كتاب المكاسب - ج ٦

الشيخ مرتضى الأنصاري

كتاب المكاسب - ج ٦

المؤلف:

الشيخ مرتضى الأنصاري


المحقق: لجنة تحقيق تراث الشيخ الأعظم
الموضوع : الفقه
الناشر: مجمع الفكر الاسلامي
المطبعة: شريعت
الطبعة: ٤
ISBN: 964-5662-16-8
ISBN الدورة:
964-5662-17-6

الصفحات: ٣٣٦

العبد وغيرهما.

ودعوى : تسويغ ذلك لكونها توابع للمبيع ، مدفوعةٌ ؛ لعدم صلاحيّة ذلك للفرق ، مع أنّه يظهر من بعضهم جواز اشتراط ملك حمل دابةٍ في بيع اخرى ، كما يظهر من المحقّق الثاني في شرح عبارة القواعد في شرائط العوضين : وكلّ مجهولٍ مقصودٍ بالبيع لا يصحّ بيعه وإن انضمّ إلى معلوم (١).

وكيف كان ، فالأقوى صحّة اشتراط الغايات التي لم يُعلم من الشارع إناطتها بأسبابٍ خاصّة ، كما يصحّ نذر مثل هذه الغايات ، بأن ينذر كون المال صدقةً ، أو الشاة أُضحيةً ، أو كون هذا المال لزيد.

الخلاف والاشكال في القسم الثاني من الشروط

وحينئذٍ فالظاهر عدم الخلاف في وجوب الوفاء بها بمعنى ترتّب (٢) الآثار ، وإنّما الخلاف والإشكال في القسم الثاني ، وهو ما تعلّق فيه الاشتراط بفعل.

والكلام فيه يقع في مسائل :

__________________

(١) العبارة للقواعد ، وراجع شرحها في جامع المقاصد ٤ : ١١٢.

(٢) في «ش» : «ترتيب».

٦١

الاولى

في وجوب الوفاء من حيث التكليف الشرعي‌

المشهور وجوب الوفاء بالشرط

ظاهر المشهور : هو الوجوب ؛ لظاهر النبوي : «المؤمنون عند شروطهم» (١) والعلوي : «مَنْ شَرَطَ لامرأته شرطاً فليف لها به ، فإنّ المسلمين عند شروطهم إلاّ شرطاً حرّم حلالاً أو حلّل حراماً» (٢). ويؤكّد الوجوب ما أُرسل في بعض الكتب (٣) من زيادة قوله : «إلاّ من عصى الله» في النبوي ، بناءً على كون الاستثناء من المشروط عليه ، لا من الشارط. هذا كلّه ، مضافاً إلى عموم وجوب الوفاء بالعقد بعد كون الشرط كالجزء من ركن العقد.

ظاهر الشهيد عدم وجوب الوفاء تكليفاً

خلافاً لظاهر الشهيد في اللمعة وربما ينسب إلى غيره حيث قال : إنّه لا يجب على المشروط عليه فعل الشرط ، وإنّما فائدته جعل البيع عرضةً للزوال (٤).

__________________

(١) الوسائل ١٥ : ٣٠ ، الباب ٢٠ من أبواب المهور ، ذيل الحديث ٤.

(٢) الوسائل ١٥ : ٥٠ ، الباب ٤٠ من أبواب المهور ، الحديث ٤.

(٣) أُرسل في المسالك ٣ : ٢٧٤ ، والروضة ٣ : ٥٠٦ ، وعوائد الأيّام : ١٣٢.

(٤) اللمعة الدمشقية : ١٣٠ ، وراجع التنقيح الرائع ٢ : ٧١ ، حيث قال بعد احتمال الوجوب وعدمه في العتق المشروط : «ويحتمل الثاني وهو الأصحّ».

٦٢

ما أفاده الشهيد في بعض تحقيقاته

ووجهه مع ضعفه يظهر ممّا ذكره قدس‌سره في تفصيله المحكي في الروضة عنه قدس‌سره في بعض تحقيقاته ، وهو : أنّ الشرط الواقع في العقد اللازم إن كان العقد كافياً في تحقّقه ولا يحتاج بعده إلى صيغةٍ فهو لازمٌ لا يجوز الإخلال به كشرط الوكالة ، وإن احتاج بعده إلى أمرٍ آخر وراء ذكره في العقد كشرط العتق فليس بلازمٍ ، بل يقلب العقد اللازم جائزاً. وجعل السرّ فيه : أنّ اشتراط ما العقد كافٍ في تحقّقه كجزءٍ من الإيجاب والقبول فهو تابعٌ لهما في اللزوم والجواز ، واشتراط ما سيوجد أمرٌ منفصلٌ عن العقد وقد علّق عليه العقد ، والمعلَّق على الممكن ممكنٌ ، وهو معنى قلب اللازم جائزاً ، انتهى.

قال في الروضة بعد حكاية هذا الكلام ـ : والأقوى اللزوم مطلقاً وإن كان تفصيله أجود ممّا اختاره هنا (١).

أقول : ما ذكره قدس‌سره في بعض تحقيقاته ليس تفصيلاً (٢) في محلّ الكلام مقابلاً لما اختاره في اللمعة ؛ لأنّ الكلام في اشتراط فعلٍ سائغ وأنّه هل يصير واجباً على المشروط عليه أم لا؟ كما ذكره الشهيد في المتن ، فمثل اشتراط كونه وكيلاً ليس إلاّ كاشتراط ثبوت الخيار أو عدم ثبوته له ، فلا يقال : إنّه يجب فعله أو لا يجب.

نعم ، وجوب الوفاء بمعنى ترتّب (٣) آثار ذلك الشرط المتحقّق بنفس العقد ممّا لا خلاف فيه ، إذ لم يقل أحدٌ بعدم ثبوت الخيار أو‌

__________________

(١) الروضة البهيّة ٣ : ٥٠٧ ٥٠٨.

(٢) في «ش» : «لا يحسن عدّه تفصيلاً».

(٣) في «ش» : «ترتيب».

٦٣

آثار اللزوم بعد اشتراطهما في العقد.

وبالجملة ، فالكلام هنا في اشتراط فعلٍ يوجد بعد العقد. نعم ، كلام الشهيد في اللمعة أعمّ منه ومن كلّ شرطٍ لم يُسلم لمشترطه ، ومراده تعذّر الشرط.

وكيف كان ، فمثل اشتراط الوكالة أو الخيار وعدمه خارجٌ عن محلّ الكلام ؛ إذ لا كلام ولا خلاف في وجوب ترتّب آثار الشرط عليه ، ولا في عدم انفساخ العقد بعدم ترتيب الآثار ، ولا في أنّ المشروط عليه يجبر على ترتيب الآثار. وإن شئت قلت : اشتراط الوكالة من اشتراط الغايات ، لا المبادئ.

عدم صحّة ما أفاده في الغنيّة تأييداً للمشهور

وممّا ذكرنا يظهر : أنّ تأييد القول المشهور أو الاستدلال عليه بما في الغنية : من الإجماع على لزوم الوفاء بالعقد (١) غير صحيح ؛ لأنّه إنّما ذكر ذلك في مسألة اشتراط الخيار ، وقد عرفت خروج مثل ذلك عن محلّ الكلام. نعم ، في التذكرة : لو اشترى عبداً بشرط أن يعتقه المشتري صحّ البيع ولزم الشرط عند علمائنا أجمع (٢).

المناقشة في ما أفاده الشهيد قدّس سرّه

ثمّ إنّ ما ذكره الشهيد قدس‌سره : من أنّ «اشتراط ما سيوجد أمرٌ منفصلٌ وقد علّق عليه العقد .. إلخ» لا يخلو عن نظرٍ ؛ إذ حاصله أنّ الشرط قد عُلّق عليه العقد في الحقيقة وإن كان لا تعليق صورةً ، فحاصل قوله : «بعتك هذا العبد على أن تعتقه» أنّ الالتزام بهذه المعاوضة معلَّقٌ على التزامك بالعتق ، فإذا لم يلتزم بالإعتاق لم يجب‌

__________________

(١) الغنية : ٢١٥.

(٢) التذكرة ١ : ٤٩٢.

٦٤

على المشروط له الالتزام بالمعاوضة.

وفيه مع أنّ المعروف بينهم : أنّ الشرط بمنزلة الجزء من أحد العوضين ، وأنّ مقتضى (١) القاعدة اللفظيّة في العقد المشروط لا يقتضي هذا المعنى أيضاً ، وأنّ رجوعه إلى التعليق على المحتمل يوجب عدم الجزم المفسد للعقد وإن لم يكن في صورة التعليق ـ : أنّ لازم هذا الكلام أعني دعوى تعليق العقد على الممكن ارتفاعه من رأسٍ عند فقد الشرط لا انقلابه جائزاً.

__________________

(١) لم ترد «مقتضى» في «ش».

٦٥

الثانية (١)

هل يجوز الاجبار على الوفاء بالشرط أم لا؟

في أنّه لو قلنا بوجوب الوفاء (٢) من حيث التكليف الشرعي ، فهل يجبر عليه لو امتنع؟ ظاهر جماعةٍ ذلك (٣).

كلمات الفقهاء في المسألة

كلام العلّامة في التحرير

وظاهر التحرير خلافه ، قال في باب الشروط : إنّ الشرط إن تعلّقت [به (٤)] مصلحة المتعاقدين كالأجل ، والخيار ، والشهادة ، والتضمين ، والرهن ، واشتراط صفةٍ مقصودةٍ كالكتابة جاز ولزم الوفاء. ثمّ قال : إذا باع بشرط العتق صحّ البيع والشرط ، فإن أعتقه المشتري ، وإلاّ ففي إجباره وجهان : أقربهما عدم الإجبار (٥) ، انتهى.

كلام الشهيد في الدروس

وفي الدروس : يجوز اشتراط سائغٍ في العقد ، فيلزم الشرط في‌

__________________

(١) في «ق» : «المقام الثاني» ، وهو من سهو القلم.

(٢) في «ش» زيادة : «به».

(٣) منهم المحقّق الثاني في جامع المقاصد ٤ : ٤٢٣ ، والشهيد الثاني في المسالك ٣ : ٢٧٤ ، وصاحب الجواهر في الجواهر ٢٣ : ٢١٨.

(٤) لم يرد في «ق» ، وأثبتناه من المصدر. وفي «ش» : «إن تعلّق بمصلحة».

(٥) التحرير ١ : ١٨٠.

٦٦

طرف المشترط عليه ، فإن أخلّ به فللمشترِط (١) الفسخ ، وهل يملك إجباره عليه؟ فيه نظر (٢) ، انتهى.

ولا معنى للزوم الشرط إلاّ وجوب الوفاء.

كلام العلّامة في التذكرة

وقال في التذكرة في فروع مسألة العبد المشترَط عتقه ـ : إذا أعتقه المشتري فقد وفى بما وجب عليه إلى أن قال : وإن امتنع اجبر عليه إن قلنا : إنّه حقٌّ لله تعالى ، وإن قلنا : إنّه حقٌّ للبائع لم يُجبر ، كما في شرط الرهن والكفيل ، لكن يتخيّر البائع في الفسخ ؛ لعدم سلامة ما شرط. ثمّ ذكر للشافعي وجهين في الإجبار وعدمه إلى أن قال ـ : والأولى عندي الإجبار في شرط الرهن والكفيل لو امتنع ، كما لو شرط تسليم الثمن معجّلاً فأهمل (٣) ، انتهى.

ويمكن أن يستظهر هذا القول أعني الوجوب تكليفاً مع عدم جواز الإجبار من كلّ من استدلّ على صحّة الشرط بعموم «المؤمنون» مع قوله بعدم وجوب الإجبار ، كالشيخ في المبسوط ، حيث استدلّ على صحّة اشتراط عتق العبد المبيع بقوله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : «المؤمنون عند شروطهم». ثمّ ذكر : أنّ في إجباره على الإعتاق لو امتنع قولين : الوجوب ؛ لأنّ عتقه قد استحقّ بالشرط ، وعدم الوجوب وإنّما يجعل له الخيار. ثمّ قال : والأقوى هو الثاني (٤) ، [انتهى (٥)].

__________________

(١) في «ق» : «فللمشتري».

(٢) الدروس ٣ : ٢١٤.

(٣) التذكرة ١ : ٤٩٢.

(٤) المبسوط ٢ : ١٥١.

(٥) لم يرد في «ق».

٦٧

فإنّ ظهور النبويّ في الوجوب من حيث نفسه ومن جهة القرائن المتّصلة والمنفصلة ممّا لا مساغ لإنكاره ، بل الاستدلال به على صحّة الشرط عند الشيخ ومن تبعه في عدم إفساد الشرط الفاسد يتوقّف ظاهراً على إرادة الوجوب منه ؛ إذ لا تنافي حينئذٍ بين استحباب الوفاء بالشرط وفساده ، فلا يدلّ استحباب الوفاء بالعتق المشروط في المبيع (١) على صحّته.

كلام الصيمري في غاية المرام

ثمّ إنّ الصيمري في غاية المرام قال : لا خلاف بين علمائنا في جواز اشتراط العتق ؛ لأنّه غير مخالفٍ للكتاب والسنّة ، فيجب الوفاء به ، قال : وهل يكون حقّا لله تعالى ، أو للعبد ، أو للبائع؟ يحتمل الأوّل إلى أن قال ـ : ويحتمل الثالث ، وهو مذهب العلاّمة في القواعد والتحرير ؛ لأنّه استقرب فيهما عدم إجبار المشتري على العتق ، وهو يدلّ على أنّه حقٌّ للبائع. وعلى القول : بأنّه حقٌّ لله ، يكون المطالبة للحاكم ويجبره مع الامتناع ، ولا يسقط بإسقاط البائع. وعلى القول : بكونه للبائع ، يكون المطالبة له ويسقط بإسقاطه ، ولا يجبر المشتري ، ومع الامتناع يتخيّر المشتري (٢) بين الإمضاء والفسخ. وعلى القول : بأنّه للعبد ، يكون هو المطالب بالعتق ، ومع الامتناع يرافعه إلى الحاكم ليجبره على ذلك ، وكسبه قبل العتق للمشتري على جميع التقادير (٣) ، انتهى.

وظاهر استكشافه مذهب العلاّمة قدس‌سره عن حكمه بعدم الإجبار‌

__________________

(١) في «ش» : «البيع».

(٢) في المصدر : «البائع» ، وفي «ش» : «المشترط».

(٣) غاية المرام (مخطوط) ١ : ٣٠٤.

٦٨

أنّ كلّ شرطٍ يكون حقّا مختصّاً للمشترط لا كلام ولا خلاف في عدم الإجبار عليه ، وهو ظاهر أوّل الكلام السابق في التذكرة. لكن قد عرفت قوله أخيراً : والأولى أنّ له إجباره عليه وإن قلنا : إنّه حقٌّ للبائع (١).

وما أبعد ما بين ما ذكره الصيمري وما ذكره في جامع المقاصد والمسالك : من أنّه إذا قلنا بوجوب الوفاء فلا كلام في ثبوت الإجبار ، حيث قال : واعلم أنّ في إجبار المشتري على الإعتاق وجهين : أحدهما : العدم ؛ لأنّ للبائع طريقاً آخر للتخلّص (٢) وهو الفسخ. والثاني : له ذلك ؛ لظاهر قوله تعالى (أَوْفُوا بِالْعُقُودِ) و «المؤمنون عند شروطهم إلاّ من عصى الله» وهو الأوجه (٣) ، انتهى.

وفي المسالك جعل أحد القولين ثبوت الخيار وعدم وجوب الوفاء ، مستدلا له بأصالة عدم وجوب الوفاء ، والقول الآخر وجوب الوفاء بالشرط ، واستدلّ له : بعموم الأمر بالوفاء [بالعقد (٤)] ، والمؤمنون عند شروطهم إلاّ من عصى الله ، انتهى (٥).

وظاهره : وحدة الخلاف في مسألتي وجوب الوفاء والتسلّط على الإجبار. كما أنّ ظاهر الصيمري : الاتّفاق على وجوب الوفاء ، بل وعلى‌

__________________

(١) راجع الصفحة ٦٧.

(٢) في «ق» : «للفسخ» ، والظاهر أنّه من سهو القلم.

(٣) جامع المقاصد ٤ : ٤٢٢.

(٤) كذا في «ش» والمصدر ، وفي «ق» : «بالشرط».

(٥) المسالك ٣ : ٢٧٤.

٦٩

الاقوى جواز الاجبار والدليل عليه

عدم الإجبار فيما كان حقّا مختصّاً (١) للبائع. والأظهر في كلمات الأصحاب وجود الخلاف في المسألتين.

كلام جامع المقاصد في توجيه عدم الاجبار والمناقشة فيه

وكيف كان ، فالأقوى ما اختاره جماعة (٢) : من أنّ للمشروط [له (٣)] إجبار المشروط عليه ؛ لعموم وجوب الوفاء بالعقد والشرط ، فإنّ العمل بالشرط ليس إلاّ كتسليم العوضين ، فإنّ المشروط له قد ملك الشرط على المشروط عليه بمقتضى العقد المقرون بالشرط ، فيجبر على تسليمه.

وما في جامع المقاصد : من توجيه عدم الإجبار : بأنّ له طريقاً إلى التخلّص بالفسخ ، ضعيفٌ في الغاية ؛ فإنّ الخيار إنّما شُرّع بعد تعذّر الإجبار دفعاً للضرر.

وهم ودفع

وقد يتوهّم : أنّ ظاهر الشرط هو فعل الشي‌ء اختياراً ، فإذا امتنع المشروط عليه فقد تعذّر الشرط ، وحصول الفعل منه كرهاً غير ما شُرط (٤) عليه ، فلا ينفع في الوفاء بالشرط.

ويندفع : بأنّ المشروط هو نفس الفعل مع قطع النظر عن الاختيار ، والإجبار إنّما يعرض له من حيث إنّه فعلٌ واجبٌ عليه ، فإذا أُجبر فقد اجبر على نفس الواجب. نعم ، لو صرّح باشتراط صدور الفعل عنه اختياراً وعن رضاً منه لم ينفع إجباره في حصول الشرط.

__________________

(١) في محتمل «ق» : «محضاً».

(٢) منهم المحقّق الثاني في جامع المقاصد ٤ : ٤٢٣ ، والشهيد الثاني في المسالك ٣ : ٢٧٤ ، والمحقّق السبزواري في الكفاية : ٩٧ ، والنراقي في العوائد : ١٣٧ ، وصاحب الجواهر في الجواهر ٢٣ : ٢١٨.

(٣) لم يرد في «ق».

(٤) في «ش» : «اشترط».

٧٠

الثالثة

هل يجوز الفسخ مع التمكّن من الاجبار؟

في أنّه هل للمشروط له الفسخ مع التمكّن من الإجبار فيكون مخيّراً بينهما ، أم لا يجوز له الفسخ إلاّ مع تعذّر الإجبار؟ ظاهر الروضة (١) وغير واحد (٢) هو الثاني. وصريح موضعٍ من التذكرة هو الأوّل ، قال : لو باعه شيئاً بشرط أن يبيعه آخر أو يقرضه بعد شهرٍ أو في الحال لزمه الوفاء بالشرط ، فإن أخلّ به لم يبطل البيع ، لكن يتخيّر المشتري بين فسخه للبيع وبين إلزامه بما شرط (٣) ، انتهى.

رأي المؤلّف في المسألة

ولا نعرف مستنداً للخيار مع التمكّن من الإجبار ؛ لما عرفت : من أنّ مقتضى العقد المشروط هو العمل على طبق الشرط اختياراً أو قهراً.

إلاّ أن يقال : إنّ العمل بالشرط حقٌّ لازمٌ على المشروط عليه ، يجبر عليه إذا بنى المشروط له على الوفاء بالعقد ، وأمّا إذا أراد الفسخ‌

__________________

(١) راجع الروضة ٣ : ٥٠٦.

(٢) كالمحقّق السبزواري في الكفاية : ٩٧ ، والنراقي في العوائد : ١٣٧ ، وصاحب الجواهر في الجواهر ٢٣ : ٢١٩.

(٣) التذكرة ١ : ٤٩٠.

٧١

لامتناع المشروط عليه عن الوفاء بالعقد على الوجه الذي وقع عليه ، فله ذلك ، فيكون ذلك بمنزلة تقايلٍ من الطرفين عن تراضٍ منهما.

وهذا الكلام لا يجري مع امتناع أحدهما عن تسليم أحد العوضين ليجوز للآخر فسخ العقد ؛ لأنّ كلاّ منهما قد ملك ما في يد الآخر ، ولا يخرج عن ملكه بعدم تسليم صاحبه ، فيجبران على ذلك. بخلاف الشرط ، فإنّ المشروط (١) حيث فرض فعلاً كالإعتاق فلا معنى لتملّكه ، فإذا امتنع المشروط عليه عنه فقد نَقَض العقد ، فيجوز للمشروط له أيضاً نقضه ، فتأمّل.

ثمّ على المختار : من عدم الخيار إلاّ مع تعذّر الإجبار ، لو كان الشرط من قبيل الإنشاء القابل للنيابة ، فهل يوقعه الحاكم عنه إذا فرض تعذّر إجباره؟ الظاهر ذلك ؛ لعموم ولاية السلطان على الممتنع ، فيندفع ضرر المشروط له بذلك.

__________________

(١) في «ق» زيادة : «له» ، وهي من سهو القلم.

٧٢

الرابعة

حكم تعذّر الشرط

لو تعذّر الشرط فليس للمشتري (١) إلاّ الخيار ، لعدم دليلٍ على الأرش ، فإنّ الشرط في حكم القيد لا يقابَل بالمال ، بل المقابلة عرفاً وشرعاً إنّما هي بين المالين ، والتقييد أمرٌ معنويٌّ لا يُعدّ مالاً وإن كانت ماليّة المال تزيد وتنقص بوجوده وعدمه ، وثبوت الأرش في العيب لأجل النصّ.

وظاهر العلاّمة قدس‌سره : ثبوت الأرش إذا اشترط عتق العبد فمات العبد قبل العتق (٢).

وتبعه الصيمري فيما إذا اشترط تدبير العبد ، قال : فإن امتنع من تدبيره تخيّر البائع بين الفسخ واسترجاع العبد وبين الإمضاء ، فيرجع بالتفاوت بين قيمته لو بيع مطلقاً وقيمته بشرط التدبير (٣) ، انتهى.

ومراده ب «التفاوت» : مقدار جزءٍ من الثمن نسبته إليه كنسبة‌

__________________

(١) في «ش» : «للمشترط».

(٢) راجع التذكرة ١ : ٤٩٢.

(٣) غاية المرام (مخطوط) ١ : ٣٠٥.

٧٣

التفاوت إلى القيمة ، لا تمام التفاوت ؛ لأنّ للشرط قسطاً من الثمن ، فهو مضمونٌ به لا بتمام قيمته ، كما نصّ عليه في التذكرة (١).

وضعّف في الدروس (٢) قول العلاّمة بما ذكرنا : من أنّ الثمن لا يقسّط على الشروط.

وأضعف منه ثبوت الأرش بمجرّد امتناع المشتري عن الوفاء بالشرط وإن لم يتعذّر ، كما عن الصيمري (٣).

ولو كان الشرط عملاً من المشروط عليه يُعدّ مالاً ويقابل بالمال كخياطة الثوب فتعذّر ، ففي استحقاق المشروط له لُاجرته أو مجرّد ثبوت الخيار له ، وجهان.

قال في التذكرة : لو شرط على البائع عملاً سائغاً تخيّر المشتري بين الفسخ والمطالبة به أو بعوضه إن فات وقته وكان ممّا يتقوّم ، كما لو شرط تسليم الثوب مصبوغاً فأتاه به غير مصبوغٍ وتلف في يد المشتري ، ولو لم يكن ممّا يتقوّم تخيّر بين الفسخ والإمضاء مجّاناً (٤) ، انتهى.

وقال أيضاً : لو كان الشرط على المشتري مثل أن باعه داره بشرط أن يصبغ له ثوبه فتلف الثوب ، تخيّر البائع بين الفسخ والإمضاء بقيمة الفائت إن كان ممّا له قيمةٌ ، وإلاّ مجّاناً (٥) ، انتهى.

__________________

(١) راجع التذكرة ١ : ٤٩٢.

(٢) الدروس ٣ : ٢١٦.

(٣) راجع غاية المرام (مخطوط) ١ : ٣٠٥.

(٤) التذكرة ١ : ٤٩١.

(٥) التذكرة ١ : ٤٩١.

٧٤

والظاهر أنّ مراده ب «ما يتقوّم» ما يتقوّم في نفسه ، سواء كان عملاً محضاً كالخياطة ، أو عيناً كمال العبد المشترط معه ، أو عيناً وعملاً كالصبغ ، لا ما لَه مدخلٌ في قيمة العوض ؛ إذ كلّ شرطٍ كذلك.

وما ذكره قدس‌سره لا يخلو عن وجهٍ وإن كان مقتضى المعاوضة بين العوضين بأنفسهما كون الشرط مطلقاً قيداً غير مقابلٍ بالمال ، فإنّ المبيع هو الثوب المخيط والعبد المصاحب للمال لا الثوب والخياطة والعبد وماله ؛ ولذا لا يشترط قبض ما بإزاء المال من النقدين في المجلس لو كان من أحدهما. وسيجي‌ء في المسألة السابعة المعاملة مع بعض الشروط معاملة الأجزاء (١).

__________________

(١) انظر الصفحة ٨١.

٧٥

الخامسة

هل خروج العين عن سلطنة المشروط عليه مانع عن الفسخ؟

لو تعذّر الشرط وقد خرج العين عن سلطنة المشروط عليه بتلفٍ أو بنقلٍ أو رهنٍ أو استيلادٍ ، فالظاهر عدم منع ذلك عن الفسخ. فإذا فسخ ففي رجوعه عليه بالقيمة ، أو بالعين مع بقائها بفسخ العقد الواقع عليه من حينه ، أو من أصله ، وجوهٌ تقدّمت (١) في أحكام الخيار ، وتقدّم (٢) : أنّ الأقوى الرجوع بالبدل ؛ جمعاً بين الأدلّة.

هذا كلّه مع صحّة العقد الواقع ، بأن لا يكون منافياً للوفاء بالشرط.

لو كان العقد المخرج للعين منافياً للشرط

وأمّا لو كان منافياً كبيع ما اشترط وقفه على البائع ففي صحّته مطلقاً أو مع إذن المشروط له أو إجازته ، أو بطلانه ، وجوهٌ خيرها أوسطها.

فلو باع بدون إذنه كان للمشروط [له (٣)] فسخه وإلزامه بالوفاء‌

__________________

(١) كذا في «ق» ، ولم يتقدّم البحث عن أحكام الخيار ، بل يأتي عن قريبٍ بعد حكم الشرط الفاسد. والحمل على سهو القلم أيضاً بعيد ، ولعلّه كان متقدّماً في المسودة. ولذلك غيّرهما مصحّح «ش» ب «يأتي» ، وانظر الصفحة ١٥٢.

(٢) كذا في «ق» ، ولم يتقدّم البحث عن أحكام الخيار ، بل يأتي عن قريبٍ بعد حكم الشرط الفاسد. والحمل على سهو القلم أيضاً بعيد ، ولعلّه كان متقدّماً في المسودة. ولذلك غيّرهما مصحّح «ش» ب «يأتي» ، وانظر الصفحة ١٥٢.

(٣) لم يرد في «ق».

٧٦

بالشرط. نعم ، لو لم نقل بإجبار المشروط عليه فالظاهر صحّة العقد الثاني.

إذا فسخ المشروط له ذلك العقد

فإذا فسخ المشروط له ، ففي انفساخ العقد من حينه ، أو من أصله ، أو الرجوع بالقيمة ، وجوهٌ ، رابعها : التفصيل بين التصرّف بالعتق فلا يبطل لبنائه على التغليب فيرجع بالقيمة ، وبين غيره فيبطل ، اختاره في التذكرة والروضة.

كلام العلّامة في المسألة

قال في فروع مسألة العبد المشترَط عتقه بعد ما ذكر : أنّ إطلاق اشتراط العتق يقتضي عتقه مجّاناً ، فلو أعتقه بشرط الخدمة مدّةً ، تخيّر المشروط له بين الإمضاء والفسخ فيرجع بقيمة العبد. قال بعد ذلك : ولو باعه المشتري أو وقفه أو كاتبه تخيّر البائع بين الفسخ والإمضاء ، فإن فسخ بطلت (١) العقود ؛ لوقوعها في غير ملكٍ تامّ ، وتفارق (٢) هذه العتقَ بشرط الخدمة (٣) ؛ لأنّ العتق مبنيٌّ على التغليب ، فلا سبيل إلى فسخه. وهل له إمضاء البيع مع طلب فسخ ما نقله المشتري؟ فيه احتمالٌ (٤) ، انتهى. ومثله ما في الروضة (٥).

وقال في الدروس في العبد المشروط عتقه : ولو أخرجه عن ملكه ببيعٍ أو هبةٍ أو وقفٍ ، فللبائع فسخ ذلك كلّه (٦) ، انتهى. وظاهره‌

__________________

(١) في «ش» والمصدر زيادة : «هذه».

(٢) في «ش» : «تخالف».

(٣) لم ترد «الخدمة» في المصدر.

(٤) التذكرة ١ : ٤٩٢ ٤٩٣.

(٥) راجع الروضة البهيّة ٣ : ٥٠٦.

(٦) الدروس ٣ : ٢١٦.

٧٧

ما اخترناه ، ويحتمل ضعيفاً غيره.

وفي جامع المقاصد : الذي ينبغي ، أنّ المشتري ممنوعٌ من كلّ تصرّفٍ ينافي العتق المشترط (١).

هل يسقط خيار تخلّف الشرط بالتصرّف في العين؟

ثمّ إنّ هذا الخيار كما لا يسقط بتلف العين كذلك لا يسقط بالتصرّف فيها ، كما نبّه عليه في المسالك في أوّل خيار العيب فيما لو اشترط الصحّة على البائع (٢).

نعم ، إذا دلّ التصرّف على الالتزام بالعقد [لزم العقد وسقط الخيار (٣)] نظير خيار المجلس والحيوان بناءً على ما استفيد من بعض أخبار خيار الحيوان المشتمل على سقوط خياره بالتصرّف ، معلّلاً بحصول الرضا بالعقد. وأمّا مطلق التصرّف فلا.

__________________

(١) جامع المقاصد ٤ : ٤٢٦.

(٢) المسالك ٣ : ٢٨٢.

(٣) لم يرد في «ق».

٧٨

السادسة

للمشروط له إسقاط شرطه

للمشروط له إسقاط شرطه إذا كان ممّا يقبل الإسقاط ، لا مثل اشتراط مال العبد ، أو حمل الدابة ؛ لعموم ما تقدّم في إسقاط الخيار وغيره من الحقوق.

إذا كان الشرط حقّاً لغير المشروط له

وقد يُستثنى من ذلك ما كان حقّا لغير المشروط له كالعتق ، فإنّ المصرّح به في كلام جماعةٍ كالعلاّمة وولده والشهيدين وغيرهم ـ : عدمُ سقوطه بإسقاط المشروط له.

كلمات الفقهاء حول الحقوق المجتمعة في العتق المشروط

قال في التذكرة : الأقوى عندي أنّ العتق المشروط اجتمع فيه حقوقٌ : حقٌّ لله ، وحقٌّ للبائع ، وحقٌّ آخر للعبد. ثمّ استقرب بناءً على ما ذكره مطالبةَ العبد بالعتق لو امتنع المشتري (١).

وفي الإيضاح : الأقوى أنّه حقٌّ للبائع ولله تعالى ، فلا يسقط بالإسقاط (٢) ، انتهى.

وفي الدروس : لو أسقط البائع الشرط جاز إلاّ العتق ، لتعلّق حقّ‌

__________________

(١) التذكرة ١ : ٤٩٢.

(٢) الإيضاح ١ : ٥١٤.

٧٩

العبد وحقّ الله تعالى به (١) ، انتهى.

وفي جامع المقاصد : أنّ التحقيق أنّ العتق فيه معنى القربة والعبادة وهو حقّ الله تعالى ، وزوال الحجر وهو حقٌّ للعبد ، وفوات الماليّة على الوجه المخصوص للقربة وهو حقّ البائع (٢) (٣) ، انتهى.

المناقشة في ما ذكره الفقهاء

أقول : أمّا كونه حقّا للبائع من حيث تعلّق غرضه بوقوع هذا الأمر المطلوب للشارع ، فهو واضحٌ. وأمّا كونه حقّا للعبد ، فإن أُريد به مجرّد انتفاعه بذلك فهذا لا يقتضي سلطنةً له على المشتري ، بل هو متفرّعٌ على حقّ البائع دائرٌ معه وجوداً وعدماً. وإن أُريد به ثبوت حقٍّ على المشتري يوجب السلطنة على المطالبة فلا دليل عليه ، ودليل الوفاء لا يوجب إلاّ ثبوت الحقّ للبائع.

وبالجملة ، فاشتراط عتق العبد ليس إلاّ كاشتراط أن يبيع المبيع من زيدٍ بأدون من ثمن المثل أو يتصدّق به عليه ، ولم يذكر أحدٌ أنّ لزيدٍ المطالبة. وممّا ذكر يظهر الكلام في ثبوت حقّ الله تعالى ، فإنّه إن أُريد به مجرّد وجوبه عليه لأنّه وفاءٌ بما شرط العباد بعضهم لبعض فهذا جارٍ في كلّ شرطٍ ، ولا ينافي ذلك سقوط الشروط بالإسقاط. وإن أُريد ما عدا ذلك من حيث كون العتق مطلوباً لله كما ذكره جامع المقاصد ففيه : أنّ مجرّد المطلوبيّة إذا لم يبلغ حدّ الوجوب لا يوجب الحقّ لله على وجهٍ يلزم به الحاكم ، ولا وجوب هنا من غير جهة وجوب الوفاء بشروط العباد والقيام بحقوقهم. وقد عرفت أنّ المطلوب غير هذا ، فافهم.

__________________

(١) الدروس ٣ : ٢١٦.

(٢) في «ش» والمصدر : «للبائع».

(٣) جامع المقاصد ٤ : ٤٢١.

٨٠