كتاب المكاسب - ج ٦

الشيخ مرتضى الأنصاري

كتاب المكاسب - ج ٦

المؤلف:

الشيخ مرتضى الأنصاري


المحقق: لجنة تحقيق تراث الشيخ الأعظم
الموضوع : الفقه
الناشر: مجمع الفكر الاسلامي
المطبعة: شريعت
الطبعة: ٤
ISBN: 964-5662-16-8
ISBN الدورة:
964-5662-17-6

الصفحات: ٣٣٦

القول في القبض‌

القبض لغة

وهو لغةً : الأخذ مطلقاً ، أو باليد ، أو بجميع الكفّ ، على اختلاف عبارات أهل اللغة (١).

والنظر في ماهيّته ، ووجوبه ، وأحكامه يقع في مسائل :

مسألة

الاقوال في ماهيّة القبض في المنقول

اختلفوا في ماهيّة القبض في المنقول‌ بعد اتّفاقهم على أنّها «التخلية» في غير المنقول على أقوال :

أحدها : أنّها التخلية أيضاً ، صرّح به المحقّق في الشرائع (٢) ، وحكي عن تلميذه كاشف الرموز (٣). وعن الإيضاح نسبته إلى بعض متقدّمي‌

__________________

(١) فقد فسّره في الصحاح ب «الأخذ مطلقاً» وفي القاموس ب «الأخذ باليد» وفي مجمع البحرين ب «الأخذ بجميع الكفّ» ، انظر الصحاح ٣ : ١١٠٠ ، والقاموس المحيط ٢ : ٣٤١ ، ومجمع البحرين ٤ : ٢٢٥ ٢٢٦.

(٢) الشرائع ٢ : ٢٩.

(٣) كشف الرموز ١ : ٤٧١.

٢٤١

أصحابنا (١). وعن التنقيح نسبته إلى المبسوط (٢).

الثاني : أنّه في المنقول : النقل ، وفيما يعتبر كيله أو وزنه : الكيل أو الوزن.

الثالث : ما في الدروس : من أنّه في الحيوان : نقله ، وفي المعتبر (٣) : كيله أو وزنه أو عدّه أو نقله ، وفي الثوب : وضعه في اليد (٤).

الرابع : ما في الغنية وعن الخلاف والسرائر واللمعة : أنّه التحويل والنقل‌ (٥). الخامس : ما في المبسوط : من أنّه إن كان مثل الجواهر والدراهم والدنانير وما يتناول باليد فالقبض فيه هو التناول باليد ، وإن كان مثل الحيوان كالعبد والبهيمة فالقبض في البهيمة أن يمشي بها إلى مكانٍ آخر ، وفي العبد أن يقيمه إلى مكانٍ آخر. وإن كان اشتراه جزافاً كان القبض فيه أن ينقله من مكانه. وإن كان اشتراه مكايلةً فالقبض فيه أن يكيله (٦). وزاد في الوسيلة : أنّه في الموزون : وزنه ، وفي المعدود : عدّه (٧).

__________________

(١) إيضاح الفوائد ١ : ٥٠٦.

(٢) التنقيح الرائع ٢ : ٦٥ ، وانظر المبسوط ٢ : ١٢٠.

(٣) أي : فيما يعتبر كيله أو وزنه.

(٤) الدروس ٣ : ٢١٣.

(٥) الغنية : ٢٢٩ ، وحكاه عن الثلاثة في مفتاح الكرامة ٤ : ٧٠٤ ، وراجع الخلاف ٣ : ٩٨ ، المسألة ١٥٩ من البيوع ، والسرائر ٢ : ٣٦٩ ، واللمعة : ١٣٢.

(٦) المبسوط ٢ : ١٢٠.

(٧) الوسيلة : ٢٥٢.

٢٤٢

ونُسب عبارة الشرائع الراجعة إلى ما في المبسوط إلى المشهور (١).

السادس : أنّه الاستقلال والاستيلاء عليه باليد ، حكي عن المحقّق الأردبيلي وصاحب الكفاية (٢) ، واعترف [به (٣)] في المسالك (٤) تبعاً لجامع المقاصد (٥) لشهادة العرف بذلك ، إلاّ أنّه أخرج عن ذلك المكيل والموزون ، مستنداً إلى النصّ الصحيح. وفيه ما سيجي‌ء.

السابع : ما في المختلف : من أنّه إن كان منقولاً فالقبض فيه النقل أو الأخذ باليد ، وإن كان مكيلاً أو موزوناً فقبضه ذلك أو الكيل أو الوزن (٦).

الثامن : أنّه التخلية مطلقاً بالنسبة إلى انتقال الضمان إلى المشتري ، دون النهي عن بيع ما لم يقبض. نفى عنه البأس في الدروس (٧).

رأي المؤلف في المسألة

أقول : لا شكّ أنّ القبض للمبيع هو فعل القابض وهو المشتري ، ولا شكّ أنّ الأحكام المترتّبة على هذا الفعل لا تترتّب على ما كان من فعل البائع من غير مدخلٍ للمشتري فيه ، كما أنّ الأحكام المترتّبة‌

__________________

(١) نسبه في المهذّب البارع ٢ : ٣٩٨ ، وغاية المرام (مخطوط) ١ : ٣٠١ ، وراجع مفتاح الكرامة ٤ : ٧٠٤ ٧٠٥.

(٢) حكاه عنهما السيّد العاملي في مفتاح الكرامة ٤ : ٧٠٥ ، وراجع مجمع الفائدة ٨ : ٥١٢ ، وكفاية الأحكام : ٩٦.

(٣) الزيادة اقتضاها السياق.

(٤) المسالك ٣ : ٢٣٩.

(٥) راجع جامع المقاصد ٤ : ٣٩١ ٣٩٢.

(٦) المختلف ٥ : ٢٧٩.

(٧) الدروس ٣ : ٢١٣.

٢٤٣

على فعل البائع كالوجوب على البائع والراهن في الجملة ، واشتراط القدرة على التسليم لا يحتاج في ترتّبها إلى فعلٍ من المشتري ، فحينئذٍ نقول :

بطلان تفسير القبض بالتخلية

أمّا ما اتّفق عليه : من كفاية التخلية في تحقّق القبض في غير المنقول ، إن أُريد ب «القبض» ما هو فعل البائع بالنسبة إلى المبيع ، وهو جميع ما يتوقّف عليه من طرفه وصوله إلى المشتري ، ويعبّر عنه مسامحةً بالإقباض والتسليم وهو الذي يحكمون بوجوبه على البائع والغاصب والراهن في الجملة ، ويفسّرونه ب «التخلية» التي هي فعله (١) فقد عرفت أنّه ليس قبضاً حقيقيّا حتّى في غير المنقول وإن فسّرت برفع جميع الموانع وإذن المشتري في التصرّف.

قال كاشف الرموز في شرح عبارة النافع : القبض مصدرٌ يستعمل بمعنى التقبيض وهو التخلية ، ويكون من طرف البائع والواهب بمعنى التمكين من التصرّف (٢) ، انتهى.

بل التحقيق (٣) : أنّ القبض مطلقاً هو استيلاء المشتري عليه وتسلّطه عليه الذي يتحقّق به معنى «اليد» ويتصوّر فيه الغصب.

لابدّ من استفادة معنى القبض من حكم كلّ مورد بخصوصه

نعم ، يترتّب على ذلك المعنى الأوّل ، الأحكام المترتّبة على الإقباض والتسليم الواجبين على البائع ، فينبغي ملاحظة كلّ حكمٍ من الأحكام المذكورة في باب القبض وأنّه مترتّبٌ على القبض الذي هو‌

__________________

(١) في «ش» : «فعل البائع».

(٢) كشف الرموز ١ : ٤٧١ ، وفيه : «التمكين من حيث التصرّف».

(٣) عطف على قوله : «إنّه ليس قبضاً حقيقيّا».

٢٤٤

فعل المشتري بعد فعل البائع أو (١) على الإقباض الذي هو فعل البائع ، مثلاً إذا فرض أنّ أدلّة اعتبار القبض في الهبة دلّت على اعتبار حيازة المتّهب الهبة ، لم يكتف في ذلك بالتخلية التي هي من فعل المواهب (٢) وهكذا ..

ولعلّ تفصيل الشهيد في البيع بين حكم الضمان وغيره (٣) من حيث إنّ الحكم الأوّل منوطٌ بالإقباض وغيره منوطٌ بفعل المشتري.

وكيف كان ، فلا بدّ من مراعاة أدلّة أحكام القبض ، فنقول :

اختلاف المناط في القبض باختلاف مدرك الضمان

أمّا رفع الضمان ، فإن استند فيه إلى النبوي : «كلّ مبيعٍ تلف قبل قبضه فهو من مال بائعه» (٤) فالمناط فيه حصول الفعل من المشتري. وإن استند إلى قوله عليه‌السلام في رواية عقبة بن خالد : «حتّى يقبض المتاع ويخرجه من بيته» (٥) احتمل فيه إناطة الحكم بالتخلية ، فيمكن حمل النبوي على ذكر ما هو مقارنٌ غالبيٌّ للتخلية. واحتمل وروده (٦) مورد الغالب : من ملازمة الإخراج للوصول إلى المشتري بقرينة ظاهر النبوي ؛ ولذا قال في جامع المقاصد بعد ما نقل ما في الدروس ـ : إنّ الخبر دالٌّ على خلافه (٧). وهو حسنٌ إن أراد به ظاهر النبوي ، لا ظاهر‌

__________________

(١) في «ش» : «وعلى».

(٢) في «ف» بدل «المواهب» : «المشتري».

(٣) تقدّم التفصيل عنه في الصفحة ٢٤٣.

(٤) المستدرك ١٣ : ٣٠٣ ، الباب ٩ من أبواب الخيار ، وفيه حديث واحد.

(٥) الوسائل ١٢ : ٣٥٨ ، الباب ١٠ من أبواب الخيار ، وفيه حديث واحد.

(٦) في «ش» : «ورود الرواية» ، وكتب في «ف» فوق «وروده» : «الرواية».

(٧) جامع المقاصد ٤ : ٣٩٢.

٢٤٥

رواية عقبة أو غيرها.

والإنصاف : أنّ ما ذكره الشهيد قريبٌ بالنسبة إلى ظاهر رواية عقبة.

وربما يُخدش (١) فيها بظهورها في اعتبار الإخراج من البيت مع أنّه غير معتبرٍ في رفع الضمان اتّفاقاً.

وفيه : أنّ الإخراج عن البيت كنايةٌ عن الإخراج عن السلطنة ورفع اليد ، ولا ينبغي خفاء ذلك على المتأمّل في الاستعمال العرفي. وما ذكره الشهيد من رفع الضمان بالتخلية يظهر من بعض فروع التذكرة حيث قال : لو أحضر البائع السلعة ، فقال المشتري : ضعه ، تمّ القبض ؛ لأنّه كالتوكيل في الوضع. ولو لم يقل المشتري شيئاً ، أو قال : لا أُريد شيئاً (٢) ، حصل القبض ، لوجود التسليم ، كما لو وضع الغاصب المغصوب بين يدي المالك ، فإنّه يبرء من الضمان (٣) ، انتهى.

وظاهره : أنّ المراد من التسليم المبحوث عنه ما هو من فعل البائع ولو امتنع المشتري.

[لكنّه قدس‌سره صرّح في عنوان المسألة (٤) وفي باب الهبة (٥) بضعف هذا القول بعد نسبته إلى بعض الشافعية.

__________________

(١) أورد الخدشة فيها السيّد العاملي في مفتاح الكرامة ٤ : ٦٩٨.

(٢) لم يرد «شيئاً» في «ش» والمصدر.

(٣) التذكرة ١ : ٤٧٢.

(٤) التذكرة ١ : ٤٧٢.

(٥) التذكرة ٢ : ٤١٨ ، وسيجي‌ء في الصفحة ٢٥٢ ٢٥٣.

٢٤٦

فالظاهر أنّ مراده بل مراد الشهيد قدس‌سره ـ : رفع الضمان بهذا وإن لم يكن قبضاً ، بل عن الشهيد في الحواشي : أنّه نقل عن العلاّمة قدس‌سره : أنّ التخلية في المنقول وغيره يرفع الضمان ؛ لأنّه حقٌّ على البائع وقد أدّى ما عليه (١).

أقول : وهذا كما أنّ إتلاف المشتري يرفع ضمان البائع ، وسيجي‌ء من المحقّق الثاني : أنّ النقل في المكيل والموزون يرفع الضمان وإن لم يكن قبضاً (٢) (٣)].

هذا ، ولكنّ الجمود على حقيقة اللفظ في الرواية يقتضي اعتبار الوصول إلى يد المشتري ، لأنّ الإقباض والإخراج وإن كانا من فعل البائع ، إلاّ أنّ صدقهما عليه يحتاج إلى فعلٍ من غير البائع ؛ لأنّ الإقباض والإخراج بدون القبض والخروج محال. إلاّ أن يستفاد من الرواية تعلّق الضمان على ما كان من فعل البائع ، والتعبير ب «الإقباض» و «الإخراج» مسامحةٌ مسّت الحاجة إليها في التعبير (٤).

القبض هو الاستيلاء في المنقول وغيره

وقد ظهر ممّا ذكرنا : أنّ لفظ «القبض» الظاهر بصيغته في فعل المشتري يراد به الاستيلاء على المبيع ، سواء في المنقول وغيره ؛ لأنّ القبض لغةً الأخذ مطلقاً ، أو باليد ، أو بجميع الكفّ ، على‌

__________________

(١) نقله السيّد العاملي في مفتاح الكرامة ٤ : ٦٩٦.

(٢) جامع المقاصد ٤ : ٣٩٠ ، وسيجي‌ء في الصفحة ٢٥٥ ٢٥٦.

(٣) ما بين المعقوفتين من «ف» و «ش».

(٤) من قوله : «هذا ولكن الجمود إلى في التعبير» ورد في «ش» قبل قوله : «وما ذكره الشهيد .. إلخ» في الصفحة المتقدّمة.

٢٤٧

اختلاف التعبيرات (١).

فإن أُريد الأخذ حسّا باليد ، فهو لا يتأتّى في جميع المبيعات ، مع أنّ أحكامه جاريةٌ في الكلّ ، فاللازم أن يراد به في كلام [أهل (٢)] اللغة أو في لسان الشرع الحاكم عليه بأحكام كثيرة في البيع والرهن والصدقة وتشخيص ما في الذمّة أخذُ كلِّ شي‌ءٍ بحسبه ، وهو ما ذكرنا من الاستيلاء والسلطنة.

المناقشة في اعتبار النقل والتحويل في القبض

وأمّا ما ذكره بعضهم : من اعتبار النقل والتحويل فيه (٣) بل ادّعى في الغنية الإجماع على أنّه القبض في المنقول (٤) الذي لا يكتفى فيه بالتخلية فهو لا يخلو عن تأمّلٍ وإن شهد من عرفت بكونه موافقاً للعرف في مثل الحيوان ؛ لأنّ مجرّد إعطاء المِقوَد للمشتري أو مع ركوبه عليه قبضٌ عرفاً على الظاهر.

ثمّ المراد من «النقل» في كلام من اعتبره هو نقل المشتري له ، لا نقل البائع ، كما هو الظاهر من عبارة المبسوط المتقدّمة (٥) المصرَّح به في جامع المقاصد (٦).

وأمّا رواية عقبة بن خالد المتقدّمة (٧) فلا دلالة فيها على‌

__________________

(١) كما تقدّم في الصفحة ٢٤١.

(٢) من «ش».

(٣) تقدّم عن الغنية والخلاف وغيرهما في الصفحة ٢٤٢.

(٤) الغنية : ٢٢٩.

(٥) تقدّمت في الصفحة ٢٤٢.

(٦) جامع المقاصد ٤ : ٣٨٩.

(٧) تقدّمت في الصفحة ٢٤٥.

٢٤٨

اعتبار النقل في المنقول وإن استدلّ بها عليه في التذكرة (١) ؛ لما عرفت (٢) : من أنّ الإخراج من البيت في الرواية نظير الإخراج من اليد كنايةٌ عن رفع اليد والتخلية للمشتري حتّى لا يبقى من مقدّمات الوصول إلى المشتري إلاّ ما هو من فعله.

اعتبار الكيل والوزن في قبض المكيل والموزون

وأمّا اعتبار الكيل أو الوزن أو كفايته في قبض المكيل والموزون ، فقد اعترف غير واحدٍ (٣) بأنّه تعبّدٌ ؛ لأجل النصّ الذي ادّعي دلالته عليه.

مثل صحيحة معاوية بن وهب ، قال : «سألت أبا عبد الله عليه‌السلام : عن الرجل يبيع البيع قبل أن يقبضه ، فقال : ما لم يكن كيلٌ أو وزنٌ فلا تبعه حتّى تكيله أو تزنه إلاّ أن تولّيه [الذي قام عليه]» (٤).

وصحيحة منصور بن حازم : «إذا اشتريت متاعاً فيه كيلٌ أو وزنٌ ، فلا تبعه حتّى تقبضه ، إلاّ أن تولّيه» (٥).

وفي صحيحة عليّ بن جعفر عن أخيه : «عن الرجل يشتري الطعام ، أيصلح بيعه قبل أن يقبضه؟ قال : إذا لم يربح عليه فلا بأس ، وإن ربح فلا يبعه حتّى يقبضه» (٦).

__________________

(١) التذكرة ١ : ٤٧٢.

(٢) في الصفحة ٢٤٦.

(٣) راجع جامع المقاصد ٤ : ٣٩٢ ، والمسالك ٣ : ٢٣٩ و ٢٤١.

(٤) الوسائل ١٢ : ٣٨٩ ، الباب ١٦ من أبواب أحكام العقود ، الحديث ١١.

(٥) الوسائل ١٢ : ٣٨٧ ، نفس الباب ، الحديث الأوّل.

(٦) الوسائل ١٢ : ٣٨٩ ، نفس الباب ، الحديث ٩.

٢٤٩

ورواية أبي بصير : «عن رجلٍ اشترى طعاماً ثمّ باعه قبل أن يكيله؟ قال : لا يعجبني أن يبيع كيلاً أو وزناً قبل أن يكيله أو يزنه ، إلاّ أن يولّيه كما اشتراه» (١).

إلى غير ذلك ممّا دلّ على اعتبار الكيل والوزن لا من حيث اشتراط صحّة المعاملة بهما ، وإلاّ لم يفرق بين التولية وغيرها ، فتعيّن لأمرٍ آخر ، وليس إلاّ لكون ذلك قبضاً ؛ للإجماع كما في المختلف (٢) على جواز بيع الطعام بعد قبضه.

ومنه يظهر ما في المسالك ، حيث إنّه بعد ذكر صحيحة ابن وهب قال : والتحقيق : أنّ الخبر الصحيح دلّ على النهي عن بيع المكيل والموزون قبل اعتباره بهما ، لا على أنّ القبض لا يتحقّق بدونهما. وكون السؤال فيه وقع عن البيع قبل القبض لا ينافي ذلك ؛ لأنّ الاعتبار بهما قبضٌ وزيادة ، وحينئذٍ فلو قيل بالاكتفاء في نقل الضمان فيهما بالنقل عملاً بالعرف والخبر الآخر ، وبتوقّف البيع ثانياً على الكيل والوزن ، أمكن إن لم يكن إحداث قول (٣) ، انتهى.

والظاهر أنّ مراده بالخبر ، خبر «عقبة بن خالد» وقد عرفت‌

__________________

(١) الوسائل ١٢ : ٣٩٠ ، نفس الباب ، الحديث ١٦.

(٢) المختلف ٥ : ٢٨٠.

(٣) العبارة وردت في المبحث الثامن من المباحث المنعقدة ذيل البحث عن القبض ، ولكن وقع السهو والخطأ في ضبط العبارة في المسالك الجديدة حيث وقعت العبارة من كلمة «والتحقيق إلى وقع عن البيع» في الجزء الثالث : ٢٤٣ ٢٤٤ ، ومن كلمة «قبل القبض» إلى آخر العبارة في أوّل الصفحة ٢٤٣.

٢٥٠

عدم ظهوره في اعتبار النقل (١).

لابدّ مع الكيل والوزن من رفع يد البائع

ثمّ إنّ ظاهر غير واحدٍ كفاية الكيل والوزن في القبض من دون توقّفٍ على النقل. والظاهر أنّه لا بدّ مع الكيل والوزن من رفع يد البائع ، كما صرّح به في جامع المقاصد (٢) ؛ ولذا نبّه في موضعٍ من التذكرة : بأنّ الكيل شرطٌ في القبض (٣).

وكيف كان ، فالأولى في المسألة ما عرفت : من أنّ القبض له معنىً واحدٌ يختلف باختلاف الموارد ، وأنّ كون القبض هو الكيل أو الوزن خصوصاً في باب الصدقة والرهن وتشخيص ما في الذمّة مشكلٌ جدّاً ؛ لأنّ التعبّد الشرعي على تقدير تسليمه مختصٌّ بالبيع ، إلاّ أن يكون إجماعٌ على اتّحاد معنى القبض في البيع وغيره ، كما صرّح به العلاّمة (٤) والشهيدان (٥) والمحقّق الثاني (٦) وغيرهم (٧) في باب الرهن والهبة ،

__________________

(١) في الصفحة ٢٤٨ ٢٤٩.

(٢) جامع المقاصد ٤ : ٣٩٠.

(٣) التذكرة ١ : ٥٦٠ ٥٦١ ، وراجع الصفحة ٤٧٢ أيضاً.

(٤) ظاهر العبارة يدلّ على أنّ العلاّمة ومن بعده ادّعوا الإجماع على الاتّحاد ، لكن لم نعثر عليه في كلامهم ولا على من حكاه عنهم ، نعم ادّعوا أصل الاتّحاد ، راجع التذكرة ٢ : ٢٥ و ٤١٨.

(٥) الدروس ٣ : ٣٨٤ ، والمسالك ٦ : ٢٦.

(٦) جامع المقاصد ٥ : ١٠٢ ، و ٩ : ١٥٣.

(٧) مثل المحدّث البحراني في الحدائق ٢٠ : ٢٣٢ ، و ٢٢ : ٣١٨ ، وصاحب الجواهر في الجواهر ٢٨ : ١٧٦ ١٧٧ ، والسيّد المجاهد في المناهل : ٤٠١ ، واستظهر اتّفاق الأصحاب عليه.

٢٥١

اعتبار القبض في الهبة والرهن

وحكي فيها الاتّفاق على الاتّحاد عن ظاهر المسالك (١) واستظهره الحاكي (٢) أيضاً. و (٣) ظاهر المبسوط في باب الهبة : أنّ القبض هي التخلية فيما لا ينتقل ، والنقل والتحويل في غيره (٤). لكن صرّح في باب الرهن : بأنّ كلّ ما كان قبضاً في البيوع كان قبضاً في الرهن والهبات والصدقات ، لا يختلف ذلك (٥).

وعن القاضي : أنّه لا يكفي في الرهن التخلية ولو قلنا بكفايته في البيع ؛ لأنّ البيع يوجب استحقاق المبيع فيكفي التمكين منه ، وهنا لا استحقاق ، بل القبض سببٌ في الاستحقاق (٦). ومقتضى هذا الوجه لحوق الهبة والصدقة بالرهن.

وهذا الوجه حكاه في هبة التذكرة عن بعض الشافعيّة ، فقال قدس‌سره : القبض هنا كالقبض في البيع ، ففيما لا ينقل ولا يحوَّل : التخلية ، وفيما ينقل ويحوَّل : النقل والتحويل ، وفيما يكال أو يوزن : الكيل والوزن. ثمّ حكى عن بعض الشافعيّة عدم كفاية التخلية في المنقول لو قلنا به في البيع ، مستنداً إلى أنّ القبض في البيع مستحقٌّ وفي الهبة غير مستحقّ ، فاعتبر تحقّقه ولم يكتف بالوضع بين يده ؛ ولذا لو أتلف المتّهب الموهوب‌

__________________

(١) المسالك ٦ : ٢٦ ، حيث نسب الخلاف إلى بعض الشافعيّة.

(٢) لم نعثر عليه.

(٣) في «ش» زيادة : «عن».

(٤) المبسوط ٣ : ٣٠٦.

(٥) المبسوط ٢ : ٢٠٣.

(٦) حكاه الشهيد الثاني في حاشية الإرشاد المطبوع ضمن (غاية المراد) ٢ : ١٨٢.

٢٥٢

لم يصر قابضاً ، بخلاف المشتري. ثم ضعّفه : بأنّه ليس بشي‌ءٍ ؛ لاتّحاد القبض في الموضعين واعتبار العرف فيهما (١) ، انتهى.

وظاهر عدم اكتفائه هنا بالوضع بين يديه مخالفٌ للفرع المتقدّم عنه ، إلاّ أن يلتزم بكفاية التخلية في رفع الضمان وإن لم يكن قبضاً ، كما أشرنا إليه سابقاً (٢).

فروع‌ (٣) :

لو باع داراً أو سفينة مشحونة بأمتعة البائع

الأوّل : قال في التذكرة : لو باع داراً أو سفينةً مشحونةً بأمتعة البائع ومكّنه منها‌ بحيث جعل له تحويلها من مكانٍ إلى مكانٍ كان قبضاً. وقال أيضاً : إذا كان المبيع في موضعٍ لا يختصّ بالبائع كفى في المنقول النقل من حيّزٍ إلى حيّز ، وإن كان في موضعٍ يختصّ به فالنقل من زاويةٍ إلى أُخرى بغير إذن البائع لا يكفي لجواز التصرّف ، ويكفي لدخوله في ضمانه. وإن نقل بإذنه حصل القبض ، وكأنّه استعار البقعة المنقول إليها (٤).

لو كيل أو وزن قبل البيع فهل يجب اعتباره ثانياً لتحقّق القبض؟

الثاني : قال في المسالك : لو كان المبيع مكيلاً أو موزوناً‌ فلا يخلو‌

__________________

(١) التذكرة ٢ : ٤١٨.

(٢) راجع الصفحة ٢٤٦.

(٣) كذا بخطّه الشريف قدس‌سره في «ق» ، ولكن لم يعنون إلاّ فرعين ، ولذا بدّله مصحّح «ش» ب «فرعان».

(٤) التذكرة ١ : ٤٧٢.

٢٥٣

ما أفاده الشهيد الثاني في المسألة

إمّا أن يكون قد كيل قبل البيع أو وزن ، أو لا ، بأن أخبر البائع بكيله أو وزنه أو باعه قدراً معيّناً من صبرةٍ مشتملةٍ عليه. فإن كان الآخر (١) فلا بدّ في تحقّق قبضه من كيله أو وزنه ؛ للنصّ المتقدّم. وإن كان الأوّل ، ففي افتقاره إلى الاعتبار ثانياً لأجل القبض أو الاكتفاء بالاعتبار الأوّل وجهان : من إطلاق توقّف الحكم على الكيل والوزن وقد حصلا ، وقوله عليه‌السلام في النصّ «حتّى تكيله أو تزنه» (٢) لا يدلّ على اعتبار أزيد من اعتبار الكيل [والوزن (٣)] الشامل لما وقع قبل البيع. ومن أنّ الظاهر أنّ ذلك لأجل القبض لا لتحقّق شرط صحّة البيع ، فلا بدّ له من اعتبارٍ جديدٍ بعد العقد ، وبه صرّح العلاّمة (٤) والشهيد (٥) وجماعة. وهو الأقوى ، ويدلّ عليه قوله عليه‌السلام : «إلاّ أن تولّيه» (٦) ، فإنّ الكيل السابق شرطٌ لصحّة البيع ، فلا بدّ منه في التولية وغيرها ، فدلّ على أنّ ذلك لأجل القبض ، لا لصحّة البيع (٧) ، انتهى المهمّ من كلامه رحمه‌الله.

المناقشة في ما أفاده الشهيد الثاني

أقول : يبعد التزام القائلين بهذا القول ببقاء المكيل والموزون بعد الكيل والوزن والعقد عليه والأخذ والتصرّف في بعضه في ضمان البائع‌

__________________

(١) كذا ، وفي المصدر : «الأخير».

(٢) الوارد في صحيحة معاوية بن وهب المتقدّمة في الصفحة ٢٤٩.

(٣) لم يرد في «ق».

(٤) القواعد ٢ : ٨٥.

(٥) الدروس ٣ : ٢١٣.

(٦) الوارد في صحيحة معاوية المتقدّمة في الصفحة ٢٤٩.

(٧) المسالك ٣ : ٢٤١.

٢٥٤

حتّى يكيله ثانياً أو يزنه وإن لم يرد بيعه (١) ؛ وكذا لو كاله وقبضه ثمّ عقد عليه.

كلمات الفقهاء في المسألة

وقد تفطّن لذلك المحقّق الأردبيلي رحمه‌الله فيما حكي (٢) من حاصل كلامه ، حيث نزّل ما دلّ على اعتبار الكيل والوزن في البيع الثاني على ما إذا لم يعلم كيله أو وزنه ، بل وقع البيع الأوّل من دون كيل ، كما إذا اشترى أصوعاً من صبرةٍ مشتملةٍ عليها أو اشترى بإخبار البائع. أمّا إذا كاله بحضور المشتري ثمّ باعه إيّاه فأخذه وحمله إلى بيته وتصرّف فيه بالطحن والعجن والخبز ، فلا شكّ في كونه قبضاً مسقطاً للضمان مجوّزاً للبيع ، ولا يلزم تكلّف البائع بكيله مرّةً أُخرى للإقباض إلى أن قال ما حاصله ـ : إنّ كون وجوب الكيل مرّةً أُخرى (٣) للقبض مع تحقّقه أوّلاً عند الشراء كما نقله في المسالك عن العلاّمة والشهيد وجماعة (قدّس الله أسرارهم) وقوّاه ليس بقويّ (٤) ، انتهى.

وقال في جامع المقاصد عند شرح قول المصنّف : إنّ التسليم بالكيل والوزن فيما يكال أو يوزن على رأيٍ ـ : إنّ (٥) المراد (٦) الكيل‌

__________________

(١) في «ش» زيادة : «ثانياً».

(٢) حكاه السيّد العاملي في مفتاح الكرامة ٤ : ٧٠١.

(٣) في «ق» بدل «.. وجوب الكيل مرّةً أُخرى للقبض» : «وجوب القبض مرّةً للقبض» ، والظاهر أنّه من سهو القلم.

(٤) مجمع الفائدة ٨ : ٥٠٨ ٥٠٩.

(٥) لم يرد في «ش» : «إنّ».

(٦) في «ش» زيادة : «به».

٢٥٥

الذي يتحقّق به اعتبار البيع ، ولا بدّ من رفع البائع يده (١) ، فلو وقع الكيل ولم يرفع (٢) يده ، فلا تسليم ولا قبض ، ولو أخبره البائع بالكيل أو الوزن فصدّقه وأخذه على ذلك حصل القبض ، كما نصّ عليه في التذكرة (٣). ثمّ قال : ولو أخذ المبيع جزافاً أو أخذ ما اشتراه كيلاً وزناً أو بالعكس ، فإن تيقّن حصول الحقّ فيه صحّ ، وإلاّ فلا ، ذكره في التذكرة (٤). والذي ينبغي أن يقال : إنّ هذا الأخذ بإعطاء البائع موجبٌ لانتقال ضمان المدفوع إلى المشتري وانتفاء سلطنة البائع لو أراد حبسه لدفع (٥) الثمن ، لا التسلّط على بيعه ؛ لأنّ بيع ما يكال أو يوزن قبل كيله أو وزنه على التحريم أو الكراهة ، ولو كيل قبل ذلك فحضر كيلَه أو وزنَه ، ثمّ اشتراه وأخذه بذلك فهو كما لو أخبره بالكيل أو الوزن ، بل هو أولى (٦) ، انتهى.

ثمّ الظاهر أنّ مراد المسالك ممّا نسبه إلى العلاّمة والشهيد وجماعةٍ من وجوب تجديد الاعتبار لأجل القبض ما ذكره في القواعد تفريعاً على هذا القول : «أنّه لو اشترى مكايلةً وباع مكايلةً فلا بدّ لكلّ بيعٍ من كيلٍ جديدٍ ليتمّ القبض» (٧). قال جامع المقاصد في شرحه : إنّه لو‌

__________________

(١) في «ش» زيادة : «عنه».

(٢) في «ش» زيادة : «البائع».

(٣) التذكرة ١ : ٥٦١.

(٤) التذكرة ١ : ٥٦٤.

(٥) في «ش» والمصدر بدل «لدفع» : «ليقبض».

(٦) جامع المقاصد ٤ : ٣٩٠.

(٧) القواعد ٢ : ٨٥.

٢٥٦

اشترى ما لا يُباع إلاّ مكايلةً وباع كذلك لا بدّ لكلّ بيعٍ من هذين من كيلٍ جديد ؛ لأنّ كلّ بيعٍ لا بدّ له من قبض. قال بعد ذلك : ولو أنّه حضر الكيل المتعلّق بالبيع الأوّل فاكتفى به أو أخبره البائع فصدّقه كفى نقله وقام ذلك مقام كيله (١).

وفي الدروس بعد تقوية كفاية التخلية في رفع الضمان لا في زوال تحريم البيع أو كراهته قبل القبض قال : نعم لو خلّى بينه وبين المكيل فامتنع حتّى يكتاله لم ينتقل إليه الضمان ، ولا يكفي الاعتبار الأوّل عن اعتبار القبض (٢) ، انتهى.

هذا ما يمكن الاستشهاد به من كلام العلاّمة والشهيد والمحقّق الثاني لاختيارهم وجوب تجديد الكيل والوزن لأجل القبض وإن كيل أو وزن قبل ذلك.

عدم ظهور كلمات الفقهاء في وجوب الاعتبار مرّةً اُخرى

لكن الإنصاف : أنّه ليس في كلامهم ولا غيرهم ما يدلّ على أنّ الشي‌ء الشخصي المعلوم كيله أو وزنه قبل العقد إذا عقد عليه وجب كيله مرّةً أُخرى لتحقّق القبض ، كما يظهر من المسالك (٣). فلا يبعد أن يكون كلام الشيخ قدس‌سره ومن تبعه (٤) في هذا القول ، وكلام العلاّمة (٥)

__________________

(١) جامع المقاصد ٤ : ٣٩٣.

(٢) الدروس ٣ : ٢١٣.

(٣) راجع كلام المسالك في الصفحة ٢٥٤.

(٤) لم يتقدّم عن الشيخ ومن تبعه كلامٌ في المسألة ، نعم تقدّم كلامهم في القبض ، راجع الصفحة ٢٤٢ وما بعدها.

(٥) المتقدّم في الصفحة المتقدّمة.

٢٥٧

ومن ذكر فروع هذا القول (١) مختصّاً بما إذا عقد على كيلٍ معلومٍ [من (٢)] كليٍّ أو من صُبرةٍ معيّنة أو على جزئيٍّ محسوسٍ على أنّه كذا وكذا ، فيكون مراد الشيخ والجماعة من قولهم : «اشترى مكايلة» (٣) : أنّه اشترى بعنوان الكيل والوزن ، في مقابل ما إذا اشترى ما علم كيله سابقاً من دون تسمية الكيل المعيّن في العقد ، لكونه لغواً.

والظاهر أنّ هذا هو الذي يمكن أن يعتبر في القبض في غير البيع أيضاً من الرهن والهبة ، فلو رهن إناءً معيّناً من صفرٍ مجهول الوزن أو معلوم الوزن أو وهبه خصوصاً على القول بجواز هبة المجهول فالظاهر أنّه لا يقول أحدٌ : بأنّه يعتبر في قبضه وزنه ، مع عدم تعلّق غرضٍ في الهبة بوزنه أصلاً.

نعم ، لو رهن أو وهب مقداراً معيّناً من الكيل أو الوزن أمكن القول باشتراط اعتباره في قبضه ، وأنّ قبضه جزافاً ك‍ : لا قبض.

فظهر أنّ قوله في القواعد : «اشترى مكايلة» وهو العنوان المذكور في المبسوط لهذا القول ، كما عرفت عند نقل الأقوال يراد به ما ذكرنا ، لا ما عرفت من جامع المقاصد.

ويؤيّده تكرار المكايلة في قوله : «وباع مكايلة». [ويشهد له أيضاً (٤)] قول العلاّمة في غير موضعٍ من التذكرة : لو قبض جزافاً ما‌

__________________

(١) كالمحقّق الثاني في جامع المقاصد ٤ : ٣٩٣.

(٢) شُطب عليه في «ق».

(٣) راجع الصفحة ٢٤٢ وما بعدها.

(٤) لم يرد في «ق».

٢٥٨

اشتراه مكايلة (١). ويشهد له أيضاً قوله في موضعٍ آخر : لو أخذ ما اشترى كيلاً وزناً وبالعكس ، فإن تيقّن حصول الحقّ فيه .. إلخ (٢).

وأظهر من ذلك فيما ذكرنا ما في المبسوط ، فإنّه بعد ما صرّح باتّحاد معنى القبض في البيع والرهن وغيرهما ذكر : أنّه لو رهن صبرةً على أنّه كيل كذا فقبضه بكيله (٣) ، ولو رهنها جزافاً فقبضه بنقله (٤) من مكانه (٥). مع أنّه اختار عدم جواز بيع الصبرة جزافاً (٦) ، فافهم.

وأمّا قوله في الدروس : «ولا يكفي الاعتبار الأوّل عن اعتبار القبض» فلا يبعد أن يكون تتمّةً لما قبله من قوله : «نعم ، لو خلّى بينه وبينه فامتنع حتّى يكتاله» (٧) ومورده بيع كيلٍ معيّنٍ كليّ ، فلا يدلّ على وجوب تجديد اعتبار ما اعتبر قبل العقد.

ثم إنّ ما ذكره في المسالك (٨) في صحيحة ابن وهب أوّلاً : من أنّ‌

__________________

(١) التذكرة ١ : ٤٧٢ ، وفيه : «فروع : الأوّل لو قبض جزافاً ما اشتراه مكايلة ..» ولم نعثر على العبارة بعينها في غير هذا الموضع ، نعم يوجد ما يدلّ عليها ، راجع التذكرة ١ : ٤٦٩ في أقسام بيع الصبرة ، و ٤٧٢ ٤٧٣ في بيان ماهيّة القبض وأحكامه ، و ٥٦٠ وما بعدها في أحكام القبض في السَّلَم.

(٢) التذكرة ١ : ٥٦٤ ، وتقدّم في الصفحة ٢٥٦.

(٣) في «ش» : «أن يكيله».

(٤) في «ش» : «أن ينقله».

(٥) المبسوط ٢ : ٢٠٣.

(٦) المبسوط ٢ : ١٥٢.

(٧) تقدّم القول المتمِّم والمتمَّم في الصفحة ٢٥٧.

(٨) راجع ما ذكره المسالك في الصفحة ٢٥٤.

٢٥٩

استثناء بيع التولية ليس قرينة على وجوب الاعتبار مرّةً اُخرى

قوله : «لا تبعه حتّى تكيله» يصدق مع الكيل السابق ، ثمّ استظهاره ثانياً بقرينة استثناء بيع التولية ـ : أنّ المراد غير الكيل المشترط في صحّة العقد ، لم يعلم له وجهٌ ؛ إذ المراد من الكيل والوزن في تلك الصحيحة وغيرها هو الكيل المتوسّط بين البيع الأوّل والثاني ، وهذا غير قابلٍ لإرادة الكيل المصحّح للبيع الأوّل ، فلا وجه لما ذكره أوّلاً أصلاً ، ولا وجه لإرادة المصحّح للبيع الثاني حتّى يكون استثناء التولية قرينةً على عدم إرادته ؛ لاشتراك التولية مع غيرها في توقّف صحّتهما على الاعتبار ، لأنّ السؤال عن بيع الشي‌ء قبل قبضه. ثمّ الجواب بالفرق بين المكيل والموزون لا يمكن إرجاعهما (١) إلى السؤال والجواب عن شرائط البيع الثاني ، بل الكلام سؤالاً وجواباً نصٌّ في إرادة قابليّة المبيع قبل القبض للبيع وعدمها.

فالأولى أنّ استثناء التولية ناظرٌ إلى الفرق بين البيع مكايلةً بأن يبيعه ما اشتراه على أنّه كيلٌ معيّن ، فيشترط قبضه بالكيل والوزن ثمّ إقباضه وبين أن يولّيه البيع الأوّل من غير تعرّضٍ في العقد لكيله ووزنه ، فلا يعتبر توسّط قبضٍ بينهما ، بل يكفي قبض المشتري الثاني عن الأوّل.

وبالجملة ، فليس في الصحيحة تعرّضٌ لصورة كيل الشي‌ء أوّلاً قبل البيع ثمّ العقد عليه والتصرّف فيه بالنقل والتحويل ، وأنّ بيعه ثانياً بعد التصرّف هل يحتاج إلى كيلٍ جديد لقبض البيع الأوّل ، لا لاشتراط معلوميّة المبيع في البيع الثاني ، أم لا؟ بل ليس في كلام المتعرّضين لبيع ما لم يقبض تعرّضٌ لهذه الصورة.

__________________

(١) كذا في ظاهر «ق» ومصحّحة «ن» ، وفي «ف» و «ش» : «إرجاعها».

٢٦٠