منائح الكرم في أخبار مكة والبيت وولاة الحرم - ج ٥

علي بن تاج الدين بن تقي الدين السنجاري

منائح الكرم في أخبار مكة والبيت وولاة الحرم - ج ٥

المؤلف:

علي بن تاج الدين بن تقي الدين السنجاري


المحقق: الدكتورة ملك محمد خياط
الموضوع : التاريخ والجغرافيا
الناشر: جامعة أم القرى
الطبعة: ١
ISBN الدورة:
9960-03-366-X

الصفحات: ٥٨١

هذه السنة ، وكان رجلا كبيرا جاوز الثمانين ، يحمل على عربة. فطافوا به (١) وسعى (٢) على العربة.

وخرج للقائه تلميذه الشيخ مراد المقعد الوارد (٣) من الشام في هذه السنة (٤) ، وخرج للقائه وزير مكة جوهر آغا الشريفي ، وعثمان حميدان ، ومن يناسبه من أركان الدولة. ودخل في نحو مائة بعير لكثرة أتباعه ، وخرج من القنفذة من البحر في مركب لحامد الهندي ، كان سفره فتاه في العمل هذه المدة في البحر عن المراكب ، ووصل هذا الموصل ـ والله الفعال لما يريد ـ.

وجعل يطوف في كرسي بقرتين (٥). أي عجلتين ـ لكونه كبيرا مقعدا لا يقدر على الوقوف والمشي. فكرهت العامة ذلك ، وتكلم [فيها](٦) بعض الناس مع القاضي ، فأرسل إليه ينهاه عن ذلك. فتركها وحملوه على سرير (٧). وكانوا يطوفون به فيه ، وأسكنوه المدرسة

__________________

المدني بعثه الشريف سعيد بن بركات إلى الهند فلم يصادف قبولا بها ، فرجع سنة ١٠٩٥ ه‍ إلى مكة ووضع قصيدة في ذم الهند وأهلها. ومن مؤلفاته : كتاب الإشاعة في أشراط الساعة. السنجاري ـ منائح الكرم (حوادث ١٠٩٣ ه‍) ، مجهول ـ تراجم أعيان المدينة المنورة ، تحقيق محمد التونجري ط ١ ١٤٠٤ ه‍ / ١٩٨٤ م ص ١١٦.

(١) سقطت من (ج).

(٢) في (ج) «وسعدوا به».

(٣) في (ج) «الوادر».

(٤) أي ١١٠٩ ه‍.

(٥) سقطت من (ج).

(٦) ما بين حاصرتين من (ج).

(٧) في (ج) «سريره».

٢٤١

الداودية. وأتاه أهل مكة كما هو عادتهم (١).

ثم انه جلس في الحرم يرتقب (٢) على طريق النقشبندية (٣). فكان يحضره بعض الناس ، ولم نجتمع (٤) به إلى الآن.

ولما كان يوم الاثنين سابع عشر جمادى الثاني : ورد الخبر من جدة بوفاة أحمد بيك متوليها ، وأنه مات يوم الأحد ، فأخلع وكيل الديرة مولانا السيد محمد بن عبد الكريم على الوزير جوهر آغا. وجعله قائما مقام (٥) المتوفى ، ضابطا لما له وعليه ، بعد التوطئة مع قاضي الشرع.

فقام مقامه ، وكتبوا إلى مولانا الشريف بصورة اتفاق من الجماعة (٦) على تصويب طلب هذا المنصب ، من حضرة الأبواب أحالة لجوهر آغا أمينا.

فلما وصل إلى مولانا الشريف ذلك مع خبر وفاة الصنجق ، اقتضى

__________________

(١) كان من عادات أهل مكة انتظار قدوم الحجاج الهنود إليهم ، لأن الدولة المغولية في الهند كانت ترسل لهم أموالا كثيرة وهدايا مع هذه الشخصيات ، كما في عهد شاه جهان وارنكزبب. أحمد محمود الساداتي ـ تاريخ المسلمين في شبه القارة الهندية ٢ / ١٦٦ ، ١٩٧ ، عادل حسن غنيم ـ تاريخ الهند الحديث ١١٨.

(٢) الترقب : الانتظار. ابن منظور ـ لسان العرب ١ / ١٢٠٤.

(٣) النقشبندية : طريقة من طرق الصوفية ، مليئة بالبدع المخالفة للدين ، تنسب إلى بهاء الدين الملقب بنقشبند. ولد بقرية من قرى بخارى سنة ٧١٨ ه‍ ، وتوفي بها سنة ٧٩١ ه‍. حسين نجيب المصري ـ معجم الدولة العثمانية ٢٤٤.

(٤) في (ج) «ولم أجتمع به». وذلك لاختلاف السنجاري مع السرهندي.

(٥) في (ج) «قائمقام علي المتوفي».

(٦) في (ج) «جماعة».

٢٤٢

رأيه السديد أن يكون طلب [هذا](١) المنصب لمولانا الشريف سعيد ، ويكون جوهر آغا أمينا [لمولانا الشريف سعيد](٢) على جدة ، ويبعث ببعض (٣) الآغاوات ، يكون شيخ حرم مكة كما هو القاعدة القديمة ، وتكون صنجقية (٤) جدة لمولانا الشريف سعيد بن سعد في مقابلة إيصاله للحجوج (٥) إلى موضع أمنهم ، ويقوم بما للعرب (٦) من الاستحقاقات المسماة لهم من السلطنة (٧) من داخل البندر ، بعد توفية أهل الحرمين جوامكهم.

فكتب هذا العرض بمكة ، وأخذت عليه خطوط الفقهاء ، وذلك في (٨) سابع رجب سنة ١١٠٩ ه‍.

وبعث به إلى مولانا الشريف سعيد (٩) لينظر إليه ، وعين للسير (١٠) به إلى الأبواب السلطانية يوسف أفندي الإمام الرومي (١١) ، ومحمد آغا

__________________

(١) ما بين حاصرتين من (ج).

(٢) ما بين حاصرتين من (ج).

(٣) في (ج) «بعض».

(٤) في (ج) «صنجقة».

(٥) المقصود بهم الحجاج.

(٦) المقصود بهم القبائل البدوية التي كانت تغير على قوافل الحجاج مثل : حرب ، وصبح.

(٧) في (ج) «من داخل السلطنة».

(٨) سقطت من (ج).

(٩) في (ج) «الشريف لينظر إليه».

(١٠) في (ج) «للمسير به».

(١١) لم أستطع قراءتها في (أ). والاثبات من (ج).

٢٤٣

ترجمان مولانا الشريف أحمد بن زيد سابقا.

فخرجوا بالعرض من مكة إلى مولانا الشريف ، فعقبه مولانا الشريف (١) سعيد بن الشريف سعد ، ودخل مكة في أوائل رمضان.

ثم شاع الخبر أن متولي مصر ورد إليها وصحبته متولّ على (٢) جدة ، وأنه منتظر القدوم.

ولما كان يوم السبت عشر (٣) من رمضان : دخل مكة مولانا الشريف سعد بن زيد ، وصام بمكة (٤) ، واقتضى رأيه تغيير ذلك المحضر. وكتب محضرا آخر في معناه. وتعوق ارساله إلى شوال. وأرسل إلى جدة ، فطلب وكيل أحمد بيك ، وطالبه بجامكية أهل الحرمين ، فصرف عليهم شهرين ونصف ـ ولله الحمد والمنة ـ. ثم إنه طالب (٥) لهم [أيضا](٦) بأربعة أشهر أخرى من جوهر آغا ، بعد أن وردت المراكب الهندية.

وفي يوم الأحد سادس عشر شوال من السنة المذكورة (٧) : [ورد

__________________

(١) في (ج) «السيد».

(٢) سقطت من (ج).

(٣) في (أ) «سادس عشرين». والاثبات من (ج). وفي الطبري ـ اتحاف فضلاء الزمن ٢ / ١١٤ ، حيث أشار إلى ذلك بقوله : «وفي مستهل رمضان رجع الشريف سعد إلى مكة».

(٤) سقطت من (ج).

(٥) في (أ) «طالبه لهم». والاثبات من (ج).

(٦) ما بين حاصرتين من (ج).

(٧) سقطت من (ج). والاثبات من المحققة. وفي (أ) «المذكور». والسنة المذكورة هي ١١٠٩ ه‍.

٢٤٤

مكة](١) متولي جدة ، ومعه سلخودار (٢) مولانا السلطان ، بخلعة لمولانا الشريف ، فطاف وسعى ورجع إلى الزاهر.

ودخل ضحى يوم الإثنين سابع عشر شوال من السنة المذكورة (٣) : ومعه السلخودار بالخلعة السلطانية ، وفتح البيت ، وقريء المرسوم السلطاني (٤) بحضرة مولانا الشريف ، وقاضي مكة ، والمفتي ، والفقهاء. ولبس مولانا الشريف الخلعة الواردة (٥) وألبس السلخور والصنجق والقاضي والمفتي ونائب الحرم أفروة (٦) على مقاديرهم. وألبس كبار (٧) العسكر القفاطين ، وجلس في داره للتهنئة. وأنزل الصنجق مدرسة قايتباي والسلخور (٨) بالداودية.

واستمر الصنجق إلى يوم السبت الثاني والعشرين من شوال. فنزل جدة بعد أن اتفق على ما اختاره مولانا الشريف من التدبير ، وأهدى

__________________

(١) ما بين حاصرتين من (ج).

(٢) في (ج) «سلخدار». وقد تكرر هذا اللفظ أكثر من مرة بهذا اللفظ إلا أنه في نهاية ورقة ٥٢ من (ج) كتب الناسخ «سلخدر» كما في (أ). وسلخدر ، وسلخور نفس المعنى.

(٣) ١١٠٩ ه‍.

(٤) سقطت من (ج).

(٥) في (ج) «الوارد».

(٦) أفروة : جمع فروة. وهو اللباس المعروف ، وكان عادة إما من فراء السمور أو القاقم أو غيره ، كما تبين خلال الكتاب.

(٧) في (أ) «كبرا». والاثبات من (ج).

(٨) استعمل الناسخ في (ج) أكثر من مرة لفظ سلخدار ، ثم أثبته هنا «السلخور».

٢٤٥

لمولانا الشريف هدية عظيمة ، وهي : فرس عرضته (١) ، وسيف ودبوس (٢) ، ثمّنت بنحو ألفي قرش ، مرصّعة بالجواهر.

فجاء الخبر بعد أيام بورود باشا لجدة متول من جهة الأبواب السلطانية ، وورد كتاب لمولانا (٣) الشريف ، وأنه يتولى أمر البندر (٤) إلى أن يصل.

فبعث مولانا الشريف وزيره جوهر آغا لاستلام البندر (٥) ، فنزل إلى جدة واستلم البندر.

ودخل الباشا المتولي صحبة الحج [سنة ١١٠٩ ه‍](٦) ألف ومائة وتسعة (٧) ، فصادف مولانا الشريف قد وضع يده على البندر.

وحج مولانا الشريف بالناس على جري العادة.

__________________

(١) فرس عرضته : أي الفرس التي استعرض بها أمام الشريف.

(٢) الدبوس : هراوة مد ملكة الرأس في طرفها كتلة صغيرة. البقلي ـ التعريف بمصطلحات صبح الأعشى ١٣٣ ، إبراهيم أنيس ـ المعجم الوسيط ١ / ٢٧٠.

(٣) في (ج) «إلى مولانا».

(٤) أي ميناء جدة.

(٥) في (ج) «البلد».

(٦) ما بين حاصرتين من (ج).

(٧) سقطت من (ج).

٢٤٦

ودخلت سنة ١١١٠ [عشرة ومائة وألف](١).

ولم يزل صاحب جدة بمولانا الشريف ، إلى أن أعطاه نحو ثلاثين ألف قرش مما هو له ، ونزل إلى جدة.

ومن حوادث هذه السنة : [أنه](٢) جعل على كل فرق (٣) من البن ، شريفي أحمر إذا أرادوا / إرسال البن في المراكب المصرية.

وفي هذه السنة : دخل مولانا الشريف سعيد (٤) ، على الشريفة سعيدة بنت أحمد بن علي بن باز بن الحسن بن أبي نمي ، في تاسع عشر صفر من هذه السنة ، وبعد أيام نقلها إلى دار الوزير عثمان حميدان ، وصار يأتيها فيه.

وفي أوائل جمادى الأولى : أمر مولانا الشريف قاضي الشرع بإحضار الباشا من جدة ، وصوّروا عليه دعوة من الإنقشارية ، فطلع وعقد له مولانا الشريف مجلسا في ديوانه ، حضره القاضي وكان قصاراه (٥) التسليم. وأقام الباشا بمكة.

وفي أواسط جمادى الثاني : اتفق الأفندي أبو بكر بن عبد القادر ،

__________________

(١) ما بين حاصرتين من (ج).

(٢) ما بين حاصرتين من (ج).

(٣) فرق : الفرق والفرق. والفرق بالتحريك : مكيال يسع ستة عشر رطلا ، وهي اثنا عشر مدا وثلاثة أصع عند أهل الحجاز. وقيل الفرق : خمسة أقساط ، والقسط : نصف صاع. الفرق بالسكون : مائة وعشرون رطلا. ابن منظور ـ لسان العرب ٢ / ١٠٨٧.

(٤) في (ج) «سعد».

(٥) قصاراه : أي غايته التسليم. ابن منظور ـ لسان العرب ٣ / ٩٨.

٢٤٧

مع مولانا الشريف ، على محاسبة نائب الحرم السيد محمد ، فحاسبوه ، وأخذوا من يده جميع ما كان من تعلقات (١) المسجد ، وشدد في ذلك الباشا.

وأمر مولانا الشريف الأفندي أبا بكر بمباشرة النظر عن شيخ الحرم ، فاستولى على جميع ما كان تحت يد السيد محمد من التعلقات.

ولما كان يوم الجمعة ثامن (٢) عشر جمادى الثاني : ألبس المذكور (٣) قفطان النيابة عن مشيخة الحرم ، وبورك له في داره ، فاحتفل بأمر المسجد. ورمّم ما يحتاج إليه (٤) من الترميم ، وأمر بدهان طوق القناديل التي (٥) للمطاف ، وجلى (٦) العواميد النحاس الأصفر المحيطة بالمطاف (٧) ، واخراج (٨) المسارج (٩) التي كانت تسرج قديما من هدايا ملك الهند ،

__________________

(١) متعلقات المسجد : أي جميع ما يتعلق بالمسجد من أمور مالية وإدارية.

(٢) في (أ) «ثاني عشر». والاثبات من (ج). لاتفاق هذا التاريخ مع التاريخ الذي تم فيه الاتفاق بين الشريف والأفندي أبو بكر ، حيث تم في أواسط جمادى الثاني.

(٣) هو الأفندي أبو بكر بن عبد القادر.

(٤) في (ج) «منه إلى».

(٥) في (ج) «قناديل المطاف».

(٦) جلى : بمعنى كشف صداها وصقلها. يقال : جلى السيف والفضة والمرآة ونحوها. ابن منظور ـ لسان العرب ١ / ٤٩٢.

(٧) في (ج) «بالطواف».

(٨) في (ج) «أخرج».

(٩) المسارج : ما يوضع فيها الفتيلة والدهن للاضاءة. إبراهيم أنيس ـ المعجم الوسيط ١ / ٤٢٥. وأول من أسرج الحرم هو الخليفة عمر بن الخطاب رضي‌الله‌عنه عام ١٧ ه‍. وفي الطواف عتبة بن الأزرق والتي كانت داره ملاصقة للمسجد الحرام والذي كان يضع في جداره مصباحا كبير يضيء لمن يطوف بالبيت الحرام. السنجاري ـ منائح

٢٤٨

وجلاها وأصلحها بعد أن كانت مطروحة في الحاصل (١) ، وسرجها في ليلة النصف من شعبان ، إلى غير ذلك ، وانفرد بجميع المناصب (٢) المكية.

ولم يزل إلى رمضان ، فاتفق أن حضر الفقهاء مجلس قائم مقام الشريف للختم (٣) في أواخر رمضان. وسبق السيد علي ميرماه للمجلس (٤) ، فجاء بعده الشيخ عبد الواحد الشيي. فأجلسه في محله ، ثم جاء الشيخ أبو بكر وابنه الشيخ عبد القادر المفتي ، فقام الشيخ عبد الواحد وأجلس المفتي في مجلسه ، وجلس في مجلس آخر. فتأذى السيد علي ميرماه [بذلك](٥) ، ودفع (٦) ثلاثة آلاف شريفي أحمر. ألفين في وظائف الأفندي أبو بكر ، وألف في مفتاح الكعبة (٧). وادّعى أن الشيخ عبد الله الشيي أحق بهذه الوظيفة ، وليس للشيخ عبد الواحد أن يفرغ لولد ولده في حياة والده ، وإن كان عاجزا لمرض حلّ به ، لأن من عادتهم أن المفتاح للأكبر فالأكبر ـ. وكتب لمولانا الشريف بالواقع وبعثه إليه

__________________

الكرم ١ / ١١٩. (خلافة عمر بن الخطاب).

(١) الحاصل : المخزن. إبراهيم أنيس ـ المعجم الوسيط ١ / ١٧٩.

(٢) المناصب المكية : الامامة ، والصر ، ونيابة الحرم.

(٣) أي ختم القرآن الكريم في ليلة الثامن والعشرين من رمضان كما هو المعتاد إلى الوقت الحاضر ١٤١٣ ه‍.

(٤) في (ج) «الى المجلس».

(٥) ما بين حاصرتين من (ج).

(٦) في (ج) «وبذل».

(٧) مفتاح الكعبة : أي في تحويل مفتاح الكعبة (وظيفة السدانة) من عبد الواحد الشيي ، ودفع الأموال في سبيل ذلك. أي في أخذ مفتاح الكعبة من الشيخ عبد الواحد ، وبذل الأموال في سبيل تحقيق هذا الأمر.

٢٤٩

بالمبعوث ، وقامت الفتنة (١) فيما بينهم بمكة ، وكثر الهرج.

ثم أتى من عند مولانا الشريف كتاب إلى حضرة المفتي المذكور (٢) ، وفيه أشاير وبشائر ، فجلس للناس يوم وصول الكتاب ، وهنّى بالعيد والخطاب.

ولم يزل مولانا الشريف في تلك الجهات (٣) ، إلى أن ورد مكة ليلة الثلاثاء سادس عشر ذي القعدة ، وطاف (٤) وسعى ، وجلس للردية في منزله ، وأتاه القاضي لردية القدوم.

ومن لطائف تنكيتاته وظرائف (٥) تلويحاته ـ أدام الله دولته ـ أنه دخل عليه الشيخ عبد الله الشيي والسيد علي ميرماه ، فلما استقر بهم المجلس ، سأل السيد علي سيدنا" بما رأيتم الهلال؟».

فقال له مولانا الشريف : «إنما يتطلع لمثل هذا من يكون آمنا في بيته ، وأما الهاربون في البراري المتوقعون للعزل ، فلا ينظرون إلى هلال و [لا](٦) غيره» :

وقال المخبر لي : «فسكت السيد علي ميرماه ولم يحرز جوابا (٧)».

وكان في المجلس القاضي ، فجلس (٨) يتشدّق بالأدعية والثناء على

__________________

(١) في (أ) «اقامه». والاثبات من (ج).

(٢) المفتي المذكور الشيخ عبد القادر.

(٣) تلك الجهات : المقصود بها جهة الشرق بالمبعوث.

(٤) في (ج) «فطاف».

(٥) في (ج) «طرائف».

(٦) ما بين حاصرتين من (ج).

(٧) أي لم يحر جوابا.

(٨) في (ج) «فجعل».

٢٥٠

هذه الدولة. فقال له مولانا (١) الشريف :

«دعنا من كلام المنافقين».

ودخل عليه رجل آخر أشهر من قفا نبك (٢) ، فجعل يسأل عنه : من هذا؟ إلى أن قال له بعد ثالثة أو رابعة : «أنا فلان بن فلان». فقال [له](٣) تلك الساعة : كيف حال عملك. فقال بخير.

قال ذلك الرجل : ودخل (٤) علينا رجل ، فخرجت في أثر دخوله ، ولا حول ولا قوة إلّا بالله العلي العظيم.

ولم يزل مولانا الشريف إلى أن حج بالناس.

__________________

(١) سقطت من (ج).

(٢) قفا نبك. أي أشهر من قصيدة امريء القيس بن حجر الحارث الكندي والتي يقول فيها :

قفا نبك من ذكرى حبيب ومنزل

بسقط اللوى بين الدخول فحومل

أبي عبد الله الحسين بن أحمد الزوزني ـ من شرح المعلقات السبع ، دار القاموس الحديث ، بيروت ص ٥ ـ ١٨ ، أحمد الأمين الشنقيطي ـ شرح المعلقات العشر وأخبار شعرائها ، دار الأندلس ـ بيروت ٧٥.

(٣) ما بين حاصرتين من (ج).

(٤) في (ج) «فدخل».

٢٥١
٢٥٢

ودخلت سنة ١١١١ [ألف ومائة وإحدى عشرة](١) :

ولما كان ليلة الثلاثاء (٢) ثاني ذي الحجة (٣) : دخل مكة متولي جدة سليمان باشا بعد مضي الساعة الخامسة (٤) ، وطاف وسعى ، وأصبح جالسا للناس في الداوودية (٥) ، وشاع عزل المتولي الأول. إلا إن هذا الوارد لم يصل بأمر سلطاني ، واختلف الخبر فيه ، فقيل إنما ولايته من أول محرم ، وقيل إنما ورد [للعمارة ، أي](٦) بعمارة (٧) الحجرة النبوية ، ولم يظهر شيء.

ولما كان ليلة الأربعاء ، رابع ذي الحجة : ورد وكيله الآغا الوارد (٨) مع مرضعة [مولانا](٩) السلطان (١٠) ، فطاف وسعى ، ونزل بدار موسى آغا (١١) آغاة الدشيشة الخاصكية ، وهو أغاة أسود.

وفي يوم الخميس خامس ذي الحجة (١٢) : خرج الطواشي

__________________

(١) ما بين حاصرتين من (ج).

(٢) في (ج) «الاثنين».

(٣) أي العام السابق ١١١٠ ه‍.

(٤) الساعة الخامسة بالتوقيت الغروبي أي الحادية عشرة.

(٥) في (ج) «الداودية».

(٦) ما بين حاصرتين من (ج).

(٧) في (ج) «لعمارة».

(٨) في (ج) «الواصل».

(٩) ما بين حاصرتين من الحاشية التي في (أ) ومن (ج).

(١٠) السلطان مصطفى خان.

(١١) سقطت من (ج).

(١٢) أي من عام ١١١٠ ه‍.

٢٥٣

المذكور (١) إلى الزاهر ، ودخل من الحجون في آلاي العسكر بالخلعة السلطانية ، ومولانا الشريف جالس بالحطيم وجملة الأعيان ـ على جري العادة ـ إلى أن وصل الآغا المذكور ، ودخل من باب السلام ، ففتح البيت الشريف ، ولبس مولانا الشريف القفطان الوارد ، وقريء مرسومه الواصل بالتأييد والوصاية على الرعية والحاج ـ كما هو المعتاد ـ من حضرة (٢) السلطنة العلية ، أدامها الله تعالى. وحج بالناس في هذه السنة.

وورد عليه من الأبواب أربعون ألف قرش ، له عشرون ، ولولديه سعيد ومساعد لكل [واحد](٣) عشرة آلاف قرش ، وحصل بذلك ما تقرّ به العيون.

وفي (٤) يوم الخميس من (٥) هذه السنة خامس عشر ذي الحجة : وقعت فتنة بين العرب (٦) والشاميين بالمعابدة على الماء ، وتقاتلوا ، وفزعت الناس.

فركب مولانا الشريف سعيد ، وأخوه [السيد](٧) مساعد ، وابن عمهم السيد عبد المحسن بن الشريف أحمد بن زيد ، وغيرهم من الأشراف ، ففرّقوا بين الفريقين ، وأقاموا البادية من المعابدة إلى المنحنى ،

__________________

(١) هو وكيل المتولي الجديد.

(٢) سقطت من (ج).

(٣) ما بين حاصرتين من (ج).

(٤) في (ج) «لما كان».

(٥) في (ج) «في».

(٦) يقصد بهم القبائل البدوية مثل حرب ، عتيبة ، وزهران ، وصبح ، وعترة ، وغيرهم.

(٧) ما بين حاصرتين من (ج).

٢٥٤

بعد أن قتل من الفريقين نحو ثمانية أنفس ، وجرح من العسكر البادية (١) خلق كثير ، وقتلت جمال وأفراس للفريقين.

فأمر مولانا الشريف حاكم البلد ـ القائم علي (٢) ـ بالبيات هناك (٣) إلى الصبح ، ـ وكف الله الشر ـ.

وفي هذه السنة (٤) : قسم الصرّ [من](٥) شريفيه أبو طرّه (٦) كل شريفي بمشخص (٧) ، فخسّ المعلوم ، وجعلوا الريال بقرش ونصف ، فحصل للناس بذلك تعب ـ نسأل الله اللطف ـ.

ووقع في هذه السنة حوادث [مهمة](٨) جمة ، مما يتعلق بالدولة في مكة وجدة مع التجار.

وفي هذه السنة : ورد مع العجم طائفة كبيرة ، ولاذوا بالسادة الأشراف ، وبذلوا لهم الأموال ، فمكّنوهم من المسجد ، وأنزلوا رؤساءهم في أحسن الدور ، وفسحوا لهم في (٩) الأمور ، بحيث أنهم اتخذوا المسجد ناديا يسمرون فيه ، ويأتيهم فيه الطعام / والشراب وأباريق

__________________

(١) المقصود بالبادية الأعراب من حرب وصبح وغيرهم.

(٢) القائد علي : هو القائد علي مملوك حاكم الشريف.

(٣) أي بالمعابدة والمنحنى.

(٤) ١١١١ ه‍.

(٥) ما بين حاصرتين من (ج).

(٦) نوع من العملة في الدولة العثمانية.

(٧) في (ج) «لشخص».

(٨) ما بين حاصرتين من (ج).

(٩) في (ج) «من».

٢٥٥

الوضوء والطشوت (١) والفرش ، ولا يقدر أحد ينكر شيئا من ذلك ، لتقدم أمر من بعض الأشراف (٢) لشيخ الحرم والفراشين بعدم التعرض لهم ، وأنهم في وجهه. ـ ولا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم ـ.

ومن الغرائب أن هذه السنة ، وهي سنة ١١١١ ه‍ (٣) [إحدى عشرة ومائة وألف](٤) ضبطها بالتأريخ الحرفي الرفض (٥) ، فهي سنة الرفض ، بحيث أن بعض الجهلة طمع في هذه الطائفة الملعونة فاستمالوه.

وذكر لي من أثق به (٦) : أنهم أدخلوا في مذهبهم نحوا من أربعة أنفس من أئمة الحنفية بمكة ، وقد ظهر على بعضهم ذلك ، وعلمه كل أحد ـ نعوذ بالله من ذلك ـ.

وإذا نظرت إلى ما حدث من العشور ، والمآخذ من الجهات من

__________________

(١) في (ج) «وطشوت».

(٢) بعض الأشراف ربما يكون السيد بشير بن مبارك لأنه كما يذكر الطبري في اتحاف فضلاء الزمن ٢ / ١١٩ أنه قد ترحل إليهم.

(٣) سقطت من (ج).

(٤) ما بين حاصرتين من (ج).

(٥) المقصود أن هذه السنة هي سنة الرفض على حساب الجمل ، ووافق أن يسيطر الرفض في هذه السنة على الأحداث في مكة. وقد ظهر اسم الرافضة عند ما سئل زيد بن علي بن الحسين عن أبو بكر وعمر فترحم عليهم فرفضوه ، فقال لهم : رفضتموني ، فسموا رافضة لرفضهم إياه ، وسمي من لم يرفضه من الشيعة زيدية لانتسابهم إليه. ابن تيمية ـ أبو العباس تقي الدين أحمد بن عبد الحليم ـ منهاج السنة النبوية في تقصي كلام الشيعة والقدرية ، دار الكتب العلمية ، بيروت ١ / ٨ ، الشهرستاني ـ أبو الفتح محمد بن عبد الكريم ـ الملل والنحل ، دار المعرفة ، بيروت ١٤٠٢ ه‍ / ١٩٨٢ م ص ١ / ١٥٥.

(٦) في (ج) «بهم».

٢٥٦

المظالم ، يكون ضبطها لفظ «الظلم عم» (١) ـ الله يفعل ما يريد ـ.

ولما كان ليلة (٢) عيد المولد وهو الثاني عشر من ربيع الأول : احتفل نائب الحرم الأفندي أبو بكر بن عبد القادر الصديقي بذلك العيد احتفالا بالغ فيه (٣) ، فجعل نحو ثلاثة قناطير (٤) أو أربعة قناطير حلوى. وعم بها سائر (٥) الناس حتى الأشراف ، والشرائف ، ومن بالطائف والمدينة من أرباب المناصب.

وعزم الناس بالمسير معه من الحرم إلى المولد (٦) ، فقضى الله تعالى بغيم ورعد ، كادت السماء [أن](٧) تمطر ، فلم ينتظم (٨) له مراده في كل وجه ـ والله الفعال لما يريد ـ.

ولم يزل مولانا الشريف إلى أن توجه إلى جهة الشرق ليلة الخميس الثاني والعشرين من ربيع الأول ، ـ جعله الله مصحوب السلامة ـ. وجعل قائم مقامه السيد عبد الله بن سعيد بن شنبر (بن حسن بن

__________________

(١) أي بحساب الجمل.

(٢) سقطت من (ج).

(٣) تظهر هنا بدعة الإحتفال بالمولد ، وتقليد النصارى فيما يقومون به من الإحتفال بمولد عيسى عليه‌السلام.

(٤) سقطت من (ج).

(٥) سقطت من (ج).

(٦) المقصود به البيت الذي ولد فيه الرسول صلى‌الله‌عليه‌وسلم الذي كان يسكنه بنو هاشم ، وفيه حصرتهم قريش هم والنبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم. أتخذ مسجدا ثم هدم لكثرة تبرك الناس به ، ثم جعل مقرا لمكتبة عامة. عاتق البلادي ـ معالم مكة ٢٩٤.

(٧) ما بين حاصرتين من (ج).

(٨) في (ج) «ينتظر».

٢٥٧

أبي نمي) (١).

ولما كان يوم الجمعة ثاني عشر شوال من السنة المذكورة (٢) : دخل (٣) باشي مهتارية (٤) السلطان مصطفى خان ، بخلعة سلطانية ، ونزل بها في آلاى العسكر من الحجون ، إلى أن وضعها قائم مقام الشريف في مقام سيدنا (٥) إبراهيم الخليل ، على جري العادة. وأنزل الآغا الوارد بالداوودية (٦) ، وقاموا بجميع مهماته (٧).

ولما كان ليلة الجمعة عاشر ذي القعدة : ورد من جهة [مولانا الشريف بعض عترة وبني الصخر نحوا من خمسة وعشرين رجلا ، وكان بمكة منهم جماعة أيضا ، وجاؤوا بكتاب إلى](٨) الوزير جوهر آغا الشريفي ، فأمر بجمعهم ، فلما اجتمعوا [عنده](٩) أمر بحبسهم الجميع ، فمسكوا ، وهرب بعضهم.

__________________

(١) ما بين حاصرتين من (ج). وبدلها في (أ) «قائم مقامه».

(٢) أي سنة ١١١١ ه‍.

(٣) في (أ) «ودخل». والاثبات من (ج).

(٤) مهتارية : من مهتارديه بكسر الميم فارسية بمعنى أفعل التفضيل ، فهي تعني الأكبر. وهو لقب يطلق على كبير كل طائفة من غلمان البيوت ، كمهتار الشراب خاناه ، ومهتار الطشت خاناه. القلقشندي ـ صبح الأعشى ٥ / ٤٧٠ ، محمد قنديل ـ التعريف بمصطلحات صبح الأعشى ٣٣٣.

(٥) تكرر لفظ سيدنا مرتين في (أ) بدون داعي.

(٦) الداودية : المقصود أنزل بالمدرسة الداودية.

(٧) جميع مهماته : أي بجميع شؤون ضيافته.

(٨) ما بين قوسين سقط من (ج).

(٩) ما بين حاصرتين من (ج).

٢٥٨

ودخل رجل على الشريف ، عار من غير ثوب ، وقد تحيّر في أمره ، وفزع الناس والنساء ، بعد صلاة العشاء ، فلحقوه جماعة الوزير ، وأمسكوه ، وأدخلوه الحبس مع أصحابه ، وفرّ منهم ثلاثة نفر. فأمر الوزير بأن يلحقهم بعض الخيالة ، فخرجوا إليهم (١) ، وسدوا عليهم الطرق. وكان الجميع نحو ثمانين رجلا (٢).

ولما كان يوم الاثنين العشرين من ذي القعدة الحرام سنة ١١١١ ه‍ : دخل مكة مولانا الشريف ، وأصبح ، فنزل إلى المسجد ، ولبس القفطان الوارد عليه من السلطان السابق ذكره (٣) ، وجلس للتهنئة.

وقد دخل أول المراكب الهندية ، وهو : مركب الدورلي (٤) سابع عشر الشهر. ودخلت بقية (٥) المراكب.

ودخل موسم ١١١١ ه‍ [إحدى عشرة ومائة وألف](٦). وكان أول الحجة الخميس والوقفة بالجمعة ، فلبس مولانا الشريف الخلعة الواردة (عليه من الأبواب) (٧) وحج بالناس.

وجاءت الصدقة الهندية ، فأمر مولانا الشريف بتفريقها بنظر (٨) الشيخ محمد سعيد المنوفي ، ففرقت بنظره.

__________________

(١) في (ج) «عليهم».

(٢) في (ج) «نفسا».

(٣) وهو السلطان مصطفى خان.

(٤) في (ج) «الدولي».

(٥) سقطت من (ج) ، واستدركه الناسخ في الحاشية «اليمني» ومن (ج) كذلك.

(٦) ما بين حاصرتين من (ج).

(٧) ما بين قوسين سقط من (ج).

(٨) سقطت من (ج).

٢٥٩
٢٦٠