منائح الكرم في أخبار مكة والبيت وولاة الحرم - ج ٥

علي بن تاج الدين بن تقي الدين السنجاري

منائح الكرم في أخبار مكة والبيت وولاة الحرم - ج ٥

المؤلف:

علي بن تاج الدين بن تقي الدين السنجاري


المحقق: الدكتورة ملك محمد خياط
الموضوع : التاريخ والجغرافيا
الناشر: جامعة أم القرى
الطبعة: ١
ISBN الدورة:
9960-03-366-X

الصفحات: ٥٨١

الحارث ، لأخذ ثأره (١) من حرب البدنة المعروفة.

فلما بلغ ذلك حرب ، أنفت نفوسهم لصدقهم مع مولانا الشريف ، وقيامهم بخدمة أهل هذا البيت المنيف. فجمعوا الجموع ، وأرسلوا إليه يعذلونه (٢) عن هذه النية ، ويبذلون له الطاعة مع حفظ النفوس والقدس بينهم.

فغلب على مولانا الشريف رأي (٣) من معه من الأشراف ، فلم يزل إلى أن وصل بدرا ، [فخرج الاى](٤) السابع والعشرين من جمادى الثانية.

فلما وصلوا إلى بدر ، منعهم من المسير ، فأقاموا هناك ، ورجع الجمالون ، فتفرقوا ، وتحيرت القافلة ثمة (٥).

ولما كان يوم الحادي عشر من رجب : ورد مورق بأوراق إلى الشريف سعيد ، يخبر وفاة السيد دخيل الله بن سعد (٦) ، فأسفت عليه

__________________

(١) وسبب هذا الثأر أن قبيلة حرب قتلوا السيد عبد الله بن أحمد الحارث في معركة وقعت بينهم ، لذا الزم السيد ناصر الحارث سعد بأخذ ثأره من حرب.

(٢) في الأصل «يعذلوه».

(٣) في (أ) «براى». والاثبات من (ج).

(٤) مطموسة في (أ) وفي (ج) غير مقروءة وربما تكون كما أثبتنا.

(٥) في (ج) وردت هكذا : «ورجع الجمالون فتحيروا ، وتفرقوا فتحيرت القافلة ثمة».

(٦) السيد دخيل الله بن سعد : هو أحد أبناء الشريف سعد بن زيد ، عهد إليه أخوه الشريف سعيد بمجموعة من الأعمال الهامة مثل تأديب بعض المفسدين من جهة الطائف. وكذلك محاربة بعض الأشراف الذين خرجوا على الشريف سعيد ، واستعادة مدينة القنفذة. كما جاء في هذا الكتاب.

١٦١

الناس ، وكتم الشريف سعيد هذا الخبر إلى عشرين رجب ، فأظهره لأهله. وصحّ أنه عثرت به فرسه وهو يلعب بالحمام (١) ، فصاح ، وبات ليلته تلك ، ومات رحمه‌الله تعالى (٢).

وفي يوم الجمعة التاسع عشر من رجب : ورد مكة مولانا السيد عبد الله ابن هاشم من جهة اليمن ، ودخل معه جماعة من الأشراف ، وجلس في منزله للتهنئة ، وأتاه مولانا الشريف سعيد زائرا.

وفي السادس عشر (٣) من رجب : جاء خبر من جهة مولانا الشريف ، وأنه التقى بحرب يوم السبت الثالث عشر (٤) من رجب ، فثبطت الأشراف وأحجموا عن اللقاء ، فحصل بموجب ذلك الكسر ، وتقوت حرب ، ودخلوا بدرا. ورجعت الأشراف إلى رابغ.

فجهز الوزير عثمان حميدان خزانة كاملة ، بعث بعضها برا ، وبعضها بحرا ـ جزاه الله خيرا ـ.

ثم جاء الخبر بتحول مولانا الشريف ومن معه إلى خليص.

وفي أوائل شعبان : ورد عليه قفطان من صاحب مصر ، فلبسه هناك.

[وفي ليلة الأحد الثاني عشر من شعبان : خرج مولانا الشريف إلى لقاء

__________________

(١) سقطت من (ج).

(٢) سقطت من (ج).

(٣) في (ج) «سادس عشرين».

(٤) في (ج) «ثالث عشرين». وقد أورد أحمد زيني دحلان هذا الخبر بنفس تواريخ نسخة (أ). زيني دحلان ـ خلاصة الكلام ١١٩.

١٦٢

والده بخليص](١).

وفي يوم الثلاثاء الثالث عشر من شعبان : ورد مكة السيد ناصر الحارث ، وأقام أياما ، ورجع.

ثم ان الشريف سعيد دخل مكة ، وأقام أياما ، ورجع. ثم دخل في رمضان.

واستمر مولانا الشريف يتدانى من مكة (٢) ، إلى أن دخل مكة ليلة الأربعاء الثامن عشر من (٣) رمضان ، فنزل بستان الوزير عثمان [حميدان](٤) ، واستمر هناك وعيّد بمكة (٥). واستمر إلى اليوم العاشر من شوال ، فسافر متوجها إلى المبعوث ، ودخل الطائف ، فأقام (٦) بها يوما وليلة ، وخرج.

وبعث السيد عبد الله بن هاشم للقاء الحج الشامي (٧) ، واستمر هناك إلى أن دخل مكة ليلة الأحد الثاني والعشرين من ذي القعدة ، ولم يزل هناك إلى أن حج بالناس.

وفي هذا الموسم لم يصل أحد من الحج العراقي في هذه السنة.

__________________

(١) ما بين حاصرتين من (ج).

(٢) في (ج) وردت «يتدانى إلى أن وصل مكة». ويتدانى بمعنى يقترب شيئا فشيئا. ابن منظور ـ لسان العرب ١ / ١٠٢١.

(٣) سقطت من (ج).

(٤) ما بين حاصرتين من (ج).

(٥) في (أ) تكررت كلمة «مكة» مرتين.

(٦) في (ج) «وأقام بها يوما وليلة».

(٧) سقطت من (ج).

١٦٣

وورد الحاج العراقي (١) بعد النزول (٢) ، ومعه كثير من العجم ، فاتهم الحج لتعرض بعض العرب ، وظلم أميرهم. فصودروا بمكة على ما يسمونه الصرمة (٣) لمولانا الشريف.

ثم إنه خرج بهم السيد سعيد بن سعد في أواسط محرم ، وجعل في هذه السنة (٤) الخواجا حسن [ابن](٥) حمدان ابن عمة الوزير (٦) ناظرا لهم. فجلس مع القاضي والكتبة في مجلس الصر بالحرم الشريف.

__________________

(١) في (ج) «حج العراق».

(٢) أي بعد نزول الحجاج من منى. ويذكر محمد علي الطبري في الاتحاف ٢ / ٩١" أنهم وصلوا مكة يوم ثامن عشر الحجة. وأن السبب في تأخيرهم يعود إلى أخذ أميرهم السيد تركي الحسين أموالا كثيرة منهم.

(٣) بالأصل الضرمة والتصويب لا تساق المعنى.

(٤) أي ١١٠٤ ه‍.

(٥) ما بين حاصرتين من (ج).

(٦) في (ج) «الوزير عثمان». تقديم وتأخير.

١٦٤

ودخلت سنة ١١٠٥ خمسة ومائة وألف (١) :

وفيها خرج بعض ذوي عبد الله بن حسن مغاضبين إلى جهة اليمن. فاعترضوا القافلة الواردة من تلك الجهة.

وتأخرت المراكب المصرية ، فوصل الأردب [الحب](٢) في شهر ذي الحجة إلى عشرة قروش. فوردت المراكب في محرم ، والأمر على ما هو عليه من السعر.

وقبل مولانا الشريف الحسبة في هذه السنة بالرزين (٣). وهو أن المحلق : أربعة علق (٤) من معاملة البلدة. ومعناه رده إلى الديواني في ما يتعلق بالحسبة من عشور ورسوم ونحوها. وحصل للناس بذلك تعب ، يعرفه من عاناه من أهل السبب.

وفيها (٥) : ولي أحد الأتراك المجاورين بمكة ، وهو محمد السبرطلي وزر جدة ، فنزل.

وصعب إجراء الرزين على أهل المراكب والجلاب الواردة إلى جدة.

__________________

(١) في النسختين ١١٠٦ ه‍. والتصحيح من المحققة للسياق.

(٢) ما بين حاصرتين من (ج).

(٣) في (ج) وردت «وقبل مولانا الشريف الحسبة بالرزين في هذه السنة». والرزين : الثقيل من كل شيء. ابن منظور ـ لسان العرب ١ / ١١٦٢. وهنا تعني نوعا من العملة الجيدة غير المغشوشة.

(٤) في (ج) وردت «وهو أن الرزين أربعة علق من معاملة البلدة». العلق : المال الكريم. ابن منظور ـ لسان العرب ٢ / ٨٦٥.

(٥) أي سنة ١١٠٥ ه‍.

١٦٥

وجاء حاكم القنفذة إلى مكة ، وهو القائد أمبارك (١) بن سليم ، فكلم مولانا الشريف في أمر العشور ، ولم يزل به إلى أن رضي أنه (٢) يأخذ العشور بغير الرزين ، لّما علم أن أصحاب الجلاب عزموا على التوجه إلى القنفذة ، فسمح بترك الرزين في حبوش (٣) هذه السنة فقط.

وفيها (٤) : خرج مولانا الشريف سعيد بن سعد في ساقة الحج العجمي في محرم ، ولحق الشامي بالمدينة.

وصادف في دخوله المدينة بعض عرب عنزة معترضين للحج ، ففتك بهم ، وقتل منهم عدة رجال. وجاء الخبر إلى والده بذلك في صفر ، كما سيأتي في بيانه.

وفي هذه السنة : تطرقت أهل الفساد ، فشرعوا في التلصص (٥) [في الطرقات](٦) والسرقات ، ولم يزل الأمر يتفاقم إلى أن أمر مولانا الشريف بعض الأشراف أن يعسّ (٧) مع من يعسّ من عسكره ، ثم أدى

__________________

(١) امبارك : هكذا وردت. كتبت كما ينطقها أهل البادية.

(٢) في (ج) «ان».

(٣) حبوش : حبش الشيء يحبشه حبشا ، وحبشه وتحبشه واحتبشه : جمعه. ابن منظور ـ لسان العرب ١ / ٥٥٢ ، إبراهيم أنيس ـ المعجم الوسيط ١ / ١٥٢.

(٤) أي في سنة ١١٠٥ ه‍.

(٥) في (ج) «التلصيص».

(٦) ما بين حاصرتين من (ج).

(٧) يعس : من عسّ. أي طاف بالليل ، ومنه حديث عمر رضي‌الله‌عنه : «أنه كان يعس بالمدينة. أي يطوف بالليل يحرس الناس ، ويكشف أهل الريبة». ابن منظور ـ لسان العرب ٢ / ٧٧٥.

١٦٦

الأمر إلى أن جعل يخرج هو بنفسه متخفيا (١) ، ليصادف أحدا من المفسدين (٢).

ولما كان يوم الأحد السابع من صفر : جاءه الخبر ، أن (٣) بعض آغاوات الحرم أرسل إلى جدة ، فنزل عليهم / بعض البادية ، وضرب أحد الآغاوات ، ونهب ، ورجع الباقون. فثارت نفسه وركب (٤) ضحى بنفسه فازعا. وتلاحقته فتية من الأشراف ، بعد أن وصل إلى الشيخ محمود (٥) فردوه ، وقالوا له :

«نحن نأتيك بالغرماء».

فرجع ، وخرج الباقون في طلب الأخذة ، ومعهم السيد عبد المحسن ، وابنه السيد مساعد (٦) في (٧) جماعة من الأشراف ، فتبعوا الجرة (٨) ، إلى أن وقعوا على عبيد للسيد شاكر بن يعلى فمانعهم عن أخذهم ، فأرسلوا بتعريف ذلك لمولانا الشريف ، فتسامح في ذلك ـ ولله الأمر من قبل ومن

__________________

(١) في (ج) وردت «ان جعل هو بنفسه يخرج مختفيا».

(٢) أورد نفس الخبر أحمد زيني دحلان في خلاصة الكلام ١٣٠.

(٣) في (ج) «بأن».

(٤) في (ج) «فركب».

(٥) الشيخ محمود : يقصد به قبة الشيخ محمود في جرول. البلادي ـ معجم معالم الحجاز ٦ / ٤٧.

(٦) وردت في (ج) «ومعهم ابنه السيد مساعد وابن أخيه السيد عبد المحسن». تقديم وتأخير.

(٧) في (ج) «و».

(٨) الجرّة : بمعنى الأثر. والمقصود هنا : تتبع آثار الجناة. رينهارت دوزي ـ تكملة المعاجم العربية ٢ / ١٦٠ ، البستاني ـ محيط المحيط ١ / ١٦٠.

١٦٧

بعد ـ.

ثم ورد شاكر المذكور (١) على مولانا الشريف ، واعتذر بأن الفعالة غير عبيده ، فترك.

وفي هذه الأيام جاءت المبشرة بأخذ السيد سعيد [بن سعد](٢) لبعض عرب عنزة (٣) ، وأنه قتل منهم مقتلة عظيمة. وركزت الرايات على بيوتهم كما هو العادة ، وفرح الناس بذلك.

ثم أنه رجع (٤) ودخل المدينة ، وأقام بها مدة ، ثم رجع [إلى](٥) مكة من طريق الشرقية ، فدخل مكة ليلة الجمعة سابع شهر ربيع الأول.

ثم توجه إلى جدة في أواسط ربيع الثاني لأمر عنّ له ، وطلع.

ومن الغريب أن في يوم الإثنين الثالث عشر من ربيع الثاني أخبرت أنه نادى مناد في الأسواق بأمر مولانا الشريف سعد بن زيد :

«معاشر بني حسن الأشراف ، حسبما رسم مولانا الشريف ، أنه لا يخرج أحد منكم إلى جهة من [هذه](٦) الجهات ، ويكون (٧) في ركاب الشريف سعد أينما يتوجه ، وليعلم الحاضر (٨) الغائب».

__________________

(١) شاكر المذكور : هو السيد شاكر بن يعلى المذكور فيما سبق.

(٢) ما بين حاصرتين من (ج).

(٣) استدركه الناسخ في الحاشية اليمنى من (أ).

(٤) في (ج) وردت «ثم انه دخل المدينة».

(٥) ما بين حاصرتين من (ج).

(٦) ما بين حاصرتين من (ج).

(٧) المقصود بها «أي يجب أن يكون».

(٨) استدركه الناسخ في الحاشية اليمنى من (أ).

١٦٨

وفي [هذا اليوم](١) يوم الإثنين : ورد فضلي جوربجي ، من جهة صاحب مصر بأوراق لمولانا الشريف ، وألبسه (٢) قفطانا ، وفرقت الكتب على أربابها ، وأخبر بخبر غرق المبخرة الجديدة ، وهو مركب جديد جهز من مصر إلى جدة ، وفيه أموال العسكر وحبوب الفقراء أهل مكة ، فارتفعت الأسعار. ولم يزل الأمر في الشدة.

وسبب ورود (٣) فضل جوربجي أنه :

جاء في صورة وكيل من يوسف السقطي ، في طلب المنكسر له عند مولانا الشريف سعيد ، ومولانا السيد عبد المحسن (٤) ، ويطلب في ضمن هذا مداعاة الشيخ سعيد ابن الشيخ محمد المنوفي ، فدافعه مولانا الشريف ولم يحصل على طائل ، وكرّ راجعا بخفي حنين (٥).

وفي يوم الاثنين الثالث عشر (٦) من ربيع الثاني : عزل مولانا الشريف القائد أحمد بن جوهر من الحكامة ، وولاها علي مملوك الحبشي ـ أحد عبيده ـ وجلس للتهنئة في دار سيده يوم الثلاثاء الرابع عشر (٧) من الشهر المذكور.

__________________

(١) ما بين حاصرتين من (ج).

(٢) تكررت كلمة «البسه» مرتين في (أ) بدون ضرورة. ووردت في (ج) «وألبس».

(٣) في (أ) «وسبب ذلك». والاثبات من (ج).

(٤) في (ج) وردت «محسن».

(٥) هذا المثل الشائع الذي يضرب لمن ذهب يطلب شيئا وعاد بدون فائدة.

(٦) وردت «ثالث عشري».

(٧) وردت «رابع عشري».

١٦٩

ولم يزل مولانا الشريف بالمعابدة ، إلى أن خرج من مكة ليلة الاثنين سابع جمادى الأولى متوجها إلى الشام ، ونزل الوادي (١).

ثم عنّ له نزول جدة ، فجاء الخبر بذلك ، أنه دخل جدة (٢) في أواسط جمادى الأولى ، وأقام بها في القلعة ثلاثة عشر يوما. وصادر من بها من التجار ، فأخذ منهم عشور ما أخذوه في هذه السنة من البرّ كاملا.

وكان العادة أن يؤخذ من الوارد نصف العشر (٣) ويكون النصف [الآخر](٤) لصاحب الزاله (٥) تحت مصرفه عليها وعلى الخدام.

والحاصل أنه أخذ من التجار بها نحوا من سبعين كيسا. وقيل ، سبعون ألف أحمر (٦).

وخرج من جدة فنزل ذهبان (٧) ، وأرسل إلى جدة لأجل (٨) أخذ

__________________

(١) وادي مر الظهران.

(٢) في (ج) وردت «فجاء الخبر أنه قصد جدة فدخلها».

(٣) في (ج) وردت «نصف عشور ما أخذوه».

(٤) ما بين حاصرتين من (ج).

(٥) الزالة : تعني الضريبة على المرور أو المكس. أو لعلها الزله بمعنى العطيه. ابن فهد ـ اتحاف الورى ٣ / ٥٢٥ حاشية (٢). أي أصحاب العطاء.

(٦) وردت في (أ) هكذا «نحوا من سبعين ألف أحمر ، وقيل سبعين ألف كيس». والاثبات من (ج). والأحمر : نوع من القروش.

(٧) ذهبان : قرية بالساحل بين جدة وقديد. ياقوت الحموي ـ معجم البلدان ٣ / ٩. وهي الآن قرية عامرة بالسكان على بعد ٥٠ كلم شمالي جدة على طريق المدينة. البلادي ـ معجم معالم الحجاز ٣ / ٢٦٠.

(٨) في (ج) «لأخذ».

١٧٠

خزانة طعام ، فاقتضى الحال أخذ جميع المبيع إلى أن يكتفي ، فتعب لذلك التجار ، واشتد الحال على من بمكة إلى أن وصل الأردب من القمح (١) خمسة عشر قرشا غير موجود ، وذلك في جمادى الثاني. ثم ارتفع إلى ثمانية أحمر جديد.

وخرج مولانا الشريف (٢) سعيد ، إلى تلقاء والده ، ظهر يوم الاثنين رابع رجب الفرد (٣).

وفي يوم الثلاثاء : ظفر الحاكم علي مملوك ، برجلين كانا قد سرقا سريقة من خان الهنود (٤) التجار بمكة ، وهربا من مكة.

فلما ظفر بهما شنقهما في هذا اليوم بالمسعى الخامس رجب. أحدهما ـ مصري والآخر زنجي (٥) ـ.

ولما كان يوم السبت الثالث عشر من (٦) رجب : ورد إلى مكة مورق من البحر ، من عند مولانا الشريف ، ومعه أوراق لكبار العسكر ، ومضمونها :

«أن الرابع عشر من الشهر ورد على مولانا الشريف قاصد من مصر معه خلعة ، وصحبته أمر باشوي ، بأن مولانا الشريف لا يعترض

__________________

(١) في (ج) «الحب القمح».

(٢) في (ج) «السيد».

(٣) الفرد : لأنه المنفرد من الأشهر الحرم الأربعة بين جمادى وشعبان.

(٤) سقطت من (ج).

(٥) عقاب السرقة في الإسلام قطع اليد ، وليس الشنق إلا أن يكونا قد قاما بقطع الطريق مع السرقة.

(٦) في (أ) «ثالث عشري».

١٧١

بدوي (١) بن أحمد بن رحمة شيخ حرب ، ولا يقع منه تفريط في هذه البدنة ، فإنها خدمة السلطنة (٢) ، والتحذير من الوقوع بهم».

فلم يلتفت مولانا الشريف إلى ذلك ، واستمر إلى أن وصل ينبع.

وفي أثناء هذه السنة (٣) جاءنا :

أن إمام اليمن ، باين (٤) السيد أحمد بن غالب بعد مقاومة جرت بينهما ، وحمله على الخروج من البلد ، بعد أن أخذ ما كان جعله عليه من بلدة أبي عريش (٥) ، وأنه توجه إلى جهة مكة.

وجاء الخبر في هذا الشهر (٦) : أنه وصل إلى القنفذة هو ومن يلوذ به ممّن معه.

فبعث نائب مولانا الشريف السيد عبد الله بن محمد يحيى بن زيد إلى عمه يخبره بذلك (٧). فلم يأت منه خبر.

ولما كان ليلة الأحد النصف من شعبان : توفي القائد أحمد بن جوهر حاكم مولانا الشريف ـ المنفصل عن الحكامة بعلي مملوك ـ وصلي عليه بعد الشروق ، ودفن بالمعلاة ـ رحمه‌الله تعالى.

__________________

(١) في (أ) «بدى». والاثبات من (ج).

(٢) في (ج) «السلطان».

(٣) أي سنة ١١٠٥ ه‍.

(٤) باين : البين بمعنى الفرقة. ابن منظور ـ لسان العرب ١ / ٣٠٠.

(٥) من مدن منطقة جازان. حمد الجاسر ـ المعجم الجغرافي ١ / ١٦٤.

(٦) أي شهر رجب.

(٧) سقطت من (ج).

١٧٢

وفي ليلة الخميس التاسع عشر من شعبان : جاء الخبر إلى مكة أن مولانا الشريف فضل بن شبير بن مبارك بن فضل ، وصل السعدية ومعه قاسم التربتي.

وكان سبقه كتاب يوم السادس عشر ، إلى السيد عبد الله بن محمد ابن زيد ، من السيد أحمد بن غالب يستأذن فيه لدخول خدمته مكة (١) يقضون له حوائجه.

فلما جاء مولانا / السيد فضل ، وصحبته الخواجا قاسم التربتي ، في هذه الليلة المذكورة (٢) ، شقّ على مولانا الشريف (٣) السيد عبد الله ورودهم ، فاجتمع إليه أكابر العسكر المصري ، والقاضي بمكة ، والمفتي ، وتكلموا معه في دخول الجماعة المذكورين (٤) ، وطلبوا منعهم من الدخول. فكتب إليهم (٥) مولانا الشريف المذكور ، وعرّفهم أنهم أخطأوا في مجيئهم قبل الإذن ، فدخلوا يوم الجمعة ، وأقاموا ببركة ماجن ، ومنعوا إلا لقضاء أمر (٦) الإحرام. فإنهم أحرموا لدخول مكة. فأمروا بالطواف والسعي ، والرجوع إلى بركة ماجن (٧) ، والبقاء هناك. فامتنع السيد فضل وأقام هناك.

__________________

(١) في (أ) وردت «لدخول مكة خدمته». والاثبات من (ج).

(٢) في (ج) «المباركة».

(٣) سقطت من (ج).

(٤) في (ج) «المذكور».

(٥) في (أ) «اليه». والاثبات من (ج).

(٦) سقطت من (ج).

(٧) في (ج) وردت «البركة».

١٧٣

وفي يوم السبت الثاني والعشرين (١) : ورد مبشر من مولانا الشريف ، بالنصرة على حرب. وأن غالبهم دخل تحت الطاعة لمولانا الشريف (٢). وهرب بدوي بن أحمد بن رحمة إلى شظية ـ جبل معروف بهم ـ وطلب الأمان ، فامتنعت الأشراف من ذلك. وأن الخبر يأتي بعد أيام. وحصل للناس بسبب ذلك (٣) فرح عظيم.

وأما ما كان من أمر السيد فضل بن مبارك (٤) ، فإن أمره تقرر على أنه (٥) يعزم إلى مولانا الشريف. فرحل من مكة (٦) وصحبته قاسم التربتي ، فوصلوا إلى مولانا الشريف في ينبع واجتمعوا به.

وفي يوم الأحد الرابع عشر من رمضان المكرم : وردت البشائر من مولانا الشريف ، وأنهم التقوا مع حرب يوم السابع من رمضان (٧) بالصفراء ، وحصلت ملحمة عظيمة ، قتل فيها من الفريقين نحو المائة ، وأن بدوي (٨) بن رحمة وأخوه امبارك فرا بأنفسهما (٩) ، [فأتبعهم](١٠) ، وقتل فيمن قتل سليمان بن أحمد بن رحمة أخو بدوي ، وامبارك أصيب.

__________________

(١) من شهر شعبان.

(٢) في (ج) وردت «وان غالبهم دخل في طاعة مولانا الشريف».

(٣) في (ج) «وحصل للناس لهذا».

(٤) في (ج) «مبارك».

(٥) في (ج) «ان يعزم».

(٦) في (ج) «فدخل مكة». وهذا ليس بصحيح كما يتضح من خلال السياق.

(٧) سقطت من (ج).

(٨) في (أ) وردت «بدي». حيث سقط حرف الواو والاثبات من (ج).

(٩) في (ج) سقطت «بأنفسهما».

(١٠) ما بين حاصرتين من (ج).

١٧٤

وأن مولانا الشريف اعتقل أربعة من مشايخ حرب ، وأصيب بعض الأشراف (١) إصابة سهلة.

فأمر قائمقام مولانا الشريف ـ مولانا السيد عبد الله بن محمد بن زيد ـ بتزيين البلد ثلاث ليال ، فزينت.

وفي ليلة التاسع والعشرين : ورد مكة السيد فضل ، وترك بمكة قاسم التربتي الواصل معه ، ثم ارتحل السيد فضل راجعا إلى مرسله (٢).

وانقطع (٣) الخبر من جهة مولانا الشريف.

وفي ليلة الجمعة الثالث من شوال : ورد مكة حاكم القنفذة ، وبعض الأشراف الذين كانوا بها (٤). وتحقق الأمر أن السيد أحمد بن غالب هجم على القنفذة ، فدخلها قهرا (٥).

فقام مولانا السيد محسن بن حسين بن زيد ، وكان متخلفا بمكة ، فجاء إلى دار السعادة ، ودعا الوزير عثمان حميدان ، وقاضي الشرع ، وكبار العسكر المصري ، وقال :

«إن هذا الرجل قد فعل ما سمعتم به ، والمقصود منكم حفظ البلد ،

__________________

(١) هم : عبد الله بن هاشم ، وسليمان بن أحمد بن سعيد بن بشير ، وشاهر بن ضفير. محمد علي الطبري ـ الاتحاف ٢ / ٩٤.

(٢) بالأصل وانقضى التصحيح من ج.

(٣) في (ج) «وانقطع».

(٤) في (ج) وردت «وبعض أشراف كانوا بها».

(٥) ويذكر محمد بن علي الطبري في مخطوط اتحاف فضلاء الزمن ٢ / ٩٤ : «أنه في يوم الاثنين تاسع وعشرين رمضان جاء الخبر أن الشريف أحمد بن غالب أخذ القنفذة ، وأخرج جماعة الشريف سعد منها».

١٧٥

وأنا أكفيكم هذا الرجل».

وأمر بكتابة عسكر ، وإظهار العناية منه بهذا الشأن.

ثم اتفق أن جاء بنفسه ـ أعني السيد محسن [بن حسين](١) ـ إلى قاضي الشرع ، واجتمعت هناك كبار العسكر المصري ، واقتضى رأيهم كتابه (٢) القاضي إلى صاحب جدة ، بأن (٣) يطلق مدخول المراكب الهندية على الوزير عثمان حميدان ، ليستعين بها على هذا الشأن (٤) ، فإنه ادعى أن مولانا الشريف أخذ منه جملة من المال ، وأحاله على المراكب ، ومنع منها ـ الوزير المذكور ـ (٥). فكتب (٦) القاضي له كتابا في هذا الشأن.

ثم إن حاكم مولانا الشريف ، حجر على التربتي أن يخرج من بيته ، فإنه بلغه عنه ما يوجب ذلك ، وكتب إلى مولانا الشريف بهذا القدر من يومه.

ولما كان يوم السبت الحادي عشر من شوال : أتي إلى (٧) السيد محسن بمورق من السيد (٨) أحمد بن غالب ، ومعه مكاتيب لجماعة من أهل مكة

__________________

(١) ما بين حاصرتين من (ج).

(٢) بلأصل كتاب والتصحيح من ج.

(٣) بالأصل بأنه والتصويب من ج.

(٤) في (ج) «على هذا الأمر».

(٥) في (ج) «ومنع منها الوزير عثمان».

(٦) في (ج) «وكتب له».

(٧) في (ج) «أتى السيد».

(٨) في (أ) وردت «السيد». والاثبات من (ج).

١٧٦

من عند السيد أحمد. فحبس وضرب ، واستخلص منه المكاتيب.

وأمر مولانا السيد محسن بأخذ إسحاق اليماني ـ أحد تلامذة صالح المقبلي الزيدي ـ ، فإنه ما وصلت المكاتيب إلا إليه ففرقها على (١) أهلها. فحبس [في](٢) ليلة الأحد ثاني عشر شوال ، وعرف بذلك مولانا الشريف ، فأمر بإطلاقه.

ثم جاء الخبر أن (٣) الأشراف وردت إلى مكة. ودخل مكة السيد سعيد بن سعد.

ولما كان أواخر شوال ورد الخبر أن (٤) السيد أحمد بن غالب سار متوجها إلى مكة ، وأرسل الشريف سعيد يحث والده ، وكان بعد أن دخل المدينة ، عطف من هناك على المبعوث بقصد مكة ، فدخلها ليلة الثلاثاء خامس القعدة (٥). وبات ببستان الوزير عثمان حميدان بالمعابدة ، واستمر هناك يوم الثلاثاء ، ونزل يوم الأربعاء السادس من القعدة (٦) في آلاي أعظم ، إلى أن وصل إلى دار السعادة ، وتحقق [الأمر](٧) أن السيد أحمد

__________________

(١) في (ج) «الى».

(٢) ما بين حاصرتين من (ج).

(٣) في (ج) «بأن».

(٤) في (ج) «بأن».

(٥) في (أ) وردت «خامس شوال». والاثبات من (ج) لسياق الأحداث والتواريخ.

(٦) في (أ) «سادس شوال». والاثبات من (ج).

(٧) ما بين حاصرتين من (ج).

١٧٧

ابن غالب وصل إلى الليث (١) ، ونودي فيه باسمه وأخذ الزالة من أصحاب الجلاب.

وما (٢) كان من مولانا الشريف : فإنه أمر بوطاقه إلى بركة ماجن من يوم وصوله ، واستمر بمكة.

وفي يوم الثلاثاء الثاني عشر من ذي القعدة من السنة المذكورة (٣) : جعل الشيخ سعيد بن الشيخ محمد المنوفي (٤) مفتي الشافعية ، وعزل الإمام حسن بن [علي](٥) بن عبد القادر الطبري عن هذا المنصب / ، وجلس (٦) المتولي في هذا اليوم للمباركة.

واستمر مولانا الشريف بمكة إلى يوم السبت الرابع عشر من ذي القعدة ، فخرج في هذا اليوم متوجها إلى جهة اليمن (٧) ، ولم يخرج معه أحد إيهاما لقصد الشريف أحمد بن غالب ، ثم رجع بعد صلاة المغرب.

__________________

(١) الليث : بكسر اللام ، ثم الياء ساكنة ، والتاء المثلثة : علم مرتجل. نقول من الفحل الذي يسم فاعله في لاث يلوث اذا ألوى. وهو واد بأسفل السراة يدفع في البحر. البكري ـ معجم ما استعجم ٤ / ١١٦٦. ياقوت الحموي ـ معجم البلدان ٥ / ٢٨. والليث الآن منطقة تابعة لإمارة مكة المكرمة. البلادي ـ معجم معالم الحجاز ٧ / ٢٧٠ ، حمد الجاسر ـ المعجم الجغرافي ٤ / ١١٦٦.

(٢) في (ج) «ولما كان».

(٣) السنة المذكورة ١١٠٥ ه‍.

(٤) مطموسة في (أ). والاثبات من (ج).

(٥) ما بين حاصرتين من (ج).

(٦) في (أ) تكررت «جلس».

(٧) في (أ) تكررت «متوجها إلى جهة اليمن». ولم يستقم المعنى بهذا التكرار.

١٧٨

ولم يزل ، إلى أن طرقه خبر وصول إسماعيل (١) باشا من جهة الروم ، ومعه محمد باشا صاحب جدة سابقا ، فاضطرب حاله ، ولم يزل إلى أواخر ذي القعدة ، والأمر لا يزداد إلا شدة.

وما كان من السيد (٢) أحمد بن غالب : فإنه لم يزل يتنقل في المنازل. فلما أن بلغ مولانا الشريف هذا الخبر (٣) ، بعث إليه يأمره بالدخول إلى مكة ، فبعث إليه :

«إني عابر سبيل ، وليس لي بمكة حاجة».

ولم يزل إلى أن نزل بلده (٤) بالركاني ، يوم الاثنين الثاني من ذي الحجة سنة ١١٠٥ ه‍ (٥).

ولما كان يوم الأربعاء الرابع من ذي الحجة : دخل الحج مكة ، وعرض مولانا الشريف للحج المصري (٦) يوم الخميس ، ولبس الخلعة الواردة مع الأمير ابراهيم بيك (٧).

ولما أن كان يوم السادس من ذي الحجة : كان يوم عرضة الشامي ،

__________________

(١) في (ج) «اسمعيل».

(٢) في (ج) «وأما ما كان من أمر السيد».

(٣) في (ج) «إلى أن بلغ هذا الخبر مولانا الشريف».

(٤) في (ج) «ببلده».

(٥) في النسختين «١١٠٦». والصحيح ما أثبتناه.

(٦) في (ج) «للأمير المصري».

(٧) يذكر أحمد محمد الحضراوي في مخطوط مختصر حسن الصفا والابتهاج ورقة ٣٧ : «أنه في سنة ١١٠٢ وإلى سنة ١١٠٨ ه‍ كان أمير الحج أيوب بيك ، وكانت أيامه حسنة».

١٧٩

فدخل مكة اسماعيل باشا (١) ومعه المحمل. ومعه محمد باشا صاحب جدة ، وقد أعطي جدة وغزة وسواكن ، على اشتراط إصلاح البلد (٢) ، ومعهم من العسكر ما يناهز الألفين أو يزيدون.

فلما أن خرج مولانا الشريف للقاء المحمل إلى الزاهر ، ولم (٣) ير معه أحد من العسكر المصري ، وقد انحاز الجميع إلى عسكر الشامي الذي ورد صحبته الحاج من المغاربة (٤) ، فإنه بيت عليهم الباشا ، وألزمهم بالحضور معه.

فلما وقف مولانا الشريف ـ موقفه العادة حين (٥) يطلب القفطان ـ أخذ محمد باشا بمن معه من العساكر ميمنة (٦) الباشا. وتقدم جماعة من عسكر الباشا إسماعيل يريدون أن يحيطوا بالشريف. فاتسع مولانا الشريف منهم (٧) إلى جهة يساره ، فظنت الأشراف حدوث واقعة ـ

__________________

(١) اسماعيل باشا : كان اسماعيل باشا أمير الحج الشامي. وقد أرسلت الدولة العثمانية إليه أمرا بأن يكون هو ومحمد باشا يدا واحدة على الصواب. محمد الطبري ـ مخطوط اتحاف فضلاء الزمن ورقة ٩٥.

(٢) كان محمد باشا كما هو معلوم أميرا على جدة ، فتنافر هو والشريف سعد ، فطلبته السلطنة وهناك حصل على مكانة عظيمة ، فأنعموا عليه بولاية جدة وسواكن ، وأن يعمل على اصلاح البلاد بعزل وتولية من يرى فيه الخير للحجاز. محمد الطبري ـ مخطوط اتحاف فضلاء الزمن ورقة ٩٥.

(٣) في (ج) «لم».

(٤) في (ج) «ورد صحبة الحاج الشامي من المغاربة».

(٥) في (أ) وردت «حن». والاثبات من (ج).

(٦) في (ج) وردت «ميسرة». وهذا خطأ بدليل اتجاه الشريف إلى يساره حين أحاط به العسكر.

(٧) في (ج) «فاتسع منهم مولانا الشريف». وتكررت كلمة «منهم» مرتين.

١٨٠