العبد وغيرهما.
ودعوى : تسويغ ذلك لكونها توابع للمبيع ، مدفوعةٌ ؛ لعدم صلاحيّة ذلك للفرق ، مع أنّه يظهر من بعضهم جواز اشتراط ملك حمل دابةٍ في بيع اخرى ، كما يظهر من المحقّق الثاني في شرح عبارة القواعد في شرائط العوضين : وكلّ مجهولٍ مقصودٍ بالبيع لا يصحّ بيعه وإن انضمّ إلى معلوم (١).
وكيف كان ، فالأقوى صحّة اشتراط الغايات التي لم يُعلم من الشارع إناطتها بأسبابٍ خاصّة ، كما يصحّ نذر مثل هذه الغايات ، بأن ينذر كون المال صدقةً ، أو الشاة أُضحيةً ، أو كون هذا المال لزيد.
الخلاف والاشكال في القسم الثاني من الشروط |
وحينئذٍ فالظاهر عدم الخلاف في وجوب الوفاء بها بمعنى ترتّب (٢) الآثار ، وإنّما الخلاف والإشكال في القسم الثاني ، وهو ما تعلّق فيه الاشتراط بفعل.
والكلام فيه يقع في مسائل :
__________________
(١) العبارة للقواعد ، وراجع شرحها في جامع المقاصد ٤ : ١١٢.
(٢) في «ش» : «ترتيب».
الاولى
في وجوب الوفاء من حيث التكليف الشرعي
المشهور وجوب الوفاء بالشرط |
ظاهر المشهور : هو الوجوب ؛ لظاهر النبوي : «المؤمنون عند شروطهم» (١) والعلوي : «مَنْ شَرَطَ لامرأته شرطاً فليف لها به ، فإنّ المسلمين عند شروطهم إلاّ شرطاً حرّم حلالاً أو حلّل حراماً» (٢). ويؤكّد الوجوب ما أُرسل في بعض الكتب (٣) من زيادة قوله : «إلاّ من عصى الله» في النبوي ، بناءً على كون الاستثناء من المشروط عليه ، لا من الشارط. هذا كلّه ، مضافاً إلى عموم وجوب الوفاء بالعقد بعد كون الشرط كالجزء من ركن العقد.
ظاهر الشهيد عدم وجوب الوفاء تكليفاً |
خلافاً لظاهر الشهيد في اللمعة وربما ينسب إلى غيره حيث قال : إنّه لا يجب على المشروط عليه فعل الشرط ، وإنّما فائدته جعل البيع عرضةً للزوال (٤).
__________________
(١) الوسائل ١٥ : ٣٠ ، الباب ٢٠ من أبواب المهور ، ذيل الحديث ٤.
(٢) الوسائل ١٥ : ٥٠ ، الباب ٤٠ من أبواب المهور ، الحديث ٤.
(٣) أُرسل في المسالك ٣ : ٢٧٤ ، والروضة ٣ : ٥٠٦ ، وعوائد الأيّام : ١٣٢.
(٤) اللمعة الدمشقية : ١٣٠ ، وراجع التنقيح الرائع ٢ : ٧١ ، حيث قال بعد احتمال الوجوب وعدمه في العتق المشروط : «ويحتمل الثاني وهو الأصحّ».
ما أفاده الشهيد في بعض تحقيقاته |
ووجهه مع ضعفه يظهر ممّا ذكره قدسسره في تفصيله المحكي في الروضة عنه قدسسره في بعض تحقيقاته ، وهو : أنّ الشرط الواقع في العقد اللازم إن كان العقد كافياً في تحقّقه ولا يحتاج بعده إلى صيغةٍ فهو لازمٌ لا يجوز الإخلال به كشرط الوكالة ، وإن احتاج بعده إلى أمرٍ آخر وراء ذكره في العقد كشرط العتق فليس بلازمٍ ، بل يقلب العقد اللازم جائزاً. وجعل السرّ فيه : أنّ اشتراط ما العقد كافٍ في تحقّقه كجزءٍ من الإيجاب والقبول فهو تابعٌ لهما في اللزوم والجواز ، واشتراط ما سيوجد أمرٌ منفصلٌ عن العقد وقد علّق عليه العقد ، والمعلَّق على الممكن ممكنٌ ، وهو معنى قلب اللازم جائزاً ، انتهى.
قال في الروضة بعد حكاية هذا الكلام ـ : والأقوى اللزوم مطلقاً وإن كان تفصيله أجود ممّا اختاره هنا (١).
أقول : ما ذكره قدسسره في بعض تحقيقاته ليس تفصيلاً (٢) في محلّ الكلام مقابلاً لما اختاره في اللمعة ؛ لأنّ الكلام في اشتراط فعلٍ سائغ وأنّه هل يصير واجباً على المشروط عليه أم لا؟ كما ذكره الشهيد في المتن ، فمثل اشتراط كونه وكيلاً ليس إلاّ كاشتراط ثبوت الخيار أو عدم ثبوته له ، فلا يقال : إنّه يجب فعله أو لا يجب.
نعم ، وجوب الوفاء بمعنى ترتّب (٣) آثار ذلك الشرط المتحقّق بنفس العقد ممّا لا خلاف فيه ، إذ لم يقل أحدٌ بعدم ثبوت الخيار أو
__________________
(١) الروضة البهيّة ٣ : ٥٠٧ ٥٠٨.
(٢) في «ش» : «لا يحسن عدّه تفصيلاً».
(٣) في «ش» : «ترتيب».
آثار اللزوم بعد اشتراطهما في العقد.
وبالجملة ، فالكلام هنا في اشتراط فعلٍ يوجد بعد العقد. نعم ، كلام الشهيد في اللمعة أعمّ منه ومن كلّ شرطٍ لم يُسلم لمشترطه ، ومراده تعذّر الشرط.
وكيف كان ، فمثل اشتراط الوكالة أو الخيار وعدمه خارجٌ عن محلّ الكلام ؛ إذ لا كلام ولا خلاف في وجوب ترتّب آثار الشرط عليه ، ولا في عدم انفساخ العقد بعدم ترتيب الآثار ، ولا في أنّ المشروط عليه يجبر على ترتيب الآثار. وإن شئت قلت : اشتراط الوكالة من اشتراط الغايات ، لا المبادئ.
عدم صحّة ما أفاده في الغنيّة تأييداً للمشهور |
وممّا ذكرنا يظهر : أنّ تأييد القول المشهور أو الاستدلال عليه بما في الغنية : من الإجماع على لزوم الوفاء بالعقد (١) غير صحيح ؛ لأنّه إنّما ذكر ذلك في مسألة اشتراط الخيار ، وقد عرفت خروج مثل ذلك عن محلّ الكلام. نعم ، في التذكرة : لو اشترى عبداً بشرط أن يعتقه المشتري صحّ البيع ولزم الشرط عند علمائنا أجمع (٢).
المناقشة في ما أفاده الشهيد قدّس سرّه |
ثمّ إنّ ما ذكره الشهيد قدسسره : من أنّ «اشتراط ما سيوجد أمرٌ منفصلٌ وقد علّق عليه العقد .. إلخ» لا يخلو عن نظرٍ ؛ إذ حاصله أنّ الشرط قد عُلّق عليه العقد في الحقيقة وإن كان لا تعليق صورةً ، فحاصل قوله : «بعتك هذا العبد على أن تعتقه» أنّ الالتزام بهذه المعاوضة معلَّقٌ على التزامك بالعتق ، فإذا لم يلتزم بالإعتاق لم يجب
__________________
(١) الغنية : ٢١٥.
(٢) التذكرة ١ : ٤٩٢.
على المشروط له الالتزام بالمعاوضة.
وفيه مع أنّ المعروف بينهم : أنّ الشرط بمنزلة الجزء من أحد العوضين ، وأنّ مقتضى (١) القاعدة اللفظيّة في العقد المشروط لا يقتضي هذا المعنى أيضاً ، وأنّ رجوعه إلى التعليق على المحتمل يوجب عدم الجزم المفسد للعقد وإن لم يكن في صورة التعليق ـ : أنّ لازم هذا الكلام أعني دعوى تعليق العقد على الممكن ارتفاعه من رأسٍ عند فقد الشرط لا انقلابه جائزاً.
__________________
(١) لم ترد «مقتضى» في «ش».
الثانية (١)
هل يجوز الاجبار على الوفاء بالشرط أم لا؟ |
في أنّه لو قلنا بوجوب الوفاء (٢) من حيث التكليف الشرعي ، فهل يجبر عليه لو امتنع؟ ظاهر جماعةٍ ذلك (٣).
كلمات الفقهاء في المسألة كلام العلّامة في التحرير |
وظاهر التحرير خلافه ، قال في باب الشروط : إنّ الشرط إن تعلّقت [به (٤)] مصلحة المتعاقدين كالأجل ، والخيار ، والشهادة ، والتضمين ، والرهن ، واشتراط صفةٍ مقصودةٍ كالكتابة جاز ولزم الوفاء. ثمّ قال : إذا باع بشرط العتق صحّ البيع والشرط ، فإن أعتقه المشتري ، وإلاّ ففي إجباره وجهان : أقربهما عدم الإجبار (٥) ، انتهى.
كلام الشهيد في الدروس |
وفي الدروس : يجوز اشتراط سائغٍ في العقد ، فيلزم الشرط في
__________________
(١) في «ق» : «المقام الثاني» ، وهو من سهو القلم.
(٢) في «ش» زيادة : «به».
(٣) منهم المحقّق الثاني في جامع المقاصد ٤ : ٤٢٣ ، والشهيد الثاني في المسالك ٣ : ٢٧٤ ، وصاحب الجواهر في الجواهر ٢٣ : ٢١٨.
(٤) لم يرد في «ق» ، وأثبتناه من المصدر. وفي «ش» : «إن تعلّق بمصلحة».
(٥) التحرير ١ : ١٨٠.
طرف المشترط عليه ، فإن أخلّ به فللمشترِط (١) الفسخ ، وهل يملك إجباره عليه؟ فيه نظر (٢) ، انتهى.
ولا معنى للزوم الشرط إلاّ وجوب الوفاء.
كلام العلّامة في التذكرة |
وقال في التذكرة في فروع مسألة العبد المشترَط عتقه ـ : إذا أعتقه المشتري فقد وفى بما وجب عليه إلى أن قال : وإن امتنع اجبر عليه إن قلنا : إنّه حقٌّ لله تعالى ، وإن قلنا : إنّه حقٌّ للبائع لم يُجبر ، كما في شرط الرهن والكفيل ، لكن يتخيّر البائع في الفسخ ؛ لعدم سلامة ما شرط. ثمّ ذكر للشافعي وجهين في الإجبار وعدمه إلى أن قال ـ : والأولى عندي الإجبار في شرط الرهن والكفيل لو امتنع ، كما لو شرط تسليم الثمن معجّلاً فأهمل (٣) ، انتهى.
ويمكن أن يستظهر هذا القول أعني الوجوب تكليفاً مع عدم جواز الإجبار من كلّ من استدلّ على صحّة الشرط بعموم «المؤمنون» مع قوله بعدم وجوب الإجبار ، كالشيخ في المبسوط ، حيث استدلّ على صحّة اشتراط عتق العبد المبيع بقوله صلىاللهعليهوآلهوسلم : «المؤمنون عند شروطهم». ثمّ ذكر : أنّ في إجباره على الإعتاق لو امتنع قولين : الوجوب ؛ لأنّ عتقه قد استحقّ بالشرط ، وعدم الوجوب وإنّما يجعل له الخيار. ثمّ قال : والأقوى هو الثاني (٤) ، [انتهى (٥)].
__________________
(١) في «ق» : «فللمشتري».
(٢) الدروس ٣ : ٢١٤.
(٣) التذكرة ١ : ٤٩٢.
(٤) المبسوط ٢ : ١٥١.
(٥) لم يرد في «ق».
فإنّ ظهور النبويّ في الوجوب من حيث نفسه ومن جهة القرائن المتّصلة والمنفصلة ممّا لا مساغ لإنكاره ، بل الاستدلال به على صحّة الشرط عند الشيخ ومن تبعه في عدم إفساد الشرط الفاسد يتوقّف ظاهراً على إرادة الوجوب منه ؛ إذ لا تنافي حينئذٍ بين استحباب الوفاء بالشرط وفساده ، فلا يدلّ استحباب الوفاء بالعتق المشروط في المبيع (١) على صحّته.
كلام الصيمري في غاية المرام |
ثمّ إنّ الصيمري في غاية المرام قال : لا خلاف بين علمائنا في جواز اشتراط العتق ؛ لأنّه غير مخالفٍ للكتاب والسنّة ، فيجب الوفاء به ، قال : وهل يكون حقّا لله تعالى ، أو للعبد ، أو للبائع؟ يحتمل الأوّل إلى أن قال ـ : ويحتمل الثالث ، وهو مذهب العلاّمة في القواعد والتحرير ؛ لأنّه استقرب فيهما عدم إجبار المشتري على العتق ، وهو يدلّ على أنّه حقٌّ للبائع. وعلى القول : بأنّه حقٌّ لله ، يكون المطالبة للحاكم ويجبره مع الامتناع ، ولا يسقط بإسقاط البائع. وعلى القول : بكونه للبائع ، يكون المطالبة له ويسقط بإسقاطه ، ولا يجبر المشتري ، ومع الامتناع يتخيّر المشتري (٢) بين الإمضاء والفسخ. وعلى القول : بأنّه للعبد ، يكون هو المطالب بالعتق ، ومع الامتناع يرافعه إلى الحاكم ليجبره على ذلك ، وكسبه قبل العتق للمشتري على جميع التقادير (٣) ، انتهى.
وظاهر استكشافه مذهب العلاّمة قدسسره عن حكمه بعدم الإجبار
__________________
(١) في «ش» : «البيع».
(٢) في المصدر : «البائع» ، وفي «ش» : «المشترط».
(٣) غاية المرام (مخطوط) ١ : ٣٠٤.
أنّ كلّ شرطٍ يكون حقّا مختصّاً للمشترط لا كلام ولا خلاف في عدم الإجبار عليه ، وهو ظاهر أوّل الكلام السابق في التذكرة. لكن قد عرفت قوله أخيراً : والأولى أنّ له إجباره عليه وإن قلنا : إنّه حقٌّ للبائع (١).
وما أبعد ما بين ما ذكره الصيمري وما ذكره في جامع المقاصد والمسالك : من أنّه إذا قلنا بوجوب الوفاء فلا كلام في ثبوت الإجبار ، حيث قال : واعلم أنّ في إجبار المشتري على الإعتاق وجهين : أحدهما : العدم ؛ لأنّ للبائع طريقاً آخر للتخلّص (٢) وهو الفسخ. والثاني : له ذلك ؛ لظاهر قوله تعالى (أَوْفُوا بِالْعُقُودِ) و «المؤمنون عند شروطهم إلاّ من عصى الله» وهو الأوجه (٣) ، انتهى.
وفي المسالك جعل أحد القولين ثبوت الخيار وعدم وجوب الوفاء ، مستدلا له بأصالة عدم وجوب الوفاء ، والقول الآخر وجوب الوفاء بالشرط ، واستدلّ له : بعموم الأمر بالوفاء [بالعقد (٤)] ، والمؤمنون عند شروطهم إلاّ من عصى الله ، انتهى (٥).
وظاهره : وحدة الخلاف في مسألتي وجوب الوفاء والتسلّط على الإجبار. كما أنّ ظاهر الصيمري : الاتّفاق على وجوب الوفاء ، بل وعلى
__________________
(١) راجع الصفحة ٦٧.
(٢) في «ق» : «للفسخ» ، والظاهر أنّه من سهو القلم.
(٣) جامع المقاصد ٤ : ٤٢٢.
(٤) كذا في «ش» والمصدر ، وفي «ق» : «بالشرط».
(٥) المسالك ٣ : ٢٧٤.
الاقوى جواز الاجبار والدليل عليه |
عدم الإجبار فيما كان حقّا مختصّاً (١) للبائع. والأظهر في كلمات الأصحاب وجود الخلاف في المسألتين.
كلام جامع المقاصد في توجيه عدم الاجبار والمناقشة فيه |
وكيف كان ، فالأقوى ما اختاره جماعة (٢) : من أنّ للمشروط [له (٣)] إجبار المشروط عليه ؛ لعموم وجوب الوفاء بالعقد والشرط ، فإنّ العمل بالشرط ليس إلاّ كتسليم العوضين ، فإنّ المشروط له قد ملك الشرط على المشروط عليه بمقتضى العقد المقرون بالشرط ، فيجبر على تسليمه.
وما في جامع المقاصد : من توجيه عدم الإجبار : بأنّ له طريقاً إلى التخلّص بالفسخ ، ضعيفٌ في الغاية ؛ فإنّ الخيار إنّما شُرّع بعد تعذّر الإجبار دفعاً للضرر.
وهم ودفع |
وقد يتوهّم : أنّ ظاهر الشرط هو فعل الشيء اختياراً ، فإذا امتنع المشروط عليه فقد تعذّر الشرط ، وحصول الفعل منه كرهاً غير ما شُرط (٤) عليه ، فلا ينفع في الوفاء بالشرط.
ويندفع : بأنّ المشروط هو نفس الفعل مع قطع النظر عن الاختيار ، والإجبار إنّما يعرض له من حيث إنّه فعلٌ واجبٌ عليه ، فإذا أُجبر فقد اجبر على نفس الواجب. نعم ، لو صرّح باشتراط صدور الفعل عنه اختياراً وعن رضاً منه لم ينفع إجباره في حصول الشرط.
__________________
(١) في محتمل «ق» : «محضاً».
(٢) منهم المحقّق الثاني في جامع المقاصد ٤ : ٤٢٣ ، والشهيد الثاني في المسالك ٣ : ٢٧٤ ، والمحقّق السبزواري في الكفاية : ٩٧ ، والنراقي في العوائد : ١٣٧ ، وصاحب الجواهر في الجواهر ٢٣ : ٢١٨.
(٣) لم يرد في «ق».
(٤) في «ش» : «اشترط».
الثالثة
هل يجوز الفسخ مع التمكّن من الاجبار؟ |
في أنّه هل للمشروط له الفسخ مع التمكّن من الإجبار فيكون مخيّراً بينهما ، أم لا يجوز له الفسخ إلاّ مع تعذّر الإجبار؟ ظاهر الروضة (١) وغير واحد (٢) هو الثاني. وصريح موضعٍ من التذكرة هو الأوّل ، قال : لو باعه شيئاً بشرط أن يبيعه آخر أو يقرضه بعد شهرٍ أو في الحال لزمه الوفاء بالشرط ، فإن أخلّ به لم يبطل البيع ، لكن يتخيّر المشتري بين فسخه للبيع وبين إلزامه بما شرط (٣) ، انتهى.
رأي المؤلّف في المسألة |
ولا نعرف مستنداً للخيار مع التمكّن من الإجبار ؛ لما عرفت : من أنّ مقتضى العقد المشروط هو العمل على طبق الشرط اختياراً أو قهراً.
إلاّ أن يقال : إنّ العمل بالشرط حقٌّ لازمٌ على المشروط عليه ، يجبر عليه إذا بنى المشروط له على الوفاء بالعقد ، وأمّا إذا أراد الفسخ
__________________
(١) راجع الروضة ٣ : ٥٠٦.
(٢) كالمحقّق السبزواري في الكفاية : ٩٧ ، والنراقي في العوائد : ١٣٧ ، وصاحب الجواهر في الجواهر ٢٣ : ٢١٩.
(٣) التذكرة ١ : ٤٩٠.
لامتناع المشروط عليه عن الوفاء بالعقد على الوجه الذي وقع عليه ، فله ذلك ، فيكون ذلك بمنزلة تقايلٍ من الطرفين عن تراضٍ منهما.
وهذا الكلام لا يجري مع امتناع أحدهما عن تسليم أحد العوضين ليجوز للآخر فسخ العقد ؛ لأنّ كلاّ منهما قد ملك ما في يد الآخر ، ولا يخرج عن ملكه بعدم تسليم صاحبه ، فيجبران على ذلك. بخلاف الشرط ، فإنّ المشروط (١) حيث فرض فعلاً كالإعتاق فلا معنى لتملّكه ، فإذا امتنع المشروط عليه عنه فقد نَقَض العقد ، فيجوز للمشروط له أيضاً نقضه ، فتأمّل.
ثمّ على المختار : من عدم الخيار إلاّ مع تعذّر الإجبار ، لو كان الشرط من قبيل الإنشاء القابل للنيابة ، فهل يوقعه الحاكم عنه إذا فرض تعذّر إجباره؟ الظاهر ذلك ؛ لعموم ولاية السلطان على الممتنع ، فيندفع ضرر المشروط له بذلك.
__________________
(١) في «ق» زيادة : «له» ، وهي من سهو القلم.
الرابعة
حكم تعذّر الشرط |
لو تعذّر الشرط فليس للمشتري (١) إلاّ الخيار ، لعدم دليلٍ على الأرش ، فإنّ الشرط في حكم القيد لا يقابَل بالمال ، بل المقابلة عرفاً وشرعاً إنّما هي بين المالين ، والتقييد أمرٌ معنويٌّ لا يُعدّ مالاً وإن كانت ماليّة المال تزيد وتنقص بوجوده وعدمه ، وثبوت الأرش في العيب لأجل النصّ.
وظاهر العلاّمة قدسسره : ثبوت الأرش إذا اشترط عتق العبد فمات العبد قبل العتق (٢).
وتبعه الصيمري فيما إذا اشترط تدبير العبد ، قال : فإن امتنع من تدبيره تخيّر البائع بين الفسخ واسترجاع العبد وبين الإمضاء ، فيرجع بالتفاوت بين قيمته لو بيع مطلقاً وقيمته بشرط التدبير (٣) ، انتهى.
ومراده ب «التفاوت» : مقدار جزءٍ من الثمن نسبته إليه كنسبة
__________________
(١) في «ش» : «للمشترط».
(٢) راجع التذكرة ١ : ٤٩٢.
(٣) غاية المرام (مخطوط) ١ : ٣٠٥.
التفاوت إلى القيمة ، لا تمام التفاوت ؛ لأنّ للشرط قسطاً من الثمن ، فهو مضمونٌ به لا بتمام قيمته ، كما نصّ عليه في التذكرة (١).
وضعّف في الدروس (٢) قول العلاّمة بما ذكرنا : من أنّ الثمن لا يقسّط على الشروط.
وأضعف منه ثبوت الأرش بمجرّد امتناع المشتري عن الوفاء بالشرط وإن لم يتعذّر ، كما عن الصيمري (٣).
ولو كان الشرط عملاً من المشروط عليه يُعدّ مالاً ويقابل بالمال كخياطة الثوب فتعذّر ، ففي استحقاق المشروط له لُاجرته أو مجرّد ثبوت الخيار له ، وجهان.
قال في التذكرة : لو شرط على البائع عملاً سائغاً تخيّر المشتري بين الفسخ والمطالبة به أو بعوضه إن فات وقته وكان ممّا يتقوّم ، كما لو شرط تسليم الثوب مصبوغاً فأتاه به غير مصبوغٍ وتلف في يد المشتري ، ولو لم يكن ممّا يتقوّم تخيّر بين الفسخ والإمضاء مجّاناً (٤) ، انتهى.
وقال أيضاً : لو كان الشرط على المشتري مثل أن باعه داره بشرط أن يصبغ له ثوبه فتلف الثوب ، تخيّر البائع بين الفسخ والإمضاء بقيمة الفائت إن كان ممّا له قيمةٌ ، وإلاّ مجّاناً (٥) ، انتهى.
__________________
(١) راجع التذكرة ١ : ٤٩٢.
(٢) الدروس ٣ : ٢١٦.
(٣) راجع غاية المرام (مخطوط) ١ : ٣٠٥.
(٤) التذكرة ١ : ٤٩١.
(٥) التذكرة ١ : ٤٩١.
والظاهر أنّ مراده ب «ما يتقوّم» ما يتقوّم في نفسه ، سواء كان عملاً محضاً كالخياطة ، أو عيناً كمال العبد المشترط معه ، أو عيناً وعملاً كالصبغ ، لا ما لَه مدخلٌ في قيمة العوض ؛ إذ كلّ شرطٍ كذلك.
وما ذكره قدسسره لا يخلو عن وجهٍ وإن كان مقتضى المعاوضة بين العوضين بأنفسهما كون الشرط مطلقاً قيداً غير مقابلٍ بالمال ، فإنّ المبيع هو الثوب المخيط والعبد المصاحب للمال لا الثوب والخياطة والعبد وماله ؛ ولذا لا يشترط قبض ما بإزاء المال من النقدين في المجلس لو كان من أحدهما. وسيجيء في المسألة السابعة المعاملة مع بعض الشروط معاملة الأجزاء (١).
__________________
(١) انظر الصفحة ٨١.
الخامسة
هل خروج العين عن سلطنة المشروط عليه مانع عن الفسخ؟ |
لو تعذّر الشرط وقد خرج العين عن سلطنة المشروط عليه بتلفٍ أو بنقلٍ أو رهنٍ أو استيلادٍ ، فالظاهر عدم منع ذلك عن الفسخ. فإذا فسخ ففي رجوعه عليه بالقيمة ، أو بالعين مع بقائها بفسخ العقد الواقع عليه من حينه ، أو من أصله ، وجوهٌ تقدّمت (١) في أحكام الخيار ، وتقدّم (٢) : أنّ الأقوى الرجوع بالبدل ؛ جمعاً بين الأدلّة.
هذا كلّه مع صحّة العقد الواقع ، بأن لا يكون منافياً للوفاء بالشرط.
لو كان العقد المخرج للعين منافياً للشرط |
وأمّا لو كان منافياً كبيع ما اشترط وقفه على البائع ففي صحّته مطلقاً أو مع إذن المشروط له أو إجازته ، أو بطلانه ، وجوهٌ خيرها أوسطها.
فلو باع بدون إذنه كان للمشروط [له (٣)] فسخه وإلزامه بالوفاء
__________________
(١) كذا في «ق» ، ولم يتقدّم البحث عن أحكام الخيار ، بل يأتي عن قريبٍ بعد حكم الشرط الفاسد. والحمل على سهو القلم أيضاً بعيد ، ولعلّه كان متقدّماً في المسودة. ولذلك غيّرهما مصحّح «ش» ب «يأتي» ، وانظر الصفحة ١٥٢.
(٢) كذا في «ق» ، ولم يتقدّم البحث عن أحكام الخيار ، بل يأتي عن قريبٍ بعد حكم الشرط الفاسد. والحمل على سهو القلم أيضاً بعيد ، ولعلّه كان متقدّماً في المسودة. ولذلك غيّرهما مصحّح «ش» ب «يأتي» ، وانظر الصفحة ١٥٢.
(٣) لم يرد في «ق».
بالشرط. نعم ، لو لم نقل بإجبار المشروط عليه فالظاهر صحّة العقد الثاني.
إذا فسخ المشروط له ذلك العقد |
فإذا فسخ المشروط له ، ففي انفساخ العقد من حينه ، أو من أصله ، أو الرجوع بالقيمة ، وجوهٌ ، رابعها : التفصيل بين التصرّف بالعتق فلا يبطل لبنائه على التغليب فيرجع بالقيمة ، وبين غيره فيبطل ، اختاره في التذكرة والروضة.
كلام العلّامة في المسألة |
قال في فروع مسألة العبد المشترَط عتقه بعد ما ذكر : أنّ إطلاق اشتراط العتق يقتضي عتقه مجّاناً ، فلو أعتقه بشرط الخدمة مدّةً ، تخيّر المشروط له بين الإمضاء والفسخ فيرجع بقيمة العبد. قال بعد ذلك : ولو باعه المشتري أو وقفه أو كاتبه تخيّر البائع بين الفسخ والإمضاء ، فإن فسخ بطلت (١) العقود ؛ لوقوعها في غير ملكٍ تامّ ، وتفارق (٢) هذه العتقَ بشرط الخدمة (٣) ؛ لأنّ العتق مبنيٌّ على التغليب ، فلا سبيل إلى فسخه. وهل له إمضاء البيع مع طلب فسخ ما نقله المشتري؟ فيه احتمالٌ (٤) ، انتهى. ومثله ما في الروضة (٥).
وقال في الدروس في العبد المشروط عتقه : ولو أخرجه عن ملكه ببيعٍ أو هبةٍ أو وقفٍ ، فللبائع فسخ ذلك كلّه (٦) ، انتهى. وظاهره
__________________
(١) في «ش» والمصدر زيادة : «هذه».
(٢) في «ش» : «تخالف».
(٣) لم ترد «الخدمة» في المصدر.
(٤) التذكرة ١ : ٤٩٢ ٤٩٣.
(٥) راجع الروضة البهيّة ٣ : ٥٠٦.
(٦) الدروس ٣ : ٢١٦.
ما اخترناه ، ويحتمل ضعيفاً غيره.
وفي جامع المقاصد : الذي ينبغي ، أنّ المشتري ممنوعٌ من كلّ تصرّفٍ ينافي العتق المشترط (١).
هل يسقط خيار تخلّف الشرط بالتصرّف في العين؟ |
ثمّ إنّ هذا الخيار كما لا يسقط بتلف العين كذلك لا يسقط بالتصرّف فيها ، كما نبّه عليه في المسالك في أوّل خيار العيب فيما لو اشترط الصحّة على البائع (٢).
نعم ، إذا دلّ التصرّف على الالتزام بالعقد [لزم العقد وسقط الخيار (٣)] نظير خيار المجلس والحيوان بناءً على ما استفيد من بعض أخبار خيار الحيوان المشتمل على سقوط خياره بالتصرّف ، معلّلاً بحصول الرضا بالعقد. وأمّا مطلق التصرّف فلا.
__________________
(١) جامع المقاصد ٤ : ٤٢٦.
(٢) المسالك ٣ : ٢٨٢.
(٣) لم يرد في «ق».
السادسة
للمشروط له إسقاط شرطه |
للمشروط له إسقاط شرطه إذا كان ممّا يقبل الإسقاط ، لا مثل اشتراط مال العبد ، أو حمل الدابة ؛ لعموم ما تقدّم في إسقاط الخيار وغيره من الحقوق.
إذا كان الشرط حقّاً لغير المشروط له |
وقد يُستثنى من ذلك ما كان حقّا لغير المشروط له كالعتق ، فإنّ المصرّح به في كلام جماعةٍ كالعلاّمة وولده والشهيدين وغيرهم ـ : عدمُ سقوطه بإسقاط المشروط له.
كلمات الفقهاء حول الحقوق المجتمعة في العتق المشروط |
قال في التذكرة : الأقوى عندي أنّ العتق المشروط اجتمع فيه حقوقٌ : حقٌّ لله ، وحقٌّ للبائع ، وحقٌّ آخر للعبد. ثمّ استقرب بناءً على ما ذكره مطالبةَ العبد بالعتق لو امتنع المشتري (١).
وفي الإيضاح : الأقوى أنّه حقٌّ للبائع ولله تعالى ، فلا يسقط بالإسقاط (٢) ، انتهى.
وفي الدروس : لو أسقط البائع الشرط جاز إلاّ العتق ، لتعلّق حقّ
__________________
(١) التذكرة ١ : ٤٩٢.
(٢) الإيضاح ١ : ٥١٤.
العبد وحقّ الله تعالى به (١) ، انتهى.
وفي جامع المقاصد : أنّ التحقيق أنّ العتق فيه معنى القربة والعبادة وهو حقّ الله تعالى ، وزوال الحجر وهو حقٌّ للعبد ، وفوات الماليّة على الوجه المخصوص للقربة وهو حقّ البائع (٢) (٣) ، انتهى.
المناقشة في ما ذكره الفقهاء |
أقول : أمّا كونه حقّا للبائع من حيث تعلّق غرضه بوقوع هذا الأمر المطلوب للشارع ، فهو واضحٌ. وأمّا كونه حقّا للعبد ، فإن أُريد به مجرّد انتفاعه بذلك فهذا لا يقتضي سلطنةً له على المشتري ، بل هو متفرّعٌ على حقّ البائع دائرٌ معه وجوداً وعدماً. وإن أُريد به ثبوت حقٍّ على المشتري يوجب السلطنة على المطالبة فلا دليل عليه ، ودليل الوفاء لا يوجب إلاّ ثبوت الحقّ للبائع.
وبالجملة ، فاشتراط عتق العبد ليس إلاّ كاشتراط أن يبيع المبيع من زيدٍ بأدون من ثمن المثل أو يتصدّق به عليه ، ولم يذكر أحدٌ أنّ لزيدٍ المطالبة. وممّا ذكر يظهر الكلام في ثبوت حقّ الله تعالى ، فإنّه إن أُريد به مجرّد وجوبه عليه لأنّه وفاءٌ بما شرط العباد بعضهم لبعض فهذا جارٍ في كلّ شرطٍ ، ولا ينافي ذلك سقوط الشروط بالإسقاط. وإن أُريد ما عدا ذلك من حيث كون العتق مطلوباً لله كما ذكره جامع المقاصد ففيه : أنّ مجرّد المطلوبيّة إذا لم يبلغ حدّ الوجوب لا يوجب الحقّ لله على وجهٍ يلزم به الحاكم ، ولا وجوب هنا من غير جهة وجوب الوفاء بشروط العباد والقيام بحقوقهم. وقد عرفت أنّ المطلوب غير هذا ، فافهم.
__________________
(١) الدروس ٣ : ٢١٦.
(٢) في «ش» والمصدر : «للبائع».
(٣) جامع المقاصد ٤ : ٤٢١.