النظام العائلي

الدكتور زهير الاعرجي

النظام العائلي

المؤلف:

الدكتور زهير الاعرجي


الموضوع : علم‌النفس والتربية والاجتماع
الناشر: المؤلّف
الطبعة: ١
الصفحات: ٢٣٤

احكام النسب في الشريعة

ولما كان النسب من اهم اسس تثبيت النظام الاجتماعي ، لتعلقه بالابوة والبنوة والزوجية والارحام والولاية والنفقة والارث ، كان الاهتمام به من قبل رسالة السماء امراً طبيعياً وضرورياً. فيلحق المولود ، على الصعيد الشرعي ، بسبب الفراش لا مجرد العقد لقوله (ص) : ( الولد للفراش ، وللعاهر الحجر ) (١). والمراد بالفراش هو افتراش الزوجة ، والحديث المروي عن رسول الله (ص) الآنف الذكر بيان لقوله تعالى : ( هُنَّ لِباسٌ لَكُم وَاَنتُم لِباسٌ لَهُن ) (٢).

وقد تسالم الفقهاء على قاعدة « امكان الالحاق » المذكورة سابقاً ، وظاهرها انه كل ما امكن ان يلحق الولد بالزوج يجب ان يلحق به في ظاهر الشرع. فلا يحتاج الحاكم الشرعي في قضائه بلحوق الولد الى اثبات. وذكروا ان من شروط الالحاق :

اولاً : ان يدخله ، وينزل في داخل الفرج.

ثانياً : ان لا يحصل الدخول ، ولكن يريق ماءه على الفرج ، كما جاء في الرواية ان رجلاً اتى أمير المؤمنين علي بن ابي طالب (ع) ، فقال : ان امرأتي هذه حامل ، وهي جارية حدثة ، عذراء ، وحامل في تسعة اشهر ، ولا اعلم الاخيراً ، وانا شيخ كبير ما اقترعتها ، وانها لعلى حالها؟ فقال له علي (ع) :

__________________

١ ـ الكافي : ج ٧ ص ١٦٣.

٢ ـ البقرة : ١٨٧.

١٢١

( نشدتك الله هل كنت تهريق على فرجها؟ ) (١). وفي رواية اخرى عن أمير المؤمنين (ع) : ( ان للمرأة سمين : سم البول وسم المحيض ، فلعل الشيخ كان ينالها منها ، فسال ماؤه في سم المحيض فحملت منه ، فاسألوا الرجل عن ذلك ، فسئل ، فقال : قد كنت انزل الماء في قبلها من غير وصول اليها بالافتضاض ، فقال امير المؤمنين : الحمل له ، والولد له ) (٢).

ثالثاً : ان يلتقي الختانان كلياً او جزئياً ولكن لايتم الانزال ، حيث « يمكن التولد من الرجل بالدخول ، وان لم ينزل ، ولعله لتحرك نطفة المرأة ، واكتسابها العلوق من نطفة الرجل في محلها ، او غير ذلك من الحِكَم التي لا يحيط بها الاّ رب العزة ، ولذا اطلق ان الولد للفراش المراد به الافتراش فعلاً » (٣).

رابعاً : ان يمضي ستة اشهر من حين الانزال داخلاً او خارجاً ، وهي اقل الحمل ، لقوله تعالى : ( وَحَملُهُ وَفِصالُهُ ثَلاثُونَ شَهراً ) (٤) ، وقوله : ( وَفِصالُهُ في عامَينِ ) (٥) ، فيتعين ان تكون اقل المدة ستة اشهر. ودلت الروايات المروية عن اهل البيت (ع) ان اكثر ما تحمله المرأة من حمل ، تسعة اشهر على الاشهر ، و « قيل عشرة اشهر وهو حسن يعضده الوجدان في كثير ، وقيل سنة ، وهو متروك » (٦). فقد « روى ابن حكيم عن الامام (ع) انه قال في

__________________

١ ـ قرب الاسناد : ص ٧٠.

٢ ـ الارشاد للشيخ المفيد : ص ١١٢.

٣ ـ الجواهر : ج ٣١ ص ٢٢٣.

٤ ـ الاحقاف : ١٥.

٥ ـ لقمان : ١٤.

٦ ـ شرائع الاسلام : ج ٢ ص ٣٤٠.

١٢٢

المطلقة يطلقها زوجها فتقول : انا حبلى ، فبمكث سنة؟ قال الامام : ان جاءت به لاكثر من سنة لم تصدق ، ولو ساعة واحدة في دعواها » (١).

خامساً : ويلحق المولود بالزوج ايضاً بسبب وطء الشبهة ايضاً ، وهو ان يطأ الرجل امرأة تحرم عليه مع جهله بالتحريم. ويقسم الفقهاء الشبهة الى قسمين ؛ الاول : شبهة العقد مع الوطء ، وهو ان يعقد على امرأة ثم يتبين فساد العقد لسبب من الاسباب الموجبة للفساد. والثاني : شبهة الوطء من غير عقد، وهي نادراً ما تقع ، ومعناها ان يطأ امرأة من غير ان يكون بينهما عقد صحيح او فاسد ، بل يقاربها باعتقاد الحِل ، ثم يتبين العكس ، كوطء المجنون والسكران والنائم لامرأة اجنبية. ويلحق ولد الشبهة الحاقاً شرعياً بأبيه. وذهب اكثر الفقهاء الى انه « لو تزوج امرأة لظنه انها خالية ، او لظنه موت الزوج ، او طلاقه فبان انه لم يمت ولم يطلق ، ردت على الاول بعد الاعتداد من الثاني ، واختص الثاني بالاولاد مع الشرائط ، سواء استندت في ذلك الى حكم حاكم ، او شهادة شهود ، او اخبار مخبر » (٢).

وادعاء الجهل بالتحريم يقبل من المدعي حتماً ، فاذا قارب امرأة تحرم عليه ، وادعى جهله بالتحريم يقبل قوله بلا بينة او يمين ، وكذلك يقبل ادعاء المرأة بالاشتباه بلا بينة او يمين ، لان الحدود تدرأ بالشبهات.

واللقيط الذي يضمه الفرد الملتقط اليه ، ويكفله مع سائر عياله ، لا يلحق بالملتقط نسباً. ولايكون الالتقاط سبباً للتوارث. وكذلك التبني ، وهو نسبة ولد معروف النسب الى نفسه ، فلا يكون سبباً لفسخ النسب الاصلي او

__________________

١ ـ المسالك ـ كتاب النكاح.

٢ ـ شرائع الاسلام : ج ٢ ص ٣٤٣.

١٢٣

سبباً من اسباب الارث ، لقوله تعالى : ( وَما جَعَلَ اَدعِياءَكُم اَبناءَكُم ذلِكَ قَولُكُم بِاَفواهِكُم وَاللهُ يَقُولُ الحَقَّ وَهُوَ يَهدي السَّبيلَ ، ادعُوهُم لاَبائِهِم هُوَ اَقسَطُ عِندَ الله ) (١). بمعنى ان « ماجعل الله من تدعونه ولداً [ بالتبني ] ، وهو ثابت النسب من غيركم ، ولداً لكم. ان قولكم : الدعي ابن الرجل ، شيء تقولونه بالسنتكم لا حقيقة له عند الله تعالى ، والله يقول الحق الذي يلزم اعتقاده حقيقة ، وهو ان الزوجة لا تصير بالظهار اماً ، والدعي لا يصير بالتبني ابناً. ادعوهم لآبائهم الذين ولدوهم ، وانسبوهم اليهم ، او الى من ولدوا على فراشهم ، هو اقسط عند الله ، اي اعدل عند الله قولاً وحكماً » (٢).

__________________

١ ـ الاحزاب : ٤.

٢ ـ مجمع البيان : ج ٨ ص ١٣١.

١٢٤

الاقرار بالنسب

ومعنى الاقرار شرعاً الاعتراف بحق ثابت ، سواء كان لله كالاقرار بما يوجب الحدود والتعزيرات ، او للناس كالعين او المنفعة او القصاص. و « الاصل في شرعية [ الاقرار ] بعد الاجماع من المسلمين ، او الضرورة ، السنة المقطوع بها » (١) ، لقوله تعالى : ( اَأ قرَرتُم وَاَخَذتُم عَلى ذلِكُم اِصري قالُوا اَقرَرنا ) (٢) ، وقوله (ص) : « اقرار العقلاء على انفسهم جائز [ اي نافذ ] » (٣) ، وقوله (ع) : « لااجيز شهادة الفاسق الاّ على نفسه » (٤).

ويستند الاقرار عموماً على اربعة اسس :

الاول : الصيغة لفظاً او فعلاً ، وهي موكولة للعرف ولاشك ان « ايكال الاقرار الى العرف اولى من التعرض لتحديده ، فانه [ هو ] الذي يميز بين افراده ، حتى انه في القضية الواحدة يجعل قائلها مدعياً من جهة ، ومقراً من جهة اخرى » (٥). و « لما كان الغرض من الاقرار الاخبار عما في الذمة ، او في العهدة فانه لايختص بلفظ معين ، بل كل ما دل على المراد » (٦). ويشترط في صيغة الاقرار التنجيز ، وعدم التعليق ، لان التنجيز اخبار عن حق ثابت ، والتعليق اخبار عن ان الحق لم يثبت بعد.

__________________

١ ـ الجواهر : ج ٣٥ ص ٣.

٢ ـ آل عمران : ٨١.

٣ ـ الوسائل : ج ١٦ ص ١٣٣.

٤ ـ الكافي : ج ٧ ص ٣٩٥.

٥ ـ الجواهر : ج ٣٥ ص ٧.

٦ ـ المسالك ـ كتاب الاقرار.

١٢٥

الثاني : المُقِرّ ، ويشترط فيه العقل والبلوغ ، فـ « لايقبل اقرار [ الصبي ] عند علمائنا ، حتى لو اذن له الولي ، وحتى لو كان مراهقاً ومميزاً ، لانه مسلوب العبارة اقراراً وانشاءً » (١). ويشترط القصد والاختيار والعلم بمدلول الاقرار.

الثالث : المقر له ، ويشترط ان تكون عنده اهلية لثبوت الحق له. وقد اتفق الفقهاء على صحة الاقرار للحمل اذا ولد الجنين حياً بعد ستة اشهر او اكثر من انعقاد النطفة ، فيحصل العلم حينئذٍ بتخلق الجنين عند صدور الاقرار ، حيث يترتب على الاقرار آثار الميراث والوصية.

الرابع : المقر به ، ويشترط فيه ان يكون في طبيعة الاستحقاق كالزوجية ، او ما يوجب الحد ، او دين مثلاً ، وان يكون الشيء المقَرُّ به في يد المقِرِّ وتصرفه.

هذا كله فيما يتعلق بالاقرار عموما. اما الاقرار بالنسب فان اغلب الفقهاء يصنفونه الى نوعين :

الاول : الاقرار ببنوة الصغير ، ويشترط في ثبوت نسب الصغير بالاقرار ان يكون بين المولود والمقر تفاوت معقول في السن كالتفاوت العفي الحاصل بين الاب وابنه. وان يكون الصغير مجهول النسب ، فلا يقبل الاقرار ببنوة صغير منسوب الى فرد آخر من الافراد. وان لا ينازع المقر في اقراره بنوة الصغير منازع آخر ، والاّ حكم بالولد لصاحب البينة ، ومع عدمها يقرع بينهما. وقد وردت روايات صحيحة عن ائمة اهل البيت (ع) بهذا الخصوص ، فقد جاء عن الامام الصادق (ع) انه قال : ( اذا اقر الرجل بالولد ساعة لم ينف عنه ابداً ) (٢). وورد ايضاً انه (ع) سُئِل عن المرأة تسبى من ارضها ، ومعها

__________________

١ ـ التذكرة للعلامة الحلي ـ كتاب الاقرار.

٢ ـ التهذيب : ج ٨ ص ١٨٣.

١٢٦

الولد الصغير ، فتقول : هو ابني ، والرجل يسبى فيلقى اخاه فيقول اخي وليس لهم بينة الا قولهم؟ فقال الامام : ( ما يقول الناس فيهم عندكم؟ قلت : لا يورثونهم لانه لم يكن لهم على ولادتهم بينة وانما هي ولادة الشرك ، فقال (ع) : سبحان الله! اذا جاءت بابنها او ابنتها ، ولم تزل مقرّة به ، واذا عرف أخاه ، وكان ذلك في صحة منهما ، ولم يزالا مقرين بذلك ورث بعضهم من بعض ) (١).

والثاني : الاقرار ببنوة الكبير. فتلاحظ نفس الشروط السابقة المذكورة في الاقرار ببنوة الصغير ، ويضاف اليها انه اذا انكر الكبير لم يثبت النسب بينهما الا بعد ان يقيم المقر البينة. واذا تصادق البالغان على ثبوت النسب ثبت النسب بينهما الى الابد.

ويجوز الاقرار بنسب الميت ، فاذا مات شخص مجهول النسب وادعى شخص آخر ببنوته ولم ينازعه في ذلك احد ، وكان احتمال البنوة قائماً للمقر ، ثبت نسبه للمقر. وذكر الفقهاء انه « لا يعتبر تصديق الصغير ذكراً كان او انثى والمجنون والميت ، بل يثبت نسبهم الى المقر بمجرد اقراره ، لأن التصديق انما يعتبر مع امكانه وهو ممتنع منهما وكذا الميت مطلقاً » (٢).

__________________

١ ـ معاني الاخبار : ص ٢٧٣.

٢ ـ شرح اللمعة للشهيد الثاني : ج ٦ ص ٤٢٣.

١٢٧

النفقة الشرعية

ولما كانت النفقة المالية ضرورية في ثبات واستقرار العائلة في النظام الاجتماعي ، كان لابد للزوج من تحمل مسؤولية الانفاق لانه هو المسؤول شرعاُ عن العمل خارج البيت ، وهو المسؤول شرعاُ عن الانفاق على الزوجة للمعاوضة وعلى الاولاد والابوين للقرابة. ولا شك ان هذا النظام المالي يساهم في استقرار شخصيات الاطفال ، ويساعد على كفاية الاجداد على الصعيد المالي والاجتماعي ، ويساعد على التأكيد على دور الامومة ايضا. فقد اجمع الفقهاء على وجوب نفقة الزوجة الدائمة على زوجها ، حتى لو كانت على درجة من الثراء والغنى ، للنص الحكيم : ( الرِّجالُ قَوَامُونَ عَلى النِّساءِ بِما فَضَّلَ اللهُ بَعضهُم عَلى بَعضٍ وَبِما اَنفَقُوا مِن اَموالِهِم ) (١) ، ( وعلى المولود له رزقهن وكسوتهن ) (٢) و « المولود له » يعني الزوج ، وضمير ( هن ) يعود على الزوجات. ويفسر ذلك حديث الامام (ع) في حق المرأة على زوجها : ( [ ان ] يشبعها ويكسوها ) (٣). وفي رواية اخرى عن ابي عبد الله (ع) في قول الله عز وجل : ( وَمَن قُدِرَ عليهِ رِزقُهُ فليُنفِق ممّا اَتاهُ اللهُ ) (٤) ، قال : ( اذا انفق الرجل على امرأته ما يقيم ظهرها مع الكسوة ، والا فرّق بينهما ) (٥).

__________________

١ ـ النساء : ٣٣.

٢ ـ البقرة : ٢٣٢.

٣ ـ الكافي : ج ٢ ص ٦١.

٤ ـ الطلاق : ٧.

٥ ـ تفسير العياشي : ج ١ ص ١١٧.

١٢٨

وذهب اكثر الفقهاء الى ان مجرد وقوع العقد لا يوجب النفقة ، بل لابد من ثبوت الطاعة والتمكين والحيض يمنعان من الفراش ، ولكن لا تسقط النفقة بهما ، « بلا خلاف اجده فيه ، بل وفي كل ما امتنع الاستمتاع فيه لعذر شرعي او عقلي ، للاصل وعموم ادلة الانفاق » (١). واذا سافرت الزوجة باذن زوجها فهل تسقط النفقة؟ قال الفقهاء لا تسقط. اما اذا كان السفر جون اذن الزوج ينظر ، فان كان لواجب فلها النفقة ، للمأثور من قوله (ع) : ( لا طاعة لمخلوق في معصية الخالق ). وان كان لغير ذلك تسقط نفقتها.

وتثبت النفقة للمعتدة من طلاق رجعي ، حاملاً كانت ام حائلاً. وكذلك تثبت للمعتدة من طلاق بائن اذا كانت حاملاً فحسب ، كما ورد في كلام الباري عز وجل : ( وَاِن كُنَّ اُولاتِ حَملٍ فَاَنفِقُوا عَلَيهنَّ حَتّى يَضَعنَ حَملَهُنَّ ) (٢). اما المعتدة عدة الوفاة فلا نفقة لها حاملاً كانت ام لا. فقد « ورد بعدم الانفاق عليها اربع روايات معتبرات الاسناد ... وعلى ذلك سائر المتأخرين ، وهو الاقوى » (٣). والمروي عن الامام الصادق سؤال زرارة بن أعين عن المرأة المتوفى عنها زوجها ، هل لها نفقة؟ قال : ( لا ) (٤). والظاهر ان الارث المفترض استحقاقه لها يغني عن تلك النفقة.

واوكل الشرع تحديد النفقة الشرعية للزوجة الى العرف الاجتماعي مع مراعاة الدخل المادي للزوج ، كما ورد في النص القرآني الشريف : ( لِيُنفِق ذُو سعَةٍ مِن سعَتِهِ ، وَمَن قُدِرَ عَلَيهِ رِزقَهُ فَليُنفِق مِمّا آتاهُ

__________________

١ ـ الجواهر : ج ٣١ ص ٣١٢.

٢ ـ الطلاق : ٦.

٣ ـ المسالك ـ باب النفقة.

٤ ـ الكافي : ج ٢ ص ١١٦.

١٢٩

الله وَلا يُكَلِّفُ اللهُ نَفساً اِلاّ ما آتاها سَيَجعَلُ اللهُ بَعدَ عُسرٍ يُسراً ) (١) ، وقوله ايضاً : ( اسكِنُوهُن مِن حَيث سَكنتُم مِن وُجدِكُم ) (٢) ، وقوله في الاشارة الى حقها في السكن مع زوجها باستقلال : ( وَعاشِرُوهُنَّ بِالمَعرُوفِ ) (٣)، ( وَلا تُضارَوهُنَّ لِتُضَيَّقُوا عَلَيهنّ ) (٤). والمتعارف بين الناس ان النفقة تشمل المأكل والملبس والمسكن والعلاج ونفقة الحمل والوضع ، بل كل ما يتعلق بالحياة الاجتماعية الطبيعية التي يقرها العرف العقلائي.

ومع ان اكثر الفقهاء قالوا بعدم ضمان الزوج النفقة المستقبلية لزوجته لانه من باب ضمان ما لايجب ، وهو غير جائز. الاّ ان البعض الآخر قال بأن لها الحق بطلب الضمان. فـ « يجوز ضمان النفقة الماضية للزوجة لانها دين على الزوج ، وكذا نفقة اليوم الحاضر لها. واما النفقة المستقبلة فلا يجوز ضمانها عندهم لانه من ضمان ما لم يجب ولكن لا يبعد صحته لكفاية وجود المقتضي وهو الزوجية ولا دليل على عدم صحة ضمان ما لم يجب بعد ثبوت المقتضي من نص او اجماع وان اشتهر في الالسن ، بل في جملة من الموارد حكموا بصحته » (٥).

هذا كله في حالة قدرة الزوج على الانفاق ، اما « اذا تجدد عجز الزوج عن النفقة ففي تسلط الزوجة على الفسخ قولان : احدهما ، وبه قال ابن الجنيد ، ان لها الخيار ، لقول الامام الصادق (ع) : ان انفق عليها ما يقيم

__________________

١ ـ الطلاق : ٧.

٢ ـ الطلاق : ٥.

٣ ـ النساء : ١٩.

٤ ـ النساء : ٦.

٥ ـ العروة الوثقى : ج ٢ ص ٦٠٤.

١٣٠

حياتها مع كسوة والاّ فرق بينهما ، ولقوله تعالى : ( فامساك بمعروف او تسريح باحسان ) والامساك بلا نفقة خلاف المعروف فيتعين التسريح ، فاذا تعذر صدوره من الزوج فسخ الحاكم لانه ولي » (١).

والنشوز يحجب النفقة : الا انه يكفي في حالة النزاع في الدلالة على اطاعتها له ، ان يقيم البينة على انها سكنت في البيت الذي اسكنها فيه.

ولا يقتصر وجوب الانفاق على الزوجة فحسب ، بل يجب على الآباء نفقة الابناء ، وان نزلوا ذكوراً واناثاً ، وعلى الابناء نفقة الآباء وان علوا ذكوراً واناثاً. وعلى ذلك فان النفاق محدد شرعاً بالوالدين والولد والزوجة. فـ « تجب نفقة الاصول والفروع ، حتى لو كان الاصل فاسقاً او كافراً بلا خلاف ، لأطلاق الادلة [ الخاصة بنفقة القريب ] خصوصاً في الوالدين المأمور بمصاحتهما بالمعروف مع كفرهما » (٢) ، لقوله تعالى : ( وَان جاهَداك عَلى اَن تُشرِكَ بِي ما لَيسَ لَكَ بِهِ عِلمٌ فَلا تَطِعهُما وَصاحِبهُما في الدُّنيا مَعرُوفا) (٣). واجمع الفقهاء ايضاً على ان القادر على العمل والاكتساب في العائلة لا يستحق النفقة بدليل نص شريف عن رسول الله (ص) : ( لا تحل الصدقة لغني ولا لذي مرة سوي ولا لمحترف قوي ) (٤) ، لان « النفقة معونة على سد الخلة والمكتسب قادر كالغني ، ولذا منع من الزكاة والكفارة المشروطة بالفقر » (٥). وحددت النفقة بسد الحاجات الاساسية من الطعام

__________________

١ ـ المسالك للشهيد الثاني : ج ١ باب الزواج مسألة الكفاءة.

٢ ـ الجواهر : ج ٣١ ص ٣٧٢.

٣ ـ لقمان : ١٥.

٤ ـ معاني الاخبار : ص ٧٦.

٥ ـ الجواهر : ج ٣١ ص ٣٧١.

١٣١

والكسوة والسكن كنا ذكرنا ذلك سابقاً ، واستثني منها التزويج فلا يجب على الاب ان يزوج ابنه ، ولا يجب على الابن تزويج ابيه ، لان التزويج ليس من النفقة الواجبة. وفرّق الفقهاء بين نفقة الزوجة ، ونفقة القريب ، حيث « ان الغرض من نفقة القريب مواساته وسد خلته ، فوجوبها لدفع الخلة ، لا لعوض ، فاذا اخلّ بها أثم ، ولم تستقر في الذمة ، فلا يجب قضاؤها ، كما لو اخل بقضاء حاجة المحتاج الذي تجب عليه اعانته ، بخلاف نفقة الزوجة فانها تجب عوض الاستمتاع ، فكانت كالمعاوضة المالية ، فاذا يؤدها استقرت في ذمته ، ووجب قضاؤها » (١).

وفي الحالات الاستثنائية التي يعجز فيها الفرد عن عيال اقاربه ، وهم الزوجة والابوان والاولاد ، فان عليه ان يبتدئ بنفسه قبل كل الناس ؛ لانها مقدمة على جميع الحقوق من الديون ، « بلا خلاف ولا اشكال ، لأهمية النفس عند الشارع » (٢) ، فان فضل من المال شيء ابتدأ بزوجته : لان نفقتها تثبت عن طريق المعاوضة لا عن طريق الحاجة. وان فضل شيء آخر ، وُزِّعَ على الاقارب بالسوية دون تفضيل والد على ولد.

وتجب نفقة الولد على الاب ، فان فقد او كان معسراً ، فعلى الجد من جهة الاب ، وان فقد او كان معسراً فعلى الام ، ثم على ابيها وامها وام الاب بالتساوي. وبالاجمال ، فلابد من مراعاة الترتيب ، الاقرب فالاقرب ، عدا حالة واحدة وهي تقديم الاب والجد على الام.

__________________

١ ـ المسالك ـ باب النفقة الشرعية.

٢ ـ الجواهر : ج ٣١ ص ٣٦٥.

١٣٢

الرضاع وآثاره الشرعية

وتكمن اهمية الرضاع على الصعيد الشرعي في امور ثلاثة ؛ الاول : ان لبن الام انفع للولد من اي لبن آخر. ثانياً : ان الام المرضعة لها الحق في المطالبة باجر الرضاع من الزوج. فمعنى العوض في النكاح الاسلامي يعني بيع المرأة جسدها للرجل بمبلغ من المال ؛ لان العوض في الرضاع اذن يعني بيع المرأة جسدها لولدها الرضيع ، وهو يناقض اصل فكرة المعاوضة التي تعبر عن عدالة الاسلام في الحقوق والواجبات ضمن اطار النظام العائلي. ثالثاً : ان ارضاع المرأة لرضيع آخر يختلف عنها على الصعيد البيولوجي ينشر تحريماً للزواج تماماً كما ينشر الولد النسبي ذلك التحريم. ويتحقق مسمى الارتضاع بامتصاص الرضيع اللبن من ثدي امه او مرضعته. وقد ورد في الروايات ما يحبب رضاع الطفل من ثدي امه ، فعن الامام أمير المؤمنين (ع) : ( ما من لبن رضع به الصبي اعظم بركة عليه من لبن امه ) (١). وورد ايضا ما يحدد مدة الرضاعة ، فقد حدد الشرع مدة الرضاعة بحولين ، واجاز نقصانها الى واحد وعشرين شهراً ، لقوله تعالى : ( وَالوالِداتُ يُرضِعْنَ اَولادَهُنَّ حَولَينِ كامِلَينِ لِمَن اَرادَ اَن يُتِمَّ الرضاعَة وَعلى المَولُودِ لَهُ رِزْقُهُنَّ وَكسوَتُهِنَّ بِالمَعرُوفِ لا تُكَلَّفُ نَفسُ اِلا وسعَها لا تُضارُّ والِدَةٌ بِوَلَدِها وَلا مَولُودٌ لَهُ بِوَلَدِهِ ) (٢) ، وقوله تعالى : ( وَحملُهُ وَفِصالُهُ ثَلاثُونَ

__________________

١ ـ الكافي : ج ٢ ص ٩٢.

٢ ـ البقرة : ٢٣٣.

١٣٣

شَهراً ) (١) ، فاذا حملت به تسعة اشهر كما هو الظاهر كانت مدة الرضاع واحداً وعشرين شهراً.

وللأم الحق بالمطالبة باجور ارضاع ولدها ، لقوله تعالى : ( فَاِن اَرضَعنَ لَكُم فَآتوهُنَّ اُجُورَهُنَّ ) (٢). وعلى اساس ذلك اتفق الفقهاء على ان الام لا تجبر على ارضاع ولدها كما ورد في الحديث عنه (ع) ، الاّ اذا تضرّر الطفل من جراء ذلك ، فيجب عليها ـ حينئذ ـ الرضاعة. واذا كان الاب موسراً فعليه دفع اجرة الرضاعة ، واذاكان فقيراً فعلى الام ان تتحمل مسؤولية ذلك. وفي حالة تطليقها قبل ان تضع حملها ، فعليه الانفاق حتى تضع ، بل لابد له من تحمل اجور الرضاعة بعد ذلك ، للروايات المروية عن ائمة اهل البيت (ع) ؛ ومنها ما روي عن الامام جعفر بن محمد (ع) : ( المطلقة الحبلى ينفق عليها حتى تضع حملها وهي احق بولدها ان ترضعه بما تقبله امرأة اخرى ، يقول الله عز وجل : ( لا تُضارُّ والِدَةٌ بِوَلَدِها وَلا مَولُودٌ لَهُ بِوَلَدِهِ وَعَلى الوارِثِ مِثلُ ذلِكَ ) (٣) ، لا يضار بالصبي ولا يضار بامّه في ارضاعه ، وليس لها ان تأخذ في رضاعه فوق حولين فاذا ارادا الفصال عن تراضٍ منهما كان حسناً ) (٤).

ولا شك ان الرضاع من غير الأم ينشر تحريماً للزواج. والاصل في ذلك قوله تعالى : ( وَاُمَّهاتكُم اللاتي اَرضَعنَكُم وَأخواتكُم مِنَ

__________________

١ ـ الاحقاف : ١٥.

٢ ـ الطلاق : ٦.

٣ ـ البقرة : ٢٣٣.

٤ ـ من لا يحضره الفقيه : ج ٢ ص ١٦٧.

١٣٤

الرّضاعَة ) (١) ، وما تواتر عن الرسول الكريم (ص) : ( يحرم من الرضاع ما يحرم من النسب ) (٢).

ولما كان للرضاع الموجب للتحريم تأثير اجتماعي فيما يتعلق بالانساب والقضايا الزوجية والارث ، فقد وضع الاسلام له شروطاً واجبة ، منها :

اولاً : ان يكون اللبن الذي يرضعه الطفل لبناً متكوناً من امرأة متزوجة زواجاً شرعياً. والمشهور « الحاق اللبن الذي [ نتج ] عن نكاح الشبهة باللبن الذي [ نتج ] عن النكاح الصحيح ، لان نكاح الشبهة موجب للنسب ، كالنكاح الصحيح ، واللبن تابع للنسب » (٣) ، حيث ان « نكاح الشبهة كالنكاح الصحيح اي الوطء بالعقد الصحيح ، وفاقاً للاكثر ، بل لم نجد فيه خلافاً محققاً » (٤). واللبن الذي تدره المرأة من غير حمل ولا ولادة حتى لو كانت متزوجة زواجاً شرعياً لا ينشر الحرمة ، لقوله (ع) عندما سئل عن امرأة در لبنها من غير ولادة ، فارضعت ذكرانا واناثاً ، أيحرم من ذلك ما يحرم من الرضاع؟ قال : ( لا ) (٥). و « لا يعتبر في نشر الحرمة بقاء المرأة في حبال الرجل قطعاً واجماعاً ، فلو طلق الزوج ، وهي حامل منه ، ثم وضعت بعد ذلك ، او ارضعت وهي حامل ، او طلقها وهي مرضع او مات عنها كذلك فارضعت ولدا نشر هذا الرضاع الحرمة ، كما لو كانت في حباله ، بلا خلاف ،

__________________

١ ـ النساء : ٢٣.

٢ ـ من لا يحضره الفقيه : ج ٢ ص ١٥٥.

٣ ـ الحدائق ـ باب الرضاع.

٤ ـ الجواهر : ج ٢٩ ص ٢٦٦.

٥ ـ من لا يحضره الفقيه : ج ٢ ص ١٥٦.

١٣٥

والاجماع على ذلك. ولا فرق بين ان يرتضع في العدة او بعدها ، ولا بين ان يستمر اللبن او ينقطع ثم يعود » (١).

ثانياً : امتصاص الرضيع اللبن من ثدي المرضعة مباشرة ، حيث « لابد من ارتضاعه من الثدي في قول مشهور ، تحقيقاً لمسمى الارتضاع ، فلو وجر في حلقه ، او وصل الى جوفه بحقنة ، وما شاكلها لم تنتشر الحرمة ، لعدم صدق الارتضاع ولخبر زرارة عن الصادق (ع) : ( لا يحرم من الرضاع الاما ارتضع من ثدي واحد ). وكذا لو مزج اللبن بغيره ، كما لو اُلقي في فم الصبي مائع فرضع فامتزج حتى خرج عن كونه لبناً ، اما اذا لم يخرج اللبن عن الاسم بالامتزاج فيجري عليه حكم اللبن الذي يوجب التحريم » (٢).

ثالثاً : استيفاء المرتضع عدد الرضعات الشرعية قبل ان يكمل الحولين ، ولا اثر لرضاعة بعدهما ، للنص المجيد : ( وَالوالِدات يرضعنَ اَولادَهُنَّ حَولَينِ كامِلَينِ لِمَن اَرادَ اَن يُتِمَّ الرّضاعَة ) (٣) ولقوله (ص) : ( لا رضاع بعد فطام ) (٤) ، وقوله (ع) : ( الرضاع قبل الحولين قبل ان يفطم ) (٥).

رابعاً : ان يؤدي الرضاع الى شد العظم وانبات اللحم ، كما في رواية حماد بن عثمان عن الصادق (ع) صحيحاً : ( لا يحرم من الرضاع الا ما انبت اللحم والدم ) (٦). وجوابه عندما سئل عما يحرم من الرضاع؟ قال (ع) : ( ما انبت اللحم وشد العظم. قيل : فيحرم عشر رضعات؟ قال : لا. لأنه لا تنبت

__________________

١ ـ الجواهر : ج ٢٩ ص ٢٦٧.

٢ ـ الجواهر : ج ٢٩ ص ٢٩٤.

٣ ـ البقرة : ٢٣٣.

٤ ـ التهذيب : ج ٢ ص ٢٠٤.

٥ ـ الكافي : ج ٢ ص ٤١.

٦ ـ التهذيب : ج ٧ ص ٣١٢.

١٣٦

اللحم ولا تشد العظم ) (١). وحدد الرضاع ايضاً بالعدد والزمن. اما بالنسبة للعدد ، فيجب ان يرضع الطفل خمس عشرة رضعة من امرأة واحدة لا يفصل بينها رضاع من امرأة اخرى ، ولابد من التوالي بين الرضعات. واما الزمن فهو الرضع من امرأة واحدة يوماً وليلة ، للرواية عن الامام محمد الباقر (ع) : ( لايحرم الرضاع اقل من يوم وليلة ، او خمس عشرة رضعة متواليات من امرأة واحدة من لبن فحل واحد ، لم يفصل بينها رضعة امرأة غيرها ، فلو ان امرأة ارضعت غلاماً ، او جارية عشر رضعات من لبن فحل واحد وارضعتهما امرأة اخرى من فحل آخر عشر رضعات لم يحرم نكاحهما ) (٢).

خامساً : حياة المرضعة عند جميع الرضعات ، فلو ارضعته اربع عشرة رضعة ثم ماتت لم تثبت الحرمة ، لانتفاء اسم الارتضاع بعد الموت.

سادساً : ان يكون اللبن لفحل واحد وهو زوج المرضعة ، كما جاء في الرواية الآنفة الذكر : ( ... أو خمس عشرة رضعة من امرأة واحدة من لبن فحل واحد .. ) (٣). فلو فارقها زوجها وتزوجت بغيره ولم تتم رضعات ذلك الطفل لم تثبت الحرمة بين المرضعة والرضيع. وكذلك « لو ارضعت اثنين مثلاً بلبن فحلين الرضاع المحرم ، لم يحرم احدهما على الآخر على المشهور بين الفقهاء شهرة عظيمة كادت [ أن ] تكون اجماعاً » (٤).

و « يعتبر في الرضعات قيود ثلاثة : كمال الرضعة ، وامتصاصها من

__________________

١ ـ الاستبصار : ج ٢ ص ١٩٥.

٢ ـ التهذيب : ج ٢ص ٢٠٤.

٣ ـ التهذيب : ج ٢ ص ٢٠٤.

٤ ـ الجواهر : ج ٢٩ ص ٣٠٣.

١٣٧

الثدي ، وان لا يفصل بين الرضعات برضاع غير المرضعة. وللشيخ [ الطوسي ] في الكمالية ، قولان ، احدهما : المرجع الى العرف ، لان كل لفظ اطلقه الشارع ولم يعين له حداً يرجع فيه الى العرف. وثانيهما : ان يروي الطفل ويصدر من قبل نفسه ، فلو ترك الثدي ثم عاود فان كان للتنفس او لالتفات الى ملاعب او الانتقال الى ثدي آخر او الراحة او منع منه فالكل رضعة ، وان كان للاعراض فالاولى رضعة مستقلة » (١).

واذا تحققت الشروط السابقة اصبح الرضيع ابناً للمرضعة ولزوجها المعروف شرعاً بصاحب اللبن ، وتترتب على ذلك نفس احكام الولد النسبي في انتشار الحرمة ، وتصبح اصولهما من الاباء والاجداد اصولاً له ، وفروعهما من الابناء اخوة له. والخلاصة ان « موضوع المحرم بالرضاع هو موضوع المحرم بالنسب ، فتقول بدل تحريم الاخت من النسب تحريم الاخت من الرضاع والبنت كذلك ، وهكذا في حليلة الابن والاب ، والجمع بين الاختين وغير ذلك » (٢).

__________________

١ ـ التنقيح الرائع : ج ٣ ص ٤٧.

٢ ـ الجواهر ـ باب الرضاع.

١٣٨

الحضانة

ولما كان حق الطفل في النمو السليم والتكامل الجسدي والعقلي من القضايا الموضوعية التي ينبغي ان يتحملها الابوان حفظاً للنظام الاجتماعي ، لاحظت الشريعة الاسلامية ضرورة رعاية مصلحة الطفل في الحضانة واوكلتها لابوين في حالة استقرار الزواج. والحضانة من حضن الطير بيضه مبالغة في الاحتياط والمراعاة ، وشرعاً رعاية مصلحة هذا الفرد الصغير عن طريق الاعتناء بتربيته ، و « هي بالانثى اليق منها بالرجل لمزيد شفقتها ، وخلقها المعَدّ لذلك » (١). والمشهور بين الفقهاء ان الحضانة للام والاب ما لم يقع الطلاق. فاذا وقع اطلاق تصبح الام أحق بالذكر حتى يكمل السنتين ، واحق بالانثى حتى تكمل سبع سنين ، واذا تزوجت الام قبل ذلك سقطت حضانتها. ولكن لا دليل على هذه الشهرة من ناحية النصوص الشرعية ، فقد « اختلف الفقهاء في مستحق الحضانة من الابوين ، لا ختلاف الاخبار : ففي بعضها ان الأم احق بالولد مطلقاً ما لم تتزوج ، وفي بعضها انها أحق به الى سبع سنين ، وفي آخر الى تسع ، وفي بعضها ان الاب احق به ، وليس في الجميع فرق بين الذكر والانثى ، وليس في الباب خبر صحيح ، بل هي بين ضعيف ومرسل وموقوف » (٢). ولعل الحق ان الامر ينبغي ارجاعه الى الحاكم الشرعي لتحديد ذلك بعد تعيين مصلحة الطفل.

ويشترط في الحاضنة ان تكون حرة ، مسلمة ، عاقلة ، وغير متزوجة

__________________

١ ـ المسالك ـ باب الحضانة.

٢ ـ المسالك ـ باب الحضانة.

١٣٩

بعد طلاقها من زوجها الاول ، كما ورد في الروايات عن اهل البيت (ع) : « المرأة أحقّ بالولد ما لم تتزوج » (١). ويشترط ايضاً ان تكون على درجة من الوعي والادراك بمصلحة الطفل. ومع ان الحضانة بيد الام ، الاان الولاية الشرعية تبقى بيد الاب حتى مع الطلاق.

واذا ماتت الام ، انتقلت حضانة الطفل الى الاب. واذا مات الاب انتقلت الحضانة الى الجد من طرف الاب ، واذا فقد الجد ولم يكن له وصي فالحضانة لأقارب الطفل على ترتيب الميراث.

والحضانة حق موضوعي تستطيع المرأة اسقاطه متى شاءت ، لانه ليس حكماً ، بدليل « التعليق على مشيئتها والتعبير بالاحقية ، بل ظاهرها كون هذه الاحقية مثلها في الرضاع ، وجينئذٍ لايكون ذلك واجباً عليها ، ولها اسقاطه والمطالبة باجرته » (٢).

__________________

١ ـ الكافي : ج ٢ ص ٩٣.

٢ ـ الجواهر : ج ٣١ ص ٢٨٤.

١٤٠