منائح الكرم في أخبار مكة والبيت وولاة الحرم - ج ٥

علي بن تاج الدين بن تقي الدين السنجاري

منائح الكرم في أخبار مكة والبيت وولاة الحرم - ج ٥

المؤلف:

علي بن تاج الدين بن تقي الدين السنجاري


المحقق: الدكتورة ملك محمد خياط
الموضوع : التاريخ والجغرافيا
الناشر: جامعة أم القرى
الطبعة: ١
ISBN الدورة:
9960-03-366-X

الصفحات: ٥٨١

قفطانه ، واستمر به إلى أن توجه إلى مكة ثاني (١) عشر ذي القعدة ، ودخل مكة محرما بالحج ليلة هلال ذي الحجة ، فطاف وسعى ، وعاد للزاهر (٢) ، ودخل في آلاي (٣) أعظم.

وفي يوم الأربعاء الرابع من ذي الحجة : وصل من الأبواب إبراهيم أغا الطواشي (٤) ـ قايقجي (٥) مولانا السلطان (٦) ـ بخلعة سمور ، على ظهره

__________________

(١) وردت «ثمان» في (ج).

(٢) الزاهر : أحد أحياء مكة الغربية ، محسوب من جرول ، وكان حيا جميلا شجيرا ، وأوسع الشوارع المعبدة ، وكان سكانه من قبيلة حرب. والزاهر الثاني الذي كان بذي طوى ، كان بستانا للشريف عون الرفيق ، له عين نقية ، وبركة كبيرة مجصصة ، صار حلقة الخضار والفواكه ، وقسم منه بني مستشفى للولادة. عاتق البلادي ـ معجم معالم الحجاز ٤ / ١٢٧.

(٣) آلاي : لفظة تركية معناها موكب ـ أبهة ـ احتفال ـ فخفخة. رينهارت دوزي ـ تكملة المعاجم العربية ١ / ١٧١. وهنا يقصد بها الموكب العظيم كما جاء في وصف العصامي ـ سمط النجوم العوالي ٤ / ٥٦٤ بقوله : «ثم دخل صبيحة ذلك اليوم في موكب يبهر الناظرين ويسر البادين والحاضرين».

(٤) الطواشي : الخصي والجمع طواشيه. محمد قنديل ـ التعريف بمصطلحات صبح الأعشى ص ١١٦ ، بطرس البستاني ـ محيط المحيط ، نسخة طبق الأصل بطريقة الفوتو أوفست نقلا عن طباعة ١٨٧٠ م. مكتبة لبنان ، بيروت ، ٢ / ١٣٠٢.

(٥) اسم يطلق على مجموعة من المبعوثين الخصوصيين الذي سموا لأسباب تاريخية قبابيجي باشيه جمع (قابيجي باشي) أي كبار الحراس. عبد العزيز الشناوي ـ الدولة العثمانية دولة مفترى عليها ١ / ٥٣١ ـ ٥٣٢ حاشية رقم (٢). وفي محمد علي الطبري ـ الاتحاف (مخطوط) ٢ / ٦٩ لفظ قابقجي.

(٦) السلطان محمد خان الرابع تولى الحكم سنة (١٠٥٨ ـ ١٠٩٩ ه‍) (١٦٤٨ ـ ١٦٨٧ م). محمد فريد ـ تاريخ الدولة العلية ، تحقيق احسان حقي ط ٢ ، بيروت ، دار النفائس ١٤٠٣ ه‍ / ١٩٨٣ م ، ص ٢٨٨ ـ ٣٠٤.

٢١

صوف أبيض ، لمولانا الشريف. فدخل بها في الحجون (١) مع العسكر الإنقشار (٢) والعرب وغيرهم ، ونزل مولانا الشريف إلى الحطيم (٣) ، فدخل المذكور بالخلعة ، وألبسها مولانا الشريف ، وقريء المرسوم الوارد إليه ، وفيه غاية التعظيم.

وطلع إلى دار السعادة (٤) ، وجلس / للتهنئة ، ومدحه الشعراء. وممن مدحه في هذا اليوم ، الفقير ، مسود هذه الأحرف (٥) بقصيدة رائية

__________________

(١) الحجون : جبل بأعلا مكة عنده مدافن أهلها. ياقوت الحموي ـ معجم البلدان ، بيروت ، دار صادر ٢ / ٢٢٥ ، عاتق البلادي ـ معالم مكة ٧٧ ـ ٨٠ ، عاتق البلادي ـ معجم معالم الحجاز ٢ / ٢٣٨.

(٢) في (ج) «الإنقشارية». وهو صحيح.

(٣) الحطيم : بالفتح ثم الكسر بمكة ، قال مالك بن أنس : «هو ما بين المقام إلى الباب». وقال ابن جريج : «هو ما بين الركن والمقام وزمزم والحجر». وقال ابن حبيب : «هو ما بين الركن الأسود الى الباب الى المقام حيث يتحطم الناس للدعاء». وقال ابن دريد : «كانت الجاهلية تتحالف هناك يتحطمون بالأيمان». وقال ابن عباس : «الحطيم الجدار بمعنى جدار الكعبة». وقال أبو منصور : «حجر مكة يقال له الحطيم مما يلي الميزاب». وقال النضر : «الحطيم الذي فيه الميزاب ، وإنما سمي حطيما لأن البيت ربّع وترك محطوما». ياقوت ـ معجم البلدان ٢ / ٢٧٣. ويذكر عاتق البلادي ـ معجم معالم الحجاز ٣ / ٢٨ : «ان الحطيم معروف عند أهل مكة اليوم بين الركن وزمزم والمقام ، فهناك يبدأ الطواف وينتهي ، وفيه تصلى ركعتا الطواف ، وفيه الملتزم ، وعليه يفتح باب الكعبة».

(٤) دار السعادة : مقر الحكم. ويذكر أن الشريف حسن بن أبي نمي بنى دار السعادة منزلا له. ثم صارت مقرا لكل من يتولى الشرافة من آل زيد. محمد علي الطبري ـ اتحاف فضلاء الزمن (مخطوط) ١ / ٢٣٤ ، أحمد زيني دحلان ـ خلاصة الكلام ٥٦ ـ ٥٧. وتقع دار السعادة أمام باب أم هاني وباب أجياد. أحمد السباعي ـ تاريخ مكة ٢ / ٣٤٩.

(٥) يقصد السنجاري نفسه بهذا الوصف.

٢٢

، وأنشدته إياها في مجلسه الخاص. وهي هذه (١) :

مرحبا مرحبا بشمسي وبدري

حيث زارت من بعد ما عيل صبري

ربة الحسن لا يليق في التشبي

ب بعد المشيب فاصغي لشكري

للمليك الذي له خدم الده

ر وناهيك من مليك ودهر

نجل زيد بن محسن بن حسين

أحمد المرتجى لكشف المضرّ

سر (٢) طه وابن البتول (٣) وحامي

بلد الله بالسيوف البتر

والذي أذعنت له الشم من ها

شم بعد الإباء لا من ذعر

فهو اليوم واسطة العقد في

صدر الملوك عقد الصدر (٤)

ملك عالم ومن جمع العل

م إلى الملك فهو رب الفخر

رفع الظلم عند ما نصب العد

ل وجر القلوب نحو البر

فأتته جوازم الفعل فاعجب

لإمام عادل العوالم المستقر (٥)

حرك العزم للبراري

لما سكن المصر فهو كالغيث يسري

__________________

(١) سقطت من (ج).

(٢) السر من كل شيء أكرمه وخالصه وأوسطه. ابن منظور ـ لسان العرب ٢ / ١٣١ ـ ١٣٢ ، ابراهيم أنيس ـ المعجم الوسيط ١ / ٤٢٦.

(٣) البتول : هي المنقطعة إلى الله عزوجل عن الدنيا ، والسيدة فاطمة سميت بذلك لانقطاعها عن نساء أهل زمانها ونساء الأمة عفافا وفضلا ودينا وحسبا. وقيل لانقطاعها عن الدنيا إلى الله عزوجل. ابن منظور ـ لسان العرب ١ / ١٥٧.

(٤) في النسختين البيت غير موزون.

(٥) هكذا ورد البيت في النسختين ، ويستقيم الوزن بحذف كلمة عادل ولعله أخذها من معنى قول المتنبي :

إذا كان ما تنويه فعلا مضارعا

مضى قبل أن تلقى عليه الجوازم

أبو الطيب المتنبي ـ ديوان أبي الطيب المتنبي بشرح أبي البقاء العكبري ، ضبط وتحقيق مصطفى السقا وآخرون ١٣٥٥ ه‍ / ١٩٣٦ م ٣ / ٣٨٢.

٢٣

فهو طورا شفا ما حلّ قفر

وهو طورا شقا مناهل مهر

ثم لما أذعن البدو كالحضر

وصار الهزبر (١) للشاة يقري

وجه العزم نحو طه وهذا

منتهى الفخر بعد نهي وأمري

أيها العاطف المطيّ على المو

ضع للسيد العظيم القدري /

من أتاه جبريل بالوحي حتى

أنقذ الخلق من ضلال وكفر

يهنيك الوصل من حبيب رأينا

نوره ساطعا بوجهك يجري

قسما بالحطيم والبيت والأس

تار والطائفين في ذي العشر

لو أميط الحجاب عن من صحبتم

نحوه حدث العداة بخبر

ورأى ما به تلقاك من رحب

ومن فرحه ومن حسن بشر (٢)

كيف لا يفرح الأب البر بالإب

ن إذا كان ساعيا في البر

يا ابن بنت الرسول وابن علي

حبذا حبذا أبا مع صهر

لو مدحنا سواك قلت له اقصر

قد بلغت المدى مع كل قطر

غير إن المقام منك علي

والترقي يزيد في كل عصر

فابق وارق العلى إلى حيث شئت

فلا منتهى ليوم الحشر

وقف العقل دون ما أنت معط

واعتمت منتجاة الفكر (٣)

فتلق العام الجديد بيمن

كافلا بالمراد في كل قطر

__________________

(١) الهزبر : من أسماء الأسد. ابن منظور ـ لسان العرب ٣ / ٨٠١.

(٢) في النسختين البيت كما في أعلاه. والصحيح فصل الباء في الشطر الثاني ليستقيم الوزن هكذا :

ورأى ما به تلقاك من رح

ب ومن فرحة ومن حسن بشر

(٣) ورد البيت في النسختين هكذا. ولوزن الشعر يجب أن يكون :

وقف العقل دون ما أنت معط

واعتمت نحو منتجاه الفكر

٢٤

وتهنى التأييد من آل عثما

ن به قد أتاك شام ومصري (١)

هكذا الملك أو فلا إنما المل

ك على السادة الملوك الغر

فانظر أنظر لموكب هو فيه

مايج بالحديد موج البحر

وتأمل هل تلق غير شريف

لاح في عين كنجم يسري

ملك خاضع لأمر ابن عم

حاز عقد العلا بأغلى المهر

هجر النوم عند ما رقه الغي

ر إلى أن بدى كضوء الفجر

وأتته السعود تسعى فأغنت

عن صفاح بيض ولدن سمر

إن قتل العدا بغير سلاح

آية الله لا كفعل السحر

كم فؤاد بأضلع حبسته

لشقي أضحى على مثل جمر

قد رأت مقلتاه منك هزبر

حال دون المنى على قيد شبر

فهو في جنبه من الأرض يصلى

نار خوف وهكذا المستجر

أي عيش لحاسد لك أضحى

ينصب الحبل لاصطياد البدر

حسبه إن أساء تعفو عنه

رب محمر (٢) وجنة من ضر

أيها البحر إنما الفضل يحيى

بك من جعفر بكفك يجري

فلو أن الزمان جاء قديما

بك لم توأد البنات لفقر (٣)

__________________

(١) والمقصود أن الخلعة السلطانية التي ينعم بها السلطان العثماني على الشريف يأتي بها بشير الحج المصري والشامي ولا تصح الولاية إلا بها.

(٢) في (أ) «حمر». والاثبات من (ج) لضرورة وزن الشعر.

(٣) في النسختين وردت «تؤيد». والصحيح يقضيه سياق المعنى. وهذا البيت يشير إلى عادة وأد البنات التي كانت سائدة في الجزيرة العربية قبل ظهور الإسلام ، والتي أشارت إليها الآية القرآنية الكريمة : (وَإِذَا الْمَوْؤُدَةُ سُئِلَتْ ، بِأَيِّ ذَنْبٍ قُتِلَتْ) ـ سورة التكوير الآيتان ٨ ، ٩.

٢٥

بل ولو كان مسير العرب العر

باء كيما يفيده ذو عسر

أنت فلترغم العداء حجة الله

على خلقه ببدو وحضر

طاعة الله حبكم آل طه

جاءنا محكم بنص الذكر (١)

لعن الله باغضيك لقد قل

ت بها مفعما بلا سوق غدر

وإذا قلت ما به رضى الله

فلا عبرة بأهل الغدر

هاكها كاللجين (٢) جابها الي

وم إليك الحس معنى الشعر

زانها الطي بعد نشر كمالا

منكم فالبديع طي ونشر

وتأمل فيها رقيق معان

لم يلقها الصفي (٣) وابن المقري (٤)

__________________

(١) يشير هذا البيت إلى الآية القرآنية الكريمة : (إِنَّما يُرِيدُ اللهُ لِيُذْهِبَ عَنْكُمُ الرِّجْسَ أَهْلَ الْبَيْتِ وَيُطَهِّرَكُمْ تَطْهِيراً) ـ سورة الأحزاب آية ٣٣.

(٢) اللجين : الفضة. ابن منظور ـ لسان العرب ٣ / ٣٤٦ ، ابراهيم أنيس ـ المعجم الوسيط ٢ / ٨١٦.

(٣) صفي الدين الحلي : هو أبو المحاسن عبد العزيز بن سرايا بن نصر الطائي السبنسي ، نسبة إلى سبنس بطن من طيء. اتصل بأمراء الدولة الأرتقية في ماردين ، ثم رحل إلى مصر ومدح السلطان الناصر قلاوون. وكانت وفاته في بغداد. لصفي الدين ديوان جمعه هو بنفسه ، وقد طبع مرارا في دمشق وبيروت ، وفيه جمع أبواب الشعر المعهودة. ومن أشهر ما نظم مدائحه في الملك منصور نجم الدين غازي. والتي كانت عبارة عن تسعة وعشرين قصيدة. كل قصيدة بحرف من حروف الهجاء تكون في أول وآخر كل بيت من أبياتها ، وسماها درر النحور في مدائح الملك المنصور وهي المعروفة بالأرتقيات. وقد نظم القصائد الطويلة والمقطعات والموشحات والمخمسات والمشطرات والمواليا والقوما وغيرها. صفي الدين الحلي ـ ديوان صفي الدين الحلي ، مقدمة ديوانه ، دار بيروت للطباعة والنشر. بيروت ١٤١٣ ه‍ / ١٩٨٣ م ص ٥ ـ ٦.

(٤) المقري : أحمد بن محمد بن أحمد بن يحيى أبو العباس المقري التلمساني المولد المالكي المذهب. انتقل بين مصر وسورية والحجاز. كان بارعا في علم الكلام والتفسير والحديث والأدب. أشهر مؤلفاته نفح الطيب في غصن الأندلس الرطيب ، وفتح المتعال

٢٦

فأجزني [عنها](١) القبول فإني

لم أقلها كالغير حوزا لتبر

غير أني امتثلت أمرك في المد

ح على أرؤس يا ذخر

لا برحت الزمان في كل عام

لابس العز شاهرا للذكر

ما تغنت حمائم الدوح (٢) لما

بكت السحب في الرياض الخضر /

وفي يوم الخميس العاشر من (٣) ذي الحجة منها : أمر صاحب جدة (٤) بهدم الخلاوي (٥) التي في المسجد ، فهدمت جميعها ، وكان الواجب ألا تهدم لكونها من بنية المسجد علوا أو سفلا ، بناها سمكا واحدا. وسبب ذلك

__________________

الذي صنفه في أوصاف نعل النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم ، واضاءة الدجنة في عقائد أهل السنة ، وغيرهم.

جاور بمكة والمدينة فترة من الزمن وألقى فيهما مجموعة من الدروس بعد أدائه لفريضة الحج سنة ١٠٢٧ ه‍ و ١٠٢٨ ه‍. توفي بمصر سنة ١٠٤١ ه‍. المحبي ـ خلاصة الأثر ١ / ٣٠٢ ـ ٣١١.

(١) ما بين حاصرتين من (ج).

(٢) في (أ) «الدوك». والاثبات من (ج).

(٣) في (ج) «عشري».

(٤) صاحب جدة هو أحمد باشا. كما ذكر المؤلف فيما بعد. أنظر : العصامي ـ سمط النجوم العوالي ٤ / ٥٦٤ ، أحمد السباعي ـ تاريخ مكة ٢ / ٣٨٩.

(٥) الخلوة : مكان الإنفراد بالنفس أو بغيرها. والجمع خلوات ، والخلوة اصطلاحا هو المكان الذي يختلي فيه الصوفي للرياضة الروحية والتعبد والمناجاة محتجبا عن الناس ، حتى يحصل بذلك على كمال الصفاء النفسي ، وهو أمر لا يتيسر إلا بالاعتزال والاحتجاب بعيدا عن مطالب الحياة المادية ومؤثراتها على رأي المتصوفين ، فارتبط التصوف بنشأة الخلوات. وهنا يقصد بها اسم للمدارس والتكايا التي تدرس فيها علوم الشريعة ، وهي معروفة في افريقيا وبخاصة في السودان ، ولها دور كبير في نشر الدين الإسلامي هناك. وقد استخدمها الصوفيون على الأكثر. عبد الكريم القطبي ـ أعلام العلماء ١٤٩ حاشية (٥) ، ابراهيم أنيس ـ المعجم الوسيط ٢ / ٢٥٤ ، أحمد عطية الله ـ القاموس الإسلامي ٢ / ٢٧٦.

٢٧

أنه بلغه فساد (١) فيها بقول ثقة عنده. والله أعلم بذلك.

[وفي يوم](٢) الثلاثاء الخامس عشر من ذي (٣) الحجة ، أرسل مولانا الشريف ابنه السيد عبد المحسن ومعه إبراهيم أغا قايقجي السلطان الوارد بالخلعة السابق ذكره ، وصحبته أحمد باشا صاحب جدة والوزير عثمان حميدان ، [أن يشرفوا على العمارة الخاصكية (٤). فأشرفوا على ما جدده الوزير عثمان حميدان](٥) وقومه المهندسون بثلاثين ألف أحمر شريفي. وسجل ذلك عند القاضي ثم رجعوا.

__________________

(١) لم يعين السنجاري نوع الفساد. وكذلك العصامي ـ سمط النجوم العوالي ٤ / ٥٦٤ لم يوضح ذلك. وانما ذكر : «سماعه بحصول فسق في بعضها والله أعلم بالحقائق» ، وربما يكون انحرافات خلقية حصلت من بعضهم وهو نوع من مواجهة البدع التي كانت سائدة بين المسلمين.

(٢) ما بين حاصرتين من (ج).

(٣) في (ج) «ذو».

(٤) هم المماليك الذين يختارهم السلطان من الأجلاب الذين دخلوا خدمته صغارا ، ويجعل منهم حرسه الخاص ، ورؤساؤهم يشغلون وظائف عامة. ابن فهد ـ اتحاف الورى ٣ / ١٢٥ ، حسين مجيب المصري ـ معجم الدولة العثمانية ٧٥. ولعل المقصود هنا مبنى الجند.

(٥) ما بين حاصرتين سقط من (أ). والاثبات من (ج).

٢٨

ودخلت سنة ١٠٩٨ (١) ألف وثمانية وتسعين :

وفي يوم الثلاثاء الثاني من محرم (٢) أمره (٣) أحمد باشا بإصلاح فصوص اختلت في الشاذروان (٤).

وأمر بالحجر السماق (٥) السابق ذكره سنة ١٠٨٧ (٦) ، فوضعه

__________________

(١) سقطت من (أ). والاثبات من (ج).

(٢) سقطت من (أ). والاثبات من (ج).

(٣) في (أ) «عزم». والاثبات من (ج).

(٤) وقد ذكر السنجاري في منائح الكرم ، أحداث ١٠٤٠ ه‍ تفاصيل كثيرة عن بناء الشاذروان والكعبة المشرفة بسبب الأمطار الغزيرة التي هطلت في هذه السنة.

الشاذروان : هو البناء المحاط بأسفل جدار الكعبة مما يلي أرض المطاف من جهاتها الثلاثة الشرقية والغربية والجنوبية.

وشكل هذا الشاذروان هو بناء منسم بأحجار الرخام المرمر لحماية الكعبة من مياه الأمطار والسيول التي تجتاحها ، أما الجهة الشمالية فليس فيها شاذروان إنما بها بناء بسيط ارتفاعه نحو أربعة قراريط عن حجر إسماعيل من الحجر الصوان. لمزيد من المعلومات انظر : حسين عبد الله باسلامة ـ تاريخ الكعبة المعظمة عمارتها وكسوتها وسدانتها ط ٢ ـ ١٤٠٢ ه‍ / ١٩٨٢ م ، جدة ص ١٤٣ ـ ١٤٨. ويذكر محمد بن علوي عباس المالكي الحسني في كتابه رحاب البيت الحرام ـ مطابع سحر ، جدة ١٣٩٩ ه‍ / ١٩٧٩ م ، ص ١٢٦ ـ ١٢٧ : «إن الشاذروان الموجود الآن في داخل بناء الكعبة هو من بناء السلطان مراد الرابع العثماني (١٠٣٢ ـ ١٠٤١ ه‍) عند بنائه للكعبة سنة ١٠٤٠ ه‍ ، وليس هو الذي اخترع وضع الشاذروان في الكعبة ، بل ان الشاذروان كان موجودا منذ القدم.

(٥) السماق : الخالص البحت. ابن منظور ـ لسان العرب ٢ / ٢٠٥ ، ابراهيم أنيس ـ المعجم الوسيط ١ / ٤٥٠. الحجر السماقي من الأحجار التي تنتمي إلى الصخور النارية. الموسوعة العربية ص ٦٩١. والمقصود هنا هو الحجر الخالص الذي لا يدخله شيء من طين أو غيره.

(٦) الحجر السماق الوارد ذكره في سنة ١٠٨٧ ه‍ هو : أن بعض المغاربة حصلوا من بعض الكنائس على حجر سماق ، طوله ذراعان وشيء ، وعرضه ذراع وشيء ، وأنهم أرادوا وضعه خلف مقام سيدنا إبراهيم عليه‌السلام ، وأنه لم يتم لهم ذلك ، وإنما دفن

٢٩

تحت الركن الأسود مما يلي الأرض ، ودفن ما كان [من](١) ذلك الموضع المبارك من الرخام بعد قلعه ، ونجزوا من هذا الشغل قبيل الغروب من اليوم المذكور (٢).

ولما كان يوم الإثنين الثامن من (٣) محرم الحرام أيضا ، أمر أحمد باشا نائب الشرع الشريف ، وبلكات (٤) العسكر الإنقشارية ، والأصباهية (٥) بشواويشهم (٦) ، أن يجروا من باب الصفا إلى المروة ، وأمرهم بإزالة دكك (٧) الباسطية (٨) في الشارع والظلل ، فأزيلت. وركب بنفسه ضحى

__________________

خلف مقام الإمام أحمد بن حنبل. في النسختين «١٠٩٨». والتصحيح من المحققة في الجزء الثاني من منائح الكرم حوادث ١٠٨٧ ه‍.

(١) ما بين حاصرتين من (ج).

(٢) هو يوم الإثنين ثامن محرم وليس كما ورد في (أ) أنه يوم الثلاثاء. لأن يوم الثلاثاء يكون اليوم التاسع. وهذا ما يتضح من خلال الأسطر التي تلي.

(٣) في النسختين «ثاني محرم». والأصح «ثمان محرم» كما يتضح من خلال سياق الأحداث.

(٤) بلك بالتركية بولك وجمعها بلكات فوج من الجند. رينهارت دوزي ـ تكملة المعاجم العربية ١ / ٤٣٧.

(٥) الأصباهية أو الأسباهية (السباهي) : هم بمثابة الفرسان النظاميين في الجيش العثماني. انظر : محمد أنيس ـ الدولة العثمانية والشرق العربي ط ١ ، القاهرة ، ١٩٨٢ ، ص ٧٩.

(٦) جاويش تركية جمع جاويشيه ، وهم من جنود الحرس يمتازون بالشجاعة. وكان من عملهم أن ينشدوا أمام السلطان في مواكبه وحفله. وكانوا ينقسمون في ذلك إلى فريقين كل فريق ينشد دورا يختلف عن الفريق الآخر. وجاويش : ضابط من رتبة صغيرة يعهد إليه بأعمال مختلفة. رينهارت دوزي ـ تكملة المعاجم العربية ٢ / ١٣٢. والمقصود هنا الضابط.

(٧) الدكك بناء يسطح أعلاه للجلوس عليه ـ مقعد مستطيل من خشب غالبا يجلس عليه ، والجمع دكاك. إبراهيم أنيس ـ المعجم الوسيط ١ / ٢٩٢.

(٨) الباسطية : بسط الشيء نشره ، البسطة : الزيادة. ابن منظور ـ لسان العرب

٣٠

ذلك اليوم ، وأشرف على المسعى ، ودخل سويقة (١) الشامي ، وأمر بإزالة بعض الدكك. وفي هذا اليوم أرسل شيخ الفراشين إلى أصحاب الوظائف يأمرهم بالمباشرة ، إلا من له عذر شرعي يوجب التأخير أو النيابة.

وفي هذا اليوم (٢) ألبس / مولانا الشريف الوزير عثمان حميدان قفطانا. وسبب ذلك أنه حصل عليه غضب [من](٣) مولانا الشريف ، فجمع بينهما الباشا المذكور (٤) في بيته ، وأزال ما في الخواطر. وألبس الباشا تلك الليلة مولانا الشريف أحمد سمورا ، وكذلك ألبس الوزير عثمان سمورا أبيض أيضا ، وخرجا متصافيين ، كل ذلك ليلة ثامن (٥) محرم ، فأعطى مولانا الشريف الباشا فرسا من خيله بذهابها (٦).

__________________

١ / ٢١٣ ، ابراهيم أنيس ـ المعجم الوسيط ١ / ٥٦. والمقصود هنا هو إزالة الدكك المنتشرة والزائدة عن المتاجر والدكاكين في السوق. والبسطات بمفهوم أهل الحجاز في الوقت الحاضر : الدكاكين الصغيرة (الأكشاك) المنتشرة في الشوارع وخاصة في أيام المواسم كالحج ورمضان.

(١) سويقة : السوق الصغير. إبراهيم أنيس ـ المعجم الوسيط ١ / ٤٦٥. ويقر عاتق البلادي ـ معجم معالم الحجاز ٤ / ٢٦٠ : «أن العرب تطلق اسم سويقة على كل شيء داجي الظلال كالشوارع المسقفة. وسويقة الشامي هي الآن المجاورة لحي الشامية المعروف.

(٢) يوم الإثنين الثامن من محرم.

(٣) ما بين حاصرتين من (ج).

(٤) هو أحمد باشا.

(٥) أي ليلة الإثنين.

(٦) أصل الذهاب جمع ذهبه ، بمعنى الجود. ابن منظور ـ لسان العرب ٢ / ١٠٨٢. المقصود هنا وصف الشريف بالكرم ، حيث أعطى الباشا فرسا كاملة العتاد والعدة.

٣١

ولما كان يوم الثلاثاء تاسع محرم : خرج الباشا المذكور إلى الحرم ، فأوحى إليه أن في سبيل السلطان مراد خان مرحاضا أحدثه الأفندي عبد الله عتاقي ، قصبته (١) في جدار المسجد ، فأرسل نقيب الأغوات مشدي (٢) باشي الفراشين وبعض خدم يشرفون على ذلك ، فأتوا إلى الأفندي عبد الله ، وأشرفوا على المرحاض. وعادوا فأخبروه أنه قديم من البناء الأصلي. فقام بنفسه إلى أن دخل علي المذكور في السبيل ، فأخبره المذكور بأن هذا قديم ، وليس بحادث. فكان جوابه عقابه بسبّ وضرب إلى أن أدماه ، ورماه على الأرض (٣) ، وداسه برجله ، وما نظر إلى الله (٤). وخرج ، فتلاه الأفندي (٥) بخروجه ، وقصد منزل مولانا الشريف ، وعليه دمه.

فلما علم مولانا الشريف بحاله ، كثر ندمه ، وأمر بتعزيل السوق (٦). وجاء الخبر إلى الباشا ، فدخل مدرسة السلطان سليمان

__________________

(١) في (ب) «قصبه». وقصبته بمعنى مجرى مائه. ابن منظور ـ لسان العرب ٣ / ٩٥.

(٢) في اصطلاح الأعمال رئيس العمال أو ملاحظهم. عبد الكريم القطبي ـ أعلام العلماء ـ الأعلام ص ١٣١ حاشية رقم ٢ ، حسين مجيب المصري ـ معجم الدولة العثمانية ٢٠٢. باشي : تركية بمعنى رئيس. رينهارت دوزي ـ تكملة المعاجم العربية ١ / ٢٣٢.

(٣) في (ب) «وعلى الأرض رماه».

(٤) كما أشار العصامي ـ سمط النجوم ٤ / ٥٦٥ إلى ذلك بقوله :

«ففي يوم تاسع محرم الحرام كانت واقعة من أحمد باشا المذكور إلى الأفندي عبد الله عتاقي مفتي السادات الحنفية ، ثار بسببها الخاص والعام». وكذلك أحمد زيني دحلان ـ خلاصة الكلام ١٠٨.

(٥) هو عبد الله عتاقي.

(٦) خوفا من حصول اضطراب في البلد.

٣٢

خان (١) ، وجلس عند القاضي في شباك المدرسة ، ينظر إلى من يمر ، فأرسل مولانا الشريف بعض الأشراف إلى القاضي ليحفظوه عن الفرار / ، وأمر شيخ الفراشين بأن يدعو الفقهاء ووجوه الناس للقيام بهذا الشأن ، فسبقت العامة إلى المدرسة ، ورجموا الباشا والقاضي بحصي المسجد.

وما كان من السادة الأشراف ، فقال لهم القاضي :

«هذا حاضر ، فليحضر خصمه».

فلما بلغ الخواجا عثمان ذلك ، جاء إلى القاضي ، فلما رأى الأشراف قال : «إن مولانا الشريف بعثني يدعوكم إليه». فخرجوا قاصدين الشريف ، فلما علم أنهم وصلوا الحرم ، أخذ الباشا وخرج به من

__________________

(١) تولى السلطان سليمان خان بن سليم الغازي سنة ٩٢٦ ه‍ ـ ٩٧٤ ه‍. وفي عهده بلغت الدولة العثمانية أوج عزها واتسعت أملاكها ، وقد أمر بإنشاء أربع مدارس ، تدرس كل منها أحد المذاهب الأربعة ، وتقع في الجهة الجنوبية من المسجد. ووضع حجر الأساس بها عام ٩٧٢ ه‍. ولم يكمل بناء هذه المدارس إلا في عهد ابنه السلطان سليم بن سليمان خان وهي :

١. المدرسة المالكية السليمانية.

٢. المدرسة الحنفية.

٣. المدرسة الشافعية.

٤. دار الحديث.

انظر : عبد الكريم القطبي ـ أعلام العلماء الأعلام ببناء المسجد الحرام ١١٣ ـ ١١٥ ، ناجي معروف ـ مدارس مكة ، مطبعة الإرشاد ـ بغداد ٢٣ ـ ٢٧ ، عبد الرحمن صالح عبد الله ـ تاريخ التعليم في مكة المكرمة ٧٧ ـ ٧٩ ، محمد فريد ـ تاريخ الدولة العلية العثمانية ١٩٨ ـ ٢٥٢ ، عمر رضا كحالة ـ العالم الإسلامي ، ط ٢ ، دمشق ، ١٣٧٧ ه‍ / ١٩٨٥ م ، ٢ / ٢١٦ ـ ٢٢٠. محمود شاكر ـ التاريخ الإسلامي والعهد العثماني ، ط ٢ ، المكتب الإسلامي ، بيروت ـ دمشق ـ عمان ، ١٤١١ ه‍ / ١٩٩١ م ، ٨ / ١٠٤ ـ ١١٠.

٣٣

الباب الخارج على باب الزيادة (١) ، ونزل به من الحرم إلى بيته ، فلما رأته العامة تبعته بالرجم ، إلى أن وصل منزله ـ دار الوزير عثمان ـ فجعلت العامة ترجم الدار بالحصى ، وقد غلقت طيقانها ، ثم إن الفقهاء اجتمعوا ، وعرجوا مع الأفندي عبد الله إلى القاضي ، فأمر القاضي بإحضار أحمد باشا ، فامتنع من الحضور ، فادعت الفقهاء أنه خالف الشرع ، فحكم بارتداده وكفره لمخالفته أمر الشرع ، وضربه لمفتي السلطان.

فأخذوا بذلك حجة (٢) ، وطلعوا بها إلى مولانا الشريف ، فأخذها مولانا الشريف أحمد منهم ، ولم يؤذن في هذا اليوم لصلاة (٣) الظهر ، غير أن أئمة الرواتب (٤) صلوا وقامت الجماعة.

ثم نادى المنادي من جهة مولانا الشريف بالأمان ، ونادى مناد آخر بالمسجد لتأمن الأتراك ، ولزم الباشا منزله.

__________________

(١) باب الزيادة هو الباب الموجود في الجهة الشمالية. ويعرف أيضا بالجانب الشامي ، ويعرف قديما باب سويقة. وكان هذا الباب قديما طاقتين ، إلى أن أمر الأمير قاسم ببناء المدارس السلطانية ، ففتح طاقا ثالثا. القطبي ـ أعلام العلماء ١٣٩ ، جمال الدين بن ظهيرة القرشي ـ الجامع اللطيف في فضل مكة وأهلها وبناء البيت الشريف ، الطبعة الثالثة ١٣٩٢ ه‍ / ١٩٧٢ م ، ٢١٧ ، ٢١٨.

(٢) الدليل والبرهان. وقيل : الحجة ما دفع به الخصم. ابن منظور ـ لسان العرب ١ / ٥٧٠.

(٣) خوفا من وقوع قتال بين العامة والأتراك.

(٤) أئمة الرواتب : هم الأئمة المعتمدون من الحكومة للصلاة بالناس. والمقصود هنا أنه لم يتغير في هذا اليوم شيء سوى أنه لم يؤذن لصلاة الظهر. لكن الصلاة جماعة قامت كالعادة ، وصلى بالناس الأئمة المعتمدون للصلاة بهم في المسجد الحرام.

٣٤

فلما كان بعد صلاة العشاء طلع [به](١) الوزير عثمان إلى مولانا الشريف ، فلامه على فعله ، وعرّفه بجهله ، وأوقره (٢) ملاما ، فلم يحر جوابا ولا كلاما. فطلب مولانا الشريف الأفندي عبد الله عتاقي ، فاعتذر أولا ، فعاد إليه المرسول ، فطلع إليه ، وجلس في معزل ، ولم يجتمع بالباشا. فلما تحقق [الباشا](٣) عدم اجتماعه به ، نزل من عند مولانا الشريف ، فاجتمع مولانا الشريف بالأفندي عبد الله ، وقال له : «أما يكفيك نصفه (٤) ما وقع لهذا الباشا من هذه الهيضلة (٥) ، وقد جاء معتذرا؟!. فكان من الواجب عليك الإجتماع به ، والسماح عما مضى».

فقال الأفندي : «يا مولانا ليس لي حاجة في الاجتماع به أصلا». وخرج (٦) من عنده.

ولما كان يوم الخميس طلع الباشا إلى بستان الوزير عثمان ، وأقام إلى آخر النهار ، ونزل ليلة الجمعة إلى بيت الشريف ، وطلع إليه ، وسمر عنده.

__________________

(١) ما بين حاصرتين من (ج).

(٢) في (ج) «وأقره». والوقر : الثقل يحمل على ظهر أو على رأس. ابن منظور ـ لسان العرب ٣ / ٩٦٣.

(٣) ما بين حاصرتين من (ج).

(٤) اسم الانصاف وتفسيره : أن تعطيه من نفسك النصف ، أي تعطيه من الحق كالذي تستحق لنفسك. ابن منظور ـ لسان العرب ٣ / ٦٥٠.

(٥) الهيضلة : الجماعة من الناس ، وأصوات الناس. ابن منظور ـ لسان العرب ٣ / ٨١٠.

(٦) في (ج) «نزل من عنده».

٣٥

ثم إنه طلع البستان المذكور يوم السبت ، وطلع مولانا الشريف إليه ، واستمرا إلى الليل ، ونزل مولانا الشريف ، وبات هو.

واستمرّ إلى يوم الأحد إلى بعد صلاة العصر ، ونزل في عسكره إلى بيت الشريف ، واستمر عنده إلى بعد العشاء ، ونزل من عنده متوجها إلى جدة.

ومن اللطائف أن وافق ضبط عام نزوله [هذا لفظ](١) «مغبون». وكتب مولانا الشريف في الباشا إلى الأبواب (٢) ، وكتب الأفندي عبد الله عتاقي أيضا إلى من يعتمد عليه هناك ، بما وقع له من هذا الباشا.

وفي أواخر محرم من هذه السنة ، شرع الوزير عثمان في بناء الحائط على المقبرة المعلومة (٣) صفته.

وفي يوم الخميس عشر جمادى الأولى نادى مناد من قبل مولانا الشريف بتخريج التكارنة (٤) من مكة ، لأمر بلغه

__________________

(١) ما بين حاصرتين من من (ج).

(٢) الأبواب : السلطنة العثمانية.

(٣) انظر أيضا : العصامي ـ سمط النجوم العوالي ٤ / ٥٦٥.

(٤) التكارنة : شعب من شعوب افريقيا الغربية. أنظر في بلاد التكرور : ابن خلدون ـ تاريخ المسمى كتاب العبر وديوان المبتدأ والخبر. مؤسسة الأعلمي للمطبوعات ، بيروت ـ لبنان ١٣٩١ ه‍ / ١٩٧١ م ، ٦ / ١٩٩ ـ ٢٠١. ياقوت الحموي ـ معجم البلدان ٢ / ٢٨ ، محمد ثابت وآخرون ـ دائرة المعارف الإسلامية ٥ / ٥٢٧. ولفظ تكارنة كما أظن أنها على وزن (فعالل) من صيغ منتهى الجموع وقد لحقتها التاء إما عوضا عن حرف المد المحذوف إذ أصلها (تكرور) كما جاء في كتاب ياقوت الحموي ـ معجم البلدان ٢ / ٢٨. ويلاحظ أيضا أنه حدث إبدال من الراء التي هي لام الكلمة إلى نون عند جمعها على وزن (فعالل). وإما أن تكون التاء للدلالة على أن الجمع للمنسوب لا

٣٦

عنهم (١) ، فاجتمع منهم نحو مائة رجل ، وتفرقوا في البلدان.

وفي يوم الخميس عاشر شعبان ، ورد قاصد من الأبواب [السلطانية](٢) بعزل أحمد باشا شيخ حرم مكة ، الذي [هو](٣) عم / الباشا ، والطلب الحثيث له بالحضور إلى الأبواب ، وأعطيت جدة ومشيخة الحرم لمحمد بيك (٤) ، ووصل مستلمه ، وسجل القاضي أمره ، قائم مقامه في نيابة الحرم السيد محمد ، نائب الحرم (٥) سابقا ، فألبس مولانا الشريف ونائب الحرم قفطانين ، ونزل المستلم جدة ، وذكر أن الصنجق (٦) محمد

__________________

المنسوب إليه وذلك من (تكروني) مثل (دماشقة) من دمشقي. انظر : قضية زيادة التاء على صيغة منتهى الجموع في أحمد الحملاوي ، شذا العرف في فن الصرف ـ مصطفى البابي الحلبي ط ١٦ ١٣٨٤ ه‍ ، ص ١٢٠ ـ ١٢١.

(١) لم يبين المؤلف الأمر الذي بلغه عنهم. إنما أورد العصامي ـ سمط النجوم العوالي ٤ / ٥٦٦ تفصيل ذلك حيث أشار إلى وقوع سرقات من بعضهم وإلى تفشي عمل السحر في بعضهم.

(٢) ما بين حاصرتين من (ج).

(٣) سقطت من (أ). والاثبات من (ج).

(٤) محمد بيك تولى ولاية جدة ومشيخة الحرم في سنة ١٠٩٨ ه‍ إلى سنة ١١٠٣ ه‍.

(٥) نائب الحرم : من البيوت المشهورة في مكة ، ويقال أنهم من سادات أهل الشام. ومعنى نائب الحرم أنه نائب في أمور المسجد عن الأمير ، ووظيفتهم عبارة عن رئاسة على جميع موظفي المسجد الحرام من إمام وخطيب ومؤذن وفراش وبواب وكناس وغير ذلك. عبد الستار دهلوي ـ تحفة الأحباب في بيان اتصال الأنساب (مخطوط) ورقة ١٥٧.

(٦) الصنجق : لفظة تركية لها عدة معان : علم أو بيرق ، لواء أو فرقة من الجيش ، قسم اداري في ولاية كبيرة يحكمه حاكم يطلق عليه اسم صنجق (الولاية صنجقية). وتكتب كلمة صنجق بحرف الصاد تارة وبحرف السين تارة أخرى. والكلمة في الأصل كانت تطلق على الرمح ، وهي رايات صغار يحملها السنجقدار (حامل العلم). عبد العزيز الشناوي ـ الدولة العثمانية ١ / ١٣٦ حاشية رقم (١) ، محمد قنديل البقلي

٣٧

بيك في الأثر.

وفي أوائل شعبان عزل مولانا الشريف ناظر قايتباي (١) حسين القبرصلي (٢) ، وجعل ناظر الوقف مصطفى القندلجي ، وحوسب (٣) الناظر الأول على ما بيده.

وفي الخميس رابع عشر شعبان وصل أحمد باشا مكة.

وفي سابع عشر شعبان ، وقعت فتنة بين الإنقشارية وشاووشهم (٤) ،

__________________

التعريف بمصطلحات صبح الأعشى ١٨٦ ، محمد ثابت ـ دائرة المعارف الإسلامية ١٢ / ٢٤٩ ـ ٢٥٥.

(١) وقف قايتباي : هو الوقف الذي أمر ببنائه السلطان قايتباي المحمودي الظاهري (من ملوك الجراكسة) سنة ٨٨٢ ه‍ ، حيث أمر بشراء موضع يشرف على الحرم الشريف ليبني عليه مدرسة ورباط وربوعا ومسقفات ، ويحصل منها ريع يصرف على المدرسين والقراء ، فاستبدل رباط السدرة ورباط المراغي ، وكانا متصلين ، كما أمر بشراء الدار المجاورة لرباط المراغي ، وتهدم ذلك كله. وجعل فيها اثنتين وسبعين خلوة ومجمعا كبيرا مشرفا على الحرام والمسعى ، ومكتبا ومئذنة ، وجعل المجمع المذكور مدرسة.

وأرس خزانة كتب ، أوقفها على طلبة العلم ، وجعل مقرها المدرسة المذكورة ، وبنى عدة ربوع ودور تغب في كل عام نحو ألفي ذهب. ووقف على هذا كله قرى وضياع بمصر تغل حبوبا تحمل في كل عام إلى مكة. ثم فيما بعد أصبحت المدرسة سكنا لأمراء الحج أثناء الحج ، وسكنا للأمراء في غير موسم الحج ، إذا وصلوا مكة في وسط السنة. النهروالي ـ الاعلام ٧١ ـ ٧٢ ، ١٥٠ ـ ١٥٦ ، السنجاري ـ منائح الكرم حوادث سنة ٨٨٢ ه‍ ، حسين باسلامة ـ تاريخ عمارة المسجد الحرام ٧٥ ـ ٧٨ ، ناجي معروف ـ مدارس مكة ٢١ ـ ٢٣.

(٢) حسين القبرصلي : تولى الوزارة للشريف بركات سنة ١٠٨٥ ه‍. وكان متوليا ناظرة وقف قايتباي. السنجاري ـ منائح الكرم ، حوادث سنة (١٠٨٥ ه‍).

(٣) في (أ) «حسب». والاثبات من (ج).

(٤) في (أ) «شاوشهم». والاثبات من (ج).

٣٨

جرح فيها السردار ، فاقتضى رأيهم تخريج الشاووش ، فخرج إلى جدة. وتأهب للسفر أحمد باشا ، فأعانه مولانا الشريف بنحو عشرين نجيبا (١) ، وكذلك [الحاكم](٢) والسيد أحمد بن غالب. وتوجه يوم الاثنين تاسع عشر الشهر المذكور مع مماليكه ، ومن صحبه من العسكر في نحو مائة بعير إلى مصر.

وفي سادس عشرين شعبان وصل محمد بيك ، صنجق جدة ، فدخل مكة ، وطاف وسعى ، ورجع إلى الزاهر ، ودخل في آلاى الإنقشارية والعرب ، ونزل بدار السيد محمد نائب الحرم.

واستمر إلى أوائل رمضان ، ثم نزل جدة ، وكان من أحسن ما فعل النداء بجدة أن لا يسكنها نصراني (٣) ، وكان بها عدة منهم ، فخرجوا منها ، وشدد في التفتيش عليهم ، حتى أسلم بعضهم ، وسافر الآخرون إلى ينبع (٤).

وفي هذا غيرة إسلامية ، فإن دخولهم جزيرة العرب مما ابتليت به

__________________

(١) أورد العصامي هذا الخبر. انظر : سمط النجوم ٤ / ٥٦٦.

(٢) ما بين حاصرتين من (ج).

(٣) أورد هذا الخبر أحمد السباعي ـ تاريخ مكة ٢ / ٣٩١. وهذا العمل يعتبر غيرة إسلامية من قبل محمد بيك الذي لم يرض أن يكون في جدة غير المسلمين.

(٤) ينبع : بلفظ مضارع نبع الماء ، لكثرة ينابيعها. وهي قريبة من طريق الحج الشامي الساحلي ، وتقع بين مكة والمدينة. البكري ـ معجم ما استعجم ، تحقيق السقا ، عالم الكتب ، بيروت ٣٠ / ١٤٠٢ ، ياقوت الحموي ـ معجم البلدان ٥ / ٤٤٩ ـ ٤٥٠ ، الجزيري ـ درر الفرائد المنظمة ، المطبعة السلفية ، القاهرة ، ١٣٨٤ ه‍ ص ٥٣٣.

وينبع قسمان : ينبع البحر ، وينبع النخل. حمد الجاسر ـ المعجم الجغرافي ٣ / ١٥٥٨.

٣٩

هذه الأمة بسبب أحمد باشا.

وفي أوائل شوال ورد قاصد من السوارجية (١) بأن عربها قتلوا السيد عبد الله بن مبارك بن بشير ، وقتلوا زهاء خمسة عشر من العسكر.

فاستعدت (٢) العسكر على مولانا الشريف ، وأمروه بالخروج ، فاعتذر بإقبال الحج ، واستمهلهم إلى بعد الحج.

ثم إن مولانا السيد أحمد بن سعيد بن شنبر قصدهم مع أهل بيته ، فظفر بالغرماء ، وجاءت بشائره بالظفر.

وفي يوم الجمعة ثاني عشر ذي القعدة ورد خبر نصرة مولانا السلطان الأعظم (٣) على النصارى (٤) ، وزينت مكة ، وحج مولانا

__________________

(١) السوارجية : وهي السوارقية ، قرية بين مكة والمدينة ، جهة نجد وكانت لبني سليم ، ويطلق البعض عليها اسم السويرقية ، وهي الآن قرية من قرى مهد الذهب. ياقوت ـ معجم البلدان ٣ / ٢٧٦ ، البلادي ـ معجم معالم الحجاز ٤ / ٢٤٧ ـ ٢٤٨ ، حمد الجاسر ـ المعجم الجغرافي ٢ / ٧٥٠.

(٢) استعدت من استعداه ، استنصره واستعانه. ابن منظور ـ لسان العرب ٢ / ٧١٣. والمعنى أن العسكر طلبوا المعونة والنصرة من الشريف للخروج لمقابلة الأعداء.

(٣) هو محمد خان الرابع (١٠٥٨ ـ ١٠٩٩ ه‍) ولي الحكم صغيرا حيث كان عمره سبع سنوات. وشهد عهده عددا من الأحداث الهامة مثل ثورة قاطرجي أوغلي في الأناضول ، وظهور الحلف المقدس الصليبي الذي اتخذ شكل الحروب الصليبية الذي ضم البابا والبندقية ومالطة والنمسا وروسيا وبولندا في مواجهة الدولة العثمانية. أنظر : يوسف أصاف ـ تاريخ سلاطين آل عثمان ١٠٩ ـ ١١٤ ، محمد فريد ـ تاريخ الدولة العلية ٢٨٩ ـ ٣٠٤ ، محمود شاكر ـ التاريخ الاسلامي (العهد العثماني) ٨ / ١٣٥ ـ ١٤١.

(٤) في هذه السنة (١٠٩٨ ه‍) منيت الدولة العثمانية بهزائم من قبل ما سمي دول التحالف المقدس الصليبي ، فكان من الضروري أن تطمئن الدولة العثمانية البلاد الإسلامية وخاصة الحرمين ، فكانت تشيع خبر بعض الإنتصارات الجانبية للدولة والتي ليست بذات

٤٠