كتاب المكاسب - ج ٦

الشيخ مرتضى الأنصاري

كتاب المكاسب - ج ٦

المؤلف:

الشيخ مرتضى الأنصاري


المحقق: لجنة تحقيق تراث الشيخ الأعظم
الموضوع : الفقه
الناشر: مجمع الفكر الاسلامي
المطبعة: شريعت
الطبعة: ٤
ISBN: 964-5662-16-8
ISBN الدورة:
964-5662-17-6

الصفحات: ٣٣٦

السابعة

الشرط لا يقسّط عليه الثمن

قد عرفت أنّ الشرط من حيث هو شرطٌ لا يقسّط عليه الثمن عند انكشاف التخلّف على المشهور ؛ لعدم الدليل عليه بعد عدم دلالة العقد عرفاً على مقابلة أحد العوضين إلاّ بالآخر ، والشرع لم يزد على أن أمَرَ (١) بالوفاء بذلك المدلول العرفي ، فتخلُّفُ الشرط لا يقدح في تملّك كلٍّ منهما لتمام العوضين.

إذا كان الشرط تضمُّن المبيع لما هو جزءٌ له حقيقة

هذا ، ولكن قد يكون الشرط تضمّن المبيع لما هو جزءٌ له حقيقةً ، بأن يشتري مركّباً ويشترط كونه (٢) كذا وكذا جزءاً ، كأن يقول : بعتك هذه الأرض أو الثوب أو الصبرة على أن يكون كذا ذراعاً أو صاعاً ، فقد جعل الشرط تركّبه من أجزاءٍ معيّنةٍ.

هل يلاحظ حينئذٍ جانب القيديّة أو الجزئيّة؟

فهل يلاحظ حينئذٍ جانب القيديّة ويقال : إنّ المبيع هو العين الشخصيّة المتّصفة بوصف كونه كذا جزءاً ، فالمتخلّف هو قيدٌ من قيود العين كالكتابة ونحوها في العبد لا يوجب فواتها إلاّ خياراً بين الفسخ والإمضاء بتمام الثمن؟

__________________

(١) كذا في «ق» ، وفي «ش» : «لم يزد على ذلك إذ أمره».

(٢) في «ق» : «كونها» ، وهو سهو.

٨١

أو يلاحظ جانب الجزئيّة ؛ فإنّ المذكور وإن كان بصورة القيد إلاّ أنّ منشأ انتزاعه هو وجود الجزء الزائد وعدمه ، فالمبيع في الحقيقة هو كذا وكذا جزءاً ، إلاّ أنّه عبّر عنه بهذه العبارة ، كما لو أخبره بوزن المبيع المعيّن فباعه اعتماداً على إخباره ، فإنّ وقوع البيع على العين الشخصيّة لا يوجب عدم تقسيط الثمن على الفائت. وبالجملة ، فالفائت عرفاً وفي الحقيقة هو الجزء وإن كان بصورة الشرط ، فلا يجري فيه ما مرّ : من عدم التقابل إلاّ بين نفس العوضين؟

لو باع شيئاً على أنّه قدرٌ معيّن فتبيّن الاختلاف

ولأجل ما ذكرنا وقع الخلاف فيما لو باعه أرضاً على أنّها جُربانٌ معيّنةٌ ، أو صبرةً على أنّها أصوعٌ معيَّنةٌ.

وتفصيل ذلك : العنوان الذي ذكره في التذكرة بقوله : لو باعه شيئاً وشرط فيه قدراً معيّناً فتبيّن الاختلاف من حيث الكمّ ، فأقسامه أربعة : لأنّه إمّا أن يكون مختلف الأجزاء أو متّفقها ، وعلى التقديرين : فإمّا أن يزيد وإمّا أن ينقص (١).

فروع المسألة :

١ ـ تبيّن النقص في متساوي الأجزاء

فالأوّل : تبيّن النقص في متساوي الأجزاء. ولا إشكال في الخيار ، وإنّما الإشكال والخلاف في أنّ له الإمضاء بحصّته (٢) من الثمن ، أو ليس له الإمضاء إلاّ بتمام الثمن.

فالمشهور كما عن غاية المرام (٣) هو الأوّل ، وقد حكي عن المبسوط والشرائع وجملةٍ من كتب العلاّمة والدروس والتنقيح والروضة‌

__________________

(١) الى هنا تمّ ما ذكره عن التذكرة مع تفاوت ، راجع التذكرة ١ : ٤٩٤.

(٢) في «ش» : «بحصّة».

(٣) حكاه السيّد العاملي في مفتاح الكرامة ٤ : ٧٤٤ ، وراجع غاية المرام (مخطوط) ١ : ٣٠٩.

٨٢

المشهور صحّة إمضاء البيع بمقدار تقسيط الثمن والاستدلال عليه

وظاهر السرائر وإيضاح النافع (١) حيث اختارا ذلك في مختلف الأجزاء ، فيكون كذلك في متساوي الأجزاء بطريقٍ أولى. ويظهر من استدلال بعضهم على الحكم في مختلف الأجزاء كونه في متساوي الأجزاء مفروغاً عنه. وعن مجمع البرهان : أنّه ظاهر القوانين الشرعية (٢).

ووجهه مضافاً إلى فحوى الرواية الآتية في القسم الثاني ما أشرنا إليه : من أنّ كون المبيع الشخصي بذلك المقدار وإن كان بصورة الشرط ، إلاّ أنّ مرجعه إلى كون المبيع هذا القدر ، كما لو كالا طعاماً فاشتراه فتبيّن الغلط في الكيل ، ولا يرتاب أهل العرف في مقابلة الثمن لمجموع المقدار المعيّن المشترط هنا.

القول بعدم التسقيط

خلافاً لصريح القواعد (٣) ومحكي الإيضاح (٤). وقوّاه في محكيّ حواشي الشهيد والميسيّة (٥) والكفاية (٦). واستوجهه في المسالك (٧). ويظهر‌

__________________

(١) حكى عنهم جميعاً السيّد العاملي في مفتاح الكرامة ٤ : ٧٤٤ ، وراجع المبسوط ٢ : ١٥٥ ، والشرائع ٢ : ٣٥ ، والتحرير ١ : ١٧٧ ، والتبصرة : ١٠٠ ، الفصل الثامن في التسليم ، والمختلف ٥ : ٢٦٧ ٢٦٨ ، والدروس ٣ : ١٩٨ ، والتنقيح الرائع ٢ : ٧٦ ، والروضة ٣ : ٢٦٧ ، والسرائر ٢ : ٣٧٧ ، وإيضاح النافع (مخطوط) لا يوجد لدينا.

(٢) مجمع الفائدة ٨ : ٥٣٠.

(٣) القواعد ٢ : ٩٢ ٩٣.

(٤) حكاه السيّد العاملي في مفتاح الكرامة ٤ : ٧٤٤ ، وراجع إيضاح الفوائد ١ : ٥١٧.

(٥) حكاه عنهما السيّد العاملي في مفتاح الكرامة ٤ : ٧٤٤ ، ولا يوجدان لدينا.

(٦) كفاية الأحكام : ٩٠ ، وفيه : «الأقرب ..».

(٧) المسالك ٣ : ٢٨٠.

٨٣

استدلال القائلين بعدم التقسيط والجواب عنه

من جامع المقاصد (١) أيضاً ؛ لأنّ المبيع هو الموجود الخارجي كائناً ما كان ، غاية الأمر أنّه التزم أن يكون بمقدارٍ معيّنٍ ، وهو وصفٌ غير موجودٍ في المبيع ، فأوجب الخيار ، كالكتابة المفقودة في العبد. وليس مقابل الثمن نفس ذلك المقدار ؛ لأنّه غير موجودٍ في الخارج ؛ مع أنّ مقتضى تعارض الإشارة والوصف غالباً ترجيح الإشارة عرفاً ، فإرجاع قوله : «بعتك هذه الصبرة على أنّها عشرة أصوع» إلى قوله : «بعتك عشرة أصوع موجودة في هذا المكان» تكلّف.

والجواب : أنّ كونه من قبيل الشرط مسلّمٌ ، إلاّ أنّ الكبرى وهي : «أنّ كلّ شرطٍ لا يوزّع عليه الثمن» ممنوعةٌ ؛ فإنّ المستند في عدم التوزيع عدم المقابلة عرفاً ، والعرف حاكمٌ في هذا الشرط بالمقابلة ، فتأمّل.

٢ ـ تبيّن النقص في مختلف الأجزاء ، والاقوى فيه التقسيط أيضاً

الثاني : تبيّن النقص في مختلف الأجزاء. والأقوى فيه ما ذكر من التقسيط مع الإمضاء ، وفاقاً للأكثر ؛ لما ذكر سابقاً : من قضاء العرف بكون ما انتزع منه الشرط جزءاً من المبيع ، مضافاً إلى خبر ابن حنظلة : «رجلٌ باع أرضاً على أنّها عشرة أجْربةٍ ، فاشترى المشتري منه بحدوده ونقد الثمن وأوقع صفقة البيع وافترقا ، فلمّا مسح الأرض فإذا هي خمسة أجْربةٍ؟ قال : فإن شاء استرجع فضل ماله وأخذ الأرض ، وإن شاء ردّ المبيع وأخذ المال كلّه ، إلاّ أن يكون له إلى جنب تلك الأرض أرضون فليوفه (٢) ، ويكون البيع لازماً ، فإن لم يكن له في‌

__________________

(١) جامع المقاصد ٤ : ٤٢٨ و ٤٣٠.

(٢) كذا في «ق» ، وفي «ش» : «فليوفه» مثل التهذيب وفي الفقيه : «فيوفّيه» ، وفي الوسائل : «فليؤخذ».

٨٤

ذلك المكان غير الذي باع ، فإن شاء المشتري أخذ الأرض واسترجع فضل ماله ، وإن شاء ردّ الأرض وأخذ المال كلّه .. الخبر» (١).

ولا بأس باشتماله على حكمٍ مخالفٍ للقواعد ؛ لأنّ غاية الأمر على فرض عدم إمكان إرجاعه إليها ومخالفة ظاهره للإجماع طرح ذيله الغير المسقط لصدره عن الاحتجاج.

القول بعدم التقسيط والاستدلال عليه

خلافاً للمحكّي عن المبسوط (٢) وجميع من قال في الصورة الأُولى بعدم التقسيط (٣) ؛ لما ذكر هناك : من كون المبيع عيناً خارجيّاً لا يزيد ولا ينقص لوجود الشرط وعدمه ، والشرط التزامٌ من البائع بكون تلك العين بذلك المقدار ، كما لو اشترط حمل الدابّة أو مال العبد فتبيّن عدمهما. وزاد بعض هؤلاء (٤) [على (٥)] ما فرّق به في المبسوط بين الصورتين (٦) : بأنّ الفائت هنا لا يعلم قسطه من الثمن ؛ لأنّ المبيع مختلف الأجزاء ، فلا يمكن قسمته على عدد الجُربان.

الجواب عن ذلك

وفيه مضافاً إلى (٧) أنّ عدم معلوميّة قسطه لا يوجب عدم‌

__________________

(١) ما نقله قدس‌سره هو الحديث بتمامه ، ولا وجه لزيادة «الخبر» ، راجع الوسائل ١٢ : ٣٦١ ، الباب ١٤ من أبواب الخيار ، الحديث الأوّل.

(٢) المبسوط ٢ : ١٥٤.

(٣) تقدّم عنهم في الصفحة ٨٣.

(٤) كالمحقّق الثاني في جامع المقاصد ٤ : ٤٢٨ ، والشهيد الثاني في المسالك ٣ : ٢٧٨.

(٥) اقتضاه السياق.

(٦) المبسوط ٣ : ١٥٥.

(٧) لم يرد «مضافاً إلى» في «ش».

٨٥

استحقاق المشتري ما يستحقّه على تقدير العلم ، فيمكن التخلّص بصلحٍ أو نحوه ، إلاّ أن يدّعى استلزام ذلك جهالة ثمن المبيع في ابتداء العقد ، مع عدم إمكان العلم به عند الحاجة إلى التقسيط ، وفيه نظرٌ (١) ـ : منعُ عدم المعلوميّة ؛ لأنّ الفائت صفة كون هذه الأرض المعيّنة المشخّصة عشرة أجْربةٍ ، ويحصل فرضه وإن كان المفروض مستحيل الوقوع بتضاعف كلّ جزءٍ من الأرض ؛ لأنّه معنى فرض نفس الخمسة عشرةً. وفرضه أيضاً بصيرورة ثلاثةٍ منها ثمانيةً أو أربعةٍ تسعةً أو واحدٍ ستّةً أو غير ذلك وإن كان ممكناً ، إلاّ أنّه لا يقدح (٢) مع فرض تساوي قطاع الأرض ، ومع اختلافها فظاهر التزام كونها عشرةً مع رؤية قطاعها المختلفة أو وصفها له يقضي بلزوم كون كلّ جزءٍ منها مضاعفاً على ما هو عليه من الصفات المرئيّة أو الموصوفة.

ثمّ إنّ المحكي عن الشيخ العمل بذيل الرواية المذكورة (٣) ، ونفى عنه البعد في التذكرة (٤) معلّلاً : بأنّ القطعة المجاورة للمبيع أقرب إلى المثل من الأرش.

وفيه مع منع كون نحو الأرض مثليّا ـ : أنّ الفائت لم يقع‌

__________________

(١) لم ترد «نظر» في «ش».

(٢) كذا في «ق» ، وفي «ش» : «لا ينفع».

(٣) وهو المعبّر عنه في بعض الكتب مثل المسالك ٣ : ٢٧٨ بالقول الثالث للشيخ المحكي عن نهايته ، وراجع النهاية : ٤٢٠.

(٤) التذكرة ١ : ٤٩٤.

٨٦

المعاوضة عليه في ابتداء العقد ، وقسطه من الثمن باقٍ في ملك المشتري ، وليس مضموناً على البائع حتّى يقدم مثله على قيمته. وأمّا الشيخ قدس‌سره فالظاهر استناده في ذلك إلى الرواية.

٣ ـ تبيّن الزيادة في متساوي الأجزاء

الثالث : أن تتبيّن الزيادة عمّا شرط على البائع. فإن دلّت القرينة على أنّ المراد اشتراط بلوغه بهذا المقدار لا بشرط عدم الزيادة ، فالظاهر أنّ الكلّ للمشتري ولا خيار. وإن أُريد ظاهره وهو كونه شرطاً للبائع من حيث عدم الزيادة وعليه من حيث عدم النقيصة ففي كون الزيادة للبائع وتخيّر المشتري للشركة ، أو تخيّر البائع بين الفسخ والإجازة لمجموع الشي‌ء بالثمن ، وجهان :

حكم الزيادة

من أنّ مقتضى ما تقدّم من أنّ اشتراط بلوغ المقدار المعيّن بمنزلة تعلّق البيع به فهو شرطٌ صورةً وله حكم الجزء عرفاً ـ : أنّ اشتراط عدم الزيادة على المقدار المعيّن هنا بمنزلة الاستثناء وإخراج الزائد عن المبيع (١).

ومن الفرق بينهما : بأنّ اشتراط عدم الزيادة شرطٌ عرفاً ، وليس بمنزلة الاستثناء ، فتخلّفه لا يوجب إلاّ الخيار.

ولعلّ هذا أظهر ، مضافاً إلى إمكان الفرق بين الزيادة والنقيصة مع اشتراكهما لكون (٢) مقتضى القاعدة فيهما كونهما من تخلّف الوصف لا نقص الجزء أو زيادته ـ : بورود النصّ المتقدّم في النقيصة ، ويبقى الزيادة على مقتضى الضابطة ؛ ولذا اختار الاحتمال الثاني بعض من قال‌

__________________

(١) في ظاهر «ق» : «البيع».

(٢) كذا في «ق» ، وفي «ش» : «في كون».

٨٧

بالتقسيط في طرف (١) النقيصة (٢).

وقد يحكى عن المبسوط القول بالبطلان هنا (٣) ؛ لأنّ البائع لم يقصد بيع الزائد والمشتري لم يقصد شراء البعض. وفيه تأمّل.

٤ ـ تبيّن الزيادة في مختلف الأجزاء

الرابع (٤) : أن تتبيّن الزيادة في مختلف الأجزاء ، وحكمه يعلم ممّا ذكرنا.

__________________

(١) في «ش» : «أطراف».

(٢) مثل صاحب الجواهر ، انظر الجواهر ٢٣ : ٢٣٢ وراجع مفتاح الكرامة ٤ : ٧٤٣.

(٣) لم نعثر على الحاكي عنه في متساوي الأجزاء ، نعم حكي عنه في مختلف الأجزاء ، راجع مفتاح الكرامة ٤ : ٧٤٣ ، والمبسوط ٢ : ١٥٢ ١٥٥.

(٤) في «ق» : «الرابعة». وهو سهو.

٨٨

[مسألة] (١)

في حكم الشرط الفاسد‌

[والكلام فيه يقع في أُمور :] (٢)

[الأوّل] (٣)

عدم وجوب الوفاء بالشرط الفاسد

[أنّ الشرط الفاسد] (٤) لا تأمّل في عدم وجوب الوفاء به ، بل هو داخلٌ في الوعد ، فإن كان العمل به مشروعاً استحبّ الوفاء به على القول بعدم فساد أصل العقد.

إذا كان الشرط فاسداً لأجل الجهالة أو موجباً لمحذورٍ آخر في أصل البيع

ولا تأمّل أيضاً في أنّ الشرط الفاسد لأجل الجهالة يفسد العقد ؛ لرجوع الجهالة فيه إلى جهالة أحد العوضين ، فيكون البيع غرراً.

وكذا لو كان الاشتراط موجباً لمحذورٍ آخر في أصل البيع ، كاشتراط بيع المبيع من البائع ثانياً ؛ لأنّه موجب للدور ، أو لعدم القصد إلى البيع الأوّل ، أو للتعبّد من أجل الإجماع أو النصّ. وكاشتراط جعل‌

__________________

(١) العنوان منّا.

(٢) ما بين المعقوفات لم يرد في «ق» ، وأثبتناه من «ش» لاقتضاء السياق له.

(٣) ما بين المعقوفات لم يرد في «ق» ، وأثبتناه من «ش» لاقتضاء السياق له‌

(٤) ما بين المعقوفات لم يرد في «ق» ، وأثبتناه من «ش» لاقتضاء السياق له‌

٨٩

الخشب المبيع صنماً ؛ لأنّ المعاملة على هذا الوجه أكلٌ للمال بالباطل ، ولبعض الأخبار (١).

هل الشرط الفاسد لغير إخلاله بالعقد مفسدٌ للعقد؟

وإنّما الإشكال فيما كان فساده لا لأمرٍ مخلٍّ بالعقد ، فهل يكون مجرّد فساد الشرط موجباً لفساد العقد أم يبقى العقد على الصحّة؟ قولان : حكي أوّلهما (٢) عن الشيخ (٣) والإسكافي (٤) وابن البرّاج (٥) وابن سعيد (٦) ، وثانيهما للعلاّمة (٧) والشهيدين (٨) والمحقّق الثاني (٩) وجماعةٍ ممّن تبعهم (١٠).

__________________

(١) راجع الوسائل ١٢ : ١٢٧ ، الباب ٤١ من أبواب ما يكتسب به.

(٢) كذا في النسخ ، ولكن المحكيّ في الموردين عكس ذلك ، كما نبّه عليه الشهيدي في حاشيته بقوله : «ينبغي أن يقول ثانيهما عن الشيخ والإسكافي وابن البرّاج وابن سعيد ، وأوّلهما للعلاّمة إلى آخره ، فراجع كلماتهم» هداية الطالب : ٥٨٠ ، وراجع مفتاح الكرامة ٤ : ٧٣٢ ، والجواهر ٢٣ : ٢١١.

(٣) المبسوط ٢ : ١٤٩.

(٤) حكاه عنه العلاّمة في المختلف ٥ : ٢٩٨.

(٥) حكاه عنه العلاّمة أيضاً في المختلف ٥ : ٢٩٨ ، ولم نعثر عليه فيما بأيدينا من كتبه ، بل الموجود في المهذّب ١ : ٣٨٩ الحكم بالفساد.

(٦) الجامع للشرائع : ٢٧٢.

(٧) راجع المختلف ٥ : ٢٩٨ ، والقواعد ٢ : ٩٠ ، وغيرهما من كتبه.

(٨) راجع الدروس ٣ : ٢١٤ ٢١٥ ، واللمعة وشرحها (الروضة البهيّة) ٣ : ٥٠٥ ، والمسالك ٣ : ٢٧٣.

(٩) جامع المقاصد ٤ : ٤٣١.

(١٠) منهم الفاضل المقداد في التنقيح ٢ : ٧٠ و ٧٤ ، والمحقّق الأردبيلي ٨ : ١٤٨ ، والمحقّق السبزواري في الكفاية : ٩٧ ، وراجع تفصيل ذلك في مفتاح الكرامة ٤ : ٧٣٢.

٩٠

ظاهر ابن زهرة التفصيل بين الشرط غير المقدور وغيره

وظاهر ابن زهرة في الغنية : التفصيل بين الشرط الغير المقدور كصيرورة الزرع سنبلاً والبسر تمراً ، وبين غيره من الشروط الفاسدة ، فادّعى في الأوّل عدم الخلاف في الفساد والإفساد (١). ومقتضى التأمّل في كلامه : أنّ الوجه في ذلك صيرورة المبيع غير مقدورٍ على تسليمه ، ولو صحّ ما ذكره من الوجه خرج هذا القسم من الفاسد عن محلّ الخلاف ؛ لرجوعه كالشرط المجهول إلى ما يوجب اختلال بعض شروط العوضين. لكن صريح العلاّمة في التذكرة : وقوع الخلاف في الشرط الغير المقدور ، ومثّله بالمثالين المذكورين ، ونسب القول بصحّة العقد إلى بعض علمائنا (٢).

والحقّ : أنّ الشرط الغير المقدور من حيث هو غير مقدورٍ لا يوجب تعذّر التسليم في أحد العوضين. نعم ، لو أوجبه فهو خارجٌ عن محلّ النزاع ، كالشرط المجهول حيث يوجب كون المشروط بيع الغرر.

التفصيل المنسوب إلى ابن المتوّج

وربما ينسب إلى ابن المتوّج البحراني (٣) التفصيل بين الفاسد لأجل عدم تعلّق غرضٍ مقصودٍ للعقلاء به فلا يوجب فساد العقد كأكل طعامٍ بعينه أو لبس ثوبٍ كذلك وبين غيره.

وقد تقدّم (٤) في اشتراط كون الشرط ممّا يتعلّق به غرضٌ مقصودٌ‌

__________________

(١) الغنية : ٢١٥.

(٢) التذكرة ١ : ٤٩٠.

(٣) نسبه إليه السيّد العاملي في مفتاح الكرامة ٤ : ٧٣٢ ، وصاحب الجواهر في الجواهر ٢٣ : ٢١١.

(٤) تقدّم في الصفحة ٢٠.

٩١

للعقلاء عن التذكرة وغيرها : أنّ هذا الشرط لغوٌ لا يؤثّر الخيار ، والخلاف في أنّ اشتراط الكفر صحيحٌ أم لا ، وعدم الخلاف ظاهراً في لغويّة اشتراط كيل المسلَم فيه بمكيالٍ شخصيٍّ معيّن.

وظاهر ذلك كلِّه التسالم على صحّة العقد ولو مع لغويّة الشرط.

ويؤيّد الاتّفاق على [عدم (١)] الفساد استدلال القائلين بالإفساد : بأنّ للشرط قسطاً من الثمن ، فيصير الثمن مع فساد الشرط مجهولاً.

نعم ، استدلالهم الآخر على الإفساد بعدم التراضي مع انتفاء الشرط ربما يؤيّد عموم محلّ الكلام لهذا الشرط ، إلاّ أنّ الشهيدين ممّن استدلّ بهذا الوجه وصرّح بلغويّة اشتراط الكفر والجهل بالعبادات ، بحيث يظهر منه صحّة العقد ، فراجع (٢).

القول بالصحّة لا يخلو من قوّة

وكيف كان ، فالقول بالصحّة في أصل المسألة لا يخلو عن قوّةٍ ، وفاقاً لمن تقدّم ؛ لعموم الأدلّة السالم عن معارضة ما يخصّصه ، عدا وجوه :

أدلّة القائلين بالافساد :

١ ـ ما ذكره في المبسوط وجوابه

أحدها : ما ذكره في المبسوط للمانعين : من أنّ للشرط قسطاً من العوض مجهولاً ، فإذا سقط لفساده صار العوض مجهولاً (٣).

وفيه بعد النقض بالشرط الفاسد في النكاح الذي يكون بمنزلة جزءٍ من الصداق فيجب على هذا سقوط المسمّى والرجوع إلى مهر المثل ـ :

أوّلاً : منع مقابلة شي‌ءٍ (٤) من العوضين عرفاً ولا شرعاً ؛ لأنّ‌

__________________

(١) لم يرد في «ق» ، والظاهر سقوطه من القلم.

(٢) راجع الدروس ٣ : ٢١٥ ، ولم نعثر عليه في كتب الشهيد الثاني.

(٣) المبسوط ٢ : ١٤٩.

(٤) كذا في «ق» أيضاً ، والأولى في العبارة : «مقابلة الشرط بشي‌ءٍ» كما استظهره مصحّح «ش».

٩٢

مدلول العقد هو وقوع المعاوضة بين الثمن والمثمن ، غاية الأمر كون الشرط قيداً لأحدهما يكون له دخلٌ في زيادة العوض ونقصانه ، والشرع لم يحكم على هذا العقد إلاّ بإمضائه على النحو الواقع عليه ، فلا يقابل الشرط بجزءٍ من العوضين ؛ ولذا لم يكن في فقده إلاّ الخيار بين الفسخ والإمضاء مجّاناً ، كما عرفت.

وثانياً : منع جهالة ما بإزاء الشرط من العوض ؛ إذ ليس العوض المنضمّ إلى الشرط والمجرّد عنه إلاّ كالمتّصف بوصف الصحّة والمجرّد عنه ، في كون التفاوت بينهما مضبوطاً في العرف ؛ ولذا حكم العلاّمة فيما تقدّم (١) بوجوب الأرش لو لم يتحقّق العتق المشروط في صحّة بيع المملوك ، وبلزوم قيمة الصبغ المشروط في بيع الثوب.

وثالثاً : منع كون الجهالة الطارئة على العوض قادحةً ، إنّما القادح هو الجهل به عند إنشاء العقد.

٢ ـ الدليل الثاني وجوابه

الثاني : أنّ التراضي إنّما وقع على العقد الواقع على النحو الخاصّ ، فإذا تعذّرت الخصوصيّة لم يبق التراضي ؛ لانتفاء المقيّد بانتفاء القيد ، وعدم بقاء الجنس مع ارتفاع الفصل ، فالمعاوضة بين الثمن والمثمن بدون الشرط معاوضةٌ أُخرى محتاجةٌ إلى تراضٍ جديد وإنشاءٍ جديد ، وبدونه يكون التصرّف أكلاً للمال لا عن تراضٍ.

وفيه : منع كون ارتباط الشرط بالعقد على وجهٍ يُحوج انتفاؤه إلى معاملةٍ (٢) جديدةٍ عن تراضٍ جديد. ومجرّد الارتباط لا يقتضي ذلك ،

__________________

(١) تقدّم في الصفحة ٧٣ ، وراجع التذكرة ١ : ٤٩١ و ٤٩٢.

(٢) في «ش» : «معاوضة».

٩٣

كما إذا تعذّر بعض (١) أحد العوضين ، أو انكشف فقد بعض الصفات المأخوذة في البيع ، كالكتابة والصحّة ، وكالشروط الفاسدة في عقد النكاح ، فإنّه لا خلاف نصّاً (٢) وفتوى في عدم فساد النكاح بمجرّد فساد شرطه المأخوذ فيه. وقد تقدّم (٣) : أنّ ظاهرهم في الشرط الغير المقصود للعقلاء في السلم وغيره عدم فساد العقد به ، وتقدّم (٤) أيضاً : أنّ ظاهرهم أنّ الشرط الغير المذكور في العقد لا حكم له ، صحيحاً كان أو فاسداً.

ودعوى : أنّ الأصل في الارتباط هو انتفاء الشي‌ء بانتفاء ما ارتبط به ، ومجرّد عدم الانتفاء في بعض الموارد لأجل الدليل لا يوجب التعدّي ، مدفوعةٌ : بأنّ المقصود من بيان الأمثلة : أنّه لا يستحيل التفكيك بين الشرط والعقد ، وأنّه ليس التصرّف المترتّب على العقد بعد انتفاء ما ارتبط به في الموارد المذكورة تصرّفاً لا عن تراضٍ جوّزه الشارع تعبّداً وقهراً على المتعاقدين ، فما هو التوجيه في هذه الأمثلة هو التوجيه فيما نحن فيه ؛ ولذا اعترف في جامع المقاصد : بأنّ في الفرق بين الشرط الفاسد والجزء الفاسد عسراً (٥).

والحاصل : أنّه يكفي للمستدلّ بالعمومات منع كون الارتباط‌

__________________

(١) في «ش» : «إذا تبيّن نقص».

(٢) راجع الوسائل ١٥ : ٤٠ ، الباب ٢٩ من أبواب المهور ، والصفحة ٣٤٠ ، الباب ٤٢ من أبواب كتاب الطلاق.

(٣) تقدّم في الصفحة ٢٠.

(٤) تقدّم في الصفحة ٥٤ وما بعدها.

(٥) جامع المقاصد ٤ : ٤٣١ ٤٣٢.

٩٤

مقتضياً لكون العقد بدون الشرط تجارةً لا عن تراض ، مستنداً إلى النقض بهذه الموارد. وحَلّ ذلك : أنّ القيود المأخوذة (١)] في المطلوبات العرفيّة والشرعيّة :

منها : ما هو ركنٌ للمطلوب ، ككون المبيع حيواناً ناطقاً لا ناهقاً (٢) ، وكون مطلوب المولى إتيان تُتُن الشطب لا الأصفر الصالح للنارجيل ، ومطلوب الشارع الغسل بالماء للزيارة (٣) ، فإنّ العرف يحكم في هذه الأمثلة بانتفاء المطلوب لانتفاء هذه القيود ، فلا يقوم الحمار مقام العبد ، ولا الأصفر مقام التتُن ، ولا التيمُّم مقام الغسل.

ومنها : ما ليس كذلك ، ككون العبد صحيحاً ، والتتُن جيّداً ، والغسل بماء الفرات ، فإنّ العرف يحكم في هذه الموارد بكون الفاقد نفس المطلوب. والظاهر أنّ الشرط من هذا القبيل ، لا من قبيل الأوّل ، فلا يعدّ التصرّف الناشئ عن العقد بعد فساد الشرط تصرّفاً لا عن تراضٍ.

نعم ، غاية الأمر أنّ فوات القيد هنا موجبٌ للخيار لو كان المشروط له جاهلاً بالفساد ، نظير فوات الجزء والشرط الصحيحين. ولا مانع من التزامه وإن لم يظهر منه أثرٌ في كلام القائلين بهذا القول.

__________________

(١) الزيادة اقتضتها الضرورة.

(٢) كان أصل العبارة في «ق» هكذا : «ككون المبيع إنساناً لا حماراً» ثمّ شطب على «إنساناً» وكتب بدله : «حيواناً ناطقاً ، لا ناهقاً» وبقيت كلمة «لا حماراً» لم يشطب عليها ، ومن هنا وقع الالتباس وأُثبتت العبارة في بعض النسخ هكذا : «ككون المبيع حيواناً ناطقاً ، لا ناهقاً حماراً» ، كما في «ف» و «ن».

(٣) في «ش» زيادة : «لأجل التنظيف».

٩٥

٣ ـ الاستدلال بالروايات

الثالث : رواية عبد الملك بن عتبة عن الرضا عليه‌السلام (١) : «عن الرجل ابتاع منه طعاماً أو متاعاً على أن ليس منه عليّ وضيعة ، هل يستقيم ذلك؟ ما حدّ ذلك (٢)؟ قال : لا ينبغي» (٣) والظاهر أنّ المراد الحرمة لا الكراهة كما في المختلف (٤) ؛ إذ مع صحّة العقد لا وجه لكراهة الوفاء بالوعد.

ورواية الحسين بن المنذر : «قال : قلت لأبي عبد الله عليه‌السلام : الرجل يجيئني فيطلب منّي العينة ، فأشتري المتاع من أجله ، ثمّ أبيعه إيّاه ، ثمّ أشتريه منه مكاني؟ فقال : إذا كان هو بالخيار إن شاء باع وإن شاء لم يبع ، وكنت أنت بالخيار إن شئت اشتريت وإن شئت لم تشتر فلا بأس ، فقلت : إنّ أهل المسجد يزعمون أنّ هذا فاسدٌ ، ويقولون : إنّه إن جاء به بعد أشهرٍ صحّ ، قال : إنّما هذا تقديمٌ وتأخيرٌ لا بأس» (٥) فإنّ مفهومه ثبوت البأس إذا لم يكونا أو أحدهما مختاراً في ترك المعاملة الثانية ، وعدم الاختيار في تركها إنّما يتحقّق باشتراط فعلها في ضمن العقد الأوّل ، وإلاّ فلا يُلزم له (٦) عليها ، فيصير الحاصل : أنّه‌

__________________

(١) كذا في «ق» أيضاً ، والموجود في التهذيب والوسائل : «سألت أبا الحسن موسى عليه‌السلام».

(٢) العبارة في «ش» : «هل يستقيم هذا؟ وكيف هذا؟ وما حدّ ذلك؟» ، وفي التهذيب والوسائل : «هل يستقيم هذا؟ وكيف يستقيم وجه ذلك؟».

(٣) الوسائل ١٢ : ٤٠٩ ، الباب ٣٥ من أبواب أحكام العقود.

(٤) المختلف ٥ : ٣١١.

(٥) الوسائل ١٢ : ٣٧٠ ، الباب ٥ من أبواب أحكام العقود ، الحديث ٤.

(٦) لم ترد «له» في «ش».

٩٦

إذا باعه بشرط أن يبيعه منه أو يشتريه منه لم يصحّ البيع الأوّل فكذا الثاني ، أو لم يصحّ الثاني لأجل فساد الأوّل ، إذ لا مفسد له غيره.

ورواية عليّ بن جعفر عن أخيه عليه‌السلام قال : «سألته عن رجلٍ باع ثوباً بعشرة دراهم إلى أجلٍ ، ثم اشتراه بخمسةٍ نقداً ، أيحلّ؟ قال : إذا لم يشترطا ورضيا فلا بأس» (١) ودلالتها أوضح من الاولى.

الجواب عن الاستدلال بالروايات

والجواب أمّا عن الاولى : فبظهور «لا ينبغي» في الكراهة ، ولا مانع من كراهة البيع على هذا النحو ، لا (٢) أنّ البيع صحيحٌ غير مكروهٍ والوفاء بالشرط مكروهٌ.

وأمّا عن الروايتين :

فأوّلاً : بأنّ الظاهر من الرواية (٣) بقرينة حكاية فتوى أهل المسجد على خلاف قول الإمام عليه‌السلام في الرواية الاولى هو رجوع البأس في المفهوم إلى الشراء ، ولا ينحصر وجه فساده في فساد البيع ؛ لاحتمال أن يكون من جهة عدم الاختيار فيه الناشئ عن التزامه في خارج العقد الأوّل ، فإنّ العرف لا يفرّقون في إلزام المشروط عليه بالوفاء بالشرط بين وقوع الشرط في متن العقد أو في الخارج ، فإذا التزم به أحدهما في خارج العقد الأوّل كان وقوعه للزومه عليه عرفاً ، فيقع لا عن رضاً منه فيفسد.

وثانياً : بأنّ غاية مدلول الرواية فساد البيع المشروط فيه بيعه‌

__________________

(١) الوسائل ١٢ : ٣٧١ ، الباب ٥ من أبواب أحكام العقود ، الحديث ٦.

(٢) في «ش» بدل «لا» : «من».

(٣) في «ش» : «الروايتين».

٩٧

عليه ثانياً ، وهو ممّا لا خلاف فيه حتّى ممّن قال بعدم فساد العقد بفساد شرطه كالشيخ في المبسوط (١) فلا يتعدّى منه إلى غيره ، فلعلّ البطلان فيه للزوم الدور كما ذكره العلاّمة (٢) ، أو لعدم قصد البيع كما ذكره الشهيد قدس‌سره (٣) ، أو لغير ذلك.

بل التحقيق : أنّ مسألة اشتراط بيع المبيع خارجةٌ عمّا نحن فيه ؛ لأنّ الفساد ليس لأجل كون نفس الشرط فاسداً ، لأنّه في نفسه ليس مخالفاً للكتاب والسنّة ، ولا منافياً لمقتضى العقد ، بل الفساد في أصل البيع لأجل نفس هذا الاشتراط فيه لا لفساد ما اشترط. وقد أشرنا إلى ذلك في أوّل المسألة ؛ ولعلّه لما ذكرنا لم يستند إليهما (٤) أحدٌ في مسألتنا هذه.

والحاصل : أنّي لم أجد لتخصيص العمومات في هذه المسألة ما يطمئن (٥) به النفس.

ما يدلّ على الصحّة من الاخبار

ويدلّ على الصحّة أيضاً جملةٌ من الأخبار :

منها : ما عن المشايخ الثلاثة في الصحيح عن الحلبي عن الصادق عليه‌السلام : «أنّه ذكر أنّ بريرة كانت عند زوجٍ لها وهي مملوكةٌ ، فاشترتها عائشة فأعتقتها ، فخيّرها رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم فقال : إن شاءت قعدت عند زوجها وإن شاءت فارقته ، وكان مواليها الذين‌

__________________

(١) المبسوط ٢ : ١٤٩.

(٢) التذكرة ١ : ٤٩٠.

(٣) الدروس ٣ : ٢١٦.

(٤) في «ش» : «إليها».

(٥) كذا ، والأنسب : «تطمئن».

٩٨

باعوها اشترطوا على عائشة أنّ لهم ولاءها ، فقال صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : الولاء لمن أعتق» (١).

وحملها على الشرط الخارج عن العقد مخالفٌ لتعليل فساده في هذه الرواية إشارةً وفي غيرها صراحةً بكونه مخالفاً للكتاب والسنّة.

فالإنصاف : أنّ الرواية في غاية الظهور.

ومنها : مرسلة جميل وصحيحة الحلبي :

الأُولى عن أحدهما عليهما‌السلام : «في الرجل يشتري الجارية ويشترط لأهلها أن لا يبيع ولا يهب ولا يورث ، قال : يفي بذلك إذا شرط لهم ، إلاّ الميراث» (٢).

فإنّ الحكم بوجوب الوفاء بالأوّلين دون الثالث مع اشتراط الجميع في العقد لا يكون إلاّ مع عدم فساد العقد بفساد شرطه. ولو قلنا بمقالة المشهور : من فساد اشتراط عدم البيع والهبة حتى أنّه حكي عن كاشف الرموز : أني لم أجد عاملاً بهذه الرواية (٣) كان الأمر بالوفاء محمولاً على الاستحباب ويتمّ المطلوب أيضاً ، ويكون استثناء اشتراط الإرث ؛ لأنّ الملك فيه قهري للوارث ، لا معنى لاستحباب وفاء‌

__________________

(١) الكافي ٥ : ٤٨٦ ، الحديث الأوّل ، والفقيه ٣ : ١٣٤ ، الحديث ٣٤٩٧ ، والتهذيب ٧ : ٣٤١ ، الحديث ١٣٩٦ ، وراجع الوسائل ١٤ : ٥٥٩ ، الباب ٥٢ من أبواب نكاح العبيد والإماء ، الحديث ٢ ، و ١٦ : ٤٠ ، الباب ٣٧ من كتاب العتق ، الحديث ٢.

(٢) الوسائل ١٥ : ٤٩ ، الباب ٤٠ من أبواب المهور ، الحديث ٣.

(٣) كشف الرموز ١ : ٤٧٥.

٩٩

المشتري به. مع أنّ تحقّق الإجماع على بطلان شرط عدم البيع والهبة ممنوعٌ ، كما لا يخفى.

والثانية عن أبي عبد الله عليه‌السلام : «عن الشرط في الإماء ، لا تباع (١) ولا توهب؟ قال : يجوز ذلك غير الميراث ، فإنّها تورث ، وكلّ شرطٍ خالف كتاب الله فهو رَدٌّ .. الخبر» (٢) فإنّ قوله عليه‌السلام : «فإنّها تورث» يدلّ على بقاء البيع الذي شرط فيه أن لا تورث على الصحّة ، بل يمكن أن يستفاد من قوله بعد ذلك : «كلّ شرطٍ خالف كتاب الله عزّ وجل فهو ردٌّ» أي لا يعمل به ـ : أنّ جميع ما ورد في بطلان الشروط المخالفة لكتاب الله جلّ ذكره يراد بها عدم العمل بالشرط ، لا بطلان أصل البيع. ويؤيّده ما ورد في بطلان الشروط الفاسدة في ضمن عقد النكاح (٣).

وقد يستدلّ على الصحّة : بأنّ صحّة الشرط فرعٌ على صحّة البيع ، فلو كان الحكم بصحّة البيع موقوفاً على صحّة الشرط لزم الدور. وفيه ما لا يخفى.

المسألة في غاية الاشكال

والإنصاف : أنّ المسألة في غاية الإشكال ؛ ولذا توقّف فيها بعضٌ تبعاً للمحقّق قدس‌سره (٤).

__________________

(١) في «ش» زيادة : «ولا تورث».

(٢) الوسائل ١٣ : ٤٣ ، الباب ١٥ من أبواب بيع الحيوان ، الحديث الأوّل.

(٣) راجع تفصيل ذلك في الصفحة ٢٣ ٢٤ و ٩٤.

(٤) راجع الشرائع ٢ : ٣٤ ، حيث قال : «قيل : يصحّ البيع ويبطل الشرط» ، ولم يحكم بشي‌ءٍ ، ويظهر من ابن فهد في المهذّب البارع (٢ : ٤٠٦ ٤٠٧) ، حيث نقل القولين ولم يحكم بشي‌ءٍ ، وهو الظاهر من إيضاح الفوائد ١ : ٥١٨ أيضاً.

١٠٠