كتاب المكاسب - ج ٦

الشيخ مرتضى الأنصاري

كتاب المكاسب - ج ٦

المؤلف:

الشيخ مرتضى الأنصاري


المحقق: لجنة تحقيق تراث الشيخ الأعظم
الموضوع : الفقه
الناشر: مجمع الفكر الاسلامي
المطبعة: شريعت
الطبعة: ٤
ISBN: 964-5662-16-8
ISBN الدورة:
964-5662-17-6

الصفحات: ٣٣٦

مسألة

تلف بعض المبيع قبل قبضه ، وفيه صورتان :

١ ـ إذا كان الجزء التالف ممّا يقسّط عليه الثمن

لو تلف بعض المبيع قبل قبضه ، فإن كان ممّا يقسّط الثمن عليه انفسخ البيع فيه فيما يقابله من الثمن ؛ لأنّ التالف مبيعٌ تلف قبل قبضه ، فإنّ البيع يتعلّق بكلِّ جزء ، إذ البيع عرفاً ليس إلاّ التمليك بعوض ، وكلُّ جزءٍ كذلك. نعم ، إسناد البيع إلى جزءٍ واحدٍ مقتصراً عليه يوهم انتقاله بعقدٍ (١) مستقل ، [ولذا (٢)] لم يطلق على بيع الكلّ «البيوع المتعدّدة».

وكيف كان فلا إشكال ولا خلاف في المسألة.

٢ ـ إذا كان ممّا لا يقسّط عليه الثمن

وإن كان الجزء ممّا لا يتقسّط عليه الثمن كيد العبد ، فالأقوى أنّه كالوصف الموجب للتعيّب. فإن قلنا بكونه كالحادث قبل العقد ، فالمشتري مخيّرٌ بين الردّ والأرش ، وإلاّ كان له الردّ فقط ، بل عن الإيضاح : أنّ الأرش هنا أظهر ؛ لأنّ المبيع هو مجموع بدن العبد ، وقد نقص بعضه ، بخلاف نقصان الصفة (٣). وفيه تأمّل.

__________________

(١) ظاهر «ق» : «لعقد».

(٢) لم يرد في «ق».

(٣) إيضاح الفوائد ١ : ٥١٠.

٢٨١

حكم العيب الحادث قبل القبض

بل ظاهر الشرائع عدم الأرش هنا (١) مع قوله به في العيب (٢) ، فتأمّل. وكيف كان ، فالمهمّ نقل الكلام إلى حكم العيب الحادث قبل القبض. والظاهر المصرَّح به في كلام غير واحد : أنّه لا خلاف في أنّ للمشتري الردّ (٣).

الخلاف في ثبوت الأرش فيه وعدمه

وأمّا الخلاف في الأرش ، ففي الخلاف عدمه ، مدّعياً عدم الخلاف فيه (٤) ، وهو المحكي عن الحلّي (٥) وظاهر المحقّق وتلميذه كاشف الرموز (٦) ؛ لأصالة لزوم العقد وإنّما ثبت الردّ لدفع تضرّر المشترى به.

وعن النهاية : ثبوته (٧) ، واختاره العلاّمة (٨) والشهيدان (٩) والمحقّق‌

__________________

(١) الشرائع ٢ : ٣٠ و ٣٥ ٣٦ ، وتردّد في العيب الحادث بعد العقد وقبل القبض ، راجع الشرائع ٢ : ٣٩.

(٢) الشرائع ٢ : ٣٠ و ٣٥ ٣٦ ، وتردّد في العيب الحادث بعد العقد وقبل القبض ، راجع الشرائع ٢ : ٣٩.

(٣) منهم الأردبيلي في مجمع الفائدة ٨ : ٤٣٥ ، والمحقّق السبزواري في الكفاية : ٩٣ ، والمحدّث البحراني في الحدائق ١٩ : ٨٨ ، والسيّد الطباطبائي في الرياض ٨ : ٢٧٥ ، وراجع تفصيل ذلك في مفتاح الكرامة ٤ : ٦٢٨.

(٤) الخلاف ٣ : ١٠٩ ، المسألة ١٧٨ من كتاب البيوع.

(٥) السرائر ٢ : ٢٩٨.

(٦) لم نعثر على هذه الحكاية ، أمّا المحقّق فقد تردّد في الشرائع ٢ : ٣٩ ، وقال في المختصر : ١٢٦ : «وفي الأرش قولان ، أشبههما الثبوت» نعم قوّى في نكت النهاية عدم الأرش ، راجع النهاية ونكتها ٢ : ١٦٢ ، وأمّا تلميذه فقد اختار في كشف الرموز ١ : ٤٨٤ عدم الأرش.

(٧) النهاية : ٣٩٥.

(٨) القواعد ٢ : ٧٨ ، والتذكرة ١ : ٥٢٤.

(٩) غاية المراد ٢ : ٦١ ، وحاشية الشهيد الثاني نفس الموضع ، والمسالك ٣ : ٢٨٤ و ٣٠٣.

٢٨٢

المشهور ثبوت الارش والاستدلال عليه

الثاني (١) وغيرهم (٢) ، وعن المختلف : نقله عن القاضي والحلبي (٣) ، وعن المسالك : أنّه المشهور (٤).

واستدلّوا (٥) عليه : بأنّ الكلّ مضمونٌ قبل القبض ، فكذا أبعاضه وصفاته. وأُورد عليه : بأنّ معنى ضمان الكلّ انفساخ العقد ورجوع الثمن إلى المشتري والمبيع إلى البائع ، وهذا المعنى غير متحققٍ في الوصف ؛ لأنّ انعدامه بعد العقد في ملك البائع [لا (٦)] يوجب رجوع ما قابلة من عين الثمن ، مع أن الأرش لا يتعيّن كونه من عين الثمن.

ويدفع : بأنّ وصف الصحّة لا يقابَل بجزء عينٍ من الثمن ؛ ولذا يجوز دفع بدله من غير الثمن مع فقده ، بل يقابل بالأعمّ منه وممّا يساويه من غير الثمن (٧) ، وحينئذٍ فتلفه على المشتري لا يوجب‌

__________________

(١) جامع المقاصد ٤ : ٣٥٦.

(٢) مثل الفاضل المقداد في التنقيح ٢ : ٨٥ ، والمحقّق الأردبيلي في مجمع الفائدة ٨ : ٤٣٥ ، وراجع تفصيل ذلك في مفتاح الكرامة ٤ : ٦٢٨.

(٣) المختلف ٥ : ١٨٢ ، ولم نعثر عليه في المهذّب ، وراجع الكافي في الفقه : ٣٥٥.

(٤) المسالك ٣ : ٢٨٤.

(٥) راجع للاستدلال وما يورد عليه الرياض ٨ : ٢٧٦ ٢٧٧ ، ومفتاح الكرامة ٤ : ٦٢٨ ، وراجع ٣٢٩ أيضاً.

(٦) لم يرد في «ق» ، والظاهر سقوطه من قلمه الشريف.

(٧) العبارة في «ش» من قوله : «مع أنّ الأرش إلى من غير الثمن» هكذا : «بل يقابل بالأعمّ منه وممّا يساويه من غير الثمن ، لأنّ الأرش لا يتعيّن كونه من عين الثمن ، ويدفع : بأنّ وصف الصحّة لا يقابل ابتداءً بجزءٍ من عين الثمن ؛ ولذا يجوز دفع بدله من غير الثمن مع فقده ، بل لا يضمن بمالٍ أصلاً ، لجواز إمضاء العقد على المعيب بلا شي‌ء».

٢٨٣

رجوع (١) جزءٍ من عين الثمن ، بخلاف الكلّ والأجزاء المستقلّة في التقويم ، فحاصل معنى الضمان في المقامين هو : تقدير التلف المتعلّق بالعين أو الوصف في ملك البائع (٢) وأنّ العقد من هذه الجهة كأن لم يكن ، ولازم هذا انفساخ العقد رأساً إذا تلف تمام المبيع ، وانفساخه بالنسبة إلى بعض أجزائه إذا تلف البعض ، وانفساخ العقد بالنسبة إلى الوصف بمعنى فواته في ملكه وتقدير العقد كأن لم يكن بالنسبة إلى حدوث هذا العيب ، فكأنّ العيب حدث قبل العقد والعقد قد وقع على عينٍ معيبة ، فيجري فيه جميع أحكام العيب : من الخيار ، وجواز التبرّي منه في العقد ، وجواز إسقاط الخيار بعده ردّاً وأرشاً.

ما يؤيّد ثبوت الارش

ويؤيّد ما ذكرنا : من اتّحاد معنى الضمان بالنسبة إلى ذات المبيع ووصف صحّته ، الجمعُ بينهما في تلف الحيوان في أيّام الخيار وتعيّبه في صحيح ابن سنان : «عن الرجل يشتري الدابّة أو العبد فيموت أو يحدث فيه حدثٌ ، على من ضمان ذلك؟ قال : على البائع حتّى يمضي الشرط» (٣) (٤).

__________________

(١) في «ش» زيادة : «شي‌ءٍ إلى المشتري ، فضلاً عن».

(٢) العبارة في «ش» من قوله : «فحاصل معنى الضمان إلى في ملك البائع» هكذا : «فحاصل معنى الضمان إذا انتفى وصف الصحّة قبل العقد أو انعدم بعد العقد وقبل القبض : هو تقدير التلف المتعلّق بالعين أو الوصف في ملك البائع في المقامين».

(٣) الوسائل ١٢ : ٣٥٢ ، الباب ٥ من أبواب الخيار ، الحديث ٢.

(٤) في «ش» زيادة ما يلي : «فقوله عليه‌السلام : " على البائع" حكمٌ بالضمان لموت العبد وحدوث حدثٍ فيه بفوات جزءٍ أو وصف ، ومعناه تقدير وقوعه في ملك البائع».

٢٨٤

الاشكال في ثبوت الارش

نعم ، قد يشكل الحكم المذكور ؛ لعدم الدليل على ضمان الوصف ، لأنّ الضمان بهذا المعنى حكمٌ مخالفٌ للأصل يقتصر فيه على محلِّ النصّ والإجماع ، وهو تلف الكلِّ أو البعض. ولو لا الإجماع على جواز الردّ لأشكل الحكم به أيضاً ، إلاّ أنّه لمّا استندوا في الردّ إلى نفي الضرر [قالوا (١)] إنّ الضرر المتوجّه إلى المبيع قبل القبض يجب تداركه على البائع.

وحينئذٍ فقد يستوجه ما ذكره العلاّمة : من أنّ الحاجة قد تمسّ إلى المعاوضة ، فيكون في الردّ ضرر (٢) ، وكذلك في الإمساك بغير أرش ، فيوجب التخيير بين الردّ والأرش ، لنفي الضرر.

لكن فيه : أنّ تدارك ضرر الصبر على المعيب يتحقّق بمجرّد الخيار في الفسخ والإمضاء ، كما في سائر موارد الضرر الداعي إلى الحكم بالخيار.

الاقوى قول المشهور

هذا ، ومع ذلك فقول المشهور لا يخلو عن قوّة.

هذا كلّه مع تعيّبه بآفةٍ سماويّة.

لو كان التعيّب بغير آفة سماويّة

وأمّا لو تعيّب بفعل أحدٍ ، فإن كان هو المشتري فلا ضمان بأرشه ، وإلاّ كان له على الجاني أرش جنايته ؛ لعدم الدليل على الخيار في العيب المتأخّر إلاّ أن يكون بآفةٍ سماويّة. ويحتمل تخيير المشتري بين الفسخ والإمضاء ، مع تضمين الجاني لأرش جنايته بناءً على جعل العيب قبل القبض مطلقاً موجباً للخيار ، ومع الفسخ يرجع البائع على الأجنبي بالأرش.

__________________

(١) لم يرد في «ق».

(٢) ذكره في المختلف ٥ : ١٨٢.

٢٨٥

مسألة

حرمة بيع المكيل والموزون قبل قبضه إلّا توليةً والاستدلال عليه بالروايات الصحيحة

الأقوى من حيث الجمع بين الروايات حرمة بيع المكيل والموزون قبل قبضه إلاّ توليةً ؛ لصحيحة ابن حازم المرويّة في الفقيه : «إذا اشتريتَ متاعاً فيه كيلٌ أو وزنٌ فلا تبعه حتّى تقبضه ، إلاّ أن تولّيه ، فإن لم يكن فيه كيلٌ أو وزنٌ فبعه» (١).

وصحيحة الحلبي في الكافي عن أبي عبد الله عليه‌السلام قال : «في الرجل يبتاع الطعام ، ثمّ يبيعه قبل أن يكتاله؟ قال : لا يصلح له ذلك» (٢).

وصحيحته الأُخرى في الفقيه ، قال : «سألت أبا عبد الله عليه‌السلام : عن قومٍ اشتروا بَزّاً ، فاشتركوا فيه جميعاً ، ولم يقتسموا ، أيصلح لأحد منهم بيع بَزّه قبل أن يقبضه ويأخذ ربحه؟ قال : لا بأس به ، وقال :

__________________

(١) الفقيه ٣ : ٢٠٦ ، الحديث ٣٧٧٢ ، والوسائل ١٢ : ٣٨٧ ، الباب ١٦ من أبواب العقود ، الحديث الأوّل.

(٢) الكافي ٥ : ١٧٨ ، الحديث ٢ ، والوسائل ١٢ : ٣٨٨ ، الباب ١٦ من أبواب العقود ، الحديث ٥.

٢٨٦

لأنّ (١) هذا ليس بمنزلة الطعام ، لأنّ الطعام يكال» (٢) بناءً على أنّ المراد ما قبل أن يقبضه من البائع ، أمّا إذا أُريد من ذلك عدم قبض حصّته من يد الشركاء فلا يدلّ على ما نحن فيه ؛ لتحقّق القبض بحصوله في يد أحد الشركاء المأذون عن الباقي.

ورواية معاوية بن وهب ، قال : «سألت أبا عبد الله عليه‌السلام عن الرجل يبيع البيع قبل أن يقبضه؟ فقال : ما لم يكن كيلٌ أو وزنٌ فلا يبعه حتّى يكيله أو يزنه ، إلاّ أن يولّيه بالذي قام عليه» (٣).

وصحيحة منصور في الفقيه ، قال : «سألت أبا عبد الله عليه‌السلام عن رجلٍ اشترى مبيعاً ليس فيه كيلٌ ولا وزنٌ ، إله أن يبيعه مرابحةً قبل أن يقبضه ويأخذ ربحه؟ قال : لا بأس بذلك ما لم يكن كيلٌ أو وزنٌ ، فإن هو قبضه كان أبرأ لنفسه» (٤).

وصحيح الحلبي : «في الرجل (٥) يبتاع الطعام أيصلح (٦) بيعه قبل أن يقبضه؟ قال : إذا ربح لم يصلح حتّى يقبضه وإن كان توليةً‌

__________________

(١) في «ش» والمصدر : «إنّ».

(٢) الفقيه ٣ : ٢١٧ ، الحديث ٣٨٠٥ ، والوسائل ١٢ : ٣٨٩ ، الباب ١٦ من أبواب العقود ، الحديث ١٠.

(٣) الوسائل ١٢ : ٣٨٩ ، الباب ١٦ من أبواب العقود ، الحديث ١١.

(٤) الفقيه ٣ : ٢١٧ ، الحديث ٣٨٠٤ ، والوسائل ١٢ : ٣٩٠ ، الباب ١٦ من أبواب العقود ، الحديث ١٨.

(٥) من هنا إلى قوله : «وأمّا إذا لم يرض المسلم إليه ..» في الصفحة ٣١١ ساقط من «ق».

(٦) في «ف» بدل «أيصلح» : «أيصح».

٢٨٧

فلا بأس» (١).

وخبر حزام المروي عن مجالس الطوسي ، قال : «ابتعت طعاماً من طعام الصدقة ، فأُربحت فيه قبل أن أقبضه ، فأردت بيعه فسألت النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، فقال : لا تبعه حتى تقبضه» (٢).

ومفهوم رواية خالد بن حجّاج الكرخي قال : «قلت لأبي عبد الله عليه‌السلام : أشتري الطعام إلى أجلٍ مسمّى ، فيطلبه التجار منّي بعد ما اشتريت قبل أن أقبضه؟ قال : لا بأس أن تبيع إلى أجلٍ ، كما اشتريت (٣)» (٤) والمراد تأجيل الثمن ، وقوله : «كما اشتريت» إشارةٌ إلى كون البيع توليةً فيدلّ على ثبوت البأس في غير التولية.

ومصحّحة عليّ بن جعفر عن أخيه : «عن الرجل يشتري الطعام أيصلح (٥) بيعه قبل أن يقبضه؟ قال : إذا ربح لم يصلح حتّى يقبض ، وإن كان توليةً فلا بأس» (٦) وفي معناها روايته الأُخرى (٧).

__________________

(١) ما ذكره المصنّف بعنوان صحيح الحلبي لم نعثر عليه ، بل هو تركيب من روايتين ، فقوله : «في الرجل يبتاع الطعام» من صحيحة الحلبي المتقدّمة في الصفحة ٢٨٦ ، والباقي من مصحّحة علي بن جعفر الآتية بعد أسطر.

(٢) الأمالي للطوسي : ٣٩٩ ، الحديث ٨٩١ ، والوسائل ١٢ : ٣٩١ ، الباب ١٦ من أبواب أحكام العقود ، الحديث ٢١.

(٣) في «ش» زيادة : «إليه ، الخبر».

(٤) الوسائل ١٢ : ٣٩١ ، الباب ١٦ من أبواب أحكام العقود ، الحديث ١٩.

(٥) في «ف» بدل «أيصلح» : «أيصحّ».

(٦) الوسائل ١٢ : ٣٨٩ ، الباب ١٦ من أبواب أحكام العقود ، الحديث ٩.

(٧) في «ش» : «روايةٌ أُخرى» ، وراجع قرب الإسناد : ٢٦٥ ، الحديث ١٠٥٢ ، والوسائل ١٢ : ٣٨٩ ، الباب ١٦ من أبواب أحكام العقود ، ذيل الحديث ٩.

٢٨٨

القول بالكراهة جمعاً بين الروايات

خلافاً للمحكّي عن الشيخين في المقنعة (١) والنهاية (٢) والقاضي (٣) والمشهور بين المتأخّرين (٤) ، فالكراهة ، لرواياتٍ صارفةٍ لظواهر الروايات المتقدّمة إلى الكراهة ، مثل ما في الفقيه في ذيل رواية الكرخي المتقدّمة ـ : «قلت لأبي عبد الله عليه‌السلام : أشتري الطعام من الرجل ، ثمّ أبيعه من رجلٍ آخر قبل أن أكتاله ، فأقول له : ابعث وكيلك حتّى يشهد كيله إذا قبضته؟ قال : لا بأس» (٥).

ورواية جميل بن درّاج عن أبي عبد الله عليه‌السلام «في الرجل يشتري الطعام ثمّ يبيعه قبل أن يقبضه؟ قال : لا بأس ، ويوكّل الرجل المشتري من يكيله ويقبضه» (٦).

الأولى حمل الروايات المجوّزة على التولية

وهذه الروايات مطلقةٌ يمكن حملها على التولية ، وهو أولى من حمل تلك الأخبار على الكراهة ، مع أنّ استثناء التولية حينئذٍ يوجب‌

__________________

(١) المقنعة : ٥٩٦.

(٢) النهاية : ٣٩٨.

(٣) حكاه العلاّمة في المختلف ٥ : ٢٨١ ، وولده في الإيضاح ١ : ٥٠٨ ، والشهيد في غاية المراد ٢ : ١٣٧ عن القاضي في الكامل. ولا يوجد الكامل عندنا.

(٤) حكاه المحدّث البحراني في الحدائق ١٩ : ١٦٨.

(٥) الفقيه ٣ : ٢٠٩ ، ذيل الحديث ٣٧٨٠ ، والوسائل ١٢ : ٣٨٨ ، الباب ١٦ من أبواب أحكام العقود ، الحديث ٣.

(٦) آخر الحديث في «ش» والوسائل هكذا : «ويوكّل الرجل المشتري منه بقبضه وكيله ، قال : لا بأس» ، راجع الوسائل ١٢ : ٣٨٨ ، الباب ١٦ من أبواب أحكام العقود ، الحديث ٦.

٢٨٩

نفي الكراهة فيها ، مع أنّ الظاهر عدم الخلاف في الكراهة فيها أيضاً بين أرباب هذا القول وإن كانت أخفّ.

الاستيناس للجمع بالكراهة بخبر أبي بصير والمناقشة فيه

ومن ذلك يعلم ما في الاستيناس للجمع بالكراهة بخبر أبي بصير : «سألت أبا عبد الله عليه‌السلام عن رجلٍ اشترى طعاماً ، ثم باعه قبل أن يكيله؟ قال : لا يعجبني أن يبيع كيلاً أو وزناً قبل أن يكيله أو يزنه ، إلاّ أن يولّيه [كما اشتراه (١)] فلا بأس أن يولّيه كما اشتراه إذا لم يربح به أو يضع ، وما كان عنده من شي‌ءٍ ليس بكيلٍ ولا وزنٍ فلا بأس أن يبيعه قبل أن يقبضه» (٢).

بناءً على أنّ قوله : «لا يعجبني» ظاهرٌ في الكراهة ، فإنّ ذلك يوجب رفع الكراهة رأساً في التولية ؛ لأنّه في قوّة : «إنّ ذلك في التولية ليس ممّا لا يعجبني» مع أنّ القائلين بالكراهة لا يفرّقون بين التولية وغيرها في أصل الكراهة وإن صرّح بعضهم بكونها في التولية أخفّ (٣).

الاستدلال للجواز بصحيحتي الحلبي وابن مسلم والمناقشة فيه

وربّما يستدلّ على الجواز بصحيحتي الحلبي وابن مسلم في جواز بيع الثمرة المشتراة قبل قبضها (٤). لكن لا يبعد إرادة الثمرة على الشجرة ، فيخرج عن المكيل والموزون.

__________________

(١) لم يرد في «ف».

(٢) الوسائل ١٢ : ٣٩٠ ، الباب ١٦ من أبواب أحكام العقود ، الحديث ١٦.

(٣) صرّح به صاحب الجواهر في الجواهر ٢٣ : ١٦٩.

(٤) استدلّ بهما في الجواهر ٢٣ : ١٦٦ ، وراجع الوسائل ١٣ : ١٣ ، الباب ٧ من أبواب بيع الثمار ، الحديث ٢ و ٣.

٢٩٠

الاستئناس للجواز بأخبار جواز بيع السلم على من هو عليه والمناقشة فيه

وربما يستأنس للجواز بالأخبار الواردة في جواز بيع السَّلَم على من هو عليه (١) بناءً على عدم الفرق بين المسألتين. وفيه تأمّلٌ ؛ لعدم ثبوت ذلك ، بل الظاهر أنّ محلّ الخلاف هنا هو بيع غير المقبوض على غير البائع ، كما يستفاد من ذكر القائلين بالجواز في تلك المسألة والقائلين بالتحريم هنا.

وقد جعل العلاّمة بيع غير المقبوض على بائعه مسألةً أُخرى ذكرها بعد مسألتنا وفروعها ، وذكر : أنّ المجوّزين في المسألة الأُولى جزموا بالجواز هنا ، واختلف المانعون [فيها هنا (٢)]. ومن العجيب (٣)! ما عن التنقيح : من الإجماع على جواز بيع السَّلَم على من هو عليه (٤) مع إجماع المبسوط على المنع عن بيع السَّلَم قبل القبض ، مصرِّحاً بعدم الفرق بين المسلم إليه وغيره (٥).

الحكم في غير المكيل والموزون

ثمّ إنّ صريح التحرير (٦) والدروس (٧) : الإجماع على الجواز في غير المكيل والموزون ، مع أنّ المحكي في التذكرة عن بعض علمائنا القول‌

__________________

(١) استأنس بها في الجواهر ٢٣ : ١٦٦ ، وراجع الوسائل ١٢ : ٣٧٤ ٣٧٥ ، الباب ٧ من أبواب أحكام العقود ، و ١٣ : ٦٨ ٧٣ ، الباب ١١ من أبواب السلف.

(٢) لم يرد في «ف» ، وراجع التذكرة ١ : ٤٧٥.

(٣) في «ش» : «العجب».

(٤) التنقيح الرائع ٢ : ١٤٥.

(٥) المبسوط ٢ : ١٢١.

(٦) التحرير ١ : ١٧٦.

(٧) الدروس ٣ : ٢١١.

٢٩١

بالتحريم مطلقاً (١) ، ونسبه في موضعٍ آخر إلى جماعةٍ منّا (٢). وصريح الشيخ في المبسوط اختيار هذا القول ، قال في باب السلم : إذا أسلف في شي‌ءٍ فلا يجوز أن يشرك فيه غيره ولا أن يولّيه ؛ لأنّ النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم نهى عن بيع ما لم يقبض ، وقال : «من أسلف في شي‌ءٍ فلا يصرفه إلى غيره» (٣) إلى أن قال : وبيوع الأعيان مثل ذلك إن لم يكن قبض المبيع ، فلا يصحّ الشركة ولا التولية ، وإن كان قد قبضه صحّت الشركة والتولية فيه بلا خلاف. وقد روى أصحابنا جواز الشركة فيه والتولية قبل القبض (٤).

أقوالٌ خمسة في بيع المكيل والموزون قبل القبض

ثمّ إنّ المحكيّ عن المهذّب البارع عدم وجدان العامل بالأخبار المتقدّمة المفصّلة بين التولية وغيرها (٥). وهو عجيبٌ ؛ فإنّ التفصيل حكاه في التذكرة قولاً خامساً في المسألة لأقوال علمائنا ، وهي الكراهة مطلقاً [والمنع مطلقاً (٦)] والتفصيل بين المكيل والموزون وغيرهما ، والتفصيل بين الطعام وغيره بالتحريم والعدم (٧) وهو قول الشيخ في المبسوط مدّعياً‌

__________________

(١) التذكرة ١ : ٤٧٤.

(٢) التذكرة ١ : ٥٦٠.

(٣) السنن الكبرى ٦ : ٣٠ ، وكنز العمّال ٦ : ٢٤١ ، الحديث ١٥٥٢٧ والصفحة ٢٤٢ ، الحديث ١٥٥٢٩.

(٤) المبسوط ٢ : ١٨٧.

(٥) المهذّب البارع ٢ : ٤٠٠ ٤٠١.

(٦) لم يرد في «ف».

(٧) التذكرة ١ : ٤٧٤.

٢٩٢

عليه الإجماع (١) وبالكراهة والعدم.

قولٌ سادسٌ اختاره في التحرير

وهنا سادسٌ اختاره في التحرير (٢) وهو : التفصيل في خصوص الطعام بين التولية وغيرها بالتحريم والكراهة في غيره من المكيل والموزون.

والمراد بالطعام يحتمل أن يكون مطلق ما أُعدّ للأكل ، كما قيل : إنّه موضوعٌ له (٣) لغة (٤).

ويحتمل أن يكون خصوص الحنطة والشعير ، بل قيل : إنّه معناه شرعاً (٥) ، وحكي عن فخر الدين نقله عن والده (٦) ، وحكي اختياره عن بعض المتأخّرين (٧).

وعن الشهيد : أنّه حكى عن التحرير أنّه الحنطة خاصّة (٨) ، وحكي عن بعض أهل اللغة (٩).

__________________

(١) المبسوط ٢ : ١١٩ ١٢٠.

(٢) التحرير ١ : ١٧٦.

(٣) في «ف» : «موضوعه».

(٤) قاله الشهيد الثاني في المسالك ٣ : ٢٤٨ ، والمحدّث البحراني في الحدائق ١٩ : ١٧٩.

(٥) قاله السيّد العاملي في مفتاح الكرامة ٤ : ٤٧٦.

(٦) الموجود في المصادر المتوفّرة لدينا نقله عن فخر الدين نفسه ، ولم نعثر على نقله عن والده راجع جامع المقاصد ٤ : ٣٩٨ ، والمسالك ٣ : ٢٤٨ ، ومفتاح الكرامة ٤ : ٤٧٦.

(٧) حكاه السيّد العاملي في مفتاح الكرامة ٤ : ٤٧٦.

(٨) حكاه أيضاً السيّد العاملي في مفتاح الكرامة ٤ : ٤٧٦.

(٩) حكاه أيضاً في مفتاح الكرامة ٤ : ٤٧٦ ، وراجع الصحاح ٥ : ١٩٧٤ مادة «طعم» ، ومجمع البحرين ٦ : ١٠٥ نفس المادّة ، وفيهما : «وربما خصّ بالبرّ».

٢٩٣

ثمّ إنّ الظاهر أنّ أصل عنوان المسألة مختصٌّ بالمبيع الشخصي ، كما يظهر من الاستدلال في التذكرة للمانعين بضعف الملك قبل القبض ؛ لانفساخه بالتلف وكون المبيع مضموناً على البائع ، فولاية المشتري على التصرّف ضعيفة (١).

وذكر في التذكرة الكلّي الغير المقبوض في فروع المسألة ، وقال : المبيع إن كان ديناً لم يجز بيعه قبل قبضه عند المانعين ؛ لأنّ المبيع مع تعيينه لا يجوز بيعه قبل قبضه ، فمع عدمه أولى ، فلا يجوز بيع السَّلَم قبل قبضه ، ولا الاستبدال به ، وبه قال الشافعي (٢) ، انتهى.

عدم الفرق بين كون المبيع شخصيّاً أم كليّاً

وكيف كان ، فلا فرق في النصّ والفتوى بناءً على المنع بين المبيع المعيّن والكلّي ، بل ولا بناءً على الجواز.

هل المنع تكليفيٌّ أو وضعي؟

ثمّ إنّ ظاهر أكثر الأخبار المتقدّمة المانعة بطلان البيع قبل القبض ، وهو المحكيّ عن صريح العماني (٣) ، بل هو ظاهر كلّ من عبّر بعدم الجواز (٤) الذي هو معقد إجماع المبسوط في خصوص الطعام (٥) ؛ فإنّ جواز البيع وعدمه ظاهران في الحكم الوضعي. إلاّ أنّ المحكيّ عن المختلف : أنّه لو قلنا بالتحريم لم يلزم بطلان البيع (٦). لكن صريحه في‌

__________________

(١) التذكرة ١ : ٤٧٤.

(٢) التذكرة ١ : ٤٧٤ ٤٧٥.

(٣) حكاه عنه العلاّمة في المختلف ٥ : ٢٨١.

(٤) مثل الصدوق في المقنع : ٣٦٧ ، والقاضي في المهذّب ١ : ٣٨٥ ، والطوسي في الوسيلة : ٢٥٢.

(٥) المبسوط ٢ : ١١٩.

(٦) المختلف ٥ : ٢٨٢.

٢٩٤

مواضع من التذكرة (١) وفي القواعد : أنّ محلّ الخلاف الصحّة والبطلان (٢).

محلّ الخلاف هو الحكم الوضعي

وبالجملة ، فلا ينبغي الإشكال في أنّ محلّ الخلاف في كلمات الأصحاب (٣) هو الحكم الوضعي.

وينبغي التنبيه على أُمور :

الأوّل

هل يلحق الثمن بالمبيع في هذا الحكم؟

أنّ ظاهر جماعةٍ عدم لحوق الثمن بالمبيع في هذا الحكم ، فيصحّ بيعه قبل قبضه.

قال في المبسوط : أمّا الثمن إذا كان معيّناً فإنّه يجوز بيعه قبل قبضه ، وإن كان في الذمّة فكذلك يجوز ؛ لأنّه لا مانع منه ما لم يكن صَرْفاً ، فأمّا إذا كان صَرْفاً لا يجوز بيعه قبل القبض (٤).

وفي موضعين من التذكرة قوّى الجواز إذا كان الثمن كليّاً في الذمّة (٥). وهو ظاهر جامع المقاصد في شرح قول المصنّف قدس‌سره : ولو أحال من له طعامٌ من سلم .. إلخ (٦).

__________________

(١) منها ما قاله في التذكرة ١ : ٥٦١ : «مسألة : قد تقدّم الخلاف في أنّ بيع المبيع قبل القبض هل يصحّ أم لا ..».

(٢) راجع القواعد ٢ : ٨٧ ، وفيه : «وعلى التحريم يبطل».

(٣) في «ش» : «كلمات الأكثر».

(٤) المبسوط ٢ : ١٢٠.

(٥) التذكرة ١ : ٤٧٥ و ٥٦٣.

(٦) جامع المقاصد ٤ : ٣٩٩.

٢٩٥

واستدلّ عليه في التذكرة بقول الصادق عليه‌السلام وقد سُئل عن الرجل باع طعاماً بدراهم إلى أجل ، فلمّا بلغ الأجل تقاضاه ، فقال : ليس عندي دراهم خذ منّي طعاماً قال : «لا بأس إنّما له دراهمه يأخذ بها ما شاء» (١).

ويمكن أن يقال : إنّ المطلوب جعل الثمن مبيعاً في العقد الثاني ، لا ثمناً أيضاً كما هو ظاهر الرواية ، مع اختصاصها بالبيع ممّن هو عليه ، فلا يعمّ إلاّ بعدم الفصل لو ثبت. وصرّح في أواخر باب السَّلَم بإلحاق الثمن المعيّن بالمبيع (٢). ويؤيّده تعليل المنع في طرف المبيع بقصور ولاية المشتري لانفساخ العقد بتلفه (٣) فإنّه جارٍ في الثمن المعيّن.

الثاني

هل يختصّ هذا الحكم بالبيع أو يعمّ مطلق الاستبدال؟

هل البيع كنايةٌ عن مطلق الاستبدال فلا يجوز جعله ثمناً ولا عوضاً في الصلح ولا اجرةً ولا وفاءً عمّا عليه ، أم يختصّ بالبيع؟

ظاهر عنواناتهم الاختصاص بالبيع (٤). وأظهر منها في الاختصاص قوله في التذكرة : الأقرب عندي أنّ النهي به متعلّقٌ بالبيع لا بغيره من المعاوضات (٥). وأظهر من الكلّ قوله في موضعٍ آخر : لو كان لزيدٍ عند‌

__________________

(١) الوسائل ١٣ : ٧١ ، الباب ١١ من أبواب السلف ، الحديث ١٠.

(٢) التذكرة ١ : ٥٦٠.

(٣) راجع التذكرة ١ : ٤٧٤.

(٤) في «ف» : «بالمبيع».

(٥) التذكرة ١ : ٤٧٥.

٢٩٦

عمروٍ طعامٌ من سَلَم ، فقال لزيد : خذ هذه الدراهم عن الطعام الذي لك عندي ، لم يجز عند الشافعي ؛ لأنّه بيع المسلَم فيه قبل القبض ، والأولى عندي الجواز ، وليس هذا بيعاً وإنّما هو نوع معاوضة (١) ، انتهى. وأصرح من الكلّ تصريحه في موضعٍ ثالث بجواز الصلح عن المسلَم فيه قبل القبض ؛ لأنّه عقدٌ مستقلٌّ لا يجب مساواته للبيع في أحكامه (٢).

وقد صرّح جامع المقاصد أيضاً في غير موضعٍ باختصاص الحكم بالبيع دون غيره (٣). وقد تقدّم في كلامه : أنّه لا يجوز بيع السَّلَم قبل قبضه ، ولا الاستبدال به (٤).

لكنّ العلاّمة قد عبّر بلفظ «الاستبدال» في كثيرٍ من فروع مسألة البيع قبل القبض (٥) ، مع أنّ ما استدلّ به للمانعين : من قصور ولاية المشتري في التصرّف لانفساخ العقد بالتلف (٦) ، جارٍ في مطلق التصرّف فضلاً عن المعاوضة.

وقد صرّح الشيخ في المبسوط في باب الحوالة : بأنّها معاوضة ، والمعاوضة على المسلَم فيه قبل القبض غير جائزة (٧)] (٨). وهو وإن‌

__________________

(١) التذكرة ١ : ٥٦٠.

(٢) التذكرة ١ : ٥٥٩.

(٣) لم نعثر على تصريحه بذلك ، نعم يظهر منه ذلك ، راجع جامع المقاصد ٤ : ٣٩٩ ٤٠١.

(٤) لم نعثر عليه فيما تقدّم من كلامه ، ولم نعثر عليه في جامع المقاصد ، نعم تقدّم في كلام العلاّمة المتقدّم في الصفحة ٢٩٤.

(٥) راجع التذكرة ١ : ٤٧٥.

(٦) استدلّ به في التذكرة ١ : ٤٧٤ ، وتقدّم في الصفحة السابقة أيضاً.

(٧) الزيادة منّا.

(٨) المبسوط ٢ : ٣١٣.

٢٩٧

رجع عن الصغرى فيما بعد ذلك (١) ، لكنّه لم يرجع عن الكبرى.

وصرّح في الإيضاح بابتناء الفرع الآتي أعني إحالة من عليه طعامٌ لغريمه على من له عليه طعام على أنّ الحوالة معاوضةٌ (٢) أو استيفاء ، وأنّ المعاوضة قبل القبض حرامٌ أو مكروه (٣).

وإرادة خصوص البيع من المعاوضة ليست بأولى من إرادة مطلق المعاوضة من البيع في قولهم : «إنّ الحوالة بيعٌ أو ليست بيعاً» بل هذه أظهر في كلماتهم ، وقد صرّح الأكثر : بأنّ تراضي المسلِم والمسلَم إليه على قيمة المسلَم فيه من بيع الطعام قبل القبض (٤) ، فاستدلّوا بأخباره (٥) على جوازه.

ويؤيّده أيضاً قوله في التذكرة : لو كان لزيدٍ طعامٌ على عمروٍ سَلَماً ، ولخالد مثله على زيد ، فقال زيد : «اذهب إلى عمرو واقبض لنفسك مالي عليه» لم يصحّ لخالدٍ عند أكثر علمائنا ، وبه قال الشافعي وأحمد ؛ لأنّ النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم نهى عن بيع الطعام بالطعام حتى يجري فيه صاعان : صاع البائع وصاع المشتري (٦).

__________________

(١) راجع المبسوط ٢ : ٣١٧ وفيه : «ويقوى في نفسي أنّها ليست ببيع».

(٢) في «ش» زيادة : «مستقلّة».

(٣) إيضاح الفوائد ١ : ٥٠٨.

(٤) منهم المحدّث البحراني في الحدائق ٢٠ : ٤٤ ، والجواهر ٢٤ : ٣٢١.

(٥) راجع الوسائل ١٢ : ٣٨٧ ، الباب ١٦ من أبواب أحكام العقود ، و ١٣ : ٦٨ ، الباب ١١ من أبواب السلف.

(٦) التذكرة ١ : ٤٧٣ ، وراجع الحديث في السنن الكبرى ٥ : ٣١٦.

٢٩٨

وسيأتي ابتناء هذا الفرع في كلام جماعةٍ على مسألة البيع قبل القبض (١).

نعم ، ذكر الشهيد : أنّه كالبيع قبل القبض ، وصرّح بابتناء الحكم فيما لو قال للمسلِم : «اشتر لي بهذه الدراهم طعاماً واقبضه لنفسك» على حكم البيع قبل القبض (٢).

رأي المؤلّف في المسألة

وكيف كان ، فالمسألة محلّ إشكالٍ من حيث اضطراب كلماتهم ، إلاّ أنّ الاقتصار في مخالفة الأصل على المتيقّن هو المتعيّن.

ومنه يظهر جواز بيع ما انتقل بغير البيع من المعاوضات كالصلح والإجارة والخلع كما صرّح به في الدروس (٣) فضلاً عن مثل الإرث والقرض ومال الكتابة والصداق وغيرها. نعم ، لو ورث ما اشترى ولم يقبض أو أصدقه أو عوّض عن الخلع جرى الخلاف في بيعه.

الثالث

هل المنهيّ خصوص إيقاع البيع على ما لم يقبض ، أو ما يعمّ تشخيص الكليّ المبيع به؟

هل المراد من البيع المنهيّ إيقاع عقد البيع على ما لم يقبض ، أو ما يعمّ تشخيص الكليّ المبيع به؟

فيكون المنهيّ عنه نقل ما لم يقبض بسببٍ خاصٍّ هو البيع ، كما لو نهي عن بيع أُمّ الولد ، أو حلف على أن لا يبيع مملوكه ، حيث لا فرق بين إيقاع البيع عليه أو دفعه عن الكليّ المبيع.

__________________

(١) راجع الصفحة ٣٠١ وما بعدها.

(٢) الدروس ٣ : ٢١١.

(٣) الدروس ٣ : ٢١١.

٢٩٩

رأي المؤلّف في المسألة

ظاهر النصّ والفتوى وإن كان هو الأوّل ، بل هو المتعيّن في الأخبار المفصِّلة بين التولية وغيرها (١). إلاّ أنّ المعنى الثاني لا يبعد عن سياق مجموع الأخبار.

ظاهر بعض الروايات جواز إقرار البيع على ما لم يقبض

وعليه ، فلو كان عليه سَلَمٌ لصاحبه ، فدفع إليه دراهم وقال : «اشتر لي بها طعاماً واقبضه لنفسك» جرى فيه الخلاف في بيع ما لم يقبض ، كما صرّح به في الدروس (٢). ولكن في بعض الروايات دلالة على الجواز ، مثل صحيحة يعقوب بن شعيب قال : «سألت أبا عبد الله عليه‌السلام عن الرجل يكون له على الآخر أحمالٌ من رُطبٍ أو تمرٍ فيبعث إليه بدنانير ، فيقول : اشتر بهذه واستوف منه الذي لك ، قال : لا بأس إذا ائتمنه» (٣).

لكن في صحيحة الحلبي قال : «سألت أبا عبد الله عليه‌السلام عن رجلٍ أسلفتُه دراهم في طعامٍ فلمّا حلّ طعامي عليه بعث إليّ بدراهم ، فقال : اشتر لنفسك طعاماً واستوف حقّك ، قال : أرى أن يولّي ذلك غيرك وتقوم معه حتّى تقبض الذي لك ، ولا تتولّى أنت شراءه» (٤).

وفي موثّقة عبد الرحمن : «يكون معه غيره يوفيه ذلك» (٥).

__________________

(١) راجع الوسائل ١٢ : ٣٨٧ ، الباب ١٦ من أبواب أحكام العقود.

(٢) الدروس ٣ : ٢١١.

(٣) التهذيب ٧ : ٤٢ ، الحديث ١٨٠ ، والوسائل ١٣ : ٧٣ ، الباب ١٢ من أبواب السلف ذيل الحديث الأوّل ، والسائل كما نقله الشيخ في التهذيب هو يعقوب ابن شعيب ، وظاهر الوسائل يوهم أنّ السائل هو الحلبي.

(٤) الوسائل ١٣ : ٧٣ ، الباب ١٢ من أبواب السلف ، الحديث الأوّل.

(٥) الوسائل ١٣ : ٧٤ ، الباب ١٢ من أبواب السلف ، الحديث ٢.

٣٠٠