منائح الكرم في أخبار مكة والبيت وولاة الحرم - ج ٥

علي بن تاج الدين بن تقي الدين السنجاري

منائح الكرم في أخبار مكة والبيت وولاة الحرم - ج ٥

المؤلف:

علي بن تاج الدين بن تقي الدين السنجاري


المحقق: الدكتورة ملك محمد خياط
الموضوع : التاريخ والجغرافيا
الناشر: جامعة أم القرى
الطبعة: ١
ISBN الدورة:
9960-03-366-X

الصفحات: ٥٨١

وكان معه فئة من الأشراف ـ فانهزموا راجعين. وثبت مولانا الشريف ، وتواقع أطراف العسكر مع عسكر مولانا الشريف.

فلما شعر إسماعيل باشا بهذا الأمر ، بعث بالقفطان فلبسه مولانا الشريف. ورجع.

ووقعت بمكة بعد رجوع الأشراف السابق ذكرهم تشوش في (١) البلد ، وعزل السوق.

فلما رجع مولانا الشريف نادى حاكمه بالأمان في السوق. ثم ان مولانا الشريف نزل داره ، ودخل إسماعيل [باشا](٢) بالمحمل ، ومعه محمد باشا من الحجون ومن معهم من العسكر [إلى بستان الوزير عثمان حميدان ومعهم](٣) المحمل الشامي. فبعث إليهم مولانا الشريف إبراهيم بيك (٤) أمير الحج المصري ، ومعه مولانا السيد مساعد بن سعد بما محصله (٥) :

«إن يكن معكم أمر بعزلي فأنا طائع للسلطان ، فانزلوا وأقرؤه بالحرم الشريف ، وتسلموا البلد ، وإن لم يكن الأمر كذلك ، فأخبروني عن سبب هذه العساكر ، وابعثوا لي (٦) بالأمر السلطاني الذي يقرأ يوم

__________________

(١) في (ج) وردت «لأهل».

(٢) ما بين حاصرتين من (ج).

(٣) مطموسة في (أ). والاثبات من (ج).

(٤) سقطت من (ج).

(٥) محصله : أي خلاصة الأمر. ابن منظور ـ لسان العرب ١ / ٦٥٤.

(٦) في (ج) «الى».

١٨١

النحر ، لأنظر فيه».

فلم يعيدوا له جوابا شافيا. فبات ليلة سبع (١).

ولما [كان](٢) ليلة (٣) السبت سابع ذي الحجة : طلع أمير الحج ، ويوسف آغا الكزلار شيخ حرم المدينة ، وسرادير (٤) العسكر ، وقاضي الشرع (٥) والمفتي. فلما أن وصلوا إلى حضرة محمد باشا ، وإسماعيل باشا ببستان الوزير عثمان حميدان ، بعثوا إلى مولانا السيد عبد الله بن هاشم بن محمد بن عبد المطلب بن حسن ، وأظهر (٦) محمد باشا الأمر السلطاني بختمه (٧) ، وفضّه بحضرة الجماعة ، ففتحوه وقبلوه. وفيه :

عزل مولانا الشريف سعد ، وتولية الشريف (٨) عبد الله بن هاشم شرافة مكة.

فألبس إسماعيل باشا قفطان الولاية في المجلس ، وأمره بالنزول إلى البلد ، فركب مقفطنا (٩) ، وخرج نازلا إلى مكة ، ومحمد باشا والأمر السلطاني بين أيديهم ، فلم يزالوا إلى أن وصلوا إلى المسعى ، والمنادي

__________________

(١) يقصد سبع ذي الحجة.

(٢) ما بين حاصرتين من (ج).

(٣) في (ج) «يوم».

(٤) في (أ) «سراديل». والاثبات من (ج).

(٥) في (ج) «قاضي العسكر».

(٦) في (ج) «وأحضر».

(٧) في (ج) «بمخيمنته».

(٨) في (ج) «السيد».

(٩) في (ج) «منفطنا». وهو خطأ من الناسخ. والمعنى أنه ركب وهو يلبس القفطان.

١٨٢

ينادي بالبلد للشريف عبد الله بن هاشم.

فلما أن وصلوا المحناطة ، جاءهم الخبر ، أن بعض جماعة مولانا (١) الشريف ، سطا في المنادي ، وحصل عليهم الرمي ، وتحصّن مولانا الشريف في داره ، وحصره ـ هذا ـ الرمى عن (٢) الوصول ، واستمروا إلى صلاة الظهر. ونزل مولانا الشريف عبد الله بن هاشم بدار الشفاء في المحناطة ، وبقيت العساكر ، وانضمت إليهم العرب والإنقشارية.

ووقعت العسكر إلى قايتباي (٣) ، وملكت جماعة مولانا الشريف جبل أبي قبيس ، فانحازوا (٤) إلى المسعى. ونهبت بعض (٥) جماعة الشريف سعد بعض دور الأتراك. وقتل جماعة في المسعى ، ونهب (٦) رباط الهندية بسوق الليل ، وبعض من (٧) دور أهل مكة.

ولما طال الأمر على محمد باشا ، نزل بنفسه وأخذ (٨) مدفعا ، وجاء به إلى باب السدرة المسمى بباب ابن عتيق (٩) ، وأراد رميه على بيت

__________________

(١) سقطت من (ج).

(٢) «هذا» وهو الصواب.

(٣) قايتباي : يقصد به باب قايتباي ، والذي كان في الجانب الشرقي بين باب السلام ، وباب النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم. وهو ذو منفذ واحد يفضي إلى المسعى. عبد الكريم القطبي ـ أعلام العلماء ١٣٧.

(٤) في (ج) «وانحازوا».

(٥) سقطت من (ج).

(٦) في (أ) «نهبت». والاثبات من (ج).

(٧) سقطت من (ج).

(٨) في (ج) «واحد».

(٩) نسبة إلى عبد الرحمن بن عبد الله بن عتيق الحضرمي ، وزير الشريف حسن بن

١٨٣

الشريف ، فأصيب طبجيه (١) قبل إطلاقه ، برصاصة مات (٢) بها ، فنقله عن ذلك المحل ، ورجع به إلى المسعى ، وقتل من جماعته شيئا كثيرا بالمسعى ، واستمرّ الأمر إلى الليل.

فلما رأى مولانا الشريف [أن](٣) الأمر يطول ، رحل بالليل (٤) ، هو وابنه ، إلى جهة الحسينية ، وأصبحت الناس وقد رحل.

فجمع محمد باشا القاضي المتولي والمعزول ، والمفتي ، وبعض الفقهاء بالحطيم ، وأظهر الأمر السلطاني ، ملخصه :

«أن مولانا السلطان عزل الشريف سعدا ، عن شرافة مكة ، لأمور بلغته (٥). وأنه أنعم بها على مولانا الشريف عبد الله بن هاشم بن محمد بن عبد المطلب بن حسن».

__________________

أبي نمي (١٠٠٣ ـ ١٠١٠ ه‍). وكان يسكن بجوار باب العتيق ، وكان يسمى باب ابن العتيق نسبة له ، ثم حرفه العامة إلى باب العتيق. عن حياته وأعماله ، انظر :

السنجاري ـ منائح الكرم ، حوادث ١٠١٠ ه‍ ، الأزرقي ـ تاريخ مكة ٢ / ٩٣ ، عبد الكريم القطبي ـ أعلام العلماء ١٣٩ ، أحمد السباعي ـ تاريخ مكة ٣ / ٣٥٥ ـ ٣٥٦ ، عبد الله باسلامه ـ عمارة المسجد الحرام ١٢٩ ـ ١٣٠.

(١) الطبجي : المدفعي الذي يقوم بإطلاق قذائف المدفع. محمود شوكت ـ التشكيلات والأزياء العسكرية العثمانية ٤٣ ـ ٤٥.

(٢) في (ج) «فمات بها».

(٣) ما بين حاصرتين من (ج).

(٤) في (ج) «رحل ليلا».

(٥) سيذكر السنجاري لشريف سعد بعض الأمور التي بلغت الدولة العثمانية عنه. كما يذكر أحمد السباعي ـ تاريخ مكة ٢ / ٣٩٦ الأسباب التي أدت بالدولة العثمانية إلى عزل الشريف سعد ، حيث يقول : «أن الشريف سعد كان شديد الكراهية لموظفي الدولة من الأتراك. وكذا خلافه مع محمد باشا صنجق جدة».

١٨٤

وألبسه القفطان ، وركب من باب السلام ، ودار شوارع مكة ، والمنادي ينادي له (١) [ولاية الشريف عبد الله بن هاشم](٢) بالبلد.

ونهبت العسكر منزل (٣) / الشريف سعد ، ونحو عشرة بيوت من بيوت ذوي زيد (٤).

ثم ان مولانا الشريف عبد الله لما بلغه ذلك ـ ركب بنفسه ـ وكان نزل دار الوزير عثمان حميدان بسويقة ، فركب ، وجاء إلى بيت الشريف ، وقال لمحمد باشا :

«إن هذا النهب لا نرضاه».

فاستردّ بعض أشياء لا تذكر مما أخذ ، وجمع (٥) بدفتر وسلم لبعض خدم مولانا الشريف ، وهو الفقيه محمد سعيد.

ورجع مولانا الشريف إلى منزله المذكور (٦) ، واستمر به. وعد من قتل بذلك اليوم ، فكانوا زهاء (٧) عن مائة رجل (٨).

ثم ان الباشا ظفر برجل من عسكر الشريف ، شهد عليه جماعة بأنه

__________________

(١) سقطت من (ج).

(٢) من الحاشية اليسرى من (أ) ، وسقطت من (ج).

(٣) في (أ) وردت «منزل درار». والاثبات من (ج).

(٤) ذوي زيد : أهل وأقرباء الشريف سعد بن زيد.

(٥) في (ج) «فجمع».

(٦) منزله المذكور : المقصود به منزل الوزير عثمان حميدان بسويقة ، والذي كان ينزل به الشريف عبد الله بن هاشم.

(٧) في النسختين «زهى».

(٨) في (ج) «وعد من قتل ذلك اليوم فكان زهى مائة رجل».

١٨٥

قتل بعض الرعايا ، [فأمر بشنقه](١) ، وشنق (٢) بالجميزة ، في باب المعلاة ، تحت سبيل السلطان (٣).

وطلع الأمير بالمحمل يوم ثمان (٤) بعد الظهر.

وطلع إسماعيل باشا (٥) بالمحمل الشامي يوم تسع (٦).

ولم يحج أحد من أهل مكة إلا من كتب له الحج (٧) ـ مما قل ـ وأخذ بعض الحجاج في طريق منى ، ونهبت عرب عتيبة بعرفة من الحاج قبل وصول الأمراء ، بحيث أنهم لما وصلوا لم يجدوا شيئا من الميرة ، وقتلوا بعرفة نحو أربعة من أهل اليمن الواردين على طريق الحج ، وفروا من هناك.

__________________

(١) ما بين حاصرتين من (ج).

(٢) في (ج) «فشنق».

(٣) سبيل السلطان مراد.

(٤) المقصود به ثمان ذي الحجة.

(٥) في (ج) «الباشا إسماعيل». تقديم وتأخير.

(٦) في (ج) «التاسع». والمقصود به تسع ذي الحجة.

(٧) يقصد به أنه حج عدد قليل من أهل مكة نظرا لهذه الأحداث التي مرت فيما سبق.

١٨٦

ودخلت سنة ١١٠٦ ه‍ (١) :

ثم إن مولانا الشريف عبد الله ، انتقل من (٢) منزل الوزير عثمان حميدان ، إلى دار السيد ثقبة بن عبد الله ، الكائنة في العقد أول جياد ، وانتقل محمد باشا إلى دار الوزير عثمان حميدان (٣) بسويقة ، واستمرّ به.

وخرجت جماعة إلى جدة فأخذوا. واحتاج الأمر إلى [أن](٤) تجمع أهل جدة ، وينزلوا (٥) جملة ، فاجتمعوا ، واجتمع إليهم من يريد جدة ، فنزلوا (٦).

ثم تلتهم جماعة أخرى ، فحأس بعضهم بشرّ. فرجع إلى مكة من الطريق ، واضطربت الناس ، ولم يحصل شيء.

ولم يرد في هذا العام شيء من الحبّ للفقراء إلا ألف أردب في بعض المراكب ، أخذ منه أمير الحاج الربع عن ما أخذه له الشريف سعد في ينبع ، وقسم الباقي على [أصحابها](٧) على ـ صاحب الأردب [الواحد](٨) قيراط [واحد](٩) ـ ولم يحصل ١٠ ولم يزل الأمر ينحل

__________________

(١) في (أ) «١١٠٧». وهو خطأ لسياق السنوات. والاثبات من (ج).

(٢) في (أ) وردت «إلى من». والاثبات من (ج).

(٣) سقطت من (ج).

(٤) ما بين حاصرتين من (ج).

(٥) في (ج) «وينزلون».

(٦) في (ج) «ونزلوا».

(٧) ما بين حاصرتين من (ج).

(٨) ما بين حاصرتين من (ج).

(٩) ما بين حاصرتين من (ج).

١٨٧

ويصعب. وصار الناس ينزلون إلى (١) جدة ببيرق عسكر من عسكر الباشا ، ومعهم (٢) شريف. وربما أخذ بعض أطراف القفل.

واتفق أن قافلة حب وردت ، فأخذت بعض حبوب للفقراء ، فانتدب مولانا السيد (٣) أحمد بن غالب ، وردّ البعض على أهله.

كل ذلك وهو (٤) ببلده بالركاني (٥) ، ولم يدخل مكة ، ووزع على أهل (٦) الجراية بقدر الإستحقاق.

ثم ان مولانا الشريف عبد الله ، لم يزل يلاطف مولانا السيد أحمد ابن غالب (٧) ، إلى أن وافقه على المعاملة. فلزم مولانا الشريف. فطلب الباشا أن يكتب له حجة ، بأن دخوله برضا مولانا الشريف وضمانته ، أن [لا يقع منه](٨) ما يضرّ بالرّعية.

فكتب له مولانا الشريف ذلك ، وضمن له أنه ما يقع منه [شيء ولا](٩) خلاف.

__________________

(١) سقطت «إلى» من (ج).

(٢) سقطت من (ج).

(٣) سقطت من (ج).

(٤) أي السيد أحمد بن غالب.

(٥) في (ج) «ببلده الركاني».

(٦) في (ج) «اصحاب الجرايه».

(٧) سقطت من (ج).

(٨) ما بين حاصرتين في الحاشية (أ) وكذلك (ج).

(٩) ما بين حاصرتين من (ج).

١٨٨

فدخل مولانا الشريف أحمد [بن غالب مكة](١) ، ليلة الثلاثاء سابع صفر ، بعد صلاة الصبح ، فطاف وسعى ، واجتمع بمولانا الشريف ، وركب وخرج إلى جرول.

فخرج له مولانا [الشريف](٢) ، ودخل معه ، ونزل بعد صلاة الصبح إلى المسجد ، وفتح له البيت ودخل الكعبة ، ثم خرج معه من باب السلام.

وتلاحقهم السادة الأشراف ، وطلعوا إلى البستان (٣). وقد أعد له الوزير سماطا هناك (٤) وجلس لرد السلام (٥) ، واستقرت الخواطر ـ والله الفعال لما يريد ـ. ولم يجتمع بالباشا.

ولما أن كان يوم السبت الحادي عشر من صفر : اتفق مولانا الشريف عبد الله ، والسيد أحمد بن غالب ، ونزل مولانا السيد أحمد (٦) إلى مولانا الشريف ، وجاءهم الباشا هناك ، فاجتمع بمولانا السيد أحمد ، وحصل

__________________

(١) ما بين حاصرتين من (ج).

(٢) ما بين حاصرتين من (ج).

(٣) أي بستان عثمان حميدان.

(٤) سماطا : السماط هو كل ما يعد ليوضع عليه الطعام في المآدب. أحمد عطيه ـ القاموس الإسلامي ٣ / ٤٨٧.

(٥) بالأصل الردية والمراد بها لرد السلام راجع لسان العرب ١ / ١٤٩ والمعجم الوسيط ١ / ٣٣٧ إتحاف فضلاء الزمن ٢ / ٩٨٠.

(٦) سقطت من (ج).

١٨٩

غاية السرور بذلك.

ثم رجع الباشا إلى بيته (١) بعد أن مدّ لهم مولانا الشريف صفرة (٢) طعام.

ثم أن مولانا الشريف أحمد بن غالب ، بعد يومين أو ثلاثة ، نزل إلى الشريف عبد الله بعد صلاة العصر ، واستمر عنده إلى المغرب. وركبا معا إلى الباشا ، واستمرا عنده إلى بعد صلاة العشاء ، فركب مولانا السيد أحمد إلى منزله ببستان الوزير عثمان حميدان ، وركب مولانا الشريف إلى منزله.

ثم ان الباشا حمل معه نحو عشرة جمال ، على طريق الهدية ، وبقشتين (٣) تفاريق ، ونحو عشرين خروفا. وفيما حمل إليه السمن والأرز والدقيق ، فقبله مولانا الشريف (٤) أحمد ، وألبس المرسول بها صوفا نفيسا.

وفي أواسط وأواخر (٥) ربيع الأول : شاع خبر قوة مولانا الشريف سعد في بندر القنفذة.

__________________

(١) في (ج) «لبيته».

(٢) في النسختين «صفرة» على حسب النطق الذي كان ينطق به في تلك الفترة.

(٣) من بقجة. وبقجة تركية جمعها بقج. وبقش قطعة مربعة من قماش مبطن تختلف ألوانه ، تلفف بها الملابس لحفظها. رينهارت دوزي ـ تكملة المعاجم العربية ١ / ٣٩٠. والأقجة نوع من النقود التركية أيضا. لمزيد من المعلومات انظر : الأب انستاس الكرملي ـ النقود العربية والإسلامية ٢٠٦ ـ ٢٨٠ ، ٢١٣.

(٤) في (ج) «السيد».

(٥) سقطت من (ج).

١٩٠

ومرت نحو [من](١) إحدى عشرة جلبة من اليمن ، فأخذ عشورها كملا. ووردت جدة ، وأخبرت بذلك فلم يؤخذ منها شيء.

وحصل اجتماع عند مولانا الشريف عبد الله ، حضره الباشا والقاضي والمفتي ، وانتج هذا الإجتماع :

بعث نحوا من مائة عسكري في قارب إلى القنفذة ، وطلب دراهم من التجار والهنود والعسكر. فامتنعت التجار من الإنقشارية بحماية السردار ، وأخذ من البعض وكتبت حجة لهم. فامتنعوا ، وفزعوا إلى تربة المرحوم الشريف أبي طالب بن حسن (٢) ، وحبس بعضهم وطال الأمر ، ثم أطلقوا ، وأخذ من بعضهم شيء.

ولما كان يوم السابع عشر من الشهر المذكور (٣) : وردت كتب من الشريف سعد لمولانا الشريف عبد الله ، والسيد أحمد بن غالب ، والباشا ، ومضمون كتابه :

«ان ما وقع من السلطنة ، إنما كان لما وصلهم من الأعداء ، إني قتلت شيخ حرم المدينة ، وبعض الأروام بمكة ، ونهبت الحجرة (٤) ، وكل

__________________

(١) ما بين حاصرتين من (ج).

(٢) سبق ذكر هذه التربة. وكما ذكرنا مرارا أن هذه الأمور (الفزع إلى صاحب القبر والتربة) كانت من البدع الشائعة في تلك الفترة والتي نهى الإسلام عنها لأنها تؤدي بصاحبها إلى الشرك بالله.

(٣) أي شهر ربيع الأول.

(٤) هي الحجرة التي دفن بها النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم في بيت السيدة عائشة رضي‌الله‌عنها ، وتقع في الجهة الجنوبية الشرقية للمسجد النبوي ، وقد أولى الخلفاء والسلاطين المسلمون الحجرة الشريفة عناية كبرى في البناء والتعمير. عن هذه الأعمال أنظر : أحمد بن عبد الحميد

١٩١

ذلك لم يكن. وأنا أدخل البلد أطلب شرع الله (١). وأريد حجة من القاضي ، أتوجه بها إلى الأبواب ، فإياكم والمنع ، فإني مقاتل على الدخول من قاتلني».

وفي هذا اليوم : وردت نجابة من مصر بعزل الكزلار (٢) ، عن مشيخة (٣) [حرم](٤) المدينة ، ووليها عثمان آغا. وورد مستلمه ، وفارق النجابة متوجها إلى المدينة. وألبس (٥) النجابة قفاطينهم المعتادة ، فاستدعى السيد أحمد أغوات (٦) [الحرم](٧) العسكر ، وأخبرهم أن الشريف سعد مستعد» ، وعرفوا الباشا بذلك. إلى غير ذلك.

ثم إن الباشا اقتضى رأيه أن يعرض العسكر ، ويدخل فيهم ، فأمرهم بذلك.

وطلع يوم السبت الثالث عشر الشهر إلى المعلاة بعد صلاة الصبح ،

__________________

العباسي ـ عمدة الأخبار ، تحقيق حمد الجاسر ، الطبعة الخامسة ، ص ١٢٦ ، السمهودي ـ علي بن عبد الله ـ خلاصة الوفاء ، المكتبة العلمية ، دمشق ١٣٩٢ ه‍ / ١٩٧٢ م ، ص ٢٤٣ ، ٢٧٨ ـ ٣٢٠ ، الزرندي المدني ـ نور الدين علي بن محمد ، " تحقيق محمد العيد الخطراوي ، المرور بين العلمين ، الطبعة الأولى ، دار التراث ، المدينة المنورة ، ١٤٠٧ ه‍ / ١٩٨٧ م ، ص ٩٦ حاشية ٤ ، ابراهيم رفعت ـ مرآة الحرمين ١ / ٤٧٢ ـ ٤٧٦.

(١) أي القضاء.

(٢) الكزلار : المقصود به يوسف بن أغا الكزلار.

(٣) سقطت من (ج). والاثبات من (أ). والحاشية اليمنى من (ج).

(٤) ما بين حاصرتين من (ج).

(٥) في (ج) «فألبسهم مولانا الشريف».

(٦) في (أ) «اغاوات». والاثبات من (ج).

(٧) ما بين حاصرتين من (ج).

١٩٢

وخرجت العساكر / بأجمعها ، وصوروا له عدوا ، وخرجوا [به](١) من أسفل مكة ، ودخلوا [به](٢) من الحجون ، وهو في منزل الإنقشارية بالمعلاة ، فعرضوا (٣) عليه ، إلى أن استكملهم. وأقام يومه إلى العصر هناك مع السردارية ، ثم نزل في آلاي أعظم.

فلما كان بالمسعى عرض له بعض المجاذيب ، وأوقف حصانه ، وصاح عليه : «إنزل ، شرع الله». بحيث أن الحصان جفل ، وكاد أن يوقعه ، فتداركته العسكر ، وسطوا في ذلك الرجل ، وأخذوه في أيديهم ، إلى أن وصلوا به إلى عند (٤) الباشا ، فضربوه نحو مائة عصاة ، وبيتوه (٥) عندهم إلى الصبح ، ثم أطلقوه بأمر الباشا.

وفي أواخر الشهر : كثر الشياع (٦) بوصول الشريف سعد إلى الليث ، مقبلا إلى مكة. وفزع (٧) الباشا لهذا الوارد ، وأطلع (٨) عسكره على جبال مكة ، وعمر المتاريس (٩) ، وفرق المدافع في الطرق.

وفي يوم الجمعة غرة ربيع الثاني : نادى منادي مولانا الشريف في

__________________

(١) ما بين حاصرتين من (ج).

(٢) ما بين حاصرتين من (ج).

(٣) بالأصل فأعرضوا والتصويب لا تساق المعنى.

(٤) سقطت من (ج). واستدركه الناسخ في الحاشية اليمنى.

(٥) في (أ) «وبيتواه». والاثبات من (ج).

(٦) في (ج) «الشيوع».

(٧) في (ج) «ففزع».

(٨) في (ج) «طلع».

(٩) في النسختين «المدارس». والتصويب من اللسان.

١٩٣

البلد ، ومعه نائب الحاكم ، بالنفير العام ، وخروج أهل البلد ، فاغتم الناس لذلك.

ثم إن مولانا السيد أحمد بن غالب ، ركب إلى المعلاة ، ونزل السردارية الملاصقة للمقبرة.

وفي يوم الأحد الثالث من ربيع الثاني : وصل مولانا السيد أحمد بن حازم (١) [بن عبد الله](٢) ، والسيد عنان بن جازان ، من عند الشريف سعد من السعدية.

وكانا أرسلا لينظرا خبره ، فأخبرا [عنه](٣) : «بأنه في أقوام عظيمة لا تكاد توصف من العربان». فجاؤوا ، وأخبروا مولانا الشريف عبد الله بن هاشم ، والسيد أحمد بن غالب ، بما رأوا ، وما شاهدوا ، وما عزم عليه مولانا الشريف سعد.

فأنتج هذا الأمر ، أن ركب مولانا الشريف عبد الله بن هاشم إلى الباشا ، ونزل أيضا مولانا (٤) السيد أحمد بن غالب إليهما ، فاجتمعا عند الباشا من الضّحى إلى الظهر ، واستدعوا كبار العسكر المصري من السبع بلكات ، ثم خرجا من عنده.

ثم ان الباشا كتب (٥) صورة إفتاء ، كتب عليه المفتي عبد الله عتاقي ،

__________________

(١) في (ج) «خازم». والمثبت من (أ) هو الصحيح لأن الاسم ورد هكذا في الطبري ـ اتحاف فضلاء الزمن ٢ / ١٠٣.

(٢) ما بين حاصرتين من (ج).

(٣) ما بين حاصرتين من (ج).

(٤) سقطت من (ج).

(٥) سقطت من (ج).

١٩٤

فأمر (١) الناس والفقهاء بالكتابة عليه. ومضمونه :

«جواز قتال الداخل على صاحب مكة ، وأن القائم بأمرها مخاطب بذلك ، وجميع من بها من أرباب الدولة وذوي القدرة على الدفاع». فكتب عليه الناس.

وفي ليلة الاثنين الرابع من ربيع الثاني : تفرقت عساكر مصر ، عند كل رئيس منهم جماعة ، وباتوا إلى الصبح ، وهم ساهرين مخافة أن يدهموا ليلا.

ولم يزالوا ، إلى أن كان صبح (٢) يوم (٣) الخميس ، جاء الخبر بوصول مولانا الشريف من أعلى مكة ، فكان أول من قام في هذا الأمر والقتال ، السيد أحمد بن غالب. فركب في خيله وسلاحه وجماعته ومن يلوذ به ، وأظهر الهمة ومن معه من الأشراف إلى مولانا الشريف ، وطلع بهم المعلاة (٤) ، فحارب هو والشريف عبد الله من هناك.

ثم ان مولانا الشريف سعد بن زيد ، قد وصل إلى بستان الوزير عثمان حميدان بالمعابدة ، فانحاز الشريف ومن معه إلى البلد ، وانطلق (٥) العربان على جبال مكة والمتارس ، فذبحوا من بها ، وفر من فر ، واستولوا على المعلاة (٦).

__________________

(١) في (ج) «وأمر».

(٢) في (ج) «الصبح».

(٣) في (ج) «يعني يوم الخميس».

(٤) في (ج) «وطلع بهم إلى المعلاة». والاثبات من (ج).

(٥) في (ج) «انطلقت».

(٦) في (أ) «المعلا». والاثبات من (ج).

١٩٥

ثم انطلقوا إلى ما حول البلد من المتارس ، وشرع القتل بالمعلاة في جماعة الشريف أحمد بن غالب ، وجماعة (١) الشريف عبد الله بن هاشم ، إلى أن قتل غالبهم ، وأسعف الله بمطر أبرد ما كان هناك في المتارس من النار ، وفرق بين كل من الفريقين.

ثم إن مولانا الشريف عبد الله بن هاشم ، والسيد أحمد بن غالب ، ومن معهم من الأشراف (٢) ، نزلوا من المدّعى إلى باب السلام (٣) ، ولم يزالوا كذلك ، إلى أن دخل الليل ، وأصبحوا يوم الجمعة ، فرجعوا إلى ما هم عليه من الحرب والقتل ، والسيف يعمل والعسكر تقتل.

فما جاء وقت صلاة الجمعة (٤) ، إلا وقد ملكت العرب جبل أبي قبيس ، وجماعة عطفت على أجياد.

فلما ظهر للسادة الأشراف ما ظهر من تلك الأمور والأهوال العظيمة ، خرج مولانا الشريف (٥) عبد الله بن هاشم ، وأخوه (٦) ، ومولانا الشريف أحمد بن غالب ، وأخوه (٧) ، ومن معهم من الأشراف ، متوجهين من أسفل مكة إلى محل يقال له : الركاني ، في صوب طريق

__________________

(١) سقطت من (ج).

(٢) في (ج) «ومن معه من السادة الأشراف».

(٣) ويعرف قديما بباب بني شيبة ، وهو باب بني عبد شمس بن عبد مناف وبهم كان يعرف في الجاهلية والاسلام عند أهل مكة. الأزرقي ـ أخبار مكة ٢ / ٨٧ ، عبد الكريم القطبي ـ أعلام العلماء ١٣٦.

(٤) في (ج) «الصلاة الا وقد».

(٥) في (ج) «السيد».

(٦) في (أ) «أخيه». والاثبات من (ج).

(٧) في (أ) «أخيه». والاثبات من (ج).

١٩٦

جدة (١) ـ بلد مولانا السيد أحمد بن غالب ـ ونزلوا به.

ثم بعد ذلك نزل أهالي جبل أبي قبيس بحريمهم إلى أسفل مكة ، فعند ذلك اجتمع ناس عند القاضي ، منهم القاضي مرشد الدين ، والشيخ سعيد المنوفي (٢) بن محمد المنوفي ، وابن عمه الشيخ عباس (٣) المنوفي وغيرهم.

ثم ان بعض السرادرة من جيراننا طلب (٤) مني الخروج إلى القاضي ، وشنع بتأخيري عن من حضر. فخرجت حينئذ إلى القاضي.

فلما دخلت عليهم ، ذكرت للقاضي بحضرتهم ما لحق بالناس من الضرر ، وهتك الأستار ، وأعانني على ذلك الشيخ عبد الله بن ربيعة الحضرمي ، والشيخ عباس المنوفي ، وأعوان البلكات.

فقال (٥) لنا سرادير العسكر : «ما القصد؟ وأنتم ترون (٦) محافظتنا».

فقلت لهم : «أما محافظتكم وقيامكم (٧) على حفظ البلد فقد شاهدناه ، ولكن قد قوي النهب ، فإن كان لهذا الباشا قدرة على دفاع هذا الرجل ، فليخرج لدفاعه. فإن جلوسه في بيته وقد استحر القتل

__________________

(١) في (ج) «الركاني بين مكة وجدة».

(٢) سقطت من (ج).

(٣) في (ج) «على المنوفي». والصحيح كما ورد في (أ) ، وكذا في مخطوط اتحاف فضلاء الزمن ٢ / ١٠٥ لمحمد علي الطبري.

(٤) في (ج) «طلبوا مني».

(٥) بالاصل فقالوا والتصويب لاتساق المعنى المبني لغويا.

(٦) في الأصل «تروا».

(٧) بالأصل ومقاومتكم والتصحيح من «ج».

١٩٧

بعسكره مضر به وبالناس ، وان كان ما لكم قدرة على دفاعه ، فالواجب [عليكم](١) إدراء هذه الفتنة بالنداء لمولانا الشريف سعد».

فاقتضى رأي الجماعة حضور شريف من كبار الأشراف ليحضرنا.

فكتب القاضي يستحضر مولانا السيد أحمد بن سعيد ، وكان في منزل الوزير عثمان حميدان ، فأرسل يعتذر عن الحضور.

فبينا نحن في المجلس ، جاءنا موسى أغا ، وكيل الدشيشة من عند الباشا ، ولحقه عثمان حميدان يخبران الباشا (٢) ، يقول :

«لا غرض لي في أحد ، وإذا جاءكم أحد يريد عدم القتال ، فيذكروا (٣) من يولوا من الأشراف ، فأنا تبع لهم».

فقلت لموسى آغا : «أين الأشراف الذين يريدون أن يولي واحدا / منهم؟!. فإنك لا تجد أحدا يقدم على هذه المكانة (٤). فالرأي أن تسجلوا (٥) للشريف سعد ، وتنادوا له ، وتخمد هذه الفتنة».

فلما سمعا مني هذا الكلام ، صاحت بهم العامة من المسجد ، وخرجوا من عندنا ، وتبعتهم كبار البلكات ، وأردنا أن نخرج فقال عثمان لبعضهم :

«ارجعوا واجلسوا حتى أراجع الباشا».

فرجعوا وجلسوا. فجاء رسول الباشا ، وهو يقول للقاضي :

__________________

(١) ما بين حاصرتين من (ج).

(٢) في (أ) «عثمان حميدان عن الباشا».

(٣) في (ج) «وذكروا».

(٤) مطموسة في (أ) والاثبات من (ج).

(٥) في (أ) «تسخبلوا». والاثبات من (ج).

١٩٨

«ابعثوا لنا هؤلاء الجماعة الذين (١) عندكم».

فأخبرنا بذلك القاضي ، فوافقت الجماعة على المسير إليه ، فخرجنا إليه ، وإذا (٢) نحن أربعة أنفس لا غير ، ومعنا رسوله.

فلما وصلنا إلى الباشا ، أمر بإدخالنا بنفرة وزجر. فعلمت أنّا وقعنا ، فأخذنا نتحصّن بالله (٣).

ولم نزل ساعة ، فدخل علينا الباشا بنفسه ، فقمنا له ، فوقف في وسط المجلس ، وجعل يعذلنا على فعلنا ، ويقول :

«نحن قاتلناهم (٤) على حفظكم ، بعد أن كتبتم لنا (٥) على الفتوى بجواز قتاله ، فكيف هذا الإختيار منكم له اليوم؟!.

فقلت له (٦) أنا والشيخ عباس المنوفي :

«ما جئنا ما يعدّ ذنبا ، هلكت الناس ، وجاءتنا الأتراك تشنع علينا بعدم التكلم في حق المسلمين ، فتكلمنا بما فيه المصلحة».

فتركنا وخرج ، وبعث لنا بقهوة ـ فكأنه أمّننا ـ.

ثم جاءت صلاة العصر علينا ، فصليناها ثمة ، وسألنا الله (٧) تعالى التوفيق والخلاص.

__________________

(١) في (أ) «الذي». والاثبات من (ج).

(٢) في (ج) «وإنما نحن».

(٣) أي بالدعاء.

(٤) في (أ) «قتلنا». والاثبات من (ج).

(٥) في «الينا». واستدركه الناسخ في الحاشية اليمنى كما وردت في (ج) «لنا».

(٦) سقطت من (ج).

(٧) في (ج) «سألنا الله عزوجل التوفيق والخلاص».

١٩٩

فجاء أمره لنا بالخروج ، فخرجنا ، فكأنه عرف الحق على نفسه ، وخاف (١) على أبناء جنسه ، فأمرنا (٢) بالتسجيل (٣) والنداء ، فسجل ذلك ، بعد أن ذهب مولانا الشريف عبد الله ، والشريف أحمد بن غالب ، إلى جهة الحسينية. ووصل مولانا الشريف سعيد بن سعد [بن زيد](٤) منزله بسوق الليل.

[ولاية الشريف سعيد بن سعد بن زيد]

فنودي للشريف سعيد ، وحصل الأمن في الساعة (٥).

فما جاء المغرب إلا والبلد لصاحبها ، ونودي بالزينة ثلاثة أيام ، وخرج جميع العسكر المصري يوم السبت إلى بستان [الوزير عثمان](٦) حميدان بالمعابدة.

ونزل مولانا الشريف في آلاي أعظم ، ضحى يوم السبت ، تاسع ربيع الثاني ، فقدم العسكر المصرية ، وجاء العرب من خلفه كالسيل حتى ملأوا (٧) ذلك الوادي.

ولم يزالوا على ذلك ، إلى أن وصل لسوق المعلاة ، فعطف بالعسكر من سوق الليل ، ولم يزل سائرا إلى أن وصل باب علي (٨) ، فبعث

__________________

(١) في (ج) «وطاف».

(٢) في (ج) «فأمر».

(٣) بالأصل التسجيل التصويب من ج.

(٤) ما بين حاصرتين من (ج).

(٥) في الساعة : أي في الحال.

(٦) ما بين حاصرتين من (ج).

(٧) في الأصل «ملوا».

(٨) باب علي : وهو في الجانب الشرقي من المسجد الحرام ، ويعرف بباب بني

٢٠٠