الحدائق الناضرة - ج ١

الشيخ يوسف بن أحمد البحراني [ صاحب الحدائق ]

الحدائق الناضرة - ج ١

المؤلف:

الشيخ يوسف بن أحمد البحراني [ صاحب الحدائق ]


الموضوع : الفقه
الناشر: مؤسسة النشر الإسلامي
الطبعة: ٠
الصفحات: ٥٣٦

الى الماء الذي يغتسل منه ، أخذ كفا وصبه امامه وكفا عن يمينه وكفا عن يساره وكفا من خلفه ، واغتسل منه».

وقال ايضا والده (قدس‌سره) في رسالته اليه : «وان اغتسلت من ماء في وهدة وخشيت ان يرجع ما ينصب عنك الى المكان الذي تغتسل فيه ، أخذت له كفا وصببته عن يمينك وكفا عن يسارك وكفا خلفك وكفا امامك ، واغتسلت».

والخبران المنقولان مع العبارتين المذكورتين وان اشتركا في كون العلة منع رجوع الغسالة لكنها مجملة بالنسبة إلى كون المنضوح الأرض أو البدن.

وما ذكره في المعالم ـ من ان العبارة المحكية عن رسالة ابن بابويه ظاهرة في الأول حيث قال فيها : أخذت له كفا. الى آخره. والضمير في قوله : «له» عائد إلى المكان الذي يغتسل فيه ، لانه المذكور قبله في العبارة ، وليس المراد به محل الماء كما وقع في عبارة ابنه ، حيث صرح بالعود الى الماء الذي يغتسل منه ، وكان تركه للتصريح بذلك اتكالا على دلالة لفظ الرجوع عليه ، فالجار في قوله : «الى المكان» متعلق ب «ينصب» وصلة «يرجع» غير مذكورة. لدلالة المقام عليها. انتهى ـ فظني بعده ، لاحتمال كون الضمير في «له» عائدا الى ما يفهمه سوق الكلام من خوف رجوع ما ينصب عنه ، بمعنى انك إذا خشيت ذلك أخذت لأجل دفع ما تخشاه كفا ، ويؤيده السلامة من تقدير صلة ل «يرجع» بل صلته هو قوله : «الى المكان» غاية الأمر انه عبر هنا عن الماء الذي يغترف منه ـ كما وقع في عبارة ابنه ـ بالمكان الذي يغتسل فيه. وهو سهل.

وقيل بأن الحكمة فيه اجتماع أجزاء الأرض ، فيمتنع سرعة انحدار ما ينفصل عن البدن الى الماء. ورده ابن إدريس وبالغ في رده بان استعداد الأرض برش الجهات المذكورة موجب لسرعة نزول ماء الغسل. والظاهر ان لكل من القولين وجها

٤٦١

باعتبار اختلاف الأراضي ، فإن بعضها بالابتلال يكون قبولها لابتلاع الماء أكثر وبعضها بالعكس.

وقيل بأن الحكمة هي عدم عود ماء الغسل ، لكن لا من جهة كونه غسالة بل من جهة النجاسة الوهمية التي في الأرض ، فالنضح إنما هو لإزالة النجاسة الوهمية منها. والظاهر بعده ، فإنه لا إيناس في الخبر المذكور ولا في غيره من الأخبار التي قدمناها بذلك.

وقيل بأن الحكمة إنما هي رفع ما يستقذر منه الطبع من الكثافات بأن يأخذ من وجه الماء أربع أكف وينضح على الأرض.

صرح بذلك السيد السند صاحب المدارك في حواشي الاستبصار.

وأيده بحسنة الكاهلي (١) قال : «سمعت أبا عبد الله (عليه‌السلام) يقول : إذا أتيت ماء وفيه قلة فانضح عن يمينك وعن يسارك وبين يديك ، وتوضأ».

ورواية أبي بصير (٢) قال : «قلت لأبي عبد الله (عليه‌السلام) : انا نسافر ، فربما بلينا بالغدير من المطر يكون الى جانب القرية فتكون فيه العذرة ويبول فيه الصبي وتبول فيه الدابة وتروث؟ فقال : ان عرض في قلبك منه شي‌ء فقل هكذا ، يعني افرج الماء بيدك ، ثم توضأ.».

وفيه (أولا) ـ انه يكفي على هذا مطلق النضح وان كان الى جهة واحدة ، مع ان الخبر قد تضمن تفريقه في الجهات الأربع ، ومثله الخبران الآخران. واما النضح الى الجهات الثلاث في خبر الكاهلي فالظاهر انه عبارة عن تفريج الماء كما في خبر ابي بصير.

و (ثانيا) ـ ان ظاهر الخبرين الذين قدمناهما ـ وكذا كلام الصدوقين ـ كون

__________________

(١) المروية في الوسائل في الباب ـ ١٠ ـ من أبواب الماء المضاف والمستعمل.

(٢) المروية في الوسائل في الباب ـ ٩ ـ من أبواب الماء المطلق.

٤٦٢

العلة منع رجوع الغسالة. وهذا الخبر وان كان مجملا بالنسبة الى ذلك إلا ان الظاهر ـ كما قدمنا لك ـ ان ذلك مما استشعره الامام (عليه‌السلام) من سؤال السائل كما يشعر به آخر الخبر ، ولا ينافي ذلك ظهور ما ادعاه في حسنة الكاهلي ورواية أبي بصير ، فان الظاهر ان هذا حكم آخر مرتب على علة أخرى غير ما تضمنته هذه الأخبار.

و (ثالثا) ـ ان ظاهر الخبر ـ كما أشرنا إليه آنفا ـ إنما هو إزالة النجاسة الوهمية من الماء. وربما احتمل بعضهم بناء على ذلك ان المنضوح هو الماء ، وأيده أيضا بحسنة الكاهلي ورواية أبي بصير. ولا يخفى بعده وان قرب احتماله في الخبرين المذكورين.

وقيل بان محل النضح هو البدن ، وقد اختلف أيضا في وجه الحكمة على هذا القول على أقوال :

(منها) ـ ان الحكمة في ذلك هو ترطيب البدن قبل الغسل لئلا ينفصل عنه ماء الغسل كثيرا فلا يفي بغسله لقلة الماء.

وفيه (أولا) ـ ان ذلك وان احتمل بالنسبة الى الخبر المذكور لكنه لا يجري في خبر ابن مسكان والخبر المنقول عن جامع البزنطي (١) لظهورهما في كون العلة إنما هي خوف رجوع الغسالة. والظاهر ـ كما قدمنا الإشارة إليه ـ كون مورد الأخبار الثلاثة أمرا واحدا.

و (ثانيا) ـ انه يلزم من ذلك عدم جواب الامام (عليه‌السلام) في الخبر المبحوث عنه عن استشكال السائل المتخوف من ورود السباع.

و (منها) ـ ان الحكمة ازالة توهم ورود الغسالة ، اما بحمل ما يرد على الماء على وروده مما نضح على البدن قبل الغسل الذي ليس من الغسالة ، واما انه مع الاكتفاء

__________________

(١) المتقدمين في الصحيفة ٤٦٠.

٤٦٣

بالمسح بعد النضح لا يرجع الى الماء شي‌ء. ولا يخلو ايضا من المناقشة (١).

و (منها) ـ ان الحكمة في ذلك ليجري ماء الغسل على البدن بسرعة ، ويكمل الغسل قبل وصول الغسالة الى ذلك الماء.

واعترض عليه بان سرعة جريان ماء الغسل على البدن مقتض لسرعة تلاحق اجزاء الغسالة وتواصلها ، وهو يعين على سرعة الوصول الى الماء.

وأجيب بأن انحدار الماء عن أعالي البدن الى اسافله أسرع من انحداره إلى الأرض المائلة إلى الانخفاض ، لانه طالب للمركز على أقرب الطرق ، فيكون انفصاله عن البدن أسرع من اتصاله بالماء الذي يغترف منه ، هذا إذا لم تكن المسافة بين مكان الغسل وبين الماء الذي يغترف منه قليلة جدا ، فلعله كان في كلام السائل ما يدل على ذلك ، كذا نقل عن شيخنا البهائي (قدس‌سره).

(الثاني) ـ ان هذا الخبر قد اشتمل على جملة من الأحكام المخالفة لما عليه علماؤنا الأعلام.

(منها) ـ امره (عليه‌السلام) بغسل رأسه ثلاث مرات ومسح بقية بدنه ، فإنه يدل على اجزاء المسح عن الغسل عند قلة الماء ، وهو غير معمول عليه عند جمهور الأصحاب عدا ابن الجنيد ، فان المنقول عنه وجوب غسل الرأس ثلاثا والاجتزاء بالدهن في بقية البدن. إلا ان اخبار الدهن الآتية ان شاء الله تعالى في بحث الوضوء تساعده.

__________________

(١) اما التعليل الأول فلان الوارد على الماء ان علم ورئي حال وروده فلا مجال للحمل المذكور ، وإلا فأصالة العدم كافية. واما الثاني فلان المسح انما ذكر في الخبر على سبيل الفرض بناء على عدم كفاية الماء للغسل بعد النضح المذكور ، كما يشير اليه قوله : «فإن خشي ان لا يكون. إلخ» وحينئذ فلا يتم ذلك (منه قدس‌سره).

٤٦٤

و (منها) ـ قوله (عليه‌السلام) : «وان كان الوضوء. إلخ». فإنه صريح في الاجتزاء بمسح اليدين عن غسلهما في الوضوء عند عوز الماء.

و (منها) ـ قوله (عليه‌السلام) : «فان كان في مكان واحد. إلخ». فإنه يدل على ان الجنب إذا لم يجد من الماء إلا ما يكفيه لبعض أعضائه غسل ذلك البعض به وغسل الآخر بغسالته ، وانه لا يجوز ذلك إلا مع قلة الماء ، كما يفيده مفهوم الشرط وهو مؤيد لما ذهب اليه المانعون من استعمال الغسالة ثانيا. ومؤذن بما أشرنا إليه سابقا من ان النضح المأمور به في صدر الخبر إنما هو للمنع من رجوع الغسالة. إلا ان الأكثر يحملون ذلك على الفضل والكمال.

(الثالث) ـ انه على تقدير جعل متعلق النضح في الخبر المذكور الأرض ـ وان وجه الحكمة فيه هو عدم رجوع ماء الغسل الى الماء الذي يغتسل منه ، كما هو أظهر الاحتمالات المتقدمة ، مع اعتضاده بخبري ابن مسكان ومحمد بن ميسر المتقدمين (١) ـ يكون ظاهر الدلالة على ما ذهب اليه المانعون من استعمال المستعمل ثانيا. وظاهر الأكثر حمل ذلك على الاستحباب. كما صرح به العلامة في المنتهى مقربا له بحسنة الكاهلي المتقدمة (٢) ، ووجه التقريب ان الاتفاق واقع على عدم المنع من المستعمل في الوضوء ، فالأمر بالنضح له في الحديث محمول على الاستحباب عند الكل ، فلا يبعد ان تكون تلك الأوامر الواردة في تلك الأخبار كذلك. وأنت خبير بأنه يأتي بناء على ما حققناه سابقا احتمال ابتناء ذلك على ما هو الغالب من بقاء النجاسة إلى آن الغسل. إلا انه يدفعه في الخبر المبحوث عنه قوله في آخره في صورة فرض قلة الماء : «فلا عليه ان يغتسل ويرجع الماء فيه ، فإنه يجزيه».

(الرابع) ـ روى في كتاب الفقه الرضوي (٣) قال (عليه‌السلام) : «وان

__________________

(١) في الصحيفة ٤٦٠.

(٢) في الصحيفة ٤٦٢.

(٣) في الصحيفة ٤.

٤٦٥

اغتسلت من ماء في وهدة وخشيت ان يرجع ما تصب عليك ، أخذت كفا فصبت على رأسك وعلى جانبيك كفا كفا ، ثم تمسح بيدك وتدلك بدنك».

أقول : وهذا الخبر قد ورد بنوع آخر في منع رجوع الغسالة. وهو ان يغتسل على الكيفية المذكورة في الخبر. والظاهر تقييد ذلك بقلة الماء كما دل عليه الخبر المبحوث عنه ، إذ الاجتزاء بالغسل المذكور ـ مع كثرة الماء وإتيانه على الغسل الكامل ـ لا يخلو من الإشكال إلا على مذهب المانعين من استعمال الغسالة.

(الخامس) ـ قال الشيخ في النهاية : «متى حصل الإنسان عند غدير أو قليب ولم يكن معه ما يغترف به الماء لوضوئه ، فليدخل يده فيه ويأخذ منه ما يحتاج اليه وليس عليه شي‌ء. وان أراد الغسل للجنابة وخاف ـ ان نزل إليها ـ فساد الماء ، فليرش عن يمينه ويساره وامامه وخلفه ، ثم ليأخذ كفا كفا من الماء فليغتسل به» انتهى.

قال في المعالم بعد نقل ذلك عنه : «وهو لا يخلو من اشكال ، فإن ظاهره كون المحذور في الفرض المذكور هو فساد الماء بنزول الجنب اليه واغتساله فيه ، ولا ريب ان هذا يزول بالأخذ من الماء والاغتسال خارجه. وفرض إمكان الرش يقتضي إمكان الأخذ فلا يظهر لحكمه بالرش حينئذ وجه» ثم نقل عن المحقق في المعتبر انه تأوله فقال : «ان عبارة الشيخ لا تنطبق على الرش إلا أن يجعل في «نزل» ضمير ماء الغسل ، ويكون التقدير «وخشي ـ ان نزل ماء الغسل ـ فساد الماء» وإلا فبتقدير ان يكون في «نزل» ضمير المريد لا ينتظم المعنى ، لأنه ان امكنه الرش لا مع النزول امكنه الاغتسال من غير نزول» ثم قال بعده : «وهذا الكلام حسن وان اقتضى كون المرجع غير مذكور صريحا ، فان محذورة هين بالنظر الى ما يلزم على التقدير الآخر ، خصوصا بعد ملاحظة كون الغرض بيان الحكم الذي وردت به النصوص ، فإنه لا ربط للعبارة به على ذلك التقدير. وفي بعض نسخ النهاية «وخاف ان ينزل إليها فساد الماء» على صيغة المضارع ، فالإشكال حينئذ مرتفع ، لانه مبني على كون

٤٦٦

العبارة عن النزول بصيغة الماضي ، وجعل «ان» مكسورة الهمزة شرطية ، وفساد الماء مفعول «خشي» ، وفاعل «نزل» الضمير العائد إلى المريد. وعلى النسخة التي ذكرناها يجعل «ان» مفتوحة الهمزة مصدرية ، وفساد الماء فاعل «ينزل» ، والمصدر المأول من «ان ينزل» مفعول «خشي» ، وفاعله ضمير المريد. وحاصل المعنى انه مع خشية نزول الماء المنفصل عن بدن المغتسل الى المياه التي يريد الاغتسال منها ـ وذلك بعود الماء الذي اغتسل به إليها ـ فإن المنع المتعلق به يتعدى إليها بعوده فيها ، وهو معنى نزول الفساد إليها ، فيجب الرش حينئذ حذرا من ذلك الفساد. وهذا عين كلام باقي الجماعة ومدلول الأخبار فلعل الوهم في النسخة التي وقع فيها لفظ الماضي ، فإن حصول الاشتباه في مثله وقت الكتابة ليس بمستبعد» انتهى كلامه زيد مقامه.

أقول : ما نقله عن بعض نسخ النهاية ـ من التعبير في تلك اللفظة بلفظ المضارع ـ هو الموجود في أصل النسخة التي عندي وهي معتمدة ، إلا ان الياء قد حكت ، وعلى الهامش مكتوب بخط شيخنا العلامة أبي الحسن الشيخ سليمان البحراني (قدس‌سره) «نزل» بيانا لذلك. ولا ريب انه على تقدير النسخة المذكورة يضعف الاشكال كما ذكره (قدس‌سره). إلا انه من المحتمل بل الظاهر انه على تقدير نسخة الماضي ان المعنى انه إذا أراد الغسل للجنابة وخاف ـ بنزوله في الماء للغسل ارتماسا ـ فساد الماء. اما باعتبار نجاسة بدنه أو باعتبار إثارة الحمأة أو نحو ذلك ، فإنه يغتسل ترتيبا خارج الماء ، ولكن يرش الأرض لأحد الوجوه المتقدمة التي أظهرها وأوفقها بمذهبه منع رجوع الغسالة.

ولا ريب انه معنى صحيح لا غبار عليه ولا اشكال يتطرق إليه.

(المسألة الثالثة) ـ في الماء المستعمل في الاستنجاء ، والبحث فيها يقع في مواضع :

(الأول) ـ اتفق الأصحاب (رضوان الله عليهم) ـ على ما نقله غير واحد

٤٦٧

منهم ـ على عدم وجوب ازالة ماء الاستنجاء عن الثوب والبدن لما هو مشروط بالطهارة من صلاة وغيرها ، وعلى ذلك تدل الاخبار ايضا.

(فمنها) ـ صحيحة محمد بن النعمان عن ابي عبد الله (عليه‌السلام) (١) قال : «قلت له : استنجي ثم يقع ثوبي فيه وانا جنب؟ فقال : لا بأس به».

واستظهر بعض محدثي المتأخرين كون الاستنجاء هنا من المني بقرينة قوله : «وانا جنب» قال : «فينبغي استثناء الاستنجاء من المني أيضا».

واحتمل آخر كون الاستنجاء مختصا بغير المني وذكر الجنابة لتوهم سراية النجاسة المعنوية الحدثية إلى الماء.

و (منها) ـ صحيحة عبد الكريم بن عتبة الهاشمي (٢) قال : «سألت أبا عبد الله (عليه‌السلام) عن الرجل يقع ثوبه على الماء الذي استنجى به ، أينجس ذلك ثوبه؟ قال : لا».

و (منها) ـ حسنة محمد بن النعمان الأحول (٣) قال : «قلت لأبي عبد الله (عليه‌السلام) : اخرج من الخلاء فاستنجي بالماء ، فيقع ثوبي في ذلك الماء الذي استنجيت به؟ فقال : لا بأس به» وزاد في الفقيه «ليس عليك شي‌ء».

و (منها) ـ ما رواه الصدوق عطر الله مرقده في كتاب العلل (٤) عن الأحوال أيضا قال : «دخلت على أبي عبد الله (عليه‌السلام) فقال لي : سل عما شئت فارتجت علي المسائل ، فقال لي : سل ما بدا لك فقلت : جعلت فداك الرجل يستنجي فيقع ثوبه في الماء الذي استنجى به؟ فقال : لا بأس به. فسكت فقال : أو تدري لم صار لا بأس به؟

__________________

(١ و ٢ و ٣) المروية في الوسائل في الباب ـ ١٣ ـ من أبواب الماء المضاف والمستعمل.

(٤) في الصحيفة ١٠٥ وفي الوسائل في الباب ـ ١٣ ـ من أبواب الماء المضاف والمستعمل.

٤٦٨

قلت : لا والله جعلت فداك. فقال : ان الماء أكثر من القذر».

وهذه الأخبار وان اشتركت في نفي البأس عن ملاقاته الثوب كما في أكثرها وعدم التنجيس كما في بعضها ، إلا ان الظاهر ـ كما عليه الأصحاب ـ انه لا مدخل لخصوصية الثوب في ذلك ، فيتعدى الحكم الى غيره من باب تنقيح المناط القطعي الذي تقدمت الإشارة إليه غير مرة ، وإلا للزم ايضا اختصاص الحكم بالرجل دون المرأة كما هو مورد تلك الاخبار ، وهو خلاف ما عليه كافة علمائنا الأبرار. وربما أشعر التعليل الذي في آخر رواية العلل بعدم نجاسة غسالة الخبث مطلقا مع عدم التغيير. وسيأتي الكلام فيه في محله ان شاء الله تعالى. وإطلاق هذه الاخبار يقتضي عدم الفرق بين المخرجين ، لصدق الاستنجاء بالنسبة الى كل منهما. وبذلك صرح الأصحاب (رضوان الله عليهم) أيضا.

(الثاني) ـ اختلف الأصحاب (رضوان الله عليهم) ـ بعد الاتفاق ـ كما عرفت ـ على عدم وجوب إزالته ـ في ان ذلك لطهارته أو لكونه معفوا عنه. وربما أشعر ذلك (١) بكون العفو عبارة عن الحكم بنجاسته مع الرخصة في مباشرته. والذي يظهر من كلام شيخنا الشهيد في الذكرى ـ وتبعه عليه جمع ممن تأخر عنه ـ كون العفو هنا إنما هو بمعنى سلب الطهورية ، حيث قال بعد نقل القولين : «وتظهر الفائدة في استعماله» وحينئذ فيصير محط الخلاف في جواز رفع الحدث أو الخبث به وعدمه ، وكذا تناوله وعدمه. إلا انهم نقلوا الإجماع ايضا على عدم جواز رفع الحدث بما تزال به النجاسة مطلقا كما سيأتي في تالي هذه المسألة ، وحينئذ فينحصر الخلاف في الآخرين.

والظاهر ـ كما هو المشهور ـ الجواز تمسكا بأصالة الطهارة عموما وخصوصا ، وصدق

__________________

(١) اى مقابلة العفو بالطهارة وجعل القول بالعفو مقابلا للقول بالطهارة ، وقد نقل السيد في المدارك عن المحقق الثاني في حواشي الشرائع انه نقل عن المحقق في المعتبر انه اختار كونه نجسا معفوا عنه (منه قدس‌سره).

٤٦٩

الماء المطلق عليه ، فيجوز شربه وازالة الخبث به.

وجملة من متأخري المتأخرين (١) أيدوا ذلك أيضا بأن أدلة نجاسة القليل بالملاقاة لا عموم لها بحيث تشمل ما نحن فيه ، وإنما كان التعدي عن الموارد المخصوصة التي وردت فيها الروايات الى بعض الصور لأجل الشهرة وعدم القول بالفصل ، وكلاهما مفقودان فيما نحن فيه ، فيبني على الأصل ، فيثبت جواز الطهارة والتناول.

وأنت خبير بما فيه ، بل الحق ان هذا الموضع مما خرج بالأخبار المتقدمة عن قاعدة نجاسة القليل بالملاقاة.

واستدل جملة من الأصحاب (رضوان الله عليهم) على الطهارة بلزوم الحرج والمشقة لو لم يكن كذلك ، والظاهر ان مرادهم الاستدلال على خروجه عن قاعدة نجاسة القليل بالملاقاة ، بمعنى انه لو حكم بنجاسته كغيره من افراد الماء القليل للزم الحرج من ذلك والمشقة ، لتكرره وعدم إمكان التحرز عنه ، لا ان مرادهم الاستدلال على الطهارة بالمعنى المقابل للعفو ، وحينئذ فلا يرد ما أورده الفاضل الخوانساري في شرح الدروس على شيخنا الشهيد الثاني في الروض ، حيث قال ـ بعد نقل الاستدلال عنه على الطهارة بان في الحكم بالنجاسة حرجا ومشقة ، لعموم البلوى ، وكثرة تكرره ودورانه ، بخلاف باقي النجاسات ـ ما لفظه : «وفيه ان الحرج على تقدير تسليمه إنما يرتفع بالعفو ولا يتوقف على طهارته ، إذ لا حرج في عدم جواز استعماله في رفع الخبث والتناول ، وهو ظاهر» انتهى.

وبالجملة فههنا مطلبان : (أحدهما) ـ الحكم بطهارته واستثنائه من عموم نجاسة القليل بالملاقاة. و (ثانيهما) ـ انه هل يثبت له حكم الطاهر بجميع موارده ، أم يخص بما دون التناول ورفع الخبث والحدث؟ واستدلال شيخنا الشهيد الثاني إنما هو

__________________

(١) منهم : المحقق الشيخ حسن في المعالم والفاضل الخوانساري في شرح الدروس وغيرهما (منه رحمه‌الله).

٤٧٠

على الأول دون الثاني ، ويدلك على ذلك إناطتهم الحرج والمشقة بالنجاسة ، مع ان العفو عندهم هنا ـ كما عرفت ـ ليس المراد به النجاسة مع جواز الاستعمال ، بل المراد به سلب الطهورية.

نعم ناقش المحدث الأمين الأسترآبادي (عطر الله مرقده) في الاستدلال بهذا الوجه قائلا : «لا يخفى ان هذا الوجه غير سديد ، لان المقدار الذي اعتبره الشارع من الحرج والعسر غير منضبط في أذهاننا فكيف يتمسك بهما؟ نعم يمكن التمسك بهما من باب مفهوم الموافقة مع وجود نص في فرد أخف ، فتأمل» انتهى. وهو متجه.

وما ذكره من التمسك بهما من باب مفهوم الموافقة متجه باعتبار ورود النص بالعفو عما ينزو من غسالة الجنب في إنائه ، وما ينزو من الأرض المتنجسة بالبول ، وما يتساقط من غسالته كما تقدم في المسألة الثانية. إلا ان في العمل بمفهوم الموافقة ما عرفت في المقدمة الثالثة (١) وان كان المحدث المذكور ممن يعتمد عليه في غير موضع من تحقيقاته

(الثالث) ـ اعلم ان ممن رجح القول بالعفو شيخنا الشهيد الأول في الذكرى ، حيث قال : «وفي المعتبر ليس في الاستنجاء تصريح بالطهارة وإنما هو بالعفو ، وتظهر الفائدة في استعماله. ولعله أقرب ، لتيقن البراءة بغيره» انتهى. ويظهر ذلك من المنتهى ايضا.

واما كلام المعتبر في هذا الباب فلا يخلو من إجمال بل اضطراب ، ولهذا اختلفت في نقل مذهبه كلمة من تأخر عنه من الأصحاب ، قال (عطر الله مرقده) : «واما طهارة ماء الاستنجاء فهو مذهب الشيخين. وقال علم الهدى في المصباح. لا بأس بما ينتضح من ماء الاستنجاء على الثوب والبدن. وكلامه صريح في العفو وليس بصريح في الطهارة. ويدل على الطهارة ما رواه الأحول عن ابي عبد الله (عليه‌السلام) ثم ساق حسنته المتقدمة (٢) وأردفها برواية عبد الكريم بن عتبة الهاشمي المتقدمة أيضا (٣)

__________________

(١) في الصحيفة ٥٧.

(٢ و ٣) في الصحيفة ٤٦٨.

٤٧١

ثم قال : ولأن في التفصي عنه عسرا فشرع العفو دفعا للعسر» انتهى.

وأنت خبير بان مقتضى قوله : «ويدل على الطهارة. إلخ» بعد نقله القولين أولا هو اختيار الطهارة التي هي أحد ذينك القولين. وقوله في الدليل الثاني : «ولأن في التفصي عنه عسرا فشرع العفو. إلخ» ظاهر في اختيار العفو الذي هو القول الآخر ايضا (١) وأيضا ففي حكمه على كلام المرتضى بالصراحة في القول بالعفو ـ مع حكمه على رواية الأحول بالدلالة على الطهارة ـ نوع تدافع ، فإن العبارة فيهما واحدة ، إذ نفي البأس ان كان صريحا في العفو ففي الموضعين ، وان كان في الطهارة فكذلك ، وحينئذ فنسبة القول بالطهارة إلى المعتبر ـ كما فهمه السيد السند في المدارك وجمع ممن تأخر عنه ـ كما ترى ، وأعجب من ذلك نقل شيخنا الشهيد في الذكرى ـ كما تقدم في عبارته ـ القول بالعفو عن المعتبر بتلك العبارة. وتبعه على ذلك المحقق الشيخ علي (رحمه‌الله) في شرح القواعد وشيخنا الشهيد الثاني في الروض فقال في شرح

__________________

(١) أقول : الذي يظهر من كلام المحقق (رحمه‌الله) هنا هو ان مراده بالعفو هو الطهارة ، بمعنى انه وان كان مقتضى كلية نجاسة القليل بالملاقاة هو النجاسة هنا إلا انه لما كان في التفصي عنه عسر وحرج. استثناه الشارع من تلك الكلية فحكم بطهارته عفوا عنه ورحمة للعباد ، كما هو شأن الرخص الواردة في الشريعة ، والتعبير بالعفو إشارة الى ان الطهارة هنا من قبيل الرخص تخفيفا ، إذ مقتضى تلك الكلية هو النجاسة كما عرفت ، ويبعد من مثل المحقق (ره) ـ على تقدير ارادة المعنى الذي فهموه ـ التعبير بمثل هذه العبارة المضطربة كما عرفته في الأصل ، ويؤيد ما قلناه قوله ـ بعد هذه المسألة في الفرع الذي ذكره في حكم غسالة إناء الولوغ ، بعد ان نقل عن الشيخ الاستدلال على طهارة هذه الغسالة مطلقا بأنه لو كان المنفصل نجسا لما طهر الإناء ، لأنه كان يلزم نجاسة البلة الباقية بعد المنفصل ثم ينجس الماء الثاني بنجاسة البلة وكذا ما بعده ـ ما صورته «والجواب ان ثبوت الطهارة بعد الثانية ثابت بالإجماع فلا يقدح ما ذكره ، ولانه معفو عنه دفعا للحرج» انتهى. فان حكمه بطهارة البلة بالإجماع أولا واستدلاله بالعفو ثانيا لا يجتمع إلا على ما ذكرناه وحينئذ فالظاهر من عبارته في ماء الاستنجاء هو الطهارة والله العالم (منه رحمه‌الله).

٤٧٢

القواعد : «واعلم ان قول المصنف ـ : فإنه طاهر ـ مقتضاه انه كغيره من المياه الطاهرة في ثبوت الطهارة له. ونقل في المنتهى على ذلك الإجماع. وقال المحقق في المعتبر : ليس في الاستنجاء تصريح بالطهارة وانما هو بالعفو. وتظهر الفائدة في استعماله. قال شيخنا في الذكرى : ولعله أقرب ، لتيقن البراءة بغيره» انتهى. وقال في الروض : «وفي المعتبر هو عفو ، وقربه في الذكرى».

والظاهر ان أصل السهو من شيخنا الشهيد في الذكرى ، وتبعه من تبعه من غير ملاحظة لكتاب المعتبر (١) وعبارة المعتبر ـ كما مرت بك ـ خالية عما ذكروه. وما اعتذر به الفاضل الخوانساري في شرح الدروس ـ بعد ان ناقش في دلالة الاخبار على الطهارة ، من ان مراد الذكرى من ان في المعتبر ليس في الاستنجاء تصريح بالطهارة ، انه ليس في الروايات لا في كلام الأصحاب ، وهو كذلك كما قررنا. الى آخر كلامه ـ غير مستقيم ، إذ تفسير العبارة المذكورة بما ذكره فرع وجودها أو وجود ما يؤدي معناها ، وليس فليس.

بقي هنا شي‌ء وهو ان ما ذهب إليه في الذكرى وتبعه عليه جمع من المتأخرين ـ من ان العفو مراد به سلب الطهورية دون النجاسة مع سلب حكمها (٢) ـ مما لا يساعد عليه كلام المعتبر ، فان نقله عن المرتضى (رضي‌الله‌عنه) القول بالعفو ـ ونفيه عنه

__________________

(١) ومما يؤيد ذلك نقل المحقق الشيخ على (قدس‌سره) قوله : «وتظهر الفائدة. إلخ» من تتمة كلام المعتبر ظنا منه ان هذا من جملة المنقول عن المعتبر ، حيث أخر نقل كلام الذكرى عن هذه العبارة ، مع انها من كلام الذكرى قطعا ، كما لا يخفى على من راجع عبارته (منه رحمه‌الله).

(٢) اى ان نفى البأس أعم من الطهارة ، إذ قد يكون نجسا ويجوز مباشرته والصلاة فيه كما في غيره من النجاسات المعفو عنها ، وحينئذ فنفى البأس غايته العفو خاصة (منه رحمه‌الله).

٤٧٣

صراحة القول بالطهارة بمجرد نفيه البأس عما ينتضح على الثوب والبدن من ماء الاستنجاء ـ يؤذن بأن محل النزاع في ملاقاة هذا الماء للثوب والبدن وانه هل ينجس به وان انتفى البأس عن الصلاة فيه كما هو مذهب المرتضى ، أو يحكم بالطهارة كما هو القول الآخر؟ (١) ، لا ان مظهر النزاع استعماله ثانيا وان الملاقي للثوب والبدن منه طاهر إجماعا. وهذا بحمد الله ظاهر غاية الظهور ، وحينئذ فلا استبعاد في حمل العفو في عبارة المعتبر على المعنى المعهود. نعم يبقى الإشكال في نسبة ذلك اليه كما عرفت.

وكيف كان فالتحقيق في المقام ان يقال : ان أكثر الأخبار المتقدمة قد اشتركت في نفي البأس عن ملاقاته للثوب والبدن ، ونفي البأس وان كان أعم من الطهارة إلا ان تصريح صحيحة عبد الكريم (٢) بعدم التنجيس يقتضي حمل نفي البأس في تلك الأخبار على الكناية عن الطهارة. وأيضا فإنه من الظاهر البين الظهور انه متى عفي عن ملاقاته لما هو مذكور في الاخبار ، وقد عرفت انه لا خصوصية لها بذلك ، فيتعدى الحكم الى غيرها ، وانه لا تتعدى النجاسة من تلك الأشياء الى ما تلاقيه برطوبة من ماء قليل وغيره ، فإنه يلزم ان يكون طاهرا البتة ، إذ لا معنى للطاهر شرعا إلا ذلك.

قال المحقق الشيخ علي (رحمه‌الله) في شرح القواعد ـ على اثر الكلام المتقدم

__________________

(١) وبالجملة فالعفو ان أخذ بالمعنى الذي ذكره شيخنا الشهيد ـ وهو عبارة عن سلب الطهورية ـ كان مقابلته بالطهارة بمعنى المطهرية ، وان أخذ بالمعنى المشهور ، كانت الطهارة المقابلة له بمعنى عدم النجاسة ، وحينئذ فنسبة صاحب المعتبر الى السيد (رحمه‌الله) القول بالعفو دون الطهارة من حيث نفيه البأس عن ملاقاة ماء الاستنجاء للثوب والبدن للترجيح له على المعنى الأول ، إذ لا معنى لأخذ الطهورية وعدمها في ملاقاة الماء للثوب والبدن ، بل يتعين المعين الثاني البتة ، وحينئذ لا يستقيم ما ذكره في الذكرى (منه قدس‌سره).

(٢) المتقدمة في الصحيفة ٤٦٨.

٤٧٤

نقله ـ ما صورته «قلت : اللازم أحد الأمرين : اما عدم إطلاق العفو عنه أو القول بطهارته ، لأنه إن جاز مباشرته من كل الوجوه لزم الثاني ، لأنه إذا باشره بيده ثم باشر به ماء قليلا ولم يمنع من الوضوء به ، كان طاهرا لا محالة ، وإلا وجب المنع من مباشرة نحو ماء الوضوء به إذا كان قليلا ، فلا يكون العفو مطلقا ، وهو خلاف ما يظهر من الخبر ومن كلام الأصحاب ، فلعل ما ذكره المصنف أقوى وان كان ذلك أحوط» انتهى. وهو جيد. وفيه دلالة على ما ذكرنا من ان معنى العفو في هذا المقام إنما هو عبارة عن النجاسة مع سلب حكمها لا ما ذكره شيخنا الشهيد (رحمه‌الله).

(الرابع) ـ قد اشترط الأصحاب في ثبوت ما تقدم من اي الحكمين لهذا الماء شروطا :

(منها) ـ عدم تغيره بالنجاسة في أحد أوصافه الثلاثة. ولا بأس به. الا ان بعض فضلاء متأخري المتأخرين إنما اعتمد في ذلك على كون الحكم به إجماعيا ، قال : «والظاهر ان الحكم به إجماعي ، وإلا لأمكن المناقشة ، إذ الروايات الدالة على نجاسة المتغير عامة ، وهذه الروايات خاصة».

و (منها) ـ عدم ملاقاته لنجاسة أخرى خارجة معه كالدم المصاحب للخارج ونحوه ، أو خارجة عنه كالأرض النجسة لو وقع عليها. واشتراطه واضح ، لان ظاهر الأخبار الواردة في المسألة نفي البأس باعتبار إزالة النجاسة المخصوصة لا باعتبار غيرها. ولا يخفى ان ماء الاستنجاء لا يزيد قوة على المياه الأخر مما لم يستنج به ، فحيث تنجس تلك بمجرد الملاقاة فهو ينجس ايضا. وما ناقش به بعض فضلاء متأخري المتأخرين ـ بالنسبة إلى النجاسة المصاحبة للخارج ، مستندا إلى إطلاق اللفظ في تلك الأخبار ـ مردود بجريان ذلك في النجاسة الغير المصاحبة ، وهو لا يقول به. وما ادعاه ـ من ان الغالب عدم انفكاك الغائط من شي‌ء آخر من الدم أو الأجزاء الغير المنهضمة من الغذاء أو الدواء ـ ممنوع بل الغالب خلافه كما لا يخفى ، إذ حصول شي‌ء

٤٧٥

مما ذكره إنما يكون لعلة أو مرض ، ومن كان صحيح الطبيعة فلا يحصل له شي‌ء من ذلك نعم في صحيحة محمد بن النعمان المتقدمة (١) إشعار بدخول نجاسة الجنابة على أحد الاحتمالين المتقدمين.

و (منها) ـ كون الخارج غائطا أو بولا ، فلو كان غيرهما لم يلحقه الحكم المذكور ، لعدم صدق الاستنجاء على ازالة غير ذينك الحدثين. وهو جيد.

و (منها) ـ عدم انفصال اجزاء من النجاسة متميزة معه ، وإلا كان حكمها حكم النجاسة الخارجة ، فينجس بها الماء مع مفارقة المحل. وفيه إشكال ، لإطلاق أخبار المسألة ، الا ان الاحتياط يقتضيه.

و (منها) ـ ان لا يتفاحش بحيث يخرج عن صدق الاستنجاء عليه. وهو كذلك.

و (منها) ـ ما نقل عن بعض المتأخرين من سبق الماء اليد ، فلو سبقت اليد تنجست وكان كالنجاسة الخارجة. ورد بان وصول النجاسة إليها لازم على كل حال.

والظاهر ـ كما ذكره المحقق الشيخ حسن في المعالم ـ ان نجاسة اليد انما تستثنى من حيث جعلها آلة للغسل ، فلو اتفق لغرض آخر كان في معنى النجاسة الخارجية.

و (منها) ـ ما صرح به شيخنا الشهيد في الذكرى من عدم زيادة وزنه ، والمنقول عن العلامة في النهاية جعل زيادة الوزن في مطلق الغسالة كالتغير. ولا ريب في ضعف الجميع.

وربما استدل على هذا الشرط هنا بالتعليل المذكور في آخر رواية العلل المتقدمة (٢) حيث انه يعطي ان نفي البأس عنه لاكثريته واضمحلال النجاسة فيه وحينئذ فلو زاد في وزنه لدل على وجود شي‌ء من النجاسة فيه وعدم اضمحلالها.

__________________

(١ و ٢) في الصحيفة ٤٦٨.

٤٧٦

وفيه ان الأقرب ان غرضه (عليه‌السلام) إنما هو بيان اشتراط غلبة المطهر على قياس ما تقدم في صحيحة هشام بن سالم المتقدمة في المقالة التاسعة من الفصل الأول (١) ، الواردة في السطح يبال عليه ، فتصيبه السماء ، فيكف فيصيب الثوب ، فقال (عليه‌السلام) : «لا بأس به ، ما اصابه من الماء أكثر منه».

(الخامس) ـ لا ريب ان ما ادعوه ـ من الإجماع على عدم جواز رفع الحدث بماء الاستنجاء ـ إنما يتم عند من يعول على هذه الإجماعات المتناقلة في كلامهم والمتكررة على ألسن أقلامهم ، وإلا فمقتضى الأخبار المذكورة ـ الدالة على استثنائه من كلية نجاسة القليل بالملاقاة ـ هو الطهورية مطلقا من حدث كان أو من خبث ، وبذلك ايضا يشعر كلام المولى المحقق الأردبيلي (نور الله تعالى تربته) في شرح الإرشاد ، حيث قال : «والظاهر هو بقاء الطهارة والطهورية ، للاستصحاب ، وعدم الخروج بالاستعمال الموجب للنجاسة بأدلة نجاسة القليل ، للخبر بل الإجماع فيبقى على حاله ، ولأن النجاسة إذا لم تخرجه عن الطهارة للأدلة فكذا عن الطهورية بالطريق الاولى» انتهى.

(المسألة الرابعة) ـ في الماء المستعمل في إزالة النجاسة عدا ما تقدم. ولا خلاف في نجاسته مع التغير في أحد أوصافه الثلاثة. اما مع عدمه فقد اختلف الأصحاب (رضوان الله عليهم) في ذلك على أقوال :

(أحدها) ـ النجاسة مطلقا وان حكمها حكم المحل قبل الغسل ، وحينئذ فيجب غسل ما لاقته العدد المعتبر في المحل ، اختاره المحقق والعلامة ، بل الظاهر انه المشهور بين المتأخرين.

احتج المحقق في المعتبر بأنه ماء قليل لاقى النجاسة فيجب ان ينجس.

وما رواه العيص بن القاسم (٢) قال : «سألته عن رجل أصابته قطرة من طشت

__________________

(١) في الصحيفة ٢١٥.

(٢) المروية في الوسائل في الباب ـ ٩ ـ من أبواب الماء المضاف والمستعمل.

٤٧٧

فيه وضوء. قال : ان كان من بول أو قذر فيغسل ما اصابه». وزاد بعضهم في آخر هذه الرواية «وان كان وضوء الصلاة فلا يضره».

واحتج العلامة في المختلف برواية عبد الله بن سنان المتقدمة في المسألة الثانية (١) الدالة على ان الماء الذي يغسل به الثوب أو يغتسل به من الجنابة لا يتوضأ به وأشباهه.

واحتج بعضهم أيضا بإيجاب تعدد الغسل واهراق ماء الغسلة الأولى بالكلية من الظروف ، ووجوب العصر فيما يجب فيه العصر ، وعدم تطهير ما لا يخرج منه الماء إلا بالكثير ، والإجماع المدعى من العلامة في المنتهى ، حيث قال : «ومتى كان على جسد الجنب أو المغتسل من حيض وشبهه نجاسة ، فالمستعمل ان قل عن الكر نجس إجماعا» فإنه يعطى الإجماع على نجاسة الغسالة هنا ، ويضم الى ذلك عدم القائل بالفرق بين الاستعمال في الغسل وغيره.

وأجيب عن هذه الأدلة ، أما عن الأول فبمنع كلية كبراه ، لأنها عين المتنازع ، فأخذها في الدليل مصادرة.

وفيه ان الدليل على كلية الكبرى المذكورة الأخبار الدالة بمفهوم الشرط على نجاسة الماء القليل بالملاقاة كما تقدم تحقيقه في تلك المسألة. وما شاع في كلام جملة من فضلاء متأخري المتأخرين ـ من عدم العموم في هذا المفهوم ـ مدفوع بما أسلفنا تحقيقه في المسألة المذكورة. والعجب من شيخنا الشهيد الثاني وأمثاله من القائلين بنجاسة القليل بالملاقاة ، حيث احتجوا على ذلك بهذا المفهوم ثم يعترضون هنا بمنع الكلية المذكورة.

واما عن الثاني فبضعف السند ، لعدم وجود الخبر المذكور في شي‌ء من كتب الأخبار ، وإنما نقله الشيخ في الخلاف وجمع ممن تأخر عنه مع كونه مضمرا. ومنع

__________________

(١) في الصحيفة ٤٣٦.

٤٧٨

الدلالة ، إذ الجملة الخبرية لا ظهور لها في الوجوب.

ويمكن الجواب عن الأول بأن الظاهر ان الشيخ (رحمه‌الله) إنما أخذ الرواية المذكورة من كتاب العيص ، فإنه نقل في الفهرست ان له كتابا ، وطريقه في الفهرست الى الكتاب المذكور حسن على المشهور بإبراهيم بن هاشم ، وصحيح عندنا وفاقا لجملة من متأخري مشايخنا. وقد صرح أيضا في كتابي الأخبار بأنه إذا ترك بعض اسناد الحديث يبدأ في أول السند باسم الرجل الذي أخذ الحديث من كتابه فلعل نقله لها في الخلاف جار على تلك القاعدة. وبالجملة فرواية الشيخ (رضوان الله عليه) له في كتب الفروع لا تقصر عن روايته في كتب الأخبار.

واما الإضمار في أخبارنا فقد حقق غير واحد من أصحابنا انه غير قادح في الاعتماد على الخبر ، فان الظاهر ان منشأ ذلك هو ان أصحاب الأصول لما كان من عادتهم أن يقول أحدهم في أول الكلام : «سألت فلانا» ويسمي الإمام الذي روى عنه ، ثم يقول : وسألته أو نحو ذلك ، حتى تنتهي الأخبار التي رواها. كما يشهد به ملاحظة بعض الأصول الموجودة الآن ككتاب علي بن جعفر وكتاب قرب الاسناد وغيرهما ، وكان ما رواه عن ذلك الامام (عليه‌السلام) أحكاما مختلفة ، فبعضها يتعلق بالطهارة وبعض بالصلاة وبعض بالنكاح وهكذا ، والمشايخ الثلاثة (رضوان الله عليهم) لما بوبوا الاخبار ورتبوها ، اقتطعوا كل حكم من تلك الأحكام ووضعوه في بابه بصورة ما هو مذكور في الأصل المنتزع منه ، وقع الاشتباه على الناظر فظن كون المسؤول غير الامام (عليه‌السلام) وجعل هذا من جملة ما يطعن به في الاعتماد على الخبر.

واما منع دلالة الجملة الخبرية على الوجوب ، ففيه انه لا خلاف ولا إشكال في كون الجملة الخبرية في مثل هذا الموضع إنما أريد بها الإنشاء دون الخبر ، فيكون بمعنى الأمر. والأدلة الدالة على كون الأمر للوجوب من الآيات والاخبار التي

٤٧٩

قدمناها في المقدمة السابعة (١) لا اختصاص لها بلفظ الأمر وان جعلوه في الأصول مطرح البحث والنزاع ، وحينئذ فيقرب الاعتماد على الرواية المذكورة.

وأجاب المحدث الأمين الأسترآبادي (قدس‌سره) عنها ـ حيث انه اختار في الغسالة الطهارة ـ بالحمل على كون الاستنجاء في الطشت إنما وقع بعد التغوط أو البول فيه ، مدعيا ان ذلك مقتضى العادة.

وهو بعيد (أما أولا) ـ فإنه لا تصريح في الخبر بكون ذلك الوضوء ماء استنجاء ، إذ الوضوء بفتح الواو ـ وهو اسم لما يتوضأ به اي يغسل به ـ كما يطلق في الاخبار على ماء الاستنجاء ، كذلك يطلق على ما يغسل به الوجه واليدان بل سائر الجسد من نجاسة أو بدونها.

و (اما ثانيا) ـ فلانه لا ملازمة بين التغوط أو البول في الإناء وبين الاستنجاء فيه.

وأجاب عنها في الذكرى بالحمل على التغير أو الاستحباب. وفيه ان الحمل على خلاف الظاهر فرع وجود المعارض.

واما عن الثالث فبضعف السند أولا ، وكونه أعم من المدعى ثانيا. فان المنع من الوضوء أعم من النجاسة فلا يستلزمها ، بل ربما كان عطف الجنابة يؤذن برفع الطهورية لا الطهارة. والثاني منهما متجه.

واما عن الرابع والخامس فبجواز ان يكون تعبدا. وكذا عن السادس وفيه ما فيه.

واما عن كلام المنتهى فبعد تسليم الاعتماد على هذا الإجماع المتناقل فالظاهر ان كلامه إنما هو في الاستعمال بطريق الارتماس ، كما يشعر به قوله بعد هذا الكلام : «فإذا ارتمس فيه ناويا للغسل. إلخ».

__________________

(١) في الصحيفة ١١٢. وفي النسخ المطبوعة والمخطوطة (الرابعة).

٤٨٠