الحدائق الناضرة - ج ١

الشيخ يوسف بن أحمد البحراني [ صاحب الحدائق ]

الحدائق الناضرة - ج ١

المؤلف:

الشيخ يوسف بن أحمد البحراني [ صاحب الحدائق ]


الموضوع : الفقه
الناشر: مؤسسة النشر الإسلامي
الطبعة: ٠
الصفحات: ٥٣٦

وعزي الى الحسن بن ابي عقيل (رحمه‌الله) القول بعدم النجاسة إلا بالتغير ، واختار هذا القول جمع من متأخري المتأخرين.

ولا بد من نقل الاخبار هنا من الطرفين ، والكلام بما يرفع التناقض من البين فنقول

اما ما يدل من الاخبار على القول المشهور الذي هو عندنا المؤيد المنصور.

(فمنها) ـ صحيحة محمد بن مسلم عن ابي عبد الله (عليه‌السلام) (١) وسئل عن الماء تبول فيه الدواب وتلغ فيه الكلاب ويغتسل فيه الجنب ، قال : «إذا كان الماء قدر كر لم ينجسه شي‌ء».

و (منها) ـ صحيحة زرارة (٢) قال : «إذا كان الماء أكثر من راوية لم ينجسه شي‌ء ـ تفسخ فيه أو لم يتفسخ ـ إلا ان تجي‌ء له ريح تغلب على ريح الماء».

و (منها) ـ صحيحة إسماعيل بن جابر (٣) قال : «قلت لأبي عبد الله (عليه‌السلام) : الماء الذي لا ينجسه شي‌ء؟ قال : ذراعان عمقه في ذراع وشبر سعته».

و (منها) ـ صحيحة عبد الله بن سنان (٤) قال : «سألت أبا عبد الله (عليه‌السلام)

__________________

(١) المروية في الوسائل في الباب ـ ٩ ـ من أبواب الماء المطلق من كتاب الطهارة.

(٢) المروية في الكافي ج ١ ص ٢ ، ورواها الشيخ في التهذيب ج ١ ص ١١٧ مسندة عن ابى جعفر (عليه‌السلام) بسند ضعيف ، ورواهما صاحب الوسائل في الباب ـ ٣ ـ من أبواب الماء المطلق من كتاب الطهارة.

(٣) المروية في الوسائل في الباب ـ ١٠ ـ من أبواب الماء المطلق من كتاب الطهارة.

(٤) كذا فيما وقفنا عليه من النسخ المخطوطة والمطبوعة ، مع ان هذا المتن هو صدر صحيحة إسماعيل بن جابر كما في الكافي ج ١ ص ٢ ، والتهذيب ج ١ ص ١١ و ١٢ والوسائل في الباب ـ ٩ ـ من أبواب الماء المطلق ، وقد تقدم منه (قده) نقل ذيلها ونسبه الى إسماعيل بن جابر في الصحيفة ٢٦٢ السطر ٥ كما تقدم منه الكلام في سندها وان الراوي عن إسماعيل بن جابر هو عبد الله بن سنان أو محمد بن سنان في الصحيفة ٢٧٠ ، ولم نجد في كتب الحديث رواية لعبد الله بن سنان بهذا المتن عن الإمام مباشرة.

٢٨١

عن قدر الماء الذي لا ينجسه شي‌ء. فقال : كر. الحديث».

و (منها) ـ رواية عبد الله بن المغيرة عن بعض أصحابه عن ابي عبد الله (عليه‌السلام) (١) قال : «إذا كان الماء قدر قلتين لم ينجسه شي‌ء ، والقلتان جرتان».

و (منها) ـ رواية أبي بصير عن ابي عبد الله (عليه‌السلام) (٢) قال : «ولا تشرب من سؤر الكلب إلا ان يكون حوضا كبيرا يستقى منه».

و (منها) ـ صحيحة علي بن جعفر عن أخيه موسى (عليه‌السلام) (٣) قال : «سألته عن الدجاجة والحمامة وأشباههما تطأ العذرة ثم تدخل في الماء ، يتوضأ منه للصلاة؟ قال : لا الا ان يكون الماء كثيرا قدر كر من ماء».

و (منها) ـ صحيحته ايضا عن أخيه (عليه‌السلام) (٤) قال : «سألته عن رجل رعف ـ وهو يتوضأ ـ فتقطر قطرة في إنائه ، هل يصلح الوضوء منه؟ قال : لا».

و (منها) ـ موثقة عمار الساباطي (٥) قال : «سألت أبا عبد الله (عليه‌السلام) عن رجل معه إناءان فيهما ماء وقع في أحدهما قذر ، لا يدري أيهما هو؟ وليس يقدر على ماء غيره. قال : يهريقهما جميعا ويتيمم». وهذا الحديث رواه الشيخ في موضعين

__________________

(١) المروية في الوسائل في الباب ـ ١٠ ـ من أبواب الماء المطلق من كتاب الطهارة.

(٢) المروية في الوسائل في الباب ـ ٩ ـ من أبواب الماء المطلق وفي الباب ـ ١ ـ من أبواب الأسآر من كتاب الطهارة.

(٣) المروية في الوسائل في الباب ـ ٨ و ٩ ـ من أبواب الماء المطلق من كتاب الطهارة.

(٤) المروية في الوسائل في الباب ـ ٨ و ١٣ ـ من أبواب الماء المطلق من كتاب الطهارة.

(٥) المروية في الوسائل في الباب ـ ٨ و ١٢ ـ من أبواب الماء المطلق وفي الباب ـ ٤ ـ من أبواب التيمم وفي الباب ـ ٦٤ ـ من أبواب النجاسات.

٢٨٢

من التهذيب (١) ورواه ثقة الإسلام والصدوق أيضا في الموثق عن سماعة (٢).

و (منها) ـ رواية أبي بصير عنه (عليه‌السلام) (٣) قال : «إذا أدخلت يدك في الإناء قبل ان تغسلها فلا بأس الا ان يكون أصابها قذر بول أو جنابة ، فإذا أدخلت يدك في الماء وفيها شي‌ء من ذلك فأهرق ذلك الماء».

و (منها) ـ صحيحة أحمد بن محمد بن ابي نصر (٤) قال : «سألت أبا الحسن (عليه‌السلام) عن الرجل يدخل يده في الإناء وهي قذرة. قال : يكفأ الإناء».

و (منها) ـ موثقة سماعة عن ابي عبد الله (عليه‌السلام) (٥) قال : «إذا أصاب الرجل جنابة فأدخل يده في الإناء فلا بأس إذا لم يكن أصاب يده شي‌ء من المني».

و (منها) ـ موثقته ايضا (٦) قال : «سألته عن رجل يمس الطست أو الركوة ثم يدخل يده في الإناء قبل ان يفرغ على كفيه ، الى ان قال (عليه‌السلام) : وان كان أصابه جنابة فأدخل يده في الماء فلا بأس به إذا لم يكن أصاب يده شي‌ء

__________________

(١) رواه في آخر باب (تطهير المياه من النجاسات) عن عمار وعن سماعة ، ورواه في آخر باب (التيمم وأحكامه) عن عمار ، ورواه في باب (المياه وأحكامها) عن سماعة.

(٢) رواه ثقة الإسلام عن سماعة في الباب ـ ٦ ـ من كتاب الطهارة ، ورواه صاحب الوسائل عن سماعة في الباب ـ ٨ و ١٢ ـ من أبواب الماء المطلق وفي الباب ـ ٤ ـ من أبواب التيمم وفي الباب ـ ٦٤ ـ من أبواب النجاسات. ولم نجده في الفقيه بعد الفحص عنه في مظانه ، كما ان صاحب الوسائل لم يروه عن الفقيه وكذا صاحب الوافي بمقتضى الطبعة الثانية. نعم في الطبعة الأولى قد اثبت عن الفقيه أيضا.

(٣ و ٤ و ٦) المروية في الوسائل في الباب ـ ٨ ـ من أبواب الماء المطلق من كتاب الطهارة.

(٥) المروية في الوسائل في الباب ـ ٨ ـ من أبواب الماء المطلق وفي الباب ـ ٢٨ ـ من أبواب الوضوء.

٢٨٣

من المني ، وان كان أصاب يده فادخل يده في الماء قبل ان يفرغ على كفيه فليهرق الماء كله».

و (منها) ـ رواية أبي بصير عن ابي عبد الله (عليه‌السلام) (١) قال : «سألته عن الجنب يحمل الركوة أو التور فيدخل إصبعه فيه. فقال : ان كانت يده قذرة فأهرقه ، وان كان لم يصبها قذر فليغتسل منه. الحديث».

و (منها) ـ حسنة شهاب بن عبد ربه عن ابي عبد الله (عليه‌السلام) (٢) «في الرجل الجنب يسهو فيغمس يده في الإناء قبل ان يغسلها؟ انه لا بأس إذا لم يكن أصاب يده شي‌ء».

و (منها) ـ موثقة عمار الساباطي عنه (عليه‌السلام) (٣) قال : «سئل عن ماء شرب منه باز أو صقر أو عقاب. فقال : كل شي‌ء من الطير يتوضأ مما يشرب منه إلا ان ترى في منقاره دما ، فإذا رأيت في منقاره دما فلا تتوضأ منه ولا تشرب».

و (منها) ـ موثقة عمار ايضا عنه (عليه‌السلام) (٤) انه «سئل عن ماء شربت منه الدجاجة. فقال : ان كان في منقارها قذر لم يتوضأ منه ولم يشرب ، وان لم تعلم ان في منقارها قذرا فتوضأ منه واشرب».

و (منها) ـ صحيحة محمد بن مسلم عن ابي عبد الله (عليه‌السلام) (٥) قال : «سألته عن الكلب يشرب من الإناء. قال : اغسل الإناء».

__________________

(١) المروية في الوسائل في الباب ـ ٨ ـ من أبواب الماء المطلق من كتاب الطهارة.

(٢) المروية في الوسائل في الباب ـ ٨ ـ من أبواب الماء المطلق وفي الباب ـ ٧ ـ من أبواب الأسآر من كتاب الطهارة.

(٣) المروية في الوسائل في الباب ـ ٤ ـ من أبواب الأسآر من كتاب الطهارة.

(٤) المروية في الوسائل في الباب ـ ٤ ـ من أبواب الأسآر ، ورواه عن الصدوق مرسلا في الباب ـ ٨ ـ من أبواب الماء المطلق من كتاب الطهارة.

(٥) المروية في الوسائل في الباب ـ ١ و ٢ ـ من أبواب الأسآر من كتاب الطهارة.

٢٨٤

و (منها) ـ رواية حريز عمن أخبره عنه (عليه‌السلام) (١) قال : «إذا ولغ الكلب في الإناء فصبه».

و (منها) ـ صحيحة الفضل بن عبد الملك البقباق (٢) قال : «سألت أبا عبد الله (عليه‌السلام) عن فضل الهرة والشاة والبقرة ، الى ان قال : فلم اترك شيئا إلا سألته عنه ، فقال : لا بأس به ، حتى انتهيت الى الكلب. فقال : رجس نجس لا تتوضأ بفضله واصبب ذلك الماء ، واغسله بالتراب أول مرة ثم بالماء».

و (منها) ـ رواية معاوية بن شريح (٣) قال : «سأل عذافر أبا عبد الله (عليه‌السلام) وانا عنده عن سؤر السنور والشاة والبقرة والبعير والحمار والفرس والبغل والسباع ، يشرب منه أو يتوضأ منه؟ فقال : نعم اشرب منه وتوضأ. قال : قلت له : الكلب؟ قال : لا. قلت : أليس هو سبع؟ قال : لا والله انه نجس لا والله انه نجس».

و (منها) ـ حسنة المعلى بن خنيس (٤) قال : «سألت أبا عبد الله (عليه‌السلام) عن الخنزير يخرج من الماء فيمر على الطريق فيسيل منه الماء ، أمر عليه حافيا. فقال أليس وراءه شي‌ء جاف؟ قلت : بلى. فقال : لا بأس ، ان الأرض يطهر بعضها بعضا».

و (منها) ـ ما رواه الشهيد في الذكرى (٥) وغيره في غيره عن العيص

__________________

(١ و ٣) المروية في الوسائل في الباب ـ ١ ـ من أبواب الأسآر من كتاب الطهارة.

(٢) المروية في الوسائل في الباب ـ ١ ـ من أبواب الأسآر. ورواها بنحو التقطيع في الباب ـ ١١ و ٧٠ ـ من أبواب النجاسات من كتاب الطهارة.

(٤) المروية في الوسائل في الباب ـ ٣٢ ـ من أبواب النجاسات والأواني والجلود من كتاب الطهارة.

(٥) في الصحيفة ٩ ورواه صاحب الوسائل عن الذكرى والمعتبر في الباب ـ ٩ ـ من أبواب الماء المضاف والمستعمل من كتاب الطهارة.

٢٨٥

ابن القاسم قال : «سألته عن رجل أصابته قطرة من طشت فيه وضوء. قال : ان كان من بول أو قذر فليغسل ما اصابه».

و (منها) ـ رواية ابن ابي يعفور عن ابي عبد الله (عليه‌السلام) (١) قال : «لا تغتسل من البئر التي تجتمع فيها غسالة الحمام ، فان فيها غسالة ولد الزنا وهو لا يطهر إلى سبعة آباء ، وفيها غسالة الناصب وهو شرهما ، ان الله لم يخلق خلقا شرا من الكلب وان الناصب أهون على الله من الكلب».

و (منها) ـ رواية علي بن الحكم عن رجل عن ابي الحسن (عليه‌السلام) (٢) قال : «لا تغتسل من غسالة ماء الحمام ، فإنه يغتسل فيه من الزنا ، ويغتسل فيه ولد الزنا والناصب لنا أهل البيت ، وهو شرهم».

و (منها) ـ رواية حمزة بن احمد عن الكاظم (عليه‌السلام) (٣) قال : «لا تغتسل من البئر التي يجتمع فيها ماء الحمام ، فإنه يسيل فيها ما يغتسل به الجنب وولد الزنا والناصب لنا أهل البيت ، وهو شرهم».

و (منها) ـ موثقة ابن ابي يعفور المروية في كتاب العلل (٤) عن ابي عبد الله (عليه‌السلام) قال : «إياك ان تغتسل من غسالة الحمام ، ففيها تجتمع غسالة اليهودي والنصراني والمجوسي والناصب لنا أهل البيت وهو شرهم. الحديث».

و (منها) ـ صحيحة علي بن جعفر عن أخيه موسى (عليه‌السلام) (٥) انه

__________________

(١ و ٢ و ٣) المروية في الوسائل في الباب ـ ١١ ـ من أبواب الماء المضاف والمستعمل من كتاب الطهارة.

(٤) في الصحيفة ١٠٦ وفي الوسائل في الباب ـ ١١ ـ من أبواب الماء المضاف المستعمل من كتاب الطهارة.

(٥) المروية في الوسائل في الباب ـ ١٤ ـ من أبواب النجاسات والأواني والجلود كتاب الطهارة.

٢٨٦

«سأله عن النصراني يغتسل مع المسلم في الحمام. قال : إذا علم انه نصراني اغتسل بغير ماء الحمام ، الا ان يغتسل وحده على الحوض فيغسله ثم يغتسل».

و (منها) ـ صحيحته ايضا عن أخيه (عليه‌السلام) (١) قال : «سألته عن خنزير شرب من إناء كيف يصنع به؟ قال : يغسل سبع مرات».

و (منها) ـ ما رواه في كتاب قرب الاسناد (٢) عن علي بن جعفر عن أخيه (عليه‌السلام) قال : «سألته عن حب ماء فيه الف رطل وقع فيه أوقية من بول ، هل يصلح شربه أو الوضوء منه؟ قال : لا يصلح».

و (منها) ـ رواية سعيد الأعرج (٣) قال : «سألت أبا عبد الله (عليه‌السلام) عن الجرة تسع مائة رطل من ماء يقع فيها أوقية من دم ، اشرب منه وأتوضأ؟ قال : لا».

و (منها) ـ رواية حفص بن غياث عن جعفر بن محمد (عليهما‌السلام) (٤) قال : «لا يفسد الماء الا ما كانت له نفس سائلة».

و (منها) ـ رواية أبي بصير (٥) قال : «دخلت أم معبد (٦) العبدية على

__________________

(١) المروية في الوسائل في الباب ـ ١٣ ـ من أبواب النجاسات وفي الباب ـ ١ ـ من أبواب الأسآر.

(٢) هذه الرواية رواها صاحب الوسائل عن كتاب على بن جعفر في الباب ـ ٨ ـ من أبواب الماء المطلق وقد ذكرها المجلسي في المجلد الرابع من البحار في الصحيفة ١٥٨ في ضمن مسائل على بن جعفر الواردة من غير طريق عبد الله بن جعفر الحميري ، ولم نجدها في كتاب قرب الاسناد.

(٣) المروية في الوسائل في الباب ـ ٨ و ١٣ ـ من أبواب الماء المطلق من كتاب الطهارة.

(٤) المروية في الوسائل في الباب ـ ٣٥ ـ من أبواب النجاسات وفي الباب ـ ١٠ ـ من أبواب الأسآر.

(٥) هذه الرواية والتي بعدها مروية في الكافي في باب الاضطرار الى الخمر للدواء (منه رحمه‌الله).

(٦) كذا فيما وقفنا عليه من النسخ المخطوطة والمطبوعة ، وفي الكافي والوسائل والوافي (أم خالد) وسيأتي منه (قده) ذلك أيضا في نجاسة الخمر.

٢٨٧

ابى عبد الله (عليه‌السلام) وانا عنده ، فقالت : جعلت فداك انه يعتريني قراقر في بطني ، الى ان قالت (١) : وقد وصف لي أطباء العراق النبيذ بالسويق وقد وقفت وعرفت كراهتك له ، فأحببت أن أسألك عن ذلك. فقال : وما يمنعك من شربه؟ قالت : قد قلدتك ديني فألقى الله حين ألقاه فأخبره ان جعفر بن محمد أمرني ونهاني فقال : يا أبا محمد ألا تسمع الى هذه المرأة وهذه المسائل؟ لا والله لا آذن لك في قطرة منه ، فلا تذوقي منه قطرة ، الى أن قال : ثم قال أبو عبد الله (عليه‌السلام) : ما يبل الميل ينجس حبا من ماء ، يقولها ثلاثا» (٢).

و (منها) ـ رواية عمر بن حنظلة (٣) قال : «قلت لأبي عبد الله (عليه‌السلام) ما ترى في قدح من مسكر يصب عليه الماء حتى تذهب عاديته ويذهب سكره؟ فقال :

لا والله ولا قطرة تقطر في حب إلا أهريق ذلك الحب».

و (منها) ـ صحيحة علي بن جعفر عن أخيه موسى (عليه‌السلام) (٤) قال : «سألته عن رجل رعف فامتخط فصار ذلك الدم قطعا صغارا فأصاب إناءه ،

__________________

(١) كذا فيما وقفنا عليه من النسخ المخطوطة والمطبوعة ، وفي الكافي والوسائل ليس بين قولها : إنه يعتريني قراقر في بطني. وقولها : وقد وصف لي أطباء العراق. إلخ كلام فاصل. نعم في الوافي بينهما العبارة الآتية : فسألته عن أعلال النساء وقالت.

(٢) رواها صاحب الوسائل في الباب ٢٠ من أبواب الأشربة المحرمة من كتاب الأطعمة والأشربة ، وروى قوله (عليه‌السلام) : ما يبل الميل. إلخ في الباب ـ ٣٨ ـ من أبواب النجاسات من كتاب الطهارة.

(٣) المروية في الوسائل في الباب ـ ١٨ ـ من أبواب الأشربة المحرمة من كتاب الأطعمة والأشربة ورواها الكليني في الكافي في باب (ان رسول الله ـ ص ـ حرم كل مسكر قليله وكثيره) من كتاب الأشربة. لا كما ذكره (قده) في التعليقة ٥ ص ٢٨٧.

(٤) المروية في الوسائل في الباب ـ ٨ ـ من أبواب الماء المطلق من كتاب الطهارة.

٢٨٨

هل يصلح الوضوء منه؟ قال : ان لم يكن شي‌ء يستبين في الماء فلا بأس ، وان كان شيئا بينا فلا يتوضأ منه».

و (منها) ـ صحيحة ابن ابي عمير عن بعض أصحابه (١) قال : وما أحسبه إلا حفص بن البختري ، قال : «قيل لأبي عبد الله (عليه‌السلام) : العجين يعجن من الماء النجس كيف يصنع به؟ قال : يباع ممن يستحل أكل الميتة». وفي رواية اخرى (٢) انه «يدفن ولا يباع». والظاهر ان العجن بالماء إنما وقع قبل العلم بنجاسة الماء حملا لتصرف المسلم على الصحة ، فلا يحمل على كون النجاسة بالتغير ، إذ التغير لا يشتبه حاله.

و (منها) ـ رواية علي بن حديد عن بعض أصحابنا (٣) قال : «كنت مع ابي عبد الله (عليه‌السلام) في طريق مكة فصرنا إلى بئر فاستقى غلام ابي عبد الله (عليه‌السلام) دلوا فخرج فيه فأرتان ، فقال أبو عبد الله (عليه‌السلام) : ارقه ، فاستقى آخر فخرجت فيه فأرة ، فقال أبو عبد الله (عليه‌السلام) : ارقه ، قال : فاستقى الثالث فلم يخرج فيه شي‌ء ، فقال : صبه في الإناء ، فصبه في الإناء».

هذه جملة ما وقفت عليه من الاخبار التي تصلح لان تكون مستندا للقول المشهور. وهي كما ترى على ذلك المطلب واضحة الظهور عارية عن القصور.

وبيان الاستدلال بها ان جملة منها قد دلت على ان ما نقص عن الكر أو الراوية أو نحوهما من تلك المقادير ينفعل بالنجاسة ، ودلالتها بمفهوم الشرط الذي هو حجة عند

__________________

(١ و ٢) رواها صاحب الوسائل في الباب ـ ١١ ـ من أبواب الأسآر من كتاب الطهارة. وفي الباب ـ ٧ ـ من أبواب ما يكتسب به من كتاب التجارة.

(٣) المروية في الوسائل في الباب ـ ١٤ ـ من أبواب الماء المطلق من كتاب الطهارة.

٢٨٩

المحققين ، وعليه دلت جملة من الاخبار كما قدمنا في المقدمة الثالثة (١).

وجملة منها قد تضمنت النهي عن الوضوء والشرب من الإناء بوقوع قطرة من دم فيه أو خمر أو شرب طير على منقاره دم أو قذر. والنهي حقيقة في التحريم عند محققي الأصوليين ، وقد تقدم ما يدل على ذلك من الآيات والاخبار في المقدمة السابعة (٢) بل وقع التصريح في بعض هذه الاخبار بالتنجيس.

وجملة منها قد دلت على اهراق ماء الإناء بإدخال اليد القذرة من نجاسة البول أو المني أو غيرهما ، وفي بعضها بعد الأمر بالإهراق الأمر بالتيمم. وما ذاك جميعه إلا للنجاسة.

وجملة منها قد دلت على الأمر بغسل الأواني التي شرب منها نجس العين أو وقع فيها ميتة. ومن الظاهر ان الأمر بالغسل إنما هو للاستعمال فيما يشترط فيه الطهارة من عبادة أو أكل أو نحوهما. والأمر للوجوب كما عليه المحققون ، وقد تقدم ما يدل على ذلك أيضا في المقدمة السابعة (٣) وما ذاك إلا للنجاسة.

وجملة منها قد دلت على النهي عن الغسل بما لاقاه نجس العين معللا في جملة منها بالنجاسة.

وقد أورد على هذه الاستدلالات جملة من المناقشات ، وسيأتي الكلام فيها على وجه يوضح الحال ويقلع مادة الإشكال بتوفيق ذي الجلال.

واما ما استدل به على القول الثاني (فمنها) ـ صحيحة حريز عن ابي عبد الله (عليه‌السلام) (٤) انه قال : «كلما غلب الماء على ريح الجيفة فتوضأ من الماء واشرب. وإذا تغير الماء وتغير الطعم فلا توضأ منه ولا تشرب».

__________________

(١) في الصحيفة ٥٧.

(٢ و ٣) في الصحيفة ١١٢.

(٤) المروية في الوسائل في الباب ـ ٣ ـ من أبواب الماء المطلق من كتاب الطهارة.

٢٩٠

ورواية عبد الله بن سنان (١) قال : «سأل رجل أبا عبد الله (عليه‌السلام) ـ وانا حاضر ـ عن غدير أتوه وفيه جيفة. فقال : إذا كان الماء قاهرا ولا يوجد فيه الريح فتوضأ».

ورواية سماعة عن ابي عبد الله (عليه‌السلام) (٢) قال : «سألته عن الرجل يمر بالماء وفيه دابة ميتة قد أنتنت. قال : ان كان النتن الغالب على الماء فلا يتوضأ ولا يشرب».

وحسنة محمد بن ميسر (٣) قال : «سألت أبا عبد الله (عليه‌السلام) عن الرجل الجنب ينتهي إلى الماء القليل في الطريق ، ويريد ان يغتسل منه ، وليس معه إناء يغرف به ، ويداه قذرتان ، قال : يضع يده ويتوضأ ثم يغتسل. هذا مما قال الله تعالى : (ما جَعَلَ عَلَيْكُمْ فِي الدِّينِ مِنْ حَرَجٍ)» (٤).

ورواية عثمان بن زياد (٥) قال : «قلت لأبي عبد الله (عليه‌السلام) : أكون في السفر ، فآتي الماء النقيع ويدي قذرة. فأغمسها في الماء؟ قال : لا بأس».

ورواية أبي بصير عن ابي عبد الله (عليه‌السلام) (٦) انه «سأل عن الماء النقيع تبول فيه الدواب. فقال : ان تغير الماء فلا تتوضأ منه. وان لم تغيره أبوالها فتوضأ منه ، وكذلك الدم إذا سال وأشباهه».

ورواية أبي خالد القماط (٧) انه «سمع أبا عبد الله (عليه‌السلام) يقول في الماء يمر به الرجل وهو نقيع فيه الميتة والجيفة. فقال أبو عبد الله (عليه‌السلام) : ان كان الماء قد تغير ريحه أو طعمه فلا تشرب ولا تتوضأ منه ، وان لم يتغير ريحه وطعمه فاشرب وتوضأ».

__________________

(١ و ٢ و ٦ و ٧) المروية في الوسائل في الباب ـ ٣ ـ من أبواب الماء المطلق.

(٣) المروية في الوسائل في الباب ـ ٨ ـ من أبواب الماء المطلق من كتاب الطهارة.

(٤) سورة الحج الآية ٧٨.

(٥) المروية في الوسائل في الباب ـ ٩ ـ من أبواب الماء المطلق من كتاب الطهارة.

٢٩١

ورواية العلاء بن الفضيل (١) قال : «سألت أبا عبد الله (عليه‌السلام) عن الحياض يبال فيها. قال : لا بأس إذا غلب لون الماء لون البول».

ورواية عبد الله بن مسكان عن ابي عبد الله (عليه‌السلام) (٢) قال : «سألته عن الوضوء مما ولغ الكلب فيه والسنور أو شرب منه جمل أو دابة أو غير ذلك ، أيتوضأ أو يغتسل منه؟ قال نعم إلا ان تجد غيره فتنزه عنه».

وروى في الفقيه (٣) «ان النبي (صلى‌الله‌عليه‌وآله) اتى الماء ، فأتاه أهل البادية فقالوا : يا رسول الله ان حياضنا هذه تردها السباع والكلاب والبهائم؟ فقال لهم : لها ما أخذت أفواهها ولكم سائر ذلك».

ورواية أبي بصير (٤) قال : «قلت لأبي عبد الله (عليه‌السلام) : انا نسافر فربما بلينا بالغدير من المطر يكون الى جانب القرية ، فتكون فيه العذرة ويبول فيه الصبي وتبول فيه الدابة وتروث؟ فقال ان عرض في قلبك منه شي‌ء فقل هكذا ، يعني افرج الماء بيدك. ثم توضأ ، فإن الدين ليس بمضيق.».

وروى العلامة في المختلف (٥) عن ابن ابي عقيل انه قال : تواتر عن الصادق (عليه‌السلام) عن آبائه (عليهم‌السلام) ان «الماء طاهر لا ينجسه إلا ما غير لونه

__________________

(١) المروية في الوسائل في الباب ـ ٣ ـ من أبواب الماء المطلق من كتاب الطهارة.

(٢) المروية في الوسائل في الباب ـ ٢ ـ من أبواب الأسآر من كتاب الطهارة.

(٣) في باب (المياه وطهرها ونجاستها) ورواه صاحب الوسائل في الباب ـ ٩ ـ من أبواب الماء المطلق. وما ذكره (قده) يوافق رواية الشيخ (قده) في التهذيب لهذا الحديث في الجزء الأول في الصحيفة ١١٧ واما رواية الفقيه فليس فيها ان رسول الله (ص) اتى الماء ، وانما أولها «وأتى أهل البادية رسول الله (ص) فقالوا. إلخ».

(٤) المروية في الوسائل في الباب ـ ٩ ـ من أبواب الماء المطلق من كتاب الطهارة.

(٥) في الصحيفة ٢.

٢٩٢

أو طعمه أو رائحته. وانه سئل (عليه‌السلام) عن الماء النقيع والغدير وأشباههما فيه الجيف والعذرة وولوغ الكلب وتشرب منه الدواب وتبول فيه ، أيتوضأ منه؟ فقال لسائله : ان كان ما فيه من النجاسة غالبا على الماء فلا تتوضأ منه ، وان كان الماء غالبا على النجاسة فتوضأ واغتسل».

وروى الصفار في كتاب بصائر الدرجات (١) في الصحيح عن شهاب بن عبد ربه قال : «أتيت أبا عبد الله (عليه‌السلام) أسأله ، فابتدأني فقال : ان شئت فسل يا شهاب وان شئت أخبرناك بما جئت له ، فقلت : أخبرني. قال : جئت تسألني عن الغدير يكون في جانبه الجيفة أتوضأ منه أو لا؟ قلت : نعم. قال : توضأ من الجانب الآخر إلا ان يغلب الماء الريح فينتن».

ورواية أبي مريم الأنصاري (٢) قال : «كنت مع ابي عبد الله (عليه‌السلام) في حائط له فحضرت الصلاة فنزح دلوا للوضوء من ركي له فخرج عليه قطعة من عذرة يابسة فأكفأ رأسه وتوضأ بالباقي».

هذه جملة ما اطلعت عليه من الأخبار مما يصلح لان يكون مستندا لذلك القول. ووجه الاستدلال بها ان بعضها منها قد دل على جواز الوضوء والشرب من الماء الذي لاقته النجاسة إلا مع غلبة أوصاف النجاسة ، وبعضا منها على جواز وضع اليد القذرة في الماء والوضوء والغسل منه ، ولفظ الماء في تلك الاخبار شامل بإطلاقه للقليل والكثير. بل في حسنة محمد بن ميسر (٣) تصريح بالقليل بخصوصه.

وأنت خبير بأنه لو ثبتت المنافاة بين هذه الاخبار لكان الترجيح للأخبار

__________________

(١) في الجزء الخامس باب (ان الأئمة يعرفون الإضمار) ورواه صاحب الوسائل في الباب ـ ٩ ـ من أبواب الماء المطلق من كتاب الطهارة.

(٢) المروية في الوسائل في الباب ـ ٨ ـ من أبواب الماء المطلق من كتاب الطهارة.

(٣) المتقدمة في الصحيفة ٢٩١.

٢٩٣

المتقدمة ، لاعتضادها بعمل الطائفة المحقة قديما وحديثا ، فإنه لم ينقل الخلاف في هذه المسألة قديما إلا عن ابن ابي عقيل ، فشهرة العمل ـ بمضمون الأخبار الأولة بين قدماء الأصحاب ـ مما يلحقها بالمجمع عليه في الرواية ، الذي هو أحد المرجحات الشرعية كما تقدمت الإشارة إليه في المقدمة الثالثة (١) وبذلك صرح جملة من أصحابنا منهم : السيد المحقق صاحب الغنية (قدس‌سره) وغيره ، وحينئذ فحيث كان معظم الفرقة الناجية ـ سابقا ولاحقا ـ قائلين بالنجاسة ، فهو دليل على ان ذلك مذهب أهل البيت (عليهم‌السلام) فان مذهبهم إنما يعلم بنقل شيعتهم عنهم ، كما ان مذهب أبي حنيفة وأمثاله من المذاهب إنما يعلم بنقل اتباعهم وتلامذتهم ، وحينئذ فما خالف ذلك مما صح وروده عنهم (عليهم‌السلام) يتحتم حمله على التقية (٢) وان كانت العامة في المسألة ايضا على قولين ، إلا ان حمل الخبر على التقية لا يتوقف على اتفاق العامة على القول بمضمونه بل ولا على قول البعض كما عرفته في المقدمة الأولى.

على ان الذي نقوله ـ وهو التحقيق الحقيق بالاتباع في المقام وان غفلت عنه أقوام ـ ان جل الأخبار التي استند إليها الخصم لا دلالة لها على ما يدعيه ولا صراحة لها فيما يعيه. بل الظاهر منها ـ عند التأمل الصادق في مضامينها والنظر في قرائن أحوالها ومفاهيمها ـ انها منطبقة مع تلك الأخبار على معنى صحيح المعيار واضح المنار ، وان اختلفت في ذلك الدلالات في بعضها قربا وبعدا بسبب الانس بالقرائن الحالية والمقالية

__________________

(١) في الصحيفة ٣٨.

(٢) ويؤيد ذلك ايضا ما صرح به علم الهدى (رضي‌الله‌عنه) في أجوبة المسائل الناصرية ، حيث نسب القول بنجاسة الماء القليل الى مذهب الشيعة الإمامية وجميع الفقهاء ، قال : «وانما خالف في ذلك مالك والأوزاعي وأهل الظاهر» ثم قال : «والحجة في صحة مذهبنا إجماع الشيعة الإمامية ، وفي اجتماعهم عندنا حجة وقد دللنا على ذلك في غير موضع» انتهى (منه قدس‌سره).

٢٩٤

وعدمه. ومن ذلك تطرقت إليها الاحتمالات ، ولكن الناظر البصير والناقد الخبير إذا ضم بعضها الى بعض وأمعن النظر في عباراتها وما تفيده بصريحها واشاراتها ظهر له صحة ما ندعيه.

وتوضيح هذه الجملة أن نقول : الذي ظهر لنا ـ بعد إمعان النظر في الأدلة المتوهم منها المخالفة ـ أن جلها إنما ورد في السؤال عن مياه الحياض ومياه الغدران ومياه الطرق ، من حيث عموم الحاجة إليها سيما في الاسفار ، وعموم البلوى بها وإلجاء الضرورة للانتفاع بها ، وانها حيث كانت معرضا لتلك الأشياء المصرح بها في تلك الأخبار من رمي الجيف فيها وشرب الكلاب والسباع منها وبول الدواب والناس فيها ونحو ذلك فمن أجل ذلك كثر السؤال عنها ، وفي بعض تلك الاخبار قد صرح بالماء المسؤول عنه بأنه ماء غدير أو ماء حوض أو نحوهما ، وفي بعض وان لم يصرح إلا انه يعلم من الرواية بالقرائن انه من ذلك القبيل. كصحيحة حريز (١) «كلما غلب الماء على ريح الجيفة.». وصحيحة محمد بن مسلم (٢) «سأل عن ماء تبول فيه الدواب وتلغ فيه الكلاب. إلخ». فإن ماء يكون معرضا لهذه الأشياء لا يكون إلا في مياه الطرق لكونها مشاعة غير محروزة كما لا يخفى على المتأمل المنصف دون المكابر المتعسف. وسوق تلك الروايات الباقية على ذلك المنوال مؤيد لذلك.

إذا عرفت ذلك فنقول : من الغالب ـ والوجدان يقضي به ايضا ـ ان تلك المياه لا تنفك عن بلوغ الكرور المتعددة فضلا عن كر واحد. وربما كان لهم (عليهم‌السلام) علم ببعض تلك الأماكن المسؤول عنها وانها كذلك. فأجابوا باعتبار التغير وعدمه ، وربما أجابوا عن ذلك ببلوغ الكرية وعدمه. كما في صحيحة محمد

__________________

(١) المتقدمة في الصحيفة ٢٩٠.

(٢) المتقدمة في الصحيفة ٢٨١.

٢٩٥

ابن مسلم (١) حين «سأل عن الماء تبول فيه الدواب وتلغ فيه الكلاب ويغتسل فيه الجنب. فقال : إذا بلغ الماء كرا لم ينجسه شي‌ء». وهذه الرواية مقيدة بتلك الروايات الدالة على اعتبار التغير ، فكأنه قيل : «لم ينجسه شي‌ء إلا التغير» يدل على ذلك صحيحة زرارة (٢) قال «إذا كان الماء أكثر من راوية لم ينجسه شي‌ء ـ تفسخ فيه أو لم يتفسخ فيه ـ الا ان يجي‌ء له ريح يغلب على ريح الماء».

ويؤيد ما أشرنا إليه ما رواه صفوان الجمال في الصحيح قال : «سألت أبا عبد الله (عليه‌السلام) عن الحياض التي بين مكة والمدينة تردها السباع وتلغ فيها الكلاب وتشرب منها الحمير ويغتسل فيها الجنب ، أيتوضأ منها؟ قال : وكم قدر الماء؟ قلت : الى نصف الساق والى الركبة وأقل. قال : توضأ» (٣). فانظر إلى سؤاله (عليه‌السلام) عن قدر عمق الماء ، ولم يسأل عن مساحته ، لعلمه بتلك الحياض وما هي عليه من السعة ، فلما عرف (عليه‌السلام) بلوغه الكثرة التي لا ينفعل معها الماء بمجرد الملاقاة أمره بالوضوء.

ويدل على ذلك ايضا جعلهم (عليهم‌السلام) مناط النجاسة والطهارة هو التغير وعدمه في تلك الأحاديث المسؤول فيها عن مثل وقوع الميتة والجيفة وأبوال الدواب ونحوها مما يكون مغيرا للماء وان كثر غالبا ، دون جعله مناطا لهما في مثل قطرة من بول أو دم أو منقار طير فيه دم أو إصبع فيها قذر أو نحو ذلك إذا لاقت تلك المياه القليلة. فإن من الجائز بلوغ الماء في القلة في بعض الأحيان الى ان يكون متغيرا بأحد تلك النجاسات إذا لاقته ، فينبغي ان يجعل ذلك ايضا مناطا في مثل هذه النجاسات اليسيرة

__________________

(١) المروية في الوسائل في الباب ـ ٩ ـ من أبواب الماء المطلق من كتاب الطهارة. ونص الحديث هكذا : (إذا كان الماء قدر كر لم ينجسه شي‌ء).

(٢) المروية في الوسائل في الباب ـ ٣ ـ من أبواب الماء المطلق من كتاب الطهارة.

(٣) المروية في الوسائل في الباب ـ ٩ ـ من أبواب الماء المطلق من كتاب الطهارة.

٢٩٦

إذا لاقت هذا الماء اليسير ولو في حديث واحد ليتمشى لنا حمل الباقي عليه وان كثر وبالجملة فلو كان التغير وعدمه مناطا كليا ومعيارا مطردا لم ينحصر وروده في مثل تلك الأحاديث خاصة دون هذه الأحاديث ، مع كثرتها وتعددها وزيادة عموم البلوى بما تضمنته سفرا وحضرا ، فلما رأينا ـ ان هذه الاخبار الواردة في الماء القليل المحقق القلة ـ كماء التور وماء الركوة ونحوهما ـ كلها منطبقة الدلالة على النجاسة ، للنهي عن استعماله والأمر بإهراقه ، وان التغير وعدمه إنما جعل مناطا في مثل الماء الذي يكون معرضا لنجاسة الجيف وأبوال الدواب ونحوهما مما يغير الماء وان كثر غالبا ، كمياه الغدران والحيضان ونحوهما مما لا ينفك عن كرور فضلا عن كر غالبا ـ علمنا ان جعل التغير مناطا هناك إنما هو من حيث الكثرة المانعة من الانفعال بمجرد الملاقاة الغير القابلة للنجاسة إلا بالتغير ، دون تلك المياه القليلة التي تنفعل بمجرد الملاقاة. فلا يحتاج فيها الى ذلك المناط المذكور لانفعالها بما دونه.

ومما يزيدك تأييدا وبيانا انك بالتأمل في السؤالات الواقعة ـ في تلك الأخبار التي جعل مناطها التغير وعدمه ـ يظهر لك صحة ما قلناه ، حيث ان في بعضها «تبول فيه الدواب» بلفظ الجمع أعم من أن يكون ذلك دفعة أو دفعات ، وفي بعضها «تردها السباع والكلاب والبهائم» ومن المعلوم ان ذلك الورود إنما هو للشرب منها دفعة أو دفعات ، كما يشعر به قوله (صلى‌الله‌عليه‌وآله) في بعضها (١) : «لها ما أخذت أفواهها» ومن الظاهر البين ان بول الدابة في الماء إنما هو بعد دخولها فيه للشرب أو لغيره ، ورمي الجيف فيه التي هي في الغالب في تلك الطرق أما جيفة حمار أو جمل أو فرس أو غنم أو كلب أو غيره من السباع الكثيرة التردد في تلك الطرق ، ويظهر لك ان ما يكون معرضا لهذه الأشياء لا تنقص مساحته عن كرور عديدة فضلا عن كر ،

__________________

(١) وهي رواية الفقيه المتقدمة في الصحيفة ٢٩٢.

٢٩٧

وما قدر كر من ماء وما قدر مساحته؟ حتى يحتمل انه يقوم بشي‌ء واحد من تلك الأشياء المعدودة.

ويزيد ذلك أيضا تأييدا ان الظاهر ان هذه المياه المسؤول عنها كلها من مياه الطرق الواقعة بين مكة والمدينة ، وبينهما وبين العراقات ونحوهما من الأمكنة التي لا وجود للمياه الجارية فيها غالبا. ومن المنقول انهم كانوا يعمدون تلك الأيام الى بعض الأمكنة فيجعلون فيها حياضا تسقى من آبار هناك ، وامكنة يعدونها لاجتماع السيول فيها. كل ذلك لأجل المسافرين والمترددين في تلك الطرق ، وهي بين الحرمين الى الآن موجودة. وقد أشير إليها في الروايات بالسقايات وماء السبيل. وهذا بحمد الله كله ظاهر لمن تأمل بعين الإنصاف في مضامين تلك الاخبار ، وسيأتيك ما فيه زيادة إيضاح للمقام في الكلام على كلام بعض الاعلام.

نعم يبقى الكلام في حسنة محمد بن ميسر (١) المسؤول فيها عن الرجل الجنب ينتهي إلى الماء القليل في الطريق ، حيث انها صريحة في كون ذلك الماء قليلا ، مع انه (عليه‌السلام) أمره أن يضع يده فيه ويتوضأ ثم يغتسل. وكذا ما روي عنه (صلى‌الله‌عليه‌وآله) من قوله : «خلق الله الماء طهورا لا ينجسه شي‌ء إلا ما غير لونه. الحديث» (٢). وكذا رواية أبي مريم الأنصاري (٣).

والجواب (اما عن الأول) (٤) فباحتماله لوجوه نبه عليها أصحابنا (رضوان الله عليهم) :

__________________

(١) المتقدمة في الصحيفة ٢٩١.

(٢) رواه صاحب الوسائل في الباب ـ ١ ـ من أبواب الماء المطلق عن المعتبر والسرائر. وتقدم في التعليقة ٢ في الصحيفة ١٨٠ ما يفيد في المقام.

(٣) المتقدمة في الصحيفة ٢٩٣.

(٤) وهي حسنة محمد بن ميسر المتقدمة في الصحيفة ٢٩١.

٢٩٨

(الأول) ـ ان يكون المراد بالقليل هو القليل العرفي دون الشرعي.

(أقول) : وهذا الجواب غير بعيد عن جادة الصواب ، وذلك من حيث ان هذا الماء المشار إليه في الرواية لما كان من مياه الطرق ـ وقد أوضحنا سابقا انها تبلغ في الكثرة إلى حد يزيد على الكر أضعافا مضاعفة ـ كان قدر الكر وما زاد عليه يسيرا بالنسبة الى ذلك قليلا.

(الثاني) ـ ان يكون المراد بالقذر في اليد هو الوسخ. وفيه بعد. حيث ان المتبادر في الأخبار من هذا اللفظ هو النجاسة.

(الثالث) ـ ما ذكره شيخنا البهائي (قدس‌سره) من ان المراد بالقليل الشرعي لكن مع الجريان. وفيه ما فيه.

(الرابع) ـ ما احتمله شيخنا المذكور أيضا في كتاب الحبل المتين ، وهو ان يكون الضمير في (يتوضأ) عائدا الى الرجل بتجريده عن وصف الجنابة. وفيه بعد ايضا.

(الخامس) ـ ما يفهم من كلام شيخنا الصدوق (رحمه‌الله) في الفقيه من حمل ذلك على الرخصة دفعا للحرج والمشقة (١). حيث قال (٢) : «فان دخل رجل الحمام ولم يكن معه ما يغرف به ويداه قذرتان. ضرب يده في الماء وقال : بسم الله. وهذا مما قال

__________________

(١) أقول : ما ذكره شيخنا الصدوق (عطر الله مرقده) هنا من الحمل لا يخلو من القرب بل ربما كان هو الأظهر ، فإن الاستشهاد بالآية المذكورة يعطي كون ذلك رخصة وتخفيفا ، وهو انما يتم على تقدير القول بنجاسة القليل بالملاقاة ، فيكون هذا الموضع مستثنى من ذلك دفعا للحرج ، والا فلو كان الماء لا ينجس بالملاقاة كما يدعيه الخصم فإنه لا خصوصية لهذا الموضع بدفع الحرج ، فان كل ماء قليل على هذا القول يجوز استعماله ولو مع النجاسة والغسل أو الوضوء به ، فأي وجه لا يراد هذه الآية؟ وأي نكتة فيها؟ كما لا يخفى على العارف بأساليب الكلام ، سيما في كلام الإمام الذي هو امام الكلام (منه قدس الله سره).

(٢) في باب (المياه وطهرها ونجاستها).

٢٩٩

الله عزوجل : «ما جَعَلَ عَلَيْكُمْ فِي الدِّينِ مِنْ حَرَجٍ» (١) وكذلك الجنب إذا انتهى الى الماء القليل في الطريق ولم يكن معه إناء يغرف به ويداه قذرتان ، يفعل مثل ذلك» انتهى (٢).

(السادس) ـ الحمل على التقية ، لأن ذلك مذهب كثير من العامة كما ذكره الشيخ (رحمه‌الله) في الاستبصار (٣) ، وأيد بعضهم هذا الحمل بذكر الوضوء مع الغسل ولعل هذا الحمل أقرب المحامل المذكورة بعد الحمل الأول.

__________________

(١) سورة الحج. الآية ٧٨.

(٢) قال في كتاب الفقه الرضوي : «إن اغتسلت من ماء الحمام ولم يكن معك ما نغرف به ويداك قذرتان ، فاضرب يدك في الماء وقل : بسم الله. هذا مما قال الله تبارك وتعالى : (ما جَعَلَ عَلَيْكُمْ فِي الدِّينِ مِنْ حَرَجٍ)» انتهى. وهو مصداق ما قدمنا آنفا من ان كثيرا من عبارات شيخنا الصدوق (عطر الله مرقده) مأخوذ من هذا الكتاب (منه رحمه‌الله).

(٣) لم نجد في الاستبصار نسبة القول بعدم انفعال القليل بالملاقاة إلى كثير من العامة ولعله يشير الى ما ذكره الشيخ في الصحيفة ٧ من طبع النجف ـ عند حمل خبر عبد الله بن المغيرة المتضمن للتقدير بالقلتين على التقية ـ من انه مذهب كثير من العامة ، وقد تقدم منه (قده) حكاية ذلك عن الشيخ في الصحيفة ٢٥٠ فتكون نسبته (قده) عدم انفعال القليل بالملاقاة إلى كثير من العامة بمقتضى كلام الشيخ (قده) بلحاظ ان مقدار القلتين أقل من مقدار الكر. وقد تقدم في التعليقة ٤ في الصحيفة ٢٥٠ ما يوضح انه مذهب كثير من العامة وقد رجح الفخر الرازي في ج ٦ من تفسيره ص ٣٤٦ عند الكلام في قوله تعالى : «وَأَنْزَلْنا مِنَ السَّماءِ ماءً طَهُوراً» ما حكاه عن مالك والحسن البصري والنخعي وداود ، وحكى ميل الغزالي إليه في الأحياء ، من عدم نجاسة الماء القليل بالملاقاة إلا إذا تغير اعتمادا على هذه الآية ، ثم قال : نقلنا تقديرات مختلفة للفرق بين القليل والكثير ، وليس بعضها اولى من بعض ، فوجب التساقط عند التعارض. وتقدير أبي حنيفة ـ عشر في عشر ـ تحكم وتقدير الشافعي بالقلتين بناء على قوله (ص) : «إذا بلغ الماء القلتين لم يحمل خبثا». ضعيف ، ثم أخذ في الخدش في السند ، الى ان قال : سلمنا صحة الرواية لكن احالة مجهول على مجهول ، لأن القلة غير معلومة ، فإنها تصلح للكوز والجرة ولكل ما يقال باليد.

٣٠٠