النظام العائلي

الدكتور زهير الاعرجي

النظام العائلي

المؤلف:

الدكتور زهير الاعرجي


الموضوع : علم‌النفس والتربية والاجتماع
الناشر: المؤلّف
الطبعة: ١
الصفحات: ٢٣٤

العقد » (١).

اما القبول فيكفي فيه اللفظ الدال على الرضا الصريح مثل قوله : « قبلت ورضيت ». ولا خلاف ولا اشكال في حصول الرضا بهذين اللفظين. و « نص الفقهاء على اعتبار اللفظ الصريح وضعاً في العقد اللازم. وانه لا يكفي فيه المجاز. والقبول ان يقول : قبلت التزويج او قبلت النكاح او ما شابههما مثل رضيت ونحوه ، لكن بملاحظة ماذكرنا تعرف عدم انحصاره في لفظ مخصوص ولا هيئة مخصوصة ، بل يكفي فيه كل لفظ دال عليه بالطريق المتعارف في بيان افعاله من المقاصد. ولا اشكال في انه يجوز الاقتصار ( في القبول ) على : ( قبلت ) كغيره من العقود » (٢).

والمشهور ان صيغة الزواج الدائم لاتنعقد الاّ بلفظ الماضي كقوله : « زوجت ، دون اتزوج » ، الا ان الشهيد الثاني في المسالك والشيخ النجفي في الجواهر والشيخ الانصاري في ملحقات المكاسب قالوا بانعقاد الزواج بغير صيغة الماضي. و « ان المقصود من العقد لما كان هو الدلالة على القصد الباطني ، واللفظ كاشف عنه ، فكل لفظ دل عليه ينبغي اعتباره ، وقولهم ان الماضي صريح في الانشاء دون غيره ممنوع ، لان الاصل في الماضي ان يكون اخباراً ، لا انشاءً ، وانما التزموا بجعله انشاء بطريق النقل ، والا فان اللفظ لا يفيده ، وانما يتعين بقرينة خارجة ، ومع اقتران القرينة يمكن ذلك في غير صيغة الماضي » (٣). واستدلوا على انعقاد الزواج بغير صيغة الماضي اعتماداً

__________________

١ ـ مجمع البيان : ج ٣ ص ٥٩.

٢ ـ الجواهر : ج ٢٩ ص ١٣٤.

٣ ـ المسالك ـ كتاب النكاح.

٨١

على رواية هشام بن سالم عن ابي عبد الله (ع) انه سأله عن الزواج المنقطع كيف اتزوجها وما اقول؟ قال : ( تقول لها : أتزوجك على كتاب الله ، وسنة نبيه كذا وكذا شهراً بكذا وكذا درهماً ، فاذا قالت : نعم ، فقد رضيت وهي امرأتك وانت اولى الناس بها ) (١).

والمشهور بين الفقهاء ان الموالاة بين الايجاب والقبول شرط في انعقاد عقد الزواج. فاذا كان الفاصل بينهما طويلاً فلا يتحقق العقد. ولكن العقد لا يتوقف على الفورية ، ولا على اتحاد المجلس. فـ « لا دليل على اعتبار اتحاد المجلس في عقد الزواج ، ولا في غيره من العقود » (٢). والواجب في الموالاة هو بقاء ارادة الموجب او الخاطب قائمة الى حين القبول.

والمشهور ايضاً ان التعليق مبطل لعقد الزواج ، كأن تقول له : « زوجتك نفسي ان رضي فلان ، او عند رجوع أخي » مثلا ، بطل العقد. ولكن جماعة من الفقهاء قالوا بصحة التعليق مطلقاً ، بادعاء ان صحة تعليق المنشأ واضحة في الاحكام الشرعية ، لان اغلب الاحكام الشرعية الاّ ما شذ قضايا حقيقية واحكام مشروطة على تقدير وجود موضوعاتها ، ووقوعه بالجملة في العقود والايقاعات مما لا اشكال فيه.

والاصل ، ان يكون الايجاب من المخطوبة والقبول من الخاطب ، ولكن يجوز تقديم القبول على الايجاب شهرة ، « لان العقد هو الايجاب والقبول ، والترتيب كيف اتفق غير مخلّ بالمقصود ، ويزيد النكاح على غيره من العقود ان الايجاب من المرأة ، وهي تستحي غالباً من الابتداء به ، فاغتفر

__________________

١ ـ الوسائل : ج ٧ ص ١٩٧.

٢ ـ الجواهر : ج ٢٩ ص ١٤٣.

٨٢

هنا وان خولف في غيره. ومن ثم ادعى بعضهم الاجماع على جواز تقديم القبول هنا » (١). و « لو عجز احد المتعاقدين [ عن النطق بلفظ الزواج والنكاح ] ، تكلم كل واحد منهما بما يحسنه. ولو عجزا عن النطق اصلاً ، او احدهما ، اقتصر العاجز على الاشارة الى العقد والايماء » (٢).

و « النكاح يقع على الاجازة ، ويكفي في الاجازة سكوت البكر ويعتبر في الثيب النطق ، وهو المشهور بين الاصحاب ؛ والدليل عليه وجوه :

الاول : رواية ابن عباس ان جارية بكراً اتت النبي (ص) فذكرت ان اباها زوّجها وهي كارهة ، فخيرها النبي (ص) (٣).

الثاني : في خبر آخر : ان رجلاً زوّج ابنته وهي كارهة فجاءت الى النبي (ص) فقالت : زوجني ابي ونعم الاب من ابن اخيه يريد ان يرفع خسيسته ، فجعل النبي امرها اليها فقالت : اجزت ما صنع ابي وانما اردت ان اعلم النساء ان ليس الى الاباء من امر النساء شيء (٤). والمراد في هذين زواج من هي بالغة ، اذ لو كانت صغيرة لم يتوقف على رضاها.

الثالث : رواية محمد بن مسلم عن الباقر (ع) في رجل زوّجته اُمه وهو غائب. قال : النكاح جائز ان شاء المتزوج قبل وان شاء ترك ، فان ترك المتزوج تزويجه فالمهر لازم لأمّه (٥) » (٦).

__________________

١ ـ شرح اللمعة : ج ٥ ص ١١٠.

٢ ـ شرائع الاسلام : ج ٢ ص ٢٧٣.

٣ ـ سنن ابن ماجة : ج ١ ص ٦٠٣.

٤ ـ سنن ابن ماجة : ج ١ ص ٦٠٢.

٥ ـ الكافي : ج ٥ ص ٤٠١.

٦ ـ التنقيح الرائع : ج ٣ ص ٣٣.

٨٣

ولايصح شرط الخيار في الزواج ، اتفاقاً ، دائما كان او منقطعاً ، فلو افترضنا ان الزوج او الزوجة اشترطا ضمن العقد الفسخ والرجوع عنه في فترة معينة فسد الشرط ، لان الزواج لا يقبل الاقالة فلا يقبل الفسخ. والمشهور فساد العقد ايضاً ، و « ليس هناك اختلاف بين الفقهاء في بطلان الشرط. للعلم بان عقد الزواج لا يقبل الخيار ، لان فيه شائبة العبادة ، وفسخه محصور بالعيوب المنصوص عليها ، ولذا لا تجري فيه الاقالة بخلاف غيره من عقود المعاوضات ، فاشتراط الخيار فيه مناف لمقتضى العقد المستفاد من الادلة الشرعية ... ومن هنا كان شرط الخيار مبطلاً للعقد » (١).

واتفق الفقهاء ايضاً على ان الاشهاد على الزواج الدائم مستحب وليس بواجب. حيث ان المعروف بين الفقهاء عدم وجوب الاشهاد ، بل القول بالوجوب شاذ (٢). ولم يذكر الله تعالى في القرآن الشهادة في النكاح ، و « ذكر الشهادة في البيع والدين مع ان الحكم في الشهادة في النكاح اكثر لما فيها من حفظ النسب وزوال التهم والتوارث وغيره من توابع النكاح ، فلو كان الاشهاد فيه شرطاً لما اهمله الله تعالى في القرآن لانه مناف للحكمة. وعن النبي (ص) انه لما تزوج بصفية اولَمَ بتمر واقط ، فقال الناس : ترى انه تزوج بها ام جعلها ام ولده؟ ثم قالوا : ان حجبها فهي امرأته ولو كان اشهد ما اختلفوا » (٣). نعم ورد نص عن طريق الفريقين انه ( لا نكاح الا بولي وشاهدي عدل ) (٤). ولكن هذه الرواية الضعيفة « تصلح سنداً للاستحباب ،

__________________

١ ـ الجواهر : ج ٢٩ ص ١٥٠.

٢ ـ الجواهر : ج ٢٩ ص ٢٩.

٣ ـ تذكرة الفقهاء للمحقق الحلي ـ كتاب النكاح.

٤ ـ المغني لابن قدامة : ج ٧ ص ٩.

٨٤

لا الشرطية » (١).

ويشترط في صحة العقد امور عدة ، منها : العقل ، البلوغ ، والرشد في كلّ من المخطوبة والخاطب ، وخلو الخاطب والمخطوبة من المحرمات السببية والنسبية ، ووجوب التعيين ، فلا يصح قول الولي مثلاً : « زوجتك احدى هاتين البنتين » ، لان الاخذ بالاحكام الزوجية لا يتم الاّ عن طريق التشخيص والتعيين ، ووجوب القصد والرضا والاختيار. وان حصل الاكراه في الزواج ثم ارتفع وحصل الرضا كفى ذلك في الصحة. واذا عقد السكران فقد « عرفت ان شرط صحة العقد القصد اليه ، فالسكران الذي بلغ به السكر حداً زال عقله معه وارتفع قصده يكون زواجه باطلاً كغيره من عقود ، سواء في ذلك الذكر والانثى ، هذا هو الاقوى على ما تقتضيه القواعد الشرعية ، ومتى كان العقد باطلاً فلا تنفعه اجازته بعد الافاقة ، لان الاجازة لا تصحح ما وقع باطلاً من اصله » (٢).

وورد انه لا يشترط التفتيش حين التزويج عن كون المرأة ذات بعل ام لا لسببين ، الاول : اصالة الصحة في فعل المسلم. والثاني : الروايات التي عمل بها الفقهاء. ومنها سؤال احدهم الامام جعفر بن محمد (ع) : ( ألقى المرأة بالفلاة التي ليس فيها احد ، فاقول : ألك زوج؟ فتقول : لا. فاتزوجها؟ قال (ع) : نعم ، هي المصدّقة على نفسها ) (٣). وفي رواية اُخرى ، سأل من قبل عمر من حنظلة ، قال : ( اني تزوجت امرأة فسألت عنها ، فقيل فيها؟ فقال (ع) :

__________________

١ ـ شرح اللمعة : ج ٥ ص ١١٢.

٢ ـ المسالك ـ كتاب النكاح.

٣ ـ الكافي : ج ٢ ص ٢٥.

٨٥

وانت لم سألت ايضاً؟ ليس عليكم التفتيش ) (١).

اما الشروط التي يشترطها الزوج او الزوجة ضمن العقد فهي على ثلاثة اقسام : شروط صحيحة لاتفسخ العقد ، وشروط تبطل العقد ، وشروط باطلة ولكنها لا تفسد العقد. فالقسم الاول ، وهي الشروط الصحيحة ، هي التي يترتب عليها الالزام وصحة العقد ، ويثبت خيار الفسخ مع تخلفه ، كأن يشترط احدهما توفر صفة معينة في الآخر كالبكورة دون الثيب ، او التدين دون التحلل ، فيصح الشرط ويلزم العقد مع تحققه. وقد ورد في الروايات ان الامام (ع) قد سُئِلَ عن رجل تزوج امرأة فقال لها : انا من بني فلان ، فلا يكون كذلك؟ قال (ع) : « تفسخ النكاح » (٢). وكذلك اذا اشترطت عليه ان يترك نوعاً خاصاً من الاستمتاع كالجماع فقط ، وله دون ذلك ما يشاء ، كما ورد في الروايات ان الامام الصادق (ع) سُئِلَ عن امرأة قالت لرجل : ازوجك نفسي على ان تلتمس مني ما شئت من والتماس ، وتنال مني ما ينال الرجل من اهله الاّ تدخل فرجك في فرجي وتتلذذ بما شئت ، فاني اخاف الفضيحة؟ قال (ع) : ( ليس له منها الا ما اشتُرِط ) (٣). واذا اذنت بعد ذلك بالوطء جاز ، لان « الشرط كالمانع ، ومع فرض الاذن يزول المانع فيبقى المقتضى على مقتضاه [ وهو عقد الزواج ] بل لو عصى وخالف الشرط لم يكن زانيا ، ويلحق به الولد ، كما هو واضح » (٤). وكذلك اذا اشترط ان يسكنها في بلد معين وجب الوفاء بالشرط لعموم « المؤمنون عند

__________________

١ ـ الكافي : ج ٢ ص ٧٩.

٢ ـ الجواهر : ج ٣٠ ص ١١٢.

٣ ـ التهذيب : ج ٢ ص ١٩١.

٤ ـ الجواهر : ج ٣٠ كتاب النكاح.

٨٦

شروطهم ». وقد ورد ايضاً في الحديث عن ابي عبد الله (ع) انه سُئِلَ في الرجل يتزوج المرأة ، ويشترط ان لا يخرجها من بلدها؟ قال : ( يفي لها بذلك ) (١). وان علياً (ع) كان يقول : ( من شرط لامرأته شرطاً فليف لها به ، فان المسلمين عند شروطهم الا شرطا حرم حلالا ، او احل حراماً ) (٢).

اما القسم الثاني ، فهي الشروط التي تبطل العقد. ومنها ان يشترط احدهما فسخ الزواج والرجوع عنه لمدة ثلاثة ايام او اقل او اكثر ، فحينئذٍ يفسد الشرط والعقد ، لان الزواج لايقبل الاقالة ، فلا يقبل الفسخ ايضاً ، وهذا هو المشهور.

والقسم الثالث ، وهي الشروط التي لا تفسخ العقد ولكنها باطلة في نفسها. ومنها ان يكون الشرط منافياً لمقتضى العقد وطبيعته ، فتشترط عليه مثلاً ان لا يقرب منها ولا يمسها اطلاقاً ، فيبطل الشرط ويصح العقد. ومنها ان يشترط لها على نفسه ان سلمها المهر كاملاً في فترة معينة فهي زوجته ، وان اخلف فلا يتحقق الزواج ، فيصح العقد والمهر ، ويبطل الشرط ولاخيار لها ، حيث ان تخلف الشرط او تعذره لا يوجب الخيار في الحالة الزوجية ؛ علماً بان هذا الحكم يخالف سائر العقود التجارية ، لسبب واضح ، وهو ان المرأة في الشريعة ليست سلعة تجارية ، كما يروج ذلك اعداء النظرية الدينية : حيث ورد في الرواية ان الامام الصادق (ع) سُئِلَ عن رجل تزوج امرأة الى اجل مسمى ، فان جاء بصداقها الى الاجل فهي امرأته ، وان لم يأت بصداقها الى الاجل فليس له عليها سبيل ، ذلك شرطهم بينهم حين انكحوه؟ فقضى

__________________

١ ـ الكافي : ج ٢ ص ٢٨.

٢ ـ التهذيب : ج ٢ ص ٢٢٠.

٨٧

(ع) للرجل ان بيده بُضع امرأته واحبَطَ شرطهم (١). ومنها ان يكون الشرط مخالفاً للشرع ، حيث تشترط عليه مثلاً ان لا يتزوج عليها ، او ان لا يطلقها ، او لا يمد يد العون الى ابويه. فيصح العقد ، ويبطل الشرط اتفاقاً ، لقوله : ( من اشترط شرطاً سوى كتاب الله فلا يجوز له ولا عليه ). ودليل آخر ، الرواية الواردة عن الامام الصادق (ع) فيما يخص رجلا تزوج امرأة واصدقته هي واشترطت عليه ان بيدها الجماع والطلاق ، فقال (ع) : ( خالفت السنة ، ووليت حقاً ليست باهله ، فقضى ان عليه الصداق وبيده الجماع والطلاق وذلك السنة ) (٢).

وعلى صعيد ثان ، لو ادعى رجل زوجية امرأة فانكرت ، او ادعت امرأة بزوجيتها لرجل فانكر الزوجية فعلى المدعي البينة ، وعلى المُنكِر اليمين. و « لو اوقع الرجل المنكِر صورة الطلاق ، كأن يقول : ان كانت زوجتي فهي طالق ، فالظاهر انتفاء الزوجية عنها ، وجاز لها التزويج بغيره ، لا بأبيه وابنه مطلقاً ، لاعترافها بما يوجب حرمة المصاهرة (٣). و « اذا ادعى احدهما [ اي الزوج او الزوجة ] الزوجية وانكر الآخر فتجري عليهما قواعد الدعوى فان كان للمدعي بينة ، والاّ فيحلف المنكِر او يرد اليمين فيحلف المدعي ويحكم له بالزوجية ، وعلى المنكِر ترتيب آثاره في الظاهر. ولو رجع المنكِر الى الاقرار هل يسمع منه ويحكم بالزوجية بينهما؟ الاقوى السماع اذا اظهَر عذراً لانكاره ، ولم يكن متهما ، وان كان بعد الحلف » (٤).

__________________

١ ـ الكافي : ج ٢ ص ٢٨.

٢ ـ من لا يحضره الفقيه : ج ٢ ص ١٣٦.

٣ ـ الجواهر ـ كتاب الطلاق.

٤ ـ العروة الوثقى : ج ٢ ص ٦٩٣.

٨٨

ولاشك ان المعاشرة بين فردين في سكن واحد ، كما يسكن الزوج وزوجته لا يثبت الزوجية ما لم ينشئ عقد الزواج ، لان الفقهاء قالوا ان تعارض الظاهر مع الاصل يقدم الاصل ، ولا يؤخذ بالظاهر الاّ مع الاطمئنان او قيام الدليل. والاصل هنا عدم حصول الزواج ، وكل حادث يشك في وجوده فالاصل عدمه ، حتى يقام الدليل عليه. ومع ذلك ، فقد رجّح بعض الفقهاء ـ كالعلامة الحلي في شرائع الاسلام ـ كون المعاشرة تكشف بظاهرها عن الزواج ، ولذلك فانه يحكم بثبوت الزواج في المثال السابق. اما الابناء فان حملهم على الصحة يستلزم الحكم على كونهم ولدوا بطريق شرعي. فاذا كانت المعاشرة نتيجة زواج او شبهة زواج ، فان الابناء تترتب عليهم في كلا الحالتين جميع الآثار الشرعية في الولاية والوصاية والنفقة والأرث.

٨٩

المحرمات في الشريعة الاسلامية

ولما كان الاصل في الزواج ، المتعة الجسدية وانجاب الاطفال ، اصبحت قضية اختيار الشريك للمضاجعة من اهم القضايا التي تهم النظام الاجتماعي بجميع افراده ، وعلى كل المستويات. ولاشك ان الانسان ـ مهما كانت درجة التزامه بالاحكام الشرعية ـ يدرك اهمية المحرمات النسبية والسببية في الزواج ، فيضع بشكل طبيعي حاجزاً نفسياً لا شعورياً امامها. وبكلمة ، فان قضية المحرمات النسبية والسببية هي قضية فطرية اكثر مما هي قضية فلسفية او منطقية : ولذلك كان تأكيد الدين عليها. وعلى ضوء ما سبق ، فقد اشترطت الشريعة ان يكون الفرد مؤهلاً للزواج حتى يصح العقد منه. ومثال ذلك ، ان المرأة او الرجل المراد تزويجه او تزويجها يجب ان يكونا فردين صالحين للعقد ، وجامعين للشروط ، كالعقل والبلوغ والرشد ، وخاليين من الموانع النسبية والسببية.

وما يمنع الفرد من الزواج بسبب المحرمات النسبية هو سبعة اصناف :

١ ـ الأم ، ويدخل معها الجدات من جهة الام.

٢ ـ البنات ، ويدخل معهن بنات الابن ، وبنات البنت وان نزلن.

٣ ـ الاخوات للأب او للأم ، او لهما معاً.

٤ ـ العمات ، وتشمل عمات الاباء والاجداد.

٥ ـ الخالات ، وتشمل خالات الاباء والاجداد.

٦ ـ بنات الاخ وان نزلن.

٧ ـ بنات الاخت وان نزلن.

٩٠

والاصل في التحريم قوله تعالى : ( ولاتَنكحُوا مانَكَجَ آباؤُكُم مِنَ النِّساءِ اِلاّ ما قَد سَلَف اِنَّهُ كان فاحِشَةً وَمَقتاً وَساءَ سَبيلاً ، حُرِّمَت عَلَيكُم اُمَّهاتُكُم وَبَناتُكُم وَاَخَواتُكُم وَعَمّاتُكُم وَخالاتُكُم وَبَناتُ الاَخ وَبَناتُ الاُخت وَاُمَّهاتكُم اللاتي اَرضَعنَكُم وَاَخَواتكُم مِنَ الرِّضاعَةِ وَاُمَّهاتُ نِسائِكُم وَرَبائِبكُم اللاتي في حُجُورِكُم مِنَ نِسائِكُم اللاتي دَخَلتُم بِهُنّ فَاِن لَم تَكُونُوا دَخَلتُم بِهنَّ فَلا جُناحَ عَلَيكُم وَحَلائِل اَبنائِكُم الَذينَ مِن اَصلابِكُم وَاَن تَجمَعُوا بَينَ الاُختَينِ اِلاّ ما قَد سَلَف اِنَّ اللهَ كانَ غَفُورأ رَّحيماً ، وَالمُحصَنات مِنَ النِّساءِ اِلاّ ما مَلَكَت اَيمانكُم كِتابَ اللهِ عَلَيكُم وَاُحِلَّ لَكُم ما وَراءَ ذلِكُم ) (١).

و « اذا خاطب تعالى المكلفين بلفظ الجمع ، كقوله : ( حرمت عليكم ) ثم اضاف المحرمات بعده اليهم بلفظ الجمع ، فالآحاد يقع بازاء الآحاد ، فكأنه قال : حرم على كل واحد منكم نكاح أمّه ومن يقع عليها اسم الام ، ونكاح ابنته ومن يقع عليها اسم البنت ، وكذلك الجميع. وهؤلاء السبع هي المحرمات بالنسب ، وقد صح عن ابن عباس انه قال : حرم الله من النساء سبعاً بالنسب ، وتلا الآية » (٢).

اما المحرمات السببية وهي المذكورة في الآية الشريفة السابقة : ( وَاُمَّهاتكُم اللاتي اَرضَعنَكُم ... ) (٣) وبقية النصوص الشرعية ، فهي ثمانية اصناف :

__________________

١ ـ النساء : ٢٢ ـ ٢٤.

٢ ـ مجمع البيان : ج ٣ ص ٦١.

٣ ـ النساء : ٢٣.

٩١

١ ـ ما يحرم من آثار المصاهرة.

٢ ـ ما يحرم من آثار الزنا.

٣ ـ الدخول بالمعتدة والمتزوجة.

٤ ـ الجمع بين الاختين.

٥ ـ الزواج باكثر من اربع حرائر.

٦ ـ الملاعنة.

٧ ـ التطليقة الثالثة.

٨ ـ الارتداد الفطري او الملي عن الاسلام.

فالمصاهرة ، عملية تستهدف صهر العلاقات الاجتماعية وانشاء علاقات جديدة على ضوء عملية التزويج ، حيث يترتب عليها بسبب العلاقة الجديدة تحريم لبعض اقارب الزوج او الزوجة. فتحرم زوجة الاب على الابن وان نزل تحريماً مؤبداً بمجرد العقد ـ نصاً واجماعاً ـ لقوله تعالى : ( وَلا تَنكِحُوا ما نَكَحَ آباؤكُم مِن النِّساءِ ) (١). وتحرم زوجة الابن على الاب وان علا تحريماً مؤبداً بمجرد العقد ، لقوله تعالى : ( وَحَلائِل اَبنائكُم الَّذينَ مِن اَصلابِكُم ) (٢). وتحرم أم الزوجة وان علت على زوج ابنتها تحريماً مؤبداً ، ولكنه اختلف هل ان التحريم يقع بمجرد العقد او بالدخول. وقيل « فيه روايتان اشهرهما رواية وفتوى انها تحرم بمجرد العقد ، بل في كتاب الغنية وكتاب الناصريات الاجماع على ذلك ، لعموم قوله تعالى : ( وَاُمَّهات

__________________

١ ـ النساء : ٢٣.

٢ ـ النساء : ٢٣.

٩٢

نِسائِكُم ) (١) ، وللاخبار وللاحتياط » (٢). وتحرم بنت الزوجة اذا دخل بالأم لقوله تعالى : ( وَرَبائِبكُم اللاتي في حُجُورِكُم مِنَ نِسائِكُم اللاتي دَخَلتُم بِهنّ ) (٣) ولاتحرم بمجرد العقد ، فيجوز للزوج ان ان طلق الام قبل الدخول العقد على ابنتها ، بالاجماع.

ويترتب على الزنا آثار شرعية ايضاً ، منها : ان الزنا قبل العقد يوجب تحريم المصاهرة ، فليس لابيه ولا لابنه العقد عليها « وفاقاً للاكثر بل هو المشهور » (٤). ولو « زنى بذات بعل او في عدة رجعية حرمت عليه ابداً في قول مشهور » (٥). و « اذا زنى بها وهي خلية [ غير متزوجة ] لم يحرم عليه زواجها ، وان لم تتب ، وفاقاً للمشهور شهرة عظيمة ، بل عن كتاب الخلاف الاجماع عليه للعمومات التي منها ان الحرام لا يحرّم الحلال ، وخصوص صحيح الحلبي عن ابي عبد الله (ع) : ايما رجل فجر بامرأة ، ثم بدا له ان يتزوجها حلالاً [ جاز ] قال : اوّله سفاح وآخره نكاح ، ومثله مثل النخلة اصاب الرجل من ثمرها حراماً ، ثم اشتراها بعد ذلك ، فكانت حلالاً » (٦).

ويفسد العقد اذا عقد الفردعلى امرأة معتدة من وفاة او طلاق بائن او رجعي او شبهة ، سواء كان عالماً بالحكم والموضوع او جاهلاً بهما. واذا دخل بها وهي في العدة وهو عالم بذلك فانها تحرم عليه مؤبداً (٧). اما اذا كان

__________________

١ ـ النساء : ٢٣.

٢ ـ الجواهر : ج ٢٩ ص ٣٦٦.

٣ ـ النساء : ٢٣.

٤ ـ الجواهر : ج ٢٩ ص ٣٦٦.

٥ ـ شرائع الاسلام : ج ٢ ص ٢٩٢.

٦ ـ الجواهر : ج ٢٩ ص ٤٣٩.

٧ ـ الانتصار للسيد المرتضى : ص ٢٨.

٩٣

جاهلاً بانها في العقد ، او جاهلاً بانه يحرم عليه ذلك ، وتزوجها ولكن لم يدخل بها فانها لا تحرم عليه مؤبداً بل يستطيع ان يستأنف العقد بعد انتهاء العدة » بلا خلاف اجده في شيء من ذلك ، بل الاجماع عليه ، وهو الحجة بعد الروايات المعتبرة المستفيضة. قال الصادق (ع) : الذي يتزوج المرأة في عدتها وهو يعلم ، لا تحل له ابدا ... وقال ايضاً : اذا تزوج الرجل المرأة في عدتها ودخل بها ، لم تحل له ابداً عالماً كان او جاهلاً ، وان لم يدخل بها حلت للجاهل ، ولم تحل للآخر « (١). وينطبق نفس الحكم على المتزوجة من باب مفهوم الموافقة ، فيثبت التحريم مؤبداً.

ويحرم الجمع بين الاختين المتولدتين من أب وام ، او لاحدهما ، كتاباً وسنة واجماعاً ، وقوله تعالى : ( وَاَن تَجمَعُوا بَينَ الاُختَينِ ) (٢) ظاهر. واذا فارق الاخت بطلاق او موت جاز العقد على اختها بعد زوال المانع من عدة وغيرها.

ويجوز للرجل الجمع بين اربع نسوة ، اتفاقاً ، شريطة عدم مجانبة العدل لقوله تعالى : ( فَانكَحُوا ما طابَ لَكُم مِنَ النِّساءِ مَثنى وَثلاث وَرُباع فِاِن خِفتُم اَن لا تَعدِلُوا فَواحِدَة ) (٣) ، والرواية الواردة عن الامام الصادق (ع) : ( لا يحل لماء الرجل ان يجري في اكثر من اربعة ارحام ) (٤).

وعلى صعيد الخلافات الزوجية ، تحرم الزوجة على زوجها في بعض الوقائع. ومثالها اذا ادعى الزوج ان زوجته قد زنت وادعى المشاهدة ولكنه

__________________

١ ـ الجواهر : ج ٢٩ ص ٤٥٠.

٢ ـ النساء : ٢٣.

٣ ـ النساء : ٣.

٤ ـ مجمع البيان : ج ٢ ص ٦.

٩٤

لم يتمكن من اثبات البينة ، وكانت زوجته معاقة بالخرس او الصمم مثلاً حيث لم تتمكن من الكلام او السمع ولم تستطع الدفاع عن نفسها ، فانها حينئذ تحرم عليه مؤبداً. و « لا يسقط الحد بتحريمها عليه ، بل يجمع بينهما ان ثبت القذف عند الحاكم ، والا حرمت بينه وبين الله تعالى ، وبقي الحد في ذمته على ما دلت عليه رواية ابي بصير التي هي الاصل في الحكم » (١).

وتحرم الزوجة على الزوج عموماً اذا قذفها بالزنا ولم يتمكن من تقديم البينة. فيجوز له حينئذ ان يلاعنها ، واذا تمت الملاعنة فانها تحرم عليه تحريماً مؤبداً.

وعلى صعيد الطلاق ، فاذا طلق الرجل زوجته ثلاث مرات بينهما رجعتان تحرم عليه بعد انتهاء عدة الطلاق الثالث ، ولا تحل له حتى تنكح زوجاً غيره. واذا فارقها الزوج الثاني بموت او طلاق ، وانتهت عدتها جاز للزوج الاول ان يعقد عليها ثانية ، فاذا عاد وطلقها ثالثاً حرمت عليه حتى تنكح زوجاً آخر ، وهكذا. والاصل في ذلك قوله تعالى : ( الطَلاقُ مَرَّتانِ فَاِمساكٌ بِمَعرُوفٍ اَو تَسريحٌ بِاِحسانٍ ... ) (٢) ، وقوله : ( فَاِن طَلَّقَها فَلا تَحِلّ لَه مِن بَعد حَتّى تَنكحَ زَوجاً غَيرَه ) (٣). ويقع التحريم المؤبد عند فقهاء الامامية في طلاق العدة. وهي حالة اسثنائية تتم باكمال تسع تطليقات في العدة بينها زوجان من رجل آخر. وطلاق العدة هو « ان يطلقا على الشرائط ثم يراجع في العدة ويطأ ثم يطلق في طهر آخر ثم يراجع في العدة

__________________

١ ـ شرح اللمعة الدمشقية : ج ٥ ص ٢٢٤.

٢ ـ البقرة : ٢٢٩.

٣ ـ البقرة : ٢٣٠.

٩٥

ويطأ ، ثم يطلق الثالثة فينكحها بعد عدتها زوج آخر ثم يفارقها بعد ان يطأها فيتزوجها الاول بعد العدة ، ويفعل كما فعل اولاً الى ان يكمل لها تسعاً كذلك ، ينكحها رجلاً بعد الثالثة والسادسة فانها تحرم ابداً » (١). وقد ورد « الاجماع على ذلك » (٢).

واختلف الفقهاء في وحدة دين الاسرة ، فهل يجوز للمسلم الزواج من اهل الكتاب ام لا؟ وقد تراوحت الاقوال بين عدم الجواز مطلقاً الى الجواز مطلقاًعلى كراهية. واستدل الذين قالوا بكراهية الزواج من اهل الكتاب وليس التحريم, ان الادلة الدالة على اباحة الزواج عموماً خرج منها زواج المسلم بالمشركة ، والمسلمة بالمشرك الكتابي فقط. وقوله تعالى : ( اَليَوم اُحِلَّ لَكُم الطَيِّباتِ وَطَعامُ الَّذينَ اُوتُوا الكِتابَ حِلٌّ لَكُم وَطَعامكُم حِلٌّ لَهُم وَالمُحصَنات مِنَ المُؤمِناتِ وَالمُحصَنات مِنَ الَّذين اُوتُوا الكِتابَ ) (٣) ظاهر في حلية الزواج من أهل الكتاب زواجاً دائماً ومؤقتاً وملك اليمين ، والمراد بالمحصنات هنا العفيفات. وقوله تعالى : ( وَلا تَنكحُوا المُشرِكات حَتّى يُؤمِنَّ ) (٤) خاص بالمشركات وهن غير الكتابيات. واستدلوا ايضاً بالروايات المستفيضة عن اهل البيت (ع) ، ومنها ان رجلاً سأل الامام جعفر بن محمد (ع) عنرجل مؤمن يتزوج اليهودية والنصرانية؟ فقال الامام (ع) : ( اذا أصاب المسلمة فما يصنع باليهودية والنصرانية؟ قال السائل : يكون له فيها الهوى. قال : ان فعل فليمنعها من

__________________

١ ـ شرح اللمعة : ج ٥ ص ٢١١.

٢ ـ الجواهر : ج ٣٠ ص ١١٩.

٣ ـ النساء : ٥.

٥ ـ البقرة : ٢٢١.

٩٦

شرب الخمر واكل لحم الخنزير ، واعلم ان عليه في دينه غضاضة ) (١). و « ان هذه الرواية اوضح ما في الباب سنداً ، لان طريقها صحيح ، وفيها اشارة الى كراهية التزويج المذكور ، فيمكن حمل النهي الوارد عنه على الكراهة جمعاً بين الروايات » (٢). واتفق الفقهاء على حرمة زواج المسلم او المسلمة بمن يدين بالديانات الوضعية غير السماوية كالبوذية والهندوسية والسيخية وغيرها. وكذلك حرمة زواج المسلمة بالرجل الكتابي.

والارتداد عن الاسلام بقسميه الفطري والملي مانع من الزواج ايضاً. فالمرتد الفطري وهو الذي كان احد ابويه او كلاهما مسلماً ، او المرتد الملي وهو من كان ابواه غير مسلمين ثم دخل هو في الاسلام ، ثم ارتد عنه ، لا يحل زواجه مطلقاً رجلاً كان ام امرأة ؛ لان الارتداد ضرب من ضروب الكفر الذي لا يباح التناكح معه.

اما انكحة غير المسلمين فهي كلها صحيحة ، شرط ان تقع على الطريقة التي يعتقدونها في دينهم ، وقد ثبت في الروايات المتعلقة بالاحكام عن اهل البيت (ع) انه : ( تجوز على أهل كل ذوي دين ما يستحلون ) (٣) ، و ( الزموهم بما ألزموا انفسهم ) (٤). وحكم فقهاء الامامية « بصحة ما في ايديهم من النكاح وغيره ، بمعنى ترتب الآثارعليه ، وان كان فاسداً عندنا » (٥).

ويبطل عقد المحرم للحج او العمرة وجوباً او ندباً ، فليس له ان يزوج

__________________

١ ـ الكافي : ج ١٢ ص ١٣.

٢ ـ المسالك ـ كتاب النكاح.

٣ ـ التهذيب : ج ٩ ص ٣٢٢.

٤ ـ الاستبصار : ج ٤ ص ١٤٨.

٥ ـ الجواهر ـ كتاب النكاح.

٩٧

او يتزوج ، كما ورد في صحيح ابن سنان عن ابي عبد الله (ع) : ( ليس للمحرم ان يتزوج ولا يزوج وان تزوج او زوج محلاً فتزويجه باطل ) (١). واذا كان العاقد عالماً بالتحريم يفرق بينهما وتحرم عليه مؤبداً ، وان كان جاهلاً بالتحريم تحرم عليه مؤقتاً فاذا احلا جاز له استئناف العقد عليها.

وتحرّم الشريعة نكاح الشغار ، للنص الوارد عن رسول الله (ص) : ( لاشغار في الاسلام ) (٢) ، وهو ان يزوج الرجل ابنته او اخته ويتزوج هو ابنة المتزوج او اخته ولا يكون بينهما مهر غير تزويج هذا وهذا ، وهذا هذا (٣). بمعنى ان يقول احد الوليين للآخر : ( زوجني ابنتك حتى ازوجك ابنتى على ان لا مهر بينهما ) ، ويقبل الآخر ، بحيث يكون بضع كل امرأة ـ نظرياً ـ مهراً للاخرى. وهذا النوع من التزويج كان سائداً في العصور الجاهلية للعرب ، فلما جاء الاسلام حرّم هذا اللون من النكاح الذي يحرم المرأة من حقوقها المالية والمعنوية.

__________________

١ ـ التهذيب : ج ١ ص ٥٤١.

٢ ـ معاني الاخبار للصدوق : ص ٧٩.

٣ ـ الكافي : ج ٢ ص ١٥.

٩٨

احكام العقد المنقطع

ولاريب ان معالجة المشاكل الاجتماعية الاستثنائية يتطلب تشريع قوانين استثنائية لحفظ النظام الاجتماعي واستقراره. ففي الحالات التي تعذر فيها استخدام القاعدة الاصلية في الزواج وهي النكاح الدائم ، كان لابد للاسلام ـ بسبب نظرته الرحيمة تجاه اشباع الغريزة الجنسية ـ من تشريع العقد المنقطع حتى يساهم في حل المشاكل الاجتماعية الاستثنائية. ولا يختلف الفقهاء من كل المذاهب الاسلامية ، بان القاعدة الاصلية في الزواج هو العقد الدائم ، وما العقد المنقطع الاّ حل لمشكلة اجتماعية استثنائية. ولذلك قيل ان الاسلام انما شرع الزواج المنقطع ، بالاساس لسببين ، الاول : الاستعفاف به لمن لم يرزقه الله التزويج الدائم ، والثاني : محاربة الرذيلة في المجتمع الانساني. وتدل على ذلك الروايات المستفيضة المروية عن اهل البيت (ع). فقد ورد عن الامام الرضا (ع) تصريح عندما سُئل عن المتعة؟ : ( ما انت وذاك قد أغناك الله عنها ) (١) ، وفي حديث آخر ( هي حلال مباح مطلق لمن لم يغنه الله بالتزويج ، فليستعفف بالمتعة ، فان استغنى عنها بالتزويج فهي مباح له اذا غاب عنها [ اي عن زوجته ] ) (٢).

واختلف فقهاء المسلمين في نسخها ، ولكنهم اتفقوا جميعاً على ان الاسلام شرَّعها في الاصل ، وان رسول الله (ص) اباحها ، ودليل ذلك قوله تعالى : ( فَما استَمتَعتُم بِهِ مِنهُنَّ فَاَتوهُنَّ اُجُورَهُنَّ فَريضَة ) (٣). فقد اتفقوا

____________

١ ـ الكافي : ج ٢ ص ٤٣.

٢ ـ الكافي : ج ٢ ص ٤٣.

٣ ـ النساء : ٢٤.

٩٩

على ان المتعة « كانت مباحة في ابتداء الاسلام. وروي عن النبي (ص) لما قدم مكة في عمرته تزين نساء مكة ، فشكا اصحاب الرسول (ص) طول العزوبة ، فقال : استمتعوا من هذه النساء ، واختلفوا في انها نسخت ام لا؟ فذهب السواد الاعظم من الامة الى انها صارت منسوخة ، وقال السواد منهم : انها بقيت مباحة كما كانت ، وهذا القول مروي عن ابن عباس وعمران ابن الحصين » (١). وقد وردت روايات من كلا الفريقين بما يؤيد ذلك ، فقد ورد عن ابن ابي جمرة قال : « سمعت ابن عباس سئل عن متعة النساء فرخّص ، فقال له مولى له انما ذلك في الحال الشديد ، وفي النساء قلة او نحوه؟ فقال ابن عباس : نعم ، وعن جابر بن عبد الله وسلمة بن الاكوع قالا كنا في حبيس ، فأتانا رسولُ رسولِ لله (ص) فقال انه قد أذن لكم ان تستمتعوا فاستمتعوا. وقال ابن ابي ذئب حدثني اياس بن سلمة بن الاكوع عن ابيه عن رسول الله (ص) : اّيما رجل وامرأة توافقا فعشرة ما بينهما ثلاث ليال ، فان احبا ان يتزايد او يتتاركا تتاركا » (٢). وعن جابر بن عبد الله الانصاري قال : خرج منادي رسول الله (ص) فقال : ( ان رسول الله (ص) قد اذن لكم فتمتعوا يعني نكاح المتعة ) (٣). وورد عنه ايضاً قوله : ( استمتعنا على عهد رسول الله (ص) وابي بكر وعمر. وكنا نستمتع بالقبضة من التمر والدقيق لأيام على عهد رسول الله (ص) وابي بكر حتى نهى عنه عمر في شأن عمرو بن حريث ) (٤). وذهب علماء السنة الى نسخها ، وحرمتها بعد الاذن بها.

__________________

١ ـ التفسير الكبير للفخر الرازي : ج ١٠ ص ٤٩.

٢ ـ صحيح البخاري : ج ٧ ص ١٦.

٣ ـ وسائل الشيعة : ج ١٤ ص ٤٤٠.

٤ ـ صحيح مسلم : ج ٤ ص ١٣١.

١٠٠