).

(٧) في (أ) «دواجيا». والاثبات من (ج).

(٨) البيض : السيوف. ابن منظور ـ لسان العرب ١ / ٢٩٦ ، ابراهيم أنيس ـ المعجم الوسيط ١ / ٧٩.

(٩) في (أ) «بمسرة». والاثبات من (ج). والسمر هي الرماح. ابراهيم أنيس ـ المعجم الوسيط ١ / ٤٤٨.

٣٢١

فأبان عن شرف قديم قبل أن

يقل الإله لمن أراد له يكن (١)

كان اختيار الله حتى شاءه

فبدا (٢) على رغم العدا (٣) للأعين

يا نجل أحمد (٤) صخ (٥) لما أنا قائل

إن النصيحة من صفات المؤمن

سر سير والدك الذي نظم العلا

نظم القلادة فوق صدر اليهتن

واغسل بماء السيف وجه المجد عن

درن النفاق (٦) فقد أشان الأحسن

فتزاحم الأحداث أحدث ما ترى

مما أضر بدولة المستحسن المستهون

وانظر فكم من معدن أزرى به

يوم التفاضل كون ذلك معدن

عش مفردا واقنع (٧) بسيفك صاحبا

أو فاختبر واختر لنفسك وافطن

ما اختص ربك للنبي بعشرة (٨)

من صحبة الا لحكمة متقن

وكن (٩) الخلي إذا تأمله الفتى

حتى مواضعه على السنن السنى

للرأس تاج والسوار لمعصم

والحجل لرجل والزمام لمرسن

والحكمة الكبرى اتصافك بالذي

وصف الاله [به](١٠) وذاني الممكن

فامنع وجد واسمح وخذ

واعزز (١١) وذل واعطف واقتل واطعن

__________________

(١) في هذا البيت تتضح مبالغة الشعراء والتي قد تؤدي إلى الكفر.

(٢) أي ظهر وبان.

(٣) في (أ) «يعد». والاثبات من (ج).

(٤) أحمد بن زيد الشريف السابق.

(٥) أصغ واسمع. ابن منظور ـ لسان العرب ٢ / ٤١٥.

(٦) في (أ) «التقات». والاثبات من (ج).

(٧) في النسختين «وقمع». والتصحيح من المحققة للسياق.

(٨) العشرة المبشرون بالجنة. وسبق ذكرهم.

(٩) في (ج) «وكذا».

(١٠) ما بين حاصرتين من (ج).

(١١) في (أ) «واعزر». والاثبات من (ج).

٣٢٢

وتوسط الأمرين تظفر بالمنى

فالميل يوهي الميل فاعدل واعتن

وابغ الثنا فإنه ربح الفتى

لا خير فيمن للثنا لا يقتني

واجمع لشمل بني أبيك بعطفة

إن القساوة لا تليق بمحسن

حتى ومتى وبكل عام فتنة

أو فتنتين على توالي الأزمن

ما كان هذا قبل فيمن قبلكم

أو ما قرأتم لكتاب البين (١)

لم يبق غيركم المظنة للعلا

والدين والمجد الأثيل الأمكن

صونوا نفوسكم لحب أنتم

سفن النجاة لأهله عن أن تني

(لا نالت الأعداء فيكم قصدها

وبقيتم في قوة وتزين) (٢)

ما فاه بالنصح الصديق وقال قد

سفرت ولكن عند عف صين

والحاصل أنه أجاز من مدحه من الشعراء ، وألبس الأغوات وأرباب المناصب على العادة. ونادى المنادي في شوارع مكة بالزينة ، فزينت له مكة ثلاثة أيام.

[ولاية الشريف عبد الكريم بن محمد بن يعلى]

واستمروا إلى يوم الأربعاء العشرين من ربيع الأول (٣). فكان مدة ولايته تسعة أيام ، عدد حروف اسمه (٤).

فقلدها ابن عمه الشريف عبد الكريم بن محمد بن يعلى. فنزل إلى

__________________

(١) اشارة إلى الآية الكريمة : (إِنَّما يُرِيدُ اللهُ لِيُذْهِبَ عَنْكُمُ الرِّجْسَ أَهْلَ الْبَيْتِ وَيُطَهِّرَكُمْ تَطْهِيراً) ـ الأحزاب الآية ٣٣.

(٢) ما بين قوسين سقط من (أ). والاثبات من (ج).

(٣) ربيع الأول سنة ١١١٦ ه‍.

(٤) اسمه عبد المحسن.

٣٢٣

المسجد الشريف بالحطيم ، وحضر لحضوره وجوه السادة الأشراف والوزير المعظم سليمان باشا ، وقاضي الشرع ، والمفتي ، والأئمة ، والخطباء ، وسائر العساكر ، وأهل الأدراك ، وعامة العالم الذي لا تحصى (١).

ولما انعقد المجلس قال مولانا الشريف عبد المحسن :

«أيها الناس اشهدوا ، إني [قد](٢) نزلت عن شرافة مكة إلى سيدنا الشريف عبد الكريم بن محمد (٣) ، بطيب نفس وسماحة ، فإنه أهل لذلك"

فأمر حينئذ القاضي عيد زاده المكي أن يخاطب السادة الأشراف :

«هل رضيتم بما رضي به مولانا عبد المحسن من ولايته الشريف عبد الكريم؟!»

فقال الجميع : «نعم رضينا بما رضيه لنا ، وفيه الكفاية والكفاءة».

وكلّ من حضر ذلك المجلس سمع قولهم : «رضينا به واليا علينا».

فأمر القاضي السفير أن يسألهم ثانيا :

«هذا إذعان منكم من غير كراهية ، ولا إجبار ، على شرط أن لا تكلفوه ما لا يستطيع؟».

__________________

(١) في (أ) «لا تمخصي». هي تصحيف.

(٢) ما بين حاصرتين من (ج).

(٣) هو الشريف عبد الكريم بن محمد بن يعلى بن حمزة بن موسى بن بركات بن أبي نمي جد ذوي عبد الكريم من آل بركات. وهذه الولاية الأولى للشريف عبد الكريم. مجهول ـ تكميل وتذييل فيما يتعلق بأمراء مكة (مخطوط) ورقة ١٢.

٣٢٤

فقالوا : «نعم ، لا نكلفه ما لا يستطيع ، وليس مرادنا إلا الصلاح لبلدنا ، ونحن معه في إصلاح البلد ، وما وقع فيها من فسادة ، فعلينا ازالته».

فسجل عليهم القاضي ذلك في المجلس المذكور (١).

فعند ذلك أشار الوزير المعظم سليمان باشا ، فأتى بفرو فألبسه مولانا الشريف عبد الكريم ، ثم أمر الوزير المذكور بقراءة الأمرين السابق ذكرهما (٢) من الملكين المعظمين السلطان مصطفى والسلطان أحمد.

ثم لما فرغ من قراءتهما دعى الشيي للسلطان على باب الكعبة ، وكذلك الريس بأعلى زمزم على جري العادة.

ثم دخل مولانا الشريف عبد المحسن ، ومولانا الشريف عبد الكريم إلى جوف الكعبة ، ومعهم الوزير سليمان باشا ، ومكثوا بها ساعة ، وتعاهدوا ثمة على الصدق فيما بينهم ، وخرجوا جميعا.

فسار الشريف عبد الكريم إلى بيت الشريف بركات بن محمد ، وجلس للتهنئة ، وأتاه الناس على مراتبهم ، فقابل بالإنعام ، وأخلع على أرباب المناصب والعساكر والحشم ، ونادى المنادي أيضا بالزينة ثلاثة أيام.

__________________

(١) هو المجلس الذي تنازل فيه الشريف عبد المحسن عن شرافة مكة للشريف عبد الكريم في الحطيم بالمسجد الحرام.

(٢) وكان محتواهما ما يأتي : أن سليمان باشا مفوض من قبلنا على الحرمين الشريفين قائم مقامنا قد نصبناه بصدد من رأى فيه صلاح العباد والبلاد. فمن رأى فيه غير ذلك عزله ونفاه وأقام من يرى فيه الصلاح. وهذا خطاب شامل لمن كان تحت طاعتنا ، محتميا بحمايتنا».

٣٢٥

ثم بعث إلى الطائف ، فنودي له فيه وخطب على منبره ، واطاعته (١) جميع العرب قاصيها [ودانيها](٢).

وبعث إلى المدينة.

وأرخ ولايته مولانا الفاضل الشيخ سالم بن أحمد الشماع المكي بقوله :

سمح الدهر ياله من سماح

بوجود المليك عبد الكريم

هذا وما كان من الشريف سعيد :

فإنه توجه [إلى المدينة](٣) ، فنزل على مبارك بن رحمة شيخ [عرب](٤) حرب ، وشكى عليه ما فعل بنو عمه [به](٥) ، واستنجد به فأبى. وقال :

«أنا خادم السلطنة ، ولا أعصي أمر السلطان».

فارتحل عنهم ، ونزل ببني إبراهيم (٦) ، واستمر في ديارهم أياما

__________________

(١) في (أ) «وطاعته». والاثبات من (ج).

(٢) ما بين حاصرتين زيادة من المحققة.

(٣) سقطت من (أ). والاثبات من (ج).

(٤) ما بين حاصرتين من (ج).

(٥) ما بين حاصرتين من (ج).

(٦) بنو إبراهيم : بطن من بني مالك من جهينة ، كان لهم خطر فيما قبل القرن العاشر الهجري ، فآل الأمر إلى اخضاعهم ، وهدم معقلهم وديارهم ينبع النخل ، ولهم فروع عديدة منها الصراصرة ، والمسافرة ، والشطارية وغيرهم. انظر : البلادي ـ معجم قبائل الحجاز ١ / ٩ ـ ١٠ ، فؤاد حمزة ـ قلب جزيرة العرب ١٤٥ ـ ١٤٦ ، كحالة ـ معجم قبائل العرب ١ / ٢.

٣٢٦

حتى اجتمع إليه بعض عرب منهم ، ومن جهينة ، وآخرون من لفق هناك ، فأخذ بندر (١) ينبع ، وأنزل فيه ابنه عبد الله بن سعيد ، وأقام هو بالجابرية (٢) ، وصار يعطي كل بدوي عشرين أحمرا ، أو أردبين (٣) حبّ من حبّ أهالي مكة وجدة هناك من بقية الجراية.

فلما وصلت المراكب الهندية ، أخذ منها ما يخصّ صاحب مكة من الدنانير والعطري (٤) والحب وغيره ، وأخذ بعض أموال مصر الواردة إلى الوكلاء بجدة ، واستمر ابنه بينبع ، إلى أن جهز عليه مولانا الشريف عبد الكريم السيد عبد الله بن محمد بن بركات بن محمد ، ومعه بعض أشراف وعسكر ، فنزل بالصفراء (٥) على ابن رحمة شيخ حرب ، فأكساه وكسا بقية المشايخ.

وأقام هناك يستجلب العرب ، ثم لحقه السيد زين العابدين بن إبراهيم بن محمد ، ومعه بعض أشراف من ذوي بركات ، وذوي شنبر (٦) وآخرون من بني حسن ، وعساكر من سليمان باشا ، ركبوا في الزعائم (٧) من بندر جدة إلى ينبع.

__________________

(١) في (ج) «ببندر».

(٢) الجابرية : من قرى ينبع النخل بمنطقة امارة المدينة المنورة. حمد الجاسر ـ المعجم الجغرافي ١ / ٣٤١ ، البلادي ـ معجم معالم الحجاز ٢ / ١٠٣.

(٣) في (أ) «وارد بين». والاثبات من (ج).

(٤) ربما تكون نوع من أنواع البخور والعطور التي كانت تأتي من الهند.

(٥) في (أ) «الصفرا». والاثبات من (ج).

(٦) تكررت «ذوي شنبر» مرتين في النسختين.

(٧) نوع من الزوارق الصغيرة.

٣٢٧

ثم إن السيد عبد الله بن بركات ، والسيد زين العابدين ، أرسلوا إلى السيد سعيد وقالوا له : «اخرج من بلد الشريف».

فرد لهما جوابا غير لائق ، فأيقنوا منه الخلاف. فسارت الأشراف بمن معهم من العسكر ، ومعهم ابن زياد (١) شيخ أهل الفرع (٢) بما معه من قومه ، ومعه أيضا ابن رحمة ، بمن معه من حرب ، إلى أن وصلوا إلى ينبع البحر ، فمانعهم السيد عبد الله بن سعيد ، وحاصرهم أياما ، ثم عجز ، وطلب الأمان ، فأمنوه ، [فخرج](٣) ليلا إلى أن لحق بأبيه ، وأقام معه بالجابرية. وتفرقت عنهم العرب ، ولم يبق معهم إلا عبيدهم ، ومن يلوذ بهم ، وكانت هذه الواقعة يوم الخميس رابع عشر جمادى الأولى (٤).

وورد بنصرة جماعة الشريف عبد الكريم ، فألبس المبشّر ، ودار على دور الأشراف ، كما هو العادة في خبر النصرة ، فألبسوه الملابس الحسنة ، وركزت الأعلام على بيوت السادة الأشراف.

هذا ما كان من أمر الشريف سعيد.

وأما أبوه الشريف سعد : فبعد أن خرج إلى المعابدة ، أرسل إلى ابن

__________________

(١) في (أ) «ريا». والاثبات من (ج).

(٢) الفرع : قرية من قرى المدينة المنورة على طريق مكة المكرمة ، زراعية تشتهر بكثرة النخيل ، وتقع بين رابغ وينبع. أحمد العباسي ـ عمدة الأخبار ٣٨٨ ، السمهودي ـ خلاصة الوفاء ٥٦١ ، البلادي ـ معجم معالم الحجاز ٧ / ٤١ ـ ٤٤ ، السباعي ـ تاريخ مكة ٢ / ٤٥٥ حاشية (١).

(٣) سقطت من النسختين واستدركه ناسخ (ج) في الحاشية اليمنى.

(٤) رابع عشر جمادى الأولى من سنة ١١١٦ ه‍.

٣٢٨

أخيه السيد عبد المحسن ، وطلب الإقامة بنجد ، مكفولا مكفوفا معاملا له (١).

ثم بعد خلع الشرافة على الشريف عبد الكريم ، بعث فيما طلبه من ابن أخيه السيد عبد المحسن ، فأجابه إلى ذلك ، [وذلك](٢) بعد خروجه من مكة / إلى نواحي الشرق.

ثم بعد برهة ، جمع جماعة من الروقة (٣) ومخلد (٤) والنفعة وقبائل من الأعراب ، وأطمعهم بالمال. وأراد أن يدخل بهم الطائف ، فصدّه وكيل الديرة ، السيد عبد الله بن حسين جود الله ، وكان معه من الأشراف مبارك بن أحمد بن زيد ، وعبد الله بن أحمد بن أبي القاسم ، وجماعة آخرون (٥) ، كانوا بالطائف في عملة الشريف عبد الكريم ، وكانوا ينيفون

__________________

(١) طلب الشريف سعيد هذا الطلب من ابن أخيه الشريف عبد المحسن ، ثم من الشريف عبد الكريم فيما بعد لمعرفتهما بهذه المنطقة ، فهو قد دخلها غازيا عام ١١٠٥ ه‍ و ١١٠٧ ه‍. ابن بشر ـ عثمان بن بشر ـ عنوان المجد في تاريخ نجد ، مكتبة الرياض الحديثة ١ / ١١٠ ، ١٢٠. أي أن يكون عاملا لها من قبلهم.

(٢) ما بين حاصرتين من (ج).

(٣) الروقة : بطن من بطون قبيلة عتيبة المعروفة. فؤاد حمزة ـ جزيرة العرب ١٨٧ ، كحالة ـ معجم قبائل العرب ٢ / ٤٥٤. ومنازل عتيبة من رهاط شمال مكة آخذة بشرق إلى داخل نجد قرب الرياض. البلادي ـ معجم قبائل الحجاز ١ / ١٦٩.

(٤) في (أ) «غلل». والاثبات من (ج). ومخلد أحد فروع بلي. إذ أن بليا تقسم إلى : خزام ، ومخلد. والمخلد فروع عديدة ، وبطون كثيرة ، فمن فروعها : الحمر والزبالة. البلادي ـ معجم قبائل الحجاز ٣ / ٤٤٥ ـ ٤٤٦. وأورد محمد علي الطبري في الاتحاف ٢ / ١٣٤ نفس الخبر بذكر هذه القبائل من الروقة والنفعة. وكذلك أحمد زيني دحلان في خلاصة الكلام ١٣٨.

(٥) في النسختين «اخرين». والتصحيح من المحققة.

٣٢٩

عن (١) السبعمائة ، مع جملة عبيدهم وحواشيهم ، من ثقيف وبني سعد (٢) ، وغيرهم ، وتجهّزوا للقائه ، فهمّ لملاقاتهم ، فثبطه السيد أحمد (٣) ابن زين العابدين بكتاب منه ، عرّفه فيه ما أوجب إعراضه عن الطائف ، وتوجّه إلى مكة.

فتبعه السيد مبارك بن أحمد بجماعة من نحو كرى (٤) ، وغيره من الطرق ، فدخل مكة.

فعرض بهم على مولانا الشريف عبد الكريم ، بعد ظهر يوم الاثنين سادس عشر (٥) جمادى الأولى بالمعابدة ، وكان الشريف (٦) لما سمع بقدوم

__________________

(١) في (ج) «على».

(٢) بنو سعد : قبيلة عربية شريفة الأرومة تنتسب إلى سعد بن بكر بن هوازن ، منها حليمة بنت أبي ذؤيب مرضعة الرسول صلى‌الله‌عليه‌وسلم. القلقشندي ـ نهاية الأرب في معرفة أنساب العرب ٢٩٠ ، فؤاد حمزة ـ قلب جزيرة العرب ١٦٣ ، كحالة ـ معجم قبائل الحجاز ١٢ / ٥١٢. ويذكر البلادي : «أن بنو سعد يستقرون في قرن المنازل ، وجنوب الطائف من بسل ومظلله» ٢ / ٢٠٥.

(٣) سقطت من (ج) واستدركه الناسخ على الحاشية اليمنى من (ج).

(٤) كرا : بفتح أوله مقصور لا يمد ، وهو ثنية بين مكة والطائف عليها الطريق إلى مكة. البكري ـ معجم ما استعجم ٤ / ١١٢٠ ـ ١١٢١.

والكرا : هو الجبل الذي يسيل منه وادي نعمان ، وعلى ظهره مصيف هداة الطائف ، ويبعد عن مكة بحوالي ٤٤ كلم. وهو المرحلة الأولى من طريق مكة الطائف. وكان هذا الطريق يستخدم من قبل المصطافين على ظهور المطايا والدواب لصعوبة صعوده. ثم ذلل في سنة ١٣٨٥ ه‍. البلادي ـ معجم معالم الحجاز ٧ / ٢٠٧ ، على طريق الهجرة ٢٦٣ ، السباعي ـ تاريخ مكة ٢ / ٤٣٨ حاشية (١).

(٥) في (ج) «سادس عشرين».

(٦) المقصود الشريف عبد الكريم.

٣٣٠

الشريف (١) سعد ، خرج إلى المعابدة خامس الشهر ، واستمر هناك بالمحصب متهيئا للقائه.

فلما كان ليلة الثلاثاء سابع جمادى الثاني : وصل الشريف سعد الهيجاء (٢) ، ونزل بها ـ وهي على ميل من مكة مما يلي الجعرانة ـ.

وسار في آخر الليل بمن معه ، فما شعروا به إلا وقد وصل بيوت المعابدة ـ مما يلي أذاخر ـ فنهب من معه من البدو (٣) أهل المعابدة.

فركب الشريف عبد الكريم بمن معه ، وطلع له عسكر الباشا من ترك ومغاربة (٤) ، ومعه علي آغا التركماني ، كيخية سليمان باشا ، وبعض أشراف من آل أبي نمي (٥).

فكرّ الشريف سعد راجعا إلى نزل الخرمانية (٦) ـ محل ، قريب (٧) من الهيجاء ـ ووقعت العساكر في البدو ، وعمل السيف فيهم.

__________________

(١) في (أ) تكرر لفظ «الشريف» مرتين.

(٢) في (أ) «اليها». والاثبات من (ج).

(٣) مثل الروقة والنفعة وغيرهم.

(٤) المقصود الجند من الشام ومصر وغيره.

(٥) أبو نمي بن باز بن هاشم بن عبد الله.

(٦) من خرمان : وهو ما خرم السيل ، أو طريق في قف أو رأس جبل. وخرمان جبل على ثمانية أميال من العمرة التي يحرم منها الحاج العراقي. وقال ياقوت الحموي ـ معجم البلدان ٢ / ٣٦١ : «حائط خرمان بمكة عند السباب». وحائط خرمان هو الواقع اليوم بالمكان المسمى الخرمانية. الأزرقي ـ تاريخ مكة ٢ / ٢٢٩ حاشية (٢). والخرمانية اليوم ميدان واسع بين مصب شعب أذاخر الجنوبي وشعبة النور. البلادي ـ معجم معالم الحجاز ٣ / ١١٦ ـ ١١٧.

(٧) في (أ) وردت «على قربين الهيجاء». والاثبات من (ج).

٣٣١

ولحق بالشريف عبد الكريم السيد بشير (١) بن جازان ، ومعه نحو سبعين مقاتل من هذيل (٢) ، ويقال لهم الصلمان (٣) ، وكانوا عصاة.

ولحق أيضا به سليمان بن أحمد بن سعيد بن شنبر ، وكان ورد في هذا اليوم من جدة.

وكان قد تفرقت الأشراف عن الشريف عبد الكريم مغاضبين ، ولم يحضر منهم هذه الواقعة أحد ، واستمر في المقاتلة إلى الساعة الثالثة (٤) من النهار ، فصوّبت فرس الشريف سعد برصاصة ، وصوّب السيد أبو نمي ابن باز بن هاشم بن عبد الله برصاصة ، فسقط من على فرسه. وقتل نحو خمسة عشر فرسا من خيل الأشراف ، فتحوّلوا إلى غيرها ، وقتل من قوم الشريف سعد ما ينوف على الثلاثين ، وعقر من إبلهم ما ينوف (٥) على العشرين ، وقتل من جماعة الشريف عبد الكريم نحو سبعة أو ثمانية أنفس ،

__________________

(١) في (ج) «بشر».

(٢) هم بنو هذيل بن مدركة بن الياس من مضر ، وهي من القبائل الحجازية المهمة ، واشتهرت هذه القبيلة بالفصاحة والبلاغة ، وهي القبيلة التي أخذ منها الإمام الشافعي اللغة. وتنقسم إلى قسمين : شمالي ، وجنوبي. فالأول تقع دياره في أطراف مكة من جهات الشرق والجنوب ، وبالأخص في أطراف مكة والطائف بقرب جبل برد وجبل ذكا. والقسم الثاني : هذيل اليمن. القلقشندي ـ نهاية الأرب ٤٣٥ ، فؤاد حمزة ـ قلب جزيرة العرب ٢١٠ ، البلادي ـ معجم قبائل الحجاز ٣ / ٥١٨.

(٣) من صليم ، ويقال لهم الصلمان ، وهم فرع كبير ذو فروع عديدة من المسودة من هذيل. تتركز دياره في نخلة اليمانية وما حولها كحنين وسولة وما جاورها. البلادي ـ معجم معالم الحجاز ٢ / ٢٥١.

(٤) بالتوقيت الغروبي.

(٥) في (ج) «ما ينيف».

٣٣٢

وامتزجت الدماء بالخرمانية إلى رأس الشعبة من أذاخر دماء الأناس والخيل والإبل.

وفي الساعة الرابعة ظهرا : عجز جماعة الشريف سعد ، فولّوا هاربين ، فحمل عليهم الشريف عبد الكريم بمن معه حملة واحدة ، وصاروا يقتلون فيهم ، وهم هاربين ، وخرج من عامّة الرعية أكثر من عامّة المحاربين ، وهم يضجون برفع الأصوات ، ويكبرون عليهم /.

وكانت وقعة عظيمة ، ومصيبة مهيلة ، ولم يزالوا يقتلون فيهم إلى أن أوصلوهم الهيجاء.

فكمن الشريف سعد ببستان هناك ، فيه ابنته (١) الشريفة سعدية (٢) بنت سعد بن زيد.

فوقف السيد عبد الكريم من جانب ، والسيد عبد المحسن من جانب ، ووقف لوقوفهما من معهما من الأشراف والعرب ، إلا أنهم رموا الرصاص على نفس البستان ، وكادوا أن يصيبوا الشريف سعد ، فخرج من الجانب الآخر ، وتبعه من سلم من القتل ، ورجع الشريف عبد المحسن من الهيجاء.

وأما ما كان من أمر الشريف عبد الكريم : فلحق بالشريف سعد ومن معه من الأتراك والعسكر ، وجدّوا إلى أن وصلوا (٣) بستان

__________________

(١) في (أ) «ابنيه». والاثبات من (ج).

(٢) كان للشريف سعد بن زيد ابنتان عرفتا بالصلاح والتقوى ، وهما الشريفة سعدية ، والشريفة عيناء. من صك عثرت عليها المحققة ، تقدم فيه سعدية وعيناء ببيت صدقة منهم لأحد الأفراد سنة ١١٠٠ ه‍. انظر الملحق.

(٣) في (ج) «أوصلوا».

٣٣٣

سليمى (١) ، وهم يثخنون القتل ، وينهبون ما قدروا (٢) على نهبه من الإبل والخيل ، وقتل بين السليمى والهيجاء أكثر من ما بين الهيجاء وأذاخر.

فصاح الشريف سعد ، وطلب الأمان. ودخل على السيد محمد بن عبد الله بن حسين بن عبد الله ، فأدخله ، وطلبه أن يأخذ له مهلة عشرة أيام ، ويقيم ببستان سليمى.

فكلم الشريف عبد الكريم في ذلك ، فامتنع ، وأبى إلا أن يسير من وقته من حيث جاء ، وإلا فلا أدعه أبدا.

فرجع السيد محمد بن عبد الله ، وأخبره بما قاله الشريف عبد الكريم ، فبينما هو يحدثه إذ غدره ابن (٣) جمهور العدواني ، وهنيدس شيخ الروقة ، فطعنه ابن جمهور في يده ، وخدشه هنيدس بالرمح في رأسه ، وهربا ، فأخذ في طلبهما ، فاقتفاه هنيدس ، وطعن فرسه في فخذها ، وفازا بنفسيهما (٤).

ثم إن الشريف سعد سار مارا ببستان سليمى ، وبات بالزيمة (٥) ، وتفرق عنه من بقي من العربان معه.

__________________

(١) بستان سليمى يقع شمال شرق الهيجاء.

(٢) في (ج) «ما قدوا».

(٣) في (ج) «عذره».

(٤) في النسختين «بأنفسهما». والصحيح ما أثبتناه.

(٥) الزيمة قرية بوادي نخلة اليمانية ، تشتهر بكثرة بساتينها على بعد ٤٥ ميلا على طريق الطائف مكة القديم. ياقوت الحموي ـ معجم البلدان ٣ / ١٦٥ ، البلادي ـ معجم معالم الحجاز ٤ / ١٥ ، البلادي ـ معالم مكة ١٢٤.

٣٣٤

فرجع الشريف عبد الكريم عند ذلك إلى مضاربه بالمحصب ، وبات هناك.

ودخل صبيحة يوم الأربعاء ثامن الشهر في آلاي عظيم (١) ، بجميع عساكر مصر وعساكر الباشا ، إلى أن وصل إلى منزله ، ومعه السادة الأشراف من ميمنة وميسرة ، وخلفه قبائل العرب. وكان يوما مشهودا ، وجلس للتهنئة ، ومدحه الأدباء بالقصائد. فمن ذلك قول صاحبنا الفاضل أحمد بن علان الصديقي (٢) ، أنشده إياه في هذا اليوم :

لقد علم القوم الذي ولد النّضر (٣)

بأن ليس إلا عود سؤددك النصر

ولا مقتب يسري بربك عازما

على غارة إلا ويقدمه النصر

وما المجد إلا أنت كونك ناطقا

به يسفر الدنيا ويستأمن السفر

وهل للورى غوث (٤) سواك نعده

أبا شاكر فالحمد لله والشكر

أعدها لما كانت لأول بدئها

فقد صح عند الناس ما رمز الجفر (٥)

__________________

(١) في (ج) «أعظم».

(٢) أحمد بن شهاب الدين بن إبراهيم بن علان الذي كان من أئمة التصوف في مكة في القرن الحادي عشر الهجري. الدهلوي ـ موائد الفضل والكرم (مخطوط) ورقة ١٧٧.

(٣) المقصود به النضر بن كنانة بن خزيمة ، والنضر كما قيل هو أبو قريش. ابن منظور ـ لسان العرب ٣ / ٦٥٧ ، القلقشندي ـ نهاية الأرب ٢٩٨ ، البلادي ـ معجم قبائل الحجاز ٣ / ٣٩٤ ، ٤٩٤.

(٤) هذا اللفظ من الألفاظ التي يستخدمها المتصوفون ، وهو من أهم عقائد الصوفية في الأولياء. ليلى عبد الله ـ الصوفية عقيدة وأهداف ط ١ ، دار الوطن ، الرياض ١٤١٠ ، ص ٢٢ ـ ٢٣.

(٥) الجفر : كتاب يزعم فيه الشيعة أن فيه علم الأولين وما وقع وما سبق. والأصل في الكتاب أنه كان عند هرون بن سعيد العجلي ، وهو زعيم الزيدية كتابا يرويه

٣٣٥

وقد صارت الدنيا عروسا تبرجت

لنا عن جمال ليس في دونه ستر

أظننت حمى البيت الحرام عشية

مباحا لهم هيهات قد كذب الزّجر (١)

وقد أسعروا نار الوغى بأذاخر

فعارضهم من دونه البطل الزّبر

أبو شاكر في عصبة هاشمية

كهول وشبان بهم يذعر الذعر

وكان قراهم عنده الطعن والقنا (٢)

وسقياهم دونه الموت لا الخمر

كأن منى قد بدلت بأذاخر (٣)

ويوم لقاهم قد تضمنه النحر /

ستغزوهم الأخرى إلى عقر دارهم (٤)

ويصبح فيها ضيفك الذئب والنسر (٥)

هذا ، وما كان من جهة الشريف سعد : فإنه وصل كلاخا (٦) ، ثم

__________________

عن جعفر الصادق ، وفيه ما سيقع لأهل البيت على العموم ، ولبعض الأشخاص منهم على الخصوص. وكان مكتوب عند جعفر في جلد ثور ضغير ، ولهذا عرف بهذا الإسم لأن الجفر في اللغة الصغير ، وصار هذا الإسم علما على هذا الكتاب عندهم. ابن خلدون ـ العبر وديوان المبتدأ والخبر ١٣٩١ ه‍ / ١٩٧١ م ، ١ / ٢٧٩.

(١) الزجر : نوع من العياقة ، وهو ضرب من التكهن. نقول زجرت أن يكون كذا وكذا. والزجر للطير وغيرها التيمن بسنوحها والتشاؤم برواحها. ابن منظور ـ لسان العرب ٢ / ١٢.

(٢) في (ج) «بالقنا».

(٣) إشارة إلى المعركة التي حدثت في أذاخر.

(٤) في (ج) «داهم».

(٥) إشارة إلى كثرة القتلى والجرحى حتى يصبح الذئب والنسر من ضيوفهم.

(٦) وكلاخ : قرية وسط وادي كلاخ ، وهو واد كثير القرى جنوب الطائف على مسافة ٤٦ ليلا ، وهي تابعة للنفعة وغيرهم من عتيبة. البلادي ـ معجم معالم الحجاز ٧ / ٢٢٤ ، حمد الجاسر ـ المعجم الجغرافي ٣ / ١٢١٩. وقال ياقوت الحموي ـ معجم البلدان ٤ / ٤٧٤٠ : «إن كلاخ موضع قرب عكاظ». ويذكر البلادي أن الموضع لا يبعد عن عكاظ كثيرا.

٣٣٦

انتقل منه وتيامن (١) من طريق عفار (٢) ، ونزل الليث ، ثم منه إلى قوس الغزيري (٣) ، وكان فيه السيد (٤) محمد بن عبد الكريم ، فاجتمع به ، فاتفق رأيهما أن يجمعا قبائل عرب الحجاز (٥) ، ويأخذ بهم (٦) القنفذة.

فدخل محمد بن عبد الكريم المخواة (٧) ، ونادى في بني علي (٨) وبني عمرو (٩) ، وبني زهران (١٠) ، وغامد (١١) ، والأخلاف ، وطمعهم في

__________________

(١) سقط من (ج).

(٢) غفار : موضع بين مكة والطائف ، عنه انظر : ياقوت الحموي ـ معجم البلدان ٤ / ١٣١ ، البلادي ـ معجم معالم الحجاز ٦ / ١١٩.

(٣) في النسختين «قوس الغزيري». وهذا لم أجد تعريفه. وفي الإتحاف ٢ / ١٣٥ ذكر محمد علي الطبري «قوز العزيري». وبالبحث عنه لم أجد تعريفا للاسم كاملا إنما وجدت القوز فقط. حيث ذكر حمد الجاسر في المعجم الجغرافي ٣ / ١١٩٣ أن القوز قرية من قرى الليث ، وهذا ربما يكون الموقع.

(٤) في النسختين «للسيد». والتصحيح يقضيه السياق ، وكذلك من الاتحاف لمحمد علي الطبري ٢ / ١٣٥.

(٥) هم بنو مخلد ، وعتيبة ، والروقة.

(٦) في النسختين «بهما». والتصحيح يقضيه السياق.

(٧) المخواة : بفتح الميم وإسكان الضاد المعجمة ، وفتح الواو بعدها ألف وهاء : بلدة ذات قرى كثيرة بتهامة زهران ، وهي تابعة لإمارة الباحة الآن. حمد الجاسر ـ المعجم الجغرافي ٣ / ١٢٨٧ ، أحمد السباعي ـ تاريخ مكة ٢ / ٤٢٦ حاشية (١).

(٨) بنو علي : بطن من بني دوس من زهران. البلادي ـ معجم قبائل الحجاز ٢ / ٣٢٦.

(٩) بنو عمرو : بطن من بني سفيان من ثقيف ، لهم شفا يعرف باسمهم جنوب الطائف. البلادي ـ معجم معالم الحجاز ٢ / ٣٢٩.

(١٠) بنو زهران : بطن من الأزد كان ولا يزال يسكن السراة التي كانت تعرف بسراة الأزد. القلقشندي ـ نهاية الأرب ٢٧٤. على مسافة ١٩٠ كيلا جنوب الطائف. البلادي ـ معجم قبائل الحجاز ٢ / ١٨٦.

(١١) غامد بن عبد الله من الأزد ، كانت ديارهم منذ القدم مجاورة لديار زهران

٣٣٧

نهب القنفذة وأخذ ما فيها من الأموال.

ثم إن الشريف سعد نزل وادي بين (١) ، فاستعان منه بأخذ حبوبها ، يطعمها القبائل الذين معه.

ثم عاد إلى قوس الغزيري ، وأخذ أموال بعض التجار ، وبعض قوافل.

ثم عاد إلى محمد بن عبد الكريم ، وأخذوا جميع أولئك القبائل معهما ـ من كل فاتك خائن لا يعرف الدين ، ولا يؤمن بيوم اليقين ـ لأن الشريف عبد الكريم كان قد بعث إليهم السيد عبد الله بن سعيد بن شنبر فدعاهم إلى المبايعة ، وأخذ عليهم المواثيق والعهود ، في رفض المخادعة ، وكسى مشايخهم الجوخ (٢) ، وفرق عليهم من النقود ما أرضاهم ، فدخلوا تحت طاعته وهم مضمرون الغدر والخيانة.

ثم لما وصل إليهم الشريف سعد والسيد محمد بن عبد الكريم ، نقضوا العهود مع باريهم ، فاستحقوا ما أصابهم من قتلهم ، وخراب أراضيهم.

فلما بلغ ذلك الشريف عبد الكريم ، جهز إلى القنفذة من طريق

__________________

فيما يعرف بسراة الأزد. تقع ديار غامد في السراة على مسافة ٢١٥ كيلا جنوب الطائف. البلادي ـ معجم قبائل الحجاز ٣ / ٣٥٦ ـ ٣٥٧ ، أحمد السباعي ـ تاريخ مكة ٢ / ٤٠٥ حاشية (٢).

(١) البيني في اللغة : قطعة من الأرض بمقدار مد البصر ، وهي هنا موضع قرب نجران. ياقوت الحموي ـ معجم البلدان ١ / ٥٣٥.

(٢) الجوخ : ويجمع على أجواخ ، بالتركية جوقة نسيج من صوف صفيق يكتسى به. رينهارت دوزي ـ تكملة المعاجم العربية ٢ / ٣٢٨ ، البستاني ـ محيط المحيط ١ / ٤٠.

٣٣٨

جدة عسكرا من عساكر الوزير سليمان باشا ، وأمّر عليهم إيواز آغا ـ مملوك الشريف أحمد بن زيد ـ فركبوا في غرابين ووصلوا القنفذة ، وأقام محاصرا لأولئك الأشقياء في المرسى (١) ، ولحق بهم السيد عبد المطلب بن أحمد بن زيد ، وأقام هناك لأخذ زالات الجلاب ، وعندهم من القوت والماء ما يكفيهم.

فخرج إلى القنفذة منها ، ولم يبق أحد منهم خوفا على أموالهم وأنعامهم ، وعدم قدرتهم على القتال.

ثم جهز مولانا الشريف بيرقين من عسكر الجبالية ، ويافع ، وأمّر عليهم السيد شنبر ، وأرسلهم إلى القنفذة بحرا ، وأرسل خمسة وعشرين شريفا برّا ، فاجتمعا بقوس الغزيري ، ولحق بهم السيد عبد المطلب.

وقد دخل السيد شنبر الحجاز ، وجمع القبائل ، واستلحق السادات الأشراف والعسكر ، فلحقوه بمداسة (٢) ـ وهو منزل علو دوقة (٣) ـ نازل به الشريف سعد. وكانوا ينيفون على ثلاثة آلاف ، ومعه نحو خمسة أشراف.

ولما وصل خبر الملاقاة (٤) إلى الشريف عبد الكريم ، أمر بإخراج

__________________

(١) المرسى : الميناء.

(٢) في النسختين «بمداسه». وذكرها حمد الجاسر في المعجم الجغرافي ٣ / ١٢٩٢ باسم «مدسة». وهي من قرى اضم بمنطقة الليث.

(٣) دوقة : بفتح الدال المهملة ، واسكان الواو ، وفتح القاف بعدها هاء من أودية القنفذة المأهولة ، وفيه قرية بهذا الإسم وتقع جنوب الليث. حمد الجاسر ـ المعجم الجغرافي ١ / ٥٨٨ ، البلادي ـ معجم معالم الحجاز ٣ / ٢٤٠.

(٤) في النسختين «الملاقات».

٣٣٩

مضاربه إلى كدي (١) ، وخرج في خمسين فارسا من الترك. وذلك يوم سابع شهر شعبان. وأقام إلى يوم الأربعاء ثاني عشر الشهر.

ثم رحل متوجها إلى اليمن ، ومعه الشريف عبد المحسن (٢) بن أحمد ، وسائر بني عمه ، إلا من تخلف عنه يوم أذاخر ـ لأمر في نفوسهم ـ.

ولم يزل سائرا إلى أن نزل بالرباط (٣) ، فبعث إلى عمه السيد سرور ابن يعلى ، ومن معه من الأشراف السابق ذكرهم ، يأمرهم بالتؤدة إلى أن يصلهم. فكان قضاء الله أن وقعت الملاقاة ، وتراموا بالرصاص ، واشتد القتال ، وكادوا أن يهربوا لشدة من مع الشريف سعد ، فصدقوا الله ، / ٣٤٦ وهجموا ، وهبّت عليهم ريح النصرة ، فانكسرت القبائل ، وقتل / منهم نحو العشرين ، فهربوا.

وطلب الشريف سعد منهم الذمة ثلاثة أيام. فسمحوا له بشرط (٤) ، أن يرحل ويدخل الحجاز أو اليمن. فلم يرد لهم جوابا. وكل ذلك بمداسة ، سادس عشرين شعبان.

__________________

(١) كدي : بضم الكاف ، وتشديد الياء المثناة تحت ، ثنية لا زالت معروفة بهذا الإسم تصل بين مسفلة مكة وجبل ثور. لمزيد من المعلومات انظر : ياقوت الحموي ـ معجم البلدان ٤ / ٤٣٩ ـ ٤٤١ ، البلادي ـ معالم مكة ٢٢٨ ـ ٢٢٩ ، البلادي ـ معجم معالم الحجاز ٧ / ٢٠٢.

(٢) في (أ) تكرر «عبد» مرتين.

(٣) الرباط : بكسر الراء وفتح الموحدة بعدها ألف فطاء مهملة : قرى لبني عامر بتهامة زهران بمنطقة الباحة. الرباط : قرية من قرى الشاقة بمنطقة إمارة مكة المكرمة. حمد الجاسر ـ المعجم الجغرافي ٢ / ٦١٨. والأولى هي المقصودة هنا.

(٤) في النسختين «بشرط». إلا أن ناسخ (ج) ، استدرك في الحاشية اليسرى قوله «بذلك على شرط».

٣٤٠