منائح الكرم في أخبار مكة والبيت وولاة الحرم - ج ٥

علي بن تاج الدين بن تقي الدين السنجاري

منائح الكرم في أخبار مكة والبيت وولاة الحرم - ج ٥

المؤلف:

علي بن تاج الدين بن تقي الدين السنجاري


المحقق: الدكتورة ملك محمد خياط
الموضوع : التاريخ والجغرافيا
الناشر: جامعة أم القرى
الطبعة: ١
ISBN الدورة:
9960-03-366-X

الصفحات: ٥٨١

الأشراف والعربان ، ففتك بهم ، وكانت وقعة شنيعة ، نهبت فيها النساء ، وقتلت فيها الأطفال ، وأخذوا ما وجدوه من غنم وجمال وحمير.

ورجع إلى مكة [يوم الأربعاء](١) ثالث جمادى الثاني ، ونزل داره ، واستمر إلى رابع عشر جمادى الثاني : فجاءه الخبر أن آغاة القفطان الوارد السابق ذكره ، قد ورد جدة ، وألبس محمد بيك قفطان الإستمرار ومعه بعض الأشراف من ينبع.

ثم عقب هذا أنه نودي بجدة لمولانا الشريف محسن بن الحسين ، فاضطرب حال الشريف (٢) ، وفرق العسكر في المتاريس والطرقات وشعاب مكة ، واضطرب الناس لذلك ، فأمر بمنادي ينادي بالأمان ، فركب حاكمه ومعه السيد عبد الله بن جازان ، ونادى في شوارع مكة بالأمان ، فهدأ الناس ، ثم اجتمع قاضي الشرع ورؤوس بلكات العساكر ، واتفق معهم على أن يبعثوا إلى صاحب جدة ، ويسألونه عن هذا الشأن. فجمعوا الفقهاء ، وكتبوا محضرا وضع عليه الحاضرون خطوطهم بتخطئة الباشا في هذا الفعل ، وعرفوه بأن مولانا الشريف غير مسلم لهذا الأمر ، إلى غير ذلك. ونزل به مولانا السيد عبد الله بن حسين ابن عبد الله ومعه عبد المحسن بن هاشم بن محمد بن عبد الله ، ومعهم جماعة من القاضي ، وجماعة من أصحاب البلكات ، فرجعوا وخبروا بعدم الوفاق ، ولم يزل الأمر يتفاقم.

__________________

شرق جدة. البلادي ـ معجم معالم الحجاز ٦ / ٤٩ ـ ٥٠.

(١) ما بين حاصرتين من (ج).

(٢) حال الشريف أحمد بن غالب.

١٠١

وسبب انقلاب صاحب جدة على مولانا الشريف ، توليته وزارة جدة لابن حميد القرشي ، فإنه ورد جدة ، وجعل يناقض الباشا [في كل أمر](١) ، إلى توحش خاطره بعد صفائه ، فرجع لغدره بعد وفائه.

ثم إنه ورد الخبر من الطائف بأن السيد حسن بن أحمد بن الحارث نادى في الطائف للشريف محسن ، وتدانت الأشراف الذين مع السيد [أحمد](٢) بن سعيد إلى البلد ، فأخذوا إبلا لمولانا الشريف نحو خمس مائة ناقة من نحو السعدية.

ولم يزل مولانا الشريف في التحرز ، وأمر عسكر اليمن بملازمة (٣) الأروقة التي خارج المسجد ليلا ونهارا.

ولما كان يوم الخميس العشرين من جمادى الثانية : خرج من مكة السيد محمد بن حمود (٤) مغاضبا أيضا ، ونزل العابدية (٥) من نحو نعمان.

وفي يوم الجمعة السادس عشر من جمادى الثاني كتبوا عرضا إلى صاحب مصر وإلى الأبواب ، ينهون ما وقع من صاحب جدة ، وأكثروا

__________________

(١) ما بين حاصرتين من (ج).

(٢) ما بين حاصرتين من (ج).

(٣) في (ج) «بملازمته».

(٤) في (أ) «محمود». والاثبات من (ج) ، ومن العصامي ـ سمط النجوم العوالي ٤ / ٥٢٨ ، ٥٤٦ ، ٥٦٨. وهو محمد بن حمود بن عبد الله بن الحسن بن أبي نمي بن بركات.

(٥) العابدية : عين جنوب غربي عرفة على بعد كيلو واحد منها تقريبا ، وهي من قرى آل زيد الأشراف. حمد الجاسر ـ المعجم الجغرافي ٢ / ٩٢٣ ، أحمد السباعي ـ تاريخ مكة ٢ / ٤٤١.

١٠٢

الشناعة عليه.

ولما كان السادس من رجب : اجتمع في الحطيم مولانا الشريف ، وقاضي الشرع ، والفقهاء ، وجماعة من الأشراف.

فجعل مولانا الشريف يشكو حاله على القاضي ، وما وقع من صاحب جدة [في حقه](١) ، وأنه كان سبب تفرق الكلمة منه (٢) ، وتفحل الأشراف ، وقد انقطعت الطرق ، ونادى في جدة (٣) من غير أمر السلطنة ، وأن مطلوبي أن تكتبوا لي حجة في تجويز مقاتلتة ، لئلا تنقم علي السلطنة ذلك.

فقال له كبير أغا سردار العسكر : «يا شريف نحن محافظون لمكة ، إذ ورد عليها عدو ونحن نقاتل ، وأما الأشراف فهم بنو عمك ، لا ندخل بينكم. وأما الباشا فنسأله عما فعل ، فإنه لا يفعل شيئا من ذاته في بلد السلطان».

فاتفق الأمر على أن يرسلوا إلى صاحب جدة رسولا من القاضي ، وانفض المجلس عن شناعة ظاهرة ، فأرسل / القاضي رسولا إلى صاحب جدة ، فعاد الرسول (٤) بلا مراد. وفي هذا اليوم أخرج مولانا الشريف بعض المدافع إلى جهة الشبيكة (٥) ، وبعضها إلى جهة المعلاة ، وبعضها إلى

__________________

(١) ما بين حاصرتين من (ج).

(٢) في (ج) «عنه».

(٣) في (ج) «عن».

(٤) سقطت من (ج).

(٥) الشبيكة : بلفظ تصغر الشبكة التي يصاد بها. وهي موضع بين الزاهر ومكة ـ كما جاء في ياقوت الحموي ـ معجم البلدان ٣ / ٣٢٤. وهي الآن من أحياء مكة

١٠٣

جهة بركة ماجن من جهة اليمن ، في كل جهة مدفعان.

وخرج في عصر ذلك اليوم إلى بركة ماجن ، ومعه الحاكم ومن معه من الأشراف ، ولعب هناك الحمام ، ثم بعد ذلك اليوم خرج إلى جهة الزاهر ، وحصل هناك بعض لعب أيضا. ثم خرج في اليوم الثالث إلى نحو البركة.

ولما كان ليلة الخميس التاسع من رجب : دخل مكة السيد بشير بن مبارك بن فضل من المدينة ، وكان قائم مقام (١) مولانا الشريف هناك ، فتحقق بذلك إنحلال الأمر ، وأخذ في التأهب للقتال ، وتفكك عنه جماعة من الأشراف كانوا معه ، إلا من شذ وكانوا قليلين (٢) ، وصاروا يخرجون في الدروع والزرد إلى البركة ، إلى أن كان يوم الجمعة ثاني عشر رجب الفرد ، ففي ضحى ذلك اليوم : جاء الخبر أن الشريف محسن ومن معه نزلوا بالزاهر ، وأن السيد أحمد بن سعيد والصنجق في أول القوم ، فأطلق الصنجق سبع مدافع لما نزل الزاهر ، فركبت الأشراف الذين مع الشريف أحمد بن غالب ، وخرجوا إلى جرول ، واستمروا هناك ومعهم بيرق عسكري من اليمن.

وخرج إلى جهة المعلاة جماعة أيضا من العسكر ، وجماعة إلى جهة

__________________

المكرمة الكبرى التي تمتد من المسجد الحرام غربا إلى ريع الحفائر شمالا إلى حارة الباب.

أنظر عنها : البلادي ـ معجم معالم الحجاز ٥ / ١٨ ، أحمد السباعي ـ تاريخ مكة ١ / ٣٤ حاشية (١) ، ٢ / ٢٥٨ حاشية (٢).

(١) في (ج) وردت «قام مقام».

(٢) بالأصل قليلون والتصحيح لا تساق المعني نحويا.

١٠٤

البركة ، ومولانا الشريف في بيته.

ولما كان يوم السبت : بعثوا من جهتهم السيد عبد الله بن سعيد بن مبارك (١) بن شنبر ، والسيد حمزة بن موسى (٢) ، وشريف آخر ، فدخلوا إلى قاضي الشرع ، واستدعوا رؤوس البلكات ، وأظهروا صورة بيوردي (٣) باشوي ، وطلبوا من القاضي تسجيله ، ومقتضاه : تولية الشريف محسن ، فامتنع. وطلب نفس البيوردي الباشوي ، فرجعوا. فركب سردار الإنقشارية ، وخرج إلى الصنجق في هذا اليوم. ورجع من دون فصل أمر ، وباتوا تلك الليلة والمحاصرة والفزعات (٤) في كل مكان ، ونهب الوزير سنبل في هذه الأيام بعض التجار ، وأخذ منهم أموالهم.

فلما كان ضحى يوم الاثنين : ثارت الإنقشارية لعدم تنفيذ البيوردي الواصل صورته من الباشا ، لأمر وقع (٥) بليل. فهجموا على القاضي في مدرسة السليمانية ، وأعانتهم العامة لما لحقهم من التعب ، فرجموه ورجمته العامة معهم ، فهرب من سطح المدرسة ، فلم يجدوه ، فنهبوا ما وجدوه ، وأطلقوا البنادق على المدرسة. فجاءت طائفة من

__________________

(١) في (ج) «امبارك».

(٢) هو حمزة بن موسى بن سليمان. أنظر عنه : العصامي ـ سمط النجوم العوالي ٤ / ٥٤٠.

(٣) بيوردي أو بيورلدي : أمر صادر من ديوان الصدر الأعظم ، أو أمر يصدر من قبل الوالي أو من شابهه إلى صاحب مصلحة. حسين نجيب المصري ـ معجم الدولة العثمانية ٥٢.

(٤) الفزعات / من معنى الفزع ، وهي الإغاثة. ابن منظور ـ لسان العرب ٢ / ١٠٩٣.

(٥) إشارة إلى تدبير دبر في الخفاء.

١٠٥

جماعة مولانا الشريف ، ودخلوا الحرم ، ورموا في وسط الحرم (١) وتطارحوا ساعة ، ودخل عسكر الشريف مدرسة الأفندي عبد الله عتاقي مفتي الحنفية على أهله وعياله ، وكان قصدهم الإيقاع به في هذا اليوم ، إلا أن بعض حضار مجلس الشريف أوصى إليه بذلك ، ففر من داره واستتر عنهم ، فقالوا حينئذ : «إنما نريد أن نمتنع من العسكر». فكثر العسكر على طائفة مولانا الشريف ، وأخرجوهم من الحرم ، بعد قتل بعض العبيد ، وقتل رجل في المسجد من الهنود في / الواقعة ، ثم انحاز العسكر إلى بيت السردار ، وعزل السوق (٢).

وورد من جهة الشريف محسن والصنجق ، السيد عبد الله بن سعيد ، فاجتمع بمولانا الشريف ، وخرج من عنده إلى جماعته (٣) ، فكان قول مولانا الشريف : «من الصواب تسليم البلد».

فدعى بالحاكم أحمد بن جوهر ، وقال له : «استلم البلد لسيدك».

وأرسل إلى الجماعة يطلب منهم رجلا يودعه طوارفه على جري عادتهم ، فعينوا له السيد أحمد بن سعيد ، وطلب له مهلة عشرين يوما يتجهز فيها ، وهو خارج من البلد.

وخرج الحاكم أحمد بن جوهر ، فنادى في الشوارع بالأمان ، وأن

__________________

(١) أي أطلقوا النار في الحرم.

(٢) المقصود بعزل السوق اغلاق المحلات فيه عن البيع والشراء خوفا من القتال والفوضى.

(٣) إلى أنصاره ومؤيديه.

١٠٦

السوق يبسط (١).

ولما كان ليلة الثلاثاء الثاني والعشرين من رجب : خرج مولانا الشريف أحمد بن غالب إلى الحسينية ، قاصدا جهة اليمن.

فلما كان ضحى يوم الثلاثاء : ألبس مولانا الشريف محسن بن الحسين القفطان الوارد به الأغا المذكور سابقا من مخيمه بالزاهر.

وخرجت إليه العساكر المصرية ، ودخل هو ومن معه من الأشراف من الحجون في آلاي عظيم (٢) ، ومعه محمد باشا صاحب جدة ، وخرج إليه الأشراف الذين تخلفوا عن الشريف أحمد بن غالب ، فلاقوه عند سبيل السلطان مراد (٣) بالمعلاة ، فحيوه ودخلوا معه ، ولم يخرج مع مولانا الشريف أحمد بن غالب أحد من الأشراف سوى ذوي فضل (٤) ،

__________________

(١) كناية عن الهدوء والاستقرار في البلاد بعد الفوضى والإضطراب الذي كان فيما سبق. والبسط بمعنى النشر. ابن منظور ـ لسان العرب ١ / ٢١٣. والمقصود أن السوق يفتح أبوابه للناس.

(٢) في (ج) «أعظم».

(٣) السلطان مراد بن سلطان بن سليم خان. ولد عام ٩٥٣ ه‍ بالقسطنطينية. تولى عرش السلطنة سنة ٩٨٢ ه‍ إلى سنة ١٠٠٣ ه‍ ، قدم في خلالها مجموعة من الأعمال الهامة لإقليم الحجاز ، مثل تعمير الجانب الغربي والجنوبي من المسجد الحرام ، حفر مجرى للسيل في الجانب الجنوبي منها ، وإنشاء طواجن لسكن الفقراء ، وحنفيات للوضوء ، وإلى غير ذلك من الأعمال في مكة وكذلك في المدينة وينبع البحر. عن هذه الأعمال ، انظر : النهروالي ـ الإعلام بأعلام بيت الله الحرام ٢٧٩ ، القطبي ـ أعلام العلماء ١٢٥ ـ ١٣٣ ، ١٤٦ ـ ١٥٢ ، السنجاري ـ منائح الكرم ٢ / ١١٥ ـ ١٢٣ ، ١٢٥ ـ ١٢٧ ، حوادث ٩٨٢ ه‍ ، القرماني ـ تاريخ سلاطين آل عثمان ٨٤ ـ ٨٥ ، حسين عبد الله باسلامة ـ تاريخ عمارة المسجد الحرام ٨٨ ـ ٩٧.

(٤) ذوو فضل هم رهط السيد بشير بن مبارك.

١٠٧

ومن يلوذ به كالترجمان ، وقاسم التربتي ، وولده ونحوه.

[ولاية الشريف محسن بن الحسين بن زيد]

فولي مكة مولانا الشريف محسن بن الحسين بن زيد ، وجلس بدار السعادة للتهنئة يوم الثلاثاء ثاني عشرين من رجب الفرد الحرام.

ومولد المذكور بعد الخمسين والألف ، نشأ في كفالة جده المرحوم الشريف زيد بعد انتقال والده بعد الستين ، ولم يزل إلى أن سافر إلى الأبواب مع عميه (١) ، ثم انتقل قبلهم إلى مصر ، وأقام بها ، إلى أن رجع إلى مكة هذا المرجع ، فأقام مع عمه (٢) إلى أن توفي ، ثم خرج هذا المخرج ، فرجع وقد كمل بدره ، وبذخ فخره.

وفي هذا اليوم دخل عليه الشيخ عبد الواحد بن محمد الشيي الحجبي وولده الشيخ عبد المعطي ، فما قام (٣) لهما ـ فقبلوا يده ، وخرجوا ـ لأمر في نفسه منهم ، وكذلك دخل عليه السيد [علي](٤) ميرماه مدرس السليمانية ، ابن امرأة السيد صادق بادشاه مفتي الحنفية سابقا ، فلم يقم له لأخبار بلغته عنه (٥).

وفي يوم الأربعاء : تشفع قاضي الشرع بسردار العرب ، فطلع معه

__________________

(١) الشريف أحمد بن زيد والشريف سعد بن زيد.

(٢) سعد بن زيد الذي ولاه فيما بعد ولاية المدينة إلى أن توفي. أنظر : مجهول ـ مخطوط تكميل وتذييل فيما يتعلق بأمراء مكة ورقة ١٠.

(٣) كناية عن غضب الشريف عليهما ، وسوف يتضح ذلك فيما يلي.

(٤) ما بين حاصرتين من (ج).

(٥) هذه الأمور سوف تظهر فيما بعد.

١٠٨

مولانا الشريف ، فلاقاه بالإجلال والإكرام ، وألبسه فروا سمورا ، وكان شدد في عدم دخوله إلى مكة ، فلم يعامله بعمله.

وامتدح مولانا الشريف أدباء العصر ، على جري العادة ، ومما قلته أنا فيه ، وأنشدته إياها في مجلس خاصّ ، قولي :

يا عين هذا الملك المحسن

وهذه مكة والموطن

قد رجع الملك إلى أهله

وليس في ذا القول من يطعن

فشاهدي من فيه [لي](١) شاهد

بأنه الأكمل والأمكن

والتفتي هل تبصري حوله

غير بني عمه له أذعنوا

من كل من لو عاند الدهر ما

دارت به الأفلاك أو يأذن

ذرية بعضها من بعضها

حتى يوافي الحسن الأحسن

أبو الملوك الشم من هاشم

ومن به طاب لهم معدن /

يأخذ الثأر بمحض الحجا

والرأي لا بالقوس يسترهن

ما احتجت في النصر إلى سعف

بفتية في سفن ترفن

بل سرت من نفسك في جحفل

ضاق به جنح الدجى الأدكن

مصاحب الحرم وما مكة

إلا لذي حزم فتى ضيزن (٢)

حتى انجلى بدرك في هالة

لا يقدر النحس لها يركن

وحين ضاق الرحب وسعته

بالسيف يعزى والقنا تجفن

والحلم إلا عن ظلوم (٣) فمن

يحلم عن ظالمه يجبن (٤)

__________________

(١) ما بين حاصرتين من (ج).

(٢) ضيزن : الحافظ الثقة. ابن منظور ـ لسان العرب ٢ / ٥٣٤.

(٣) في (أ) «إلا عن ظلوم». والاثبات من (ج).

(٤) في (أ) «تجبن». والاثبات من (ج).

١٠٩

قد أعطت الحرب لحرب أعز

وقد أتى البراض (١) ما يمكن

وما شفا لوعة مستنقم

كدمع عن معقودها المأمن

فهي إذا ما ندبت سيد

شدت بمدح الآخر الألسن

والعقل والسيف إذا اجتمعا

للمرء فالقصد له ممكن

ولم تزل حتى أتتك العلا

سامرة قد شاقها البهكن (٢)

لله ما أبداه ومن حكمة

للناس طرأ (٣) منعك المتقن

خرجت كي تأتي لنا واليا

والحق من يطلب لا يغبن

لقد رمن ناويك (٤) أن الورى

أيديكم السمح لها أرسن (٥)

وأينما كنتم تكون المنى

وأينما الظعن لكم يظعن

فهذه مكة ألقت لكم

أفلاذها واجتمع الأذهن

وفارقت أوطانها سادة

في حبكم لو لا أن اخشوشنوا

فالشام أضحى مثل أم القرى

أمنا بكم والحل لا يؤمن

تخطفها الأعراب من بعدكم

وضاق ذرعا من بها ممكن

__________________

(١) في النسختين «البراص». والصحيح «البراض». وهو البراض بن قيس بن رافع الكناني أحد فتاك العرب ، وكان يضرب المثل بفتكه ، فيقال : أفتك من البراض. وبفتكه قامت حرب الفجار بين كنانة وقيس بن عيلان ، لأنه قتل عروة الرحال القيسي. أنظر عن ذلك : ابن الأثير ـ الكامل في التاريخ ط ٢ ، دار الكتاب العربي ، بيروت ١٣٨٧ ه‍ / ١٩٦٧ م ، ١ / ٣٥٩ ـ ٣٦٣ ، ابن منظور ـ لسان العرب ١ / ٩٦.

(٢) البهكن : الجارية الخفيفة الروح ، الطيبة الرائحة ، المليحة الحلوة. ابن منظور ـ لسان العرب ١ / ٢٧٨.

(٣) في (ج) «طر».

(٤) في (أ) «فاريك». والاثبات من (ج).

(٥) الرسن : الحبل ، والجمع أرسان وأرسن. ابن منظور ـ لسان العرب ١ / ١١٦٨.

١١٠

وسلط الله على أهلها

من ذكره في الشعر لا يحسن (١)

فلم تزل تدنو على هونة

محاولا أن الدماء تحقن

وسعد (٢) الذابح عن برجه

يفعل ما لا يفعل الأرعن

حتى لقد مل العنا حامل

والسيف قد أعيى به البرثن (٣)

فعدت (٤) والأمن كأن لم يكن

سار بك الحاضر والفرسن (٥)

فالحمد لله على عودكم

لمكة حتى بها يسكن

فها هي اليوم عروس الهنا

ما مصر ما الغوطة (٦) ما أردن )

مهابط الوحي التي عندها

يرخص در المدمع الميمن

__________________

(١) نلحظ تقلب الشاعر في مدحه من شريف إلى آخر.

(٢) في (ج) وردت :

فسعدك الذابح في برجه

يفعل ما لا يفعل الأرعن

سعد الذابح : كوكبان متقاربان ، يسمى أحدهما ذابحا لأن معه كوكبا صغيرا غامضا ، يكاد يلزق به فكأنه مكب عليه يذبحه. ابن منظور ـ لسان العرب ٢ / ١٤٦.

ابن رشيق : أبو علي الحسن بن رشيق ـ العمدة ، حققه ، محمد محيي الدين عبد الحميد ، ط ٤ ، دار الجيل ، بيروت ١٩٧٢ م ، ٢ / ٢٥٥. يحيى عبد الأمير الشامي ـ النجوم في الشعر العربي القديم ط ١ ، دار الإعلانات الجيدية ، بيروت ١٤٠٢ ه‍ / ١٩٨٢ م ، ص ١٠٨.

(٣) البرثن : مخلب الأسد ، وقيل الكف بكاملها مع الأصابع. ابن منظور ـ لسان العرب ١ / ١٨٤.

(٤) في (أ) «فدت». والاثبات من (ج).

(٥) الفرسن والفرسان من أسماء الأسد. ابن منظور ـ لسان العرب ٢ / ١٠٧٤.

(٦) الغوطة : المطمئن من الأرض. وقيل هي مجتمع النبات. وهي الكورة التي منها دمشق ، وكلها أشجار وأنهار. عنها ، أنظر : ياقوت ـ معجم البلدان ٤ / ٢١٩.

(٧) الأردن : أحد أجناد الشام ، وهي كورة واسعة فيها الغور وطبرية ، وصور وعكا وما بين ذلك. ياقوت ـ معجم البلدان ١ / ١٤٧.

١١١

حليتم أجياد ساداتها

فيكم بعقد فضله بيّن

وقلتم للأمن من بعد الجلا

عد للورى فالحر لا يضغن (١)

فمن لي شاهدها عندكم

بشكركم (٢) إذ تنطق الألسن

علمتم الفخر حسن الثنا

حتى تساوى الفحل والألكن (٣)

فكل من الكون حي وليكن

رقيق اللفظ له مستحسن

فهاك من حلة لم تكن

تبصرها لولاكم الأعين

بمثلها أولا فان لا أرى البلي

غ أمثالكم به يلهن

فلاقها بالبش فهي التي

في الشعر كالخال بها يفتن

بقيت ما طاب نسيم الصبا

غب سحاب في الربى يهتن /

ولا خلوت الدهر من قائل

يا عين هذا الملك المحسن

وممن مدحه ، صاحبنا الشيخ عبد الملك (٤) العصامي ، بقوله :

تهلل الدهر عن نشوق ذي أثر

مراوحا بين طيب البشر والبشر

وطاب من بعد لقياه المقيل فمن

شمول أصالة أو عنبر السحر

وغنا أفق الهنا والروض فاشتبهت

ألحان ذاك وذا بالزهر والزهر

وواصلت بعد وشك الناي غانية

قصر عن طول طول لا عن لقصر

صفراء يبدو محياها لناظره

شمسا تلفع شفافا من الخمر

__________________

(١) الضغن : الحقد. ابن منظور ـ لسان العرب ٢ / ٥٣٨.

(٢) في (أ) «يشكركم». والاثبات من (ج).

(٣) الألكن : الذي لا يقيم العربية من عجمة في لسانه. ابن منظور ـ لسان العرب ٢ / ٣٩٢.

(٤) في (أ) ورد الإسم «عبد الله العصامي». والاثبات من (ج).

١١٢

بهراء (١) ألبسها بهرام (٢) حلته

وقلدت من حلي الجوزاء (٣) بالدرر

عذراء ساكنة اللحظين سا

مكة النهدين ساحبة البردين في خفر (٤)

من قوس حاجبها خوف الأمان كما

من قوس حاجب أمن الخائف الحذر

تريك من ميم ثغر سين مبتسم

عذب شهي برود مسكه عطر

كشمسه من لجين (٥) في زمردة (٦)

قد ضمنت لؤلؤ يزدان بالصفر

شماء (٧) ان سفرت وطفاء (٨) ان نظرت

لفاء (٩) إن خطرت أذنت إلى الخطر

لله كم خفرت عهدي على خفر

فمن خفيري ترى من ذلك الخفر

شكوت للطيف أشواقي فعاتبها

عني (١٠) فزارت تداوي الجرح بالبتر

في ليلة صقل الأضواء ملبسها

لما بدا بدرها يستن في البدر

__________________

(١) البهر : ما اتسع من الأرض ، والبهرة : الأرض الواسعة بين الأجبل. ابن منظور ـ لسان العرب ١ / ٢٧٥.

(٢) بهرام : اسم للمريخ. ابن منظور ـ لسان العرب ١ / ٢٧٧.

(٣) في (ج) «الجوزا». والجوزاء : نجم من بروج السماء ويقال لها الجبار أيضا. ابن منظور ـ لسان العرب ١ / ٥٣٣ ، يحيى عبد الأمير شامي ـ النجوم في الشعر العربي القديم ٢١٨.

(٤) في النسختين وردت كما في أعلا. ولوزن الشعر يجب أن يكون هكذا :

عذراء ساكنة اللحظين سامكة الن

هدين ساحبة البردين في خفر

(٥) اللجين / الفضة. ابن منظور ـ لسان العرب ٣ / ٣٤٦.

(٦) الزمردة : نوع من الجوهر. ابن منظور ـ لسان العرب ١ / ٤٥.

(٧) شماء : كناية عن الرفعة والعلو والشرف الأنفس ، وهو مما يمدح به بقولهم : رجل أشم ، وامرأة شماء. ابن منظور ـ لسان العرب ٢ / ٣٦٤.

(٨) وطفاء : امرأة كثيرة شعر أهداب العين. ابن منظور ـ لسان العرب ٣ / ٩٤٨.

(٩) لفاء : ملتفة الفخذين ، ضخمة الفخذين مكتنزة. ابن منظور ـ لسان العرب ١ / ٣٣٨.

(١٠) في (أ) «عين». والاثبات من (ج).

١١٣

كأنها راية الإجلال يقدمها

لمحسن بن حسين راية الظفر

سلطان أم القرى كاليء طوارقه (١)

أكفاف الحجاز شريف العين والأثر (٢)

شهم أحد إلى العلياء طول سرى

في عصبة كلهم شهم أغر سري (٣)

فأبلغته سعودات الجدود إلى

منازل أعظم بها كانت لمفتخر

جاءته (٤) رائعة للوصل طامعة

خجلا خاضعتة في زي معتذر

كأن من شوق إليه بها

ما بالغريب إلى الأحباب والدير

التام فرق عصاها وارتضاه لها (٥)

منظور أهل بهاها بعد معتبر

سرت سر حميا سرور بالنداء له

سرت سرائر أهل السهل والوعر

سرا من الله في ذا البيت حبهم

عند الأنام شقيق السمع والبصر

فيا ذوي (٦) زيد لا ثلت عروشكم

وسالمتكم صروف الدهر والغير

لكم خلايق أملاك تسر بها

قلوب اساد غاب في رؤوس بشر

فدمتم لرواق (٧) الملك أعمدة

بها يقام قوام الدين عن أطر (٨)

__________________

(١) في (ج) «طوارف».

(٢) في النسختين البيت كما في أعلاه ، وهو غير موزون.

(٣) سري : بمعنى المروءة والشرف. ابن منظور ـ لسان العرب ٢ / ١٣٩.

(٤) في (أ) «جائته». والاثبات من (ج).

(٥) في (أ) «وارتضاء لها». والاثبات من (ج).

(٦) نسبة إلى زيد بن محسن بن حسين بن حسن ، وإليه ينسب أمراء مكة ذوو زيد. عبد الستار الدهلوي ـ ولاة مكة بعد الفاسي ، ملحق بكتاب شفاء الغرام ـ الفاسي ، عيسى البابي الحلبي ، مصر ٢ / ٣٠٣ ـ ٣٠٤.

(٧) الرواق : بيت كالفسطاط يحمل على عمود واحد طويل. إبراهيم أنيس ـ المعجم الوسيط ١ / ٣٨٣.

(٨) أطر : كل ما أحاط بشيء فهو له أطره وإطار. ابن منظور ـ لسان العرب ١ / ٧٠.

١١٤

وحاط دولتكم سور يمنعها

على الدوام من الآيات والسور

وروض البلاد أكناف البلاد بكم

وانهل في ساحتيها وابل المطر

ومن ذلك قول صاحبنا الشيخ سعيد المنوفي مؤرخا الولاية المذكورة بقوله / :

يا مليكا قرت به أعين المج

د وسرت به أباطيح (١) مكة

يهنك الملك المنصب الذي تقلد

ت (٢) على رغم من يساويك ملكه

منصب قد أتاك تاريخه في

بيت شعر أجاد (٣) ذا العبد سبكه

أولى الملك محسن سبط زيد

أيد الله بالسيادة ملكه

ولما كان يوم الجمعة ، الخامس والعشرين من رجب : جلس مولانا الشريف في الديوان العام ، وحضر الفقهاء والصنجق ، وكبار العسكر ، فطلع من جملة الفقهاء الشيخ عبد الواحد الشيي ، فأرسل مولانا الشريف يطلب السيد علي ميرماه السابق ذكره ، فجاء وحضر ، فأمر مولانا الشريف بإحضار بعض شيء من السكة التي سكها مولانا الشريف أحمد ابن غالب ، وأحضر الصوغ الذين سكوها ، فسألهم مولانا الشرف عن هذا الذهب ، فقالوا :

«نحن سكبناه بأمر مولانا الشريف أحمد».

فسألهم : «ما الذي سكبتموه؟».

__________________

(١) في (ج) «أباطح».

(٢) في (ج) «قد تقلدت».

(٣) في (أ) «أجاز». والاثبات من (ج).

١١٥

فقالوا : «أسورة وحجول»!!.

فسئلوا عن سبب قساوته. فقالوا : «لما خالطه من اللحام في الصنع الأول».

فقامت العامة ، وقال :

«انه أصله من ذهب قناديل الكعبة ، مكّنه منها الشيخ عبد الواحد. وتكاثر الكلام عليه من بعض الفقهاء الحاضرين لذلك المجلس ، إلى أن أخذته العامة بالأيدي هو وميرماه.

وكانت ساعة شنيعة ، ووقع فيها لفظ فاحش ، فقام الصنجق ، وأخذ الشيبي من أيدي العامة ، ودخل به محلا خاصا في دار مولانا الشريف. وكذلك أخذ معه السيد علي ميرماه ، وانفض المجلس ، ففزع أهل الشيخ عبد الواحد إلى مولانا السيد ناصر الحارث (١). فركب وأتى إلى دار مولانا الشريف ، وفزع أهل السيد [علي](٢) ميرماه إلى السيد عبد الله بن هاشم (٣) ، فركب وأتى إلى دار مولانا الشريف في طلب المذكور. فخرجوا بهم بعد التشفع فيهم.

__________________

(١) هو ناصر بن أحمد الحارث ابن أحمد الحارث الذي كان على قدر كبير من رجاحة العقل والذكاء ، حتى أنه كان مرجعا للأشراف في جميع أمورهم. وناصر هذا يعد من الأشراف الكبار في مكة ، والذين كانوا يشاركون الشريف في ريع مدخول البلاد والأخوان ، كأحمد بن غالب ، ومحمد بن أحمد بن عبد الله. العصامي ـ سمط النجوم العوالي ٤ / ٥٢٨ ، ٥٤٠ ، ٥٥٨.

(٢) ما بين حاصرتين من (ج).

(٣) هو عبد الله بن هاشم بن محمد بن عبد المطلب بن حسن بن أبي نمي والذي سوف يصبح فيما بعد شريفا لمكة.

١١٦

ثم إن الصنجق بعث إلى جدة يطلب الشيخ عبد الله بن محمد الشيبي ، وكان بجدة فحضر.

ولما كان يوم الاثنين الثاني والعشرين رجب : أمر مولانا الشريف بزيادة الزينة في السوق / ثلاثة أيام على السبعة الماضية.

وفي يوم الثلاثاء التاسع والعشرين من رجب : أمر مولانا الشريف بعض الفقهاء أن يدعي عند القاضي بطريق الوكالة عن مولانا الشريف بخيانة الشيخ عبد الواحد الشيبي ، وأنه أعطى الشريف أحمد بن غالب أربعة قناديل من الكعبة ، فادّعى عليه ، وأثبت ذلك عند القاضي بشهود ، ـ والله أعلم بهم ـ.

فحكم القاضي بعزله عن هذه المكانة التي هي حجابة البيت الشريف ، فألبس مولانا الشريف محسن الشيخ عبد الله الشيبي ، وأسلمه الحجة (١) ، وخرج إلى بيته.

ثم حضر يوم الأربعاء عند مولانا الشريف ، فأمر مولانا الشريف بالعمل بحق الأخوة ، وأن يكونا شيئا (٢) واحدا ، فتصافحا بحضرته ، وتعاهدا على ذلك.

ولما كان يوم الخميس : ورد نجاب من مصر لمولانا الشريف ولأكابر العسكر ، وظهر من خبره أن صاحب مصر حبس أمير الحاج ،

__________________

(١) الحجة : أي الصك. وتعني هنا صك الحجبة. إبراهيم أنيس ـ المعجم الوسيط ١ / ١٥٧.

(٢) في (أ) «واحد». والمثبت من (ج).

١١٧

وبعض أكابر الأغوات ممن كان اعتماد الشريف أحمد بن غالب عليهم.

وفي يوم السبت السابع من شعبان : أطلع مولانا الشريف قفطان الوزارة على الآغا يوسف السقطي ، فخرج في العسكر إلى منزل الصنجق ، فأخلع عليه الصنجق أيضا فروا آخر غير فرو مولانا الشريف ، وخرج من عنده إلى داره ، وجلس (١) للتهنئة.

واستمر الصنجق إلى النصف من شعبان. فدخل البيت ، وسافر إلى جدة لخبر مركب هندي وصل إليها ، وبعض جلاب (٢) من اليمن.

وفي هذه الأيام أمر الصنجق المذكور (٣) ببناء بئر طوى (٤) ، فبنى عليه طاجن (٥) بقبة صغيرة ، وبنى إلى جانبه مسقفا للبواب ، ومطاهر ، ومسجدا ، وجعل هناك صفة منتزه ، وعين لها معلوما ، وجراية للخادم المقيم بها لجبذ (٦) الماء ـ جزاه الله خيرا ـ. وأمر أيضا ببناء مسقف على

__________________

(١) سقطت من (ج) ، واستدركه الناسخ في الحاشية اليمنى.

(٢) جلاب وجلب وجلبات : سنبوق ، وهو زورق كبير طويل يصنع من ألواح تربطها حبال من ألياف جوز الهند ، ويستعمل في البحر الأحمر. رينهارت دوزي ـ تكملة المعاجم العربية ٢ / ٢٤٠.

(٣) الصنجق المذكور هو محمد باشا.

(٤) بئر طوى : هي البئر المعروفة اليوم (ببئر طوى) بجرول بين القبة وريع أبي لهب ، وهي المكان الذي بات فيه الرسول صلى‌الله‌عليه‌وسلم ليلة الفتح. وجغرافيا هو الوادي الذي يمر بين الحجون وريع الكحل مارا بجرول ، حتى يجتمع بوادي إبراهيم في المسفلة. وفي وسط الوادي حي العتيبة ، وأسفله جرول ثم التنضباوي. البلادي ـ معجم معالم الحجاز ٥ / ٢٣٦ ـ ٢٣٧. البلادي ـ معالم مكة ١٦٨ ـ ١٦٩.

(٥) طاجن : جمعه طواجن ، وهي قباب لا رؤوس لها من الخارج. القطبي ـ أعلام العلماء ص ٣٠ حاشية (٣).

(٦) في (ب) «لجبد» وجبذ الماء : بمعنى الجذب (من مصدر جبذ). رينهارت

١١٨

مسجد العمرة ، فبني في صدر القبلة.

وفي ليلة الجمعة السابع عشر من شعبان : دخل (١) مكة السيد حسن بن غالب (٢) ، ونزل على السيد أحمد بن سعيد (٣) ، وكان مقيما بالمعابدة (٤) في بستان الوزير عثمان حميدان. فاستأذن له مولانا المذكور (٥) الشريف ، فأذن له في أن يطوف ويسعى ويخرج من وقته. فكان الأمر كذلك.

فخرج إلى الحسينية ، وكلم السيد أحمد مولانا الشريف في شأنه ، ولم يزل به ، حتى أذن له أن يقيم بمكة شهرين.

فدخل مكة يوم / الخميس ثالث عشرين شعبان ، ونزل بداره.

وفي يوم الاثنين العاشر من شوال : ورد نجاب بخبر آغاة ، واصل بقفطان الاستمرار.

فدخل الآغا المذكور مكة يوم الإثنين سابع عشر شوال ، وكان أشل اليد ، فحصل به التفاؤل (٦) ، وأن هذا الأمر لا يتم بقاؤه. فإن من الأمثال المشهورة : «يد أشلاء وأمر لا يتم». وقال بعضهم :

إن تم أمرك مع يديك أصبحت

شلاء فالأمثال عندي باطلة

__________________

دوزي ـ تكملة المعاجم العربية ٢ / ١٣٥.

(١) في (أ) «ودخل». والاثبات من (ج).

(٢) هو أخو الشريف أحمد بن غالب. العصامي ـ سمط النجوم العوالي ٤ / ٥٤٦.

(٣) أحمد بن سعيد بن شنبر.

(٤) حي من مكة.

(٥) هو السيد أحمد بن سعيد.

(٦) المقصود أن الأمر لن يتم.

١١٩

فنزل مولانا الشريف الحطيم ، وحضر القاضي والمفتي والفقهاء والأشراف ، ولبس القفطان الوارد عليه ، وسجل الآغا الواصل أمرا بيده مخاطبا به صاحب جدة (١) ، بأن يسلم إليه ثمن الحب الذي ضمنه على أمير الحاج (٢) لما طولب به في الموسم ، بأمر مولانا الشريف أحمد بن غالب ، وكتب له حجة بذلك ، وإنه في ذمته لأهل مكة.

فلما عزم الأمير إلى هناك (٣) ، بعد أن حيّره المجاورون من الأتراك ومنعوه (٤) من الخروج ، طلبه الباشا ، فأظهر الحجة (٥) التي كتبها له القاضي ، وأن الدراهم في ذمة الصنجق ، وأنه استلمها منه بمقتضى الحجة.

فبعث صاحب مصر (٦) يتحقق الأمر.

ولما (٧) وصل الخبر إلى صاحب جدة ، ونزل له الآغا ، عرفه بأنه ما فعل ذلك إلا لتخليص الأمير ، وتخليص محمل السلطان من المذلة (٨) ،

__________________

(١) صاحب جدة محمد بيك.

(٢) أمير الحج كان إبراهيم بيك أبو شنب ، وقد سار سيرة حسنة في البلاد ، وتولى إمارة الحج سنة ١٠٩٩ ه‍ ، ١١٠٠ ه‍. الحضراوي ، أحمد محمد بن أحمد بن عيد ـ مختصر حسن الصفا والإبتهاج (مخطوط) ورقة ٣٦.

(٣) في (أ) تكررت كلمة «هناك».

(٤) سقطت من (ج).

(٥) في (ج) وردت كما يأتي «فأظهر له الحجة الشرعية».

(٦) صاحب مصر في سنة ١١٠١ ه‍ كان أحمد باشا وكذا في السنة التي تليها. أحمد زيني دحلان ـ تاريخ الدول الإسلامية ١٠٧.

(٧) في (ج) «فلما».

(٨) في (ج) «المدينة».

١٢٠