كتاب المكاسب - ج ٦

الشيخ مرتضى الأنصاري

كتاب المكاسب - ج ٦

المؤلف:

الشيخ مرتضى الأنصاري


المحقق: لجنة تحقيق تراث الشيخ الأعظم
الموضوع : الفقه
الناشر: مجمع الفكر الاسلامي
المطبعة: شريعت
الطبعة: ٤
ISBN: 964-5662-16-8
ISBN الدورة:
964-5662-17-6

الصفحات: ٣٣٦

الوفاء بالتزامها ، وحرمة الشي‌ء شرعاً لا يعقل فيها الوفاء والنقض.

وقد مثّل جماعةٌ (١) للصلح المحلِّل للحرام بالصلح على شرب الخمر ، وللمحرِّم للحلال بالصلح على أن لا يطأ جاريته ولا ينتفع بماله.

وكيف كان ، فالظاهر بل المتعيّن : أنّ المراد بالتحليل والتحريم المستندين إلى الشرط هو الترخيص والمنع. نعم ، المراد بالحلال والحرام ما كان كذلك مطلقاً (٢) بحيث لا يتغيّر موضوعه بالشرط ، لا ما كان حلالاً لو خُلّي وطبعه بحيث لا ينافي عروض عنوان التحريم له لأجل الشرط ، وقد ذكرنا : أنّ المعيار في ذلك وقوع التعارض بين دليل حلّية ذلك الشي‌ء أو حرمته وبين وجوب الوفاء بالشرط وعدم وقوعه ، ففي الأوّل يكون الشرط على تقدير صحّته مغيِّراً للحكم الشرعي ، وفي الثاني يكون مغيِّراً لموضوعه.

فحاصل المراد بهذا الاستثناء في حديثي «الصلح» و «الشرط» : أنّهما لا يغيّران حكماً شرعيّاً بحيث يرفع اليد عن ذلك الحكم لأجل الوفاء بالصلح والشرط ، كالنذر وشبهه. وأمّا تغييرهما لموضوع الأحكام الشرعيّة ففي غاية الكثرة ، بل هما موضوعان لذلك ، وقد ذكرنا : أنّ الإشكال في كثيرٍ من الموارد في تميّز أحد القسمين من الأحكام عن الآخر.

__________________

(١) منهم الفاضل المقداد في التنقيح ٢ : ٢٠١ ، والشهيد الثاني في المسالك ٤ : ٢٦٢ ، والروضة ٤ : ١٧٤ ، وراجع تفصيل ذلك في مفتاح الكرامة ٥ : ٤٥٦ ، والمناهل : ٣٤٥.

(٢) لم ترد «مطلقاً» في «ش».

٤١

ما أفاده المحقّق القمّي في تفسير الشرط المذكور

وممّا ذكرنا يظهر النظر في تفسيرٍ آخر لهذا الاستثناء يقرب من هذا التفسير الذي تكلّمنا عليه ، ذكره المحقّق القمّي صاحب القوانين في رسالته التي ألّفها في هذه المسألة ، فإنّه بعد ما ذكر من أمثلة الشرط الغير الجائز في نفسه مع قطع النظر عن اشتراطه والتزامه شرب الخمر والزنا ونحوهما من المحرّمات أو (١) فعل المرجوحات وترك المباحات وفعل المستحبّات ، كأن يشترط تقليم الأظافر بالسنّ أبداً ، أو أن لا يلبس الخزّ أبداً ، أو لا يترك النوافل ، فإنّ جعل المكروه أو المستحبّ واجباً وجعل المباح حراماً حرامٌ إلاّ برخصةٍ شرعيّةٍ حاصلةٍ من الأسباب الشرعيّة ، كالنذر وشبهه فيما ينعقد فيه ، ويستفاد ذلك من كلام عليٍّ عليه‌السلام في رواية إسحاق بن عمّار : «من اشترط لامرأته شرطاً ، فليفِ لها به ، فإنّ المسلمين عند شروطهم إلاّ شرطاً حرّم حلالاً أو أحلّ حراماً» (٢) قال قدس‌سره (٣) :

فإن قلت : إنّ الشرط كالنذر وشبهه من الأسباب الشرعيّة المغيّرة للحكم ، بل الغالب فيه هو إيجاب ما ليس بواجبٍ ، فإنّ بيع الرجل ماله أو هبته لغيره مباحٌ ، وأمّا لو اشترط في ضمن عقدٍ آخر يصير واجباً ، فما وجه تخصيص الشرط بغير ما ذكرته من الأمثلة؟

__________________

(١) في «ش» بدل «أو» : «و» ، مع زيادة : «من أمثلة ما يكون التزامه والاستمرار عليه من المحرّمات ..».

(٢) الوسائل ١٥ : ٥٠ ، الباب ٤٠ من أبواب المهور ، الحديث ٤ ، وتقدّمت في الصفحة ٢٢.

(٣) خبر لقوله قبل أسطر : «فإنّه بعد ما ذكر».

٤٢

قلت : الظاهر من «تحليل الحرام وتحريم الحلال» هو تأسيس القاعدة ، وهو تعلّق الحكم بالحِلّ أو الحرمة ببعض الأفعال على سبيل العموم من دون النظر إلى خصوصيّة فردٍ ، فتحريم الخمر معناه : منع المكلّف عن شرب جميع ما يصدق عليه هذا الكليّ ، وكذا حلّية المبيع ، فالتزويج (١) والتسرّي أمرٌ كليٌ حلال ، والتزام تركه مستلزمٌ لتحريمه ، وكذلك جميع أحكام الشرع من التكليفيّة والوضعيّة وغيرها إنّما يتعلّق بالجزئيّات باعتبار تحقّق الكلّي فيها ، فالمراد من «تحليل الحرام وتحريم الحلال» المنهيّ عنه هو أن يُحدِث (٢) قاعدةً كلّيةً ويُبدع حكماً جديداً ، فقد أُجيز في الشرع البناء على الشروط إلاّ شرطاً أوجب إبداع حكمٍ كليّ جديد ، مثل تحريم التزوّج والتسرّي وإن كان بالنسبة إلى نفسه فقط ، وقد قال الله تعالى (فَانْكِحُوا ما طابَ لَكُمْ مِنَ النِّساءِ) (٣) ، وكجعل الخيرة في الجماع والطلاق بيد المرأة. وقد قال الله تعالى (الرِّجالُ قَوّامُونَ عَلَى النِّساءِ) (٤). وفيما لو شرطت (٥) عليه أن لا يتزوّج أو لا يتسرّى بفلانةٍ خاصّةً إشكالٌ. فما ذكر في السؤال : من وجوب البيع الخاصّ الذي يشترطانه في ضمن عقدٍ ، ليس ممّا يوجب إحداث حكمٍ للبيع ولا تبديل حلال الشارع وحرامه ، وكذا لو شرط نقص الجماع عن الواجب إلى أن قال قدس‌سره : ـ

__________________

(١) في «ش» : «فالتزوّج».

(٢) أي المشترط.

(٣) النساء : ٣.

(٤) النساء : ٣٤.

(٥) في «ش» : «اشترطت».

٤٣

وبالجملة ، اللزوم الحاصل من الشرط لما يشترطانه من الشروط الجائزة ليس من باب تحليل حرامٍ أو تحريم حلالٍ أو إيجاب جائزٍ على سبيل القاعدة ، بل (١) يحصل من ملاحظة جميع موارده حكمٌ كليٌ هو وجوب العمل على ما يشترطانه ، وهذا الحكم أيضاً من جعل الشارع ، فقولنا : «العمل على مقتضى الشرط الجائز واجبٌ» حكمٌ كليٌّ شرعيٌّ ، وحصوله ليس من جانب شرطنا حتّى يكون من باب تحليل الحرام وعكسه ، بل إنّما هو صادرٌ من الشارع (٢) ، انتهى كلامه رفع مقامه.

وللنظر في مواضع من كلامه مجالٌ ، فافهم والله العالم.

الشرط الخامس : أن لا يكون منافياً لمقتضى العقد

الشرط الخامس : أن لا يكون منافياً لمقتضى العقد ، وإلاّ لم يصحّ ، لوجهين :

أحدهما : وقوع التنافي في العقد المقيَّد بهذا الشرط بين مقتضاه الذي لا يتخلّف عنه وبين الشرط الملزم لعدم تحقّقه ، فيستحيل الوفاء بهذا العقد مع تقيّده بهذا الشرط ، فلا بدّ إمّا أن يحكم بتساقط كليهما ، وإمّا أن يقدّم جانب العقد ؛ لأنّه المتبوع المقصود بالذات والشرط تابعٌ ، وعلى كلّ تقديرٍ لا يصحّ الشرط.

الثاني : أنّ الشرط المنافي مخالفٌ للكتاب والسنّة الدالّين على عدم تخلّف العقد عن مقتضاه ، فاشتراط تخلّفه عنه مخالفٌ للكتاب ؛ ولذا ذكر في التذكرة : أنّ اشتراط عدم بيع المبيع منافٍ لمقتضى ملكيّته ، فيخالف‌

__________________

(١) في «ش» زيادة : «الذي».

(٢) رسالة الشروط المطبوعة مع غنائم الأيام : ٧٣٢.

٤٤

قوله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : «الناس مسلّطون على أموالهم» (١).

ودعوى : أنّ العقد إنّما يقتضي ذلك مع عدم اشتراط عدمه فيه لا مطلقاً ، خروجٌ عن محلّ الكلام ؛ إذ الكلام فيما يقتضيه مطلق العقد وطبيعته السارية في كلّ فردٍ منه ، لا ما يقتضيه العقد المطلق بوصف إطلاقه وخلوه عن الشرائط والقيود حتّى لا ينافي تخلّفه عنه لقيدٍ يقيّده وشرطٍ يشترط فيه.

هذا كلّه مع تحقّق الإجماع على بطلان هذا الشرط ، فلا إشكال في أصل الحكم.

صعوبة تمييز الشروط التي هي من مقتضيات ماهيّة العقد عن التي هي من مقتضيات إطلاقه

وإنّما الإشكال في تشخيص آثار العقد التي لا تتخلّف [عن (٢)] مطلق العقد في نظر العرف أو الشرع وتميّزها عمّا يقبل التخلّف لخصوصيّةٍ تعتري العقد وإن اتّضح ذلك في بعض الموارد ؛ لكون الأثر كالمقوِّم العرفي للبيع أو غرضاً أصليّاً ، كاشتراط عدم التصرّف أصلاً في المبيع ، وعدم الاستمتاع أصلاً بالزوجة حتّى النظر ، ونحو ذلك.

إلاّ أنّ الإشكال في كثيرٍ من المواضع ، خصوصاً بعد ملاحظة اتّفاقهم على الجواز في بعض المقامات واتّفاقهم على عدمه فيما يشبهه ، ويصعب الفرق بينهما وإن تكلّف له بعضٌ (٣).

موارد ممّا يصعب التمييز فيها بين الموردين

مثلاً : المعروف عدم جواز المنع عن البيع والهبة في ضمن عقد البيع ، وجواز اشتراط عتقه بعد البيع بلا فصلٍ أو وقفه حتّى على البائع‌

__________________

(١) التذكرة ١ : ٤٨٩ ، وراجع الحديث في عوالي اللآلي ١ : ٢٢٢ ، الحديث ٩٩ ، والصفحة ٤٥٧ ، الحديث ١٩٨.

(٢) لم يرد في «ق».

(٣) وهو السيّد المراغي في العناوين ٢ : ٣٠٧.

٤٥

وولده ، كما صرّح به في التذكرة (١) ، وقد اعترف في التحرير : بأنّ اشتراط العتق ممّا ينافي مقتضى العقد ، وإنّما جاز لبناء العتق على التغليب (٢).

وهذا لو تمّ لم يجز في الوقف خصوصاً على البائع وولده ، فإنّه (٣) ليس مبنيّاً على التغليب ؛ ولأجل ما ذكرنا وقع في موارد كثيرة الخلاف والإشكال : في أنّ الشرط الفلاني مخالفٌ لمقتضى العقد (٤).

منها : اشتراط عدم البيع ، فإنّ المشهور عدم الجواز. لكن العلاّمة في التذكرة استشكل في ذلك (٥) ، بل قوّى بعض من تأخّر عنه صحّته (٦).

ومنها : ما ذكره في الدروس في بيع الحيوان : من جواز الشركة فيه إذا قال : «الربح لنا ولا خسران عليك» ؛ لصحيحة رفاعة في شراء الجارية (٧) ، قال : ومنع (٨) ابن إدريس ؛ لأنّه مخالفٌ (٩) لقضيّة الشركة. قلنا : لا نسلّم أنّ تبعيّة المال لازمٌ (١٠) لمطلق الشركة ، بل للشركة المطلقة ،

__________________

(١) التذكرة ١ : ٤٩٣.

(٢) التحرير ١ : ١٨٠.

(٣) في «ش» زيادة : «شرط منافٍ كالعتق».

(٤) في «ش» زيادة : «أم لا».

(٥) التذكرة ١ : ٤٨٩.

(٦) لم نعثر عليه ، نعم في مفتاح الكرامة ٤ : ٧٣٢ عن إيضاح النافع : «أنّ الجواز غير بعيد» ، وراجع الرياض ٨ : ٢٥٥.

(٧) في «ش» : «في الشركة في الجارية».

(٨) في «ش» : «منعه».

(٩) في «ش» : «مناف».

(١٠) في «ش» : «لازمة».

٤٦

والأقرب تعدّي الحكم إلى غير الجارية من المبيعات (١) ، انتهى.

ومنها : [ما (٢)] اشتهر بينهم : من جواز اشتراط الضمان في العارية وعدم جوازه في الإجارة ، مستدلّين : بأنّ مقتضى عقد الإجارة عدم ضمان المستأجر (٣).

فأورد عليهم المحقّق الأردبيلي (٤) وتبعه جمال المحقّقين في حاشية الروضة (٥) : بمنع اقتضاء مطلق العقد لذلك ، إنّما المسلّم اقتضاء العقد المطلق المجرّد عن اشتراط الضمان ، نظير العارية.

ومنها : اشتراط عدم إخراج الزوجة من بلدها ، فقد جوّزه جماعةٌ (٦) ؛ لعدم المانع وللنصّ. ومنعه آخرون (٧) ، منهم فخر الدين في الإيضاح ، مستدلا : بأنّ مقتضى العقد تسلّط الرجل على المرأة في الاستمتاع والإسكان (٨) ، وقد بالغ حيث (٩) جعل هذا قرينةً على حمل‌

__________________

(١) الدروس ٣ : ٢٢٣ ٢٢٤ ، وراجع السرائر ٢ : ٣٤٩ ، والوسائل ١٣ : ١٧٥ ، الباب الأوّل من كتاب الشركة ، الحديث ٨.

(٢) لم يرد في «ق».

(٣) راجع مفتاح الكرامة ٧ : ٢٥٣ ، والجواهر ٢٧ : ٢١٧.

(٤) مجمع الفائدة ١٠ : ٦٩.

(٥) حاشية الروضة : ٣٦٥ ، ذيل قول الشارح : «لفساد الشرط».

(٦) مثل الشيخ في بعض كتبه والقاضي وابن حمزة وغيرهم ، وقد تقدّم التخريج عنهم في الصفحة ٣٠.

(٧) كالشيخ في بعض كتبه الأُخر والحلّي والمحقّق الثاني ، راجع الصفحة ٣٠.

(٨) إيضاح الفوائد ٣ : ٢٠٩.

(٩) في «ش» بدل «حيث» : «حتّى».

٤٧

النصّ على استحباب الوفاء.

ومنها : مسألة توارث الزوجين بالعقد المنقطع من دون شرطٍ أو معه ، وعدم توارثهما مع الشرط أو لا (١) معه ، فإنّها مبنيّةٌ على الخلاف في مقتضى العقد المنقطع.

قال في الإيضاح ما ملخّصه بعد إسقاط ما لا يرتبط بالمقام ـ : إنّهم اختلفوا في أنّ هذا العقد يقتضي التوارث أم لا؟

وعلى الأوّل : فقيل : المقتضي هو العقد المطلق من حيث هو هو ، فعلى هذا القول لو شرط سقوطه لبطل الشرط ؛ لأنّ كلّ ما تقتضيه الماهيّة من حيث هي هي يستحيل عدمه مع وجودها. وقيل : المقتضي إطلاق العقد أي العقد المجرّد عن شرط نقيضه أعني الماهيّة بشرط لا شي‌ء فيثبت الإرث ما لم يشترط سقوطه.

وعلى الثاني ، قيل : يثبت مع الاشتراط ويسقط مع عدمه ، وقيل : لا يصحّ اشتراطه (٢) ، انتهى.

ومرجع القولين إلى أنّ عدم الإرث من مقتضى إطلاق العقد أو ماهيّته. واختار هو هذا القول الرابع ، تبعاً لجدّه ووالده قدس‌سرهما ، واستدلّ عليه أخيراً بما دلّ على أنّ من حدود المتعة أن لا ترثها ولا ترثك (٣) ، قال : فجُعل نفي الإرث من مقتضى الماهيّة.

ما أفاده المحقّق الثاني عند عدم التمكّن من التمييز

ولأجل صعوبة دفع ما ذكرنا من الإشكال في تميّز مقتضيات‌

__________________

(١) ق» : «أو إلاّ».

(٢) إيضاح الفوائد ٣ : ١٣٢.

(٣) راجع الوسائل ١٤ : ٤٨٧ ، الباب ٣٢ من أبواب المتعة ، الحديث ٧ و ٨.

٤٨

ماهيّة العقد من مقتضيات إطلاقه ، التجأ المحقّق الثاني مع كمال تبحّره في الفقه حتّى ثُنّي به المحقّق فأرجع هذا التمييز عند عدم اتّضاح المنافاة و [عدم (١)] الإجماع على الصحّة أو البطلان إلى نظر الفقيه ، فقال أوّلاً :

المراد ب «منافي مقتضى العقد» ما يقتضي عدم ترتّب الأثر الذي جعل الشارع العقد من حيث هو هو بحيث يقتضيه ورتّبه عليه على أنّه أثره وفائدته التي لأجلها وضع ، كانتقال العوضين إلى المتعاقدين ، وإطلاق التصرّف فيهما في البيع ، وثبوت التوثّق في الرهن ، والمال في ذمّة الضامن بالنسبة إلى الضمان (٢) ، وانتقال الحقّ إلى ذمّة المحال عليه في الحوالة ، ونحو ذلك ، فإذا شرط عدمها أو عدم البعض أصلاً نافى مقتضى العقد.

ثمّ اعترض على ذلك بصحّة اشتراط عدم الانتفاع زماناً معيّناً ، وأجاب بكفاية جواز الانتفاع وقتاً ما في مقتضى العقد. ثمّ اعترض : بأنّ العقد يقتضي الانتفاع مطلقاً ، فالمنع عن البعض منافٍ له.

ثمّ قال : ودفع ذلك لا يخلو عن عسرٍ ، وكذا القول في خيار الحيوان (٣) ؛ فإنّ ثبوته مقتضى العقد ، فيلزم أن يكون شرط سقوطه منافياً له.

ثمّ قال : ولا يمكن أن يقال : إنّ مقتضى العقد ما لم يجعل إلاّ لأجله ، كانتقال العوضين ، فإنّ ذلك ينافي منع اشتراط أن لا يبيع أو لا يطأ (٤) مثلاً.

__________________

(١) لم يرد في «ق».

(٢) في النسخ : «الضامن» ، والصواب ما أثبتناه من المصدر.

(٣) في «ش» : «في نحو خيار الحيوان مثلاً».

(٤) في «ش» والمصدر بدل «أو لا يطأ» : «المبيع».

٤٩

ثمّ قال : والحاسم لمادّة الإشكال أنّ الشروط على أقسام :

منها : ما انعقد الإجماع على حكمه من صحّةٍ أو فساد.

ومنها : ما وضح فيه المنافاة للمقتضي كاشتراط عدم ضمان المقبوض بالبيع و (١) وضح مقابله ، ولا كلام فيما وضح.

ومنها : ما ليس واحداً من النوعين ، فهو بحسب نظر الفقيه (٢) ، انتهى كلامه رفع مقامه.

المناقشة في ما أفاده المحقّق الثاني

أقول : وضوح المنافاة إن كان بالعرف كاشتراط عدم الانتقال في العوضين وعدم انتقال المال إلى ذمّة الضامن والمحال عليه فلا يتأتّى معه إنشاء مفهوم العقد العرفي ، وإن كان بغير العرف فمرجعه إلى الشرع من نصٍّ أو إجماعٍ على صحّة الاشتراط و (٣) عدمه. ومع عدمهما وجب الرجوع إلى دليل اقتضاء العقد لذلك الأثر المشترط عدمه ، فإن دلّ عليه على وجهٍ يعارض بإطلاقه أو عمومه دليل وجوب الوفاء به بحيث لو أوجبنا الوفاء به وجب طرح عموم ذلك الدليل وتخصيصه ، حكم بفساد الشرط ؛ لمخالفته حينئذٍ للكتاب أو السنّة. وإن دلّ على ثبوته للعقد لو خلي وطبعه بحيث لا ينافي تغيّر حكمه بالشرط ، حكم بصحّة الشرط.

وقد فُهم من قوله تعالى (الرِّجالُ قَوّامُونَ عَلَى النِّساءِ) (٤) الدّال‌

__________________

(١) في «ش» بدل «و» : «أو».

(٢) جامع المقاصد ٤ : ٤١٤ ٤١٥.

(٣) في «ش» بدل «و» : «أو».

(٤) النساء : ٣٤.

٥٠

على (١) أنّ السلطنة على الزوجة من آثار الزوجيّة التي لا تتغيّر ، فجُعل اشتراط كون الجماع بيد الزوجة في الرواية السابقة منافياً لهذا الأثر ولم يُجعل اشتراط عدم الإخراج من البلد منافياً. وقد فهم الفقهاء من قوله : «البيّعان بالخيار حتّى يفترقا ، فإذا افترقا وجب البيع» (٢) [عدم (٣)] التنافي ، فأجمعوا على صحّة اشتراط سقوط الخيار الذي هو من الآثار الشرعيّة للعقد ، وكذا على صحّة اشتراط الخيار بعد الافتراق. ولو شكّ في مؤدّى الدليل وجب الرجوع إلى أصالة ثبوت ذلك الأثر على الوجه الأوّل (٤) ، فيبقى عموم أدلّة الشرط سليماً عن المخصّص ؛ وقد ذكرنا هذا في بيان معنى مخالفة الكتاب والسنّة.

الشرط السادس : أن لا يكون الشرط مجهولا بما يوجب الغرر

الشرط السادس : أن لا يكون الشرط مجهولاً جهالةً توجب الغرر في البيع ؛ لأنّ الشرط في الحقيقة كالجزء من العوضين ، كما سيجي‌ء بيانه (٥).

قال في التذكرة : وكما أنّ الجهالة في العوضين مبطلةٌ فكذا في صفاتهما ولواحق المبيع (٦) ، فلو شرطا شرطاً مجهولاً بطل البيع (٧) ، انتهى.

__________________

(١) عبارة «الدّال على» لم ترد في «ش» ، والظاهر زيادتها.

(٢) راجع الوسائل ١٢ : ٣٤٦ ، الباب الأوّل من أبواب الخيار ، الحديث ٣ و ٤.

(٣) لم يرد في «ق».

(٤) كذا في «ق» ، والظاهر أنّ الصحيح : «الثاني» ، كما في «ش».

(٥) انظر الصفحة ٨١.

(٦) في ظاهر «ق» : «البيع».

(٧) التذكرة ١ : ٤٧٢.

٥١

الدليل على اعتبار هذا الشرط

وقد سبق ما يدلّ على اعتبار تعيين الأجل المشروط في الثمن ، بل لو فرضنا عدم سراية الغرر في البيع كفى لزومه في أصل الشرط بناءً على أنّ المنفيّ مطلق الغرر حتّى في غير البيع ؛ ولذا يستندون إليه في أبواب المعاملات حتّى الوكالة ، فبطلان الشرط المجهول ليس لإبطاله البيع المشروط به ؛ ولذا قد يُجزم ببطلان هذا الشرط مع الاستشكال في بطلان البيع ، فإنّ العلاّمة في التذكرة ذكر في اشتراط عملٍ مجهولٍ في عقد البيع : أنّ في بطلان البيع وجهين مع الجزم ببطلان الشرط (١).

لكنّ الإنصاف : أنّ جهالة الشرط تستلزم في العقد دائماً مقداراً من الغرر الذي يلزم من جهالته جهالة أحد العوضين.

ومن ذلك يظهر وجه النظر فيما ذكره العلاّمة في مواضع (٢) من التذكرة : من الفرق في حمل الحيوان وبيض الدجاجة ومال العبد المجهول المقدار ، بين تمليكها على وجه الشرطية في ضمن بيع هذه الأُمور ، بأن يقول : «بعتكها على أنّها حامل أو على أنّ لك حملها» وبين تمليكها على وجه الجزئيّة ، بأن يقول : «بعتكها وحملها» (٣) ، فصحّح الأوّل لأنّه تابعٌ ، وأبطل الثاني لأنّه جزء.

__________________

(١) راجع التذكرة ١ : ٤٧٢ ، وفيها : «فلو شرطا شرطاً مجهولاً بطل البيع» والصفحة ٤٩١ ، وفيها : «لو اشترط شرطاً مجهولاً ، كما لو باعه بشرط أن يعمل فيه ما يأمره به بعد العقد أو يصبغ له ثوباً ويطلقهما أو أحدهما ، فالوجهان».

(٢) منها ما ذكره في الجزء الأوّل : ٤٩٣ في الحمل والبيض ، والصفحة ٤٩٩ في مال العبد.

(٣) التذكرة ١ : ٤٩٣.

٥٢

لكن قال في الدروس : لو جعل الحمل جزءاً من المبيع فالأقوى الصحّة لأنّه بمنزلة الاشتراط ، ولا يضرّ الجهالة لأنّه تابع (١).

وقال في باب بيع المملوك : ولو اشتراه وماله صحّ ، ولم يُشترط علمه ولا التفصّي من الربا إن قلنا : إنّه يملك ، وإن أحلناه اشترطا (٢) ، انتهى.

عدم اعتبار العلم في شرط ما هو تابع

والمسألة محلّ إشكالٍ ، وكلماتهم لا يكاد يعرف التئامها ، حيث صرّحوا : بأنّ للشرط قسطاً من أحد العوضين ، وأنّ التراضي بالمعاوضة (٣) وقع منوطاً به ، ولازمه كون الجهالة فيه قادحة.

والأقوى اعتبار العلم ؛ لعموم نفي الغرر إلاّ إذا عُدّ المشروط (٤) في العرف تابعاً غير مقصودٍ بالبيع ، كبيض الدجاج. وقد مرّ ما ينفع هذا المقام في شروط العوضين (٥) ، وسيأتي بعض الكلام في بيع الحيوان (٦) ، إن شاء الله تعالى.

الشرط السابع : أن لا يكون مستلزماً لمحال

الشرط السابع : أن لا يكون مستلزماً لمحال ، كما لو شرط في البيع أن يبيعه على البائع ، فإنّ العلاّمة قد ذكر هنا : أنّه مستلزمٌ للدور.

قال في التذكرة : لو باعه شيئاً بشرط أن يبيعه إيّاه لم يصحّ سواء‌

__________________

(١) الدروس ٣ : ٢١٦ ٢١٧.

(٢) الدروس ٣ : ٢٢٦ ، وفيه بدل «اشترطا» : «اشترطنا».

(٣) في «ش» : «على المعاوضة».

(٤) في «ش» : «الشرط».

(٥) راجع الجزء الرابع ، الصفحة ٣١٣.

(٦) لم يتعرّض قدس‌سره لمسألة بيع الحيوان فيما سيأتي.

٥٣

اتّحد الثمن قدراً وجنساً ووصفاً أو لا ، وإلاّ جاء الدور ؛ لأنّ بيعه له يتوقّف على ملكيّته له المتوقّفة على بيعه ، فيدور. أمّا لو شرط أن يبيعه على غيره ، فإنّه يصحّ عندنا حيث لا منافاة فيه للكتاب والسنّة. لا يقال : ما التزموه من الدور آتٍ هنا ؛ لأنّا نقول : الفرق ظاهرٌ ؛ لجواز أن يكون جارياً على حدّ التوكيل أو عقد الفضولي ، بخلاف ما لو شرط البيع على البائع (١) ، انتهى.

وقد تقدّم تقرير الدور مع جوابه في باب النقد والنسية (٢).

وقد صرّح في الدروس : بأنّ هذا الشرط باطلٌ لا للدور ، بل لعدم القصد إلى البيع (٣).

ويرد عليه وعلى الدور : النقض بما إذا اشترط البائع على المشتري أن يقف المبيع عليه وعلى عقبه ، فقد صرّح في التذكرة بجوازه (٤) ، وصرّح بجواز اشتراط رهن المبيع على الثمن (٥) مع جريان الدور فيه.

الشرط الثامن : أن يلتزم به في متن العقد

الشرط الثامن : أن يلتزم به في متن العقد ، فلو تواطيا عليه قبله لم يكف ذلك في التزام المشروط به على المشهور ، بل لم يُعلم فيه‌

__________________

(١) التذكرة ١ : ٤٩٠.

(٢) كذا في «ق» ، ولم يتقدّم بابهما ، بل يأتي بعد أحكام الخيار ، ولذا غيّره في «ش» ب «وسيأتي» ، ولعلّ الوجه في ذلك تقدّمه في المسودة ، وعلى أيّ تقدير انظر الصفحة ٢٣٢ وما بعدها.

(٣) الدروس ٣ : ٢١٦.

(٤) التذكرة ١ : ٤٩٣ ٤٩٤ ، وتقدّم في الصفحة ٤٥ أيضاً.

(٥) التذكرة ١ : ٤٩١.

٥٤

الاستدلال على عدم لزوم الشرط غير المذكور في متن العقد

خلافٌ ، عدا ما يتوهّم من ظاهر الخلاف والمختلف ، وسيأتي (١). لأنّ المشروط عليه إن أنشأ إلزام الشرط على نفسه قبل العقد كان إلزاماً ابتدائيّاً لا يجب الوفاء به قطعاً وإن كان أثره مستمرّاً في نفس الملزِم إلى حين العقد ، بل إلى حين حصول الوفاء وبعده نظير بقاء أثر الطلب المُنشأ في زمانٍ إلى حين حصول المطلوب وإن وعد بإيقاع العقد مقروناً بالتزامه ، فإذا ترك ذكره في العقد فلم يحصل ملزمٌ له.

قد يقال بوجوب الوفاء بالشرط إذا تواطآ عليه قبل العقد

نعم ، يمكن أن يقال : إنّ العقد إذا وقع مع تواطئهما على الشرط كان قيداً معنويّاً له ، فالوفاء بالعقد الخاصّ لا يكون إلاّ مع العمل بذلك الشرط ، ويكون العقد بدونه تجارةً لا عن تراض ؛ إذ التراضي وقع مقيّداً بالشرط ، فإنّهم قد صرّحوا بأنّ الشرط كالجزء من أحد العوضين ، فلا فرق بين أن يقول : «بعتك العبد بعشرةٍ وشرطت لك ماله» وبين تواطئهما على كون مال العبد للمشتري ، فقال : «بعتك العبد بعشرة» قاصدين العشرة المقرونة بكون مال العبد للمشتري.

هذا ، مع أنّ الخارج من عموم «المؤمنون عند شروطهم» هو ما لم يقع العقد مبنيّاً عليه ، فيعمّ محلّ الكلام.

وعلى هذا فلو تواطيا على شرطٍ فاسدٍ فسد العقد المبنيّ عليه وإن لم يذكر فيه. نعم ، لو نسيا الشرط المتواطأ عليه فأوقعا العقد غير بانين على الشرط بحيث يقصدان من العوض المقرون بالشرط ، اتّجه صحّة العقد وعدم لزوم الشرط.

هذا ، ولكن الظاهر من كلمات الأكثر عدم لزوم الشرط الغير‌

__________________

(١) سيأتي في الصفحة ٥٧.

٥٥

دعوى الاجماع على عدم لزوم الوفاء بما يشترط قبل العقد

المذكور في متن العقد ، وعدم إجراء أحكام الشرط عليه وإن وقع العقد مبنيّاً عليه ، بل في الرياض عن بعض الأجلّة حكاية الإجماع على عدم لزوم الوفاء بما يشترط لا في عقدٍ ، بعد ما ادّعى هو قدس‌سره الإجماع على أنّه لا حكم للشروط إذا كانت قبل عقد النكاح (١). وتتبّع كلماتهم في باب البيع والنكاح يكشف عن صدق ذلك المحكيّ ، فتراهم يجوّزون في باب الربا والصرف الاحتيال في تحليل معاوضة أحد المتجانسين بأزيد منه ببيع الجنس بمساويه ثم هبة الزائد من دون أن يشترط ذلك في العقد ، فإنّ الحيلة لا تتحقّق إلاّ بالتواطي على هبة الزائد بعد البيع والتزام الواهب بها قبل العقد مستمرّاً إلى ما بعده.

وقد صرّح المحقّق والعلاّمة في باب المرابحة : بجواز أن يبيع الشي‌ء من غيره بثمنٍ زائدٍ مع قصدهما نقله بعد ذلك الى البائع ليخبر بذلك الثمن عند بيعه مرابحةً إذا لم يشترطا ذلك لفظاً (٢).

ومعلومٌ أنّ المعاملة لأجل هذا الغرض لا يكون إلاّ مع التواطي والالتزام بالنقل ثانياً.

نعم ، خصّ في المسالك ذلك بما إذا وثق البائع بأن المشتري ينقله إليه من دون التزام ذلك وإيقاع العقد على هذا الالتزام (٣). لكنّه تقييدٌ لإطلاق كلماتهم ، خصوصاً مع قولهم : إذا لم يشترطا لفظاً.

وبالجملة ، فظاهر عبارتي الشرائع والتذكرة : أنّ الاشتراط والالتزام من قصدهما ولم يذكراه لفظاً ، لا أنّ النقل من قصدهما ، فراجع.

__________________

(١) راجع الرياض (الحجريّة) ٢ : ١١٦.

(٢) الشرائع ٢ : ٤١ ، والقواعد ٢ : ٥٨ ، والتذكرة ١ : ٥٤٢.

(٣) المسالك ٣ : ٣٠٩.

٥٦

وأيضاً فقد حكي عن المشهور : أنّ عقد النكاح المقصود فيه الأجل والمهر المعيّن إذا خلا عن ذكر الأجل ينقلب دائماً (١).

نعم ، ربما ينسب (٢) إلى الخلاف والمختلف : صحّة اشتراط عدم الخيار قبل عقد البيع. لكن قد تقدّم (٣) في خيار المجلس النظر في هذه النسبة إلى الخلاف ، بل المختلف ، فراجع.

وجهٌ آخر لبطلان العقد الواقع على هذا الشرط

ثمّ إنّ هنا وجهاً آخر لا يخلو عن وجهٍ ، وهو بطلان العقد الواقع على هذا الشرط ؛ لأنّ الشرط من أركان العقد المشروط ، بل عرفت أنّه كالجزء من أحد العوضين ، فيجب ذكره في الإيجاب والقبول كأجزاء العوضين ، وقد صرّح الشهيد في غاية المراد بوجوب ذكر الثمن في العقد وعدم الاستغناء عنه بذكره سابقاً (٤) ، كما إذا قال : «بعني بدرهم» فقال : «بعتك» فقال المشتري : «قبلت» وسيأتي في حكم الشرط الفاسد كلامٌ من المسالك (٥) إن شاء الله تعالى.

توهّم شرط تاسع ، وهو اشتراط تنجيز الشرط

وقد يتوهّم هنا شرطٌ تاسع ، وهو : تنجيز الشرط ، بناءً على أنّ تعليقه يسري إلى العقد بعد ملاحظة رجوع الشرط إلى جزءٍ من أحد العوضين ، فإنّ مرجع قوله : «بعتك هذا بدرهمٍ على أن تخيط لي إن‌

__________________

(١) حكاه في الجواهر ٣٠ : ١٧٢.

(٢) نسبه في مفتاح الكرامة ٤ : ٥٣٩ ٥٤٠ ، وراجع الخلاف ٣ : ٢١ ، المسألة ٢٨ من كتاب البيوع ، والمختلف ٥ : ٦٣.

(٣) راجع الجزء الخامس ، الصفحة ٥٨.

(٤) غاية المراد ٢ : ١٦ ١٧.

(٥) يأتي في الصفحة ١٠٤.

٥٧

جاء زيد» على وقوع المعاوضة بين المبيع وبين الدرهم المقرون بخياطة الثوب على تقدير مجي‌ء زيد ، بل يؤدّي إلى البيع بثمنين على تقديرين ، فباعه بالدرهم المجرّد على تقدير عدم مجي‌ء زيد ، وبالدرهم المقرون مع خياطة الثوب على تقدير مجيئه.

دفع هذا التوهّم

ويندفع : بأنّ الشرط هو الخياطة على تقدير المجي‌ء لا الخياطة المطلقة ليرجع التعلّق (١) إلى أصل المعاوضة الخاصّة. ومجرّد رجوعهما في المعنى إلى أمرٍ واحدٍ لا يوجب البطلان ؛ ولذا اعترف (٢) أنّ مرجع قوله : «أنت وكيلي إذا جاء رأس الشهر في أن تبيع» و «أنت وكيلي في أن تبيع إذا جاء رأس الشهر» إلى واحدٍ ، مع الاتّفاق على صحّة الثاني وبطلان الأوّل (٣).

نعم ، ذكر في التذكرة : أنّه لو شرط البائع كونه أحقّ بالمبيع لو باعه المشتري ، ففيه إشكال (٤). لكن لم يعلم أنّ وجهه تعلّق (٥) الشرط ، بل ظاهر عبارة التذكرة وكثيرٍ منهم في بيع الخيار بشرط ردّ الثمن كون الشرط وهو الخيار معلّقاً على ردّ الثمن. وقد ذكرنا ذلك سابقاً في بيع الخيار (٦).

__________________

(١) في «ش» : «التعليق».

(٢) أي : المتوهّم ، بناءً على نسخة «ق» ، وفي «ش» : «اعترف بعضهم بأنّ».

(٣) من قوله : «وقد يتوهّم ..» إلى هنا ، قد ورد في «ق» في ذيل الشرط السابع. ولم نقف على منشئه.

(٤) لم نعثر عليه في التذكرة.

(٥) في «ش» : «تعليق».

(٦) راجع الجزء الخامس ، الصفحة ١٢٩ ١٣١.

٥٨

مسألة

في حكم الشرط الصحيح‌

أقسام الشرط :

١ ـ شرط الوصف.

٢ ـ شرط الفعل.

٣ ـ شرط الغاية.

وتفصيله : أنّ الشرط إمّا أن يتعلّق بصفةٍ من صفات المبيع الشخصي ، ككون العبد كاتباً ، والجارية حاملاً ، ونحوهما.

وإمّا أن يتعلّق بفعلٍ من أفعال أحد المتعاقدين أو غيرهما ، كاشتراط إعتاق العبد ، وخياطة الثوب.

وإمّا أن يتعلّق بما هو من قبيل الغاية للفعل ، كاشتراط تملّك عينٍ خاصّةٍ ، وانعتاق مملوكٍ خاصٍّ ، ونحوهما.

لا حكم للقسم الأوّل إلّا الخيار

ولا إشكال في أنّه لا حكم للقسم الأوّل إلاّ الخيار مع تبيّن فقد الوصف المشروط ؛ إذ لا يعقل تحصيله هنا ، فلا معنى لوجوب الوفاء فيه ، وعموم «المؤمنون» مختصٌّ بغير هذا القسم.

حكم القسم الثالث

وأمّا الثالث : فإن أُريد باشتراط الغاية أعني الملكيّة ، والزوجية ، ونحوهما اشتراط تحصيلهما بأسبابهما الشرعيّة ، فيرجع إلى الثاني ، وهو اشتراط الفعل.

وإن أُريد حصول الغاية بنفس الاشتراط ، فإن دلّ الدليل الشرعي على عدم تحقّق تلك الغاية إلاّ بسببها الشرعيّ الخاصّ كالزوجية ، والطلاق ، والعبوديّة ، والانعتاق ، وكون المرهون مبيعاً عند انقضاء‌

٥٩

الأجل ، ونحو ذلك كان الشرط فاسداً ؛ لمخالفته للكتاب والسنّة.

كما أنّه لو دلّ الدليل على كفاية الشرط فيه كالوكالة ، والوصاية ، وكون مال العبد وحمل الجارية وثمر الشجرة ملكاً للمشتري فلا إشكال.

وأمّا لو لم يدلّ دليلٌ على أحد الوجهين ، كما لو شرط في البيع كون مالٍ خاصٍّ غير تابعٍ لأحد العوضين كالأمثلة المذكورة ملكاً لأحدهما ، أو صدقةً ، أو كون العبد الفلاني حرّا ، ونحو ذلك ، ففي صحّة هذا الشرط إشكالٌ :

من أصالة عدم تحقّق تلك الغاية إلاّ بما عُلم كونه سبباً لها ، وعموم «المؤمنون عند شروطهم» ونحوه لا يجري هنا ؛ لعدم كون الشرط فعلاً ليجب الوفاء به.

ومن أنّ الوفاء لا يختصّ بفعل ما شرط بل يشمل ترتّب (١) الآثار عليه ، نظير الوفاء بالعقد. ويشهد له تمسّك الإمام عليه‌السلام بهذا العموم في موارد كلِّها من هذا القبيل ، كعدم الخيار للمكاتبة التي أعانها ولد زوجها على أداء مال الكتابة مشترطاً عليها عدم الخيار على زوجها بعد الانعتاق (٢) ، مضافاً إلى كفاية دليل الوفاء بالعقود في ذلك بعد صيرورة الشرط جزءاً للعقد.

وأمّا توقّف الملك وشبهه على أسبابٍ خاصّةٍ فهي دعوى غير مسموعةٍ مع وجود أفرادٍ اتّفق على صحّتها ، كما في حمل الجارية ومال‌

__________________

(١) في «ش» : «ترتيب».

(٢) الوسائل ١٦ : ٩٥ ، الباب ١١ من أبواب كتاب المكاتبة ، وفيه حديث واحد.

٦٠