كتاب المكاسب - ج ٦

الشيخ مرتضى الأنصاري

كتاب المكاسب - ج ٦

المؤلف:

الشيخ مرتضى الأنصاري


المحقق: لجنة تحقيق تراث الشيخ الأعظم
الموضوع : الفقه
الناشر: مجمع الفكر الاسلامي
المطبعة: شريعت
الطبعة: ٤
ISBN: 964-5662-16-8
ISBN الدورة:
964-5662-17-6

الصفحات: ٣٣٦

الخلاف في المسألتين السابقتين فيه.

وأمّا الغبن والعيب والرؤية وتخلّف الشرط وتفليس المشتري وتبعّض الصفقة ، فهي توجب التزلزل عند ظهورها بعد لزوم العقد.

اختصاص الصحيحة بخيار المجلس والحيوان والشرط

والحاصل : أنّ ظاهر الرواية استمرار الضمان الثابت قبل القبض إلى أن يصير المبيع (١) لازماً على المشتري ، وهذا مختصٌّ بالبيع المتزلزل من أوّل الأمر ، فلا يشمل التزلزل المسبوق باللزوم ، بأن يكون المبيع في ضمان المشتري بعد القبض ثمّ يرجع بعد عروض التزلزل إلى ضمان البائع ، فاتّضح بذلك أنّ الصحيحة مختصّةٌ بالخيارات الثلاثة ، على تأمّلٍ في خيار المجلس.

مورد القاعدة إنّما هو ما بعد القبض

ثمّ إنّ مورد هذه القاعدة إنّما هو ما بعد القبض ، وأمّا قبل القبض فلا إشكال ولا خلاف في كونه من البائع من غير التفاتٍ إلى الخيار ، فلا تشمل هذه القاعدة خيار التأخير.

عموم الحكم للثمن والمثمن

وأمّا عموم الحكم للثمن والمثمن ، بأن يكون تلف الثمن في مدّة خيار البائع المختصّ به من مال المشتري فهو غير بعيدٍ ؛ نظراً إلى المناط الذي استفدناه ، ويشمله ظاهر عبارة الدروس المتقدّمة (٢) ، مضافاً إلى استصحاب ضمان المشتري له الثابت قبل القبض.

وتوهّم : عدم جريانه مع اقتضاء القاعدة كون الضمان من مال المالك خرج منه ما قبل القبض ، مدفوعٌ : بأنّ الضمان الثابت قبل القبض وبعده في مدّة الخيار ليس مخالفاً لتلك القاعدة ؛ لأنّ المراد به انفساخ‌

__________________

(١) في ظاهر «ق» : «البيع».

(٢) المتقدّمة في الصفحة ١٧٧.

١٨١

العقد ودخول العوض في ملك صاحبه الأصلي وتلفه من ماله.

نعم ، هو مخالفٌ لأصالة عدم الانفساخ ، وحيث ثبت المخالفة قبل القبض ، فالأصل بقاؤها بعد القبض في مدّة الخيار.

نعم ، يبقى هنا : أنّ هذا مقتضٍ لكون تلف الثمن في مدّة خيار البيع الخياري من المشتري ، فينفسخ البيع ويردّ المبيع إلى البائع.

والتزام عدم الجريان من حيث إنّ الخيار في ذلك البيع إنّما يحدث بعد ردّ الثمن أو مثله فتلف الثمن في مدّة الخيار إنّما يتحقّق بعد ردّه قبل الفسخ لا قبله ، مدفوعٌ بما أشرنا (١) سابقاً : من منع ذلك ، مع أنّ المناط في ضمان غير ذي الخيار لما انتقل عنه إلى ذي الخيار تزلزل البيع المتحقّق ولو بالخيار المنفصل ، كما أشرنا سابقاً (٢).

جريان القاعدة إذا كان الثمن شخصيّاً

فالأولى الالتزام بجريان هذه القاعدة إذا كان الثمن شخصيّاً بحيث يكون تلفه قبل قبضه موجباً لانفساخ البيع ، فيكون كذلك بعد القبض مع خيار البائع ولو منفصلاً عن العقد.

إذا كان الثمن أو المثمن كلّياً

وأمّا إذا كان الثمن كلّياً ، فحاله حال المبيع إذا كان كلّياً ، كما إذا اشترى طعاماً كلّياً بشرط الخيار له إلى مدّةٍ فقبض فرداً منه فتلف في يده ، فإنّ الظاهر عدم ضمانه على البائع ؛ لأنّ مقتضى ضمان المبيع في مدّة الخيار على من لا خيار له على ما فهمه غير واحدٍ (٣) بقاؤه‌

__________________

(١) في «ش» زيادة : «إليه».

(٢) أشار إليه في الجزء الخامس : ١٣٩ ، في الأمر الخامس من الأُمور التي ذكرها ذيل بيع الخيار.

(٣) كالسيّد الطباطبائي في الرياض ٨ : ٢٠٨ ٢٠٩ ، وصاحب الجواهر في الجواهر ٢٣ : ٨٧.

١٨٢

على ما كان عليه قبل القبض ، ودخول الفرد في ملك المشتري لا يستلزم انفساخ العقد ، بل معنى الضمان بالنسبة إلى الفرد صيرورة الكليّ كغير المقبوض ، وهذا ممّا لا تدلّ عليه الأخبار المتقدّمة ، فتأمّل.

ظاهر كلام الاصحاب أنّ المراد بضمان من لا خيار له انفساخ العقد

ثمّ إنّ ظاهر كلام الأصحاب وصريح جماعةٍ منهم كالمحقّق والشهيد الثانيين (١) ـ : أنّ المراد بضمان من لا خيار له لما انتقل إلى غيره ، هو بقاء الضمان الثابت قبل قبضه وانفساخ العقد آناً ما قبل التلف ، وهو الظاهر أيضاً من قول الشهيد قدس‌سره في الدروس : «وبالقبض ينتقل الضمان إلى القابض ما لم يكن له خيار» (٢) حيث إنّ مفهومه أنّه مع خيار القابض لا ينتقل الضمان إليه ، بل يبقى على ضمان ناقله الثابت قبل القبض.

وقد عرفت أنّ معنى الضمان قبل القبض هو تقدير انفساخ العقد وتلفه في ملك ناقله ، بل هو ظاهر القاعدة ، وهي : أنّ التلف في مدّة الخيار ممّن لا خيار له ، فإنّ معنى تلفه منه تلفه مملوكاً له ، مع أنّ هذا ظاهر الأخبار المتقدّمة (٣) الدالّة على ضمان البائع للمبيع في مدّة خيار المشتري بضميمة قاعدة «عدم ضمان الشخص لما يتلف في يد مالكه» (٤) وقاعدة «التلازم بين الضمان والخراج» ، فإنّا إذا قدّرنا المبيع في ملك البائع آناً ما لم يلزم مخالفة شي‌ءٍ من القاعدتين. والحاصل : أنّ إرادة ما‌

__________________

(١) جامع المقاصد ٤ : ٣٠٩ ، والمسالك ٣ : ٢١٦.

(٢) الدروس ٣ : ٢١٠ ٢١١.

(٣) تقدّمت في الصفحة ١٧٠ ١٧١.

(٤) في «ش» : «في ملك مالكه».

١٨٣

ذكرنا من الضمان ممّا لا ينبغي الريب فيها.

ظاهر الدروس عدم الانفساخ

ومع ذلك كلّه فظاهر عبارة الدروس في الفرع السادس (١) من فروع خيار الشرط يوهم بل يدلّ على عدم الانفساخ ، قال قدس‌سره : لو تلف المبيع قبل قبضه (٢) بطل البيع والخيار ، وبعده لا يبطل الخيار وإن كان التلف من البائع ، كما إذا اختصّ الخيار بالمشتري ، فلو فسخ البائع رجع بالبدل في صورة عدم ضمانه ، ولو فسخ المشتري رجع بالثمن وغرم البدل في صورة ضمانه ، ولو أوجبه المشتري في صورة التلف قبل القبض لم يؤثّر في تضمين البائع القيمة أو المثل. وفي انسحابه فيما لو تلف بيده في خياره نظر (٣) ، انتهى. والعبارة محتاجةٌ إلى التأمّل من وجوه.

ظاهر التذكرة أيضاً عدم الانفساخ

وقد يظهر ذلك من إطلاق عبارة التذكرة ، قال : «لو تلف المبيع بآفةٍ سماويّةٍ في زمن الخيار ، فإن كان قبل القبض انفسخ البيع قطعاً ، وإن كان بعده لم يبطل خيار المشتري ولا البائع ويجب القيمة على ما تقدّم» (٤) ثمّ حكى عن الشافعيّة وجهين في الانفساخ بعد القبض وعدمه ، بناءً على الملك بالعقد.

ويمكن حمله على الخيار المشترك ، كما أنّ قوله في القواعد : «لا يسقط الخيار بتلف العين» (٥) محمولٌ على غير صورة ضمان البائع‌

__________________

(١) شُطب عليه في «ق» وكتب فوقه : «السابع» ، والصواب ما أثبته أوّلاً.

(٢) في «ش» والمصدر : «قبل قبض المشتري».

(٣) الدروس ٣ : ٢٧١.

(٤) التذكرة ١ : ٥٣٥.

(٥) القواعد ٢ : ٧٠ ، وفيه : «لا يبطل الخيار».

١٨٤

للمبيع ؛ لما عرفت من تعيّن الانفساخ فيها.

وربما يحتمل أنّ معنى قولهم : «إنّ التلف ممّن لا خيار له» : أنّ عليه ذلك إذا فسخ صاحبه ، لا أنّه ينفسخ كما في التلف قبل القبض. وأمّا حيث يوجب المشتري فيحتمل أنّه يتخيّر بين الرجوع على البائع بالمثل أو القيمة ، وبين الرجوع بالثمن. ويحتمل تعيّن الرجوع بالثمن. ويحتمل أن لا يرجع بشي‌ءٍ ، فيكون معنى له الخيار : أنّ له الفسخ.

لو كان التالف هو البعض

ثمّ الظاهر أنّ حكم تلف البعض حكم تلف الكلّ. وكذا حكم تلف الوصف الراجع إلى وصف الصحّة بلا خلافٍ على الظاهر ؛ لقوله عليه‌السلام في الصحيحة السابقة (١) : «أو يحدث فيه حدثٌ» فإنّ المراد بالحدث أعمّ من فوات الجزء والوصف.

إذا كان التلف بالاتلاف

هذا كلّه إذا تلف بآفةٍ سماويّةٍ ، ومنه حكم الشارع عليه بالإتلاف.

وأمّا إذا كان بإتلاف ذي الخيار سقط به خياره ولزم العقد من جهته. وإن كان بإتلاف غير ذي الخيار لم يبطل خيار صاحبه ، فيتخيّر بين إمضاء العقد والرجوع بالقيمة والفسخ والرجوع بالثمن.

لو كان الاتلاف من الاجنبي

وإن كان بإتلاف أجنبيٍّ تخيّر أيضاً بين الإمضاء والفسخ ، وهل يرجع حينئذٍ بالقيمة إلى المتلِف ، أو إلى صاحبه ، أو يتخيّر؟ وجوهٌ :

من أنّ البدل القائم مقام العين في ذمّة المتلف فيستردّه بالفسخ ، ولأنّ الفسخ موجبٌ لرجوع العين قبل تلفها في ملك الفاسخ ، أو لاعتبارها عند الفسخ ملكاً تالفاً للفاسخ بناءً على الوجهين في اعتبار يوم التلف أو يوم الفسخ ، وعلى التقديرين فهي في ضمان المتلف ، كما لو‌

__________________

(١) تقدّمت في الصفحة ١٧٠.

١٨٥

كانت العين في يد الأجنبيّ.

ومن أنّه إذا دخل الثمن في ملك من تلف المثمن في ملكه خرج عن ملكه بدل المثمن وصار في ذمّته ؛ لأنّ ضمان المتلف محلّه الذمّة لا الأموال الخارجيّة ، وما في ذمّة المتلف إنّما تشخّص مالاً للمالك ، وكونه بدلاً عن العين إنّما هو بالنسبة إلى التلف من حيث وجوب دفعه إلى المالك كالعين لو وجدت ، لا أنّه بدلٌ خارجيٌّ يترتّب عليه جميع أحكام العين حتّى بالنسبة إلى غير المتلِف (١) ، فهذا البدل نظير بدل العين لو باعها المشتري ففسخ البائع ، فإنّه لا يتعيّن للدفع إلى الفاسخ ، وأمّا الفسخ فهو موجبٌ لرجوع العين قبل تلفها مضمونةً لمالكها على متلفها بالقيمة في ملك الفاسخ ، فيكون تلفها بهذا الوصف مضموناً على المالك ، لا المتلف.

ومن كون يد المفسوخ عليه يد ضمانٍ بالعوض قبل الفسخ وبالقيمة بعده ، وإتلاف الأجنبيّ أيضاً سببٌ للضمان ، فيتخيّر في الرجوع. وهذا أضعف الوجوه.

__________________

(١) في «ش» : «التلف».

١٨٦

مسألة

هل يجب تسليم العوضين في زمان الخيار؟

ومن أحكام الخيار ما ذكره في التذكرة ، فقال : لا يجب على البائع تسليم المبيع ولا على المشتري تسليم الثمن في زمان الخيار ،

ولو تبرّع أحدهما بالتسليم لم يبطل خياره ولا يجبر الآخر على تسليم ما عنده ، وله استرداد المدفوع قضيّةً للخيار. وقال بعض الشافعيّة : ليس له استرداده وله أخذ ما عند صاحبه دون رضاه كما لو كان التسليم بعد لزوم البيع (١) ، انتهى.

ويظهر منه أنّ الخلاف بين المسلمين إنّما هو بعد اختيار أحدهما التسليم ، وأمّا التسليم ابتداءً فلا يجب من ذي الخيار إجماعاً.

ثمّ إنّه إن أُريد عدم وجوب التسليم على ذي الخيار من جهة أنّ له الفسخ فلا يتعيّن عليه التسليم ، فمرجعه إلى وجوب أحد الأمرين عليه. والظاهر أنّه غير مراد.

وإن أُريد عدم تسلّط المالك على ما انتقل إليه إذا كان للناقل خيارٌ ، فلذا يجوز منعه عن ماله ، ففيه نظرٌ ، من جهة عدم الدليل‌

__________________

(١) التذكرة ١ : ٥٣٧.

١٨٧

المخصِّص لعموم سلطنة الناس على أموالهم.

وبالجملة ، فلم أجد لهذا الحكم وجهاً معتمداً ، ولم أجد من عنونه وتعرّض لوجهه.

١٨٨

مسألة

هل يسقط الخيار بتلف العين؟

قال في القواعد : «لا يسقط (١) الخيار بتلف العين»

(٢). وهذا الكلام ليس على إطلاقه كما اعترف به في جامع المقاصد (٣) ؛ فإنّ من جملة أفراد الخيار خيار التأخير ، بل مطلق الخيار قبل القبض ، أو الخيار المختصّ بعده ، ومن المعلوم : أنّ تلف العين حينئذٍ موجبٌ لانفساخ العقد ، فلا يبقى خيارٌ ، فيكون المراد : التلف مع بقاء العقد على حاله لا يوجب سقوط الخيار. وبعبارةٍ اخرى : تلف العين في ملك من في يده لا يسقط به خياره ولا خيار صاحبه.

رأي المؤلّف في المسألة

وهو كذلك ؛ لأنّ الخيار كما عرفت عبارةٌ عن ملك فسخ العقد ، ومعلومٌ : أنّ العقد بعد التلف قابلٌ للفسخ ؛ ولذا تشرع الإقالة حينئذٍ اتّفاقاً ، فلا مزيل لهذا الملك بعد التلف ولا مقيّد له بصورة البقاء.

اللهمّ إلاّ أن يعلم من الخارج أنّ شرع الخيار لدفع ضرر الصبر‌

__________________

(١) في «ش» والمصدر : «لا يبطل».

(٢) القواعد ٢ : ٧٠.

(٣) جامع المقاصد ٤ : ٣١٨.

١٨٩

على نفس العين ، فينتفي هذا الضرر بتلف العين ، كما في العيب ، فإنّ تخيّره بين الردّ والأرش لأنّ الصبر على العيب ضررٌ ولو مع أخذ الأرش ، فتدارَكَهُ الشارع بملك الفسخ والردّ ، فإذا تلف انتفى حكمة الخيار.

أو يقال : إنّه إذا كان دليل الخيار معنوناً بجواز الردّ لا بالخيار اختصّ ثبوت الخيار بصورة تحقّق الردّ المتوقّف على بقاء العين.

هذا ، مع قيام الدليل على سقوط الخيار بتلف المعيب والمدلّس فيه ، فلا يرد عدم اطّراد تلك الحكمة.

مواضع التردّد في ثبوت الخيار مع التلف :

نعم ، هنا موارد تأمّلوا في ثبوت الخيار مع التلف ، أو يظهر منهم العدم :

١ ـ ما ذكره العلّأمة

كما تردّد العلاّمة قدس‌سره في باب المرابحة فيما لو ظهر كذب البائع مرابحةً في إخباره برأس المال بعد تلف المتاع (١) ، بل عن المبسوط (٢) وبعضٍ آخر (٣) الجزم بالعدم ؛ نظراً إلى أنّ الردّ إنّما يتحقّق مع بقاء العين. وفيه إشارةٌ إلى ما ذكرنا : من أنّ الثابت هو جواز الردّ ، فيختصّ الفسخ بصورة تحقّقه.

لكن قوّى في المسالك وجامع المقاصد (٤) ثبوت الخيار ؛ لوجود‌

__________________

(١) القواعد ٢ : ٥٨ ٥٩.

(٢) المبسوط ٢ : ١٤٣.

(٣) حكى السيّد العاملي في مفتاح الكرامة ٤ : ٥٠٠ ، عن الشهيد : أنّه حكاه عن ابن المتوّج ، ولكن لم نعثر على هذه الحكاية فيما بأيدينا من كتب الشهيد.

(٤) المسالك ٣ : ٣١٠ ، وجامع المقاصد ٤ : ٢٦٣.

١٩٠

المقتضي وعدم المانع.

٢ ـ ما ذكره المحقّق الثاني

وكما تردّد المحقّق الثاني (١) في سقوط خيار الغبن بتلف المغبون فيه (٢). وظاهر تعليل العلاّمة في التذكرة عدمَ الخيار مع نقل المغبون العين عن ملكه بعدم إمكان الاستدراك حينئذٍ (٣) هو عدم الخيار مع التلف ، والأقوى بقاؤه ؛ لأنّ العمدة فيه نفي الضرر الذي لا يفرق فيه بين بقاء العين وعدمه ، مضافاً إلى إطلاق قوله عليه‌السلام : «وهم بالخيار إذا دخلوا السوق» (٤) مع أنّه لو استند إلى الإجماع أمكن التمسّك بالاستصحاب ، إلاّ أن يدّعى انعقاده على التسلّط على الردّ ، فيختصّ بصورة البقاء. وألحَقَ في جامع المقاصد بخيار الغبن في التردّد خيارَ الرؤية (٥).

٣ ـ الخيار الذي يجعله المتعاقدان

ومن مواضع التردّد ما إذا جعل المتعاقدان الخيار على وجه إرادتهما التسلّط على مجرّد الردّ المتوقّف على بقاء العين ، فإنّ الفسخ وإن لم يتوقّف على بقاء العين ، إلاّ أنّه إذا فرض الغرض من الخيار الردّ أو الاسترداد ، فلا يبعد اختصاصه بصورة البقاء. والتمكّن من الردّ والاسترداد وإن كان حكمةً في خياري المجلس والحيوان ، إلاّ أنّ الحكم أعمّ مورداً من الحكمة إذا كان الدليل يقتضي العموم ، بخلاف ما إذا كان إطلاق جعل المتعاقدين مقيّداً على وجه التصريح به في الكلام أو‌

__________________

(١) عطف على قوله : «كما تردّد العلاّمة».

(٢) جامع المقاصد ٤ : ٢٩٧ و ٣١٨.

(٣) التذكرة ١ : ٥٢٣.

(٤) المستدرك ١٣ : ٢٨١ ، الباب ٢٩ من أبواب آداب التجارة ، الحديث ٣ و ٤.

(٥) جامع المقاصد ٤ : ٣١٨.

١٩١

استظهاره منه لعدم (١) تعلّق الغرض إلاّ بالردّ أو الاسترداد.

ومن هنا يمكن القول بعدم بقاء الخيار المشروط بردّ الثمن في البيع الخياري إذا تلف المبيع عند المشتري ؛ لأنّ الثابت من اشتراطهما هو التمكّن من استرداد المبيع بالفسخ عند ردّ الثمن ، لا التسلّط على مطلق الفسخ المشروع مطلقاً ولو عند التلف. لكن لم أجد من التزم بذلك أو تعرّض له.

ومن هنا يمكن أن يقال في هذا المقام وإن كان مخالفاً للمشهور بعدم ثبوت الخيار عند التلف إلاّ في موضعٍ دلّ عليه الدليل ؛ إذ لم تدلّ أدلّة الخيار من الأخبار والإجماع إلاّ على التسلّط على الردّ أو الاسترداد ، وليس فيها التعرّض للفسخ المتحقق مع التلف أيضاً. وإرادة ملك الفسخ من الخيار غير متعيّنة في كلمات الشارع ؛ لما عرفت في أوّل باب الخيارات : من أنّه استعمالٌ غالبٌ في كلمات بعض المتأخّرين (٢).

نعم ، لو دلّ الدليل الشرعي على ثبوت خيار الفسخ المطلق الشامل لصورة التلف ، أو جَعَلَ المتبايعان بينهما خيار الفسخ بهذا المعنى ، ثبت مع التلف أيضاً. والله العالم.

__________________

(١) في «ش» : «بعدم».

(٢) راجع المقدّمة الاولى من المقدّمتين المتقدّمتين في أوّل مبحث الخيارات في الصفحة ١١.

١٩٢

مسألة

ضمان العين في يد الفاسخ بعد الفسخ

لو فسخ ذو الخيار فالعين في يده مضمونةٌ‌ بلا خلافٍ على الظاهر ؛ لأنّها كانت مضمونةً قبل الفسخ ؛ إذ لم يسلّمها ناقلها إلاّ في مقابل العوض ، والأصل بقاؤه ، إذ لم يتجدّد ما يدلّ على رضا مالكه بكونه في يد الفاسخ أمانةً ، إذ الفسخ إنّما هو من قِبَلِه.

والغرض من التمسّك بضمانها قبل الفسخ بيان عدم ما يقتضي كونها أمانةً مالكيّةً أو شرعيّةً ، لتكون غير مضمونةٍ برضا المالك أو بجعل الشارع ، وإذن الشارع في الفسخ لا يستلزم رفع الضمان عن اليد كما في القبض بالسوم. ومرجع ذلك إلى عموم «على اليد ما أخذت» (١) أو إلى أنّها قبضت مضمونةً ، فإذا بطل ضمانه بالثمن المسمّى تعيّن ضمانه بالعوض الواقعي أعني المثل أو القيمة كما في البيع الفاسد.

حكم العين في يد المفسوخ عليه

هذا ، ولكنّ المسألة لا تخلو عن إشكال.

وأمّا العين في يد المفسوخ عليه ، ففي ضمانها أو كونها أمانةً‌

__________________

(١) عوالي اللآلي ١ : ٢٢٤ ، الحديث ١٠٦ ، والمستدرك ١٤ : ٨ ، الباب الأوّل من أبواب كتاب الوديعة ، الحديث ١٢.

١٩٣

إشكالٌ : ممّا في التذكرة : من أنّه قبضها قبض ضمانٍ فلا يزول إلاّ بالردّ إلى مالكها (١). ومن أنّ الفسخ لمّا كان من قِبَل الآخر ، فتركه العين في يد صاحبه مشعرٌ بالرضا به المقتضي للاستئمان.

وضعّفه في جامع المقاصد : بأنّ مجرّد هذا لا يسقط الأمر الثابت (٢) ، والله العالم.

هذا بعض الكلام في الخيارات وأحكامها ، والباقي محوّلٌ إلى الناظر الخبير بكلمات الفقهاء.

والحمد لله وصلّى الله على محمّد وآله‌

__________________

(١) التذكرة ١ : ٥٣٨.

(٢) جامع المقاصد ٤ : ٣٢٢.

١٩٤

القول

في النقد والنسية‌

١٩٥
١٩٦

[القول]

[في النقد والنسية‌]

أقسام البيع باعتبار تأخير وتقديم أحد العوضين

قال في التذكرة : ينقسم البيع باعتبار التأخير والتقديم في أحد العوضين إلى أربعة أقسام :

بيع الحاضر بالحاضر ، وهو النقد.

وبيع المؤجَّل بالمؤجَّل ، وهو بيع الكالي بالكالي.

وبيع الحاضر بالثمن المؤجَّل ، وهي النسية.

وبيع المؤجّل بالحاضر ، وهو السَّلَم (١).

والمراد بالحاضر أعمّ من الكليّ ، وبالمؤجّل خصوص الكليّ.

__________________

(١) التذكرة ١ : ٥٤١.

١٩٧

مسألة

إطلاق العقد يقتضي النقد

إطلاق العقد يقتضي النقد ، وعلّله في التذكرة : بأنّ قضيّة العقد انتقال كلٍّ من العوضين إلى الآخر ، فيجب الخروج عن العهدة متى طولب صاحبها (١) ، فيكون المراد من «النقد» عدم حقٍّ للمشتري في تأخير الثمن.

والمراد المطالبة مع الاستحقاق ، بأن يكون قد بذل المثمن أو مكّن منه ، على الخلاف الآتي في زمان وجوب تسليم الثمن على المشتري (٢).

ويدلّ على الحكم المذكور أيضاً الموثّق : «في رجلٍ اشترى [من رجل (٣)] جاريةً بثمنٍ مسمّى ، ثمّ افترقا؟ قال : وجب البيع ، والثمن إذا لم يكونا شرطا فهو نقد» (٤).

إذا اشترطا تعجيل الثمن

ولو اشترطا تعجيل الثمن كان تأكيداً لمقتضى الإطلاق على‌

__________________

(١) التذكرة ١ : ٥٤٦.

(٢) انظر الصفحة ٢٦١ ، القول في وجوب القبض.

(٣) من «ش» والمصدر.

(٤) الوسائل ١٢ : ٣٦٦ ، الباب الأوّل من أبواب أحكام العقود ، الحديث ٢.

١٩٨

المشهور ، بناءً على ما هو الظاهر عرفاً من هذا الشرط : من إرادة عدم المماطلة والتأخير عن زمان المطالبة ، لا أن يعجّل بدفعه من دون مطالبة ؛ إذ لا يكون تأكيداً حينئذٍ. لكنّه خلاف متفاهم ذلك الشرط الذي هو محطّ نظر المشهور ، مع أنّ مرجع عدم المطالبة في زمان استحقاقها إلى إلغاء (١) هذا الحقّ المشترط في هذا المقدار من الزمان.

فائدة اشتراط التعجيل

وكيف كان ، فذكر الشهيد رحمه‌الله في الدروس : أنّ فائدة الشرط ثبوت الخيار إذا عيّن زمان النقد ، فأخلّ المشتري به (٢). وقوّى الشهيد الثاني ثبوت الخيار مع الإطلاق أيضاً (٣) ، يعني عدم تعيين (٤) الزمان إذا أخلّ به في أوّل وقته. وهو حسن.

ولا يقدح في الإطلاق عدم تعيّن زمان التعجيل ؛ لأنّ التعجيل المطلق معناه : الدفع في أوّل أوقات الإمكان عرفاً.

ولا حاجة إلى تقييد الخيار هنا بصورة عدم إمكان الإجبار على التعجيل ؛ لأنّ المقصود هنا ثبوت الخيار بعد فوات التعجيل ، أمكن إجباره به أم لم يمكن ، وجب أو لم يجب ، فإنّ مسألة أنّ ثمرة الشرط ثبوت الخيار مطلقاً أو بعد تعذّر إجباره على الوفاء مسألةٌ أُخرى.

مضافاً إلى عدم جريانها في مثل هذا الشرط ؛ إذ قبل زمان انقضاء زمان نقد الثمن لا يجوز الإجبار ، وبعده لا ينفع ، لأنّه غير الزمان المشروط فيه الأداء.

__________________

(١) في «ش» : «إلقاء».

(٢) الدروس ٣ : ٢٠٢.

(٣) المسالك ٣ : ٢٢٣.

(٤) في ظاهر «ق» : «عدم تعيّن».

١٩٩

مسألة

جواز اشتراط تأجيل الثمن مدّة معيّنة

يجوز اشتراط تأجيل الثمن مدّةً معيّنةً غير محتملةٍ مفهوماً ولا مصداقاً للزيادة والنقصان الغير المسامح فيهما ، فلو لم يعيّن كذلك بطل بلا خلافٍ ظاهراً ؛ للغرر ، ولما دلّ في السَّلَم الذي هو عكس المسألة على وجوب تعيين الأجل وعدم جواز السلم إلى دِياسٍ أو حصاد (١).

عدم الفرق في الأجل بين الطويل والقصير

ولا فرق في الأجل المعيّن بين الطويل والقصير. وعن الإسكافي المنع عن التأخير إلى ثلاث سنين (٢). وقد يستشهد له بالنهي عنه في بعض الأخبار ، مثل رواية أحمد بن محمّد : «قلت لأبي الحسن عليه‌السلام : إنّي أُريد الخروج إلى بعض الجبال إلى أن قال : إنّا إذا بعناهم نسيةً كان أكثر للربح ، فقال : نعم (٣) بتأخير سنةٍ ، قلت : بتأخير سنتين؟ قال : نعم ، قلت : بتأخير ثلاث سنين؟ قال : لا» (٤).

__________________

(١) راجع الوسائل ١٣ : ٥٧ ٥٩ ، الباب ٣ من أبواب السلف.

(٢) حكاه عنه العلاّمة في المختلف ٥ : ١٣٦.

(٣) في الوسائل : «قال : فبعهم».

(٤) الوسائل ١٢ : ٣٦٦ ، الباب الأوّل من أحكام العقود ، الحديث الأوّل.

٢٠٠