منائح الكرم في أخبار مكة والبيت وولاة الحرم - ج ٥

علي بن تاج الدين بن تقي الدين السنجاري

منائح الكرم في أخبار مكة والبيت وولاة الحرم - ج ٥

المؤلف:

علي بن تاج الدين بن تقي الدين السنجاري


المحقق: الدكتورة ملك محمد خياط
الموضوع : التاريخ والجغرافيا
الناشر: جامعة أم القرى
الطبعة: ١
ISBN الدورة:
9960-03-366-X

الصفحات: ٥٨١

ويعلم هذا كل أهل البلد.

واتفق الأمر على أن يكتبوا عرضا للباشا ، ويعرفوه بهذا القدر ، وذلك بأمر مولانا الشريف. فكتب له ذلك ، ووضع عليه الفقهاء خطوطهم ، وعرفوا الباشا أنه لم يصلهم شيء من ثمن الحب المنكسر. وكان قدره شيئا وتسعين كيسا. وكان ذلك في أواسط ذي القعدة من السنة المذكورة.

(وفي أواخر شوال (١) هذا : بعث مولانا الشريف الشيخ محمد سعيد بن الشيخ محمد المنوفي بهدية إلى سلطان الهند اورنق زيب شاه بواسطة الوزير يوسف السقطي ، وجهزه الوزير المذكور من ماله بجميع ما يحتاجه ، وبعث معه هدية من جانبه ، وأجرى مصروفه على عياله وأولاده ، وسافر المذكور ثاني عشر شوال) (٢).

ودخل شهر الحج ، ووردت الأمراء ، وعرض لها مولانا الشريف محسن ، ولبس الخلع الواردة على جري العادة ، وحج بالناس.

وفي يوم النحر من هذه السنة : ظهرت بمنى كتب بأيدي السادة الأشراف ، وأنها وردت من اليمن من جهة السيد أحمد بن غالب ، ومن جملتها كتب لمولانا الشريف ، ومضمون الكتب (٣) :

الإنذار ، وطلب المواجهة ، وأن القصد إليكم عن قريب.

__________________

(١) سقطت من (ج).

(٢) ما بين قوسين استدركه الناسخ في الحاشية اليسرى من (أ) وكذا من (ج).

(٣) المثبت من «ج» وبالأصل الكتاب.

١٢١

فاضطرب أمر الناس بمنى (١) ، وحصل للعالم قلق [عظيم](٢) ، اقتضى أن جمع مولانا الشريف أكابر الدولة الرومية (٣) ، وأمراء الحج والفقهاء بعد النزول من منى ، وتجادلوا في هذا الأمر ، فاقتضى رأيهم تعريف صاحب مصر (٤) بذلك ، وأمر صاحب جدة بتحير أموال التجار وضبطها التي في جدة (٥).

واشتد الأمر. وكثر القيل والقال ، ثم ظهر أن كل ذلك مختلق من مكة من بعض الأشراف. نسأل الله تعالى لهم الهداية.

وفي يوم النفر الأول (٦) من هذه السنة (٧) : ظفر بعض عبيد السيد ناصر بن أحمد بن الحارث (٨) برجلين من حرب ، وردا حاجّين ، فقبضوا عليهما في المسعى ، وذهبوا بهما إلى سيدهم ، فأمر بقتلهما ، فقتلا صبرا على جبل أبي قبيس (٩) ، ولا حول ولا قوة إلا بالله (العلي

__________________

(١) في (ج) وردت هكذا «فاضطرب الحال بمنى».

(٢) ما بين حاصرتين من (ج).

(٣) في (ج) وردت هكذا : «ثم ان مولانا الشريف جمع أكابر الدولة الرومية». المقصود بها الدولة العثمانية.

(٤) صاحب مصر : أحمد باشا.

(٥) في (أ) «اللتي». والاثبات من (ج).

(٦) النفر الأول هو النفر من عرفات إلى مزدلفة يوم الحج.

(٧) هذه السنة هي سنة ١١٠١ ه‍.

(٨) في (ج) ورد الإسم هكذا : «السيد أحمد بن ناصر الحارث». والإسم الصحيح هو كما في (أ) ، لأن الإسم ورد هكذا في عدد من الصفحات في (أ) ، (ج).

(٩) أبو قبيس : هو الجبل المشرف على المسجد الحرام من جهة الشمس ، واختلف في سبب تسميته بهذا الاسم حيث ذكر أن سبب تسميته تعود إلى أن آدم عليه‌السلام اقتبس منه النار. وقيل ام لرجل من مذحج ، بنى فيه قبة ، وقيل اسم لرجل من جرهم.

١٢٢

(العظيم) (١).

ولزم من ذلك أن فسخ عملته (٢) مع مولانا الشريف ، فخرج إلى بلدته بالحسينية من وادي مر (٣) ، فلما وقع الاجتماع السابق ذكره بالأمراء ، اقتضى الحال إحضار المذكور مع من بمكة من الأشراف ، وسؤالهم عن اعتقاد رأيهم على تولية مولانا الشريف محسن ، فاستدعى من هناك مع من استدعى من الأشراف ، فجاء وعامله / معاملة [جيدة](٤) جديدة.

__________________

ـ وكان يطلق عليه اسم الأمين في الجاهلية ، وهو أحد الأخشبين أبو قبيس ، وقعيقعان. ياقوت ـ معجم البلدان ١ / ٨٠ ـ ٨١ ، ٤ / ٣٠٨ ، عاتق البلادي ـ معجم معالم الحجاز ١ / ٦٩ ـ ٧١ ، البلادي ـ معالم مكة ٢٠ ـ ٢١.

(١) ما بين حاصرتين من (ج).

(٢) ألغي نصيبه من دخل الشريف من مكوس وهدايا السلاطين وكان نصيبه ٤ / ١ ذلك الدخل أنظر ج ٥ / ٣٧٣.

(٣) وادي مر : والمر والمرير الحبل الذي أحبك فتله. وقد يكون منقولا من الفعل مر يمر ، ثم صير اسما وسمي مرا لأنه في عرض من الوادي من غير لون الأرض. وقيل سمي مرا لمرارته. ويذكر ياقوت أنه على بعد مرحلة من مكة. ياقوت ـ معجم البلدان ٥ / ١٠٤ ـ ١٠٦.

ووادي مر المقصود هنا هو وادي مر الظهران ، لأن هناك عددا من الأودية في الحجاز تعرف بهذا الإسم. وعرف أيضا باسم وادي الشريف نسبة إلى الشريف أبي نمي ، الذي ملك جل هذا الوادي كما عرف باسم وادي فاطمة نسبة إلى أم الشريف بركات بن أبي نمي أو زوجته. ويعتبر وادي مر الظهران من أكبر أودية الحجاز ، وفيه عدد كبير من العيون تزيد على حوالي ثلاثمائة عين ، ولم يبق منها اليوم سوى بضعة وعشرين. ووادي مر الظهران يبعد عن مكة بحوالي اثنين وعشرين كيلومتر. السباعي ـ تاريخ مكة ١ / ٣٠٩ حاشية (٣).

(٤) ما بين حاصرتين من (ج).

١٢٣

ثم بعد أيام خرج السيد أحمد بن سعيد بن شنبر مغاضبا ، وخرج معه جماعة [من الأشراف](١).

وفي هذه السنة : ورد من الروم قنديل من ذهب ، طلع به أمير الحج (٢) إلى عرفة ، ونزل وعلقه بالكعبة.

وفيها : منع الشيخ عبد الواحد من الخروج والاجتماع بأكابر الحج ، فلزم داره.

وفيها : ورد بقية المتحصل من مال الحب السابق ذكره ، وهو أربعة وعشرون كيسا ، فوزعت على أصحاب الحب (٣) ، فحصى كل إردب بضعة وخمسون محلقا (٤) مقصوصا.

وفي أواخر ذي الحجة ، من هذه السنة (٥) : وقع بيد مولانا الشريف عرض حال إلى صاحب مصر ، وعليه خطوط السادة والأشراف ، مضمونه : عدم الرضا بالشريف المذكور.

فعتبهم على ذلك ، ولام بعضهم بعضا ـ والأمر لله ـ.

__________________

(١) ما بين حاصرتين من (ج).

(٢) أمير الحج : كان أمير الحج المصري في هذه السنة إبراهيم بيك بن ذي الفقار. وكان قد تم تعيينه من قبل السلطنة العثمانية. الحضراوي ـ مخطوط مختصر حسن الصفا والابتهاج ورقة ٣٦.

(٣) أصحاب الحب : فقراء الحرمين ، ومشايخ العربان ، والأشراف ، والعلماء.

(٤) محلقا : هو المحلق ، ويجمع على محلقات ، وهي تسمية العامة للدراهم والدنانير. رينهارت دوزي ـ تكملة المعاجم العربية ٣ / ٢٨٦ ، بطرس البستاني ـ محيط المحيط ١٤ / ٣٩.

(٥) من هذه السنة : أي سنة ١١٠١ ه‍.

١٢٤

ثم إن السيد أحمد بن سعيد ، والسيد عبد الله بن هاشم وجماعة من الأشراف ، خرجوا أيضا (١) مغاضبين ، وأخذوا الطرق على المارة ، فغليت الأسعار بسبب ذلك في أواخر ذي الحجة ، واشتد الأمر.

__________________

(١) سقط من (ج).

١٢٥
١٢٦

ودخلت سنة ١١٠٢ ألف ومائة واثنتين (١) :

واشتد الأمر ، ونهبت الأموال من طريق جدة ، وكذلك من نحو خليص.

ولم يزل الأمر إلى أن وقع الصلح بين مولانا الشريف والمذكورين (٢) ، ودخل مكة السيد أحمد بن سعيد ليلة الأحد الثالث من صفر على أمر توافقوا عليه ، وهو : أن المنكسر للسادة الأشراف وقدره أربعة وعشرون ألف قرش ، يسقط منه الثلث ، ويوفيهم مولانا الشريف الثلث في الحال ، ويصبرون عليه في الثلث الآخر إلى أن ترد المراكب.

وكتبوا على ذلك وفاقا بوثيقة بينهم ، فماطلهم مولانا الشريف بعد الإذعانات.

ولم يزل إلى أن كانت ليلة السبت تاسع صفر من السنة المذكورة : ورد صاحب القفطان بالاستقرار من جهة جدة ، فإنه ورد إلى ينبع وركب بحرا ، فنزل بستان الوزير عثمان [حميدان بالمعابدة](٣) على صاحب جدة.

وفي يوم الأحد العاشر من صفر المبارك : دخل في آلاي أعظم (٤) إلى الحطيم ، وقد نزل مولانا الشريف ، وحضر القاضي والمفتي والفقهاء والأشراف ، فدخل ومعه خلعة الإستمرار ، والأمر السلطاني ، فقرأه

__________________

(١) بالأصل مائة واثنتان وألف والتصويب من ج.

(٢) وهما السيد أحمد بن سعيد والسيد عبد الله بن هاشم.

(٣) ما بين حاصرتين من (ج).

(٤) في (أ) «الأعظم». والاثبات من (ج).

١٢٧

بالحطيم ، وألبس مولانا الشريف محسن الخلعة المذكورة على فرو سمور ، وقرأ بعدها ثمانية أوامر ، منها : أمر بأن تعطى السادة الأشراف ما كان لهم من غير زيادة تضر بمولانا الشريف ، والتحذير من المخالفة.

وأمران من الوزير ، أحدهما : بتعريف مضمون الأولين (١).

والثاني : مخاطبته به أصحاب البلكات بالأمر بالطاعة لمولانا الشريف.

وتلاهما أمران من صاحب مصر. أحدهما : التعريف بمضمون الأوامر السابقة.

والثاني : مخاطبته به أصحاب البلكات بالسمع والطاعة.

وبالجملة لم تعتن السلطنة بغيره ما اعتنت به بمثل هذه المخاطبات.

وفي الثامن من هذا الشهر (٢) : جاء مورق من القنفذة من السراج عمر ابن محمد علي بن سليم (٣) ، وأنه واصل إلى مكة من طريق البحر ، ودخل مكة ليلة الثاني عشر من صفر ، وواجه مولانا الشريف يوم الثلاثاء الثاني عشر من صفر ، ومعه كتب من الإمام المتولي (٤) ، يعتذر فيها عما شاع (٥)

__________________

(١) في (ج) وردت هكذا «أمران من الوزير بتعريف مضمون الأولين».

(٢) أي شهر صفر.

(٣) السراج عمر بن محمد علي بن سليم هو أبو الوزير محمد علي بن سليم.

(٤) وهو : الناصر محمد بن أحمد بن الحسن.

(٥) الذي شاع هو وصول كتب من اليمن من قبل الشريف أحمد بن غالب ، يهدد ويتوعد بها بقرب وصوله إلى مكة للقتال.

١٢٨

في موسم هذه السنة (١) من إعانته (٢) للسيد أحمد بن غالب ، ويتنصل من ذلك (٣).

ثم إن مولانا الشريف بعث مولانا السيد دخيل الله بن سعد بن زيد ، ومعه السيد حسن بن أحمد الحارث ، وجماعة من العسكر ، إلى جهة الطائف لبعض فسدة العرب جلسوا في الطريق ، فقصدتهم السرية المذكورة ، وأبعدتهم عن الطريق ، وأخذوا لهم بعض غنيمة ظفروا بها ، ورجعوا يوم الخميس الحادي والعشرين من صفر.

ثم دخل العسكر الذين كانوا بطريق جدة محافظين ، ودخلت الأشراف المغاضبين (٤) مكة.

__________________

(١) من هذه السنة أي سنة ١١٠١ ه‍.

(٢) في (ج) «من أعانه».

(٣) كان الإمام الناصر قد رحب بالشريف أحمد بن غالب عند ما أتى إلى اليمن بعد خروجه من مكة ، إثر تولي الشريف محسن شرافة مكة ، فولاه الناصر تهامة الشامية. عبد الله الجرافي اليمني ـ المقتطف من تاريخ اليمن ١٧٢ ، أحمد السباعي ـ تاريخ مكة ٢ / ٣٩٣ ـ ٣٩٤.

ويذكر أحمد زيني دحلان أن إمام اليمن (صنعاء) أراد أن يرسل معه جيش لتخليص مكة له ، ثم مات الإمام ، وعاقه عوائق ، فمكث في اليمن وولى امارة صبيا. دحلان ـ خلاصة الكلام ١١٥.

ومن خلال ترجمة الإمام الناصر يتضح لنا أن الإمام الناصر رحب بالشريف أحمد بن غالب ، وولاه امارة المخلاف السليماني الممتد من شرق مدينة أبي عريش إلى ساحل البحر الأحمر غربا ، ومن بادية أبي عريش شمالا إلى حرض جنوبا. وأن الإمام الناصر لم يمت في هذه الفترة من ١١٠١ ـ ١١٠٤ ه‍ وأنه توفي سنة ١١٣٠ ه‍. أنظر : محمد بن أحمد العقيلي ـ المخلاف السليماني ١ / ٣٧٣ ـ ٣٨٦ ، عبد الله الجرافي اليمني ـ المقتطف من تاريخ اليمن ١٧٢.

(٤) الأشراف المغاضبون هم أحمد بن سعيد ، وعبد الله بن هاشم ، وغيرهم.

١٢٩

ثم ورد الخبر : أن الحسن بن الإمام إسماعيل دخل جدة في نحو خمسة وعشرين جلبة ، هاربا من الإمام الناصر المتولي لليمن ، وكان المذكور متوليا على اللحية (١).

وجاء الخبر لمولانا الشريف ، فقابله صاحب جدة محمد بيك ، وبعث إليه الشريف عمر بن محمد بن علي بن سليم ، وأخرجوا له أمواله من غير تعشير (٢) ، وأفهم أنه يريد معونة السلطنة ، وأنه يضمن فتح اليمن ، فإن الإمام تجبر وطغى وزاد في الظلم ، بحيث أنه أسر المسلمين من آل (٣) صنعاء ، وجعل يأخذ من المراكب الواردة من [جهة](٤) الهند ما يساوي الثلث أو أكثر.

واستمر بجدة إلى أوائل جمادى الأولى. وطلع مكة مع صاحب جدة ، ودخل مكة يوم الأحد ثاني عشر جمادى الأولى ، ونزل مع الصنجق في جرول قريبا من تربة الشيخ محمود (٥) ، واستمر هناك.

وخرج إليه مولانا الشريف يوم الثلاثاء الرابع عشر من الشهر بعد

__________________

(١) كان الحسن بن إسماعيل متوليا على اللحية ، وفر منها عند ما قدم إليها الشريف أحمد بن غالب ، ظنا منه أن الناصر أرسل الشريف أحمد للقبض عليه ، ففر بأهله إلى مكة. عبد الله الجرافي ـ المقتطف من أخبار اليمن ١٧٢. واللحيه : ميناء شمال الحديدة. عبد الله الجرافي ـ المقتطف ص ٦ ، عبد الواسع اليماني ـ تاريخ اليمن ٤٦.

(٢) التعشير : من أخذ العشر.

(٣) من «أهل».

(٤) ما بين حاصرتين من (ج).

(٥) مكان في جرول قرب القبة ، دفن فيه الشيخ محمود بن أدهم السباعي. وكان محمود هذا صالحا تقيا ، لذا اتخذ قبره مزارا كما كان شائعا في ذلك العصر من البدعيات. البلادي ـ معجم معالم الحجاز ٨ / ٤٧ ، السباعي ـ تاريخ مكة ١ / ٤٢٢.

١٣٠

الشروق.

ثم في أوائل جمادى الثاني تفرقت كلمة الأشراف ، وخرجوا إلى الطرقات ، وأكثروا الأخذ والنهب في طريق جدة وغيرها. وأخذوا ذخيرة طالعة للصنجق من جدة ، ثم تطرقوا إلى عيون بعثوها على مخيم الصنجق.

فلما أحس بذلك دخل هو وابن الإمام (١) ، فأنزلوا ابن الإمام بيت البكري (٢) قريبا من باب إبراهيم ، واشتد الحال على الناس ، حتى وصل الإردب من الحب ثمانية عشر قرشا وعشرين ، ولا يزداد الأمر إلا شدة.

وفي جمادى الثاني / (احتاج (٣) الصنجق إلى ذخيرة ، فما أمكن إخراجها من جدة إلا ببيرق على نحو الخمسين.

ثم إن مولانا الشريف أمر بخمسين عسكريا ، فخرج إلى طريق جدة ومعه بعض الأشراف) (٤) ليتطلع التجار لأسبابهم من الميرة.

ولم يزل الأمر يشتد إلى أن تعب في ذلك القاضي والصنجق وغيرهم.

(ونمي إلى مولانا الشريف أن بعض التكارنة سحرة ، يعملون السحور (٥) ، أن عملهم في ثور.

__________________

(١) أي الحسن بن الإمام إسماعيل.

(٢) في (ج) «الكردي».

(٣) وردت «اجتاح». والتصحيح من المحققة لسياق المعنى.

(٤) ما بين قوسين غير مقروء في (أ). والاثبات من (ج).

(٥) جمع سحر.

١٣١

وكان الحال أن بعض الأتراك كان له ثور معلوق ، فاغتلق (١) ، وجعله سائبة من جهله ، فأخذ الثور المذكور وذبح ، وأخرج رجل من التكارنة مجذوب بمكة لهذا الأمر.

وما أحسن ما رأيته بخط صاحبنا الأديب السيد هاشم الأزراري وهو قوله :

يا صاح قل عني لأم القرى

ومن تعاطى الحكم فيها ودال

ما في خروج الشيخ كلا ولا

في ذبحهم للثور حل العقال

والرأي كل الرأي لو أشهروا

بيض المواضي والرماح الطوال

وطهروا البيت وما حوله

بالضرب والطعن ورمي النبال

وأهرقوا دم الكلاب التي

دلت على سفك الدماء والرزال

لكنهم أخطوا ولم يعلموا

عواقب الأمر بترك السؤال

وحيث كان الأمر مقضي فلا

تعرض منا له باحتيال

ما في القضاء والله من حيلة

فحسبنا الله على كل حال

وإن ترد تاريخ عام به

أمسى البرايا بين قيل وقال

فاقطع جدال الكل عنهم وقل

عام ترى فيه دليل القتال

وله أيضا مؤرخا لهذا الغلاء الواقع في هذه السنة :

إن ترد تاريخ عام فيه قد

نزل الهمّ على جميع الملا

__________________

(١) في النسختين «فاغتلق». وفي الحاشية اليمنى من (ج) ورد «فاغتلم». وأورد محمد علي الطبري هذه القصة في الإتحاف ٢ / ٨٣. وذكر أن اسم صاحب الثور هو إبراهيم السنانيكي. وأن الرجل المجذوب هو الشيخ حسن التكروني.

١٣٢

فاحسب العجم من نظمي وقل

عام قحط وبلاء وغلا) (١)

وفي أوائل رجب : نزل الصنجق (٢) إلى جدة.

وفي يوم الخميس الثالث عشر من رجب : اجتمع القاضي وسرادير (٣) العسكر بمولانا الشريف ، وأسمعوه غليظ القول ، بحيث قالوا له :

«إن كنت عاجزا عن إصلاح البلد ، فعيّن لهذا المنصب من يقوم به».

فكان عذره أن قال : «إن الأشراف لا تقاتل بني عمها ، وإذا أردتم الخروج إليهم بالعسكر المصري فأنا أخرج بهم. فإن قاتلونا قاتلناهم».

فأمرهم القاضي بالخروج ومقاتلة من قاتلهم.

فقال كبار العسكر : «نحن حفظة لمكة [و](٤) ليس هذا الأمر مما بعثنا له».

ولم يزل الأمر يتفاقم ، ولا يطلع أحد من جدة إلا مع عسكر وأشراف ، تصحبهم من جدة إلى مكة ، ثم يرجعون بهم ، ولا يرد [شيء](٥) من جدة إلا حب العسكر.

وارتفع السعر حتى وصل الثمن الإردب القمح عشرين شريفي

__________________

(١) ما بين قوسين غير مقروء في حاشية (أ). والاثبات من (ج).

(٢) في (ج) «نزل الباشا».

(٣) جمع سردار ، بمعنى رئيس الجيش أو كبير العساكر وقائدهم. أحمد عطيه ـ القاموس الإسلامي ٣ / ٣٠٢.

(٤) ما بين حاصرتين من (ج).

(٥) ما بين حاصرتين من (ج).

١٣٣

أحمر ، فأسعف الله بالمراكب المصرية ، فكان السعر نزل قليلا ، وتراجعت بعض الأشراف مكرهة (١).

[ثم لما](٢) كان أواخر ذي القعدة : ورد الخبر بدخول مولانا الشريف سعيد بن سعد بن زيد المدينة متوجها إلى مكة ، فاختبط العالم وكثر القيل والقال ، إلى أن كان يوم التاسع والعشرين من ذي القعدة وصل خبره أنه بوادي فاطمة ، ووصل رجال كانوا معه إلى مولانا الشريف ، فتعجب مولانا الشريف محسن في شأنه وقال :

«لا يدخل مكة إلا بأمر سلطاني ، إن كان متوليا».

فلما بلغه هذا القول ، سار إلى أن وصل الفخ (٣) بين العمرة ومكة ، وبعث يطلب مضربا يجلس فيه ، فأخرج (٤) له أهله مضربا.

__________________

(١) سقطت مكرهة من (ج).

(٢) ما بين حاصرتين من (ج).

(٣) فخ : والفخ : الذي يصاد به الطير معرب ، واسمه بالعرب طرق. وتعود شهرة فخ إلى موقعة فخ التي حدثت بين الحسين بن علي بن الحسن بن علي بن أبي طالب وبين العباسيين سنة ١٦٩ ه‍ ، والتي قتل فيها عدد كبير من العلويين. والتي قيل : إنه لم تكن مصيبة بعد كربلاء أشد وأفجع من فخ. ياقوت الحموي ـ معجم البلدان ٤ / ٢٣٧ ـ ٢٣٨ ، حسن إبراهيم حسن ـ تاريخ الإسلام السياسي ط ٧ ، مكتبة النهضة ١٩٦٤ م ، ٢ / ١٣٨.

وفخ واد كبير بمكة ، ويسمى اليوم بعدة أسماء : أعلاه طريق العشر ، ووسطه الزاهر والشهداء (المكان الذي قتل فيه الحسين بن علي بن الحسين بن علي بن أبي طالب). وأسفل من ذلك أم الجود. البلادي ـ معجم معالم الحجاز ، البلادي ـ معالم مكة ٤١ ـ ٤٢ ، ٢١١ ـ ١١٢.

(٤) في (ج) «فبعث له».

١٣٤

ثم انّه انتقل إلى ريع أذاخر (١) واستمر هناك.

ودخل شهر الحجة : وكان أمير الشامي (٢) في هذه السنة مولانا السيد يحيى بن بركات بن محمد (٣) ، وجاء في زي الأتراك ، فدخل مكة [في](٤) ثامن ذي الحجة ، وخرج له مولانا الشريف ، فألبسه. وحج مولانا الشريف محسن بالناس.

وفي يوم النحر : ورد نجاب الحاج بنعي مولانا السلطان سليمان (٥) ابن إبراهيم خان. وولاية مولانا السلطان أحمد بن إبراهيم [خان](٦) أخي مولانا السلطان سليمان.

__________________

(١) ريع أذاخر : هو الجبل المتصل بالحجون من الشمال الشرقي ، والذي يشرف على وادي فخ من الجنوب ، وقد اقتصر الإسم اليوم على الثنية التي تصل بين وادي فخ والأبطح ، وهي الآن من حي الجعفرية. وهي الثنية التي دخل منها الرسول صلى‌الله‌عليه‌وسلم مكة يوم الفتح. البلادي ـ معجم معالم الحجاز ١ / ٧٨ ـ ٧٩ ، البلادي ـ معالم مكة ٢٢ ـ ٢٣.

(٢) أي أمير الحج الشامي.

(٣) هو السيد يحيى بن بركات بن محمد بن إبراهيم بن بركات بن أبي نمي. وبركات هذا كان شريفا لمكة في سنة ١٠٨٣ ـ ١٠٩٣ ه‍. المحبي ـ خلاصة الأثر ١ / ٤٣٦ ، ٤٥٠ ، الدهلوي ـ ملحق شفاء الغرام ٢ / ٣٠٦.

(٤) ما بين حاصرتين من (ج).

(٥) في (ج) ورد الإسم «سليمان خان بن إبراهيم».

(٦) ما بين حاصرتين من (ج). والسلطان أحمد بن إبراهيم خان : ولد سنة ١٠٥٢ ه‍ / ١٦٤٣ م ، وتولى عرش الدولة العثمانية سنة ١١٠٢ ه‍ / ١٦٩١ م ، وتوفي سنة ١١٠٦ ه‍ / ١٦٩٥ م. كان فاضلا حسن الصفات والأخلاق. اصاف ـ تاريخ سلاطين آل عثمان ١١٨ ، ايلماز أوزتونا ـ تاريخ الدولة العثمانية ٥٦٤ ـ ٥٦٩ ، محمد فريد ـ تاريخ الدولة العلية ٣٠٧ ، محمود شاكر ـ التاريخ الإسلامي ٨ / ١٤١ ـ ١٤٢ ، إبراهيم حليم ـ التحفة الحلمية ١٤٥ ـ ١٤٧.

١٣٥

فأمر مولانا الشريف بالنداء يوم النحر الثاني في شوارع منى لمولانا السلطان أحمد خان ، وصلى عليه (١) بمكة صلاة الغائب.

(ومن أحسن ما وقع تاريخ لهذا العام قول الشيخ سعيد المنوفي :

لمولانا تعالى الأفضل

وإحسان علينا ليس يجحد

وأحسن منة عظمت وجلت

لدينا ان حيط بحصرها عد

بني خلفاء بني عثمان فينا

أدام الله صولتهم وأيد

ملوك كالكواكب إن توارى

شهاب من سماهم لاح فرقد (٢)

ولما قدر المولى تعالى

وفاة مليكنا الهنكار الأمجد

وأعقبه بخير بني أبيه

أتى تاريخ ذا بحساب أبجد (٣)

وها هو ذا سليمان توفي

وأجلس بعده السلطان أحمد) (٤)

وفي يوم الأحد الرابع عشر من ذي الحجة : ورد أغاة من الأبواب بخلعة التأييد لمولانا الشريف ، والتعريف بوفاة مولانا السلطان [سليمان](٥) وتولية المتولي بعده (٦).

ولنرجع لخبر السعيد فنقول : إنه لم يحج هذا العام ، واستمر بأذاخر

__________________

(١) أي على السلطان سليمان خان.

(٢) الفرقد : نجم في السماء. وهو في الأصل نجمان يطوفان بالجدي. وقلما يغيبان عن النظر بالنسبة لسكان شبه الجزيرة العربية والعراق والشام. ابن منظور ـ لسان العرب ٢ / ١٠٨٨ ، يحيى عبد الأمير شامي ـ النجوم في الشعر العربي القديم ٥١.

(٣) البيت الأخير هو التاريخ بحساب الجمل.

(٤) ما بين قوسين من (ج) لأنه قد يتعذر قراءته من حاشية (أ).

(٥) ما بين حاصرتين من (ج).

(٦) أي تولية السلطان أحمد بن ابراهيم خان السابق ذكره.

١٣٦

إلى أن سافر الشامي والمصري ، فخرجت الأشراف عن طاعة مولانا الشريف ، وعاد الأمر إلى انقطاع الطرق ونهب الضعيف ، وترفعت الأسعار.

فنزل مولانا الشريف سعيد ببستان الوزير عثمان حميدان بالمعابدة.

ولما كان سلخ هلال ذي الحجة : اجتمع كبار العسكر إلى قاضي الشرع المتولي ، فأمرهم بمعاودته بعد صلاة العصر ، وأمر فراشا بجمع الفقهاء وبياض الناس.

فأجمع رأيهم على كتابة عرض إلى الأبواب في شكوى حالهم ، وما وقع لهم من الأشراف. فاشتد الأمر بهذا الطارئ (١) أكثر من الأول.

[سنة ١١٠٣ ه‍]

وهلّ شهر المحرم (٢) من سنة ١١٠٣ ألف ومائة وثلاثة ، فتفرقت عسكر مولانا الشريف من يديه ، ولم يبق معه من يعول عليه. فنمي إليه أن الشريف سعيد والسيد عبد الله بن هاشم يحاول كل منهما نيل هذه المنزلة.

فطلب ليلة الأربعاء الثالث من محرم من صاحب جدة [محمد باشا](٣) أن يبعث له عسكره يبيتون بالباب. فباتوا تلك الليلة إلى الصبح. فكان (٤) صاحب جدة لما بلغه هذا الأمر ، كره أن يتم من غير رأيه ،

__________________

(١) الطاري : من طرأ ، بمعنى ورد وأقبل مفاجأة. ابن منظور ـ لسان العرب ٢ / ٥٧٦.

(٢) في (ج) ورد «وهل شهر المحرم افتتاح سنة ١١٠٣».

(٣) ما بين حاصرتين من (ج).

(٤) في (ج) «وكان».

١٣٧

فتأهب في خدمه وأترابه ، فطلع لمولانا الشريف ، ودعى القاضي وبعض الوجوه ، وبعثوا إلى الشريف سعيد من يأمره بالخروج من البلد ، فامتنع المأمورون (١) بذلك وقالوا :

«ما حصل من الرجل ما يوجب خروجه على هذا الوجه».

فاقتضى رأي الصنجق أن يركب بنفسه في عسكره ، ومعه الأصباهية من العسكر المصري ، ويطلع إلى المشار إليه ، فيخرجه.

فركب قبيل صلاة الظهر متوجها إليه في أوفر (٢) عدة ، نحوا من ستمائة عسكري.

فلما وصل سوق المعلاة خرج في ساقته (٣) بعض الأشراف ، منهم السيد مساعد بن سعد ، والسيد عبد المحسن بن أحمد بن زيد ، وجماعة أخرى من طريق سوق الليل ، واعترضوه عند تربة النسفي ، فردوه مكرها قبل أن يصل ، وأخبروه أنه إن جاوز هذا الحد قتل البتة.

فرجع ، وبات ليلة الخميس ، ورحل من / يومه بعد صلاة الظهر ، ونزل بالسبيل الذي بذي طوى (٤). وبات تلك الليلة ، وسار يوم الجمعة إلى جدة.

__________________

(١) في (أ) «فامتنعت المأمورين». والاثبات من (ج).

(٢) في (أ) وردت «في اقري». والاثبات من (ج).

(٣) الساق مؤخرة الجيش ، وتكون في الخلف. والمقصود أن هؤلاء الأشراف اتبعوهم.

(٤) في (أ) «بطوى». والاثبات من (ج).

١٣٨

ولما كان يوم السبت السادس من محرم الحرام من السنة المذكورة (١) : نزل مولانا الشريف سعيد بالمعلاة بالدفتردارية (٢) ، ولازمه بعض عسكر الشريف الذين نفروا عنه ، واجتمعت عليه العامة.

فلما بلغ ذلك عسكر مصر طلعوا إلى القاضي ، فاستدعى القاضي بعض الأشراف وبعض وجوه الناس ، وبعثوا إليه (٣) يسألونه (٤) عن هذا الفعل. فقال : «مرادي أنزل دار أبي ، فمن يمنعني من ذلك».

وجاء الخبر إلى مولانا الشريف [محسن](٥) فنزل عن المكانة لمولانا السيد مساعد بن سعد ، وجاء السيد مساعد إلى القاضي لتسجيل هذا النزول.

فجاءهم الخبر أن مولانا الشريف سعيد (٦) وصل المسعى ، فخرج مولانا من دار السعادة إلى منزل مولانا السيد ثقبة بن قتادة.

ولم يزل مولانا الشريف سعيد ، إلى أن دخل منزل أبيه (٧) وجده (٨).

__________________

(١) ١١٠٣ ه‍.

(٢) من دفتردار. وهي كلمة فارسية وتركية ، معناها على وجه الدقة : حافظ السجلات. ويطلق هذا الاسم في الدولة العثمانية على المشرف على المالية. وكذا يطلق على من يتولى تدبير الشؤون المالية في كل ولاية من الولايات. محمد ثابت ـ دائرة المعارف ٩ / ٢٥٠ ـ ٢٥١ ، حسين المصري ـ معجم الدولة العثمانية ٨٨ ـ ٨٩.

(٣) في (ج) «بعثوا إلى الشريف».

(٤) في النسختين «يسألوه». والتصحيح من المحققة.

(٥) ما بين حاصرتين من (ج).

(٦) لم ترد في (ج).

(٧) الشريف سعد.

(٨) جده الشريف زيد بن محسن.

١٣٩

والمنادي بين يديه ينادي له بالبلد ، وليس معه أحد غير العامة.

فلما بلغ أخاه ، نزل له عمّا (١) نزل له به مولانا الشريف من المكانة ، بحضرة القاضي والمفتي وكبار العسكر ، فسجّل ذلك ، وبعث له القاضي بقفطان نيابة عن مولانا السلطان ، فلبسه بعد صلاة العصر في منزله ، ونودي بالزينة في البلد لسبعة ليال (٢) ، ولم يخالف [أحد من الأشراف](٣).

[ولاية الشريف سعيد بن سعد بن زيد]

فولي مكة مولانا الشريف سعيد بن سعد بن زيد بن محسن (وجلس للتهنئة يوم الأحد سابع محرم من السنة المذكورة (٤).

وممن امتدحه في هذه الولاية صاحبنا الأديب الفاضل ، الشيخ حسن ابن زمر اليمني الشافعي (٥) بقصيدة طنانة ، وهي قوله :

لمعت في غياهب الديجور (٦)

بارقات الوصال للمهجور

__________________

(١) وردت في (ج) «عما نزل له به». تقديم وتأخير.

(٢) في (ج) «سبعة أيام».

(٣) ما بين حاصرتين مطموس في حاشية (أ). والاثبات من (ج).

(٤) ١١٠٣ ه‍.

(٥) في (ج) وفي الاتحاف لمحمد الطبري ٢ / ٨٤ ورد الاسم «حسن بن زمر». وفي نشر النور والزهر لأبي الخير مرداد ١٧ ـ ١٧٦ ذكر الاسم «حسن زمزمي اليماني الشافعي الأديب المكي مولدا اليماني وطنا الزاهد في حياته ، ووفاته سنة ١١٣٢ ه». وهذه المعلومات استقاها أبو الخير من الاتحاف. وبالرجوع إلى الاتحاف وجدت مطابقة جميع المعلومات لما في نشر النور وإن كان الإسم كما هو «حسن زمر». انظر : الاتحاف ٣ / ٤١ ـ ٤٢.

(٦) الديجور : الظلمة ، ووصفوا به فقالوا : «ليلي ديجور». ابن منظور ـ لسان العرب ١ / ٩٤٨.

١٤٠