منائح الكرم في أخبار مكة والبيت وولاة الحرم - ج ٥

علي بن تاج الدين بن تقي الدين السنجاري

منائح الكرم في أخبار مكة والبيت وولاة الحرم - ج ٥

المؤلف:

علي بن تاج الدين بن تقي الدين السنجاري


المحقق: الدكتورة ملك محمد خياط
الموضوع : التاريخ والجغرافيا
الناشر: جامعة أم القرى
الطبعة: ١
ISBN الدورة:
9960-03-366-X

الصفحات: ٥٨١

ودخلت سنة ١١١٢ إثني عشر ومائة وألف :

وفيها : في (١) يوم الأربعاء ثامن عشر محرم : دخل مكة إبراهيم آغا المعمار في قارب من (٢) البحر ، ومعه ثلاثة أوامر لمولانا الشريف ، وللقاضي ، وللباشا صاحب جدة ومضمونها :

ـ «النظر والالتفات إلى عمارة دار الخيزران (٣) وغيرها.

ـ والنظر فيما يحتاج (٤) للعمارة في الكعبة والمسجد (٥).

ـ وأن المال واصل في البحر».

وشرع المعمار في عمله ، وأشرف على دار الخيزران ، ومسجد الجن (٦) بالمعلاة ، وغير ذلك من الأماكن.

__________________

(١) سقطت من (ج).

(٢) في (أ) «في». والاثبات من (ج).

(٣) دار الخيزران : المقصود بها دار الأرقم المخزومي ، صاحب رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم والتي كان يجتمع فيها المسلمون الأوائل ، وفيها كان يختبيء الرسول صلى‌الله‌عليه‌وسلم من كفار قريش.

(وعرفت فيما بعد بالمختبى).

وفي هذه الدار أسلم عمر بن الخطاب رضي‌الله‌عنه ، وحمزة بن عبد المطلب رضي‌الله‌عنه. وقد نسبت إلى الخيزران زوجة الخليفة المهدي ، وأم الخليفتين الهادي والرشيد في حين أن دار الخيزران كانت حول هذه الدار. ولعله نسبت الدار إليها لبنائها مسجدا فيها

وقد هدمت في التوسعة السعودية ، ومكانها اليوم ساحة لوقوف السيارات شرق المسعى. الأزرقي ـ تاريخ مكة ٢ / ٢٠٠ وحاشية (٤) ، القطبي ـ أعلام العلماء العلماء ١٥٥ ، ابن ظهيرة ـ الجامع اللطيف ٣٠ ، البلادي ـ معالم مكة ٢٧١ ـ ٢٧٢.

(٤) في (ج) «إلى العمارة».

(٥) في (ج) «في المسجد والكعبة». تقديم وتأخير.

(٦) مسجد الجن : ويعرف بمسجد البيعة ، وبمسجد الحرس ، وسمي بذلك لأنه فيما

٢٦١

فكشف (١) عن مسجد الجن بالمعلاة (٢) بالقرب من الترابية ـ الموضع الملاصق لتربة (٣) ـ الدفتردار ، فعمره. وشرع في عمارة دار الخيزران ، وعزم إلى المدينة للإشراف على ما هناك (٤).

وفي أواسط ربيع الثاني : كانت وقعة الشيخ سعيد المنوفي ، وقصة مفتاح الكعبة (٥) ـ نعوذ بالله من ذلك ومن عمل الشيطان ـ.

ولما كان أوائل جمادى الأولى من السنة المذكورة : جاء الخبر من مصر بعزل باشة جدة سليمان باشا ، واستمر البندر في يده ، إلى أن ورد

__________________

يقال الموضع الذي خطه الرسول صلى‌الله‌عليه‌وسلم لابن مسعود ليلة استمع إلى الجن ، وأن الجن بايعوا الرسول صلى‌الله‌عليه‌وسلم في ذلك الموضع. وسمي بالحرس أيضا لأن صاحب الحرس كان يطوف مكة ليلا حتى إذا انتهى إليه وقف عنده حتى يأتي إليه عرفاؤه وحرسه. وهو اليوم لا يعرف إلا بمسجد الجن ، وموقعه بعد ريع الحجون بجوار المعلاة. الأزرقي ـ تاريخ مكة ٢ / ٢٠٠ ـ ٢٠١ ، القطبي ـ أعلام العلماء ١٦٦ ، الطبري ـ اتحاف فضلاء الزمن ٢ / ١٢٣ ، ابن ظهيرة ـ الجامع اللطيف ٣٣٢ ـ ٣٣٣ ، البلادي ـ معالم مكة ٢٦٨ ـ ٢٦٩.

(١) في (ج) «وكشف».

(٢) سقطت من (ج).

(٣) التربة : الضريح ، أو مسجد يقام على قبر. دوزي ـ تكملة المعاجم العربية ٢ / ٢٨.

(٤) في (ج) «ما هنالك».

(٥) في (ج) «المفتاح». وقصة مفتاح الكعبة تتلخص في أن الشيخ سعيد المنوفي طلب من الوزير عثمان حميدان أن يصنع للشريف سعد مفتاحا يحاكي مفتاح الكعبة المشرفة. فأتم صنع ذلك المفتاح المشبه تمام الشبه لمفتاح الكعبة إلا أن الامر انكشف ، وعلم الشريف بالأمر ، فاستدعى عثمان حميدان وسأله عن الأمر فأجاب بأنه صنع المفتاح بناء على الأمر المبلغ له من الشيخ سعيد المنوفي. الذي أنكر هذا الأمر ، ثم في النهاية اعترف بذلك وأنه كان في مقصوده ارساله إلى سلطان الهند. لمزيد من المعلومات عن هذه القصة ، انظر : علي الطبري ـ اتحاف فضلاء الزمن ٢ / ١٢٠ ـ ١٢١.

٢٦٢

المتولي صنجقا على جدة.

وفي هذا الشهر : شرعوا في تجديد بناء قبة السقاية التي للعباس (١).

وكان ورد صاحب جدة جدة يوم الأحد ثامن عشر جمادى الأولى من السنة المذكورة برا ، فدخل مكة بنحو مائتين هجين (٢) ، ونزل الصنجق في آلاي العسكر إلى مدرسة قايتباي ، وسجل أمره الوارد به عند القاضي ومضمونه :

ـ «أنه أعطى جدة. ملتزما شراء مركبين هندية.

ـ والقيام بما يعطاه (٣) أصحاب الأدراك للسير مع الحج الشامي.

ـ وأيضا جوامك أهل الحرمين إلى غير ذلك».

وبعث مستلمه إلى سليمان باشا ، فامتنع من تسليم البندر ، إلى أن يستوفي ما أعطاه لمولانا الشريف على جهة القرض وهي شيء وثلاثين

__________________

(١) من المعروف أن السقاية والرفادة كانت في يد عبد المطلب بن هاشم إلى توفي ، فكانت في يد ابنه أبي طالب ، فاستدان من أخيه العباس مبلغا من المال على أن يوفيه به في الموسم فلم يتمكن. ثم طلب مبلغا آخر ، فاشترط عليه العباس ان لم يقضيه المبلغ أن يترك له السقاية ، فوافق. وجاء الموسم ولم يستطع أبو طالب أن يرد الدين ، فأخذ العباس السقاية ، وأصبحت بيده ، وبيد أبنائه من بعده إلى نهاية الدولة العباسية. السنجاري ـ منائح الكرم ١ / ٧٦ ـ ٧٧. وعن عمارة السقاية ، انظر : الأزرقي ـ تاريخ مكة ٢٥ / ٤٤٣ ، ابن فهد ـ اتحاف الورى ، علي الطبري ٢ / ١٢٢ ، حسين باسلامه ـ عمارة المسجد الحرام ١٩٣ ـ ١٩٨.

(٢) هجين : الهجان الكريم والخيار من كل شيء. والهجان من الابل الناقة الأدماء أي الخالصة اللون ، ومنه قيل ابل هجان ، أي بيض ، وهي أكرم الإبل. ابن منظور ـ لسان العرب ١ / ٧٧٧ ـ ٧٧٨.

(٣) في (ج) «بما يعطا».

٢٦٣

كيسا.

ثم إنه طلع ودخل مكة يوم الأحد سادس عشر جمادى الأولى ، ونزل دار الوزير عثمان حميدان (١) ، وهو في أعظم درجات السيادة ، وجلس للناس ، وجاء البيك المذكور (٢) ، فقابله أحسن مقابلة ، وألبسه فروا سمورا (٣). وخرج من عنده إلى منزله بقايتباي.

ثم إنه نزل إلى جدة ، وبقي الباشا بمكة ، فكلمه مولانا الشريف في علوفة أهل مكة ، وطلب منه ما هو له عنده (٤) ، ليعطي منه أهل مكة ، وصرف أربعة أشهر ، فاعتذر مولانا الشريف بأنه : ما لديه شيء ، وأراد إحالته على البندر في السنة الآتية. فأبى من ذلك. وقال : لا أعزم من مكة إلا بعد وفاء الفقراء (٥).

فلم يزل مولانا الشريف ، وجمع له بعض الفقهاء ، وأشار عليهم بأن هذه الأربعة أشهر قد تعذر دفعها على الباشا ، ويريد أن يحيلكم على صاحب جدة المتولي [وينقل ما بذمته إلى ذمة المتولي](٦). وانقضى (٧)

__________________

(١) سقطت من (ج).

(٢) وهو : صاحب جدة إبراهيم بيك. علي الطبري ـ اتحاف فضلاء الزمن (مخطوط) ٢ / ١٢١.

(٣) سقطت من (ج).

(٤) سقطت من (ج).

(٥) أحيانا كان يسيء أشراف مكة التصرفات في الصدقات ، فلا يعطونها لمستحقيها. فكانت الدولة تجبر على أن ترسل من لديها يطالب الأشراف بذلك ، ويحثهم على الوفاء للفقراء ، كما حصل هنا في سنة ١١١٢ ه‍.

(٦) ما بين حاصرتين من (ج).

(٧) في (أ) «وانقضا». والتصحيح من (ج).

٢٦٤

المجلس على غير طائل.

ثم لم يزل الأمر (١) إلى أن كتب للمعزول (٢) حجة بأن ما من ذمته قد قام به (٣) المتولي ، وبرئت ذمة سليمان باشا من ذلك.

وفي هذه الأيام : ثارت السادة الأشراف ذوي عبد الله عن آخرهم ، لعدم الوفاء بمعاليمهم من مولانا الشريف ، وعزموا على الخروج ، فخرجوا من مكة. وهم نحو أربعين شريفا ، وكان من جملتهم السيد أحمد بن حازم بن عبد الله (٤).

ثم إن مولانا الشريف نزل إلى جدة في هذه الأيام ، بعد أن تلافى أمر الأشراف ، وأوعدهم ، فنزل منهم جماعة إلى جدة. / واستمر فيها ، وصادر أهلها من التجار ، وأخذ منهم نحو مائة ألف شريفي أحمر سكة (٥). ولم يزل بها إلى شهر رمضان. فطلع مكة ، وأوفى من نزل له جدة [من الأشراف ، واستمر بمكة](٦).

وفي هذه السنة ورد خلق كثير من العجم ، وفيهم آغاة معتبر عندهم وردوا (٧) من القنفذة في البحر.

__________________

(١) سقطت من (ج).

(٢) في (ج) «المعزول».

(٣) في (ج) «بها».

(٤) السيد أحمد بن حازم بن عبد الله : هو أحد الشخصيات البارزة في المجتمع المكي ، والتي كان يعتمد عليها في الأحداث الهامة. مثلا على ذلك أرسل الشريف عبد الله بن هاشم له يستطلع أخبار الشريف سعد. كما ورد في هذا الكتاب.

(٥) سكه : أي مائة ألف شريفي مضروبة.

(٦) ما بين حاصرتين مطموس في (أ). والاثبات من (ج).

(٧) مطموسة في (أ). والاثبات من (ج).

٢٦٥

ووقعت بدعة شنيعة من خطيب العيد ، وهو الخطيب (علي المزجاجي (١) ، فإنه لما ذكر سيدنا) (٢) عليا في مقام الترضّي (٣) ، أعقبه بذكر ابنيه (٤) الحسن (والحسين ، ثم أتى بذكر الستة الباقين من العشرة رضي‌الله‌عنهم) (٥).

فأنكرت الأروام ، وأهل الدين ، ورأوا ذلك أشنع بدعة ، (وهو كذلك ، إذ ذكر) (٦) العشرة على نسق واحد كما هو المشهور كاد أن يكون متواترا (٧) ، أو ملحقا بالأعلام ، كما ذكره العلامة اللقاني (٨) في شرحه [الكبير](٩) لجوهرة التوحيد ـ فراجعه إن شئت ـ إلى غير ذلك.

__________________

(١) علي المزجاجي : هو علي بن عمر بن عثمان المزجاجي الحنفي عالم فاضل من علماء مكة المكرمة. العجيمي ـ خبايا الزوايا (مخطوط) ٢ / ١٧٥.

(٢) ما بين قوسين مطموس في (أ). والاثبات من (ج).

(٣) في مقام الترضي : أي في قوله رضي‌الله‌عنهم.

(٤) في (ج) «اعقبه بذكر الحسن والحسين ابنيه».

(٥) ما بين قوسين مطموس في (أ). والاثبات من (ج). والستة الباقون هم : طلحة بن عبيد الله ، والزبير بن العوام ، وسعد بن أبي وقاص ، وسعيد بن زيد ، وعبد الرحمن بن عوف ، وأبو عبيدة عامر بن الجراح رضي‌الله‌عنهم. أنظر عنهم : ابن ظهيرة ـ الجامع اللطيف ط ٣ ، دار الفكر ١٣٩٣ ه‍ / ١٩٧٢ م ص ٢٤٤ ـ ٢٤٩.

(٦) ما بين قوسين مطموس في (أ). والاثبات من (ج).

(٧) أي تسمية العشرة المبشرين بالجنة رضوان الله عليهم دون ذكر الحسن والحسين بينهم.

(٨) اللقاني : هو عبد السلام بن ابراهيم اللقاني المصري (٩٧١ ـ ١٠٧٨ ه‍ ، ١٥٦٣ ـ ١٦٦٨ م) شيخ المالكية في وقته بالقاهرة ، له شرح المنظومة الجزائرية في العقائد ، واتحاف المريد شرح جوهرة التوحيد. أما الجوهرة فمن تصنيف والده. المحبي ـ خلاصة الأثر ٢ / ٤١٦ ـ ٤١٧ ، الزركلي ـ الاعلام ٣ / ٣٥٥. وعن والده انظر : الاعلام ١ / ٢٨.

(٩) ما بين حاصرتين من (ج).

٢٦٦

وفي أوائل ذي القعدة : ورد على مولانا الشريف أخبار بورود خلع من الأبواب لحضرته الشريفة ، وأن أموره قد تمت ، وأجيب في كل ما سأل.

ولما كان يوم الخميس ثاني عشر ذي القعدة : دخل مكة مقدمات الآغا الوارد بالقفاطين ، وجاءت كتب لمولانا الشريف وفيها : خبر وفاة مولانا (١) الشريف أحمد بن غالب ، ومولانا الشريف عبد الله بن هاشم بالروم (٢) ـ رحمهما‌الله تعالى (٣) ـ.

ولما كان يوم الجمعة ثالث عشر ذي القعدة : دخل مكة الآغا الوارد بالقفطان (٤) ، وطاف وسعى ، ورجع إلى مخيمه بالزاهر (٥) ، وأقام هناك يوم الجمعة ، ودخل في آلاي العسكر بالخلع ضحى يوم السبت ، رابع عشر الشهر المذكور (٦). ونزل مولانا الشريف إلى الحطيم ، وحضر القاضي والفقهاء.

ودخل موسم هذه السنة ختام سنة اثنتي عشرة ومائة وألف : وقسم الصر بنظر الأفندي أبي بكر ، وحج بالناس الشريف سعد بن زيد.

وورد من الشام الوزير سلحدار حسن باشا أميرا على الحج الشامي ، ومعه زهاء ألفي عسكري. وخرج من مكة ثامن عشر ذي الحجة ، ولم

__________________

(١) سقطت من (ج).

(٢) أورد علي الطبري نفس الخبر في الاتحاف ٢ / ١٢٤. والمقصود هنا بلاد الترك.

(٣) سقطت من (ج).

(٤) في (ج) «القفاطين».

(٥) سقطت من (ج).

(٦) شهر ذي القعدة.

٢٦٧

يقع شيء ـ والحمد لله ـ.

[وفي هذا الموسم ورد مع الأمير المصري ثوب باطن الكعبة (١) ، وأمر من صاحب مصر بأن يبعث إليه بالثوب الظاهر ، ليبعثه إلى الأبواب ، لأمر جاءه في طلبه. فبعث إليه به](٢).

__________________

(١) تنقسم كسوة الكعبة إلى قسمين : خارجية ، وداخلية.

الخارجية تجدد في كل عام. أما الداخلية فتجدد عند ما تبلى. والكسوة الخارجية سوداء اللون ، أما الداخلية فهي من الحرير الأحمر. أنظر : حسين عبد الله باسلامه ـ تاريخ الكعبة المشرفة ٢٦٦ ، علي بن حسين السليمان ـ العلاقات الحجازية المصرية ، القاهرة ١٣٩٣ ه‍ / ١٩٧٣ م ص ١٠٤ ـ ١٠٥.

(٢) ما بين حاصرتين سقطت من (ج).

٢٦٨

ودخلت سنة ١١١٣ ه‍ ألف ومائة وثلاث عشرة :

ولما كان يوم الخميس تاسع محرم : خلع مولانا الشريف على محمد جلبي الشهير بهندي أوغلي (١) خلعة الوزر ، وعزل وزيره الأول وهو جوهر أغا الشريفي ، وجلس المتولي في بيته للتهنئة.

وخرج مولانا الشريف إلى الطائف في أوائل محرم ، ونزل وزيره المذكور إلى جدة ، وطلع في أواخر صفر ، ولحق بمولانا الشريف ، واستعفى عن الخدمة ، ورجع إلى مكة معزولا. وصادرته الدّيّانة ، وأخذت ما بيده من الأملاك ، ودارت عليه الأفلاك ، فلزم داره بعد أن ضرّ (٢) من كان جاره ، واستمر مسلوب العقل في داره ، إلى أن توفي يوم الاثنين ثامن عشر (٣) ذي القعدة سنة ألف ومائة وثلاثة عشر ، وصلي عليه ، ودفن بالمعلاة ـ رحمه‌الله تعالى ـ.

وجاء الخبر بأن الحج الشامي أخذ عن آخره ، وتفرّق ما بقي منه إلى المدينة وغيرها ، ولم يدخل الشام إلا من نجا هاربا بنفسه ، ولا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم ـ.

ولما كان أواخر رجب من السنة المذكورة : ورد ابراهيم أغا ، السابق ذكره من (٤) المدينة ، وشرع في ترميم المسجد ،

__________________

(١) في (ج) «أعلى». وكلمة أوغلي تعني الذئب. النهروالي ـ البرق اليماني في مقدمة التحقيق ص ٧٥. ويذكر علي الطبري في الاتحاف ٢ / ١٢٤ : وفي سنة ١١١٣ ه‍ تقلد الوزارة الفندغلي وعزل عنها جوهر أغا.

(٢) في (ج) «حر».

(٣) في (ج) «ثامن ذي القعدة».

(٤) في (أ) «الى». والتصحيح من (ج) كما يقتضيه السياق.

٢٦٩

فنقض (١) علو زمزم ، وأعاده على أحسن إحكام ـ كما هو مشاهد ـ وبيّض المنائر ، وشرع في بقية شغله.

وفي هذه السنة : اقتضى رأي مولانا الشريف سعد ، أن يطلب من الأبواب [السلطانية](٢) العلية إقامة ولده الشريف سعيد (٣) مقامه في شرافة مكة ، وتواعد هو وسليمان باشا وقاضيا مكة والمدينة ، فبعث إلى الأبواب بعرض يطلب فيه ذلك.

ولما كان ليلة الأربعاء خامس شعبان : ورد مولانا الشريف مكة ، فطاف وسعى ، وجلس يوم الأربعاء للتهنئة أي ـ تهنئة القدوم ـ.

وكان ورد عليه من جهة اليمن ، أن إمام اليمن (٤) جهز غرابين (٥) ، شحن فيها هدية عظيمة تساوي ستين ألف شريفي ، وأرسل معها رسولا من جهته ليوصلها إلى أبواب السلطنة العلية على سبيل الهدية. ثم لما دخلت القنفذة حيرها (٦) صاحب القنفذة المتولي من قبل مولانا الشريف ، وأرسل يعرفه بذلك ، فأمره بإرسالها إلى مكة ، وأسلموها [إلى](٧) موسى أغا وكيل الخاصكية. وإذا هي لا يذكر ، هل ذلك إلى الإمام على

__________________

(١) في (أ) «نقضي». والاثبات من (ج).

(٢) ما بين حاصرتين من (ج).

(٣) مطموسة في (أ) وفي (ج) «سعد». والتصحيح من المحققة.

(٤) امام اليمن في هذه الفترة هو الامام الناصر محمد بن أحمد بن الحسن.

(٥) الغراب : مركب بحري. النهروالي ـ البرق اليماني ، مقدمة البرق اليماني ص ٧٩.

(٦) في (أ) «صيرها». والاثبات من (ج).

(٧) ما بين حاصرتين من (ج).

٢٧٠

إرسالها طول المسافة ، وعدم درايته ، فبقيت عند المشار (١) إليه ، إلى أن عزم بها الواصل معها إلى الأبواب.

وجاء الخبر إلينا ، في أواخر شوال من السنة التي (٢) بعد هذه (٣) ـ وهي سنة أربعة عشر ومائة وألف ـ ان المشار إليه (٤) ورد على الوزير واجتمع به ، وجعل يشكو مولانا الشريف ، وأنه أخذ جملة من الهدية المذكورة. وكان حاضر المجلس ابن المفتي ، وكان في مكة عام وروده إلينا. فكذبه ، وقال :

«إن الهدية إنما استلمها موسى أغا ، وبقيت في داره إلى أن توجه بها هذا الرجل ، وكلّ ذلك باطّلاعي».

فأمر الوزير بإخراجه من مجلسه مهانا مضروبا ، فخرج بهذه الحالة. ـ نعوذ بالله من أفعال أهل الضلالة ـ.

ودخل موسم سنة ١١١٣ ه‍ ألف ومائة وثلاث عشرة (٥).

واستمر مولانا الشريف ، إلى أن خرج للعرضة على جاري عادته ، / إلى المحل المعدّ للقاء الأمراء ، ولبس سادس ذي الحجة (٦) قفطان المصري.

__________________

(١) المشار إليه هو موسى آغا.

(٢) سقطت من (أ).

(٣) في (أ) «بعدها». والاثبات من (ج) لسياق المعنى.

(٤) المشار إليه : الرسول الذي حمل الهدية من اليمن إلى الأبواب العلية.

(٥) ورد في (أ) «ودخل موسم أربعة عشر ومائة وألف». والاثبات من (ج) لسياق الأحداث والتواريخ. والمقصود بالموسم موسم الحج.

(٦) وردت في (ج) «ذي القعدة». ثم استدركه في الحاشية اليسرى «بذي الحجة».

٢٧١

وكان أمير الحاج أيوب بيك (١).

وفي هذا العام : الحج ضعيف ، بالنسبة إلى العادة قريبا من أربعين درجة (٢).

ويوم ثامن ذي الحجة : لبس مولانا الشريف قفطان الشامي ، وكان أميره بيرم (٣) باشا ، وحجه أيضا ضعيف ، لموجب ما وقع للتجار من النهب في السنة (٤) الماضية.

وحج مولانا الشريف بالناس على جري عادته ، ولم يقع شيء من المخالفات ـ لله الحمد والمنة ـ.

وتوجه الحاج المصري على حسب عادته ثاني عشرين ذي الحجة ، والشامي سادس عشرين.

وفي هذا العام : وصل الحج الشامي إلى بلده بالسلامة. وذلك الفضل من الله.

__________________

(١) أي أمير الحج المصري أيوب بيك.

(٢) الدرجة : المرتبة أو المنزلة : أي أن العدد كان قليلا بالنسبة لما هو المعتاد.

(٣) في النسختين «بيرم باشا» إلا أنه في الحاشية اليسرى من (ج) يذكر" أصلان باشا».

(٤) في (ج) «السنين». وهي سنة ١١١٢ ه‍.

٢٧٢

ودخلت سنة [١١١٤ ه‍](١) أربع عشرة ومائة وألف :

ولما كان يوم السبت ثاني عشرين محرم الحرام من السنة المذكورة : نادى الوزير سليمان في جدة بنقض (٢) الصرف في (٣) المعاملة وتدليها ، فبعد أن كان صرف الشريفي المحمدي بخمس وعشرين صرفا رده إلى عشرة صروف ، ونادى عليه بها. وكذلك القرش الريال ، كان بثمانية عشر ، ردّه إلى سبعة صروف. والقرش الكلب (٤) بإثني عشر ردّه إلى خمسة صروف. ونادى هكذا سائر المعاملة من النقدين (٥) ، نزل مصارفتها مما كانت عليه ، وردّ على صرف يليق بذلك المصروف بعد الحدس والتخمين [الموافق](٦) اللائق بالصيرفيين ، ونزول الأسعار عما كانت عليه (٧) في زمن تلك المصارفة.

ثم إنه أرسل لمولانا الشريف ، وعرّفه بصورة الواقع ، وما اقتضى رأيه (٨) ، فاستحسن منه ذلك ، وأمر بالمنادي في مكة على الحكم الصادر من حضرة الوزير. وكان ذلك يوم الثلاثاء رابع محرم الحرام. فاتفق

__________________

(١) ما بين حاصرتين من (ج).

(٢) هكذا وردت في النسختين «بنقض». والمعنى انقاص سعر الصرف عما هو عليه إلى قيمة أقل.

(٣) في (ج) «من».

(٤) في (أ) «الملب». والاثبات من (ج).

(٥) النقدين الذهب والفضة. ابراهيم أنيس ـ المعجم الوسيط ٢ / ٩٤٤.

(٦) ما بين حاصرتين من (ج).

(٧) سقطت من (ج).

(٨) وما اقتضى رأيه : أي الاصلاحات الاقتصادية التي أمر بها من أجل فك هذه الأزمة.

٢٧٣

المصارفة في مكة وجدة على سنن واحد.

والسبب لذلك : أن المحلقة [الأولى (١) زاد غشها ، وظهر فحشها ، حتى زال عنها اسم المحلقة](٢) ، وتغلب عليها اسم طاريء (٣) مناسب لها ، فصارت تعرف بذلك. [وذلك](٤) لما ابتنى عليها من المفاسد والمخالفة في مصارفتها (٥) وانهماك الاسقاط السفلة على سكتها وضربها (٦). وثار كل سفيه بطال يتقن غشها وعمت بها البلوى. ـ نعوذ بالله من ذلك ـ.

وربما تضرر غالب المتسببين في البيع والشراء لكثرة اجتماعها عندهم ، حين نودي بكسادها وعدم رواجها ، فوقفت في أيديهم ، ولم تنفق في شيء من الأشياء لفحش (٧) غشها.

وفي هذا الشهر : وقع بين مولانا الشريف سعد وذوي عبد الله منافرة ، من جهة معاليمهم وعدم الوفاء ، ولم يتم لهم حال (٨) ، فخرجوا

__________________

(١) في (ج) وردت" الأدلة». والتصحيح من المحققة.

(٢) ما بين حاصرتين من (ج).

(٣) يذكر علي الطبري في الاتحاف ٢ / ١٢٧ أن العامة أطلقت عليهم اسم سبيدر.

(٤) ما بين حاصرتين من (ج).

(٥) في (ج) «مصيارفتها».

(٦) أي الذين يعملون في تزييف العملة.

(٧) في (أ) «ولفحش». والاثبات من (ج) لأن الواو زيادة هنا. ويذكر علي الطبري في الاتحاف ورقة ٢ / ١٢٧ أن هذه العملة كانت فاسدة بدليل أن من يبتها في كسيه يراها في الصباح ذات لون أحمر وأصفر ، وأن العامة لم تكن تعلم هل هي من النحاس أو الرصاص.

(٨) سبق أن حصل خلاف بين الشريف سعد وذوي عبد الله في سنة ١١١٢ ه‍ على المعاليم أيضا من قبل.

٢٧٤

حاملين على الشريف ، وتوجهوا إلى جهة الطائف. وتعرّضوا قافلة عند خروجهم وبعض حمارة (١). فأخذوا الجميع.

فلما بلغ مولانا الشريف ذلك ، أرسل لمشايخ ذوي عبد الله ، وعرّفهم بما وقع (٢) [من رفقائهم](٣).

ثم ان مولانا الشريف استدنى السيد عبد الكريم بن محمد بن يعلى ، شيخ ذوي بركات ، ودركه (٤) بدرب جدة ، وجعله في وجهه. فقبل ذلك ، وأرسل مولانا السيد عبد الكريم لذوي زيد وذوي بركات الذين بالوادي (٥). وأكد عليهم في حفظ الدرب. وقال لهم :

«متى أونستم أحد من السادة الأشراف الجلوية / حولكم ، أو قريبا منكم فأسرعوا في تعريفنا بذلك». ودبرهم على شيء يعرفه (٦).

ولما كان غرة ربيع الأول : ورد من الشام ـ أي من جهة شام الحجاز ـ خبر لمولانا الشريف ، بوفاة بدوي بن أحمد بن رحمة شيخ

__________________

(١) حمّاره : الحمار : صاحب الحمار والعامل عليه. وهم حماره. ابراهيم أنيس ـ المعجم الوسيط ١ / ١٩٧. ولعل المقصود البائع الذي يضع بضاعته على حمار ويتجول بين القرى للبيع.

(٢) في (ج) «ما وقع».

(٣) ما بين حاصرتين من (ج).

(٤) درّكه : أي جعله مسئولا عن جند الأمن بدرب جدة. لأن الدرك تأتي بمعنى المكان الذي تحدد عليه الحراسة المستمرة. ورجال الدرك هم رجال الشرطة إدراكهم الفار والمجرم. محمد قنديل البقلي ـ التعرف بمصطلحات صبح الأعشى ١٣٥ ، ابراهيم أنيس ـ المعجم الوسيط ١٢٨ / ١.

(٥) المقصود به وادي مر المعروف الآن بوادي فاطمة.

(٦) أي وعدهم بعطاء معين.

٢٧٥

عربان حرب. وسببه تشويش عرض له ، فنقلوه إلى المدينة المنورة لقصد التداوي ، وأنزلوه النقا (١) حول المدينة. فما حصل له الشفاء ، فردوه إلى الصفراء (٢) ، المنزل (٣) المعروف بالطريق. وكان ترابه بها. ـ رحمه‌الله.

فأرسل مولانا الشريف ، وأقام أخوه مبارك (٤) بن أحمد بن رحمة مقامه في المشيخة على حرب.

واتفق في هذه الأيام : أن قافلة أخذت بسبب موته ، من الفريش (٥) ، خرجت من جدة لقصد الزيارة ، وفيها رجل من تجار المناسكة (٦) ،

__________________

(١) النقا : موضع في المدينة المنورة ، تغنى به الشعراء كثيرا وهو غربي وادي بطحان (المعروف الآن بأبي جيدة). أنظر : أحمد عبد الحميد العباسي ـ عمدة الأخبار ص ٤٣٠ ، السمهودي ـ الوفاء بأخبار دار المصطفى ٦١٥ ، عائض الردادي ـ الشعر الحجازي ١ / ٣١٢ حاشية (٣).

(٢) في (أ) «الصفرى» ، وفي (ج) «الصفرا». والصفرى واد من أكبر أودية الحجاز الغربية ، وهو كثير النخيل والزرع في طريق الحاج ، وتسميه العامة وادي بدر لاشتهار بلدة بدر ، ونزلت به قبيلة حرب. البلادي ـ معجم معالم الحجاز ٥ / ١٤٨ ـ ١٥٢ ، حمد الجاسر ـ المعجم الجغرافي ٢ / ٨٤٦.

(٣) في (ج) «المنزول».

(٤) في (ج) «امبارك».

(٥) الفريش : بضم الفاء ، وفتح الراء ، تصغير فرش. واد من روافد ملل وهي من قرى منطقة بدر في إمارة المدينة المنورة. وهي من المنازل التي نزلها الرسول صلى‌الله‌عليه‌وسلم حين سار إلى بدر. ياقوت الحموي ـ معجم البلدان ٤ / ٢٥٠ ـ ٢٥١ ، البلادي ـ معجم معالم الحجاز ٧ / ٣٥ ـ ٣٩ ، ٤٩ ، حمد الجاسر ـ المعجم الجغرافي ٢ / ١٠٨٨.

(٦) المناسكة نسك : العبادة والطاعة ، وكل ما تقرب به إلى الله تعالى. والنسك والنسيكة : الذبيحة. وقيل النسك : الدم. والمناسك جمعها منسك. ومنسك بفتح السين وكسرها هو المتعبد ويقع على المصدر والزمان والمكان. ثم سميت أمور الحاج كلها مناسك. ابن منظور ـ لسان العرب ٣ / ٦٢٨ ، إبراهيم أنيس ـ المعجم الوسيط ٢ / ٩١٩.

٢٧٦

يسمى محمد بن أحمد بن جابر ، وجماعته من الجلابة أهل الرقيق ، ولم يسلم أحد منهم إلا القليل. وكانت الأخاذة لهم بنو علي (١) ، قبيلة من حرب ، قابلهم الله بحرب من عنده.

ولما كان يوم الجمعة خامس عشر ربيع الثاني : أرسل السيد أبو زيد ، قاصدا من عنده لمولانا الشريف ، ولمولانا السيد عبد الكريم بن محمد بن يعلى ، يعرفهما بأن السادة الأشراف الجلوية مرّوا على اليفاع (٢) ، ومعهم غزو قاصدين درب جدة.

ففزع مولانا الشريف عصر يومه ، وفزعت جميع الأشراف معه ، وأقام مقامه في الديرة (٣) وكيلا عنه السيد عبد الله بن سعيد بن زيد ، فبات تلك الليلة بالوادي ، وسرح قاصدا الأهل المسمى بالحمام (٤) ، وتقدم قدامه بعض السادة الأشراف ، فاتجهوا بالسيد حسن بن عبد الله بن حسين ابن عبد الله متقدما عن رفقائه ، فلما اختلطوا به سألوه ، فقال : «قصدت مواجهة الشريف».

فأرسلوا إلى الشريف ، وعرّفوه بذلك ، فلما رآه ، قال للأشراف الذين معه : «لا أحد يدخل منكم محسن بن عبد الله (٥)».

__________________

(١) في النسختين «بني علي». والتصحيح من المحققة. وهم بطن من السرحة من بني سالم من حرب. البلادي ـ معجم معالم الحجاز ٣٢٤.

(٢) اليفاع : من قرى ذمار باليمن. ياقوت الحموي ـ معجم البلدان ٥ / ٤٣٩.

(٣) في النسختين «الدايره». والتصحيح من المحققة. والمقصود بها البلد.

(٤) الحمام : مكان في وادي فاطمة «مر الظهران» شمالي غربي أبي عروة ، بناه الأشراف حوالي القرن الحادي عشر الهجري بجوار بيوتهم هناك. عاتق البلادي ـ معجم معالم الحجاز ٣ / ٥٦.

(٥) أورد هذا الخبر أحمد زيني دحلان في خلاصة الكلام ١٢٦ ـ ١٢٧.

٢٧٧

ثم لما وصل محسن ، وأقبل على الشريف ترجّل ، نزل أيضا الشريف ، وتراود هو وإياه ، وقال له : «من أين جئت؟».

قال : «من عند الربع (١) ، وإن قصدي الصحبة».

فقال (٢) له الشريف : «لنا عليك يمين».

فقال : «انطق (٣)». فقال له :

«الغزو الذين معكم خرجنا بقصدهم ، أيّ محل قصدوا؟».

قال : «لا علم لي بهم».

ثم أراد أن يحلّفه ثانيا ، فدخل (٤) على السيد عبد الكريم بن محمد ابن يعلى فأدخله. وتكلم مع الشريف في شأنه. فقال له :

«احفظه حتى ننفضّ من غزونا».

فأرسله السيد عبد الكريم إلى بيته بالوادي (٥). ومشى الشريف والأشراف في طلب القوم ، إلى (٦) أن وصلوا إلى الحمام ، فسأل عن الأشراف الجلوية والغزو الذين معهم ، فأخبروهم أنهم أخذوا فوق (٧) اليفاع ، وقصدوا درب جدة. فرجع الشريف ومن معه على الوادي

__________________

(١) الربع : المنزل وأهل المنزل ، ودار الإقامة ، جماعة الناس. ابن منظور ـ لسان العرب ١ / ١١١٠ والمقصود هنا قومه.

(٢) في (أ) «تكررت» فقال «مرتين بدون فائدة.

(٣) في (ج) «احلف».

(٤) المقصود : استجار ـ واحتمى به. لأن الدخيل هو الضيف والنزيل. ابن منظور ـ لسان العرب ١ / ٩٥٦.

(٥) الوادي هو وادي مر الظهران (وادي فاطمة).

(٦) في (ج) «وصلوا الحمام».

(٧) في (ج) «من فوق اليفاع».

٢٧٨

ووصلوا (١) جدة ، وباتوا فيها ليلة الأحد.

فجاءهم هتيمي (٢) ، وأخبر الشريف بأن الأشراف الجلوية غزونا ، ونهبوا إبلنا ونجعنا (٣).

فقال له الشريف : «أتعرف محلّهم؟». قال : «نعم».

قال : «أنت الدالّ لنا عليه».

فسار ، وساروا في جيشهم ، وحثوا في سيرهم ، وأدركوهم عند الظهر مقيلين (٤) ، وجميع ما أخذوه من هتيم عندهم.

فأقبل عليهم الشريف ببعض الأشراف ، ومعه علي كتخذا (٥) الوزير سليمان باشا ، وبعض أنفار من أتباع الوزير ، وقتلوا من القوم زهاء ثلاثين / غير المصوبين (٦).

وكان مع الأشراف الجلوية من شيوخ العرب ، هنيدس شيخ

__________________

(١) في (أ) «حصلوا». والاثبات من (ج) وهما بمعنى واحد.

(٢) من هتيم وهي قبيلة بين شمالي نجد وشمالي الحجاز لا تنسب الى بطن من بطون العرب ولذلك ينظر اليها نظره الصلبه. وهو الإسم الذي يطلق على مجموعة من القبائل التي لا تعرف لها نسب. عن هذه القبيلة انظر : البلادي ـ معجم قبائل الحجاز ٥١٣ ـ ٥١٧ ، فؤاد حمزة ـ قلب جزيرة العرب ، مكتبة النصر الحديثة ، الرياض ط ٢ ـ ١٣٨٨ ه‍ / ١٩٦٨ م ص ٢٠٩.

(٣) النجع : منزل الكلأ والماء. والمقصود هنا مكان اقامتهم. ابن منظور ـ لسان العرب ٣ / ٥٨٧.

(٤) مقيلين : القائلة : الظهيرة. والقيلولة ، والمقيل : الاستراحة نصف النهار إذا اشتد الحر. ابن منظور ـ لسان العرب ٣ / ٢٠٢.

(٥) كتخذا : الوكيل. قطب الدين النهروالي ـ البرق اليماني ٧٦ من المقدمة.

(٦) أي المصابين من جراء القتال (الجرحى).

٢٧٩

الروقة (١) ، وربعه ، وحسين بن سويدان وربعه ، وهو شيخ قبيلة مطير (٢) ، فنهب الشريف والأشراف جميع ما كان معهم من الإبل والبندق وغير ذلك ، وردوا على عرب هتيم جميع ما أخذ منهم (٣) ، وردّوا أيضا على الجلوية بعض خيل وركاب بواسطة بعض الأشراف.

وكانت هذه الوقعة يوم الأحد سابع عشر ربيع الثاني ، ووصل خبرها مكة يوم الاثنين ، فدق الزير (٤) وألبس البشير على معتاده ، وركزت علامة النصرة في بيت الشريف على جري عادتهم.

وفي هذا اليوم : نزل الشريف على السيد علي بن مبارك بن يعلى ، فأضافوه. وأصبح يوم الأربعاء. وصل بيته بمكة. وجلس للناس.

وأما ما كان من السادة الأشراف الجلوية : فاستمروا خارج البلد إلى أواخر جمادى الثاني ، وفيه اصطلحوا مع مولانا الشريف بركات ـ الساعي بينهم بالصلح السيد أحمد بن سعيد بن شنبر ، والسيد حسين بن

__________________

(١) الروقة : بضم الراء ، سكون الواو ، أحد فرعي عتيبة الرئيسيين ، وتمتد ديارهم من رهاط شمال مكة آخذه بشرق إلى داخل نجد ، قرب الرياض. البلادي ـ معجم قبائل الحجاز ١٦٩ ، فؤاد حمزة ـ قلب جزيرة العرب ١٨٧.

(٢) مطير : قبيلة من كبريات قبائل الجزيرة العربية اليوم. ذات فروع وبطون متعددة. كانت ديار مطير إلى القرن الحادي عشر الهجري سفوح حرة الحجاز الشرقية ، الممتدة بين المدين وعقيق المثيرة. ونتيجة للحروب بين القبائل (عتيبة ـ قحطان ، حرب وعترة) اضطرت معظم مطير إلى الجلاء شرقا. فأصبحت ديارها شمالي شرق نجد ، عدا بعض البطون التي بقت مثل عبد الله الدياحين ، وعلوه. انظر : البلادي ـ معجم قبائل الحجاز ٤٦٧.

(٣) في (ج) «عليهم».

(٤) كناية عن قرع طبول الفرح.

٢٨٠