منائح الكرم في أخبار مكة والبيت وولاة الحرم - ج ٥

علي بن تاج الدين بن تقي الدين السنجاري

منائح الكرم في أخبار مكة والبيت وولاة الحرم - ج ٥

المؤلف:

علي بن تاج الدين بن تقي الدين السنجاري


المحقق: الدكتورة ملك محمد خياط
الموضوع : التاريخ والجغرافيا
الناشر: جامعة أم القرى
الطبعة: ١
ISBN الدورة:
9960-03-366-X

الصفحات: ٥٨١

للعسكر (١) أن يعطفوا من السوق الكبير إلى بيوتهم.

فلما انتهى آخرهم ، قدم هو بمن معه من العرب ، حتى دخل منزله ، وامتلأ بهم ذلك الوادي.

ثم أمر بهم إلى أجياد فدخلوها ، وجعلوا يدخلون شيئا فشيئا إلى ثالث (٢) يوم.

وجلس مولانا الشريف للتهنئة ، يوم السبت ، حال دخوله ، وطلعت (٣) له الناس ، واستقرت البلد ـ ولله الحمد ـ.

وبعث إليه الباشا بفرو سمور ، ألبسه إياه ، إلا أن بعض العرب خرج بما نهب (٤) من الأموال يبيعها في السوق على رؤوس الأشهاد ، ويشتري منهم بالجملة ، وما أمكن رد شيء مما أخذوه ـ الأمر لله ـ.

وأكثر ما نهب جبل أبي قبيس.

فلما كان يوم الأحد : ألبس الوزير عثمان حميدان الفرو الذي ألبسه الباشا ، وجعله وزيرا كما كان ، وطلع له أصحاب الأدراك ، فأخلع عليهم الجميع.

ومدحه في هذا اليوم صاحبنا الشيخ محمد سعيد المنوفي صدر وعجز

__________________

هاشم ، كما كان يقال له باب البطحاء. الأزرقي ـ أخبار مكة ٢ / ٨٨ ، عبد الكريم القطبي ـ أعلام العلماء ١٣٦ ـ ١٣٧.

(١) في (ج) «العسكر».

(٢) في (أ) «ثان». والاثبات من (ج).

(٣) في (ج) «طلعوا».

(٤) في (أ) «بما معه». والاثبات من (ج).

٢٠١

قصيدة أبي الطيب التي مطلعها (١) :

حاش الرقيب فخانته ضمائره.

وأنشده إياها يوم الأحد.

وامتدحته أنا بقصيدة لم أنشده إياها (٢) ، ومطلعها :

ما لسعد عن مكة وسعيد (٣)

من براح فقصّري أو فزيدي

وهي مثبتة في ديوان شعري (٤).

ولما كان يوم الخميس الرابع عشر من ربيع الثاني : اجتمع الباشا بمولانا الشريف في مدرسة ابن عتيق عند صلاة الظهر ، فجلس عنده ساعة ، ورجع إلى بيته.

فبعث له مولانا الشريف مركوبا من طوالته مكمل العدة.

ولما كان يوم السبت السادس عشر من الشهر : نزل الباشا إلى جدة ، وركب مولانا الشريف معه إلى الشيخ محمود (٥) هو وابنه ، فودّعه ، ونزل الباشا له عن حصانه فقدمه (٦) له ، لما أراد الرجوع. وقدم أيضا لابنه

__________________

(١) قصيدة أبي الطيب المتنبي ، والتي يقول فيها :

حاش الرقيب فخانته ضمائره

وغيض الدمع فانهلت بوادره

إلى آخر القصيدة. انظر : المتنبي ـ ديوان أبي الطيب المتنبي ٢ / ١١٥.

(٢) ربما لم ينشدها بين يديه لاكتفائه بتسجيل الأحداث فقط وعدم المشاركة بها ، بدليل قوله فيما سبق : «ثم إن بعض السرادرة من جيراننا طلب مني الخروج إلى القاضي ، وشنع بتأخيري عمن حضر».

(٣) في (ج) «وسعيدي». أي الشريف سعيد.

(٤) وهذا واضح في الدلالة على أن للسنجاري ديوان شعر.

(٥) أي تربة الشيخ محمود في جرول.

(٦) في (ج) «وقدمه».

٢٠٢

مركوبا (١) من مراكبه ، وسار إلى جدة.

ورجع مولانا الشريف إلى بيته ـ والله الفعال لما يريد ـ.

واستمر مولانا الشريف بمكة ، وسارت الأخبار بما وقع.

ثم ان مولانا الشريف أمر وزيره الخواجا عثمان حميدان ، بصنع ضيافة للعرب في بستانه بالمعابدة. فجعل لهم هناك سماطا ، حضره مولانا الشريف سعد (٢) وابنه الشريف (٣) سعيد ، واستمروا هناك إلى العصر.

ونزلوا ـ أعني العرب ـ شاكرين. ثم (٤) أقاموا بعد هذا مدة يسيرة ، وأذن لهم في الرجوع ، فرجعوا. وأبقى ناسا من كبارهم عنده بمكة.

ثم جاء الخبر من المدينة بامتناعهم من النداء لمولانا الشريف بالمدينة.

وفي أواخر جمادى الأولى : ورد شيخ حرم المدينة ، فتوجّه إليها من ينبع.

وما كان من مولانا الشريف عبد الله ، والشريف أحمد بن غالب : فإنهم دخلوا ينبع ، وفيه مركب المعرف متوجه (٥) إلى مكة. فأخذوا منه ألفين أردب حب لأهل مكة ، ومائتين لقاضي مكة ، وربع لصاحب (٦) مكة.

وجاء الخبر إلى مكة ، بأنهم كتبوا عرضا وبعثوا به إلى مصر. وهذا

__________________

(١) في (ج) «وقدم لابنه مركوبا أيضا» ، تقديم وتأخير.

(٢) سقطت من (ج).

(٣) في (ج) «السيد».

(٤) كرر الناسخ «ثم» مرتين في (أ).

(٥) في (ج) «متوجها».

(٦) في (ج) «صاحب مكة».

٢٠٣

ما بلغنا ـ والله الفعال لما يريد ـ.

ثم ان الشريف جهز جماعة من العسكر المقيمين بمكة ، وبعضهم (١) بعثهم إلى جدة ، ليعزموا إلى ينبع (٢) من البحر. ثم إن العسكر رجعت من جدة ، وما رأى الباشا في إرسالهم فائدة ، بعد أخذ الشريف عبد الله لربع المتحصل من المركب مما يخص الشريف.

ولما كان يوم الخميس الرابع من جمادى الثاني (٣) : ألبس مولانا الشريف خلعة الوزير لأمين بن درويش المدني ، وعزل الخواجة عثمان حميدان ، وأنزل المذكور بالمدرسة الداودية (٤). وجلس فيها للمباركة. واستمر أمين [المذكور](٥) إلى سادس عشر جمادى الثاني ، فعزله. وولى الوزير جوهر أغا تابع مولانا الشريف ، وألبس القفطان يوم الثلاثاء سادس عشر الشهر المذكور ، وجلس للتهنئة في داره.

وفي هذه الأيام وردت بعض جلاب من اليمن وإلى جدة.

ولما كان غرة رجب المبارك : جلس مولانا الشريف للتهنئة بالشهر (٦) ، وطلع له الفقهاء ، على جري العادة. فلما خرجوا من عنده ، قصد بعضهم الوزير ، وبعضهم الحاكم ـ كما هو المعتاد ـ. فكان مما

__________________

(١) سقطت من (ج).

(٢) استدركه الناسخ في (أ). وصححه في الحاشية اليسرى.

(٣) سقطت من (أ). والاثبات من (ج).

(٤) في (أ) «الداوودية». والاثبات من (ج). وكلاهما صحيح.

(٥) ما بين حاصرتين من (ج).

(٦) بالأصل للتهنئة بالشهر والتصويب لا تساق المهنى.

٢٠٤

قدره الله تعالى ، أن حضر مجلس الوزير جوهر آغا حسين بن حبيب السندي ، وكان المذكور تلبس بمنصبي الخطابة والإمامة ، / فرغ (١) [له](٢) بها الشيخ صبغة الله بن الملا فروخ برضا منه ، قبل هذا العام بعام (٣) ، لتبنيه له.

وكان المذكور رجلا عاصيا سوقيا. وما اتفق له المباشرة إلا بعد جهد جهيد. ولم يباشر الخطابة إلا في دولة الشريف سعد ، بعد رجوعه من اليمن في (٤) هذه السنة.

فاتفق أن حضر المجلس السابق ذكره (٥) السيد علي ميرماه مدرس السليمانية ، ابن امرأة السيد صادق بادشاه ، وغيره من أهل مكة. فانجرّ الكلام إلى ذكر علوفة أهل مكة ، وانقطاعها ، وعدم إرسال الباشا بها لهم. فأبدى ابن حبيب زيادة الشكوى للوزير فقال له :

«ما تكلم مع الباشا أحد منكم يا أهل (٦) مكة.

فقال له : «أهل مكة أعمى الله قلوبهم».

فثار في ذلك السيد علي ميرماه ، فطلع إلى مولانا الشريف ، وأعانه بعض الناس. وذكر لمولانا الشريف ما وقع له ، وأن هذا القدر لا تقبله

__________________

(١) فرغ : أي تخلى له بها. ابن منظور ـ لسان العرب ٢ / ١٠٨٤ ، ابراهيم أنيس ـ المعجم الوسيط ٢ / ٦٨٤.

(٢) ما بين حاصرتين من (ج).

(٣) أي في سنة ١١٠٥ ه‍.

(٤) في (ج) «من».

(٥) أي مجلس الوزير جوهر آغا.

(٦) في (أ) «ياهل». والاثبات من (ج).

٢٠٥

نفوس (١) العالم ، وأنتم السبب في ذلك. فأمر مولانا الشريف بإحضاره ، فلما حضر بين يديه تكلم عليه ، فكان من جوابه :

«إني أهل للإمامة والخطابة ، وقد بذلت لكم فيها مال له صوره" (٢).

فأمر مولانا الشريف بحبسه ، وتقييده ، والختم على بيته. وأقام في الحبس مدة.

ثم ان مولانا الشريف ، وكّل القاضي عيد بن قاضي (٣) زاده ، على مطالبته للمذكور (٤) ، وسؤاله عن كتب وقف قايتباي (٥) التي تحت

__________________

(١) في (أ) «النفوس». والاثبات من (ج).

(٢) في (أ) «وقد بذلت لكم فيها الأموال الذي له صوره». والاثبات من (ج). أي بذل مالا كثيرا.

(٣) في (ج) «القاضي».

(٤) في (ج) «على مطالبة المذكور».

(٥) وقف قايتباي : هو الوقف الذي أمر ببنائه السلطان قايتباي المحمودي الظاهري (من ملوك الجراكسة) سنة ٨٨٢ ه‍ ، حيث أمر بشراء موضع يشرف على الحرم الشريف ليبنى عليه مدرسة ورباطا وربوعا ومسقفات ، ويحصل منها ريع يصرف على المدرسين والقراء. فاستبدل رباط السدره ورباط المراغي وكانا متصلين ، كما أمر بشراء الدار المجاورة لرباط المراغي ، فهدم ذلك كله ، وجعل فيها اثنتين وسبعين خلوة ومجمعا كبيرا مشرفا على المسجد الحرام والمسعى ، ومكتبا ومأذنة. وصير المجمع المذكور مدرسة ، وأرسل خزانة كتب أوقفها على طلبة العلم وجعل مقرها المدرسة المذكورة ، وبنى عدة ربوع ودور تغل في كل عام نحو ألفي ذهب ، ووقف على هذا كله قرى وضياعا بمصر ، تغل حبوبا كثيرة ، تحمل في كل عام إلى مكة. ثم فيما بعد أصبحت المدرسة سكنا لأمراء الحج أثناء الحج ، وسكنا للأمراء في غير موسم الحج إذا وصلوا إلى مكة في وسط السنة. قطب الدين النهروالي ـ الإعلام ٧١ ـ ٧٢ ، ١٥٠ ـ ١٥٦ ، حسين باسلامه ـ تاريخ عمارة المسجد الحرام ٧٥ ـ ٧٨ ، ناجي معروف ـ مدارس مكة ٢١ ـ ٢٣.

٢٠٦

يده (١) من صبغة الله.

فأحضر (٢) المذكور عند قاضي الشرع ، وعزموا معه إلى قاعة الكتب ، وراجعوا القوائم ، ففقدوا نحوا من سبعين كتابا ، فسألوه عنها فلم يقرّ بها ، فأعادوه إلى الحبس ، وأطلعوا مولانا الشريف على ذلك. فدعاه إليه ، وأمره بالنزول عن الوظائف ، فامتنع.

فأمر عيد المذكور أن يدعي عليه بثمن [ما فقد من](٣) الكتب. فقدرت بنحو (٤) ستمائة قرش ، فأحضر عند القاضي ، وادّعى عليه وأثبتت (٥) عليه ، ثم رجع به إلى الحبس.

ثم إن مولانا الشريف أمر ببيع تركته ، فبيعت ، وأمر صبغة الله أن يحضر عند القاضي ، ويقرّ بأنه أخطأ في فعله ، ونزوله عن الوظائف لمثل هذا الرجل الخائن ، وأنه راجع فيما نزل له به عنه ، وسجل القاضي ذلك ، وكتب به حجة.

فاتفق رأي مولانا الشريف والقاضي ، على جعل الوظائف المذكورة باسم مولانا الشيخ عبد القادر بن أبي بكر (٦) ، أحد الأماثل والأعيان بمكة

__________________

(١) في (ج) «تحت يد صبغة الله».

(٢) في (ج) «فأحضروا».

(٣) ما بين حاصرتين من (ج).

(٤) في (ج) «نحو».

(٥) في (ج) «وأثبت عليه».

(٦) الشيخ عبد القادر بن أبي بكر : هو عبد القادر بن أبي بكر بن عبد القادر الصديقي. ولد بمكة سنة ١٠٨٠ ه‍ من أسرة عرفت بالثروة والجاه والعلم. فأبوه كان شيخ الهنود بمكة ، وجده لأمه الشيخ حسن العجيمي شيخ شيوخ الحجاز وصاحب المؤلفات العديدة. تولى منصب الخطابة سنة ١١٠٦ ه‍ ثم منصب الإفتاء من سنة ١١٠٨ ه‍

٢٠٧

المشرفة ، والمذكور أهل لذلك باتفاق الخاص (١) والعام من أفاضل الأنام ، خلافا لمن لا يعتد به من الحسدة اللئام ، والجهلة الطغام.

وباشر الإمامة ظهر يوم الاثنين تاسع عشر شعبان من السنة المذكورة (٢). وجعل جوهر معتوق الشيخ عبد الله بن الشيخ (٣) مكي فروخ وكيلا عن الشيخ صبغة [الله](٤) يستلم ما بقي باسمه (٥) من المعاليم ، ويصرف عليه كل يوم خمسين محلقا.

وأسكنه مولانا في منزل صبغة [الله](٦) الذي كان أنزل ولد حبيب (٧) المذكور فيه.

ثم باشر الخطابة مولانا الشيخ عبد القادر المشار إليه (٨) ، وأنشأ لذلك خطبة بليغة وأحسن في أدائها. وكان له موكب عظيم ، لم يتفق فيما أعلم لغيره ، وكاد (٩) أن يكون مشهدا. وألبس ـ وهو على المنبر ـ

__________________

إلى حين وفاته سنة ١١٣٨ ه‍ (ما عدا سنتي ١١١٨ ـ ١١٢٠ ه‍ حيث تقلدها الشيخ تاج الدين القلعي). محمد الطبري ـ اتحاف فضلاء الزمن ٢ / ٥٥ ، ٣ / ١٧٥ ، عبد الستار الدهلوي ـ تحفة الأحباب في بيان اتصال الأنساب ورقة ١٦٩ ، عبد الله مرداد ـ نشر النور والزهر ٢٦٤ ـ ٢٦٧.

(١) في (ج) «العام والخاص». تقديم وتأخير.

(٢) ١١٠٦ ه‍.

(٣) سقطت من (ج).

(٤) ما بين حاصرتين من (ج).

(٥) في (ج) «ما بقى له من اسمه».

(٦) ما بين حاصرتين من (ج).

(٧) المقصود به حسين بن حبيب الهندي.

(٨) هو عبد القادر بن أبي بكر الصديقي.

(٩) في (أ) «وكان». والاثبات من (ج).

٢٠٨

خلعة فاخرة ملوكية ، وهو حري بذلك ـ أدام الله تعالى توفيقه عليه (١) ـ.

ولما أن كان يوم الاثنين الثامن عشر من رمضان المكرم : جاءت قصّاد من جدة لمولانا الشريف ، تخبره بورود أغا المويلح جدة.

ودخل الأغا المذكور بعد صلاة العصر مكة ، فنزل بيت نائب الحرم ، وطلع به نائب الحرم إلى مولانا الشريف ، وأخبر بوصول القفاطين (٢) للشريف سعد إلى مصر ، وأنها متوجهة إلى مكة من حضرة [مولانا](٣) السلطان مصطفى بن محمد بن ابراهيم [خان](٤) ، وأن السلطان أحمد توفي إلى رحمة الله تعالى. وسألت مولانا الشريف عن تاريخ وفاته ، فأخبرني أنه يوم الجمعة سادس عشر جمادى الثاني. فنودي له بالزينة ، ودعي للسلطان مصطفى تاسع عشر رمضان في المقامات ، وحصل للناس غاية السرور.

وأنشدني صاحبنا الأجلّ ، الشيخ محمد سعيد المنوفي ، قوله مؤرخا ولاية السلطان مصطفى خان :

كوكب النصر سما (٥) أفق العلا

عليك عدله للجور أحمد

__________________

(١) سقطت من (ج).

(٢) في (ج) «قفاطين».

(٣) ما بين حاصرتين من (ج).

(٤) ما بين حاصرتين من (ج). والسلطان مصطفى خان الثاني ، ولد سنة ١٠٧٤ ه‍ / ١٦٦٤ م. وكان متصفا بالشجاعة ورباطة الجأش ، تولى الحكم سنة ١١٠٦ ه‍ واستمر إلى سنة ١١١٥ ه‍ حيث قام بخلع نفسه. وتوفي في نفس سنة خلعه. يوسف آصاف ـ تاريخ سلاطين آل عثمان ١٢٠ ـ ١٢٢ ، محمد فريد ـ الدولة العلية ٣٠٨ ـ ٣١١ ، ابراهيم حليم ـ التحفة الحلمية ١٤٧ ـ ١٥١.

(٥) في (ج) «سمى».

٢٠٩

حاز تخت الملك عن أسلافه

وحديث (٦) المكرمات الغر أسند

آل عثمان غياث الخلق من

شيدوا للدين مبنا قد تهدم (٧)

خلد الله تعالى ملكهم

ولهم بالعز والتأييد أيد

سيما الليث الهمام المصطفى

من بنصر الله سهم الدين سدد

ردّ مذ ولي أراضي صاقن

وبحسن الرأي حصن الشرك هدد

وحمى الدين بعليا بأسته

ولما قلت لسان الحال يشهد

شكر الله مساعي فضله (٨)

وحباه كل مأمول ومقصد

فهو أمسى ملك طالعه

لقران السعد سعد الملك أسعد

عام بشرانا (٩) به تاريخه

«مصطفى خان ولينا بعد أحمد» (١٠)

ولما كان يوم الأحد الخامس عشر من شوال : ورد مكة مصطفى القندلجي ، وصل من جدة بحرا ، ومعه آغاة القفطان السلطاني.

وكان قد جاء الخبر لمولانا الشريف في الرابع عشر من شوال بوصولهم جدة ، فأخلع (١١) مولانا الشريف على القندلجي ، ودخل عقبه صاحب القفطان يوم الثلاثاء سابع عشر شوال ، ودخل في آلاي العسكر المصري في الحجون.

__________________

(٦) في (ج) «وحيث».

(٧) هكذا وردت. والأصح «مبنى قد تهدّد».

(٨) في (ج) «عزمه».

(٩) في (ج) «بشراتي».

(١٠) ما بين مزدوجتين هو التاريخ بحساب الجمل.

(١١) في (ج) «فاطلع».

٢١٠

ونزل مولانا الشريف إلى الحطيم ، وحضر مولانا قاضي [مكة](١) وفقهاؤها وفاتح (٢) البيت (٣).

فلما أن لبس مولانا الشريف القفطان ، قرأ مرسومه الشريف صاحبنا الشيخ سعيد بن محمد المنوفي بالعربي ، ثم قرأ مصطفى أفندي صهر نائب الحرم المرسوم التركي ومرسوم الباشا ، والكلّ بمضمون واحد ، وهو :

أنه بلغ أبوابنا العلية (٤) ، خطاب صاحب السعادة ، علي باشا وزير مصر ، بتعرفنا لاستحقاقكم لهذا المقام ، وقد أنعمنا على الشريف سعد بذلك. إلى غير ذلك من الألفاظ المعلومة.

ودعا الشيخ عبد الواحد الشيي لمولانا السلطان (٥) ولمولانا الشريف ، وطلع مولانا الشريف إلى [دار](٦) السعادة ، وجلس للتهنئة ـ أدام الله دولته وأيد صولته ـ.

وفي يوم الخميس العشرين من شوال : دعا مولانا الشريف بقاقبتلي ، ولد حسين القبرصلي السابق ذكره ، وكان ولاه الحسبة ، وبذل (٧) / له فيها مالا ، إلا أنه كان رذلا سفيها جعل ينتقل في المظالم ، فبذل مالا

__________________

(١) ما بين حاصرتين من (ج).

(٢) في (أ) «فتح». والاثبات من (ج).

(٣) سقطت من (ج).

(٤) في (ج) «العالية».

(٥) المقصود السلطان مصطفى.

(٦) ما بين حاصرتين من (ج).

(٧) في (أ) تكررت «وبذل له».

٢١١

أولا في ترجمة (القاضي ، ثم في نظر أوقاف السلطان) (١) قايتباي ، ثم في (٢) الحسبة.

وبلغ الشريف أنه في واقعة سبع من ذي الحجة ، لما نهب بيت الشريف (٣) ، كان أمير الحج ابراهيم بيك اشترى بعض الأمتعة من النهبة ، وردها على فقيه مولانا ليحفظها لأهلها ، وكان من جملة الأمتعة كرسي كبير ، حضر شراؤه له هذا المغرور ، فقال له هذا (٤) الأمير :

«احمله إلى بيتك ، وأسلمه للفقيه محمد سعيد ، فقيه مولانا الشريف».

فأخذه وأعطاه للقاضي لما طلب الترجمة ، فجعل مولانا الشريف هذا القدر وساطة في تأديبه ، وأمر بضربه ، وضرب نحوا من ثلاثمائة مقرعة ، ولم يقدر أحد أن يشفع [له](٥) ، وحمل إلى منزله مضروبا ، وأتوا بالكرسي (٦) إلى مولانا الشريف ، فرده القاضي هبة منه. وفرح الناس بإصابة هذا المغرور ، فإنه آذى العالم ، فانتقم الله منه لهم.

ولما كان ليلة الثلاثاء الرابع والعشرين من (٧) شوال : ورد السيد هيازع (٨)

__________________

(١) ما بين قوسين غير مقروء في (أ). والاثبات من (ج).

(٢) سقطت من (ج).

(٣) الحادثة التي وقع فيها النهب والتي سبق ذكرها في هذا الكتاب.

(٤) في (ج) «فقال له الأمير».

(٥) ما بين حاصرتين من (ج).

(٦) جعل من حادثة الكرسي وسيلة للتأديب.

(٧) في (أ) «رابع عشر». والاثبات من (ج) للسياق.

(٨) في (أ) «هيزع». وقد استدركه في الهامش رقم ٣.

٢١٢

ابن هيزع (١) ، من ينبع (٢) ، مبشرا بورود صاحب القفطان (٣) السلطاني (٤) ، وأنه ركب البحر من ينبع ، وقد أعد له ابن (٥) هيزع ركابا في رابغ [يخرج منه إلى مكة.

فبعث إليه مولانا الشريف بعض العسكر يتلقونه من رابغ](٦) ، فنقلوه ودخلوا به مكة ـ وكان سلخور السلطان ـ فأنزلوه (٧) بالزاهر (٨) ، إلى أن كان يوم الجمعة السابع والعشرين من (٩) شوال المكرم. فدخل مكة في آلاي الإنقشارية ، والعرب ، وبقية البلكات.

ونزل مولانا الشريف إلى الحطيم ، وحضر الفقهاء والقاضي والأشراف ، ولبس الخلعة الواردة ، وقرأ الأمر (١٠) السلطاني صاحبنا الشيخ سعيد بن [الشيخ](١١) محمد المنوفي. ومقتضاه : الإنعام على مولانا الشريف بالشرافة.

__________________

(١) في (ج) «هيزع بن هيازع».

(٢) سقطت من (ج).

(٣) في (ج) «القفاطين».

(٤) في (ج) «السلطانية».

(٥) في النسختين «بن». والتصحيح من المحققة.

(٦) ما بين حاصرتين من (ج).

(٧) في ج فأنزلوا ـ سلخور ـ سلخدر ـ سلخدار ـ سلخودا بمعنى قائد كتيبة.

(٨) في (ج) «به إلى الزاهر».

(٩) في (أ) «سابع عشر».

(١٠) في (ج) «المرسوم».

(١١) ما بين حاصرتين من (ج).

٢١٣

وامتدحه مهنئا بتصدير وتعجيز لقصيدة ابن النبيه (١) التي مطلعها :

باكر صبوحك أهنى العيش باكره

ولما كان يوم السادس من ذي القعدة : نزل مولانا الشريف ، وفتحت له (٢) الكعبة ، وأشرف على جدار بها يحتاج إلى الترميم ، وتبديل خشبة في الكعبة. فأمر بذلك. ورممت الخشبة يوم السابع من ذي القعدة في هذه السنة.

واستمر مولانا الشريف إلى أن دخل شهر الحج ، فخرج للقاء الأمراء (٣) على [جري](٤) العادة ، ولبس الخلع الواردة إليه ، وحج

__________________

(١) ابن النبيه : هو كمال الدين أبو الحسن علي بن محمد بن يوسف بن النبيه المصري ، ولد في مصر في نحو ٥٦٠ ه‍ / ١١٦٥ م.

شاعر رقيق مرح متين السبك جميل الديباجة ، حسن التحكم في الوزن والقافية لملاءمة المعنى الذي يريد التعبير عنه.

من أشهر فنون الشعر الذي تناوله شعر المدح والرثاء. وله ديوان شعر قسم على ثلاثة أقسام :

الخلفيات : وهي في مدح الخليفة الناصر العباسي.

العادليات : وهي في مدح الملك العادل محمد بن أيوب.

الأشرفيات : وهي في مدح موسى الأشرف بن الملك العادل محمد.

والبيت الذي استشهد به الشيخ محمد سعيد المنوفي هو من قصيدة ابن النبيه في وصف الخمر حيث يقول:

باكر صبوحك أهنا العيش باكره

فقد ترنم فوق الغصن طائره

إلى آخر الأبيات. عمر فروخ ـ تاريخ الأدب العربي ، الطبعة الرابعة ١٩٨٤ م ، دار العلم للملايين بيروت ، لبنان ، ٣ / ٤٧٣ ـ ٤٧٥.

(٢) في (ج) «وفتحت الكعبة له».

(٣) في (ج) «الأمير».

(٤) ما بين حاصرتين من (ج).

٢١٤

بالناس في أرغد عيش ، وأنعم بال ، وكان حج (ويوم عرفة) الجمعة.

وما كان من أمر محمد باشا : فجاءه (١) التأييد السلطاني ، ونزل جدة بعد الحج.

__________________

(١) في (ج) «جاءه».

٢١٥
٢١٦

ودخلت سنة ١١٠٧ ه‍ [سبع ومائة وألف](١) :

وفيها أرسل مولانا الشريف ابن أخيه الشريف محسن بن حسين بن زيد (٢) متوليا على المدينة ، ولم تكن أهل المدينة دعت (٣) له على المنبر إلا بعد ورود القفطان السلطاني ، فذهب إليهم الشريف محسن ، واستمر هناك إلى أن توفي بالمدينة يوم الجمعة بعد الخطبة والصلاة ـ رحمه‌الله تعالى ـ.

وفي أوائل ربيع الأول : عزل الباشا محمد أفندي نائب الحرم (٤) عن نيابته في مشيخة الحرم ، وخرج منه ببروري (٥) إلى الأفندي عبد الله عتاقي مفتي السلطنة ، بأن يكون قائما مقامه ، وكان بالطائف. فنزل مكة ، وما أمكنه أن يتخلف ، وجلس للمباركة.

ولما جاء عيد المولد (٦) احتفل للناس احتفالا كليا ، وجعل سماطا مده في مدرسة قايتباي يناهز الألف صحن ، وذبح نحو مائة (٧) خروف من الضأن ، وفرقت رباعا قرئت تحت المدرسة ، إلى أن هييء السماط بعد

__________________

(١) ما بين حاصرتين من (ج).

(٢) سقطت من (ج).

(٣) في (ج) «تدعو». ثم استدركه الناسخ في الحاشية اليمنى.

(٤) أشار الناسخ إلى نائب الحرم حيث قال في الهامش قف عزل محمد أفندي نائب الحرم وهو جد نواب الحرم الآن. أي زمن المؤلف.

(٥) أي بأمر.

(٦) يعتبر الاحتفال بالمولد من البدع المحدثة في الإسلام ، والتي لم يفعلها الصحابة رضي‌الله‌عنهم ، وهم أكثر حبا وتقديرا للرسول صلى‌الله‌عليه‌وسلم.

(٧) مطموسة في (أ). والاثبات من (ج).

٢١٧

صلاة الظهر. وقسم من الحلوى شيئا كثيرا.

إلا أنه طلب شطاطا (١) وأحاله على صاحب المنصب الأصيل ، وطلب أن يمشي (٢) الفراشون جميعهم معه من عزيز وذليل ، وشدد في ذلك ، وأبرق وأرعد.

فمن الناس من سمحت نفسه بالإتباع ، ومنهم من انتظر الفرج ورجا الاسماع ، إلى أن فرج الله بكرمه ، وأبى أن يذل سكان حرمه.

وفي يوم الجمعة تاسع عشر ربيع الأول : ألبس مولانا الشريف إمامه الشيخ إبراهيم الكاملي الشامي (٣) ، وجعله ناظر الصّرّ ، وجلس للمباركة في المجمع الذي في (٤) قايتباي ، وقد (٥) قرره فيه محمد باشا. وبقي في ذلك عشرين [يوما](٦) أو نحوها ، ثم عزل ، وأقيم مقامه (٧) فيها مولانا أبو بكر (٨) أفندي بن عبد القادر الصديقي.

ولما كانت ليلة السبت العشرين [من شهر ربيع الأول](٩) : ورد مكة نجاب من مصر بخبر (١٠) عزل الباشا (١١) وطلبه ، وانحلال سلك

__________________

(١) مطموسة في (أ). والاثبات من (ج). والضمير هنا يعود إلى محمد باشا.

(٢) في (ج) «أن يمشوا».

(٣) سقطت من (ج).

(٤) في (ج) «الذي لقايتباي».

(٥) في (ج) «كان».

(٦) ما بين حاصرتين من (ج).

(٧) في (ج) «وأقيم فيها».

(٨) في (أ) تكررت «أبو بكر» مرتين.

(٩) ما بين حاصرتين من (ج).

(١٠) في (ج) «يخبر».

(١١) الباشا محمد.

٢١٨

جبروته وغلبه ـ وله المنة (١) ـ.

وفي يوم الأحد : ورد مستلم البندر عن (٢) المتولي إلى مكة ، ونزل بدار نائب الحرم السيد محمد ، وسجل عزل الباشا المذكور (٣) ، ونزل إلى جدة ، واستمر إلى أواسط ربيع الثاني.

فورد (٤) إلى مكة على مولانا الشريف نجاب من ينبع ، بخبر ورود آغا من مصر.

فلما كان يوم الأحد (٥) الثاني والعشرين من ربيع الثاني : ورد مكة المستلم من جدة وكتبة (٦) جدة. بأمر مولانا الشريف ، فادعى على المستلم صاحب مكة ، بأن له على أستاذه أحمد باشا المتولي أحد عشر كيسا ، وأثبت ذلك عند الحاكم الشرعي ، وطالبه بها من المتحصل في مدة أحمد باشا في البندر. فأمر باعتقاله عند تلك العرب ، فاعتقلوه إلى أن وافق على أن يدفع لهم (٧) ما أراده. فأطلقوه. فنزل (٨) إلى جدة وأسلمهم ذلك [ثمة](٩).

__________________

(١) أي لله سبحانه وتعالى. وهذا يشير إلى تشفي السنجاري بعزله.

(٢) في (ج) «من».

(٣) المذكور : محمد باشا.

(٤) في (ج) «فورد مكة».

(٥) سقطت من (ج).

(٦) في (ج) «كتبت».

(٧) في (ج) «أن يدفع ما أراده».

(٨) في (ج) «ونزل ذلك ، وأسلمهم ذلك».

(٩) ما بين حاصرتين من (ج).

٢١٩

ثم ورد الخبر : أن الآغا الوارد لما وصل عسفان ، نزل من هناك إلى جدة للباشا ، وطلعت أوراق (١) أهل البلكات من مصر لهم ، وذلك يوم الجمعة رابع عشرين الشهر المذكور (٢).

وكان قبل ذلك بأيام : بعث محمد باشا إلى قاضي الشرع ، بأن يكتب له على حجة ، كتبها له قاضي جدة ، كأنها باستيفاء الفقهاء علوفاتهم ، فامتنع القاضي ، وقطع الحجة ، وعزل قاضي جدة ، وبعث إلى الباشا ينهاه عن عدم الوفاء ، ويأمره بإعطاء المستحقين ، فإن لهم عنده سنة وثلاثة أشهر (٣) لم يعطهم شيئا.

فبعث له بما يخصه ، فرده ، ولم يكترث (٤) به ، ولم يقبله. ـ جزاه الله خيرا ـ.

وإن مثل هذه العزة أولى في مثل هذا الوقت ، وقال له في جوابه :

«أنا أحد المسلمين ، إن أعطيت الناس أخذت معهم».

فلم يكترث بذلك ـ والله الفعال لما يريد ـ.

ثم إن القاضي تعطف لما أعطاه من المعلوم ، وخلى (٥) بينه وبين الخصوم ، ورجع إلى طريقة أمثاله ، وخالف بين أقواله وأفعاله (٦).

__________________

(١) في (أ) «وطلعت بأوراق». والاثبات من (ج).

(٢) شهر ربيع الثاني.

(٣) استدركه في (أ) على الحاشية اليسرى. وهي مطموسة. والاثبات من (ج).

(٤) سقطت من (ج).

(٥) في (ج) «ترك بينه».

(٦) في (ج) «أفعاله وأقواله».

٢٢٠