الحدائق الناضرة - ج ١

الشيخ يوسف بن أحمد البحراني [ صاحب الحدائق ]

الحدائق الناضرة - ج ١

المؤلف:

الشيخ يوسف بن أحمد البحراني [ صاحب الحدائق ]


الموضوع : الفقه
الناشر: مؤسسة النشر الإسلامي
الطبعة: ٠
الصفحات: ٥٣٦

البراءة الأصلية (١) وحينئذ فمقتضى الاحتياط الواجب في هذا الماء متى لاقته النجاسة هو التوقف في الحكم بالطهارة أو النجاسة وترك استعماله والانتقال الى التيمم ، ومقتضى الاحتياط المستحب الوضوء بعد ذلك والقضاء. واما الوضوء به وضم التيمم ـ ثم يتطهر بعد حصول الماء ويطهر ما لاقى الماء الأول كما ذكره البعض بدون القضاء بعد ذلك ـ فلا يخفى ما فيه.

(الطريق الثاني) ـ هو معرفة الكر بالمساحة ، وقد اختلف فيه الأصحاب (رضوان الله عليهم).

فالمشهور انه ما كان كل واحد من أبعاده الثلاثة ثلاثة أشبار ونصف ، ومبلغ تكسيره اثنان وأربعون شبرا وسبعة أثمان شبر. وقيل : ما كان كل واحد من أبعاده ثلاثة أشبار ، ومبلغ تكسيره سبعة وعشرون شبرا ، وهو مذهب القميين ، واختاره جملة من المتأخرين منهم : العلامة في المختلف والشهيد الثاني في الروضة والروض والمولى الأردبيلي والمحقق الشيخ علي في حواشي المختلف ، ونفى عنه البعد في كتاب الحبل المتين وقيل : ما بلغ تكسيره نحو مائة شبر ، ونقل عن ابن الجنيد. وقيل : ما بلغت ـ أبعاده الثلاثة ـ عشرة ونصفا ، ونقل عن القطب الراوندي. وقيل : ما بلغ تكسيره ستة وثلاثين شبرا ، وهو ظاهر المحقق في المعتبر ، واليه مال السيد في المدارك كما سيأتي إيضاحه ان شاء الله تعالى. وقيل بالاكتفاء بكل ما روي ، وعزي الى السيد جمال الدين ابن طاوس (قدس‌سره).

والذي وقفت عليه من الأخبار المتعلقة بالمسألة رواية أبي بصير (٢) قال : «سألت أبا عبد الله (عليه‌السلام) عن الكر من الماء كم يكون قدره؟ قال : إذا كان الماء ثلاثة أشبار ونصفا في مثله ثلاثة أشبار ونصف في عمقه. فذلك الكر من الماء».

__________________

(١) في الصحيفة ٤١.

(٢) المروية في الوسائل في الباب ـ ١٠ ـ من أبواب الماء المطلق من كتاب الطهارة.

٢٦١

ورواية الحسن بن صالح الثوري عن ابي عبد الله (عليه‌السلام) (١) قال : «الكر ثلاثة أشبار ونصف عمقها في ثلاثة أشبار ونصف عرضها».

وصحيحة إسماعيل بن جابر عن ابي عبد الله (عليه‌السلام) (٢) قال : «قلت له : الماء الذي لا ينجسه شي‌ء؟ قال : ذراعان عمقه في ذراع وشبر سعته».

وصحيحته الأخرى عنه (عليه‌السلام) (٣) قال : «الكر ثلاثة أشبار في ثلاثة أشبار».

وقال الصدوق (طاب ثراه) في كتاب المجالس (٤) : «روي ان الكر هو ما يكون ثلاثة أشبار طولا في ثلاثة أشبار عرضا في ثلاثة أشبار عمقا».

وقال في كتاب المقنع (٥) : «روي ان الكر ذراعان وشبر في ذراعين وشبر».

وتنقيح البحث في هذه الأخبار مع ما يتعلق بها من كلام علمائنا الأبرار يتم برسم فوائد :

__________________

(١) المروية في الوسائل في الباب ـ ٩ و ١٠ ـ من أبواب الماء المطلق والنص المذكور في الكتاب هو نص الكافي والتهذيب. وفي الاستبصار في الصحيفة ٣٣ من طبع النجف رواها هكذا : «ثلاثة أشبار ونصف طولها في ثلاثة أشبار ونصف عمقها في ثلاثة أشبار ونصف عرضها» وفي التعليقة ٤ من الصحيفة المذكورة ان هذه الزيادة لم ترد في النسخة المخطوطة بيد والد الشيخ محمد بن المشهدي صاحب المزار المصححة على نسخة المصنف.

(٢) المروية في الوسائل في الباب ـ ١٠ ـ من أبواب الماء المطلق من كتاب الطهارة.

(٣) المروية في الوسائل في الباب ـ ٩ و ١٠ ـ من أبواب الماء المطلق من كتاب الطهارة.

(٤) في الصحيفة ٣٨٣ ، وفي الوسائل في الباب ـ ١٠ ـ من أبواب الماء المطلق.

(٥) في الصحيفة ٤ ، وفي الوسائل في الباب ـ ١٠ ـ من أبواب الماء المطلق.

٢٦٢

(الاولى) ـ قد اتفقت هذه الاخبار ما عدا رواية المجالس في عدم ذكر البعد الثالث (١) وظاهر كلام شيخنا الشهيد الثاني في الروض ان رواية أبي بصير (٢) قد اشتملت على الأبعاد الثلاثة ولكن أحدها وهو العمق لم يذكر تقديره. وقد تكلف شيخنا البهائي في كتاب الحبل المتين لبيان اشتمالها على مقادير الأبعاد الثلاثة بإعادة الضمير في قوله : «مثله» الى ما دل عليه قوله (عليه‌السلام) : «ثلاثة أشبار ونصفا» أي في مثل ذلك المقدار لا في مثل الماء ، إذ لا محصل له ، وكذا الضمير في قوله (عليه‌السلام) : «في عمقه» أي في عمق ذلك المقدار في الأرض. وفيه انه يؤذن بكون قوله : «في عمقه من الأرض» كلاما منقطعا ، وبه يكون الكلام متهافتا معزولا عن الملاحة لا يليق نسبته بتلك الساحة البالغة أعلى درجات البلاغة والفصاحة ، بل الظاهر من قوله : «في عمقه» انه اما حال من «مثله» أو نعت «لثلاثة أشبار» الذي هو بدل من «مثله» وعلى هذا تكون الرواية مشتملة على بيان مقدار العمق مع أحد البعدين الآخرين ، والبعد الثالث متروك.

وبالجملة فهذه الاخبار كلها مشتركة في عدم عد الأبعاد الثلاثة (٣) ولم أجد لها رادا من هذه الجهة ، بل ظاهر الأصحاب قديما وحديثا الاتفاق على قبولها وتقدير البعد الثالث فيها ، لدلالة سوق الكلام عليه ، وكان ذلك شائعا كثيرا في استعمالاتهم وجاريا دائما في محاوراتهم ، ومنه : قول جرير :

كانت حنيفة أثلاثا فثالثهم

من العبيد وثلث من مواليها

وعد بعضهم من ذلك قوله (صلى‌الله‌عليه‌وآله) : «حبب الي من دنياكم ثلاث :

__________________

(١ و ٣) قد تقدم في التعليقة ١ في الصحيفة ٢٦٢ اشتمال رواية الحسن بن صالح الثوري في النسخ المتداولة من الاستبصار على ذكر الأبعاد الثلاثة.

(٢) المتقدمة في الصحيفة ٢٦١.

٢٦٣

الطيب والنساء وقرة عيني الصلاة» (١). قال : «فإن الصلاة ليست من لذة الدنيا ، فهو (صلى‌الله‌عليه‌وآله) لما عد من ملاذ الدنيا اثنتين عزفت نفسه المقدسة عن ذكر الثالثة. فكأنه يقول : مالي ولملاذ الدنيا؟ قرة عيني في الصلاة ، فالواو الثانية استينافية.

(أقول) : وهو معنى لطيف مناسب لذلك المقام المنيف (٢) ويؤيده أيضا

__________________

(١) هذا الحديث رواه الصدوق في الخصال عن انس بن مالك عن النبي (ص) بطريقين في الصحيفة ٧٩ ولم ترد كلمة (ثلاث) في شي‌ء منهما في النسخة المطبوعة. ورواهما صاحب الوسائل عنه في الباب ـ ٨٩ ـ من أبواب آداب الحمام والتنظيف. وقد أورد كلمة (ثلاث) في أحدهما ، وإليك نصهما كما في الوسائل : «حبب الي من الدنيا ثلاث : النساء والطيب وجعلت قرة عيني في الصلاة». «حبب الي من دنياكم النساء والطيب وجعل قرة عيني في الصلاة».

وفي سنن البيهقي ج ٧ ص ٧٨ عن ثابت عن أنس ان رسول الله (ص) قال : «انما حبب الي من دنياكم النساء والطيب وجعلت قرة عيني في الصلاة». ورواه بهذا اللفظ السيوطي في الجامع الصغير. وفي سنن النسائي ج ٢ ص ١٥٦ «حبب الي من الدنيا النساء والطيب وجعلت قرة عيني في الصلاة».

وقال المناوى في فيض القدير ج ٣ ص ٣٧٠ : «لم يرد في الحديث لفظ ثلاث كما قال الحافظ العراقي والزركشي وابن حجر في تخريج الكشاف ، ومن زادها كالزمخشري والقاضي فقد وهم ، فإنها مفسدة للمعنى ، إذ لم يذكر بعدها الا النساء والطيب.

(٢) قال الصدوق في الخصال في الصحيفة ٧٩ بعد ذكر الحديثين : «قال مصنف هذا الكتاب : ان الملحدين يتعلقون بهذا الخبر ويقولون ان النبي (ص) قال : حبب الى من دنياكم النساء والطيب ، وأراد ان يقول الثالث فندم وقال : قرة عيني في الصلاة. وكذبوا ، لانه لم يكن مراده بهذا الخبر إلا الصلاة وحدها ، لانه قال : «ركعتان يصليهما متزوج أفضل عند الله من سبعين ركعة يصليهما غير متزوج». وانما حبب الله اليه النساء لأجل الصلاة. وهكذا قال : «ركعتان يصليهما متعطر أفضل من سبعين ركعة يصليهما غير متعطر». وانما حبب اليه الطيب أيضا لأجل الصلاة. ثم قال : «وجعل قرة عيني في الصلاة». لأن الرجل لو تطيب وتزوج ثم لم يصل لم يكن له في التزويج والطيب فضل ولا ثواب» انتهى.

٢٦٤

جملة من الأخبار (١) ومما يدخل في حيز هذا المقام قوله تعالى : «فِيهِ آياتٌ بَيِّناتٌ مَقامُ إِبْراهِيمَ» (٢) ففي الحديث عن الصادق (عليه‌السلام) في تفسير هذه الآية «أنها ثلاث آيات : مقام إبراهيم حيث قام على الحجر فأثر فيه قدماه ، والحجر الأسود ، ومنزل إسماعيل» (٣).

وللمحدث الأمين في كتاب الفوائد المدنية هنا كلام في توجيه عدم ذكر البعد الثالث في هذه الأخبار ، قال : «ومن أغلاط جمع منهم انهم يقولون في كثير من الأحاديث الواردة في كمية الكر : أنها خالية عن ذكر أحد الأبعاد الثلاثة. لكنه محذوف ليقاس المحذوف على المذكور ، والحذف مع القرينة شائع ذائع. وفي هذا دلالة على إسراعهم في تفسير الأحاديث وفي تعيين ما هو المراد منها ، والدلالة على ذلك كله ان أصح أحاديث هذا الباب هكذا : «ذراعان عمقه في ذراع وشبر سعته» (٤). وجه الدلالة انه يفهم اعتبار أربعة أشبار في العمق وثلاثة في الأخيرين. فلم تبق دلالة على ان حكم المحذوف حكم المذكور مع وجود هذا الاحتمال ، وانه يفهم من هذا الحديث الشريف ان المراد من أحد المذكورين في الأحاديث العمق ومن الآخر السعة ، ومن المعلوم عند كل لبيب غير غافل ان معنى السعة مجموع الطول والعرض ، فلا حاجة الى القول بالحذف ، ومن له أدنى معرفة بأساليب كلام العرب يعرف انهم يقصدون بقولهم :

__________________

(١) فروى في الكافي في الصحيح عن الصادق (عليه‌السلام) قال : «قال رسول الله (صلى‌الله‌عليه‌وآله) : ما أحب من دنياكم الا النساء والطيب». وروى فيه عنه (عليه‌السلام) عنه (صلى‌الله‌عليه‌وآله) قال : «جعل قرة عيني في الصلاة ولذتي في الدنيا النساء وريحانتي الحسن والحسين». وجه التأييد انه (صلى‌الله‌عليه‌وآله) لم يعد في هذه الأخبار الصلاة في الدنيا كما لا يخفى (منه قدس‌سره).

(٢) سورة آل عمران. آية ٩٢.

(٣) رواه الكليني في الكافي في الباب ـ ١٠ ـ من كتاب الحج.

(٤) وهو صحيح إسماعيل بن جابر المتقدم في الصحيفة ٢٦٢.

٢٦٥

ثلاثة في ثلاثة ـ في الثوب وشبهه ـ ان كل واحد من طوله وعرضه ثلاثة ، ويقصدون ـ في الحياض والآبار وشبههما ـ ان كل واحد من سعته وعمقه ثلاثة. وتوضيح المقام ان الكر في الأصل مكيال أهل العراق ، وإنما جرت عادة الأئمة (عليهم‌السلام) بذكر لفظ الكر في معرض بيان الفرق بين مقدار الماء الذي ينجس بمجرد ورود النجاسة عليه ، وبين مقدار الماء الذي ليس كذلك. لان مخاطبهم (عليهم‌السلام) كان من أهل العراق ، ومن المعلوم ان الكر مدور مثل البئر ، ومن المعلوم ان المناسب بمساحة المدور ان يذكر قطره وان يذكر عمقه ، وغير مناسب ان يذكر طوله وعرضه وعمقه» انتهى كلامه زيد مقامه.

وهو كلام جيد منطبق على تلك الروايات سالم من تلك التقديرات سيما الصحيحة التي أشار إليها ، فإنها ظاهرة فيه بعيدة الحمل جدا على ما ينافيه ، إلا ان الأصحاب (رضوان الله عليهم) ـ قديما وحديثا ، اخباريهم ومجتهدهم ـ كلهم على اعتبار الأبعاد الثلاثة في تقدير الكر وحمل الروايات على ذلك ، وليس ذلك خاصا بالمجتهدين كما زعمه (قدس‌سره) وجعله من جملة اغلاطهم ، بل هذا الصدوق (قدس‌سره) في الفقيه والمقنع صرح باعتبار الأبعاد الثلاثة. فقال في الفقيه (١) : «والكر ثلاثة أشبار طولا في عرض ثلاثة أشبار في عمق ثلاثة أشبار» ونحوه في المقنع (٢) والمجالس (٣) استنادا إلى صحيحة إسماعيل بن جابر الثانية (٤) الناطقة بأن الكر ثلاثة أشبار في ثلاثة أشبار. وما ذاك إلا بتقدير البعد الثالث فيها ، وتبعه على ذلك القميون الذين هم أساطين الأخباريين ، ولكنه (طاب ثراه) حيث كان مولعا بتتبع عثرات المجتهدين عثر

__________________

(١) في باب (المياه وطهرها ونجاستها).

(٢) في الصحيفة ٤.

(٣) في الصحيفة ٣٨٣.

(٤) المتقدمة في الصحيفة ٢٦٢.

٢٦٦

من حيث لا يشعر فخص ذلك بالمجتهدين ، بل نسبه الى جمع منهم مؤذنا بزيادة ضعفه وتمريضه.

ولا يخفى انه على تقدير ما ذكره لا يبلغ تكسير الكر الى القدر الذي اعتبروه على تقدير اعتبار البعد الثالث في كل من الروايات. ولكنه (طاب ثراه) قد بنى ذلك على ما تقدمت الإشارة إليه آنفا (١) من اعتبار الاجتماع في ماء الكر ، وبذلك صرح في تعليقاته على شرح المدارك ، فقال ـ بعد ان نقل ان المشهور بين الأصحاب حمل لفظ (في) الواقع في روايات هذا الباب على ضرب الحساب ، وانهم استفادوا منه التكسير ، وفرعوا على ذلك انه لو كان قدر الكر من الماء منبسطا على وجه الأرض لا ينفعل بالملاقاة ـ ما لفظه : «وفيه اشكال ، وذلك لان المتبادر من سياق الروايات اعتبار اجتماع اجزاء الماء ، وكون عمقه قدرا يعتد به ، والاعتبار العقلي مساعد على ذلك ، لأنه حينئذ يتقوى بعضها ببعض ، وتتوزع النجاسة الواقعة فيه على اجزائه ويؤيده ان الكر في الأصل مكيل معروف لأهل العراق ، والعادة في هيئات المكاييل ان يكون لها عمق يعتد به. وبعد التنزل نقول : مع قيام الاحتمال لا مجال للاستدلال على ان إجمال الخطاب يوجب رعاية الاحتياط كما مر تحقيقه» ثم أورد صحيحة محمد ابن مسلم (٢) الدالة على السؤال عن غدير ماء مجتمع تبول فيه الدواب وتلغ فيه الكلاب ويغتسل فيه الجنب ، قال : «إذا كان الماء قدر كر لم ينجسه شي‌ء». وصحيحة صفوان ابن مهران الجمال (٣) المتضمنة للسؤال عن الحياض التي بين مكة والمدينة تردها السباع وتلغ فيها الكلاب وتشرب منها الحمير ويغتسل فيها الجنب ويتوضأ منها. قال : «وكم قدر الماء؟ قال : الى نصف الساق والى الركبة. فقال : توضأ منه». وصحيحة إسماعيل بن جابر المذكورة في كلامه آنفا (٤).

__________________

(١) في الصحيفة ٢٣٢.

(٢ و ٣) المروية في الوسائل في الباب ـ ٩ ـ من أبواب الماء المطلق من كتاب الطهارة.

(٤) في الصحيفة ٢٦٥.

٢٦٧

ولا يخفى ان ما ذكره (قدس‌سره) وان احتمل احتمالا قريبا الا انه لا دليل عليه صريحا ، فكما انه بهذا الاحتمال لا يتعين القول المشهور ، فكذلك ما ذكره لا يتعين ، لعدم الدلالة الصريحة أو الظهور ، بل الظاهر ان العمل على إطلاقات الأخبار أظهر ، والأسئلة عن المياه المجتمعة ـ مع الإغماض عن المناقشة في كيفية هذا الاجتماع ـ وان ظهر في بعضها ما يؤيد ما ذكره لا يدل على التخصيص في الجواب كما تقرر في محله.

(الثانية) ـ قد طعن جملة من المتأخرين ـ منهم : السيد في المدارك ـ في سند رواية أبي بصير (١) بضعف الطريق باشتماله على احمد بن محمد بن يحيى ، فإنه مجهول ، وعثمان بن عيسى ، فإنه واقفي ، وابي بصير ، فإنه مشترك بين الثقة والضعيف (٢) وفيه ان لفظ احمد بن محمد بن يحيى وان وقع في التهذيب لكن الموجود في الكافي محمد بن يحيى عن احمد بن محمد ، ولا ريب انه أحمد بن محمد بن عيسى ، لرواية محمد ابن يحيى العطار عنه ، وروايته هو عن عثمان بن عيسى مكررا. والظاهر ان ما في التهذيب تصحيف ، ولهذا ان جملة من متأخري المتأخرين لم يطعنوا في السند إلا بعثمان بن عيسى وابي بصير ، وكأنهم لاحظوا الرواية من الكافي. لكن الراوي عن ابي بصير هنا هو ابن مسكان ، ولا يخفى على الممارس انه عبد الله ، وهو قرينة ليث المرادي ، لتكرر روايته عنه في غير موضع ، والمدار في تعيين الرواة عندهم إنما هو على القرائن التي من جملتها قرينة القبلية والبعدية ونحوهما. إلا ان الفاضل الشيخ محمد ابن المحقق الشيخ حسن ابن شيخنا الشهيد الثاني ذكر في بعض حواشيه على التهذيب أو الاستبصار ، قال : «نقل بعض مشايخنا ان رواية ابن مسكان

__________________

(١) المتقدمة في الصحيفة ٢٦١.

(٢) وقد أورد الرواية شيخنا البهائي في الحبل المتين ايضا على ما في التهذيب وطعن فيها بما طعن به في المدارك ايضا (منه قدس‌سره).

٢٦٨

عن ابي بصير تعين كونه ليث المرادي. ولا يخلو من تأمل ، لما قاله الوالد (رحمه‌الله) من انه اطلع على رواية فيها ابن مسكان عن يحيى بن القاسم ، وأظن اني وقفت على ذلك ايضا» انتهى.

(أقول) : لم نقف بعد الفحص والتتبع الزائد في كتب الأخبار على ذلك إلا انهم ذكروا ايضا ان رواية عاصم بن حميد عن ابي بصير مما يعين كونه ليث المرادي وقد وقفت في كتاب الاستبصار في باب وقت صلاة الفجر على رواية عاصم بن حميد عن ابي بصير المكفوف ، ومثله في التهذيب ايضا ، لكن الموجود في الفقيه والكافي في هذا السند بعينه عن ابي بصير ليث المرادي والمتن بحاله ، لكن فيه زيادة في رواية الشيخ في آخر الحديث ليست في رواية ذينك الشيخين.

وكيف كان ، ولو مع تقدير صحة رواية الشيخ وعدم تطرق احتمال الغلط أو السهو فيما نقله ، فلا شك ان الحمل على الأكثر المتكرر قرينة مرجحة كما صرحوا به في أمثال ذلك.

هذا ، وقد ذهب الفاضل ملا محمد باقر السبزواري الخراساني صاحب الكفاية وذخيرة المعاد في شرح الإرشاد ـ في الشرح المذكور ـ الى ان أبا بصير الذي هو يحيى بن القاسم أو ابن ابي القاسم ثقة ، وان المطعون فيه بالوقف والضعف إنما هو يحيى بن القاسم غيره ، وأبو بصير إنما هي كنية الأول خاصة ، وإنما نشأ الاشتباه من العلامة في الخلاصة ، وإلا فكتب علماء الرجال المتقدمين صريحة في التعدد. واستدل على ذلك بوجوه : (منها) ـ ان أبا بصير اسدي كما يظهر من رجال النجاشي والكشي واختيار الرجال والخلاصة ورجال العقيقي ، والآخر أزدي كما يفهم من رجال الكشي. و (منها) ـ انه ذكر الشيخ في (قر) (١) يحيى بن ابي القاسم يكنى أبا بصير مكفوف ، واسم ابي القاسم إسحاق. وقال بعده بلا فصل : يحيى بن ابي القاسم

__________________

(١) إشارة إلى أصحاب الباقر (عليه‌السلام).

٢٦٩

الحذاء. وهذا يشهد بالمغايرة ، وفي (ظم) (١) يحيى بن القاسم الحذاء واقفي ، ثم قال : يحيى بن ابي القاسم يكنى أبا بصير. وهو أيضا يعطي المغايرة. و (منها) ـ انه ذكر النجاشي والشيخ في اختيار الرجال : ان أبا بصير مات سنة خمسين ومائة ، وهذا ينافي كونه واقفيا ، لأن وفاة الكاظم (عليه‌السلام) في سنة ثلاثة وثمانين ومائة. وكلامه (قدس‌سره) وان كان للمناقشة فيه مجال إلا انه لا يخلو من قرب.

وكيف كان فالمفهوم من تتبع الأخبار الواردة ـ وخطاب الأئمة (عليهم‌السلام) معه زيادة على ما قد روي في مدحه ـ جلالة شأنه. والاخبار الواردة بذمة قد ورد مثلها بل أشنع منها في من هو أجل قدرا وأشهر ذكرا منه ، والجواب في الموضعين واحد. على انا لا نرى الاعتماد في صحة الأخبار على هذا الاصطلاح ، بل عملنا إنما هو على اصطلاح متقدمي علمائنا (رضوان الله عليهم) كما قدمنا (٢) إيضاحه بأتم إيضاح وافصحنا عنه أي إفصاح.

ومن ذلك يعلم الكلام أيضا في عثمان بن عيسى ، فإنه وان كان مما لا خلاف في كونه واقفيا الا ان الكشي نقل فيه قولا بأنه ممن اجتمعت العصابة على تصحيح ما يصح عنه. مضافا الى ما نقله الشيخ في كتاب العدة مما يؤذن بالاتفاق على العمل بروايته ورواية أمثاله من ثقات الواقفية والفطحية. وهذا مع ان جملة منهم صرحوا بان ضعفها منجبر بالشهرة ، والأمران اصطلاحيان ، وحينئذ فالرواية معتمدة.

وقد طعن جماعة من متأخري المتأخرين ـ منهم : المحقق الشيخ حسن في المنتقى ، والسيد في المدارك ، وتبعهما جمع ممن تأخر عنهما (٣) ـ في صحيحة

__________________

(١) إشارة إلى أصحاب الكاظم (عليه‌السلام).

(٢) في المقدمة الثانية في الصحيفة ١٤.

(٣) منهم : الشيخ على بن سليمان البحراني والعلامة السيد ماجد البحراني (قدس‌سرهما) (منه قدس‌سره).

٢٧٠

إسماعيل بن جابر الثانية (١) التي هي مستند القميين ، قال في كتاب المنتقى بعد ذكر الحديث المشار اليه : «وهذا الحديث قد نص جمهور المتأخرين من الأصحاب على صحته. وليس بصحيح ، لان الشيخ رواه في موضع آخر من التهذيب عن الشيخ المفيد (رحمه‌الله) عن احمد بن محمد عن أبيه عن سعد بن عبد الله عن احمد بن محمد عن محمد ابن خالد عن محمد بن سنان عن إسماعيل بن جابر ، فأبدل عبد الله بمحمد ، والراويان قبل وبعد متحدان كما ترى ، فاحتمال روايتهما له منتف قطعا ، لاختلافهما في الطبقة ، وقد ذكرنا في فوائد المقدمة ان الذي يقتضيه حكم الممارسة تعين كونه محمدا ، وفي الكافي رواه عن محمد بن يحيى عن احمد بن محمد عن البرقي عن ابن سنان ، والظاهر ان هذا صورة ما وقع في رواية البرقي له ، والتعيين من تصرف الراوي عنه ، فأخطأ فيه المخطئ وأصاب فيه المصيب» انتهى.

وأجاب عن ذلك شيخنا البهائي (قدس‌سره) في كتاب مشرق الشمسين ـ بعد ان ذكر الخبر المذكور ـ بما لفظه : «واما هذا السند فقد أطبق علماؤنا من زمن العلامة (طاب ثراه) الى زماننا هذا على صحته ولم يطعن أحد فيه. حتى انتهت النوبة الى بعض الفضلاء الذين عاصرناهم (قدس الله أرواحهم) فحكموا بخطإ العلامة واتباعه في قولهم بصحته ، وزعموا أن ملاحظة طبقات الرواة في التقدم والتأخر يقتضي ان ابن سنان ـ المتوسط بين البرقي وبين إسماعيل بن جابر ـ محمد لا عبد الله ، وان تبديل شيخ الطائفة له بعبد الله في سند هذا الحديث توهم فاحش ، لان البرقي ومحمد بن سنان في طبقة واحدة. فإنهما من أصحاب الرضا (عليه‌السلام). واما عبد الله بن سنان فليس من طبقة البرقي. لأنه من أصحاب الصادق (عليه‌السلام) فرواية البرقي عنه بغير واسطة مستنكرة. وايضا فوجود الواسطة في هذه الرواية بين ابن سنان وبين الصادق (عليه‌السلام) تدل على انه محمد لا عبد الله ، لان زمان محمد متأخر عن زمانه (عليه

__________________

(١) المتقدمة في الصحيفة ٢٦٢.

٢٧١

السلام) بكثير ، فهو لا يروي عنه بالمشافهة ، بل لا بد من تخلل الواسطة. واما عبد الله ابن سنان فهو من أصحاب الصادق (عليه‌السلام) والظاهر انه يأخذ عنه بالمشافهة لا بالواسطة. هذا حاصل كلامهم. وظني ان الخطأ في هذا المقام انما هو منهم لا من العلامة واتباعه (قدس الله أرواحهم) ولا من شيخ الطائفة (نور الله مرقده) فان البرقي وان لم يدرك زمان الصادق (عليه‌السلام) لكنه قد أدرك بعض أصحابه ونقل عنهم بلا واسطة ، ألا ترى الى روايته عن داود بن ابي يزيد العطار حديث من قتل أسدا في الحرم (١) وعن ثعلبة بن ميمون حديث الاستمناء باليد (٢) وعن زرعة حديث صلاة الأسير في باب صلاة الخوف (٣) وهؤلاء كلهم من أصحاب الصادق (عليه‌السلام) فكيف لا تنكر روايته عنهم بلا واسطة وتنكر الواسطة عن عبد الله بن سنان؟ وايضا فالشيخ قد عد البرقي في أصحاب الكاظم (عليه‌السلام) واما تخلل الواسطة بين ابن سنان وبين الصادق (عليه‌السلام) فإنما يدل على انه محمد لو لم توجد بين عبد الله وبينه (عليه‌السلام) واسطة في شي‌ء من الأسانيد ، لكنها توجد بينهما كتوسط عمر بن يزيد في دعاء آخر سجدة من نافلة المغرب (٤) وتوسط حفص الأعور في تكبيرات الافتتاح (٥)

__________________

(١) وهو حديث ابى سعيد المكاري المروي في الوسائل في الباب ـ ٣٩ ـ من أبواب كفارات الصيد وتوابعها من كتاب الحج.

(٢) وهو حديث ثعلبة بن ميمون والحسين بن زرارة الذي رواه صاحب الوسائل في الباب ـ ٣ ـ من أبواب نكاح البهائم ووطء الأموات والاستمناء من كتاب الحدود والتعزيرات.

(٣) وهو حديث سماعة المروي في الوسائل في الباب ـ ٥ ـ من أبواب صلاة الخوف والمطاردة من كتاب الصلاة.

(٤) في حديث عمر بن يزيد الذي رواه صاحب الوسائل في الباب ـ ٤٦ ـ من أبواب صلاة الجمعة وآدابها من كتاب الصلاة.

(٥) في حديث حفص المروي في الوسائل في الباب ـ ٧ ـ من أبواب تكبيرة الإحرام من كتاب الصلاة. الا ان في الوسائل بعد كلمة حفص «يعنى ابن البختري».

٢٧٢

وقد يتوسط شخص واحد بعينه بين كل منهما وبين الصادق (عليه‌السلام) كاسحاق ابن عمار ، فإنه متوسط بين محمد وبينه (عليه‌السلام) في سجدة الشكر (١) وهو بعينه ايضا متوسط بين عبد الله وبينه (عليه‌السلام) في طواف الوداع (٢) وتوسط إسماعيل بن جابر في سندي الحديثين الذين نحن فيهما من هذا القبيل. والله الهادي إلى سواء السبيل» انتهى.

(الثالثة) ـ لا ريب ـ بعد ما عرفت ـ في دلالة رواية أبي بصير (٣) على القول المشهور ، ودلالة صحيحة إسماعيل بن جابر (٤) على قول القميين.

واما قول ابن الجنيد فلم نقف له على مستند.

وكذلك قول القطب الراوندي ، الا ان بعض متأخري المتأخرين حمله على ارادة معنى الجمع والمعية من لفظ (في) دون الضرب كما هو المشهور. ولا يخفى فيه من البعد ، لما في التحديد بذلك من التفاوت في التقديرات كما نبه عليه جملة من مشايخنا (طيب الله تعالى مضاجعهم) ، فان الماء الذي مجموع أبعاده الثلاثة ـ عشرة أشبار ونصف كما تكون مساحته مساوية لمساحة الكر على القول المشهور ، كما لو كان كل من الأبعاد الثلاثة ثلاثة أشبار ونصفا ، فقد تكون ناقصة عنها قريبة منها ، كما لو فرض طوله ثلاثة أشبار وعرضه ثلاثة وعمقه أربعة ونصف شبر ، فان مساحته حينئذ أربعون شبرا ونصف ، وقد تكون بعيدة عنها جدا ، كما لو فرض طوله ستة وعرضه

__________________

(١) في حديث إسحاق بن عمار الذي رواه الشيخ في التهذيب ج ١ ص ١٦٥ ، ورواه صاحب الوسائل في الباب ـ ٣ ـ من أبواب سجدتي الشكر من كتاب الصلاة.

(٢) في حديث إسحاق بن عمار الذي رواه الشيخ في التهذيب في باب (زيارة البيت) من كتاب الحج.

(٣) المتقدمة في الصحيفة ٢٦١.

(٤) المتقدمة في الصحيفة ٢٦٢ السطر ٥.

٢٧٣

أربعة وعمقه نصف شبر ، فان مساحته اثنا عشر شبرا. وجعل شيخنا الشهيد الثاني في الروض أبعد الفروض منها ما لو كان كل من عرضه وعمقه شبرا وطوله عشرة أشبار ونصفا. قال شيخنا البهائي (رحمه‌الله) بعد نقل ذلك عنه : «وهو محل كلام ، لوجود ما هو أبعد منه ، كما لو كان طوله تسعة أشبار وعرضه شبرا واحدا وعمقه نصف شبر ، فان مساحته أربعة أشبار ونصف (١). وأيضا ففي كلامه (قدس‌سره) مناقشة أخرى ، إذ الأبعاد الثلاثة في الفرض الذي ذكره إنما هو اثنا عشر شبرا ونصف لا عشرة ونصف ، ثم قال : هذا. وأنت خبير بان صدور مثل هذا التحديد العظيم الاختلاف الشديد التفاوت من القطب الراوندي (رحمه‌الله) لا يخلو من غرابة ، كما ان صدور مثل هذا الكلام من شيخنا الشهيد الثاني غير خال من غرابة أيضا. ثم الذي يظهر ان مراد القطب الراوندي (رحمه‌الله) ان الكر هو الذي لو تساوت أبعاده الثلاثة لكان مجموعها عشرة أشبار ونصفا ، وحينئذ ينطبق كلامه على المذهب المشهور. والله أعلم بحقائق الأمور» انتهى كلامه (زيد مقامه) ولا يخفى ان ما ذكره أخيرا ـ من الحمل لكلام الراوندي ـ جيد لو أمكن تطبيق كلامه عليه.

واما ما نقل عن السيد جمال الدين ابن طاوس من العمل بكل ما روي فهو يرجع في التحقيق الى مذهب القميين ، فكأنه يحمل ما زاد على الاستحباب.

بقي الكلام في صحيحة إسماعيل بن جابر الدالة على التحديد بذراعين في العمق في ذراع وشبر في السعة (٢) ويظهر من المحقق في المعتبر الميل الى العمل بها ،

__________________

(١) ثم كتب (قدس‌سره) في حاشية الكتاب ما صورته : «وقد يوجد ما هو أبعد من هذا ، كما لو كان طوله عشرة أشبار وعرضه ربع شبر وعمقه كعرضه ، فان مجموع أبعاده عشرة ونصف ومساحته خمسة أثمان شبر. انتهى. (منه رحمه‌الله).

(٢) المتقدمة في الصحيفة ٢٦٢.

٢٧٤

حيث قال : ـ بعد ان ذكر صحيحة إسماعيل التي هي مستند القميين (١) وطعن فيها بقصور الدلالة ، ثم رواية أبي بصير (٢) وطعن فيها بعثمان بن عيسى ، ثم هذه الصحيحة ـ ما لفظه : «فهذه حسنة ، ويحتمل ان يكون قدر ذلك كرا» انتهى. وربما اعترض عليه بوصفها بالحسن مع انها في أعلى مراتب الصحة. والجواب عن ذلك ان اصطلاح تقسيم الاخبار الى هذه الأقسام متأخر عنه ، فهو لم يرد بالحسن المعنى الذي تقرر بينهم وانما أراد الوصف بما يوجب قبولها والعمل عليها. ويظهر من السيد في المدارك الميل ايضا الى ذلك ، حيث قال ـ بعد ان ذكر روايتي أبي بصير (٣) وإسماعيل الأخرى (٤) وطعن فيهما بضعف الاسناد ـ ما صورته : «وأصح ما وقفت عليه في هذه المسألة من الأخبار متنا وسندا ما رواه الشيخ» وساق الرواية (٥) ثم نقل عن المحقق الميل الى العمل بها ، وقال : «وهو متجه» وبذلك يظهر لك ما في كلام شيخنا البهائي في الحبل المتين ، حيث قال بأنه لم يطلع على قائل بها من الأصحاب. ثم انه (قدس‌سره) ذكر أن الخبر المذكور غير شديد البعد عن التقدير المشهور ، فان المراد بالذراع ذراع اليد وهو شبران تقريبا ، وان المراد بكون سعته ذراعا وشبرا كون كل من طوله وعرضه ذلك المقدار ، فيبلغ تكسيره على هذا التقدير ستة وثلاثين شبرا.

هذا. ويأتي ـ على ما نقلنا آنفا (٦) عن المحدث الأمين (قدس‌سره) من تفسيره السعة في الخبر ـ وكذا في جملة الأخبار ـ بمجموع الطول والعرض الذي هو عبارة عن قطر الدائرة لا كل من الطول والعرض ـ انه لا يخلو اما ان يخص الكر الذي لا ينفعل بما

__________________

(١ و ٤) المتقدمة في الصحيفة ٢٦٢.

(٢ و ٣) المتقدمة في الصحيفة ٢٦١.

(٥) وهي صحيحة إسماعيل بن جابر المتقدمة في الصحيفة ٢٦٢ السطر ٣.

(٦) في الصحيفة ٢٦٥.

٢٧٥

كان على تلك الهيئة ، كما يعطيه ظاهر كلامه من الرد على القول المشهور في حمل لفظ (في) الواقع في روايات هذا الباب على ضرب الحساب ، وان المتبادر من الروايات اعتبار اجتماع اجزاء الماء ، وكون عمقه قدرا يعتد به. وفيه تضييق زائد بل لا يكاد يتفق كر على هذه الهيئة ، واما ان يعتبر الضرب فيه وتحصيل قدر المساحة. وطريق معرفة ذلك ـ كما هو مذكور في علم المساحة ـ أن يضرب نصف القطر ـ المعبر عنه في الحديث بالسعة وهو واحد ونصف ـ في نصف المحيط الذي هو تسعة تقريبا ، لما ثبت هناك ان القطر ثلث المحيط تقريبا ، فيكون نصف المحيط على هذا أربعة ونصفا ، وعند ضرب واحد ونصف في أربعة ونصف يحصل منه ستة وثلاثة أرباع ، وإذا ضربنا هذا في العمق الذي هو أربعة يكون الحاصل سبعة وعشرين شبرا ، فيكون موافقا لمذهب القميين. وفيه انه وان حصل به انطباق صحيحتي إسماعيل بن جابر (١) كل منهما على الأخرى ، الا انه ـ مع مخالفته لما نقلناه من ظاهر كلامه ـ بعيد غاية البعد ، وان قصر تقدير الكر ـ على شكل الأسطوانة المستديرة التي لا يعلم تقديرها حقيقة بل تقريبا ، ومع ذلك فمعرفتها بالتقريب المذكور يتوقف على المهارة في فن علم المساحة والحذاقة في فن علم الهندسة التي تتعذر على أكثر الناس ـ غير معهود وقوع مثله عن أهل العصمة (صلوات الله عليهم) بل ربما يقال غير جائز الوقوع ، فيتعين حينئذ حمل الرواية على ما ذكره شيخنا البهائي من الستة والثلاثين شبرا. وقال المحدث الأمين في تعليقاته على شرح المدارك : «قد اعتبرنا الكر وزنا ومساحة في المدينة المنورة فوجدنا رواية ألف ومائتا رطل (٢) مع الحمل على العراقي قريبة غاية القرب من هذه الصحيحة (٣)» انتهى. والظاهر ان اعتباره بناء على ما ذكره مما يرجع الى سبعة وعشرين شبرا.

__________________

(١) المتقدمتين في الصحيفة ٢٦٢.

(٢) وهي صحيحة ابن ابى عمير المتقدمة في الصحيفة ٢٥٤.

(٣) وهي صحيحة إسماعيل بن جابر المتقدمة في الصحيفة ٢٦٢ السطر ٣.

٢٧٦

(الموضع الثالث) ـ في بيان ضبط الكر بالأوزان المتعارفة في زماننا من المن المتعارف في بلادنا البحرين (حرسها الله من طوارق الشين) والمن التبريزي المتعارف في جملة من ولايات العجم (صانها الله تعالى عن العدم).

فنقول : اعلم ان المتعارف في بلادنا المذكورة ان المن عندهم ـ بالمثاقيل السوقية الموسومة عندهم بمثاقيل بار ـ خمسمائة مثقال واثنا عشر مثقالا ، وربع المن عندهم أربعة آلاف ، كل الف بالحساب المتقدم عبارة عن اثنين وثلاثين مثقالا ، والمن ستة عشر ألفا (١) ، ونصف الالف باصطلاحهم قياس ، وهي ستة عشر مثقالا ، وفي حدود السنة السابعة والثلاثين بعد المائة والالف قد اعتبرنا الصاع بالصنج المذكور لأجل زكاة الفطرة بالشعير ـ كما ذكره الأصحاب ـ فوجدناه مشتملا على نقصان فاحش ، ثم اعتبرناه بحساب المثاقيل الشرعية المتفق بين الخاصة والعامة على عدم تغيرها في جاهلية ولا إسلام ونسبناها الى مثاقيل البحرين ، فكان مبلغ الصاع الشرعي عبارة عن ثلاثة آلاف بالألف المتقدم في اصطلاحهم ، واثني عشر مثقالا بالمثاقيل المذكورة عندهم.

واما المن التبريزي فهو الآن في شيراز وما والاها عبارة عن تسع عباسيات بالفلوس السود ، وكل عباسية عبارة عن عشرين مرضوفا ، وكل مرضوف غازيان ، وهو عبارة عن أربعة مثاقيل صيرفية كما اعتبرناه ، فتكون العباسية ـ التي هي عبارة عن عشرين مرضوفا ـ عبارة عن ثمانين مثقالا صيرفيا ، ويكون المن التبريزي ـ الذي هو عبارة عن تسع عباسيات ـ سبعمائة مثقال وعشرين مثقالا.

إذا عرفت ذلك فاعلم أن الرطل يقال بالاشتراك ـ كما تقدمت الإشارة اليه ـ على ثلاثة أوزان : العراقي والمدني والمكي.

__________________

(١) وليست الالف كما يتوهم في بادئ الرأي عبارة عن عدد وانما هي اسم للصنج المعروف عندهم (منه رحمه‌الله).

٢٧٧

فأما العراقي فهو مائة وثلاثون درهما كما عليه الأصحاب ، ولا يلتفت الى ما ذكره العلامة مما قدمنا نقله عنه (١) فإنه غفلة بغير ريبة. وعلى ما ذكره الأصحاب تدل رواية جعفر بن إبراهيم بن محمد الهمداني عن ابي الحسن (عليه‌السلام) (٢) وفيها «ان الصاع ستة أرطال بالمدني وتسعة بالعراقي ، ثم قال : وأخبرني انه يكون بالوزن ألفا ومائة وسبعين وزنة». والمراد بالوزنة الدرهم. وهي مطابقة لما ذكرناه في تقدير العراقي فان تسع هذا المقدار المذكور مائة وثلاثون كما لا يخفى.

واما الرطل المدني فإنه مائة وخمسة وتسعون درهما ، وعليه يدل من الأخبار رواية إبراهيم بن محمد الهمداني عن ابي الحسن (عليه‌السلام) (٣) المتضمنة أن الصاع ستة أرطال بالرطل المدني ، وان الرطل مائة وخمسة وتسعون درهما.

واما الرطل المكي فهو رطلان بالعراقي عند الأصحاب ، ولم أقف في الاخبار على تحديد له ، وحينئذ فيكون الرطل العراقي ثلثي الرطل المدني ونصف الرطل المكي.

والرطل العراقي بالمثاقيل الشرعية عبارة عن أحد وتسعين مثقالا شرعيا ، لان كل عشرة دراهم تعدل سبعة مثاقيل شرعية كما ذكره غير واحد من أصحابنا وغيرهم وبالمثاقيل الصيرفية ثمانية وستون مثقالا وربع مثقال ، لأن المثقال الصيرفي مثقال وثلث من الشرعي ، والمثقال الشرعي ثلاثة أرباع الصيرفي ، فكل أربعة مثاقيل شرعية ثلاثة مثاقيل صيرفية.

والرطل المدني بالمثاقيل الشرعية عبارة عن مائة مثقال وستة وثلاثين مثقالا ونصف

__________________

(١) في الصحيفة ٢٥٤.

(٢) المروية في الوسائل في الباب ـ ٧ ـ من أبواب زكاة الفطرة من كتاب الزكاة.

(٣) صاحب العسكر كما في التهذيب في باب (تمييز فطرة أهل الأمصار) وفي الوسائل في الباب ـ ٧ ـ من أبواب زكاة الفطرة من كتاب الزكاة.

٢٧٨

مثقال بالتقريب المتقدم ، وبالمثاقيل الصيرفية عبارة عن مائة مثقال ومثقالين وثلاثة أثمان مثقال كما يظهر بالمقايسة.

ولما كان الصاع ـ على ما ذكروه وورد به النص أيضا ـ تسعة أرطال بالعراقي وستة بالمدني ، فإذا نسب الى الرطل العراقي الذي هو أحد وتسعون مثقالا شرعيا يكون مقداره بالمثاقيل الشرعية ثمانمائة مثقال وتسعة عشر مثقالا ، وإذا نسب اليه بالمثاقيل الصيرفية يكون قدره ستمائة مثقال وأربعة عشر مثقالا وربع مثقال ، ومن ذلك يعلم حساب نسبته الى الرطل المدني بالمثاقيل الشرعية والصيرفية بزيادة نصف ما ذكر في العراقي على مقداره.

وحينئذ فإذا كان المن التبريزي سبعمائة مثقال وعشرين مثقالا صيرفيا ، والرطل العراقي بالمثاقيل الصيرفية ـ كما تقدم ـ ثمانية وستون مثقالا وربع مثقال ، فكل من تبريزي عشرة أرطال عراقية ونصف رطل وثلاثة مثاقيل صيرفية وثلاثة أثمان مثقال.

وأنت إذا قسمت عدد أرطال الكر الذي هو الف ومائتا رطل على عدد المن التبريزي المذكور ، ظهر لك ان مقدار الكر بالمن التبريزي مائة من وثلاثة عشر منا وثلاثة أرباع من وأربعة وثلاثون مثقالا صيرفيا وخمسة أجزاء من ستة عشر جزء من مثقال.

ونقل المحدث الكاشاني (قدس‌سره) في كتاب الوافي ان المن التبريزي كان في عصره ستمائة مثقال صيرفي ، فيكون الصاع بالمثقال الصيرفي يزيد عليه بأربعة عشر مثقالا وربع مثقال ، ثم قال : «ومنه يعلم مقدار الكر بالأرطال وهو مائة من وستة وثلاثون ونصف بالتبريزي» ولعل منشأ التفاوت بين ما ذكرنا وذكره بزيادة الصنج في هذه الأوقات.

واما الكر بوزن البحرين فهو عبارة عن ثمانية وعشرين منا وثمن من ، لان

٢٧٩

الكر بالأصوع العراقية ـ كما يعلم بالحساب والمقايسة ـ مائة صاع وثلاثة وثلاثون صاعا وثلث صاع ، والصاع بوزن البحرين ـ كما عرفت ـ (١) عبارة عن ثلاثة آلاف بالصنج المتقدم في اصطلاحهم ، واثني عشر مثقالا بمثاقيلهم المتقدمة ، وهو ربع منهم الا عشرين مثقالا من مثاقيلهم ، ومتى كررت هذا المقدار بعدد أصوع الكر يظهر لك ما قلناه من كمية الكر بوزنهم (٢) وقد وجدت بخط الوالد (طيب الله تعالى مرقده) انه وجد بخط بعض الفضلاء ما صورته : «وزن الصاع ـ في شهر رمضان من السنة السادسة والثلاثين بعد الألف ـ ربع والف وأربعة مثاقيل وربع مثقال شيرازي» انتهى. ولا يخفى ما فيه من التفاوت الزائد بالنسبة الى ما ضبطناه ، وذلك بزيادة الصنج أخيرا كما أشرنا إليه.

الفصل الثالث

في القليل الراكد ، وتفصيل القول فيه يتم برسم مقامات :

(المقام الأول) ـ الظاهر انه لا خلاف بين أصحابنا (رضوان الله عليهم) ـ نصا وفتوى ـ في نجاسة الماء القليل بتغيره بالنجاسة في أحد الأوصاف الثلاثة. إنما الخلاف في النجاسة بمجرد الملاقاة.

فالمشهور ـ بل كاد يكون إجماعا بل ادعى عليه في الخلاف في غير موضع الإجماع ـ هو النجاسة.

__________________

(١) في الصحيفة ٢٧٧ ،.

(٢) لان ضرب ثلاثة آلاف واثنى عشر مثقالا في مائة صاع يبلغ أحدا وعشرين منا والف وقياس ، فتزيد عليها ثلثها وهو ثلاث وثلاثون وثلث يبلغ ما ذكرنا (منه رحمه‌الله).

٢٨٠